جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلى تقسيط الأجرة على المدة على تقدير لحوق الانفساخ بتلف وغيره ، وذلك مما يشق ويتعذر.

وفيه : ـ مع انتقاضه بالناقص عن السنتين المجمع على ذكر التقسيط فيه ، وبإجراء المدة التي جعل لها قسطا لو تلف في أثنائها ـ أنه مجرد اعتبار لا يصلح معارضا للأدلة الشرعية.

نعم لا بأس بذكر ذلك مع التفاوت وبدونه لكونه حينئذ من الشرط الذي لا خلاف في جوازه ، فلو تلفت العين في أثناء المدة كانت أجرة ما مضى بحسب ما شرط ، ولو كان التلف في أثنائها قسط المسمى لها على أجزائها كما لو لم يذكر تقسيطا في العقد ، وكيفية التقسيط ما سمعته سابقا والله أعلم.

ويجوز استيجار الأرض لتعمل مسجدا وغيره من الأفعال الراجحة بلا خلاف أجده فيه ، بل عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية ، لأن ذلك غرض مقصود محلل متقوم ، فيشمله إطلاق الإجارة خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من عدم الجواز ، لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال ، فلا تجوز الإجارة لذلك ، وهو كما ترى غلط واضح ، ضرورة الفرق بين الاستيجار على الصلاة وبين استيجار المكان أو اللباس للصلاة فيه.

نعم في جامع المقاصد والمسالك « لا يثبت لها حرمة المسجد ، لأنه اسم للعين الموقوفة » مؤيدا لذلك ، وإطلاقه على الفرض مجاز باعتبار إعدادها لما أعد له المسجد ، كإطلاقه على ما يقتطعه الإنسان من داره مسجدا له ولعياله ، لكن عن الأردبيلي منع كون المسجد اسما لذلك ، بل هو للأعم منه ومن المقام ، خصوصا في المدة الطويلة كالمائة سنة ونحوها ، وربما يؤيد بإطلاق المعظم هنا اسم المسجد عليه ، والأصل فيه الحقيقة.

وفيه إن من المعلوم كون غرض الأصحاب في المقام الرد على أبي حنيفة المانع من استيجار المكان للصلاة فيه ، فمرادهم من المسجد هنا كونه محلا للسجود ،

٣٠١

نحو إطلاقهم في مكان المصلي أنه يستحب اتخاذ مسجد في الدار ، ومرادهم إعداد مكان مخصوص للصلاة كما تقدم تحقيق ذلك في محله والله العالم.

ويجوز استيجار الدراهم والدنانير إن تحققت لهما منفعة حكمية مع بقاء عينهما وإن كانت نادرة ولم يعد إلها غالبا كالزينة ، ودفع المرء مظنة الفقر عن نفسه ، والضرب على سكتها والوزن بها ونحو ذلك ، وفاقا للمحكي عن الشيخ والفاضل والشهيدين وغيرهم.

بل عن مجمع البرهان أنه لا شك فيه لو حصل نفع مقصود محلل لإطلاق أدلة الإجارة ، وعدم السفه في ذلك بعد فرض تحقق المنفعة المزبورة.

وليس قول المصنف « إن تحققت » إلى آخره ترددا منه في إجارتهما ، بل للتردد في تحقق منفعة لهما كذلك ، بل المقصود جواز إجارتهما لهذه المنفعة عند تحققها ، وإلا كانت المعاملة سفهية نحو ما سمعته سابقا في بيع مالا منفعة له غالبا ، لقلته أو لغيرها ، من أنه يجوز إذا تحققت وإن كانت نادرة ، فحبة الحنطة يجوز بيعها مع الحاجة إليها لفخ ونحوه ، وكذا غيرها ، لكن عن الضابط المزبور الذي به تخرج المعاملة عن كونها سفهية ، وهو المدار هنا وهناك على الأصح.

واحتمال عدم الجواز حتى مع تحقق المنفعة للشك في تناول مثل ذلك في غير محله ، كاحتمال عدم جواز إجارتهما لعدم صحة وقفهما ، وعدم ضمان منفعتهما لو غصبا.

وفيه أولا : منع الملازمة ، فإن الحر وأم الولد يجوز إجارتهما ، ولا يجوز وقفهما.

وثانيا : منع عدم جواز وقفهما للمنافع المزبورة ، وكذا يمنع عدم ضمان الغاصب بعد إجارتهما ومقابلتهما بالمال ، كمنافع الحر المستأجر أجيرا خاصا ، أما مع عدم مقابلتهما بمال فلعله لا ضمان لعدم تحقق المنفعة حينئذ التي تعد مالا عرفا ، كمنفعة الحر التي هي كذلك ، ولا يقدح ذلك في جواز الإجارة بعد‌

٣٠٢

التحقق.

ومن ذلك كله يعرف جواز استيجار التفاح وغيره للشم وغيره ، كالطعام لتزيين المجلس ، والشجرة لنشر الثياب عليها ، وربط الدابة بها والاستظلال بظلها ونحو ذلك ، وإن لم تكن معدة لذلك ، ولا تستأجر غالبا له ، كما أن منه يعرف ما في كلام جماعة من أصحابنا والله هو العالم.

( تفريع )

لو استأجره لحمل عشرة أقفزة من صبرة مثلا فاعتبرها معتبر ثم حملها فكانت أكثر كثرة معتدا بها لا يسيرة نحو ما يتفاوت به الموازين فإن كان المعتبر والمحمل عامدا هو المستأجر من غير علم من الموجر لزمه أجرة المثل عن الزيادة ، وضمن الدابة إن تلفت لتحقق العدوان الموجب لذلك كما صرح بذلك كله الفاضل والكركي والشيخ في المحكي عن مبسوطة ، بل قال الثاني منهم « أنه لا بحث فيه » ولعله كذلك.

