جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

غيرها من عقود المعاوضة ، من غير فرق بين الاشتراط وعدمه ، وإن كان ربما يفيد فائدة ، وهي التسلط على الفسخ مع عدم الوفاء به من المؤجر ، أو المستأجر.

نعم لو كان هناك تعارف بعقد ثم يسلم الأجرة قبل المعوض على وجه ينزل العقد عليه ، اتجه وجوبه حينئذ على المستأجر ، نحو المشاهدة في العكس وهو واضح.

كما أنه لو شرط المستأجر مثلا التأجيل في الأجرة صح لعموم « المؤمنون » بشرط أن يكون الأجل معلوما مضبوطا بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال.

وكذا لو شرطها في نجوم على وجه التقسيط فيجعل لكل أجل قسطا معلوما منها ، للإطلاق ، من غير فرق في ذلك بين الإجارة الواردة على معين شخصي والمطلقة الواردة على كلي في الذمة ، خلافا لما عن بعض العامة فمنع في الثانية قياسا على السلم الذي يجب فيه قبض العوض في المجلس ، وهو كما ترى.

وإذا وقف الموجر على عيب في الأجرة سابق على القبض وإن كان متأخرا عن العقد كان له الفسخ المقتضي لزوال ملكه عما قبضه ، فتعود المنفعة إلى ملكه إذا استلزم ذلك فسخ الإجارة لتعذر الإبدال أو تكون له المطالبة بالعوض إذا لم يتعذر كل ذلك إن كانت الأجرة مضمونة في الذمة.

والمناقشة ـ في فسخ الإجارة في الأول بأن الأجرة كلية في الذمة ، فلا يستلزم زوال ملكيته عن الفرد المقبوض بفسخه لها فسخ أصل العقد ، وإن تعذر البدل ، بل ينتظر حتى يتمكن منه أو يغرم قيمته ـ واضحة الفساد ، ضرورة منافاة التزامه بذلك الضرر المنفي ، مضافا إلى الاتفاق ظاهرا على أن له الفسخ في هذا الحال ، وإلى ثبوت الخيار في نظائره بذلك.

بل الظاهر أن له الإمساك بالأرش فيه كما في فوائد الشرائع والمسالك ولعله لصيرورته بتعذر البدل كالعين المعينة ، فيثبت له حكمها من الفسخ أو الأرش.

٢٢١

نعم المتجه عدم فسخ العقد ، وعدم الأرش إذا لم يتعذر البدل ، بل يختص خياره بين الإمساك مجانا ، والمطالبة بالبدل مع فسخه ، للملكية الحاصل من القبض الذي لا يستلزم فسخه فسخ العقد من أصله في هذا الحال ، وإن كان هو ظاهر جماعة في باب الصرف ، إلا أن التحقيق خلافه ، كما أوضحنا ذلك في الباب المزبور وفي باب السلم ونبهنا على اختلاف كلماتهم في البابين فلاحظ ، فإن منه يتضح لك الحال فيما هنا هذا كله في المضمونة.

وإن كانت معينة كان له الرد أو الأرش على حسب العيب في ثمن المبيع بلا خلاف أجده ولا إشكال ، بناء على عدم اختصاص حكم العيب بالبيع.

نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بما إذا لم يكن الأجرة منفعة ، وإلا جرى فيه ما تسمعه إنشاء الله من حكم العيب في العين المستأجرة عند تعرض المصنف له.

ولو أفلس المستأجر بالأجرة فسخ الموجر إن شاء وإلا شارك الغرماء كما تقدم الكلام في ذلك وفي فروعه وفي فلس الموجر مفصلا في باب الفلس فلاحظ وتأمل.

ولا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان ولا الأجير بأكثر مما استأجره ، إلا أن يؤجر بغير جنس الأجرة ، أو يحدث فيه ما يقابل التفاوت كما عن ظاهر الشيخ ، بل لعله ظاهر المقنعة ، أيضا ، وإن اقتصر فيها على الحانوت والدار ، وعلى استثناء الأحداث.

إلا أنه كالمصنف في باب المزارعة صرح بكراهة إجارة الأرض بالأكثر قال فيها : وتكره إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها الإنسان به ، إلا أن يكون قد أحدث فيها عملا أصلحها به ، ككري نهر أو حفر ساقية أو إصلاح دالية أو كراب أرض وأشباه ذلك.

ولا بأس أن يوجرها بأكثر قيمة مما استأجرها به إذا اختلف النوعان ، فكان مال الإجارة عينا وورقا وإجارتها حنطة أو شعيرا وإن لم يحدث فيها شيئا ، وإنما يكره‌

٢٢٢

ذلك فيما يتفق نوعه ، أو يكون عينا وورقا دون غيرهما من العروض.

وهذا التفصيل بين الأرض والثلاثة أحد الأقوال في المسألة ، وربما أضيف إليها الحانوت والرحى ، بل قد عرفت أن المفيد اقتصر على أولهما مع الدار.

وعلى كل حال فيدل عليه من النصوص‌ خبر أبي الربيع الشامي (١) عن أبي ـ عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين فيؤاجرها بأكثر مما يتقبلها ، ويقوم فيها بحظ السلطان قال : لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير ، ولا مثل البيت إن فضل الأجير والبيت حرام ».

وخبر أبي المغراء (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها فقال : لا بأس إن هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إن فضل الأجير والحانوت حرام ».

وخبر إبراهيم بن ميمون (٣) « إن إبراهيم بن المثنى سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وهو ـ يسمع ـ عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يؤاجرها بأكثر من ذلك قال : ليس به بأس ، إن الأرض ليست بمنزلة البيت والأجير ، إن فضل البيت حرام ، وفضل الأجير حرام ».

