جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ملك المحيز قهرا حتي لو قصد عدمه ، بل لعل ظاهر الدليل خلافه ، خصوصا مع عدم قصد الدخول في حوزته بالاستيلاء عليه.

نعم ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) « من أحيى ، أو حاز » أو نحوهما اعتبار قصد الفعل بعنوان الاستيلاء عليه ، والإدخال تحت سلطانه الذي هو الملك عرفا في ترتب الملك شرعا ، فهو حينئذ من الأسباب الشرعية في حصول الملك ، ولا مانع من جريان النيابة فيه ، كغيره من الأسباب لعموم الوكالة كما هو واضح بأدنى تأمل.

وأما الالتقاط بمعنى ترتب حكم التعريف ونحوه عليه فقد يظهر من بعضهم عدم الجواز فيه ، ولعله لظهور أدلته في اعتبار المباشرة فيه ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، إن لم يكن إجماعا ، وقلنا بالعموم المزبور على الوجه المذكور.

نعم لا تجوز الوكالة في إقامة الشهادة إلا على وجه الشهادة على الشهادة بل هي ليس من الوكالة بل النيابة في شي‌ء ، وإنما هي شهادة على الشهادة ، ولكن لها شبه في النيابة ، ومن هنا صح الاستثناء ، ولو بجعلها من الافراد المجازية لها.

وأما القضاء والحكم بين الناس وقسمة الفي‌ء والغنيمة ففي جامع المقاصد « أنه يصح التوكيل فيه » ومراده ولو بقرينة ما تقدم له سابقا ما في المسالك من جواز تولية الإمام غيره في القضاء ، وكذا تولية منصوبه الخاص لغيره مع الإذن في ذلك ، وتسمية هذا النوع وكالة مجاز ، واستثناؤه من هذا الباب لكونه عبادة ، بل من أكمل العبادات ، إلى أن قال : « وإنما قيدنا تولية القضاء بالإمام أو نائبه الخاص لعدم إمكان تولية منصوبه العام وهو الفقيه في زمان الغيبة لغيره ، لأن غيره إن كان جامعا لشرائط الفتوى كان مساويا للأول في كونه نائبا للإمام فيه أيضا ، وإلا لم يتصور كونه قاضيا ، لما اتفق عليه الأصحاب من اشتراط جميع شرائط الفتوى في القاضي ، نعم يمكن الاستنابة في الحلف بعد توجه اليمين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب إحياء الموات الحديث ـ ٥ ـ ٦.

٣٨١

لكن فيه مواضع للنظر كدعوى أنه من العبادات التي من شرط صحتها النية ، وكدعوى عدم تصوره في زمن الغيبة لما ذكره مما يعتبر في القاضي لا نائبه في القضاء ، بمعنى جواز توليته قول حكمت الذي فيها الفصل بين المتخاصمين ، فهي كغيرها من الأسباب التي يصح فيها التوكيل ، فالأولى الاستناد فيه إلى الإجماع على عدم قبوله للنيابة ان كان ، وتسمع إنشاء الله زيادة تحقيق للمسألة في كتاب القضاء.

وفي جامع المقاصد متصلا بالعبارة السابقة « وكذا لا يجوز للحاكم أن يوكل من ينوب عنه في الحجر ويوكل الغرماء من يطلبه منه ، أما المحجور عليه فلا يصح له أن يستنيب من يحكم عليه بالحجر عنه » ومراده أن يكون النائب نفسه محجورا عليه.

وأما رد السلام فقد جزم في جامع المقاصد بعدم صحة التوكيل فيه ، وأنه متعلق بمن سلم عليه ، معللا له بأن وجوبه فوري والتوكيل مؤد إلى فواته ، وفيه أن مجرد ذلك لا يصلح للمانعية ، لإمكان تصورها مع عدم فواتها ، وكذا الكلام في كل فوري خيار وغيره ، وأما التوكيل في الإقرار ففيه بحث تعرفه إنشاء الله تعالى فيما يأتي ، هذا كله فيما لا يدخله النيابة لمعلومية اعتبار الشارع فيه ما ينافيها.

وأما ما تدخله النيابة ، فضابطه : ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة ويكفي في ذلك عدم العلم باعتبارها ، لعموم مشروعية الوكالة والنيابة كما عرفت ، كأ نواع البيع وتوابعه من قبض الثمن ودفع المثمن ، والإقالة ، وإثبات الخيار والفسخ به ، ونحو ذلك.

وكذا الرهن والصلح والحوالة والكفالة والضمان والشركة والوكالة والعارية وفي الأخذ بالشفعة والإبراء والوديعة والوصية وقسم الصدقات وقبضها ودفعها وعقد النكاح وتوابعه من فرض الصداق والفسخ بالعيب والخلع والمبارأة والطلاق وغيرها واستيفاء القصاص‌

٣٨٢

وإن شرع للتشفي وقبض الديات ، وفي الجهاد على وجه لأن المقصود به حماية الدين ، وحراسة المسلمين ، فلا يتعلق الغرض فيه بمعين.

نعم لو فرض تعينه بتعيين الإمام إياه لجودة رأيه في الحرب أو بتوقف الدفع عليه ، لم يجز التوكيل فيه ، وفي جامع المقاصد هذا هو المراد بقوله على وجه ، وفي استيفاء الحدود مطلقا مع حضور المستحق وغيبته ، وسواء كان الحد لآدمي أو لله تعالى.

وكذا يجوز التوكيل في إثبات حدود الآدميين التي هي أحد حقوقهم ، أما حدود الله سبحانه وتعالى فلا يجوز عند المصنف والفاضل في القواعد ، بل تحريره المنع منه مطلقا ، إلا في حد القذف.