نعم في إرشاد الأول منهم « أنه يضمن نصف الدابة ، وكأنه لاستناد التلف إلى فعلين ، أحدهما مأذون فيه وهو غير مضمون ، والآخر غيره ، ولا ينظر إلى التفاوت بعد نسبة التلف إلى المجموع ، كمن جرح نفسه جراحات ، وجرحه آخر جراحة واحدة فسرى الجميع ، فإنه يضمن نصف الدابة ».

وفيه : أنه مخالف لظاهر الفتاوى ومعقد المحكي من إجماع الخلاف والغنية والتحرير والتذكرة ، بل في الأول نسبته إلى الأخبار أيضا.

ولعله أشار إلى خبر أبي ولاد (١) وخبر الصيقل (٢) وخبر الحلبي (٣) وخبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٤.

٣٠٣

عمرو بن خالد (١) المشتملة على ضمان الدابة بتجاوز المكان المشترط ، بناء على عدم الفرق بين أسباب التعدي ، وعلى ظهور ضمان الدابة في مجموعها ، بل في خبر أبي ولاد منها التصريح بلزوم قيمة البغل.

ومنه يظهر ما في المسالك « من احتمال التوزيع على الأصل والزيادة ، فيضمن قسط الزيادة ، لأن التلف مستند إلى الجملة فلا ترجيح ، ولاستلزام التنصيف مساواة الزائد للناقص ، وهو محال ، والتوزيع على المحمول ممكن بخلاف الجراحات » ضرورة مخالفته لما عرفت أيضا على أن التلف قد استند إلى الجمع الذي هو غير مأذون فيه أصلا.

ومن هنا استوجبه الأردبيلي فيما حكي عنه ضمان أجرة المثل للمجموع لا ـ للزيادة خاصة ، لأن المسمى إنما كان على العشرة مثلا على أن يكون معها غيرها ، فإذا كان صارت غير المستأجر عليها فيستحق أجرة المثل على المجموع ، قال : « وإنها ربما تكون أجرة الماءة رطل مجتمعة أضعاف أجرة الخمسين وحدها ، واستوضح ذلك في أجرة الحبة وحدها والجفنة كذلك ، فإنه لا أجرة لكل حبة حبة في التغار ، ولجميع الحبوب أجرة كثيرة ، ثم حمل خبر أبي ولاد وكلام الأصحاب على الغالب الأكثر ».

وإن كان قد يناقش ( أولا ) بمخالفته لظاهر بعض النصوص المزبورة ، ( وثانيا ) بأن مفروض البحث الاستيجار على العشرة لا بشرط ، فلا تخرج عن استحقاق حملها بضم غيرها بعد صحة العقد الذي لا يترك مقتضاه حينئذ والتفاوت الذي ذكره يتدارك بملاحظة أجرة المثل للزيادة مجتمعة.

وأغرب من ذلك كله ما عن المقنعة والغنية في نحو المقام من أن عليه أجرة الزائد بحساب ما استأجرها ، بل عن ثانيهما الإجماع عليه ، إذ هو مع مخالفته لقاعدة ضمان الغاصب لا دليل عليه ، ويمكن حمل كلامهما على غلبة موافقة المسمى لأجرة المثل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢١ ـ ٣ ـ ٤.

٣٠٤

وعلى كل حال فقد ظهر لك قوة ما في المتن مع التقييد الذي ذكرناه ، بل الظاهر ذلك كله لو وقع منه خطا ، لعدم الفرق في أسباب الضمان بين العمد والخطاء.

بل هو كذلك أيضا فيما لو أمر بالتحميل أجنبيا جاهلا بالحال ، بل المؤجر نفسه على غروره ، بل يقوى ذلك أيضا فيما لو هيأه للموجر مدلسا له عليه ، بل وإن لم يقصد التدليس لعدم علمه بالحال إذا فرض وقوع ذلك منه خطأ ، لتحقق الغرور بالفعل ، نحو تقديم طعام الغير للأكل.

نعم لو لم يكن منه أمر ولا تدليس ولا تهيئة فحمله المؤجر ظنا منه أنه هو المستأجر عليه لم يكن عليه شي‌ء ، للأصل السالم عن المعارض.

هذا كله مع جهل الموجر بالحال ، أما مع علمه فقد أطلق الفاضل والكركي عدم ضمان الدابة بتفريط الموجر بحمل الزيادة مع علمه بها بل عن التحرير والتذكرة التردد في لزوم الأجرة للزيادة لذلك وإن كان في محله مع فرض كون المحمل المستأجر أو الأمر ، بل لعل إخباره بالكيل كذبا وتهيئته للتحميل كذلك أيضا وإن علم الموجر بكذبه وحمله هو ، لأن ذلك بمنزلة الاذن في حمله ، بل هو شبه المعاطاة فلا يكون الموجر متبرعا ، والسكوت مع العلم ليس برضى في جميع ذلك كما هو واضح.

فما في المسالك « فيما لو كان الموجر عالما بالزيادة إن لم يقل المستأجر شيئا وباشر الموجر التحميل فلا شي‌ء على المستأجر ، ولا فرق بين أن يضعه المستأجر على الأرض فيحمله الموجر على الدابة وبين أن يضعه على ظهرها فيسدها الموجر ، وإن أثم المستأجر في الثاني مع احتمال الفرق » ـ لا يخلو من نظر.