وأما الجواز مع الإحداث فللأصل والإجماع بقسميه ، وصحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها قال : لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئا ».

وصحيحه الآخر (٥) عنه أيضا « لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا » بناء على إرادة الحرمة من نفي الصلاح في السابق ولو بقرينة النصوص السابقة التي لا ريب في أولوية حمله عليها من العكس ، لأصرحيتها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

٢٢٣

منه ، بل قد يقال : بأنه للقدر المشترك في العرف السابق.

وأما الجواز مع تغاير الجنس فإنه وإن لم يذكر فيما وصل إلينا من النصوص لكن يدل عليه ـ مضافا إلى الإجماع المحكي عليه إن لم يكن المحصل وظهور أن سبب المنع الربا المعلوم انتفاؤه في الفرض أصالة الجواز ، بناء على عدم شمول أدلة المنع له ضرورة لفظ الأكثرية مما استأجرها به في اتحاد الجنس ، لعدم صدق الأكثرية حقيقة في المختلف ، ومن هنا قيد في المقنعة والانتصار الأكثرية فيه بالقيمة.

نعم إلحاق الرحا بها كما هو ظاهر الحر في الوسائل لا يخلو من منع ، إذ لم نعثر له على نص صالح للإخراج به عما يقتضي الجواز ، سوى‌ خبر أبي بصير (١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إني لأكره أن استأجر رحا وحدها ثم أو أجرها بأكثر مما استأجرتها به ، إلا أن تحدث فيها حدثا أو تغرم فيها غرامة » وهو لضعف سنده وقصور دلالته غير صالح للخروج به عما يقتضي الجواز.

وكذا إلحاق السفينة للخبر (٢) القاصر سندا ودلالة أيضا‌ « لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئا » ضرورة أعمية ثبوت البأس من الحرمة.

وبذلك كله ظهر لك قوة القول بالتفصيل المزبور ، وهو الحرمة في البيت والدار والحانوت والأجير لتصريح النصوص السابقة بالفرق بين الأرض وبينها.

ولعل مراد المصنف بالخان ، الحانوت ، فإنه أحد معانيه كما صرح به في القاموس. فيكون حينئذ موافقا لما ذكرنا من المنع في المذكورات ، خلافا لجماعة من القدماء منهم المرتضى والحلبي في ظاهر الانتصار والغنية ، والشيخان وابن الجنيد والصدوق وابن البراج وسلار فيما حكاه في المختلف عنهم.

وإن كان فيه ما فيه ، كما لا يخفى على المتتبع ، فلم يفرقوا في المنع بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ٢.

٢٢٤

المذكورات وغيرها من الأعيان المستأجرة ، ولجماعة من المتأخرين بل نسب إلى أكثر علمائنا ، فلم يفرقوا في الجواز بين الجميع ، لكن على كراهية واختاره العلامة في المختلف حاكيا له عن والده ، والديلمي في رسالته ، والمفيد وإن كنا لم نتحققه ، إذ الموجود في المقنعة ما عرفت ، والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم إلا مع الاستثنائين.

نعم عن ابن الجنيد تقييد ذلك بما إذا كان مال الإجارة ربويا ، ولعله مراد غيره أيضا ، كما أنه حكى فيه عن ابن البراج قولا آخر في الكامل ، قال : « ومن استأجر الأرض بعين أو ورق وأراد أن يوجرها بأكثر من ذلك فعلى قسمين : إما أن يكون قد أحدث فيها شيئا جاز ، وإن لم يكن أحدث لم يجز ، لأن الذهب والفضة مضمونان.

وإن كان استأجرها بغير العين والورق من حنطة أو شعير أو غير ذلك جاز أن يؤاجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع ، وهو ظاهر ، في عدم الجواز مع اختلاف النوع في الورق ، نحو ما سمعته من المفيد في الكراهة.

ومن الغريب بعد ذلك ما في المسالك في شرح عبارة المصنف هنا ، فإنه بعد أن ذكرها قال : « هذا قول أكثر الأصحاب استنادا إلى روايات حملها على الكراهة طريق جمع بينها وبين غيرها ، وفي بعضها تصريح بها ، والأقوى الجواز في الجميع إذ قد عرفت أن التفصيل ليس قول أكثر الأصحاب كما أنك قد عرفت عدم المعارض لنصوص الحرمة في المذكورات أصلا ، فضلا عن الصريح في الكراهة ، وخبر الرحى مع اختصاصه فيها قد عرفت الحال فيه كحسن الحلبي في الدار.

نعم ما ذكره لا يخلو من وجه كذلك بالنسبة إلى الأرض ، فإن النصوص قد تعارضت فيها ، فيرجح ما دل على الجواز فيها سندا ودلالة ، ويحمل المعارض على الكراهة ، خصوصا مع عدم كمال ظهور بعضه في الحرمة ، فضلا عن الصراحة.

ودعوى ـ اقتضاء ثبوت ذلك فيها الثبوت في غيرها لعدم القول بالفصل ، ولإرادة‌

٢٢٥

المثال فيها ـ واضحة الفساد بوجود المفصل ، كما عرفت ، وبعدم إمكان إرادة المثال بعد التصريح في النصوص بالفرق بينها ، وبين المذكورات كما سمعت ، فلا ريب في ضعف التعميم المزبور.