لكن في التذكرة صرح بجوازه في إثبات حد الله فضلا عن الآدمي ، محتجا بأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وكل أنيسا في إثبات الحد واستيفائه جميعا حيث قال له « فان اعترفت فارجمها » وبدخول ذلك في نيابة النواب الذين كانوا يرسلونهم إلى الأطراف ، ولعله الأقوى في النظر ، فيجوز للإمام ونائبه العام ذلك ، ولا ينافيه درء الحد بالشبهة. نعم ليس لأحد توكيل غيره في ذلك ، لاستواء المكلفين في الحسبة ، ويمكن حمل عبارة المصنف وغيره على ذلك.

وكذا يجوز التوكيل في عقد السبق والرماية كغيره من العقود والعتق والتدبير والكتابة ، وفي الدعوى ، وفي إثبات الحجج والحقوق وغيرها مما لا حاجة إلى تعدادها بعد ما عرفت من الأصل الذي ذكرناه ، مع أن هذا التعداد لا يفي بحصرها ، كما أن الضابط المزبور لا يجدي في أفراد الشك.

اللهم إلا أن يريدوا به ما أشرنا إليه من الاكتفاء بعدم العلم فيه ، ولعله المقصود لهم ، كما يومي إليه تعرضهم للدليل في ممنوع التوكيل ، بخلاف غيره مما اكتفوا في جواز التوكيل فيه ، بعدم ما يقتضي المنع ، وبذلك يتم أيضا ما ذكرناه‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٥.

٣٨٣

من الأصل المزبور والله العالم.

والثاني من الأمور المعتبرة في الموكل فيه أن يكون معلوما بنوع من العلم ، كما عرفت تفصيل البحث فيه سابقا على هذا الفصل ، وكذا عرفت الحال فيما لو وكل على كل قليل وكثير وأنه قيل لا يصح لما يتطرق من احتمال الضرر يعتق جميع عبيده ، وتطليق جميع نسائه ، وهبة جميع أملاكه ونحو ذلك ، مما لا يوجه وقيل يجوز ، ويندفع الاحتمال باعتبار المصلحة ولكن قال المصنف هو بعيد عن موضع الفرض الذي هو العموم المزبور.

نعم لو وكله على كل ما يملك صح لأنه يناط بالمصلحة بعد اندفاع معظم الغرر عنه بتخصيص المتعلق في الجملة.

وفيه أولا : أن العموم أولى باعتبار المصلحة المعتبرة في الفرد الخاص ، فضلا عنه.

وثانيا : أنه لا فرق في ضبط المصلحة بين العمومين ، فان انتشار العام لا يمنع من ذلك ، فان مرجع المصلحة إلى نظر الوكيل فما علم فيه المصلحة فعله ، وما اشتبه امتنع ، ولأنه لو فصل ذلك العام المنتشر صح ، ويقيد برعاية المصلحة على ما اعترفوا به ، وذلك مشترك بينهما ويمكن حمل كلام المصنف على إرادة البحث في صحة الوكالة ملاحظا فيه عدم التقييد بالمصلحة ، وأنه يفعل كلما يشاء ، وحينئذ يبقى البحث معه في ذلك ، مع فرضها على وجه يصح وقوعها من الموكل وأنها لا تؤثر سفها أو نحوه مما يمنعه من الوكالة فإنه يكون خارجا عما نحن فيه اما مع عدمه فالوجه الصحة لعموم الوكالة فتأمل جيدا.

الثالث : أن يكون مملوكا للموكل اتفاقا منا كما في جامع المقاصد « فلو وكله على طلاق امرأة سينكحها أو عتق عبد سيملكه أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح نعم لو وكله على شراء عبد وعتقه أو ثوب وبيعه جاز ، ومنه كما في جامع المقاصد ما لو قال : طلق زوجتي ثلاثا فإنه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما ، قال : ولكن‌

٣٨٤

يرد عليه أن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل ، فإن الرجعة انما يملكها بعد الطلاق فحقه أن لا يصح.

ثم أجاب بأنه ليس ببعيد أن يقال : إن التوكيل في مثل هذا جائز لأنه وقع تابعا لغيره ، ونحوه ما لو وكله في شراء شاتين ، وبيع إحداهما أما لو وكله فيما لا يملكه استقلالا كما لو وكل في طلاق زوجة سينكحها لم يصح ، والفرق بين وقوع الشي‌ء أصلا وتبعا كثير ، لأن التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة ، واستكمال أركانها ، وقد وقع الإيماء إلى ذلك في التذكرة.

قلت : وقد تبعه عليه كل من تأخر عنه ، ونظروه في الوقف على المعدوم أصالة وتبعا.

لكن الإنصاف أنه ليس بشي‌ء عند التأمل ، فإن النظائر لا تصلح لأن تكون دليلا ، ودعوى تناول العموم له دون الأول مجرد اقتراح ، وإنكار جوازه مطلقا مكابرة ، بل مشروعية المضاربة حجة عليه ، فإنها من الوكالة أيضا فلا بد أن يقال ما ـ يرجع منها الى معنى التعليق باطل ، باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها

أما مالا يرجع إلى ذلك بان جعله وكيلا عنه ونائبا منا به فيما هو أهل له ، ولو بإيجاد سببه المتأخر ، عن حال العقد صح ، وإن لم نجعله تابعا في وكالة شخص خاص ، بل وكل شخصا على الشراء وآخر على بيع ما يشتريه ذلك ، لكن على الوجه المزبور وبالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائبا منابه وقائما مقامه في كل ما هو أهل له ، من غير فرق بين الموجود والمتجدد له من ملك وغيره.

