جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيها ، سيما بالنسبة إلى ذلك و (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) لا يثبت بهما شرعية الأفراد المشكوكة من المعاملة المعهودة التي لها أفراد متعارفة ، وإنما المراد من الأول بيان اللزوم ، ومن الثاني عدم أكل المال بالباطل إذا كان بالتجارة المتعارفة ، لا أن المراد شرعية كل عقد وكل تجارة يقع الاتفاق عليها من المتعاقدين ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، فما عن الشيخ من جواز المساقاة على ما يجز مرة بعد أخرى واضح الضعف.

وعلى كل حال ( فـ ) قد بان لك أنه تصح المساقاة على النخل والكرم وباقي شجر الفواكه بل ذلك هو الثابت مما وصل إلينا من نصوص مشروعيتها التي ليست في شي‌ء منها إطلاق يقتضي شرعية كل فرد منها ، وقياسها على المزارعة أواستنباط حكمها منه لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم فيما لا ثمرة له من الأشجار إذا كان له ورق ينتفع به كالتوت بالتاء المثناة والحناء على تردد من كونها من الأشجار ، وغلبة الظن بوجوده في خيبر ، بل في جامع المقاصد كاد يكون معلوما ، ومساواة الورق لغيره في كونه ثمرة ، وفي بعض الاخبار (٣) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر » وما من أدوات العموم ـ ومما عرفت من أن هذه المعاملة على خلاف الأصل ، وفيها من الغرر ما ليس في غيرها ، فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن ، خصوصا بعد ما عرفت من عدم الإطلاق.

ولو قيل بالتفصيل بين المساقاة على هذه تبعا لغيرها من أشجار الفواكه فيجوز ومستقلة فلا يجوز ، لكان وجها ، كالتفصيل في التوت بين كونه في بلاد يكون ورقه ثمرة ، وغيرها ، فيجوز في الأول دون الثاني كما في بلادنا الان ، والمراد منه الذكر لا‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) سورة النساء الآية ـ ٢٩.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٢.

٦١

الأنثى الذي له ثمر معلوم والله العالم.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لو ساقى على ودي أي غير المغروس من فسيل النخل أو الصغار أو على شجر غير ثابت لم يصح بلا خلاف أجده فيه بيننا اقتصارا في المعاملة المخالفة للأصول على موضع الوفاق وعلى الثابت من النصوص التي قد عرفت أما لو ساقاه على ودى مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح وإن لم يحمل فيها قيل : لأن مبنى المساقاة على تجويز ظهور الثمرة ، وظنه بحسب العادة ، فإذا حصل المقتضي صح ، وإن تخلف كما لو ساقاه على الشجر الكثير واتفق عدم ثمرة ، بل لا أجرة له على عمله ، لأنه أقدم على ذلك ، بل في المسالك « انه يجب عليه إتمام العمل في باقي المدة ، وإن علم بالانقطاع قبلها ، ومثله ما لو تلفت الثمار كلها أو أكلها الجراد أو غصبها غاصب ، فإنه في جميع ذلك يجب على العامل إكمال العمل ، ولا أجرة له وإن تضرر ، كما يجب على عامل القراض إنضاض المال وإن ظهر الخسران ، بل هنا أقوى ، للزوم العقد ووجوب العمل ، واحتمل في التذكرة انفساخ العقد لو تلف الثمار بأسرها ، واستشكل الحكم في القراض ، فارقا بينهما بأن المباشر للبيع والشراء في القراض العامل ، فكان عليه إنضاض المال ، بخلاف عامل المساقاة ، ويندفع بأن المساقاة عقد لازم فلا يؤثر فيه تلف العوض ، بخلاف القراض فإذا وجب على عامل القراض مع جوازه ، وكون تغييره للمال باذن المالك ، فهنا أولى.

ويمكن أن يقال : إن تلف الثمرة هنا يكون كتلف العوض المعين قبل القبض المقتضي للبطلان في البيع ونحوه وفيه نظر.

قلت : لا ريب في أن الموافق للضوابط الشرعية الانفساخ بعدم خروج الثمرة ، لاعتبار العوض في هذه المعاملة ، وقد انكشف عدمه ، وجواز الاقدام ظاهرا اعتمادا على المعتاد لا يقتضي الصحة ، فضلا عن اللزوم بعد الانكشاف ، وليس العوض فيها الثمرة من حيث كونها مظنونة ، بل العوض فيها الحصة من الثمرة واقعا ، وعدم بطلان البيع في بعض الصور الخاصة بعدم خروج الثمرة مع القول به بدليل خاص ، كالتعليل في بعض‌

٦٢

النصوص (١) بأنه إن لم يخرج في هذه السنة يخرج في السنة الأخرى وغيره ، بل قد يقال : بالبطلان بالتلف السماوي لها بعد الظهور قبل الإدراك ، بناء على أن العوض الثمرة مدركة ، وبالجملة لا ينكر أصالة ذلك في عقود المعاوضة التي من المعلوم عدم كون القراض منها ، وإن كان هو شبه المعاوضة في المعنى مع حصول الربح ، لا أنه عقد معاوضة قد لوحظ فيه معنى التعاوض والمقابلة ، ولعله لذا احتمل في التذكرة ما سمعت ، بل في جامع المقاصد ـ في فرع ذكره في أثناء مسألة ما لو ظهر استحقاق الأصول ـ « الجزم بعدم وجوب إكمال تمام العمل عليه تمام المدة مع عدم خروج الثمرة » إنما الكلام في أنه انفساخ من حينه أو انكشاف وجهان : ولعل أولهما هو الظاهر من الحكم بالصحة في المتن وغيره من كتب الأصحاب ، مع احتمال ارادة الحكم بها ظاهرا.

وعلى كل حال فالظاهر عدم استحقاقه الأجرة ، لا قدامه على نحو ذلك اقدام عامل القراض ، مع احتمال الأجرة على الثاني هذا كله فيما يحمل مثله عادة.