بل قيل : إنه كذلك بالنسبة إلى المنع أيضا ، لعدم ما يصلح للخروج به عما يقتضي الجواز من الإطلاقات ، والعمومات عدا إجماع الانتصار والغنية ، وهو ـ مع عدم صراحة الأول منهما في ذلك بل ولا ظهوره كما لا يخفى على من لاحظه ـ موهون بمصير من عرفت : من القائل بالجواز مطلقا ، أو في الجملة إلى خلافه ، ومعارض بنصوص الأرض والرحى ، ونحوها مما هو أقوى منه من وجوه.

منها : الاعتضاد بالإطلاقات والعمومات ، وعدا دعوى المثالية في نصوص المنع في المذكورات ، وهي أوضح من الاولى فسادا ، بعد تصريح النصوص بالفرق بينها وبين الأرض ، وهو مناف لذلك إلا إذا أريد حينئذ شدة الكراهة ونحوها ، مما هو خروج عن ظاهر الدليل بلا مقتض ، وعدا دعوى أنه ربا ، فيشمله ما دل على حرمته من الكتاب والسنة.

وفيها أنه لا ريب في عدم كونه من الربا المعروف الذي هو القرض الذي يجر نفعا ، أو البيع أو مطلق المعاوضة على المكيل والموزون المتحد الجنس بأزيد منه ، ضرورة كون المقام ليس منه ، ولا دليل معتد به كما عرفت على حرمة الزيادة مطلقا حتى يكون قسما ثالثا ، بناء على أن الربا كل زيادة محرمة.

نعم يتجه بناء على ذلك كونه ربا في خصوص المذكورات ، لما سمعته من الدليل على حرمة الزيادة فيها ، فتزداد حينئذ أدلة الحرمة فيها ، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك حينئذ بين ربوية رأس مال الإجارة وعدمها ، لإطلاق الأدلة ، فما عن ابن الجنيد من اعتبار ذلك في الحرمة لا دليل عليه ، هذا.

ولكن قد يستدل للتعميم المزبور بخبر الحلبي (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتقبل الأرض بالثلث والربع فأقبلها بالنصف قال : لا بأس به ، قلت : فأتقبلها بألف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١ ـ ٢ ـ ٦.

٢٢٦

درهم فأقبلها بألفين ، قال : لا يجوز ، قلت : لم؟ قال : لأن هذا مضمون وذلك غير مضمون ».

وخبر إسحاق بن عمار (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا تقبلت أرضا بذهب أو فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به ، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به ، لأن الذهب والفضة مضمونان ».

ونحوه خبر أبي بصير (٢) المروي في الفقيه لكن فيه مصمتان بالصاد المهملة بدل مضمونان ، ولعل المراد واحد ، بعد ظهور التعليل في الأعم إذ أحسن شي‌ء يقال فيها : أن المراد الفرق بين المزارعة والإجارة ، وكنى عن الثانية بالضمان ، باعتبار وجوب الأجرة فيها على كل حال ، بخلاف المزارعة ، فإن أجرتها غير مضمونة ، ومن هنا جاز فيها الأكثر ، سواء كانت مأخوذة بالإجارة أو المزارعة ، بخلاف الإجارة ، فلا يكون حينئذ للذهب والفضة خصوصية.

ومنه يعلم أنه لا وجه للاستدلال بها على ما سمعته من المفيد ، وكامل ابن البراج نعم هي على هذا التقدير تكون دالة على المنع في الأرض ، إلا أنها لمعارضتها بما عرفت تحمل على الكراهة.

ولا ينافي ذلك ثبوت الكراهة في المزارعة أيضا لو قلنا بها ، لخبر الهاشمي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك ، قال : نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك.

قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا بشي‌ء معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان ، ولا ينفق شيئا أو يؤاجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

٢٢٧

فيكون له في ذلك فضل في إجارته ، وله تربة الأرض أو ليست له؟ فقال : إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت ».

إذ يمكن الجمع حينئذ بالحمل على شدة الكراهة في الإجارة دون المزارعة ولعله أولى من الجمع بحمل الإجارة في نصوص الجواز على المزارعة ، فيبقى ما دل على المنع من هذه الروايات وغيرها بلا معارض.

ولا ينافي ذلك التصريح بالفرق بينها وبين البيت والأجير ، ضرورة كون وجهه حينئذ واضحا باعتبار عدم المزارعة فيهما دونها ، وإن كان يؤيده ما عرفت سابقا من الإجماع المحكي المعتضد بالمحكي من فتوى الأكثر ، وكثرة السؤال والجواب في النصوص عن ذلك ، فيما لو آجر بعض العين بأكثر من الأجرة وبالمساوي ونحو ذلك مما يستشعر من المذاق فيها حكم ما نحن فيه ، وغير ذلك.

إلا أنها لعدم ظهورها في إرادة الإجارة من الضمان ، فضلا عن المصمت ، بل أقصاه أنه احتمال أقرب من احتمال إرادة بيان الفساد من الضمان ، باعتبار كونه إجارة بالأكثر ، أو باعتبار إرادة المزارعة بالدراهم لا بالحصة المشاعة ، أو نحو ذلك لا ينبغي أن يجسر بها على مخالفة الأصل بل الأصول ، وعلى تعيين إرادة المزارعة من الإجارة في نصوص الجواز ، ومن هنا كان الحمل على الكراهة أولى.

وأما احتمال تقييد نصوص الجواز بنصوص الأحداث أو بنصوص إجارة البعض بأكثر الإجارة ، كما في المختلف فواضح الفساد ، خصوصا الثاني منهما بل الأول ، ضرورة منافاة النص على الفرق بينها وبين البيت لذلك ، كما هو ظاهر.

ومن ذلك كله ظهر لك تمام الأقوال في المسألة ، ومستند كل واحد منها وبطلانه هذا كله فيما لو آجر تمام العين بأزيد من الأجرة.

