جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الفصل ( السادس : في اللواحق وفيه مسائل‌ )

الأولى : لا خلاف بين المسلمين ولا إشكال في أن الوكيل سواء كان بجعل أو غيره كما هو صريح بعض وظاهر الباقين أمين بالنسبة إلى أنه لا يضمن ما تلف في يده الا مع التفريط أو التعدي كغيره من الأمناء الذين قد عرفت الدليل على عدم ضمانهم من النص والإجماع فيما مضى من الكتب السابقة وكذا بالنسبة إلى تصديقه بدعوى التلف ، الا ما يحكى عن بعض العامة ، فيما إذا ادعاه بأمر ظاهر ، وأما بالنسبة إلى قبوله في الرد ، وفي الإقرار على الموكل وغير ذلك ، فسيأتي البحث فيها.

المسألة الثانية : قد عرفت فيما مضى أنه لا اشكال ولا خلاف عندنا في أنه ليس للوكيل أن يوكل غيره ، ولو عن نفسه إلا بإذن الموكل التي بها يكون قول الوكيل الثاني ، حيث يكون وكيلا عن الوكيل نفسه قولا للموكل ، فهو حينئذ له تعلق بهما معا.

وحينئذ فـ ( إذا كان أذن لوكيله أن يوكل ) عنه أو عن نفسه فلا اشكال وان أطلق ، فظاهر القواعد ومحكي السرائر والتذكرة وصريح جامع المقاصد ومحكي مجمع البرهان أنه يوكل عن الموكل ، واحتمل غير واحد أنه يوكل عن نفسه لأن المراد التسهيل عليه ، ولكن ظاهر المتن التخيير بينهما.

وعلى كل حال فإن وكل عن موكله كانا وكيلين له بلا خلاف ولا اشكال فـ ( تبطل وكالتهما ) معا بموته وجنونه ، ولا تبطل بموت أحدهما ولا بعزل أحدهما ، صاحبه لعدم ارتباط وكالة أحدهما بوكالة الآخر ، وانما كان الأول واسطة عن الموكل في وكالته.

نعم ان وكله عن نفسه حيث يكون له ذلك بالإذن من الموكل فيه‌

٤٢١

أو بالإطلاق بناء على اقتضائه ذلك كان له عزله وتبطل وكالته بموته وجنونه ، وبعزل الموكل له ، بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة أنه فرعه ، خلافا للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه ، فلا ينعزل بعزل الوكيل ، لأن التوكيل فيما يتعلق بالموكل وباذنه يقتضي كون الحق له.

وفيه ما سلف من أن الإذن من الموكل انما هي في صيرورة فعل وكيل الوكيل فعلا له بالواسطة ، فالتوسط حينئذ ملحوظ ، ووكالته مركبة منهما ، فإن مات الموكل أو جن أو أغمي عليه أو عزل الأول بطلت وكالتهما معا وكذا ان مات وكيل الأول أو جن تبطل وكالة الثاني وهذا كله لا إشكال في شي‌ء منه ، إلا في دعوى تعيين المراد من الإطلاق الذي هو إن كان منشؤه الانسياق منه عرفا أمكن منعه ، وأنه إلى الإجمال أقرب من ذلك ، حتى التغيير الذي لم نجد به قائلا إلا دعوى ظهور عبارة المصنف ، واستقربه في المسالك إن كان قولا.

قال : « فإن العبارة على تقدير انحصار الأمر في الوجهين الأولين يمكن حملها على ما يوافقهما ، بأن يجعل قوله « فإن وكل عن موكله » بأن كان مضمون توكيل الموكل له ذلك ، وكذا القسم الآخر إلا أنه لا ضرورة إلى ذلك ، فإن المسألة محتملة ، والوجه ليس أبعد منهما ».

قلت : ما ذكره في حمل العبارة لا يصلح لتنزيل الإطلاق عليه ، بل يكون مبنيا على تصريح الموكل له بذلك ، وهو ليس محلا للبحث ، كما ان دعوى عدم بعده لا يقتضي رجحانه على غيره مع ان كلا منهما مفهوم مغاير للآخر ، وإرادتهما معا خصوصية كخصوصية أحدهما ، ولذا حكموا ببطلان التوكيل بعدم ذكر الموكل فيه ، ولم ينزلوا ذلك على الإطلاق الذي هو أحد الأفراد ، ولذا كان مجملا.

وما نحن فيه وإن لم يكن كذلك باعتبار ذكر المتعلق ، وهو توكيل الغير ، إلا أنه قريب منه باعتبار عدم ذكر الموكل عنه أنه الموكل أو الوكيل ، أو كل منهما ، ولم يستعمل لإرادة الإطلاق ، بل ولا يفهم منه إلا بالقرينة الدالة على ذلك ،

٤٢٢

ولو قطع النظر عن مفاد العبارة فليس في الأدلة ما يقتضي تعيين فرد من الأفراد الثلاثة.

والتأمل في كلامهم يعطي كمال التشويش في مبنى ما ذكروه من التعيين ويزيده ما في المسالك من أنه لو كان مستند الإذن في التوكيل القرائن الحالية يحتمل الأوجه الثلاثة ، وتوقف في التذكرة ، وقطع في السرائر أن الثاني يكون وكيلا للوكيل ، وهو متجه ، ضرورة أن الحكم في القرائن اتباع خصوص ما دلت عليه ، ومع فرض عدم دلالتها على خصوص فرد من الثلاثة فالمتجه الاجمال ، لا ما ذكره عن التحرير ، نعم ما ذكره من أنه « لو كان المستند في الإذن القرينة المقالية يكون كما لو أطلق » قد يكون له وجه ، في بادي النظر ، مع أن التأمل الصادق يقتضي خلافه ، مع فرض كونها قرينة ، لا أنها إطلاق لفظ ، وحينئذ فالمتجه اتباع ما أفادته من أحد الأفراد ، وإلا فالإجمال إلا أن يثبت أصل من الشرع يقتضي الوكالة عن الموكل ، أو عن الوكيل أو عنهما بمجرد الإذن في التوكيل ، هذا وقد ذكر الفاضل وغيره اعتبار الأمانة في وكالة الوكيل ، بل قيدها بعضهم بالعدالة إلا أن يعين الموكل غيره ، بل في القواعد وغيرها أنه لو تجددت الخيانة وجب العزل.