وأما إن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالبا عادة أو كان الاحتمال على السواء لم يصح لأصالة الفساد ، بعد ما عرفت من عدم إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في نحو الفرض ، حتى لو اتفق حصول الثمرة فيها في تلك المدة على خلاف العادة مع فقد الوثوق بالحصول.

نعم لا إشكال في الصحة فيما لو ساقاه مثلا عشر سنين ، وكانت الثمرة لا تتوقع في العادة إلا في العاشرة ، لصيرورة الثمرة حينئذ فيها مقابلة للعمل في جميع المدة ، ولا يقدح خلو غيرها من السنين ، فان المعتبر حصول الثمرة في مجموع المدة ، لا في جميعها كما هو مقتضى السيرة وغيرها والله العالم.

الفصل الثالث

في المدة ولا خلاف معتد به أجده باعتبارها فيها ويعتبر فيها أي المدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ١ ـ ٨.

٦٣

شرطان أحدهما أن تكون مقدرة بزمان لا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج وإدراك الغلة وإن كانت هي الغلة المعامل عليها على المشهور ، كما في المسالك ، وقوفا ـ فيما خالف الأصل ، واحتمال الغرر والجهالة ـ على موضع اليقين ، واكتفى ابن الجنيد بتقديرها بالثمرة المساقى عليها ، نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم ، ولأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها ، ولأن العقد مبني على الغرر والجهالة ، فلا يقدحان فيه ، والأجود الأول ، وإن كان كلامه لا يخلو من وجه ، واعلم أن الاتفاق على تقديرها في الجملة كما قررناه ، وأما تركها رأسا فيبطل العقد قولا واحدا ، ولأن عقد المساقاة لازم كما تقدم ، ولا معنى لوجوب الوفاء به (١) [ دائما ولا ] إلى مدة غير معلومة ، ولا إلى سنة واحدة ، لاستحالة الترجيح بلا مرجح.

نعم من قال من العامة بأنها عقد جائز لا يعتبر عنده تعيين المدة ، لانتفاء المحذور الذي ذكرنا.

قلت : مضافا إلى ما في قصة خيبر من ظهور ذكر المدة باعتبار كون المحكي منها أن الواقع قد كان مزارعة ومساقاة بعقد واحد ، وعلى كيفية واحدة ، وقد عرفت هناك النصوص الدالة على اعتبار المدة في المزارعة ، فيكون الواقع منه عليه‌السلام مذكورا فيه المدة ، والأصل عدم مشروعية غيره ، مع ما فيه وفي غيره من إيماء كونهما على كيفية واحدة بالنسبة إلى ذلك وغيره ، إلا أن تلك بحصة من الزرع ، وهذه من الشجر والنخل ، بل وظهور كونهما بمعنى الإجارة المعلوم فيها اعتبار ذلك.

والانصاف أن العمدة الإجماع الذي سمعته ، وإلا فلزومها لا ينافي عدم اعتبار ذكر المدة فيها ، فيكون المساقى له استحقاق في الثمرة أبدا ، ويستحق عليه الأعمال المشروطة أو المتعارفة خصوصا وصحيح يعقوب بن شعيب (٢) الذي هو دليل مشروعية المساقاة مع قصة خيبر خال عن ذكر المدة قال فيه : « سألته ـ أي الصادق عليه‌السلام ـ عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة فيقول : اسق هذا من الماء‌

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر زيادة « دائما ولا ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المزارعة الحديث ـ ٢.

٦٤

و اعمره ولك نصف ما خرج ، قال : لا بأس » بل لعل ذلك هو الظاهر من الإسكافي لا ما حكاه هو وغيره عنه ، فإن الذي عثرنا عليه من كلامه في المختلف أنه قال : « ولا بأس بمساقاة النخل وما شاكله سنة وأكثر من ذلك إذا حصرت المدة أو لم تحصر » ، فان مراده نفي البأس في المساقاة عن السنة والأكثر مع ذكر المدة ، وعنها مع عدم ذكر مدة أصلا ، ولا تعرض فيه لبلوغ ثمرة وغيرها ، فيمكن قوله بلزومها والاستحقاق دائما وأبدا مع عدم حصر المدة ، إلا أن يكون هناك تعارف ينزله على سنة العقد خاصة.

نعم لا اشكال بل ولا خلاف معتد به باعتبار تقديرها مع التعرض لها بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، كما في كل عقد جي‌ء بها فيه ، من غير فرق بين ما كانت معتبرة في صحته كالإجارة ، وبين غيره كمهر النكاح وثمن البيع ونحوهما فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالشرط الثاني أن تكون المدة المذكورة في المساقاة مما تحصل فيه الثمرة غالبا وإن قلت كما إذا ساقاه في آخر العمل بحيث يبقى منه يسير مما فيه مستزاد للثمرة يكفي فيه الشهر مثلا ، وعلى هذا المدار في جانب القلة ، وقد تقدم في المزارعة البحث فيما دون ذلك ، مع إمكان دعوى الفرق بين المقام وبينها وبين الإجارة للزرع ، بالقول أن الثابت من شرعيتها ذلك دون غيره ، مع عدم إطلاق أو عموم يقتضيه بخلافه فيهما ، أما الكثرة فلأحد لها عندنا ، خلافا للشافعي حيث شرط أن لا تزيد على ثلاثين سنة ، وهو تحكم.

وقد تقدم الكلام أيضا في المزارعة فيما لو فرض اتفاق قصور المدة عن الإدراك على غير الأسباب العادية فلاحظ وتأمل ، بل منه يعلم الحال أيضا فيما لو اتفق عدم خروج الثمرة أصلا في المدة الذي قد صرح بعضهم فيه هنا بأنه لا شي‌ء له ، لا أجرة مثل ولا غيرها ، حتى لو خرجت الثمرة بعد المدة على غير المتعارف والله العالم.