وكذا ما في جامع المقاصد من عدم الأجرة له لتبرعه بحملها فيتجه أن يجب عليه ردها ، وإن قال : مع احتمال لزوم الأجرة لأنه كالمعاطاة في الإجارة ، ولو أجبره بالزيادة ، وقال احملها فأجابه الموجر لزمه الأجرة ما لم يظهر إرادة المجانية من الأمر.

وإن كان قد اعتبرها الموجر وحملها هو أو أمر غير المستأجر بالتحميل‌

٣٠٥

لم يضمن المستأجر أجرة ولا قيمة للأصل السالم عن المعارض من غير فرق ، بين الخطاء والعمد ، وبين علم المستأجر وجهله ، بل لو أمره نفسه فحملها جاهلا لم يكن عليه شي‌ء ، بل لعله كذلك لو كان قد هيأه للتحميل المغرور بفعل الموجر كما عن التذكرة أنه قواه ، لكنه تردد فيه في المسالك.

نعم لو كان عالما فحملها من دون أمر لزمته الأجرة قطعا ، كما في جامع المقاصد ، وإن كان الموجر عالما ، بل لعله كذلك أيضا إذا كان جاهلا ولم يصدر من الموجر ما يقتضي الغرور ، أما لو أمره المؤجر بالحمل مع علمه أي المستأجر بالزيادة ففي لزوم الأجرة نظر ، كما في جامع المقاصد.

وكيف كان فيجب رد الزيادة حيث لا يكون إذن من صاحبها إليه ، بل إلى بلد الأجرة بل في المسالك لو لم يعلم المستأجر حتى أعادها الموجر إلى البلد المنقول منه ، فله أن يطالبه بردها إلى المنقول إليه ، وفيه أنه لا دليل على وجوب ذلك ، بل لعل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه ، بل لعله كذلك بالنسبة إلى بلد الأجرة ، فلا يجب حينئذ عليه إلا الرد للمالك في أي مكان أو أي زمان ، وكذا كل حق هو كذلك فتأمل جيدا.

ولو كان المعتبر والمحمل أجنبيا من غير علمهما ومن غير إذنهما ، فهو متعد عليهما ، يضمن الدابة لصاحبها ، والطعام لمالكه ولزمته أجرة الزيادة للموجر وفي ردها ما عرفت ، من غير فرق في ذلك بين عمده وخطأه ، ولو تولى الحمل بعد كيل الأجنبي أحد المتعاقدين ، فإن كان عالما فهو كما لو كان بنفسه ، وإن كان جاهلا وقد أخبره الأجنبي كاذبا ، فهو كما لو تولاه الأجنبي ، وإلا فإن عددنا الكيل والأعداد للحمل غرورا ضمن ، وإلا فلا.

وفي المحكي عن مجمع البرهان ولو كان بإذنهما من دون علمهما بالمقدار فهناك احتمالان ( أحدهما ) أن الحكم كذلك ، ( الثاني ) أن الضمان على الآذن فإن كان منهما فثلاثة احتمالات ، أحدها : أن الحال في ذلك كما إذا كانا‌

٣٠٦

معا هما المعتبرين ، الثاني : أنه كاعتبار صاحب الدابة ، للأصل ، الثالث : أنه كاعتبار صاحب الحمل.

قلت : لا مدخلية للإذن في الضمان ، ضرورة كونها بالمقدار الخاص ، فالزيادة لا إذن فيها ، فإذا حملها بنفسه أو بغروره توجه عليه الضمان.

نعم لو حمله العالم منهما لم يكن عليه شي‌ء ، لعدم مباشرته وعدم غروره كما هو واضح ، ولو اعتبرا معا وحملا كذلك جاهلين بالزيادة ففي ضمان الدابة وأجرة المثل نظر ، ولو كانا عالمين فلا ضمان للدابة ، وفي ضمان أجرة الزيادة وجه ولو كان المحمل أحدهما فإن كان المستأجر فالظاهر مساواة حكمه لما إذا كان هو المعتبر مع ذلك ، وإن كان صاحب الدابة لم يكن له شي‌ء.

ومن ذلك كله ظهر لك الحال في جميع الصور التي تتصور في المقام ، وإن ذكرنا المهم منها كظهور كون البحث في ضمان الدابة أو نصفها أو التوزيع الذي قد تقدم سابقا إذا كان التلف بالتحميل ، لا ما إذا كان بغيره ، وكانت أمانة في يد المستأجر ، فإنه لا إشكال في ضمانه الجميع من حيث التعدي في الأمانة ، كما أن الأقوى ذلك أيضا في الأول ، لما عرفت من استناد التلف إلى الضم الذي هو فعل المستأجر عدوانا ، والله هو العالم.

الشرط ( الخامس )

( أن تكون المنفعة مباحة )

فلو آجره مسكنا ليحرز فيه خمرا أو دكانا ليبيع فيه آلة محرمة أو أجيرا ليحمل له مسكرا أو جارية للغناء أو كاتبا ليكتب له كفرا ونحوه لم تنعقد الإجارة ، وربما قيل بالتحريم وانعقاد الإجارة ، لإمكان الانتفاع في غير المحرم ، والأول أشبه ، لأن ذلك لم يتناوله العقد كما تقدم الكلام في ذلك كله في باب‌

٣٠٧

المكاسب ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ ( هل يجوز استيجار الحائط المزوق للتنزه قيل ) : والقائل ابن إدريس نعم واختاره في التنقيح واستحسنه في المسالك وفيه تردد كما في القواعد بل منعه في محكي الخلاف والمبسوط للسفه ، ولأنها منفعة ليس للمالك منعها ، كالاستظلال بالحائط والحق الجواز مع عدم السفه ، وكان كإجارة الكتاب الذي فيه خط جيد للتعلم منه.

