مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

______________________________________________________

ضمير يصلي لا مرجع له ظاهرا ، ولا بد من إرجاعه إلى الرجل بمعونة‌ المقام ، والحكم بالكراهة أو التحريم كما يتعلق بالرجل كذا يتعلق بالمرأة فلا وجه لقصره على الرجل. وتحرير البحث أنه هل يجوز لكل من الرجل والمرأة أن يصلي إلى جانب الآخر؟ أو مع تقدم المرأة بحيث لا يكون بينهما حائل أو بعد عشرة أذرع؟ فيه قولان ، أظهرهما الجواز على كراهة ، وهو اختيار المرتضى في المصباح (١) ، وابن إدريس (٢) ، وأكثر المتأخرين.

وقال الشيخان : لا يجوز أن يصلي الرجل وإلى جنبه امرأة تصلي ، سواء صلت بصلاته مقتدية به أو لا ، فإن فعلا بطلت صلاتهما ، وكذا إن تقدمته (٣) ، وهو اختيار ابن حمزة (٤) وأبي الصلاح (٥).

لنا : الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ، وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يصلي الرجل بحذاء المرأة وهي تصلي » (٦).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا كان بينها وبينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فلا بأس » (٧).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، فقال : « إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس » (٨).

__________________

(١) كما نقله عنه في المعتبر ٢ : ١١٠.

(٢) السرائر : ٥٧.

(٣) المفيد في المقنعة : ٢٥ ، والشيخ في النهاية : ١٠٠ ، والخلاف ١ : ١٥٢.

(٤) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٢.

(٥) الكافي في الفقه : ١٢٠ لكن لم يتعرض فيه لذكر تقدمها عليه.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ٣ : ٤٢٦ أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٤.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٨.

(٨) الفقيه ١ : ١٥٩ ـ ٧٤٧ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٧.

٢٢١

______________________________________________________

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي فقال : « لا ، إلا أن تتقدم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلي وهي بحذاك جالسة أو قائمة » (١).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تصلي عند الرجل ، فقال : « لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره » (٢).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في المرأة تصلي عند الرجل ، قال : « إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » (٣).

وفي الصحيح عن العلاء عن محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى ، قال : « لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما ستر أجزأه » (٤) ولفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة ، والظاهر أنّ الستر بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق ، وقال الشيخ في التهذيب : إنّ المعنى أنه إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر أجزأ (٥). وهو بعيد.

ووجه الدلالة في هذه الأخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد بالعشر ، وإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا ، إذ لا قائل بالفصل. وعلى هذا فيجب حمل الأخبار المقيدة على الاستحباب صونا للأخبار عن التنافي ، ولا ينافي ذلك اختلاف القيود ، لأن مراتب الفضيلة مختلفة. وبالجملة فهذا الاختلاف قرينة الاستحباب.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٨ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٧ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١ ، وفيها : شبر أجزأه.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٠.

٢٢٢

______________________________________________________

احتج المانعون (١) بموثقة عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال : « لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة [ أذرع ] (٢) ، وإن كانت عن يمينه ويساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت » (٣).

وصحيحة محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام. قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل ، أيصليان جميعا؟ فقال : « لا ، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (٤).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : « لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة » (٥).

والجواب بحمل النهي في الروايتين الأولتين على الكراهة ، وحمل الأمر بالإعادة في الرواية الأخيرة على الاستحباب ، صونا للأخبار عن التنافي ، مع أنّ الأمر بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة ، لاحتمال أن يكون وجهه اقتداءها في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها أنها العصر ، فلا يدل على أحد الأمرين نصا.

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ١٥٣.

(٢) كذا في جميع النسخ ، وفي المصادر : عشرة أذرع.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩١١ ، الإستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٦ ، الوسائل ٣ : ٤٣٠ أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ١. أثبتناه من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٨ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣١ ـ ٩٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٩٩ ـ ١٥٢٢ ، الوسائل ٣ : ٤٢٧ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٨٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣٢ أبواب مكان المصلي ب ٩ ح ١.

٢٢٣

ويزول التحريم أو الكراهية إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع.

______________________________________________________

وأعلم أنه يشترط في تعلق الحكم بكل منهما كراهة وتحريما صحة صلاة الآخر لولا المحاذاة ، إذ الفاسدة (١) كالعدم. نعم لا بد من العلم بفسادها قبل الشروع ولو بالإخبار ، ولو وقع بعده لم يعتد به ، للحكم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة وإن ظهر خلافه بعده.

ولو لم يعلم أحدهما بالآخر إلا بعد الصلاة صحت الصلاتان ، وفي الأثناء يستمر مطلقا على الأظهر. وينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ، ومع الاقتران تبطل الصلاتان ، لعدم الأولوية. هذا كله مع الاختيار ، أما مع الاضطرار فلا كراهة ولا تحريم.