٦٥

الفصل ( الرابع

العمل ) الذي لا يعتبر فيه أن يكون سقيا وإن كان قد يتوهم من لفظ المساقاة المراد منها الأعم من ذلك ومن غيره ، فيجوز عقدها حينئذ على ما لا حاجة إلى السقي كما قد صرح به غير واحد نعم قد ذكر غير واحد من العامة والخاصة أن إطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل بكل ما يتكرر كل سنة بما فيه زيادة النماء في الكم أو الكيف من الرفق بحرث الأرض وحفرها المحتاج إليه ، وما يتوقف عليه من الآلات والعوامل من البقرة وخشبة الحرث والسكة والمساحي ونحو ذلك ، بل في جامع المقاصد : لا نعلم في وجوب ذلك خلافا هنا وفي المزارعة ، وإصلاح الأجاجين أي الحفر التي يقف الماء فيها في أصول الشجر وإزالة الحشيش المضر بالأصول وتهذيب الجرائد بقطع ما يحتاج إلى القطع منها ، وكذا زياد الكرم وتهذيب الشجر من غير فرق في ذلك بين الجزء اليابس وغيره والسقي ومقدماته المتكررة في سنة كالدلو والرشا وإصلاح طريق الماء وتنقيتها من الحمأة ونحوها ، واستقاء الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند الفراغ على ما تقتضيه الحاجة والتلقيح والعمل بالناضح وتعديل الثمرة بإزالة ما يضر بها من الأغصان والورق ليصل إليها الهواء وما تحتاج إليه من الشمس ، وليتيسر قطعها عند الإدراك ، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صونا لها عن الشمس المضرة بها ورفعها عن الأرض كذلك ، واللقاط للثمرة بحسب نوعها ووقتها مما يؤخذ للزبيب ، يقطعه عند حلاوته في الوقت الصالح له ، وما يعمل دبسا فكذلك ، وما يؤخذ يابسا فعند يبسه وإصلاح موضع التشميس المحتاج اليه ونقل الثمرة اليه وتقليبها فيه وحفظها على أصولها وفي بيدرها ، وطريق إيصالها إلى المالك إن لم يكن هو المتولي إلى غير ذلك مما ذكروه بالنسبة إلى العامل ، كما أنهم قد ذكروا أيضا أن إطلاقها أيضا يقتضي قيام صاحب الأصل‌

٦٦

ببناء الجدار وعمل ما يستقى به من دولاب أو دالية وإنشاء النهر والبئر ونحو ذلك مما لا يتكرر في كل سنة فإنه الضابط فيه أيضا وإن عرض له التكرر في بعض الأحوال.

نعم في القواعد « في البقر التي تدير الدولاب تردد » ولعله من أنها مال لا عمل ، ولا يتكرر كل سنة ، ومن أنها تراد للعمل ، فأشبه بقر الحرث ، ولأن الإدارة واجبة على العامل ، فتجب مقدمته ، وعن الشيخ والفاضل في المختلف الأول ، وعن ابن إدريس الثاني ، وتوقف فيه في جامع المقاصد.

وكذا الكلام في الكش للتلقيح ونحوه فإنه قيل كما عن ابن إدريس : يلزم ذلك العامل وهو حسن عند المصنف لأن به يتم التلقيح وقيل : على المالك كما عن الأكثر لأنه ليس من العمل ، وإنما هو من الأعيان التي تصرف إلى مصلحة الثمرة ، وكذا ترددوا في بناء ثلم الجدران ووضع الشوك عليه في أنه على المالك ، أو على العامل ، إلى غير ذلك من كلماتهم التي قد يشكل الفرق فيها بين عوامل الحرث وعوامل الاستقاء ، بل بينها وبين الكش أيضا ، فإن الجميع مال من العامل بل قد يشكل الحكم بوجوب مالا مدخلية له في زيادة الثمرة ولا في إصلاحها كالحفظ والنقل ونحوهما.

وأما ما ذكروه من الضابطين فلا أثر له في شي‌ء من الأدلة ، فالمتجه حينئذ الرجوع في مثل ذلك إلى المتعارف في إطلاق عقد المساقاة مما يجب على العامل والمالك.

وأما غيره فيتبع الشرط ، وإلا كان عليهما إذا أراداه ، لأن المال مشترك بينهما ، أو أن الأصل فيه وجوبه على العامل ، لنحو ما سمعته في المزارعة من‌ صحيح يعقوب بن شعيب (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام الذي فيه « سألته عن المزارعة فقال : النفقة منك ، والأرض لصاحبها فما أخرج الله من شي‌ء قسم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ، ولهم النصف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المزارعة الحديث ـ ٢.

٦٧

مما أخرجت » فإن ظاهر تشبيهه عليه‌السلام يقتضي كون وضع المساقاة على الوجه المزبور ، فليس على المالك حينئذ إلا دفع الأصول ، كما أنه ليس على المزارع إلا دفع الأرض ، اللهم إلا أن يكون هناك تعارف أو شرط.

وعلى كل حال فـ ( لو شرط ) المالك شيئا من ذلك مما عليه مع الإطلاق أو جميعه على العامل صح بعد أن يكون معلوما على وجه يرتفع معه الغرر المنافي للعقد ، لعموم (١) « المؤمنون عند شروطهم ». وأما لو شرط العامل على رب الأصول جميع عمل العامل له بطلت المساقاة ، لأن الفائدة لا تستحق إلا بالعمل ولعدم ما يدل على صحتها على هذا الوجه ، بل الظاهر من الثابت منها اعتبار ماله مدخلية في زيادة الثمرة أو صلاحها من العمل في استحقاق الحصة.

ومن هنا لو أبقي العامل عليه شيئا من عمله الذي له المدخلية المزبورة في مقابلة الحصة من الفائدة وشرط الباقي على رب الأصول جاز للعموم المذكور ، خلافا للمحكي عن المبسوط من عدم الجواز معللا له بأنه خلاف وضع المساقاة ، وهو ممنوع مع أنه منقوض لما اعترف بجوازه فيما سيأتي ، من اشتراط عمل غلام المالك معه الذي هو بمنزلة عمله.