وحينئذ له أن يبيع ما يدخله في ملكه بإرث وهبة وغيرهما ، ولعل من ذلك وكلاء الأئمة ونوابهم سيما وكلاء الناحية ووكلاء المجتهدين في زمن الغيبة على ما يتجدد من حق الخمس والزكاة وغير ذلك مما هو راجع إلى الإمام عليه‌السلام فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع لم أجد من أحاط به.

٣٨٥

نعم احتمله الشهيد في حواشيه ، وحكاه عن التذكرة هذا ، ولعله بالتأمل فيما ذكرناه يظهر لك أن العنوان المزبور في الشرط المذكور في غير محله ، وإن انساق إلى الذهن بعض الأفراد التي تنطبق عليه ، والأمر سهل بعد معلومية الحال في كثير من الافراد التي هي ممنوعة مباشرة وتوكيلا ، بل لا يجوز له في بعضها مباشرتها للغير أيضا فلا يصح وكالته فيها ولا توكيله ، ومنها ما يحرم عليه مباشرتها وإن جاز التوكيل فيها ككنس الحائض والجنب المسجد.

وعلى كل حال فلو قال الموكل اشتر لي من مالك كر طعام لم يصح ، إذا كان المراد جعل الثمن في العقد من مال الوكيل لما هو معلوم من عدم جواز شراء الإنسان بماله ما يملكه غيره ، فيكون وكالته فيه باطلة.

نعم لو قال : اشتر لي في الذمة واقض الثمن عني من مالك صح ، لجريان الوكالة في وفاء الدين ، ولو قال اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ، وبرء بالتسليم إلى البائع الذي قد أقامه الموكل مقام نفسه ، كما تسمعه من المصنف ، ولا يكفي تشخيص المديون قبل قبضه بعد أن لم يكن وكيلا على ذلك.

وحينئذ فلو شخص المديون الدين بنقد خاص واشترى به للموكل لم يكن صحيحا واحتمل بعض الأفاضل صحته ، وإن كان لم يبرء تماما إلا بالتسليم إلى البائع وحاصله أنه بذلك التشخيص يكون الملك للموكل متزلزلا ويكفي في صحة البيع ولكن تمامه متوقف على تسليم البائع.

إلا أنه كما ترى لا يمكن انطباقه على القواعد الشرعية ، بعد فرض عدم وكالته على التشخيص المزبور ، ودعوى استفادة ذلك كله من عبارة الموكل ممنوعة ، وستسمع زيادة لذلك عند تعرض المصنف له في آخر الفصل الرابع والله هو العالم بحقيقة الحال.

٣٨٦

الفصل ( الثالث : في الموكل )

ويعتبر فيه البلوغ والعقل وأن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه مما تصح فيه النيابة ، فلا تصح وكالة الصبي لسلب عبارته وفعله فضلا عن عدم جواز تصرفه مميزا كان أو لم يكن أذن فيه وليه أو لم يأذن ، كما عرفته غير مرة.

نعم ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه ، كالوصية والصدقة والعتق والطلاق على رواية بل في جامع المقاصد نسبة القول بها في الثلاثة الأول إلى الشيخ وجماعة ، بل فيه « إن القول به وإن كان مشهورا إلا أن مستنده غير واضح ».

قلت : ستعرف في كتاب الوصية أن الأقوى جوازها فيه ، إذا كانت بالمعروف لأرحامه وغيرهم ، وفاقا للمشهور ، أما غيرها فمحل بحث ومنع ، وحينئذ لا بأس بتوكيله فيها ، ضرورة ترتب صحتها على جواز ذلك له ، لأن احتمال اعتبار المباشرة في الجواز له كما ترى ، بل الظاهر بعد جوازه له ، جواز توليه لغيره ممن يجوز منه صبيا أيضا وغيره ، كما أومى إليه المصنف بقوله وكذا يجوز أن يتوكل فيه ، لأن احتمال اختصاص اعتبار لفظه فيه نفسه بعيد عن مذاق الفقه.

وكذا لا تصح وكالة المجنون مطبقا أو أدوارا ، بلا خلاف ولا اشكال ، بل قد عرفت اتفاقهم ظاهرا فيما تقدم على انه لو عرض ذلك بعد التوكيل أبطل الوكالة بل والإذن ، وإن تأمل فيه المحدث البحراني بل مال إليه ، لكنه في غير محله ، كما أوضحناه سابقا.

ولعل الشرط الثالث كان مغنيا عن ذكر الأولين ، ضرورة عدم جواز التصرف للصبي والمجنون ، فلا تصح منهما الوكالة ، ومن هنا عبر الفاضل عن هذا الشرط باعتبار ملك الموكل مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية ، ثم فرع عليه عدم الجواز للصبي والمجنون وغيرهما ، والأمر سهل بعد وضوح الحال.

٣٨٧

وأما المملوك فلا خلاف ولا إشكال في أن للمكاتب منه المشروط والمطلق أن يوكل في البيع والشراء ونحوها لأنه يملك التصرف في الاكتساب فجاز له الوكالة فيه ، نعم قد يتوقف في وكالته عن الغير في ذلك ما لم يكن اكتسابا ، ومقتضى الأصل المنع ، كتوكيله في غير التكسب ، وليس الاذن المستفاد من عقد المكاتبة في التكسب يقتضي الإذن في غيره. لكن ستسمع إنشاء الله تحقيق الحال فيه في محله.

وليس للعبد القن أن يوكل إلا بإذن مولاه وإن قلنا بملكه ، لكونه محجورا عليه فيه ، نعم يجوز له التوكيل فيما يملك مباشرته بدون إذنه كالطلاق كما سيأتي ولو وكله إنسان بإذن مولاه بناء على اعتبار ذلك في صحة وكالته في شراء نفسه من مولاه صح للعمومات ومغايرة المشتري للمبيع يكفى فيها الاعتبار ، مع أنها هنا حقيقية لأن المشتري حقيقة هو الموكل كما هو واضح.