ولكن لا يخفى عليك عدم الدليل الشرعي على اعتبار ذلك في خصوص الفرض بل هو ليس إلا من مراعاة المصلحة التي هي مناط تصرف الوكيل ومن المعلوم عدم اختصاصها بذلك ، خصوصا فيما إذا أراد توكيله على إيقاع الصيغة ونحوها ، مما لم تكن له يد على مال ، كما هو واضح. ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك فلاحظ وتأمل والله العالم.

المسألة الثالثة لا خلاف ولا إشكال في أنه يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل أو وكيله مع المطالبة وعدم العذر فإن امتنع حينئذ على وجه نافى خطاب الرد عرفا من غير عذر ضمن قطعا بل وإجماعا للعدوان في استمرار يده بعد انقطاع الاذن في ذلك بالمطالبة.

نعم لو كان له هناك عذر لم يضمن بلا خلاف أجده فيه ، كما عن‌

٤٢٣

التذكرة الاعتراف به ، إلا أنك قد عرفت سابقا في الوديعة أنه ليس في شي‌ء من النصوص تعليق الحكم وجودا وعدما على العذر كي يكون المدار عليه ، ويتجه القول بأنه عذر عقلي وشرعي وعرفي وان من الأخير التشاغل بإتمام الحمام ، والطعام ، والنافلة ، وانتظار انقطاع المطر ونحو ذلك أولا حتى اضطرب كلام بعضهم فيها ، فحكم هنا به بأنها أعذار دون الوديعة التي تناسب السهولة فيها.

بل هي أولى بعد مثل ذلك فيها عذرا باعتبار اختصاص المصلحة فيها للمالك ، بخلاف الوكيل الذي يمكن ان يكون له جعل ، وظاهرهم المفروغية من عذرية الواجب الشرعي وإن استلزم ذلك طول التأخير ، كالحج الواجب ، والاعتكاف المنذور ونحوها ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما عرفت من خلو الأدلة عن العنوان المزبور.

فالمتجه حينئذ المحافظة على صدق الفورية العرفية في الأداء التي لا ينافيها إتمام بعض الأعمال ، ولا عدم الإسراع في المشي مثلا ، وعلى الترجيح عند التعارض مع الواجبات المنافية لذلك ، كما أوضحنا ذلك في كتاب الوديعة.

بل إن لم يكن ثم إجماع اتجه القول بالضمان مع التأخير المنافي للفور عرفا ، لعذر شرعي لأصالة الضمان في مال المسلم المحترم كدمه ، أو لقاعدة على اليد التي لا ينافيها عدم الإثم في الامتناع ، وإن انفسخت الوكالة والوديعة.

وليس في الأدلة ما يقتضي عدم الضمان في كل ما أذن شرعا ببقائه في يده على وجه يشمل القرض ، وقد أشرنا سابقا إلى احتمال الضمان مع تصديق الوكيل ، وإن جاز له التأخير لعدم البينة كما أنه محتمل أيضا في التأخير لإرادة الاشهاد فتأمل جيدا فإنه يمكن القول بأن المفروض من الأمانة الشرعية التي لا تندرج في العموم المزبور ، باعتبار عدم صدق الأخذ على الاستدامة ، نحو وقوع الثوب في اليد بإطارة الريح ونحوه فيبقى أصل البراءة سالما كما أشرنا إليه سابقا في نظائر المقام ، بعد منع أصالة الضمان الذي حصروا أسبابه في أسباب مخصوصة والله العالم.

٤٢٤

وكيف كان فـ ( لو زال العذر فأخر التسليم ضمن ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه من المغصوب باعتبار كون الاستيلاء عليه بغرض ، فتندرج‌ في قوله عليه‌السلام (١) « كل مغصوب مردود » ، أي ولو بالمثل أو القيمة كما هو واضح.

ولو امتنع مثلا من الرد بعد المطالبة به مع الاعتراف به ثم ادعى بعد ذلك أن تلف المال قد كان قبل الامتناع ، أو ادعى الرد قبل المطالبة ، قيل لا تقبل دعواه ، وإن أقام بينة لتكذيبه لها بالإقرار المفروض سابقا واختاره جماعة والوجه عند المصنف أنها تقبل لعموم البينة على المدعي ، خصوصا إذا أظهر لإقراره الأول وجها ممكنا ، كنسيان أو اعتماد على كتابة ونحوها ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا في الوديعة من أن المتيقن من الخبر المزبور ما إذا لم يكذبه.

على أنه معارض بما دل على حجية الإقرار ، بل هو كذلك لو أنكر أصل المال ، فإنه وإن كان إنكارا إلا أنه إقرار في حقه ، على وجه ينافي سماع بينته.

نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد معترفا بوجود المال ، ولا منكرا لأصل قبضه ، ولكن كان ذلك مماطلة ، اتجه حينئذ سماع بينته.

نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد للخبر ، ولعدم صدور ما ينافيها منه كما أنه يتجه ذلك لو ادعى الرد بعد الامتناع منه ، بل والتلف بالنسبة إلى عدم الإلزام بالعين ، فتسمع حينئذ البينة منه ، كما هو واضح.