الشرط ( السادس )

( أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها )

فلو آجر عبدا آبقا لم تصح للسفه ولو ضم إليه شي‌ء لحرمة القياس على البيع عندنا ولكن فيه تردد من ذلك ، ومن أولوية الإجارة من البيع ، لاحتمالها من الغرر مالا يحتمله البيع ، وقد أشبعنا الكلام في البيع على وجه يستفاد منه تفصيل المسألة هنا ، فلاحظ وتأمل.

ولو استأجر شيئا فـ ( منعه الموجر من ) تسلم ( ـه ) أصلا واستيفاء منفعته أجمع ، ولم يتمكن من جبره على أخذ العين منه ، أو تمكن ولم يفعل سقطت الأجرة عند الشيخ ، وفيما حكي عن التذكرة لانفساخ العقد قهرا ، تنزيلا لذلك منزلة التلف قبل القبض ، المقتضى للانفساخ في البيع ، وفي المقام ، لتعذر تحقق المعاوضة حينئذ.

وفيه أن الأصل عدم الانفساخ ، وإنما خرجنا عنه في التلف السماوي بالنص ، فيبقى غيره على الأصل.

ومن هنا قال في المسالك تبعا لجامع المقاصد الظاهر أن سقوطها مشروط بالفسخ ، لتعذر حصول العين المطلوبة ، فإذا فسخ سقط المسمى إن لم يكن دفعه ، وإلا استرجعه » ‌

٣٠٨

وبهذا صرح في القواعد.

وإليه أشار المصنف بقوله وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت فيه تردد مما عرفت ، والأظهر نعم.

بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بلزوم ذلك عليه ، لأصالة اللزوم وليس له إلا المنفعة التي قد فوتها عليه المالك الغاصب ، فله قيمتها ، كما أن للموجر المسمى ، إلا أنه لما كانت الإجارة من عقود المعاوضة التي تقتضي عوضية ملك بملك ، وقبضا بقبض ، إلا أن الثاني منهما لما كان غير معتبر في الصحة يجبر الشارع من فاته منهما بالخيار ما لم تكن تلفا سماويا كما لا يخفى على من اعتبر ذلك في جميع عقود المعاوضة.

ولعل منه ما لو أتلف المالك المبيع على المشتري قبل قبضه ، فإن المشتري حينئذ بالخيار بين الفسخ وبين الإمضاء ، والمطالبة بالمثل أو القيمة ، وذلك لأنه اجتمع فيه أمران أحدهما تعذر تسليم العوض ، والآخر مباشرة إتلاف مال الغير ، فيتخير في الفسخ نظرا إلى الأمر الأول ، والمطالبة بالقيمة أعني أجرة المثل نظرا إلى الأمر الثاني ، ولو منعه بعد استيفاء بعض المنفعة ، فعن التذكرة الخيار أيضا لكن لا يخلو من نظر ، لأصالة اللزوم ، والفرض حصول قبض المعاوضة.

اللهم إلا أن يقال : إنه لما كان استيفاء المنفعة تدريجيا كان قبضها كذلك لأن حصوله باستيفائها ، فمنعه في الأثناء حينئذ مفوت لقبض المعاوضة في البعض المراد منه والمخاطب به ، فيتسلط حينئذ على الخيار ، لما عرفت ، وبذلك يظهر الفرق بين هذه وبين المسألة الآتية ، وهي منع الظالم في الأثناء.

وكيف كان فـ ( لو منعه ظالم ) عن الانتفاع بالعين ، بأن غصبها منه قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ والمطالبة بالمسمى إن كان قد دفعه ، وبين الالتزام والرجوع على الظالم بأجرة المثل عوض ما استوفاه من المنفعة التي هي من أمواله ، لما عرفت من فوات القبض الذي هو مقتضى المعاوضة.

وظاهر المصنف وغيره اختصاص رجوعه بعد الالتزام بالظالم دون الموجر ، وهو‌

٣٠٩

كذلك ، لأصالة البراءة ، وإن احتمله بعضهم لكون العين في يده مضمونة عليه ، حتى يتحقق القبض.

لكن فيه أن المسلم من ضمانه وجوب المسمى عليه بالانفساخ أو الفسخ ، لا ضمان قيمة العين بتلف العين ، وهو واضح ، كما أن الظاهر أيضا عدم سقوط الخيار المزبور بعود العين للمستأجر في أثناء المدة ، للأصل والتضرر بالتبعيض.

نعم ليس له الفسخ فيما مضى من المدة خاصة ، والرجوع بقسطه من المسمى على الموجر ، واستيفاء الباقي من المنفعة. لعدم جواز التبعيض في العقد كما هو واضح وإن تردد فيه في القواعد ، واحتمله في المسالك ، إلا أنه بمكانة من الضعف.

ولو كان بعد القبض في ابتداء المدة أو في أثنائها لم تبطل الإجارة قطعا ، بل ليس له الفسخ لأصالة اللزوم ، والفرض أنه كان تمام القبض من المالك وإنما له الرجوع على الظالم بأجرة المثل ، بل في المسالك تبعا لجامع المقاصد أن الظالم لو كان هو الموجر فالحكم كذلك أيضا ، لكن قد سمعت ما حكيناه عن التذكرة وتوجيهه والله العالم.

وإذا انهدم المسكن مثلا وفات أصل الانتفاع ولم يمكن إعادته انفسخت الإجارة ، لتعذر المستأجر عليه ، فله من المسمى حينئذ بنسبة ما فات من المنفعة ، وإن لم يفت أصل الانتفاع وأمكن إزالته كان للمستأجر فسخ الإجارة مع فوات بعض المنفعة للتعيب بالتبعيض ، إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه بسرعة على وجه لم يفت الانتفاع ، بل كان موصولا بعضه ببعض ، لعدم التضرر حينئذ ، فيبقى أصل اللزوم بحاله.