وليس للوكيل أن يوكل عن الموكل إلا بإذن منه بصريح اللفظ أو ظاهره ، أو قرينة حال أو مقال ، بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ضرورة أن مجرد وكالته على البيع مثلا لا يقتضي وكالته ، بل ولا الإذن في إيقاع عقد الوكالة عنه للغير ، أو الإذن له في ذلك كما هو واضح ، وليس هو كالوصي الذي وصايته ولاية ، لا استنابة ، فيجوز له الوكالة عن نفسه إلا مع نص الموصى على المنع ، لعموم (١) ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) خلافا لابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، وابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب ، فجوزا توكيله الغير عن الموكل ، وهو كما ترى ، وأما وكالته عن نفسه فظاهرهم أيضا أنها كالوكالة عن الموكل متوقفة على الإذن من الموكل.

لكن قد يشكل ذلك بعدم ثبوت حق للوكيل على وجه يصح توكيله ، خصوصا بعد ما اعتبروا في الموكل أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية ، فلا تجدي‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٨١.

٣٨٨

الإذن من الموكل في الوكالة عنه نفسه في كون الأمر مستحقا كي يصح توكيله عن نفسه ، والا لاقتضت مجرد وكالته هذا الاستحقاق له ، على وجه لا يحتاج إلى إذن الموكل في توكيله ، وصارت الوكالة حينئذ كالولاية.

ويمكن أن يكون وجهه أن له حق النيابة فيما له فعله ، وهو المراد بملك الموكل له إلا أن توقفه على إذن الموكل باعتبار توقف صيرورة فعل شخص لآخر على الإذن منه فيه ، والفرض أن الوكيل الثاني يفعل الفعل عن موكله للموكل الأول ، فلا يكون له إلا مع اذنه فيه ، إذ مع عدمها إنما أذن في لفظ الوكيل الأول مثلا أن يكون لفظا له ، لا وكيله. كما هو واضح ونافع ، ويأتي مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله عند تعرض المصنف له.

ولو كان المملوك مأذونا له في التجارة عن نفسه أو مولاه جاز له أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه لغيره من المأذونين كذلك ، لأنه حينئذ بسبب العادة المزبورة كالمأذون فيه صريحا بلا خلاف ولا اشكال ، نعم لا يجوز له أن يوكل في غير ذلك لأنه يتوقف على صريح الأذن عن مولاه أو كالصريح في جواز التعويل عليه من ظاهر لفظ أو غيره ، وله أن يوكل فيما يجوز أن يتصرف فيه ، من غير إذن مولاه مما تصح فيه النيابة كالطلاق ونحوه مما فيه المقتضي للجواز بلا مانع ، إذ الرقية في حد ذاتها لا تمنع من التوكيل وإنما هي كالحجر لسفه أو فلس.

فيجوز للمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه ، من طلاق وخلع وما شابهه مما هو غير داخل في الحجر أما ما حجر عليه فيه ، فلا تجوز وكالته فيه ، لعدم كونه جائز التصرف حالها ، وهي استنابة.

لكن الإنصاف إن لم يكن إجماعا إمكان القول بصحتها ، وإن توقف تصرف الوكيل على فك الحجر عن الموكل نحو الوكالة على طلاق امرأة وهي في طهر المواقعة أو حال الحيض الذي لا خلاف نصا وفتوى في جوازه ، وليس ذا من التعليق في شي‌ء بل‌

٣٨٩

ولا من الوكالة في طلاق امرأة سينكحها ، فما في التذكرة « من أنه من جوز التوكيل في طلاق امرأة سينكحها ، وبيع عبد سيملكه ، فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الولي وكل هذا عندنا باطل » لا يخلو من نظر.

وكيف كان فـ ( لا ) يجوز ان يوكل المحرم في عقد النكاح ولا ابتياع الصيد بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، لعدم جواز أصل الفعل للموكل ، فلا تجوز وكالته فيه ، بل لا تجوز وكالته عن الغير في ذلك كما ستعرف ، لحرمة أصل الفعل عليه.

نعم هذا كله في الوكالة لإرادة الوقوع حال الإحرام ، أما لو حصلت الوكالة حالته لإرادة الوقوع حال الإحلال ففي المسالك « ظاهر العبارة منعه ، والأولى الجواز » وهو مؤيد لما قلناه سابقا ، لكن في جامع المقاصد « ظاهرهم عدم الجواز ، فلا يعتمد على هذا التوكيل لعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الان. وهو شرط عندنا ، فكان كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها » ثم حكى عبارة التذكرة السابقة ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

مضافا إلى خصوص‌ خبر الرازي (١) « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وكل رجلا بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت ، وخرج الرجل فبدا له فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به. وأنه قد بدا له في ذلك ، قال : فليعلم أهله وليعلم الوكيل ».

هذا وتمام الكلام في حكم المحرم في محله وكذا المعتكف بناء على مساواته له في حرمة الشراء ونحوه ، فلاحظ وتأمل ، وعلى كل حال فقد ظهر بما ذكرنا أنه لا إشكال في صحة الوكالة مع اجتماع ما عرفت في الموكل.

وحينئذ فلا إشكال في أنه يجوز للأب والجد أن يوكلا عن الولد الصغير في كل مالهما الولاية فيه كغيرهما من الأولياء ، وكذا تصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا أو ضرورة لوجود المقتضي وعدم المانع ، فما عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الوكالة الحديث ـ ١.