بل قد يقال في الأول بسماع قوله في التلف فضلا عن بينته ، لأن ذلك المطل الذي قد كان منه لا يقتضي عدم قبول قوله في التلف أو الرد بناء على القول به لعموم ما دل عليه أو إطلاقه والمطل المزبور يمكن أن يكون حياء من المالك أو لغير ذلك من الوجوه الصحيحة ، لكن في القواعد ومحكي التذكرة والسرائر التصريح بعدم قبول غير البينة منه في الفرض المزبور والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الغصب الحديث ـ ٣ ـ وفيه‌ « لان الغصب كله مردود ».

٤٢٥

المسألة الرابعة : كل من في يده مال لغيره ممن تتوجه له الدعوى به ولو غصبا لا مثل الزكاة والخمس أو في ذمته كذلك فله أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بالقبض حال وقوعه ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده ومالا يقبل إلا ببينة ، هربا من الجحود المفضي إلى الدرك أو اليمين.

وفصل آخرون بين ما يقبل قوله في رده كالوديعة وما لا يقبل كالعارية فأوجبوا التسليم في الأول وإن لم يشهد وأجازوا الامتناع في الثاني إلا مع الاشهاد بل عن آخرين أيضا التفصيل في الثاني بين أن يكون بينة على أصله وعدمه ، فيجب التسليم في الثاني لتمكنه حينئذ من الإنكار بنحو « لا تستحق عندي شيئا » وشبهه ، دون الأول.

وعلى كل حال فـ ( الأول أشبه ) عند المصنف ومن تأخر عنه ، بل عن بعض متأخري المتأخرين نفى القائل منا بالتفاصيل المزبورة وإنما هي للشافعية ، وإن كان فيه ما فيه ، لأن الأول محكي عن المبسوط والثاني عن يحيى بن سعيد.

بل في محكي السرائر تقييد الحكم بما إذا لم يؤد الإشهاد إلى تأخير الحق ، فإن أدى إلى ذلك فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل فيه قوله باليمين ، بل عن الأردبيلي التوقف في أصل الحكم ولعله كذلك للعقل والنقل كتابا وسنة في وجوب دفع الحق إلى صاحبه مع مطالبته ، وخصوصا مع الضرر العظيم في تأخيره عنه ، وتعذر الاشهاد المعتبر أو تعسره في كثير من المقامات ، فلا يخالف ذلك الاحتمال ترتب ضرر عليه بالإنكار ، مع أن الأصل عدمه ، وربما يطمئن الدافع في كثير من المقامات بعدم وقوعه منه.

على أن الإشهاد المزبور لا يرفع الاحتمال المذكور ، لإمكان موت الشهود وغيبتهم وخروجهم عن تأهل الشهادة ، بل يمكن أن يدعى عليه العلم بخطاء الشهود ونحو ذلك ، فيتوجه عليه اليمين الذي يمكن إنكار كونها ضررا على الحالف بحيث يجوز له منع الحق عن مستحقه ، إلى غير ذلك مما لا يخفى وروده على إطلاق الحكم‌

٤٢٦

المزبور ، ولذا سمعت من الفاضل في التحرير التقييد المزبور ، وإن كان هو غير مجد في رفع الإشكال من أصله ، كما أن التفاصيل المزبورة كذلك أيضا.

نعم قد يقال : إن من في يده مال الغير مثلا لما كان مأمورا بدفعه وإيصاله الى من له الحق ، فهو مخير في طرق الإيصال التي لا تنافي الفورية العرفية ، وليس فيه ضرر على المالك ، فمع فرض التشاح فيها منهما بأن أراد من عليه الحق الإيصال المشتمل على الشهادة بالوصول اليه ، وأراد المالك خلافه ، كان الدافع هو المقدم ، لأنه المخير والفرض عدم الضرر على المالك ، مع احتمال الضرر على الدافع في غيره.

أما حال تعذر الشهود أو تعسرهم أو نحو ذلك مما كان فيه الضرر ، بتأخير الحق عن صاحبه المطالب به فلا ريب في تقديم جانب المستحق كما سمعته من الفاضل في التحرير ، فإن أمكن حينئذ حمل كلام المصنف وغيره من الأصحاب على ذلك ، أو أما يقرب منه كان له وجه ، لا ما عساه يظهر منه من جواز الامتناع حتى يشهد ، وإن استلزم ذلك التأخير سنة أو أزيد ، لتعذر الشهود أو تعسرهم وغير ذلك مما لا ينطبق على القواعد الشرعية من دون نص معتبر ، أو إجماع كذلك ، بخلاف ما قلناه المبني على ترجيح المستحق عليه على المستحق ، في اختيار بعض طرق الإيصال التي لا ضرر فيها على المالك على الوجه المزبور.

ولعل ذلك مبنى القول بالتفصيل ، وان لم ينقحوه على القواعد ، ولم يلحظوا قاعدة تزاحم الحقين ، وميزانه الموافق للضوابط فلاحظ وتأمل فإن المقام منه ، بعد تسليم كون حق الإشهاد لمن عليه الحق معلوما من الكتاب والسنة وعلى كل حال فلا يلزمه دفع الوثيقة إذا كانت ملكا له ، وقد أشهد على نفسه بالقبض ، للأصل مع اندفاع الضرر.

المسألة الخامسة : الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن إذا أنكر الودعي بلا خلاف محقق أجده فيه ، وإن حكى في المسالك القول بوجوب الإشهاد ، إلا أنا لم نجده لأحد من أصحابنا.