نعم لو أبقى العامل ما لا تحصل به مستزاد الثمرة كالحفظ لم يصح ، لمنافاته وضع المساقاة الثابت من الشرع ، كما لو ساقاه وقد بقي من العمل ذلك ، لكن لو أرادا ذلك وجعلاه معقد الإجارة مثلا جاز.

فتحصل مما ذكرناه أنه مع الشرط يعمل عليه إلا إذا كان منافيا لمقتضى العقد ، إلا أن هذا كله في اشتراط المخالف لمقتضى الإطلاق ، أما إذا شرط ما اقتضاه كان تأكيدا ، ولو شرط بعضه كان تأكيدا له ، بل ربما كان له ثمرة من حيث الاشتراط ، ووجب الإتيان بالباقي الذي تقتضيه الإطلاق ، اللهم إلا أن يفهم من نفس الاشتراط‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٦٨

أو من قرينة أخرى إرادة عدم الالتزام بغير المشروط هذا.

وفي جامع المقاصد « أنه متى أخل العامل بالعمل المشروط عليه تخير المالك بين فسخ العقد ، والتزامه بأجرة مثل العمل ، نص عليه في التحرير ، فان فسخ قبل عمل شي‌ء فلا شي‌ء له ، وإن كان بعده قبل الظهور فالأجرة له ، وإن كان بعد ظهور الثمرة ، فكذلك قضية للاشتراط ، ولو أخل بالأعمال الواجبة مع الإطلاق أو ببعضها فعلى ما سبق في الإجارة يتجه أن للمالك الفسخ في الجميع ، وهل يضمن له أجرة مثل ما عمل ، يحتمل ذلك ، ويحتمل العدم ، وفي البعض إن أتى بشي‌ء وله الإلزام بالأجرة ، ولم أظفر بتصريح في ذلك يعتد به ، ونحوه في المسالك مع زيادة أنه لو حصل على الأرض نقص بسبب التقصير لزمه الأرش ، والظاهر أن الثمرة كذلك.

قلت : لا يخفي عليك ما في إلزام العامل بأجرة مثل العمل المشروط مع فرض فوات محله ، وكذا في صورة الإطلاق ، وفي صورة اشتراط العامل على المالك ، وصورة الإطلاق بالنسبة إليه ، فإن جميع ذلك مبنى على تمليك الشرط العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله ، وهو ممنوع ، فإن أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل ، وإجباره عليه والتسلط على الخيار بعدم الوفاء به ، لا كونه مالا له ، خصوصا مع اشتراكهما في فائدة الشرط كما هنا.

بل لا يخفى عليك أيضا محل النظر في غير ذلك من الكلام المزبور ، حتى ما في المسالك من ضمان النقص الحاصل في الثمرة وفي الأرض بعدم فعل الشرط ، وما اقتضاه الإطلاق مع دفع أجرة المثل القائمة مقام العمل ، وحينئذ فالمتجه عدم اختصاص المالك بها ، ضرورة كونها عوض العمل الذي يعود نفعه إليهما ، فلا بد من ملاحظة ما يخصه منه ، إما بمراعاة نسبة حصة العامل إلى حصته أو بغير ذلك ، كما أن أرش نقصان الثمرة لا يختص به ، لكونها مشتركة بينهما ، بل يقتصر على أرش حصته ، نحو ما سمعته في المزارعة ، فيتجه حينئذ الاستغناء بذلك عن أجرة مثل العمل ، فتأمل جيدا. فإن المسألة محتاجة إلى تنقيح.

وكيف كان فقد بان لك مما ذكرناه أنه لو شرط العامل أن يعمل‌

٦٩

غلام المالك معه جاز لأنه أولى من عمل المالك معه ، ولأنه في الحقيقة ضم مال إلى مال نحو اشتراط عامل القراض على المالك دفع راحلته مثلا لحمل مال القراض ، نعم لو شرط عليه قيام غلامه بجميع العمل كانت المساقاة باطلة.

أما لو شرط أن يعمل الغلام لخاص العامل بمعنى عمله في الملك المختص بالعامل لم يجز عند الشافعي لصيرورة عمل الغلام حينئذ مقابلة لعمله ، فتصير الفائدة له بلا عمل ولكن فيه تردد من ذلك ومن عدم منافاة ذلك للمساقاة إذ هو شرط خارج عنها ومن هنا كان الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده.

وعن فخر المحققين أن المراد بما في العبارة اشتراط كون عمل الغلام للعامل يختص به ، ورده في جامع المقاصد بأنه حينئذ لم يحتج إلى قوله « لخاص العامل » ، بل كان يكفي عنه قوله « للعامل » ، على أنه لا محصل له فان عمل غلام المالك في بستان المالك كيف يشترط كونه للعامل ، وكيف يشترط مال شخص لآخر ، وأي فائدة لهذا الشرط.

قلت : قد يريد الفخر أن عمل الغلام للعامل بمعنى كونه قائما مقامه في العمل عنه ، على وجه لو لم يعمل العامل وعمل الغلام وحده كان جائزا ، وحينئذ يكون وجه البطلان واضحا ، ولعل قول المصنف أن الجواز حينئذ أشبه ، لأن الفرض كون عمل الغلام معه ، فلا يقدح كون عمل الغلام له ، على معنى أنه لو كان له حصة كان للعامل ، لا للمالك ، إذ هو لا يزيد على عمل المالك معه ، فتأمل جيدا والله العالم.