وكذا لو سكن بعض الملك ، لم يجز له أن يؤجر الباقي بزيادة على الأجرة والجنس واحد إذ هو مع أنه مشمول لأدلة المنع يستفاد حكمه من خبر أبي الربيع الآتي ، ومن الأول بالأولى وهو واضح.

نعم لا إشكال كما لا خلاف نصا وفتوى في أنه يجوز إجارة‌

٢٢٨

البعض المزبور وإن قل بأكثرها أي الأجرة مع اتحاد الجنس ، فضلا عن اختلافه.

إنما الكلام في المساوي ، والأقوى الجواز للأصل بل الأصول ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الربيع (١) المروي في الفقيه « ولو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ولكن لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها » خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع ، لكونه ربا.

ولمضمر سماعة (٢) المشتمل على بيع المرعي بأزيد مما اشتراه أو بالمساوي ، بناء على إرادة الإجارة من البيع فيه ، ولما يشعر به خبر علي بن جعفر (٣) وغيره مما اشتمل على السؤال عن ذكر الإجارة بالأنقص ، ولو قليلا مما يظهر أنه منتهى الجواز وربما كان ذلك هو الظاهر من عبارة المتن وما شابهها.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحية معارضة مثله للنص المزبور المعتضد بما عرفت ، كسابقه الذي من المأول الذي لا يكون حجة مع عدم القرينة الصارفة والمعينة ، وأما الربا فقد عرفت أنه غير الربا المتعارف ، فيقتصر فيه على محل النص ، ولا ريب في عدم شموله للفرض ، ضرورة عدم صدق إجارة الأرض بالأزيد ، الظاهر في كون الأجرة الثانية أزيد من الأولى ، وليس ما بقي في يده منها قطعا كما هو واضح هذا.

وظاهر الأصحاب اختصاص الحكم المزبور في الإجارة في الأصل وفي الآخر أما لو كان في الصلح أو الشرط مثلا فيهما أو في أحدهما ، لإطلاق الأدلة وهو جيد إن كان إجماعا ، وإلا كان مشكلا بإطلاق حرمة الفضل في البيت والحانوت والأجير مما ذكر في وجه الفرق بين الأرض وغيرها ، فلاحظ وتأمل والله العالم.

ولو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معين بأجرة معينة واشترط عليه وصوله في وقت معين ، فإن قصر عنه نقص عن أجرته شيئا معينا جاز وفاقا للأكثر نقلا وتحصيلا ، بل المشهور كذلك للأصل ، وقاعدة « المؤمنون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣ ـ لكن عن الحلبي.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٨.

٢٢٩

عند شروطهم ».

والصحيح أو الموثق أو الخبر المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي (١) قال : « كنت قاعدا عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر عليه‌السلام جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما : اني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتسبته كذا وكذا ، وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما ، فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفه كراه فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر عليه‌السلام فقال : شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه ».

قيل : ولصحيح ابن مسلم (٢) قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إني كنت عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما : إني اكتريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا وكذا ، وإنه لم يفعل ، قال : فقال ليس له كرا. قال : فدعوته وقلت : يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه ، وقلت للآخر : ليس لك أن تأخذ كل الذي عليه اصطلحا فترادا بينكما ».

وفيه أنه غير محل الفرض الذي قد عرفت اشتراط النقصان فيه إن لم يوصله فيه ، وليس فيه تعرض لما عدا اليوم المعين بالأجرة ولا لغيرها ، بل ليس في كلام الإمام أن اللازم في غيره أجرة المثل ولا غيرها.

بل في حواشي ثاني الشهيدين على روضته أن ما تضمنه الخبر من الحكم مخالف للقواعد الشرعية ، لأن اللازم من تعيينه اليوم المعين والسكوت عن غيره أنه لا يستحق في غيره الأجرة ، كما قال ذلك القاضي إلا بفرض اطلاعه عليه‌السلام على ما يوجب بطلان الإجارة فحكم عليهما بالاصطلاح ، لأن الثابت أجرة المثل ، وهي خارجة عن المعين كما أشار إليه في كلامه.

وإن كان قد يدفع بمنع اقتضاء ذلك عدم الأجرة مطلقا حتى على نقله له في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

٢٣٠

بعض مدة التعيين الذي بمقتضى عقد الإجارة ، والفرق بينه وبين الجعالة يستحق التقسيط ، كما أنه يمكن منعه أيضا فيما لو أخذ التعيين شرطا لا مشخصا على وجه يكون المراد نقل اليوم المخصوص ، نحو الاستيجار مثلا على صوم أول يوم من رجب ، فصام ثانيه ، بل المتجه فيه مع فسخ العقد ـ لعدم الوفاء بالشرط ـ الرجوع إلى أجرة المثل ، وإلا فالمسمى.

لكن الظاهر حمل الخبر المزبور على التقسيط ، ورواه في الفقيه (١) صريحا في غير الفرض ، « قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إني كنت عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما : اني اكتريت من هذا دابة ليبلغني عليها موضع كذا وكذا فلم يبلغني الموضع فقال القاضي لصاحب الدابة : بلغته إلى الموضع؟ قال : لا ، قد أعيت دابتي فلم يبلغ ، فقال القاضي ليس لك كرى إن لم تبلغه إلى الموضع الذي اكترى دابتك إليه ، قال : فدعوتهما إلى وقلت للذي اكترى : ليس لك يا عبد الله أن تذهب بكرى دابة الرجل كله ، وقلت للآخر : ليس لك أن تأخذ كرى دابتك كله ، ولكن انظر قدر ما بقي من الموضع وقدر ما ركبته ، فاصطلحا عليه ، ففعلا » وهو صريح في غير ما نحن فيه.