نعم عن التذكرة الإشكال فيه ، وهو في غير محله ، ضرورة عدم كون ذلك‌

٤٢٧

تفريطا عرفا ، خصوصا في الوديعة المبنية على الإخفاء ، ولذا لم يكن تركه كتركه في ردها الى وكيل المالك ، تفريطا بها ، بلا خلاف أجده فيه أيضا ، ولو أنكر المالك الدفع إلى الودعي ، فالقول قول الوكيل الذي هو أمين على ذلك ، هذا كله في وكيل الإيداع.

وأما لو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن لو أنكره كما عن الشيخ والفاضل في جملة من كتبه ، وولده والشهيدين والمحقق الثاني للتفريط ولكن في المتن فيه تردد وكذا القواعد ، بل كأنه قال به في محكي المختلف ، بل عن الأردبيلي الجزم بذلك ولعله لعدم صدق التفريط عرفا ، لا أقل من الشك ، والأصل عدم الضمان ، مضافا إلى السيرة والله العالم.

المسألة السادسة : إذا تعدى الوكيل في مال الموكل بلبس ونحوه ضمنه قطعا ولكن لا تبطل وكالته على بيعه مثلا بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، إلا ما يحكى عن أبي علي وأحد وجهي الشافعية لعدم التنافي بين الضمان بسببه الشرعي ، وبقاء الوكالة المستصحب المحتاج رفعه إلى فاسخ شرعي أو إنشاء عزل المالك ، كما تقدم الكلام في نظائره من الرهن ، ومال القراض ، والعارية بل والوديعة ، وإن ظهر من بعض العبارات انفساخها بذلك ، لكنه في غير محله ، بل الظاهر بقاء أحكام الأمانة غير الضمان.

نعم لو فرض اعتبار عدالته في وكالته ، أمكن انعزاله حينئذ بالفسق بالتعدي كما هو واضح ، وحينئذ فـ ( لو باع الوكيل ما تعدى فيه وسلمه إلى المشتري بري‌ء من ضمانه ) بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في المسالك ، بل في محكي التذكرة الإجماع عليه لانه تسليم مأذون فيه فجرى مجرى قبض المالك المعلوم انقطاع الضمان به ، ولا يكون الثمن مضمونا لعدم التعدي فيه.

نعم رجح ثاني المحققين والشهيدين عدم زوال ضمانه بالبيع قبل القبض ، لانه ربما بطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف من ملك الموكل ، وفيه أن‌

٤٢٨

ذلك يقتضي الانفساخ من حينه على الأصح ، فيكون قد تلف وهو ملك المشتري وإن اقتضى ذلك انفساخ البيع ، كما لو رده المشتري على الوكيل بعيب ، حيث يكون وكيلا عليه أيضا بعد الرد ولو بالوكالة الأولى ، فإنه قد صرح في المسالك بعدم الضمان فيه والفرق بينهما غير واضح.

اللهم إلا أن يكون قد بنى الأول على الانفساخ من الأصل به كما لعله ـ الظاهر من آخر كلامه ، وبما ذكرنا يظهر لك النظر أيضا فيما عن التحرير من التوقف في الضمان في الأول ، والجزم به في الثاني ، كما عن التذكرة ، كما أنه يظهر منه أيضا انقطاع الضمان عنه ببيعه بالخيار إلى مدة يفسخ فيها ، فضلا عن أن يكون الفسخ من المشتري ، لانقطاع أثر سبب الضمان للاول بالخروج عن ملكه ولو متزلزلا ، واحتمال تبعية وصف الضمان لتزلزله لا دليل عليه ، بعد معلومية انقطاعه بالانتقال المزبور ، فليس العود حينئذ إلا كعوده من المالك ، بعد وصوله إليه فهو كالاستيمان الجديد فتأمل جيدا والله العالم.

المسألة السابعة إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز بناء على جواز اتحاد الموجب والقابل ، كما هو المشهور بل المجمع عليه بين المتأخرين بل عن التذكرة الإجماع عليه في ثلاثة مواضع ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، وخصوص ما ورد منه في الجد والأب والوصي وبعض النصوص الاتية.

ولكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت ، ومن أن المنساق من الأدلة التغاير ، لا أقل من الشك ، والأصل عدم ترتب الأثر ، ولذا حكي الخلاف فيه عن جماعة ، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير من أصحابنا إلا أنه قد ذكرنا في البيع وكذا في النكاح أن الأصح الأول ، وأنه لا شك في تناول الأدلة ، إنما الكلام فيما إذا أطلق الموكل البيع أو الشراء مثلا.

فهل يدخل الوكيل ـ فيجوز له البيع والشراء من نفسه من دون اعلام الموكل لصدق البيع والشراء ، فيندرج ـ في الموكل فيه ـ

٤٢٩

ول‌ خبر إسحاق بن عمار (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يجي‌ء الرجل بدينار يريد مني دراهم فأعطيه أرخص مما أبيع ، قال : أعطه أرخص ما تجد له » أولا؟ لانسياق غيره من الإطلاق ، ولو لسبق التهمة إلى الذهن ، أو الشك في تناوله له.

وللنصوص ، كخبر ابن الحكم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا قال لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك ، وان كان الذي عندك خيرا منه. » وخبر إسحاق (٣) « سألته عليه‌السلام أيضا عن الرجل يبعث الى الرجل ، فيقول له : ابتع لي ثوبا ، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له بالسوق فيعطيه من عنده قال : لا تقربن هذا ولا يدنس نفسه ان الله عز وجل يقول ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ) الى آخره وان كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده ».