ولكن مع هذا فيه تردد ينشأ من ذلك ، ومن ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب ، بل اختاره في جامع المقاصد ، وقواه في المسالك ، وإن كان قد يناقش فيه بمنع ما يدل على ثبوته بالانهدام من حيث كونه انهداما ، وإن لم يفت به شي‌ء من المنفعة على وجه تنقطع به أصالة اللزوم ، اللهم إلا أن يستبعد الفرض ، وهو‌

٣١٠

خروج عن محل البحث.

نعم لو تمادى المؤجر في إعادته على وجه قد فات بعض المنفعة ، فالخيار باق ، وإن أعاده كما سمعت ، ( فـ ) ان فسخ المستأجر حينئذ رجع بنسبة ما تخلف من الأجرة إن كان سلم إليه الأجرة وإلا دفع إليه منها ما قابل ما استوفاه منها ، بلا خلاف ولا إشكال في ذلك ، والله العالم.

وكيف كان فلا يخرج بالشرط المزبور الاستيجار للسنة القابلة ، وخصوصا إذا كانت متصلة بالسنة التي هي للمستأجر ، خلافا للمحكي عن الشيخ وأبي الصلاح فلا يصح لعدم الدليل ، وتعذر التسليم ، وفيه : أن الدليل عموم (١) ( أَوْفُوا ) وغيره ، والتسليم واجب زمان الإجارة.

نعم لا فرق في تعذر التسليم المانع من صحة الإجارة بين العقلي والشرعي ، فلو استأجر لقلع ضرس صحيح أو قطع يد صحيحة ، أو جنبا أو حائضا بخصوصهما لكنس المسجد في زمان حدثهما لم تصح.

أما لو كانت السن وجعة أو اليد متأكلة على وجه يستحسنه العقلاء صحت ، فان زال الألم قبل القلع انفسخت الإجارة وكذا لا يخرج به اجارة الزوجة نفسها من دون إذن الزوج باعتبار استحقاقه منافعها ، ضرورة أنه ليس له إلا استحقاق الاستمتاع ، فتصح إجارتها فيما لا يعارضه ، وأما فيه فهو موقوف على إذنه.

بل في جامع المقاصد انفساخها لو فرض إجارتها بدون إذنه في زمان مخصوص مطمئن فيه بعدم الاستمتاع فاتفق إرادة الزوج فيها ذلك على خلاف العادة ، تقديما لحقه على حق المستأجر ، ولو كانت الإجارة على عمل في الذمة كخياطة ثوب أو حمل متاع فغصب العبد الخياط والدابة الحاملة من الموجر قبل قبض المستأجر فله مطالبة المالك ، لعدم ما يقتضي تعيين حقه بذلك.

نعم إن تعذر البدل ففي القواعد « تخير بين الفسخ ، والإمضاء والصبر إلى‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٣١١

التمكن » وتبعه في جامع المقاصد ولا يخلو من بحث ، وكذا ما فيهما أيضا من أنه لو كان الغصب بعد القبض طالب المستأجر بأجرة المثل خاصة ، وإن كان في ابتداء المدة فلا خيار له ، لأن الغصب بعد قبض العين ، واستقرار العقد ، وبراءة المؤجر ، ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء والموجر من التغرير بماله ، تخيرا ، بل احتمل بعضهم الانفساخ.

ولو اختص الخوف بالمستأجر تخير أيضا أو انفسخ العقد إذا كان المراد استيفاؤه بنفسه ، وإلا فلا خيار لإمكانه إجارتها ، ولعله المراد للفاضل في محكي تحريره ، ولا ينفسخ بالعذر ، فلو اكترى جملا للحج ثم بدا له أو مرض ولم يخرج لم يكن له فسخ الإجارة.

ولذا حكي عن الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه عليه تقييده بالمرض الذي يتمكن من الخروج معه ، قال : « أما لو لم يمكنه الخروج أصلا ، ولم يجز له إجارته لغيره كان يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه ، فإنه يقوى الفسخ ».

لكن في جامع المقاصد « عندي فيه شي‌ء لأن تعذر الاستيفاء إذا اختص بالمستأجر ولم يكن من قبل الموجر مانع ففي إسقاطه حق الموجر وتسليطه المستأجر على الفسخ أو الحكم بالانفساخ إضرار بالمؤجر لمصلحة المستأجر ».

وفيه : أنه مثل الأجير على قلع ضرس فسكن ألمه ضرورة اشتراكهما في منع المستأجر من الفعل وإن بذل الموجر له باعتبار كونه معاونة على الإثم والعدوان فتأمل جيدا والله العالم.

ولو استأجر دارا للسكنى مثلا فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد تخير في الأقوى ، وفي القواعد نظر ، ولعله فرق بين هذه المسألة والسابقة أن الخوف في تلك على المستأجر والدابة بخلافه هنا ، فإنه على المستأجر دون الدار ولذا نظر في هذه ، وقرب الخيار في الأولى ، إلا أن الظاهر ثبوت الخيار في المقامين لقاعدة لا ضرر بعد عموم العذر شرعا عن الاستيفاء ، بل ربما احتمل الانفساخ قهرا.

٣١٢

نعم لو اختص الخوف بالمستأجر لم يكن له خيار إلا مع اشتراط الاستيفاء بنفسه فإنه يأتي فيه أيضا الخيار أو الانفساخ ، ولو استأجره لصيد شي‌ء بعينه ففي القواعد لم يصح ، لعدم الثقة بحصوله أي فلا تكون المنفعة مقدورا على تسليمها بحسب الغالب ، وقد تقدم لنا في كتاب البيع عند البحث على اشتراط القدرة على التسليم فيه ما يستفاد منه حكم ذلك وغيره فلاحظ وتأمل والله العالم.