نعم ربما أيد بصحيح أبي حمزة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكتري الدابة فيقول : اكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ويسمى ذلك قال : لا باس به كله » بناء على كون المراد منه انه اشترط عليه في متن العقد ذلك ، لا أنه إجارة معلقة ، فيكون حينئذ كاشتراط النقصان في الخبر المزبور ، إلا أنه كما ترى ، وكيف كان فالعمدة الموثق المذكور معتضدا بما عرفت.

لكن قد أشكل ذلك بالتعليق والجهالة والإبهام ، وأنه كالبيع بثمنين نقدا ونسيئة مثلا ، ومن هنا كان خيرة المحقق الثاني وغيره من المتأخرين البطلان في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

٢٣١

ذلك ، وطرخ الخبر أو حمله على الجعالة أو نحو ذلك.

وهو ـ مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجهالة ولو لفهم المعظم منه الإجارة ـ مدفوع بمنع التعليق في العقد ، إذ ليس المراد منه الإجارة بالمقدار الناقص لو نقص ، كي يكون معلقا ، بل أقصاه التعليق في الشرط وهو النقص من الأجرة ، ولا دليل على بطلانه فيه ، إذا لم يرجع إلى التعليق في نفس العقد.

بل قد يظهر من كلامهم في تعليق اشتراط الخيار على رد الثمن أن الصحة فيه على مقتضى عموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » كما أن مقتضاه أيضا عدم قدح مثل هذه الجهالة في الشرائط التي يغتفر فيها من ذلك مالا يغتفر في غيرها ، وليست راجعة إلى أحد العوضين.

ومن ذلك يعلم أنه ليس كالبيع بثمنين ، ضرورة أن المشابه له الإجارة على تقديرين ، نحو إن خطته روميا فلك درهم ، وفارسيا نصفه ، وليس ذلك كذلك ، كما صرح به في المختلف ، ولذا صرح بالصحة في الفرض من لم يقل بها في نحو المثال المزبور ، ضرورة كون المستأجر عليه فيما نحن فيه معينا ، وإنما اشترط عليه ذلك على تقدير المخالفة مثلا ، فيصح حينئذ حتى لو نقص ما اشترط عما يقتضيه التقسيط لو لم يشترط ، لعموم « المؤمنون » وإطلاق الموثق المعتضد بفتوى المعظم.

ولا ينافيه ما‌ في الدعائم (١) عن الصادق عليه‌السلام « أنه سئل عن الرجل يكتري الدابة أو السفينة على أن يوصله إلى مكان كذا يوم كذا ، فإن لم يوصله يوم ذلك كان الكرى دون ما عقده ، قال : الكرى على هذا فاسد ، وعلى المكتري أجر مثل حمله » بعد ظهوره في جهالة المسمى على تقدير عدم الإيصال فيتجه البطلان الموجب لأجرة المثل ، هذا كله إن اشترط النقصان.

وأما لو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصله فيه لم يجز وفاقا‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٩.

٢٣٢

للمشهور نقلا وتحصيلا ، لكونه شرطا منافيا لمقتضى الإجارة ، إذ مرجعه إلى استحقاق ذلك العمل عليه بعقد الإجارة بلا أجرة ، فيكون نحو قولك آجرتك بلا أجرة ، وبفساده يفسد العقد ، كما هو الأصح ، وإليه أشار‌ أبو جعفر عليه‌السلام في خبر الحلبي المتقدم بقوله « شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه » وكان له حينئذ أجرة المثل لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

لكن في اللمعة فيه نظر لأن قضية كل إجارة المنع من نقيضها ، فيكون قد شرط قضية العقد ، فلم تبطل الإجارة ، غاية ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط وهو نقله في اليوم المعين يكون البطلان منسوبا إلى الأجير ، حيث فوت الزمان المعين ، ولم يفعل فيه ما شرط عليه ، فلا يستحق شيئا ، لأنه لم يفعل ما استوجر عليه ، ولا يكون البطلان حاصلا من جهة العقد.

فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير ، وإثبات أجرة المثل ، بل اللازم عدم ثبوت شي‌ء وان نقل المتاع الى المكان المعين في غير الزمان ، لأنه فعل ما لم يؤمر به ، ولا استوجر عليه ، فالشرط المزبور حينئذ مؤكد لمقتضى العقد ، لا مناف له.

وفي الروضة « وهذا النظر مما لم يتعرض له أحد من الأصحاب ، ولا ذكره المصنف في غير هذا الكتاب ، وهو متوجه ، الا أنه لا يتم إلا إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمان المعين ، وما خرج عنه خارج عنها ، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب أن مورد الإجارة كلا القسمين ، ومن ثم حكموا بصحتها مع إثبات الأجرة على كلا التقديرين ، نظرا إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعينة المشتملة على الأجرة المعينة ، وإن تعددت واختلفت لانحصارها وتعينها كما تقدم ، وبطلانها على التقدير الآخر.

ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأول خاصة وهو النقل في الزمن المعين لكان الحكم بالبطلان ـ على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره ـ أولى لأنه خلاف قضية الإجارة ، وخلاف ما تعلقت به ، فكان أولى بثبوت أجرة المثل وجعل‌

٢٣٣

القسمين متعلقها ـ على تقدير ذكر الأجرة ، والأول خاصة على تقدير عدمه في الثاني مع كونه خلاف الظاهر ـ موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.