وخبر القلانسي (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل ـ يجيئني بالثوب فأعرضه ، فإذا أعطيت به الشي‌ء زدت فيه وأخذته قال : لا تزده. » وخبر ابن أبي حمزة (٥) « سمعت الزيات يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : جعلت فداك اني رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع قال : ما أحب لك ذلك ، قال اني لست أنقص لنفسي شيئا مما أبيع ، قال : بعه من غيرك ولا تأخذ منه شيئا ، أرأيت لو أن الرجل قال لك : لا أنقصك رطلا من دينار كيف كنت تصنع لا تقربه » ـ خلاف :

فعن الفاضل في التذكرة والمختلف والنهاية والتلخيص ولو أحق رهن القواعد وولده في الإيضاح والشهيد في الحواشي وصريح أبي الصلاح أو ظاهره الأول ، وعن المبسوط والخلاف والإرشاد ووكالة القواعد الثاني بل عن التذكرة أنه المشهور ولعل الأقوى الأول للصدق عرفا وإمكان حمل النصوص المزبورة بعد الغض‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٢.

٤٣٠

عما في السند والاجمال في الجملة في خبر القلانسي منها كما يظهر من حواشي التهذيب على ضرب من الكراهة للتهمة ونحوها ، خصوصا مع اشعار قوله فيها لا يدنس ونحوه بذلك.

مضافا إلى‌ خبر ميسر (١) « قلت له يجيئني الرجل فيقول تشتري لي ويكون ما عندي خيرا من متاع السوق قال : إن أمنت أن لا يتهمك فأعطه من عندك ، وان خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق » مؤيدا ذلك كله بما ورد (٢) من جواز أن يأخذ لنفسه من وكل على تقسيم مال للمحاويج ، وكان بصفتهم ، وجواز حج الوصي بنفسه عمن هو وصي عنه والله العالم.

الفصل ( السابع في التنازع وفيه مسائل‌ )

الأولى : إذا اختلفا في الوكالة ، فالقول قول المنكر لأنه الموافق لـ ( لأصل ) المقتضي لاندراجه في‌ قوله عليه‌السلام (٣) « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » سواء كان المنكر الموكل ، أو الوكيل الذي قد يدعى غيره وكالته لغرض من الأغراض كما لو كان قد اشترى شيئا ادعى الموكل أنه اشترى له بالوكالة عنه ، فأنكر المشتري أصل الوكالة ، أو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع للتوقيت أو لتلف العين التي اشترط الوكالة عليها ، فادعى البائع مثلا أنه قد وكله لإرادة لزوم العقد ، وأنكر هو ذلك لإفادة التسلط على الفسخ.

ولو اختلفا في التلف وعدمه فالقول قول الوكيل وإن كان مخالفا للأصل لأنه أمين بالنسبة إلى ذلك ، بمعنى كونه مقبول القول فيه ، بلا خلاف أجده ، بل لعله كذلك بين المسلمين ، فضلا عن صريح الإجماع في المبسوط والسرائر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب آداب التجارة الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ـ ٣.

٤٣١

وجامع المقاصد والمسالك على ما حكي عن بعضها ، بل ظاهر الأكثر ومعقد الإجماع ونفي الخلاف ما هو صريح بعض من عدم الفرق بين كونها بجعل وبدونه ، ضرورة كونه أمينا على كل حال ، بل وبين كون التلف المدعى بسبب ظاهر ، كالغرق والحرق ، أو خفي كالسرقة ونحوها ، وإن حكي عن الشيخ في الوديعة الخلاف في ذلك إلا أن المحكي عنه هنا التصريح بذلك ، ولعله لذا كان ظاهر المسالك الإجماع على ذلك هنا.

وقد عرفت فيما مضى من الكتب السابقة ما يدل من النصوص وغيرها على قبول دعوى الأمين في ذلك مطلقا ، حتى في الصناع وإن سمعت الخلاف فيه في كتاب الإجارة ، على أنه قد يتعذر إقامة البينة بالتلف غالبا فاقتنع بقوله دفعا لالتزام الأمين المحسن وغيره بما تعذر غالبا لقاعدة ) العسر والحرج والإحسان والأمانة.

بل قد يستفاد من التعليل في بعض النصوص الواردة في قبول قول الامرأة في الحيض والطهارة منه (١) ونحو ذلك ، إقعاد هذه القاعدة أيضا وهي « أن كل أمر يتعذر إقامة البينة عليه غالبا أو يتعسر ، يقبل قول مدعيه بيمينه » ولعله إليه أومى المصنف بما ذكره ولو اختلفا في التفريط ولو بالتعدي فيه فالقول قول منكره ، لقوله عليه‌السلام (٢) « البينة على المدعى ، واليمين على من أنكر‌ كما هو واضح والله العالم.

المسألة الثانية إذا اختلفا في دفع المال الذي هو في يد الوكيل من حيث وكالته إلى الموكل فإن كانت الوكالة بجعل كلف البينة ، لأنه مدع وقابض لمصلحة نفسه ، فلا يساوي الوديعة وإن كانت بغير جعل ، قيل : القول قوله كالوديعة في الإحسان وهو قول مشهور كما عن الصيمري والكفاية ، بل عن غاية المراد أنه مذهب الشيخ والاتباع ، بل عن ظاهر المهذب البارع أو صريحه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث ـ ٣.

٤٣٢

الإجماع عليه.

وقيل كما عن ابن إدريس وجماعة من المتأخرين القول قول المالك وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها‌ « البينة على المدعى واليمين على من أنكر » ومنها أصالة عدم الرد وغيرها ، ولا ينافي ذلك قبول قوله في الوديعة للنص والإجماع ، بعد حرمة القياس ، وإن حصل الجامع الذي هو الامانة ، والإحسان ، والقبض لمصلحة المالك وتأدية عدم القبول إلى انسداد باب قبول الأمانة إلا أن الجميع كما ترى ، لا يطابق المذهب بعد عدم معلومية كون ذلك هو العلة شرعا ، والأمانة أعم من قبول القول في الرد ، كما أن النهي عن الاتهام لا يقتضي ذلك ، بل ظاهره خلاف ذلك.