وكذا في كون الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده لو شرط العامل على المالك مثلا أجرة الأجراء الذين يعينونه على العمل مع فرض كونها معينة أو شرط خروج أجرتهم صح منهما معا إذا كان مع ذلك للعامل عمل مقابل الحصة من الفائدة ، خلافا للمحكي عن الشيخ من البطلان ، لمنافاته موضوع المساقاة الذي هو ليس إلا دفع الأصول من المالك ، وفيه منع واضح ، ضرورة عدم ما يدل على اعتبار ذلك حتى بالشرط ونحوه.

وأما تفسير العبارة وما شابهها بأن المراد اشتراط العامل على المالك الأجرة‌

٧٠

على جميع العمل ، على وجه لا يبقى للعامل إلا الاستعمال والسمسرة ، ففيه : إن المتجه في مثله الفساد ، لا الجواز ، ضرورة عدم ما يدل على الصحة بعد أن كان مثل ذلك خارجا عن عمل المساقاة المعتاد ، ودعوى كونه عملا تدعو الحاجة إليه ، فإن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء ، ولا يجد من يباشر الأعمال أولا يأتمنه ، فيحتاج إلى مساقاة من يعرف ذلك ، لينوب عنه في الاستعمال كما ترى.

نعم لا بأس باشتراط العامل ذلك على أن تكون الأجرة منه بمعنى اشتراط عدم مباشرة العامل ، فان ذلك لا يمنع صحة المساقاة حتى مع اشتراط عمل المالك بأجرة منه عنه ، فضلا عن غيره ، ضرورة عدم اشتراط المباشرة في المساقاة. والله العالم.

الفصل ( الخامس

في الفائدة )*

أي الثمرة ولا خلاف في أنه لا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا بينه وبين المالك مساو أو مفاضل على نحو ما سمعته في المزارعة ، لأن ذلك هو الثابت من مشروعيتها دون غيره ، فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة حينئذ قطعا وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة مطلقا أو سنة لم تصح المساقاة التي هي خلاف الأصل المقتصر فيما ينافيه على المتيقن ، وليس ذلك منه ، بلا خلاف ولا إشكال ، بل قضية ما سمعته سابقا في المزارعة من جماعة أنه كذلك تبطل المساقاة لو شرط لنفسه شيئا معينا وما زاد بينهما.

بل وكذا لو قدر لنفسه أرطالا معلومة وللعامل ما فضل ، أو عكس بل وكذا لو جعل حصة ثمرة نخلات بعينها له وللآخر ما عداها الى غير ذلك مما ينافي الإشاعة في مجموع الفائدة الحاصلة من الأصول التي وقع عقد المساقاة عليها ، الذي صرح في المسالك باعتباره هناك. وإلا لأمكن خلو أحدهما عنها مع عدم حصول غير المعين ، لكن قد عرفت البحث فيه سابقا على وجه لا يخفى‌

٧١

عليك جريانه في المقام ، بناء على اتحاد المزارعة والمساقاة بالنسبة إلى ذلك.

نعم يمكن الفرق بينهما بأن في النصوص السابقة هناك ما ينافي اعتباره بالمعنى المذكور بخلافه هنا ، فإنه ليس في أدلة مشروعيتها إلا الإشاعة في الجميع عدا قوله تعالى (١) ( أَوْفُوا ) (٢) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) وقد عرفت سابقا الإشكال في إثبات شرعية الفرد المشكوك فيه من المعاملة المتعارفة المعلوم شرعية غيره من أفرادها ، اللهم إلا أن يؤخذ على طريق الشرطية كي يستدل حينئذ على مشروعيته بأدلة الشرائط ، لا على وجه الجزئية في عقد المساقاة كما أومأنا إليه في المزارعة فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الأخر كالنصف من ثمرة النخل ، والربع من الكرم مثلا لعدم منافاته للإشاعة في مجموع الفائدة ، لكن إذا كان العامل عالما بمقدار كل نوع من النوعين حذرا من الغرر والجهالة ، فإن المشروط فيه أقل الأمرين قد يكون أكثر الجنسين.

لكن لا يخفى عليك تحقق الجهالة أيضا مع عدم إفراد كل نوع بحصة ، بل كانت في الجميع متحدة ، فما عساه يظهر من العبارة من اختصاص اشتراط ذلك في صورة الإفراد خاصة لا يخلو من نظر ، اللهم إلا أن يدعى باستفادة اغتفار الجهالة في الثاني ، دون الأول من الأدلة ، إلا أنه كما ترى ، أو يقال ، إن الجهل الناشي من الافراد غير الجهل ، بأصل الحديقة ، فقد يعلم بها من حيث المساقاة عليها بالنصف من حاصلها أجمع ، وإن لم يعلم مقدار كل نوع منها ، بخلاف ما لو أفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من الآخر فتأمل فإنه لا يخلو من دقة والله العالم.

ولو شرط مع الحصة من النماء ملك حصة من الأصل الثابت لم يصح لأن الثابت من مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة خاصة دون غيرها‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) سورة النساء الآية ـ ٢٩ ـ.

٧٢

الباقي على أصالة عدم المشروعية ، مضافا إلى أن الحصة من الأصول تدخل في ملكه حينئذ فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعا في ملك المالك ، ولا واجبا بالعقد ، إذ لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه ، وهو المحكي عن الأكثر كالطوسي والحلي وغيرهما ، بل في الرياض « لم أقف على مخالف صريحا ولا ظاهرا ».

قلت ولكن الانصاف مع ذلك أن فيه ترددا مما عرفت ، ومن عموم (١) ( أَوْفُوا ) و‌ (٢) « المؤمنون عند شروطهم » ونحو ذلك الذي جزموا بصحة اشتراط الذهب والفضة وغيرهما كما ستعرفه ، واحتمال الفرق بينهما ـ بأنه في الفرض قد جعل الحصة من النماء في مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه ، ومع فرض صيرورة جزء من المال له بالشرط ، لم يكن العمل بجميع المال المملوك للمالك فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة له ، لإخلاله بالشرط وهو العمل بالجميع ، فيبطل العقد ـ يدفعه أن الاشتراط المزبور كالاستثناء من العمل بجميع المال ، بل هو بيان لاستحقاق الحصة بالعمل فيما يخص المالك ، والباقي بتبعية النماء للملك.