( الفصل الثالث في أحكامها )

وفيه مسائل : الأولى : إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة بالخصوص عيبا سابقا لم يعلمه كان له الفسخ كما عن المبسوط وغيره بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه وعن التذكرة لا نعلم فيه خلافا إذا كان سابقا يوجب نقصا تتفاوت به الأجرة وحكى فيها عن ابن المنذر نفي الخلاف فيه أيضا ، بل أكثر من الأمثلة لذلك وظاهر بعضها تجدد العيب فضلا عن سابقه ، لكن تقييدهما بالمنقص مناف لإطلاق جماعة وصريح آخرين كما أنه صرح غير واحد بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

بل لعله معقد نفي خلاف التذكرة وابن المنذر بقرينة ما ذكراه من الأمثلة عدم الفرق في ثبوت الخيار المزبور بين استيفاء بعض المنفعة وعدمه ، ويكون حينئذ كخيار الغبن في عدم السقوط بالتصرف ، وبذلك يفترق عن خيار العيب في البيع الذي يتعين الأرش به ، بل صريح قول المصنف كغيره أو الرضا بالأجرة من غير نقصان عدم الأرش هنا أصلا.

نعم في اللمعة « وفي الأرش نظر » وفي جامع المقاصد تارة ينبغي أن يكون هذا حيث لا يكون العيب منقصا للمنفعة ، فإنه مع ذهاب بعض العين يجب التقسيط قطعا مع الخيار ، وأخرى الأصح وجوب الأرش وثالثة لا أستبعد ثبوت الأرش كثيرا ،

٣١٣

واستوجهه في المسالك ، واستحسنه في الروضة.

وكأن الوجه في ما ذكره الأصحاب أن العقد إنما جرى على هذا المجموع وهو باق ، فإما أن يفسخ أو يرضى بالجميع ، وثبوت الأرش في البيع للنص فلا تقاس عليه الإجارة ، والضرر مندفع بالخيار الذي هو المعتاد في جبر الضرر الناشي من لزوم العقد ، وبذلك ظهر أن الثابت الخيار خاصة في الفرض.

ولو كان العيب مما يفوت به بعض المنفعة بمعنى إذا لم يفت به شي‌ء أو فات به البعض كما في المسالك قال : « لا ما إذا كان يفوت به الجميع ، لأن ذلك يبطل العقد ».

قلت : يمكن أن يريد المصنف بفوات البعض فوات كمالها كالدابة العرجاء أو المجموح أو نحو ذلك مما يكون فيه أصل الانتفاع موجودا ، الا أنه ليس على الوجه المراد للمستأجر ، لا أن المراد فوات بعض المنفعة أصلا كدار وجد بعض بيوتها خرابا فإن المتجه في ذلك التقسيط لو اختار اللزوم لأنه من قبيل تبعض الصفقة ، وليس مما نحن فيه من وجدان العيب في العين المستأجرة المنصرف إلى ما ذكرنا دون ذلك ، وإن أطلق عليه اسم العيب توسعا.

ولعل هذا هو الذي قطع به المحقق الثاني فيما عرفت ، كما أن الفرد الآخر محل للنظر في ثبوت الأرش من جهته ، وقد عرفت أن مقتضى أصول المذهب وقواعده ثبوت الخيار له من دون أرش بعد حرمة القياس عندنا ، وكون ذلك عند التأمل من فوات الوصف الذي لا يوزع الثمن عليه في البيع ، وإن تفاوت قلة وكثرة بالنسبة إليه.

نعم يبقى الإشكال في ثبوت الخيار بالعيب في العين ، وإن لم يكن مفوتا لشي‌ء من كمال المنفعة ، ولا فيه نقص على المستأجر باستيفاء المنفعة ، كالدابة البتراء أو الجدعاء أو نحو ذلك.

ودعوى أن الصبر على مطلق العيب في العين المستأجرة ضرر لا دليل عليها ،

٣١٤

كدعوى أن مورد العقد العين لاستيفاء المنفعة ، فتنصرف إلى الصحيحة كالبيع ، ولعله إلى هذا أومأ الفاضل في التذكرة في التقييد المزبور ، كما أن غيره من الأصحاب نظر إلى ما ذكرنا من العيب الذي لا يكون به تفويت لكمال المنفعة ، إلا أن فيه نقصا على المستأجر باستيفاء المنفعة منه ، أما إذا لم يكن كذلك ، فلعله غير مراد للجميع ، ويبقى على أصالة اللزوم.

اللهم إلا أن يدعى انصراف عقد الإجارة إلى العين الصحيحة كالبيع ، وفيه منع ، وحينئذ يتجه فيه الخيار خاصة من دون أرش ، ضرورة عدم النقص في منفعته وهو انما يتوجه فيما إذا تفاوتت اجارة العين سليمة ومعيبة ، فإن نسبة ذلك التفاوت من المسمى هو الأرش.

ومن التأمل فيما ذكرنا بان لك الوجه في جميع أطراف المسألة حتى ثبوت الخيار مع استيفاء بعض المنفعة ، لما عرفت من عدم الأرش له أصلا ، فإلزامه بالعين المفروض عيبها ضرر ، على أن المنفعة حصولها تدريجي ، فما بقي منها لم يتصرف فيه بشي‌ء ، ومنه ينقدح الوجه فيما حكي عن التذكرة من ثبوت الخيار أيضا في العيب المتجدد بعد العقد أيضا ، لكونه حينئذ عيبا سابقا على القبض ، وليس قبضه للعين قبضا لها بالنسبة إلى ذلك كما هو واضح.