بل وكذا قاعدة الإحسان الظاهرة في نفي السبيل على المحسنين في إحسانه ، لا في قبول دعواه ، على أنه لو سلم أن من مقتضاها ما نحن فيه لاتجه القبول بلا يمين لأنه نوع سبيل ، كما أوضحنا ذلك في الوديعة والعارية.

أما الوصي فالقول قوله في الإنفاق على الطفل أو على دوابه أو على عقاره فضلا عن دعوى التلف من غير تعد ولا تفريط بلا خلاف أجده فيه ، لأنه أمين بالنسبة إلى ذلك ولتعذر البينة فيه بل والبيع للمصلحة والقرض لها ونحو ذلك مما ادعاه حال أمانته دون دعوى تسليم المال إلى الموصى له بعد بلوغه ورشده الذي هو كدعوى الرد في المسألة السابقة.

بل في المسالك أن ظاهرهم عدم الخلاف في تقديم قول الموصى له ، واليتيم في عدم القبض هنا ، ولعله كذلك للفرق بينه وبين ما تقدم بأن دعوى الرد هنا على من لم يأتمنه ، بخلافه هناك ، وفي محكي المبسوط قد جعل ذلك ضابطا في كل أمانة حتى في الوديعة لو ادعى ردها على الوارث ، وإن كان قد عرفت عدم الفرق عندنا بين الجميع في أن القول قول منكر الرد إلا في الوديعة المدعى ردها على المالك أو وكيله للنص والإجماع لما عرفت.

٤٣٣

وكذا القول في الأب والجد ومن حصل في يده ضالة أو لقطة لاتحاد المدرك في الجميع وهو عموم‌ قوله « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » بعد عدم اقتضاء الامانة وقاعدة الإحسان القبول في ذلك وبعد حرمة القياس على الوديعة كما عرفت الكلام فيه والله العالم.

المسألة الثالثة : إذا ادعى الوكيل وقوع التصرف الذي وكل عليه وأنكر ذلك الموكل مثل أن يقول : بعت المتاع وتلف الثمن منى مثلا أو قال قبضت المبيع لك مثلا وتلف مني وأنكر ذلك الموكل ليترتب على الأول غرامة الوكيل المبيع عينا أو قيمة وفي الثاني عدم غرامة الثمن من الموكل لكون المبيع قد تلف قبل قبضه فلا ثمن عليه.

قيل والقائل غير واحد ان القول قول الوكيل ، لأنه أقر بماله أن يفعله فيندرج تحت الأصل المعروف الذي هو « من ملك شيئا ملك الإقرار به » وعليه بنوا نفوذ إقرار الصبي فيما له أن يفعله كالوصية والعتق والتصدق ، وكذا قبول قول العبد المأذون في التجارة فيما يتعلق بها ، والولي في تصرفه بمال المولى عليه.

ولو قيل : القول قول الموكل لأصالة العدم أمكن بل في جامع المقاصد هو أمتن دليلا ، وعن مجمع البرهان كأنه أظهر وعن موضع من التذكرة أن القول قوله خصوصا إذا كان النزاع بعد العزل وإن كنت لم أتحققه.

ولكن مع ذلك كله الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها ما سمعت ، ومنها أنه أمين قد نهى عن تخوينه الذي منه تكذيبه. وأنه محسن ، وإن كان في عدم تصديقه العسر والحرج المنفيين بالاية (١) والرواية واختلال نظام المعاملات بانصراف رغبة الناس عن معاملات الأولياء والوكلاء والمأذونين خصوصا في المضاربات ، ولأنه بتوكيله أقدم على قبول قوله فيما يفعله ، فيجب أن يصدقه كما‌

__________________

(١) سورة الحج الآية ـ ٧٨.

٤٣٤

الزم بتصديقه في دعوى التلف التي هي عند القائل ليس إلا لأنه أمين وصاحب يد على ما اؤتمن عليه.

وبذلك كله ظهر لك أن تقديم قول الوكيل في هذه المسألة ليس لأن إقراره إقرار من الموكل ، ضرورة عدم ما يقتضي ذلك في شي‌ء من الأدلة بل فيها ما يقتضي خلافه ، ولذا كلف باليمين بل إنما هو للنهي عن تهمة الأمين المراد منه تقديم قوله على قول المالك عند التنازع ، ومنه المقام الذي لم أجد خلافا صريحا فيه بل في مصابيح الفاضل الطباطبائي نسبته إلى تصريح الأصحاب الا من شذ بل فيها عن الصيمري اتفاق الفتوى على ذلك ، بل قد تشعر عبارة المتن بذلك أيضا حيث نسبه الى الإمكان على تقدير القول به وستسمع الكلام في المسألة العاشرة.

المسألة الرابعة : إذا اشترى إنسان سلعة ، وادعى بعد ذلك أنه وكيل لإنسان فأنكر الإنسان وكالته كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الوكالة ويقضى على المشتري بالثمن لظهور مباشرة العقد في كون الشراء له سواء اشترى بعين أو في الذمة ، إلا أن يكون ذكر انه يبتاع له في حالة العقد أو قامت البينة على ان عين الثمن للموكل أو نحو ذلك ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

مع أنه واضح كوضوح الحكم فيما لو قال الوكيل : ابتعت بقصد أنه لك فأنكر الموكل أو قال ابتعت بقصد أنه لنفسي فقال الموكل : بل لي فالقول قول الوكيل بيمينه لأنه أبصر بنيته المتعلقة بفعله بلا خلاف ولا اشكال ، مع فرض كون الاختلاف في النية التي لا تعلم الا من قبله.