ويمكن الفرق بكون تعين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها ، وهو الأجرة فيهما ، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعلها موردا من حيث نفي اللازم الدال على نفى الملزوم ، وحينئذ تنزيله على شرط قضية العقد أولى من جعله أجنبيا مفسدا للعقد ، بتخلله بين الإيجاب والقبول ».

قلت : قد عرفت أن ظاهر الرواية وكلام الأصحاب عدم التعدد في مورد الإجارة ، وأن ذلك إنما ذكر على جهة الشرطية التي لا يقتضي التعدد ، وإلا لما صح لهم الحكم بالصحة مستندين فيها إلى عموم (١) « المؤمنون » ونحوه.

نعم قد يدفع النظر المزبور بمنع اقتضاء تعيين زمان الإيصال في الفرض المزبور على جهة الشرطية ، عدم الأجرة على مطلق النقل لو لم يوصله فيه ، ولذا خالف أبو جعفر عليه‌السلام ما ذكره القاضي بقوله « ليس له كرى » في صحيح ابن مسلم على ما رواه عنه في الكافي ، وإنما يسلم ذلك فيما لو كان الزمان مشخصا للعمل المستأجر عليه على وجه يكون كصوم أول يوم رجب مثلا.

أما في الفرض الذي قد استوجر فيه على النقل إلى ذلك المكان ، إلا أنه اشترط عليه الوصول في زمان معين فلا ، وإنما المتجه فيه اجراء حكم غيره من الشرائط إذا لم يف بها من اشترط عليه ، من التسلط على الفسخ ، والرجوع إلى أجرة المثل ، أو الالتزام بالمسمى كما أن المتجه التقسيط فيما لو استأجره على النقل إلى مكان معين فحمله إلى نصف الطريق ولم يوصله ، كما هو واضح والله هو العالم.

وإذا قال : آجرتك كل شهر بكذا ، صح في شهر ، وله في الزائد أجرة المثل إن سكن كما في المقنعة والنهاية مصرحا في أولهما بما إذا لم يعين ابتداء المدة ولا آخرها ، فضلا عما يعين فيه ذلك ، ولعله مقتضى إطلاق المتن وغيره ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

٢٣٤

اللهم إلا أن ينزل على إرادة الإطلاق المنزل على الاتصال بزمان العقد.

وقيل : والقائل جماعة بل لعله المشهور بين المتأخرين تبطل مطلقا حتى لو صرح بالاتصال فضلا عن الإطلاق ، لتجهل الأجرة بتجهل المنفعة المستحقة ، فيبطل العقد بالنسبة إلى جميع مورده من غير فرق بين الشهر وغيره.

والأول أشبه عند المصنف وأصول المذهب وقواعده التي منها ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وإطلاقات الإجارة وصدق المعلومية عرفا بالنسبة إلى الشهر ، وفحوى صحيح أبي حمزة وغير ذلك ، ولكن مع ذلك فالثاني هو الأقوى ، ولو مع فرض اتصال الشهر ، للجهالة المزبورة التي ينقطع بها الإطلاق المزبور ونحوه.

ودعوى ـ كون المراد من ذلك عرفا هذا الشهر بدرهم ، وكل شهر تسكنه كذلك ، فلا جهالة فيه حينئذ بالنسبة إلى الشهر يدفعها ـ بعد التسليم تنزيل مثل هذا الإطلاق على الاتصال المقتضي لذلك ـ أن أدلة الجهالة تقضى بفساد العقد بمجرد الجهالة في مورده ، ولو في الجملة ، وليست هي كضم غير المملوك إلى المملوك يصح في أحدهما ويبطل في الآخر ، كما أوضحناه في محله ، وصحيح أبي حمزة ـ مع أنه في الشرط الذي يمكن دعوى الاغتفار فيه ما لا يغتفر في العقد ـ محتمل لإرادة اشتراط مقدار الغرامة لو تعدى وتجاوز ، لما هو متعارف في التأكيد على عدم التجاوز عن المكان المعين ، لا أنه إجارة على هذا التقدير.

وأوضح من ذلك فسادا ما في الغنية من دعوى صحة العقد في غير الشهر أيضا ، نحو ما عن الشيخ وابن الجنيد ، لكن قال فيها « يستحق الأجرة للزمان المذكور ، بالدخول فيه ، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني ، إذ هو مع ما فيه مشتمل على الإبهام باعتبار عدم علم منتهى المدة ، وشبه التعليق باعتبار عدم علم السكنى وغير ذلك.

هذا كله فيما ذكره من فرض الإجارة ، أما لو فرض بوجه يكون كالجعالة بأن يقول الساكن مثلا « جعلت لك على كل شهر أسكنه درهما » لم يبعد الصحة ،

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١.

٢٣٥

لعدم اعتبار العلم فيها أزيد من ذلك ، كما أنه لم يبعد الصحة لو جعل من قبيل الإباحات بأعواض معلومة ، تلزم بالتلف كما في نظائر ذلك من الأعيان والمنافع والله اعلم.

( تفريعان‌ )

الأول : لو قال : ان خطته فارسيا أي بدرز فلك درهم ، وان خطته روميا أى بدرزين فلك درهمان صح جعالة لإطلاق أدلتها المقتضي لاغتفار مثل هذه الجهالة والإبهام فيها ، خلافا للفاضل في المختلف ، فأبطلها لتطرق الجهالة في الجعل ، فيجب أجرة المثل وفيه منع ، كما تعرفه في محله إنشاء الله.