٣٩٠

ابن سماعة من الخلاف في ذلك لا ينبغي الالتفات اليه ، بل وللحاضر على الأظهر الأشهر بل المشهور ، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه بين المسلمين ، لعموم الوكالة وخصوص ترك الاستفصال في صحيح الأعرج (١) وغيره.

خلافا للمحكي عن الشيخ والقاضي والتقي فمنعوها في الثاني لقوله عليه‌السلام (٢) « الطلاق بيد من أخذ بالساق » المراد منه بقرينة معلومية جواز الوكالة في الغائب أن أمره إليه مباشرة أو وكالة ، وإطلاق‌ خبر زرارة (٣) عنه عليه‌السلام « لا تجوز الوكالة في الطلاق » المقتصر في تقييده على الغائب عن البلد ، جمعا بينه وبين النصوص المزبورة.

إلا أنه كما ترى ـ مع قصور سنده ومنافاة إطلاقه الإجماع وإن حكي عن ابن سماعة ـ لا يقاوم ما سمعت من الأدلة من وجوه ، خصوصا مع عدم التعرض في شي‌ء من النصوص لغيبة ولا حضور ، وإن صرح بعضها بالجواز في الأول ، إلا أن إثباته لا ينفى ما عداه كما هو واضح ، والله العالم.

ولو قال الموكل اصنع ما شئت كان دالا على الإذن في التوكيل عن الموكل وعن نفسه لانه تسليط على ما تتعلق به المشيئة الذي يندرج فيه الفرض فإن لفظ ـ ما ـ للعموم الذي لا فرق بينه وبين الخصوص في الاعتبار ، وإن تفاوتا في القوة والضعف فما في التذكرة من الخلاف في ذلك محتجا بأن التعميم فيما يفعله بنفسه ، فلا يتناول التوكيل ـ في غير محله.

ويستحب استحبابا إرشاديا أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما وكل فيه عارفا باللغة التي يتحاور بها في الموكل فيه ، بحيث يكون مليا بتحقيق مراد الموكل ، بل عن ابن البراج وظاهر أبي الصلاح وجوبه ، ولكنه ضعيف والوجه الندب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث ـ ١.

(٢) الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٧ طبع احمد حنفي.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث ـ ٥.

٣٩١

كما انه ينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة والخصومة عنه ، إذا لم يباشر هو ، وكذا يوكل من يباشر عنه جميع ما يقتضيه الحال من التصرف الممنوعين منه وكذا غير السفهاء ممن للحاكم ولاية عليه ، وكذا الحكم في الوصي وغيره من الأولياء ، إلا أن ينص الموصى على عدم التوكيل عنهم ولكن يكره لذوي المروات من أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان أن يتولوا المنازعة بأنفسهم لهم فضلا عنها لغيرهم.

بل قد يستفاد مما‌ روى عن على عليه‌السلام « أن للخصومة قحما ، وأن الشيطان ليحضرها ، وإنى لأكره أن أحضرها » عموم الكراهة المتسامح فيها ، وإن تأكدت فيهم خصوصا ، إذا كانت مع ذوي الألسنة البذية.

ولا ينافي ذلك مخاصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش ، ثم إلى علي عليه‌السلام ، ومخاصمة علي عليه‌السلام (٢) ، مع رجل رأى عنده درع طلحة ، « فقال له : إنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فأنكره ودعاه إلى شريح القاضي فمضى عليه‌السلام معه إليه ، » وهي مشهورة ، ومخاصمة على بن الحسين عليهما‌السلام مع زوجته الشيبانية لما طلقها وادعت عليه المهر ، فإن الدواعي والضرورات الرافعة للكراهة في حقهم عليهم‌السلام قائمة والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ٦.

٣٩٢

الفصل ( الرابع في الوكيل )

ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل بلا خلاف ولا إشكال ، فلا تصح وكالة الصبي إلا فيما عرفت ، والمجنون بعد سلب عبارتهما ، وما عن ابن البراج من استثناء الإذن في دخول دار الغير وإيصال الهدية من سلب عبارة الصبي خارج عما نحن فيه من الوكالة ، مع أن ذلك مسلم بالقرائن الدالة على صدقه عمن له ذلك ، لا أنه إنشاء منه ، وحينئذ فتجوز وكالة البالغ العاقل ، ولو كان فاسقا أو كافرا أو مرتدا للعموم ، والامتناع في بعض الأفراد لأمر آخر لا ينافي صحتها في الجملة.

وحينئذ فـ ( لو ارتد المسلم لم تبطل الوكالة لـ ) ما عرفت من أن الارتداد لا يمنع الوكالة ابتداء ، فكذا استدامة بل هي أولى للأصل ، نعم قد تبطل وكالة الكافر من حيث كونها على مسلم ، كما ستعرف ، وهو شي‌ء غير ما نحن فيه من صحة أصل وكالته ، وظاهرهم كما اعترف به في جامع المقاصد والمسالك عدم الفرق بين المرتد الفطري والملي في ذلك ، ودعوى خروج الأول عن القابلية ممنوعة ، والمسلم منها بالنسبة إلى نفسه.

لكن في حواشي الكتاب للمحقق الثاني على قوله ، « لأن الارتداد » الى آخره « إلا أن تكون الردة عن فطرة ويكون رجلا ، أو تكون الوكالة على مسلم ، فإن كانت غير فطرة والوكالة على غير مسلم روعي في بقاء الوكالة وعدمه عوده إلى الإسلام وعدمه ، فإن عاد فوكالته باقية ، وكذا سائر تصرفاته ».