بل ربما استظهر من عبارة المتن قبول قوله بلا يمين لعدم تصور الدعوى عليه إلا على القول بسماعها مع التهمة أو أن اليمين حق له على كل حال أما لو فرض إمكان الاطلاع على قصده ولو بإقراره فقد توقف بعض متأخري المتأخرين في قبول قول الوكيل للأصل ، لكن فيه ما عرفت من لزوم تقديم قوله مع فرض التداعي معه‌

٤٣٥

لأنه أمين والله العالم.

المسألة الخامسة : إذا زوجه امرأة بعنوان التوكيل كما فرضه جماعة ، أو مطلقا كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره ، بل والدليل خصوصا صحيح الحذاء (١) الذي تسمعه فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه لأنه منكر بلا خلاف ولا اشكال.

ويلزم الوكيل مهرها الذي أوقع العقد عليه كما عن النهاية والوسيلة والنافع وكشف الرموز والتحرير والإرشاد والقواعد والقاضي والكيدري لا لأن المهر يجب بالعقد كملا ولا ينتصف الا بالطلاق المفقود في المقام وقد فوته الوكيل عليها بتقصيره في الاشهاد ، ولا لأنه أقر بأنه أخرج بضعها عن ملكها بعوض لم يسلم إليها فكان عليه الضمان ، فإن كل من أقر بإخراج ملك عن غيره لعوض لم يسلم ضمنه له ، لتفريطه ـ إذ هما كما ترى.

بل لخبر محمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل زوجته أمه ولم يقبل فقال : إن المهر لازم » لأنه بناء على تنزيله على دعوى الوكالة ، بل عن الشيخ واتباعه العمل به على ظاهره ، ولكن يمكن حمله على ما روي من لزوم نصف مهرها كما تسمعه في صحيح الحذاء فتتفق النصوص جميعا حينئذ على النصف الذي عمل به الشيخ والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل في التذكرة والفخر وغيرهم على ما حكي به في المسالك وغيرها أنه المشهور.

لخبر عمر بن حنظلة (٣) « عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت من شي‌ء مما قاولت من صداق ، أو ضمنت من شي‌ء أو شرطت فذلك رضائي وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب وخطب له وبذل عنه الصداق و‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث ـ ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوكالة الحديث ـ ١.

٤٣٦

غير ذلك مما طلبوه وسألوه. فلما رجع إليه ، أنكر ذلك كله ، قال يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنه هو الذي ضيع حقها ، فلما لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال له ، حل لها أن تتزوج ، ولا يحل للأول فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أن يطلقها ، لأن الله تعالى يقول ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عز وجل. وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام وقد أباح الله عز وجل لها ان تتزوج ».

وصحيح أبى عبيده (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أمر رجلا ان يزوجه امرأة من أهل البصرة من بنى تميم فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم ، قال : خالف أمره ، وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدة عليها ولا ميراث بينهما فقال بعض من حضر فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسم أرضا ولا قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوجه ، فقال : إن كان للمأمور بينة أنه كان أمره أن يزوجه كان الصداق على الآمر وإن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ، ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا وإن لم يكن سمى لها فلا شي‌ء لها ».

ومن ذيله يعلم أن المراد بالصداق أولا النصف ، كما يعلم إرادة المرأة من « الأهل » فيه وإلا كان دالا على وجوب مهر ونصف ولم يقل به أحد ولا وجه له ولعله لعدم تنقيح المراد من هذا الصحيح واشتمال الأول على التعليل الذي لا يوافق الضوابط واستبعاد الالتزام بمقتضاها الشامل للوكالة التي أخبرها بها ، وللفضولية ونحو ذلك مما لا غرور فيه واحتمالها ضمان الوكيل المهر بعد العقد والاعتراف بالوكالة ، والتنصيف حينئذ تنزيلا لانتفاء النكاح ظاهرا منزلة الفسخ بالطلاق.

قيل : وإن لم نعرف القائل به غير واحد قبل المصنف يحكم ببطلان العقد في الظاهر لعدم ثبوت الوكالة وعدم غرامة شي‌ء على أحد منهما.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث ـ ١.

٤٣٧

نعم يجب على الموكل أن يطلقها فيما بينه وبين الله تعالى بلا خلاف أجده فيه ، بل في جامع المقاصد لا ريب فيه وقد نطق به الكتاب والسنة من قوله تعالى (١) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) وقاعدة الضرر والضرار وحفظ الأنساب ونحو ذلك إن كان يعلم صدق الوكيل ، وأن يسوق إليها نصف المهر ولا ريب في أن هذا القول قوي بحسب القواعد ، بل مال إليه جماعة منهم الفاضل وولده وثاني الشهيدين ، بل جزم ثاني المحققين بأنه أصح.

لكنه مخالف للشهرة البسيطة ، أو المركبة ، أو الإجماع كذلك ، الجابرة للنصوص المزبورة التي لا أقل من الفتوى بالمتيقن منها وهو النصف فيما لو غرها بدعوى الوكالة صريحا وعدم علمها بصدقه ، دون باقي الصور ، وإن دل عليه الخبران أو أحدهما.

وعلى كل حال فلا إشكال في صحة طلاق الموكل لها وإن لم يعترف بالزوجية.

بل صرح غير واحد بصحته منه وإن أوقعه معلقا ، كقول إن كانت زوجتي فهي طالق ، لعدم كونه تعليقا مانعا ، ضرورة عدم اقتضائه تأخير الأثر ، على أنه عالم بالحال وعلقه على أمر معلق عليه في الواقع ، وإليه يرجع ما في الروضة « لأنه أمر يعلم حاله ، وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم جمعة : إن كان اليوم الجمعة ، فقد بعتك كذا أو غيره ».