والتحقيق البطلان مع أخذ الحصة من الأصول عوضا على حسب الحصة من الفائدة ، لعدم ثبوت شرعية المساقاة على هذا الوجه ، ولا صلاحيتها لتمليك عوض غير الحصة من الفائدة من غير فرق بين الحصة من الأصول ، والذهب والفضة وغيرهما.

أما لو أخذ على جهة الشرطية التي هي سبب أيضا في التمليك ، فالظاهر الصحة لعموم الأدلة الذي لا فرق فيه بين ذلك وبين اشتراط الذهب والفضة ، ولعله بذلك يلتئم الكلام أجمع والله العالم.

ولو ساقاه بالنصف مثلا إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة ، لأن الحصة لم تتعين مع الترديد والتعليق ولكن فيه تردد من ذلك ، ومن أنها معينة على كل من تقديرين ، فهي كالإجارة على خياطة الثوب بدرهم إن كان روميا ، وبدرهمين إن كان فارسيا ، بل المساقاة في الحقيقة‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٧٣

قسم من الإجارة.

ولكن لا يخفى عليك أن الأشبه بأصول المذهب وقواعده الأول لعدم كون ذلك تعيينا رافعا للجهالة ، بل ولا جزما ، وجوازه في الإجارة لو قلنا به لدليل خاص لا يقتضي الجواز هنا ، بعد حرمة القياس ، ومعلومية استقلال عقد المساقاة عن عقد الإجارة كما هو واضح والله العالم.

ويكره أن يشترط رب الأرض على العامل مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد ، ولعل مثل ذلك كاف في ثبوتها المتسامح فيه.

لكن لا إشكال في أصل الجواز عندنا ، فلا ينبغي التوقف فيه لعموم (١) « المؤمنون » مع عدم كونه منافيا لمقتضى العقد ولا للشرع ، فيجوز حينئذ ويجب الوفاء بالشرط هذا.

وقد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه لو تلفت الثمرة أجمع بآفة سماوية أو ارضية لم يلزم الوفاء به وكذا إذا لم تخرج وإلا كان أكل مال بالباطل ، لامتناع استحقاق أحد العوضين أو بعضه بدون ما يقابله من العوض الآخر ، فان الشرط جزء من العوض.

لكن في جامع المقاصد « إن الحكم في الصورة المفروضة واضح ، أما العكس وهو الشرط من العامل على المالك فظاهر إطلاق عبارة التذكرة والتحرير أنه كذلك ، وفيه نظر ، لأن العوض من قبل العامل وهو العمل قد حصل ، والشرط قد وجب بالعمل ، فكيف يسقط بغير مسقط ، فان تلف أحد العوضين لا يوجب سقوط البعض الأخر مع سلامة العوض الأخر ، وتبعه في المسالك.

قلت : قد يقال : إن المدرك لذلك هو بطلان المساقاة الذي يتبعه بطلان الشرط باعتبار فوات الفائدة التي هي ركن في المساقاة ، وعدم بطلان البيع في بعض الصور الخاصة بعدم خروج الثمرة لدليل مخصوص ، لا يقتضي الجواز هنا ، كما أن الاقدام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

٧٤

عليه معدوما للعادة ، لا يقتضي الصحة مع تخلفها ، وربما شهد لذلك في الجملة ما اعترف به في جامع المقاصد في فرع ذكره في مسألة هرب العامل « أنه لا يجب عليه إكمال العمل تمام المدة مع عدم خروج الثمرة أو تلفها » كما عن التذكرة احتماله أيضا إذ لا وجه له إلا انفساخها بذلك ، وإلا لوجب الإكمال كما هو خيرة المسالك ظاهرا مشبها له بعامل القراض الذي لم يربح مع وجوب الإنضاض عليه إلا أنه احتمل أخيرا كونه كتلف العوض المعين في البيع قبل قبضه الموجب للانفساخ ، ثم قال : « وفيه نظر. » قلت : بل النظر في غيره ، ضرورة قصد المعاوضة في المساقاة بخلافه في المضاربة التي يراد منها الحصة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل ، بخلاف المقام المعتبر فيه الطمأنينة بحصول الثمرة ، ولا يكفى الاحتمال عندهم ، وحينئذ فلا إشكال في الحكم المزبور ، إنما الكلام في تلف البعض ، فقد يظهر من المصنف عدم سقوط شي‌ء من الشرط به ، لظهور كلامه في اعتبار تلف الجميع في السقوط.

لكن في القواعد « وفي تلف البعض أو قصور الخروج إشكال » وفي جامع المقاصد « ينشأ من أن الشرط محسوب من أحد العوضين ، ولا ريب في أن مجموع أحد العوضين مقابل بمجموع الأخر فيقابل الأجزاء بالأجزاء فإذا تلف بعض أحد العوضين وجب أن يسقط مقابله من العوض الأخر ، ومن ثم لو لم تخرج الثمرة أصلا أو تلف جميعها سقط المشروط كله ، ومن أن مقابلة الأجزاء بالاجزاء في عوض المساقاة منتفية ، لأن الفائت والتالف عند حصول التلف أو نقصان الخروج غير معلوم ، فلو تحققت المقابلة لم يكن الساقط في مقابله معلوما ، ولذلك لو تلف بعض الثمرة أو نقص الخروج عن العادة لم يسقط شي‌ء من العمل أصلا ، ولأن العامل يملك حصته من الثمرة بالظهور ، فإذا تلف بعضها تلف في ملكه بعد استحقاقه إياه بالمعاوضة ، فلا يسقط بتلفه بشي‌ء من العوض الأخر.

لا يقال : فعلى هذا إذا تلف الجميع يجب أن لا يسقط الشرط لعين ما ذكر.