فإذا فسخ بعد استيفاء البعض ثبت عليه من المسمى بالنسبة ، لأن الفسخ في الحقيقة لما بقي ولذا لم يكن له فسخ لو فرض استيفاء الجميع واحتمال أن له الفسخ فيما مضى فيثبت حينئذ للموجر أجرة المثل واضح الضعف.

وعلى كل حال فلو فسخ بالعيب وقد كان الموجر قد باع العين فالمنفعة للبائع لعدم استحقاق المشتري إياها بعد أن شراها مسلوبة المنفعة المخصوصة وبذلك انقطعت تبعيتها للعين فيستصحب والله العالم.

هذا كله إذا كانت العين المستأجرة مشخصة ، أما إذا كانت مطلقة لم ينفسخ العقد‌

٣١٥

وكان على المؤجر الإبدال.

نعم لو تعذر أو امتنع ولم يمكن إجباره تخير لقاعدة الضرر ، وقد تقدم في كتاب السلم ما له نفع في المقام فلاحظ وتأمل والله العالم.

المسألة الثانية : إذا تعدى في العين المستأجرة وإن كانت أمانة في يده ضمن قيمتها وقت العدوان وإن تلفت بغيره ، كما في كل أمانة تعدى فيها بلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لكن على معنى دخولها في ضمانه من ذلك الوقت إلى حين التلف في يده ، فيضمن قيمتها وقته على الأقوى ، وقيل : أعلى القيم ، وقيل غير ذلك ، لأن المراد ضمان قيمتها حينه ، وإن تلفت بعد ذلك ، واختلفت قيمتها زيادة أو نقصا كما هو ظاهر المصنف والقواعد ومحكي التحرير والإيضاح وجامع الشرائع.

ولعله لما‌ في صحيح أبي ولاد (١) « فقلت : أرأيت لو عطب البغل أو نفق أو ليس كان يلزمني؟ قال : نعم قيمة البغل يوم خالفته » لكن فيه بعد ذلك « قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ قال : عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب يوم ترده ».

والتحقيق ما عرفت بل لم أجد ذلك قولا لأحد في غير المقام ، وربما كان فيه ضرر على المالك إذا فرض علو قيمتها يوم التلف عن يوم العدوان ، وقد تقدم تحقيق المسألة ويأتي إنشاء الله تعالى.

وعلى كل حال فظاهر قوله قيمتها تمامها وإن كان التعدي بزيادة تحميلها على المشروط ، خلافا لما عن الشافعي من أنه إن كان المالك معها ضمن النصف وإلا ضمن الكل أو التوزيع على مجموع الفراسخ ، بان كان التعدي بتجاوز المسافة ويعطى العدوان بالقسط.

بل في القواعد ولو استأجر الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب ضامن للجميع ولو سلم إلى المؤجر ، وقال : إنه قفيز وكذب فتلفت بالحمل ضمن النصف ، ويحتمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

٣١٦

بالنسبة ، إلا أنه كما ترى مناف لإطلاق الضمان في النص والفتوى ، فلا يقاس على ما ذكر في القصاص والديات من أنه لو جرحه زيد وعضه الأسد مثلا فسريا ضمن الجارح النصف ، وكما لو جرحه واحد عمدا وآخر باستيفاء قصاص مثلا فسريا على أن يكون الجامع بينهما ، إذا التلف في مسألة التحميل مثلا قد استند أيضا إلى ما هو بحق ، وهو القدر المشروط ، وإلى غيره وهو الزائد.

الا أنه اجتهاد في مقابلة النص والإجماع ، بل والقواعد عند التأمل ، خصوصا بعد إمكان دعوى عدم الاذن في القدر المشروط حال انضمامه إلى ما صار به التلف من الزائد ، وإن كان فيه ما عرفته سابقا.

نعم يكفي في الضمان كون الضم من فعل المستأجر فهو في الحقيقة كمن حمل دابة الغير زيادة على ما حملها مالكها قهرا فتلفت بمجموع ما كانت من المالك والظالم ، فتأمل جيدا. فإنه قد مر في المباحث السابقة ما يعلم منه الحال هنا في ذلك وفي غيره ، بل وفي أصل المسألة التي يأتي الكلام فيها أيضا في كتاب الغصب ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( لو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك ، إن كانت ) العين المستأجرة دابة وقيل : القول قول المستأجر على كل حال من غير فرق بين الدابة وغيرها وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة وغيره ، وبها يكون المستأجر المنكر ، بل لم يحضرني القائل بالأول ، وإن حكي عن الشيخ لكن لم أتحققه.

نعم عن الشيخ في النهاية بل وغيره أن القول قول المالك في مطلق المغصوب من غير فرق بين الدابة وغيرها ، ووضوح ضعفه على كل تقدير يغني عن البحث عن قائله. والله العالم.

المسألة الثالثة : من تقبل عملا في ذمته من غير اشتراط المباشرة لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة كما عن النهاية والسرائر والإرشاد والتحرير بل في‌

٣١٧

المتن على الأشهر بل في المسالك المشهور إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به الفضل.

ففي صحيح أبي حمزة (١) « عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه قال : لا ».

وفي صحيح محمد بن مسلم (٢) « عن أحدهما عليهما‌السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ، ويدفعه إلى آخر فيربح فيه قال : لا إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا ».

وفي خبره الآخر (٣) عنه أيضا « عن الرجل الخياط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه ويستفضل قال : لا بأس قد عمل » ونحوه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه‌السلام المروي عن المختلف وغاية المراد.