نعم الظاهر البطلان اجارة كما اختاره جماعة منهم ابن إدريس على ما حكي عنه ، للإبهام المنافي للملكية في المعاوضات ، وخبر الحلبي قد عرفت أنه لا يدل على مثل ذلك ، لكن في اللمعة ومحكي المبسوط وغيرها الصحة في ذلك وفي‌ الفرع :

الثاني أيضا ، وهو ما لو قال : ان عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان ، وفي غد درهم وان قال المصنف هنا فيه تردد ولكن أظهره عنده وعندهم الجواز لصدق المعلومية ولآية (١) موسى عليه‌السلام وخبر الحلبي (٢) وصحيح أبي حمزة (٣) المتقدمين سابقا ، وفيه منع صدقها على وجه ترتفع الإبهام المنافي لملكية المعاوضة ، وآية موسى عليه‌السلام ظاهرة في كون الثاني إحسانا لا اجارة ، كما يقضي به « فمن عندك » ولا ينافيه قوله « أيما الأجلين » ولو بقرينة ذكره ذلك في الإجارة ، بعد إرادة الأجل الإجاري والوعدي ، وخبر الحلبي والصحيح المتقدم قد عرفت عدم دلالتهما على جواز مثل هذا الإبهام.

وما عساه يظهر من المصنف هنا ـ كالمحكي عن المبسوط والتحرير والكفاية‌

__________________

(١) سورة القصص الآية ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١.

٢٣٦

من الفرق في الجملة بين المثالين ـ في غير محله ، ضرورة اشتراكهما معا في الإبهام المزبور ، ودعوى أقربية الثاني إلى المنصوص من الأول كما ترى ، كما أنه لا فرق على الظاهر بين قول « آجرتك كل شهر بدرهم » وقول آجرتك شهرا بدرهم فإن زاد فبحسابه.

خلافا للفاضل في القواعد فحكم بالبطلان في الأول ، والرجوع الى أجرة المثل ، والصحة في الشهر في الأخير ، والبطلان في الزائد.

وفيه : أنه مناف لقاعدة اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد ، كما أوضحناه في كتاب البيع ، فمعلومية الشهر والدرهم لا تجدي في الصحة حينئذ ، فضلا عما لو لم يكن الشهر معلوما ، لعدم ارادة المتصل منه كما هو واضح ، وكأن الوجه ـ للقول بالصحة في نحو هذه الأمثلة مع معلومية منافاة ما فيها من التعليق والجهالة ـ الإلحاق بما في موثق الحلبي وصحيح أبي حمزة وغيرهما ، سواء كان موافقا للضوابط أو لا.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الانطباق أولا ، وعدم جواز القياس عندنا ثانيا ، بناء على كونه مخالفا للقواعد التي تجب الاقتصار على ما يخالفها بالخصوص كما هو واضح.

وكيف كان فـ ( يستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه ) كالثوب يخيطه في بيته أم ملك المستأجر ، ومنهم من فرق بين الحالين وهو الشيخ في المبسوط قال فيما حكي عنه في أثناء كلام له في مسألة التلف : « ان كان العمل في ملك الصانع لا يستحق الأجرة حتى يسلم ، وان كان في ملك المستأجر استحق الأجرة بنفس العمل » ولعله لأنه في الثاني يسلم بخلاف الأول ، قيل : وفيه منع صدق التسليم عليه قبل أن يصير في يد المستأجر وستعرف ما فيه.

وعلى كل حال فالظاهر ارادته الفرق بذلك من حيث التسليم ، لا الملك الذي لا خلاف ظاهرا بحصوله بالعقد ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه ، بل يمكن تحصيله ، مضافا الى أنه مقتضى العقد ، والأصل عدم اشتراطه بأمر آخر من التسليم وغيره ،

٢٣٧

انما الكلام في استحقاق التسليم على أحدهما أولا وعدمه ، وقد تقدم في كتاب البيع تحقيق الحال في ذلك. وأنه يجب على كل منهما التسليم للأمر بالوفاء وغيره ، فإذا تعاسرا أجبرا معا على التقابض.

أما لو بذل أحدهما وامتنع الآخر ولم يمكن جبره كان للباذل الحبس حتى يدفع اليه العوض ، قضاء لحق المعاوضة التي بني العقد عليها ، كما أشبعنا الكلام فيه سابقا ، ولا فرق بينه وبين المقام الذي هو أحد المعاوضات.

نعم قد يشكل الحال في خصوص الإجارة على الأعمال منه ، باعتبار عدم تصور التقابض فيه ، لكون العمل تدريجيا ، والظاهر الإجماع على عدم استحقاق الأجير تسلم الأجرة قبل العمل ما لم يشترط ، أو تكون عادة على وجه تقوم مقام الاشتراط ، بل عن بعضهم دعواه عليه ، فضلا عن نفي الخلاف من آخر ، لما فيه من منافاة مقتضى المعاوضة ، والضرر على المستأجر ، وغير ذلك مما يعلم منه انتفاء احتمال وجوب ذلك ، تمسكا بمقتضى الملكية التي فرض حصولها بالعقد.

وبأنه مقتضى الأمر بالوفاء ، الظاهر في أن كل شي‌ء بحسب حاله بالنسبة الى ذلك ، ضرورة أنك قد عرفت تحكيم مقتضى المعاوضة ، وبناؤها على مقتضى الملكية المزبورة ، والأمر بالوفاء إنما هو بكل عقد على حسب مقتضاه ، وقد فرض اقتضاؤه ما عرفت.

ولعله للإجماع المزبور ، ونحوه يفرق بين المقام وبين البيع لو كان الثمن عملا ، الذي قد سلف منا هناك وجوب تسلم المبيع على البائع قبل العمل على تأمل فيه ، فلاحظ وتدبر.