وهو كما ترى حتى بالنسبة إلى المراعاة التي ذكرها ، لما عرفت من عدم المانع من كونه وكيلا وهو مرتد ، وفي حواشي الشهيد المراعاة في المرتد عن ملة إذا كان الموكل عليه مسلما ، وفيه أن المتجه حينئذ البطلان ، بناء على بطلان وكالته ابتداء ، فكذا استدامة ، لا المراعاة.

٣٩٣

وكيف كان فالضابط في الوكيل هو أن كل ماله أن يليه بنفسه بمعنى جواز أصل الفعل له ، ولو لعدم دليل الحرمة ( وتصح النيابة فيه ، صح أن يكون وكيلا فيه فـ ) تخرج العبادات وما شابهها وإن جاز أن يليها بنفسه إلا أنه لا تصح النيابة فيها وتصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس لا لأنهما كما في المسالك ـ يجوز أن يليا لأنفسهما بعض الأفعال ، فتصح وكالتهما فيها بل في غيرها ـ إذ هو كما ترى ، خصوصا اضرابه ، بل لأن لهما مباشرة ذلك بأنفسهما ، ضرورة معلومية عدم حرمة ذلك عليهما ، وإنما هما ممنوعان من التصرف في مالهما ، لا أن من أحكامهما حرمة ذلك عليهما ، كالمحرم الذي صح تنزيله على الضابط المزبور فقال :

ولا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله ، كابتياع الصيد وإمساكه وعقد النكاح لما عرفت في الضابط من « كل ماله أن يليه بنفسه » إذ هو ضابط للوكيل نفيا وإثباتا ، ولذا ذكر تفريعا عليه ما دخل وما خرج ، ولا يشكل ذلك في المرتد الفطري بعدم جواز فعله ما يوقعه لغيره لنفسه ، إذ قد عرفت أن المدار على حرمة المباشرة التي لا دليل عليها في المرتد من حيث ارتداده ، وإنما لم يجز ذلك لعدم الملك والذمة له شرعا ، وفرق واضح بين جواز فعل الشي‌ء بنفسه ، وبينه لنفسه ، كما هو واضح.

وأيضا فالمنع من تولى الشي‌ء يتبع دليله ، فإن كان مفاده المنع من مباشرته بمعنى حرمة أصل الفعل عليه ، بحيث لم يجز فعله له ولغيره وكالة ، وولاية ، وفضولا ، كما في بعض محرمات الإحرام اتبع ، وإلا اقتصر عليه ، فليس مجرد الامتناع لنفسه يقتضي الامتناع عن الوكالة فيه عن الغير ، بل لعل الاستقراء في كثير من الموارد وعمومات الوكالة كذلك يشهد بخلافه.

وبذلك بان أن المدار في الضابط المزبور أمران : أحدهما : كون الفعل مما يجوز وقوعه من النائب وليس هو من المحرمات عليه ، والثاني : كون الشي‌ء مما‌

٣٩٤

تصح النيابة فيه فتأمل والله العالم.

وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها لزوجها ولغيره ، بلا خلاف فيه بيننا ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، ولعمومات الوكالة ، وهل تصح في طلاق نفسها قيل والقائل الشيخ لا يجوز لاشتراط المغايرة بين الوكيل والمطلقة وفيه تردد بل منع ضرورة اقتضاء عمومات الطلاق الاكتفاء بمثل هذه المغايرة الاعتبارية نحو ما سمعته في غير المقام من نظائره وكذا تصح وكالتها عندنا في عقد النكاح إيجابا وقبولا لأن عبارتها معتبرة فيه عندنا للعمومات خلافا للشافعي المانع من توكلها فيه إيجابا وقبولا ، كالمحرم وليس بشي‌ء كما ذكرناه في محله ، وحينئذ فهي مندرجة في الضابط المزبور الذي هو مفاد العمومات ، ضرورة عدم حرمة شي‌ء من ذلك عليها ، وقابليته للنيابة.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه يجوز وكالة العبد إذا أذن له مولاه للعمومات ، فهو مندرج في الضابط المزبور ، أما مع عدم الإذن فظاهر المتن وغيره عدم الجواز ، لحرمة التصرف في مال الغير ، والانتفاع به بدون إذن مالكه ، من غير فرق في ذلك بين اقتضائهما منع شي‌ء من حقوق السيد وعدمه.

لكن في المسالك والتذكرة جواز توكيله بغير إذنه في الأشياء القليلة إذا لم يمنع شيئا من حقوقه.

وفيه : أن المانع إن كان ملكية المولى للمنافع كما هو الظاهر ، فلا فرق بين المنافية لحق المولى وغيرها في التوقف على الإذن ، وإن كان المانع المنافاة لحق المولى لزمه الجواز في غير ما ينافيها ، سواء كانت قليلة أو كثيرة ، والسيرة في مكالمته ومحادثته إن تمت فلا يتعدى منها إلى غيرها.

وقد أطنب في المسالك في الجواب عن ذلك بما لا يرجع إلى محصل ، إذ هو‌

٣٩٥

إما دعوى دلالة القرائن على إذن السيد في ذلك ، وهو خروج عن وظيفة الفقيه ، أو دعوى الإذن شرعا فيه حتى تعلم الكراهة ، للسيرة المستمرة ، بل وإن علمت ، لانه كالاستظلال بحائط الغير ، وفيهما معا منع واضح.

نعم قد يقال بترتب الصحة على عقده وإن بطلت وكالته ، مع فرض استمرار إذن المالك به بعد عدم سلب عبارته ، بل لعله كذلك حتى مع نهي السيد ، فإن أقصى ذلك ترتب الإثم لا الفساد.