وفي خبر أبي محمد الخياط (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتقبل الثياب أخيطها ثم أعطيها الغلمان بالثلثين قال : أليس تعمل فيها ، فقلت : أقطعها وأشترى الخيوط ، قال : لا بأس » مؤيدا ذلك كله بما مر سابقا من النصوص (٥) المتضمنة لحرمة فضل الأجير.

ولا ينافي ذلك ما‌ في خبر علي الصائغ (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتقبل العمل ، ثم أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين ، فقال : لا يصلح ذلك إلا أن تعالج معهم فيه ، قال : قلت : فإني أذيبه لهم ، قال : فقال : ذاك عمل فلا بأس » لعدم صراحة لا يصلح في الكراهة ، بل ولا ظهورها.

كما لا ينافيه‌ خبر الحكم الخياط (٧) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أتقبل الثوب بدراهم وأسلمه بأقل من ذلك لا أزيد على أن أشقه؟ قال : لا بأس به ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢.

٣١٨

قال : لا بأس فيما تقبلته من عمل قد استفضلت فيه » بعد كونه مطلقا منزلا على المقيد الذي هو مفروض سؤاله.

وحينئذ فما وقع من ثاني الشهيدين من الجمع بين هذه النصوص بالكراهة لا يخلو من نظر ، وإن وافقه على الجواز الفاضل في القواعد والتذكرة وأول الشهيدين وثاني المحققين والخراساني ، إلا أن العمدة للفاضل في الجواز أنه روى صحيح أبي حمزة لا بأس ، كما عن السرائر روايته كذلك ، وإنما الموجود فيما حضرنا من نسخة الوسائل والوافي ما حكيناه ، وفي مفتاح الكرامة ليس له في التهذيب عين ولا أثر ، والظاهر أنه سهو وغفلة ، ثم حكى عن التهذيب ومجمع البرهان والوافي روايته كما ذكرنا.

ثم إن ظاهر النص والفتوى الإكتفاء بمسمى الحدث والعمل فيه ، وحينئذ فلا إشكال في الجواز. وفي اللمعة لا بحث كما في الروضة الإجماع عليه ، ولم يذكر أحد هنا الجواز باختلاف الجنس.

نعم عن التذكرة أنه حكى عن الشيخ عدم الجواز مع اتحاد الجنس إلا أن يعمل فيه شيئا ولم نتحققه لكن قد سلف لنا في مسألة الأجير والبيت ما يمكن أن يكون وجها لذلك فلاحظ وتأمل. هذا.

وقد ينساق من النص والفتوى أن محل البحث في العمل بالعين كخياطة الثوب وصياغة الخاتم ونحوهما ، أما العمل الصرف كالصوم والصلاة والحج ونحوها فيبقى على أصل الجواز.

اللهم إلا أن يقال : إن ذكر بعض لوازم العمل في العين لا يقتضي تقييد ذلك به وحينئذ يعتبر في جواز تقبيله بالأقل عمل شي‌ء منه.

وكيف كان فحيث يكون العمل في العين لا يجوز تسليمه إلى غيره إلا بإذن المالك لأنه أمانة في يده وحينئذ فـ ( لو سلمها من غير إذن ) فتلفت ضمن للتعدي كما هو واضح.

٣١٩

لكن في المسالك بعد أن فرض المسألة على تقدير القول بجواز التقبيل قال : « والوجه حينئذ أنه مال الغير ولا يصح تسليمه إلى غير من استأمنه عليه ، وجواز إجارته لا تنافي ، بل يستأذن المالك ، فإن امتنع أي المالك رفع الأجير أمره إلى الحاكم ، فإن تعذر احتمل جواز التسليم حينئذ لتعارض حق العامل الثاني وحق المالك ، فيقدم العامل ، وفاء بالعقد ويحتمل تسلطه على الفسخ لا غير ، لأن المالك مسلط على ماله يعطيه من شاء ، ويمنعه من شاء ، والحال أنه لم يرض بأمانته.

ولو قيل بجواز التسليم مطلقا حيث يجوز التقبيل كان حسنا لصحيحة على بن جعفر (١) عليه‌السلام عن أخيه موسى عليه‌السلام في عدم ضمان الدابة المستأجرة بالتسليم إلى الغير إذا لم يشترط عليه ركوبها بنفسه.

وإذا كان الضمان ساقطا مع تسليمها لاستيفاء المنفعة لغير المالك ، فسقوطه مع كون المنفعة للمالك أولى ، وإليه مال في المختلف ، وابن الجنيد جوز التسليم من غير ضمان مع كون المتسلم مأمونا ، ولكن ينبغي تقييده بكون المدفوع إليه ثقة وإلا فالمنع أوجه ».

قلت : قد سلف لنا في جواز تسليم العين ما يستفاد منه المنع هنا أيضا ، وأن جواز التقبيل أعم من ذلك ، ضرورة إمكان عمل الغير فيه ، وهو في يده وليس له على المالك الإذن ، حتى يرفع أمره إلى الحاكم ، كما أنه ليس له الفسخ من هذه الجهة.

وصحيح على بن جعفر ـ عن أخيه عليه‌السلام (٢) الذي هو « سألته عن رجل استأجر دابة ، فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسم فليس عليه شي‌ء » ـ لا صراحة فيه بل ولا ظهور في خروج العين عن يد المستأجر الأول ، وإنما المراد ، السؤال عن تلفها حال ركوب الغير لها ، وإن كانت هي في يد الأول ، ولا ريب في أن الحكم فيها ما ذكره عليه‌السلام كما أوضحنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

٣٢٠