٧٥

لأنا نقول : ذلك ضرر فينفى بالحديث (١) واعلم أن الاشكال في قصور الخروج لا وجه له أصلا لأن العوض هو ما يخرج قليلا كان أو كثير الا ما يتوقع خروجه بحسب العادة ، فكيف يعقل سقوط شي‌ء من المشروط بتخلف العادة ، أما تلف البعض فإن الإشكال فيه وإن كان لا يخلو من وجه إلا أن عدم سقوط شي‌ء أقوى ، لما قررناه ، ويؤيده عموم (٢) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) و‌ « المؤمنون عند شروطهم » وتبعه على ذلك كله في المسالك.

قلت : لعله أيضا مبنى على ما عرفت من بطلان المساقاة في خصوص الفائت. فيكون من تبعض الصفقة في المساقاة ، وبالجملة إن فائت الفائدة لو كان معلوم الحال وقت العقد لم تكن المساقاة عليه صحيحة ، والجهل بحاله من أول لا يصير سببا للصحة في الواقع.

نعم هذا كله في عدم الخروج مثلا أما التلف بعده فقد يقال : إن مبناه اعتبار الإدراك في الفائدة التي هي ركن في المساقاة ، لعدم النفع بها دونه وعدمه ، فعلى الأول يتجه البطلان بخلاف الثاني.

وعلى كل حال فليس للعامل في مقابلة عمله إلا ما حصل من الفائدة كما أنه ليس له شي‌ء مع فرض عدمها أصلا لإقدامه على ذلك فتأمل جيدا والله العالم.

الفصل ( السادس : في أحكامها )

أي المساقاة وهي مسائل : الأولى كل موضع تفسد فيه المساقاة أي يعلم فساد أصل انعقادها فللعامل أجرة المثل لأصالة احترام عمل المسلم الواقع بالاذن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار الحديث ـ ٣ و ٤ و ٥.

(٢) سورة المائدة الآية ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

٧٦

ممن استوفاه ، والثمرة لصاحب الأصل المملوك له فيتبعه نماؤه مع فرض عدم الناقل له شرعا عنه ، من غير فرق في ذلك بين العلم بالفساد والجهل به ، وبين كون الفساد من اشتراط كون الثمرة للمالك وغيره كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره ، بل في المسالك « نسبته إلى الأكثر » ووجهه ما عرفت من أصالة احترام عمل المسلم ، بعد العلم بعدم كون ذلك من المتبرع المسقط للأجرة له ، أو الشك فيه ، والرضا بالعقد الفاسد أو بالعقد المتضمن لعدم الأجرة ، ليس رضا بالعمل بلا أجرة ، فإن الحيثية ملاحظة ، بمعنى كون المتشخص منه في الخارج الرضا بالعقد الذي لا يترتب عليه ذلك ، والعمل الصادر منه إنما هو من حيث انه مقتضى العقد الفاسد ، لا أنه رضي منه بالعمل في حد ذاته وفي نفسه بلا عوض ، فمع فساد العقد الذي قد وقع العمل على مقتضاه معاملا معاملة الصحيح ، يبقى احترام العمل بنفسه.

فما في المسالك ـ تبعا لجامع المقاصد من تقييد إطلاق المصنف وغيره بما إذا لم يكن العامل عالما بالفساد ، وبما إذا لم يكن الفساد باشتراط كون الثمرة أجمع للمالك لكونه في الصورتين متبرعا لا يستحق على عمله شيئا كما ترى ، لا يخلو من نظر ، وأولى منه في ذلك ما عن الشهيد من أن الواجب له حيث يجب له أقل الأمرين من الحصة وأجرة المثل ، لا قدامه على التبرع بما زاد عليها مع نقصانها عن أجرة المثل ، إذ لا يخفى أن إقدامه على العقد المقتضي لذلك بعد فرض فساده لا يقتضي إلزامه وترتيب حكمه عليه ، فيبقي احترام عمله في نفسه على ما تقتضيه الضوابط الشرعية ، من ضمانه بأجرة المثل كما هو واضح بأدنى تأمل والله العالم.

المسألة الثانية : إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها أي الثمرة فإن كان قبل ظهورها لم يجز قولا واحدا ، لكونها معدومة ، وجواز جعلها عوضا في المساقاة للدليل لا يقتضي الجواز هنا بعد حرمة القياس وإن كان بعد بدو الصلاح جاز بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم الأدلة وإطلاقها السالمين عن معارضة ما يقتضي المنع ، وإن كان بعد ظهورها ونمو لها مقطوعة وقبل بدو الصلاح بشرط القطع ، صح إن استأجره بالثمرة أجمع قيل بناء على اعتبار ذلك في البيع الذي‌

٧٧

قد عرفت قوة جواز ذلك فيه ، بدون الشرط المزبور الذي يمكن إرادة الكناية به عن ملاحظتها نفسها حال العقد ، لا حال بدو صلاحها الآتي مثلا ، وإلا فاشتراط القطع من حيث كونه اشتراطا ، لا مدخلية له في ماليته على وجه يصلح كونه مبيعا وأجرة ، فلا بأس حينئذ مع شرط القطع أو شرط البقاء مدة معلومة ، ولا يكون بذلك مبيعا أو أجرة حال إدراكه الذي هو معدوم الان ، وإنما يكون حالا طارئا على ملكه.

وبذلك يظهر أن مدرك الجواز ، الأصول والقواعد ، لا القياس على البيع الممنوع عندنا ، ولعله لذا لم يذكر المصنف الجواز مع الضميمة ، أو العامين كما ذكره في البيع ، فإنه مع فرض المنع بدون اشتراط القطع إلا مع الضميمة أو العامين يختص البيع بالجواز ، لدليله ، ولا يقاس عليه ما هنا مع احتماله ، بل جزم به في المسالك قال « وتركه المصنف اتكالا على ما ظهر من ذكر الجواز بشرط القطع من اتحاد الحكم في المقامين.