وكيف كان فالمراد في صحة وكالته بالإذن أن قبوله لا يؤثر إلا معها ، بل الظاهر أن للسيد أن يقبل عنه فيكون وكيلا وإن لم يرض هو ، سواء كان بجعل أو غيره ، كما له تزويج أمته قهرا ، بل ليس له عزل نفسه عن الوكالة مع نهي السيد ، بل ولا مع عدم إذنه كما هو واضح.

وعلى كل حال فـ ( يجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه ) كما جاز وكالته في بيعها وشرائها ، وليس في الأدلة ما يقتضي أزيد من المغايرة الاعتبارية بين المعتق والبائع والمشتري ومحل الصيغة كما عرفته سابقا والله العالم.

ولا يشترط عدالة الولي ولا الوكيل في عقد النكاح بلا خلاف فيه بيننا ، بل ولا إشكال ، فيجوز للأب والجد ذلك وإن كانا فاسقين ، كما يجوز الوكالة للفاسق فيه إيجابا وقبولا ، للعمومات ، خلافا للمحكي عن بعض الشافعية من اشتراط العدالة فيهما ، ولا ريب في ضعفه.

نعم في اعتبار عدالتهما في ولاية المال خلاف على ما في المسالك ، بل حكى فيها عن التذكرة القطع بأن الفاسق لا ولاية له ، حتى لو كان عدلا ففسق انتزع المال منه ، وأنه استشكل في ذلك في القواعد في كتاب الوصايا ، وعلى كل حال هو بحث آخر غير ما نحن فيه كما هو واضح.

ولا يتوكل الذمي على تحصيل حق من المسلم للذمي ، ولا للمسلم على القول المشهور بل في التذكرة والتنقيح وعن ظاهر المهذب والمسالك و‌

٣٩٦

غيرهما الإجماع عليه ، وهو إن تم ، الحجة ، لا الآية (١) التي لا يخفى عليك ما في دلالتها على ذلك ، خصوصا بعد ورود تفسيرها بأن المراد من السبيل الحجة ، على أن ذلك هو سبيل صاحب الحق الذي فرعه الوكيل.

ولا إشكال في جواز مضاربة الذمي ، وإن باع من مسلم وطالب بالثمن ، وهي متضمنة للوكالة ، أي بعد أن كان الدليل الإجماع ، لا الآية ، وحينئذ فلا معنى للتعدي عن مورد الإجماع اللهم إلا أن يدعى الأولوية الممنوعة. وإن جزم بها في الرياض تبعا للشهيد في المسالك بل قد يقال بجواز الاذن له في ذلك ، وإن لم يكن وكالة فإنها هي مورد الإجماع المزبور.

بل قد يقال : بجواز وكالة المسلم له على استيفاء ماله في ذمة المسلم ، بما للمسلم في يده من المال ، لعدم اندراجه في الإجماع الظاهر في غير الفرض ، كما أنه ظاهر في الاختصاص بما إذا تضمن الوكالة نوع قهر وسلطنة للتعبير بلفظ على ، والاستدلال بالآية.

أما غيره كالوكالة في العقد معه أو إعطاؤه دينارا مثلا فالمتجه الجواز ، وفاقا لجماعة من متأخري المتأخرين ، لعموم أدلته ، خلافا للمحكي عن ابن زهرة من المنع عن توكله على تزويج المسلمة من المسلم ، وعن توكيل المسلم على تزويج المشركة من الكافر ، مدعيا عليه إجماع الإمامية ، معللا ذلك بأنهما لا يملكان لأنفسهما ذلك ، وفيه منع واضح ، بل قد عرفت أن الضابط في الوكيل جواز مباشرته بنفسه ، لا جوازه لنفسه والله العالم.

وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم فيه تردد وخلاف ، فعن ظاهر المفيد والشيخ في النهاية والديلمي وأبي الصلاح وابن زهرة المنع ، بل عن الأخير منهم الإجماع عليه ، والوجه كما عن عامة المتأخرين الجواز على كراهية‌

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٤١.

٣٩٧

للعموم السالم عن معارضة ما يقتضي المنع حتى الآية ، فإنه ليس إثبات سبيل للكافر ، بناء على كون المراد منه سبيل الوكالة ، لا سبيل التوكيل ، وإلا لجاز للمسلم أن يوكل الذمي على المسلم ، وقد عرفت أنها إحدى الصورتين المسوغتين.

بل لعل مراد الجميع الكراهة ، كما عساه يومي إليه ما عن التذكرة من الإجماع على الجواز لكن على كراهة ، فإنه لا يتم إلا بحمل عبارات القدماء التي هي بمرأى منه على ذلك.

وربما يرشد إليه أيضا ما في محكي المختلف « ويكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم ، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة ، ولأنه لا دليل على جوازه » فإنه وإن أشعرت عبارته الأخيرة بإرادة الحرمة من الكراهة في أولها ، لكن يمكن العكس ، بل لعله أولى ، فيراد الجواز الخالي منها ، خصوصا بعد ملاحظة ما عن مبسوطه « يكره أن يتوكل مسلم لكافر علي مسلم ، وليس بمفسد للوكالة » وبعد معلومية دليل أصل الجواز من العمومات وغيرها ، ودعوى أنه من السبيل المنفي أيضا واضحة المنع.

وعلى كل حال فما عرفت ، حكم الصور الثلاثة ، أما باقي الصور الثمانية المتصورة في المقام لأن الموكل إما مسلم أو ذمي ، والوكيل كذلك ، والموكل عليه كذلك ، فلا إشكال في جوازها بلا كراهة ، وإلى بعضها أشار المصنف بقوله ويجوز أن يتوكل الذمي على الذمي والله العالم.