كما أنه لا خلاف ولا إشكال في استحقاق تسلمها بعد العمل الذي يحصل تسلمه بإكماله ، كالصوم والصلاة والحج والزيارة ونحوها ، بل الإجماع بقسميه عليه ، فضلا عن النصوص والتي منها‌ الصحيح (١) « لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته » بل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ١ ـ ٢.

٢٣٨

الظاهر أن منه الأعمال التي تكون في ملك المستأجر ، أي فيما في يده كإصلاح جداره في داره ونحوه مما هو في يد المستأجر ، وتحت سلطانه ، وان استأجر أجيرا على العمل فيه ، ولعل هذا هو مراد الشيخ فيما سمعت منه سابقا ، كما يشهد له التقييد بحضور المالك فيما حكاه عنه في التنقيح. ومحكي التحرير.

بل وكذا لا اشكال ولا خلاف في استحقاق تسلمها بعد تسليم ما فيه أثر العمل من الثوب الذي استوجر على خياطته ، ونحوه ، مما هو تحت يد الأجير وسلطنته ، انما البحث في وجوب تسليمها في نحو الأجير ، بمجرد إكمال العمل ، والفراغ منه وعدمه ، ظاهر المصنف بل صريحه الأول ، خصوصا مع قوله بعد ما سمعت.

ولا يتوقف تسليم أحدهما على الأخر بل لعله ظاهر غيره أيضا ممن أطلق استحقاق الأجير أجرته بإكمال العمل ، ضرورة صدقه في الفرض ، لإطلاق الأمر بالوفاء ، وقاعدة التسلط ، وإطلاق « لا يجف عرقه » وبناء المعاوضة على ذلك.

لأن المراد من الإجارة فعل الخياطة الذي يتسبب منه حصول صفة المخيطة في الثوب ، وقد حصلا معا ، وليس في يد الأجير إلا الثوب الذي هو للمستأجر مع صفته ، ولا شي‌ء منهما مورد عقد الإجارة حتى يجري عليه حكم المعاوضة إذ موردها انما هو العمل الذي تولد منه الصفة المزبورة ، وذاك تسليمه إيقاعه ، لأن تسليم كل شي‌ء بحسب حاله.

ودعوى ـ أن مورد الإجارة الصفة المزبورة ، والفعل إنما هو مقدمة لها ، فهي حينئذ العوض ، فلا يجب تسليم الأجرة حينئذ إلا بتسليمها ، كما هو الشأن في البيع وغيره من المعاوضات ـ يدفعها معلومية كون مورد الإجارة الأعمال ، وإنما العقد الموضوع لملك ذلك ، والصفة إنما يملكها صاحب الثوب تبعا للموصوف ، لا أنه يملكها بعقد الإجارة ، وعلى هذا فالمتجه فيما لو أتلف الصانع العين بعد تمام العمل تضمينه إياه معمولا مع دفع الأجرة ، لا التخيير بين ذلك ، وبين تضمينه إياه غير معمول مع عدم دفع الأجرة ، كما جزم به في القواعد ، ومحكي التذكرة والتحرير وجامع المقاصد ، وجعل السر فيه في الأخير أن أجر العمل لا يستقر إلا بعد تسليمه‌

٢٣٩

والفرض أنه لم يتسلمه ، فلا تستقر عليه أجرة ، ولأنه ملكه على تلك الصفة ، فملك المطالبة بعوضه كذلك ، فوجبت عليه أجرة العمل ، وهو المسمى ، ولا خصوص تضمينه إياه غير معمول كما عن المبسوط ، لكون الصفة التي هي عمل الأجير بمنزلة المبيع وقد تلفت قبل قبضها ، فتذهب من ماله كالمبيع ، فيضمن الثوب غير معمول ، ولا تضمينه إياه معمولا بدون دفع أجرة ، لأنه ملكه على تلك الصفة ، وسقوط حق الأجير منها باعتبار عدم تسليمها لا يقتضي سقوط حق المالك ، إذ ذلك كله مبني على ما عرفت فساده ، بل المتجه عليه عدم سقوط الأجرة ، أيضا فيما لو تلفت العين بعد إكمال العمل من غير تفريط ، وإن كان في ملك الأجير لما عرفت.

لكن في القواعد لم يستحق الأجرة على إشكال ، بل المتجه أيضا ضمانه للعين لو حبسها على تسليم الأجرة ، لعدم جواز الحبس له ، إذ المعاوضة قد تمت بإتمام العمل ، فهو غاصب حينئذ ، وبذلك جزم في القواعد ، ولكنه مناف لما سمعته منها وغيره.

قال فيها : « ولا يبرء الأجير من العمل حتى يسلم العين كالخياط إن كان العمل في ملكه ، ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغا ، فلو تلفت العين من غير تفريط بعد العمل ، لم يستحق أجرة على إشكال ، ولو كان في ملك المستأجر برء بالعمل واستحق الأجرة ، ولو حبس الصانع العين حتى يستوفى الأجرة ضمنها » ، ولقوله في المقام وإن وقعت على عمل ، ملك العامل الأجرة بالعقد ، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل.

وهل يشترط تسليمه الأقرب ذلك وقد تجشم المحقق الثاني في جمع هذه الكلمات بما لا يرجع إلى أمر يعتمد عليه ، إذ هو كله مبني على ذلك الأصل الذي قد عرفت الحال فيه ، واحتمال بناء الضمان بالحبس المزبور على عدم جوازه عنده أيضا ، مناف لما ذكره هو وغيره من بناء اشتراط استحقاق الأجرة على التسليم ، على أنه كباقي المعاوضات التي من أحكامها جواز الحبس بالحبس.

كما ان احتمال ـ بنائه على أن الثوب نفسه ليس من مورد المعاوضة ، وإنما‌

٢٤٠