ولو استأجره ببعضها قيل : لا يصح لتعذر التسليم لإمكان عدم إذن الشريك ، فيتعذر القطع المعتبر اشتراطه في الصحة والوجه الجواز كما في المسالك قال : « لإمكان القطع والتسليم بالأذن ، كما في كل مشترك ، ولو فرض امتناع الشريك تمكن باذن الحاكم ».

قلت : مع فرض كون الشريك المستأجر يتجه حينئذ الصحة ، للتمكن من اشتراط القطع عليه برضاه ، والتزامه به ، أما إذا كان غيره وقلنا بعدم جواز القسمة بالخرص والتخمين ، وعدم جواز الإجبار على القطع قبل الإدراك ، لما فيه من الضرر ، يشكل الجواز حينئذ ، بعدم إحراز الشرط المعتبر في الصحة ، بناء على اعتباره ، وإن كان قد عرفت قوة عدمه إلا إذا أريد به الكناية عما ذكرنا.

وقد تقدم لنا في بيع الثمار ما ينفع ملاحظته في المقام ، خصوصا في الفرق بين النخل وغيره من الأشجار ، مع أن المصنف لم يشر إلى شي‌ء من ذلك ، وكان غرضه المعظم الفرق بين المساقاة والإجارة ، من جواز الأولى بحصة منها قبل الظهور ،

٧٨

لكونها مشروعة على ذلك ، بخلاف الثانية التي هي باقية على مقتضى القواعد ، من اعتبار المعلومية في الأجرة ، ولذا اقتصر على اشتراط القطع دون الضميمة والعامين ، المحتمل كون جوازهما في البيع ، للدليل الخاص من الإجماع أو غيره والله العالم.

المسألة الثالثة : إذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا ، على أن أساقيك على الآخر بكذا قيل : والقائل الشيخ فيما حكي عنه يبطل لأنه كالبيعين في بيع ، ولعدم لزوم هذا الشرط الذي هو بمنزلة الوعد ، والفرض أنه سبب في زيادة العوض أو نقصانه ، ولم يعرف مقدار ذلك فيتجهل ويبطل ، وكذا الكلام في بعتك هذا العبد بكذا ، على أن تبيعني عبدك بكذا. نعم لو ساقاه على الحديقتين صفقة صح ، وإن اختلفت الحصة.

ولكن لا يخفى أن الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده ، ضرورة عدم كونه من ذلك المفسر بالبيع بثمنين إلى أجلين مثلا ، أو على تقديرين ، وتناول ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) التي منها المشتملة على الشرائط للمفروض ، مضافا إلى عموم (١) « المؤمنون عند شروطهم » فيجب الوفاء حينئذ به ، وإن سلم كونه وعدا لم يقدح ، وإن صار داعيا لزيادة العوض أو نقصانه كما هو واضح.

وأضعف منه ما عن ابن الجنيد حيث قال : « لا اختار إيقاع المساقاة صفقة واحدة على قطع متفرقة بعضها أشق عملا من بعض ، إلا أن يعقد ذلك ويشترط في العقد ، العقد على الأخرى » إذ هو كما ترى أيضا لا دليل عليه ، فالتحقيق الجواز في الصورتين والله العالم.

المسألة الرابعة : لو كانت الأصول لاثنين مثلا فقالا لواحد مثلا ساقيناك على أن لك النصف مثلا صح ، وإن لم يعلم نصيب كل واحد منهما ، لعدم مدخلية ذلك في العلم بحصته ، وليس إلا تعدد المالك ، وهو غير مانع كباقي الصور المتصورة في المقام بالنسبة إلى اتحاد المالك والعامل ، وتعددهما.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ـ ٤.

٧٩

نعم لو قالا له على أن لك من حصة فلان النصف ، ومن حصة الآخر الثلث صح أيضا ولكن بشرط أن يكون عالما بقدر نصيب كل واحد منهما وحينئذ لو كان جاهلا بطلت المساقاة لتجهيل الحصة كما هو واضح هذا.

وقد ذكر في المسالك بعض الصور لبيان كيفية القسمة بينهم ، للتدريب لا فائدة في ذكرها. والله العالم.

المسألة الخامسة : إذا هرب العامل غير المعين في أثناء العمل لم تبطل المساقاة قطعا لأصالة صحتها ، بل ظاهر الأصحاب هنا بقاؤها على اللزوم ( فـ ) ليس للمالك الفسخ بمجرد ذلك ، خصوصا إن بذل العمل عنه باذل وإنما يرفع أمره إلى الحاكم فيطلبه ويجره على العمل ، فان تعذر ذلك استأجر من ماله من يعمل عنه ، أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمرة ، ومع فرض ظهورها وبدو صلاحها استأجر بحصته أجمع أو بعضها ، أو بالاقتراض عليه.

أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه ولو على جهة القرض عليه أو بغير ذلك من الصور التي يحصل بها الحق ممن عليه إلى من هو له ، لأنه ولي كل ممتنع ، لقوله تعالى (١) ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) وحينئذ متى حصل أحدهما فلا خيار للمالك لعدم الضرر عليه مع أصالة اللزوم.

ولكن قد يقال : إنه مناف لما يستفاد منهم في غير المقام ، كالخيار بعدم الوفاء بالشرط ، وكالخيار بتأخير الثمن ، وبالامتناع عن العمل وتسليم العين المستأجرة ، ونحو ذلك من ثبوت الخيار بمجرد حصول شي‌ء من ذلك ، من غير مراجعة إلى الحاكم ، بل ظاهرهم أنه متى حصل من أحد المتعاقدين بعقد لازم ما ينافي استحقاق الآخر عليه من حيث اللزوم ، شرع له الشارع الفسخ ، وكان العقد في حقه جائزا دفعا لضرره بذلك ، لقاعدة (٢) « لا ضرر ولا ضرار ».

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٥٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ ص أبواب الخيار الحديث ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥.

٨٠