ويقتصر الوكيل في التصرف على ما استفاد من عقد الوكالة انه أذن له فيه صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية أ ( وما تشهد العادة بـ ) إرادة الاذن فيه من حيث تعلق الوكالة علي وجه يكون وكيلا فيه ، أما لو شهدت بأنه لو علم ذلك لرضي وإلا فهو حال عقد الوكالة خال عن تصور ذلك ، فهو من التصرف بالفحوى ، وإن كان سببها مورد الوكالة. لا الوكالة المعتبر فيها قصد الإنشاء ، وبذلك افترقت عن الاحكام التي لم يعتبر فيها تعلق قصد الإنشاء العقدية‌

٣٩٨

كما هو واضح.

اللهم إلا ان يكون قصد تعلق إنشائها بما يدل عليه متعلقها بأي دلالة تكون ، وفرض الدلالة ، فيتحقق الوكالة حينئذ ، ولا بد من ملاحظة ذلك في الأمثلة الآتية.

فلو أمره ببيع السلعة بدينار مثلا نسيئة فباعها بدينارين نقدا صح ، وكذا لو باعها بدينار نقدا إلا أن يكون هناك غرض صحيح يتعلق بالتأجيل كالخوف على الثمن مع الحلول ونحوه ، فإنه حينئذ لا يجوز التعدي وإذا وقع كان فضولا ، بل لعل المتجه ما في المسالك وغيرها من عدم جواز التعدي مع احتمال الغرض الصحيح احتمالا معتدا به.

وكذا الكلام في الشراء نسيئة ، بمثل ما أمره به نقدا ، فلا يجوز التعدي حينئذ إلا مع تحقق عدم الغرض ، وأما الثمن المعين فيمكن كون الاقتصار عليه إرفاقا بالمشتري إن كان معينا فلا يجوز بيعه بأزيد ، ولو لم يكن معينا ففي المسالك جاز البيع بالأكثر مع عدم العلم بالغرض ، وعدم التصريح بالنهي عن الزائد ، لندور الغرض في الفرض المذكور ، وأغلبية إرادة الأزيد ، مع إمكان أن يريد الإرفاق المطلق ، أو عدم الاشظاظ في البيع ، أو سهولة المعاملة ، فإنه مندوب إليه شرعا ، أو عدم زيادة الربح عن مقدار معين لغرض شرعي ، أو غير ذلك ، لأن هذه الأمور نادرة في المطلق ، فلا يلتفت إليها مع الاشتباه.

قلت : لا ريب في عدم جواز التعدي مع فرض الاشتباه كما جزم به في جامع المقاصد ، وبأنه لا مدخلية لكون الغرض أكثريا في أحدهما دون الآخر.

نعم لا بأس به مع فرض عدم الاعتداد بالاحتمال على وجه لا ينافي الطمأنينة عادة بإرادة المثالية كما هو واضح.

أما لو امره ببيعه حالا فباعه مؤجلا لم يصح ولم يمض ولو كان بأكثر مما عين ، لأن الأغراض تتعلق بالتعجيل إلا ان يفهم عدم تحلل الحلول ، ولو امره ببيعه في سوق مخصوص فباع في غيره بالثمن الذي عين له ، أو مع الإطلاق بثمن‌

٣٩٩

المثل صح ، إذا لغرض تحصيل الثمن فيكون ذكر السوق المخصوص حينئذ مثالا لغيره ، ولو فرض احتمال الغرض له في ذلك احتمالا معتدا به لم يجز التعدي عن عن مفاد اللفظ ، ومن هنا حكي عن التذكرة اعتبار العلم بعدم الغرض في جواز التعدي.

بل قد يحتمل عدم جوازه وإن علم عدم الغرض إلا انه لم يحضر في بال الموكل إلا خصوصية السوق المزبور ، بمعنى انه لم يفهم منه إرادة المثالية ، إذ عدم الغرض أعم من ذلك ، ومن ذلك يعرف ما في المسالك هنا من الاكتفاء بعدم العلم بالغرض ، خصوصا بعد اعتبار العلم بعدم الغرض في السابق مع عدم الفرق بين المقامين.

وكذا ما فيها أيضا من انه لو علم عدم الغرض صح البيع قطعا لكن لا يجوز نقل المبيع اليه ، فلو فعله كان ضامنا ، وانما الفائدة صحة المعاملة لا غير ، ضرورة ان الحكم فيه مثل البيع مع فرض القطع بعدم الغرض في كونه في السوق المخصوص وبإرادة المثالية من ذكره فأي فرق بين البيع وبين نقل المبيع كما هو واضح.

فما في الرياض ـ من ان التجاوز بالثمن للأولوية لا تقتضي الاذن في نقل العين الى مكان آخر ، فيده حينئذ عادية ، مثل البيع الزائد على المسمى الذي هو أولى ـ في غير محله ، بل هو غير مفروض المسألة الذي هو ما علم بإرادة المثالية من السوق فيه فتأمل ، هذا كله فيما عرفت.

أما لو قال : بعه من فلان فباعه من غيره لم يصح ولو تضاعف الثمن ، لأن الأغراض في الغرماء تتفاوت بتفاوت الأشخاص ، فلا يجوز التخطي حينئذ مع الإطلاق قطعا سواء علم الغرض أو جهل الحال ، بل في المسالك أم علم انتفاء الغرض على ما يظهر من إطلاقهم وقوفا مع الاذن ، لكن فيه انه مناف لكلامهم وللواقع ، مع فرض القطع بإرادة المثالية إذ لا تفاوت في ذلك بين تعيين الثمن والزمان والمكان والمشتري في كونه المدار.

نعم هو مؤيد لما ذكرناه سابقا من ان العلم بعدم الغرض لا يقتضي إرادة المثالية ،

٤٠٠