لكن في الرياض « إنه كذلك إذا لم يكن الإنكار مستندا إلى نسيان التوكيل ، وإلا فلا يصح » وفيه أن الظاهر الصحة حتى مع ذلك ، ولعدم دليل يقتضي بطلانه كذلك بل مقتضى الإطلاقات الصحة ، ومن هنا أطلق من عرفت. ومنه يعلم ما في تعليل الروضة السابق.

وأما المرأة فلا إشكال ولا خلاف في أن لها التزويج وإن لم يطلق الموكل إذا لم تكن عالمة بالوكالة ، لأنها خلية في ظاهر الشرع كما أفصح به الخبر المزبور.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٢٩.

٤٣٨

نعم لو كانت عالمة بصحة الوكالة لم يكن لها ذلك ، وليس للحاكم إجبار الزوج عليه. نعم قد يقال : بأن له الطلاق عنه مع امتناعه من وقوعه ، فيؤثر أثره حينئذ مع فرض الزوجية في الواقع للامتناع عن القيام بها والطلاق ، وإلا لم يحتج إلى طلاق.

وربما احتمل أن لها الفسخ أو للحاكم ، أو البقاء على الزوجية حتى يفرج الله عنها بموت ونحوه ، ولعل ما ذكرناه أولى بعد عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك ، لقاعدة الضرر وغيرها ، وللاية (١) ونحوها والله العالم.

المسألة ( السادسة : إذا وكله في ابتياع عبد فـ ) ادعى أنه اشتراه له بمأة ، فقال الموكل : اشتريته بثمانين ، فالقول قول الوكيل كما اختاره جماعة منهم الشيخ في المحكي من مبسوطة لأنه مؤتمن والفعل فعله من غير فرق بين كون الثمن من غير مال الموكل. أو في ذمته ، ولكن لو قيل : القول قول الموكل. كان أشبه بأصالة البراءة من الزائد ونحوها لأنه غارم بالأخذ من ماله المعين المجهول ثمنا أو الأداء عن ذمته ، بل عن الإرشاد ومجمع البرهان اختياره ، بل لعله مقتضى ما تقدم للتذكرة ، إلا أنه مناف لما سمعته من المصنف في المسألة الثالثة. ولما يأتي له في العاشرة.

والتحقيق ما عرفت وتعرف من أن التداعي إن كان بين الموكل والوكيل كان القول قول الوكيل لما سمعت ، وإن كان بين الموكل والبائع فالقول قول الموكل وان صدق الوكيل البائع لما ستعرفه من اقتضاء الأدلة تقديم قوله في التداعي معه خاصة ، لا أن إقراره إقراره مطلقا كما تسمع تفصيل الحال فيه في المسألة العاشرة.

وعلى كل حال فما عن أبي حنفية من التفصيل بين الشراء بالعين فالقول قول الوكيل ، لانه الغارم لما زاد على الثمانين ، والموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه الغارم واضح الضعف ، ضرورة أخذ الثمن من مال الموكل على كل حال ، كما ان ما في المسالك وغيرها من فرض موضوع المسألة بما إذا كان المبيع يساوى ماءة ، وإلا لم يكن الشراء صحيحا لا يخلو من نظر ، ضرورة إمكان الغبن في حق الوكيل ، ولا‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٢٩.

٤٣٩

يقتضي خروجه بذلك عن الوكالة ، وانما أقصاه الخيار كما أوضحناه في محله.

المسألة السابعة قال في محكي المبسوط إذا اشترى الوكيل لموكله مصرحا بذلك في العقد كان البائع بالخيار إن شاء طالب الوكيل ، وإن شاء طالب الموكل ويكون دخول الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن في الضمان ، فإن أعطاه كان له الرجوع بما وزن ، لأنه توكل بإذنه في الشراء ، وذلك يتضمن تسليم الثمن ، وكان الاذن في الشراء إذنا فيه وفيما يتضمنه.

وربما أشكل بأنه لا وجه لرجوعه على الوكيل مع فرض العلم بالوكالة ، ضرورة كون الثمن فيما فرضه في ذمة الموكل ، لأن الشراء له ، ولا ضمان من الوكيل.

نعم مع الجهل بالوكالة يتجه مطالبة الوكيل لظهور مباشرة الشراء في كونه له ، ولكن يتوجه حينئذ اختصاص المطالبة به مع فرض استمرار الجهل بذلك.

ومن هنا قال المصنف وتبعه بعض الناس ان الوجه اختصاص المطالبة بالموكل مع العلم بالوكالة ، واختصاص مطالبة الوكيل مع الجهل بذلك إلى حين القبض أو مطلقا ، كما احتمله في المسالك للاكتفاء بالجهل حال العقد في استحقاق المطالبة ، وان علم بعد ذلك استصحابا لما كان ، ولإمكان عدم رضاه بمطالبة الموكل لو علم ابتداء.

وعلى كل حال فلا يكفي في ثبوت الوكالة المقتضية لسقوط حق المطالبة عن الوكيل اعتراف الموكل بها ، إذ يمكن أن يكون تواطيا منهما لإسقاط حق المطالبة خصوصا إذا كان قويا.

هذا كله إذا كان الثمن في الذمة ولم يكن قد دفعه الموكل إلى الوكيل ، أما إذا كان عينا قد وقع العقد عليها ، فقد صرح في جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان والتنقيح على ما قيل بمطالبته لمن هي في يده من غير فرق بين الوكيل والموكل ، وإن كان في الذمة ، ولكن كان قد دفع الموكل اليه ما يجعله ثمنا ، ففي القواعد ومحكي الكتب السابقة والتذكرة تخير في مطالبة الوكيل لأن الثمن في يده ، والموكل لأن‌

٤٤٠