قوله : ( ويزول التحريم أو الكراهة إذا كان بينهما حائل أو مقدار عشرة أذرع ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في المعتبر (٢). أما زوالهما بالحائل فظاهر ، للأصل واختصاص الروايات المانعة بما إذا لم يكن هناك حائل. ويعتبر فيه كونه جسما كالحائط والستر ، ولا يعتد بنحو الظلمة وفقد البصر منهما ، ولا بتغميض الصحيح عينه قطعا.

وأما زوالهما بالتباعد المذكور ، فاستدلوا عليه بموثقة عمار المتقدمة (٣) ، وهي إنما تعطى اعتبار التباعد بأكثر من العشر ، ولا يضر ضعف سندها لأنها مطابقة لمقتضى الأصل وسالمة مما يصلح للمعارضة ، ومبدأ التقدير من موقف المصلي ، ويحتمل اعتباره من موضع السجود.

ولو كان أحدهما على مرتفع بحيث لا يبلغ من موقف الآخر إلى أساس ذلك المرتفع عشرة أذرع ولو قدّر إلى موقفه إما مع الحائط مثلا أو ضلع المثلث‌

__________________

(١) لفقد طهارة مثلا ( الجواهر ٨ : ٣١٣ ).

(٢) المعتبر ٢ : ١١١.

(٣) في ص ٢٢٣.

٢٢٤

ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذيا لقدمه سقط المنع. ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلى الرجل أولا. ولا بأس أن يصلي في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا.

______________________________________________________

الخارج من موقفه إلى موقف الآخر بلغه ففي اعتبار أيّها نظر. ويحتمل قويا سقوط المنع مع عدم التساوي في الموقف.

قوله : ( ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد صلى الرجل أولا ).

المستند في ذلك ما رواه محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل ، أيصليان جميعا؟ فقال : « لا ، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (١) ولو كان المكان ملك المرأة لم يجب عليها التأخر قطعا. نعم يمكن القول باستحبابه. ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب.

قوله : ( ولا بأس أن يصلي الرجل في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا ).

ما اختاره المصنف من عدم اشتراط طهارة المكان ما عدا موضع الجبهة إذا لم تكن نجاسته متعدية إلى بدن المصلي أو ثوبه قول أكثر الأصحاب ، ونقل عن أبي الصلاح أنه اعتبر طهارة موضع المساجد السبعة (٢) ، وعن المرتضى أنه اعتبر طهارة جميع مكان المصلي (٣) ، والمعتمد الأول.

لنا على طهارة موضع السجود : اتفاق العلماء ، فإن كل من اعتبر الطهارة في الصلاة اعتبر طهارة موضع السجود. وإن اختلفوا فيما عداه ، حكى ذلك‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٢٣.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) نقله عنه في إيضاح الفوائد ١ : ٩٠ ، والذكرى : ١٥٠.

٢٢٥

______________________________________________________

المصنف في المعتبر (١) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمكن المناقشة في هذا الحكم ، لعدم الظفر بدليله.

ولنا على عدم اعتبار طهارة غيره مع عدم التعدي : الأصل ، والإطلاقات المعلومة السالمة مما يصلح للتقييد ، وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : أنه سأله عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال : « نعم » (٢) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة ، أيصلى عليها في المحمل؟ فقال : « لا بأس بالصلاة عليها » (٣).

احتج القائلون (٤) باعتبار طهارة المكان بنهيه عليه‌السلام عن الصلاة في المجزرة والمزبلة والحمامات (٥) ، وهي مواطن النجاسة فتكون الطهارة معتبرة.

وأجيب عنه ـ بعد تسليم التعليل ـ بجواز أن تكون علة النهي ما في هذه الأماكن من الاستخباث والاستقذار الدال على مهانة نفس من يستقر بها. وإذا اختصت بمزيد الاستقذار والاستهانة لم يلزم من المنع من الصلاة فيها المنع من غيرها مما لا ينتهي في الاستقذار إلى حدها ، مع أنّ النهي عن الصلاة في هذه الأماكن للكراهة لا للتحريم. ولم أقف لأبي الصلاح في اعتبار طهارة مواضع المساجد على حجة.

ولا يخفى أنه يجب تقييد المنع من الصلاة في الموضع النجس مع تعدي نجاسته إلى المصلي بكون تلك النجاسة غير معفو عنها ، إذ لا منع مع العفو ، وقد صرح بذلك الشهيد في الذكرى فقال : ولو كان المكان نجسا بما عفي عنه‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٦ ، قرب الاسناد : ٩٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣٦٩ ـ ١٥٣٧ ، الإستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٤٩٩ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٣.

(٤) نقله عن المرتضى في إيضاح الفوائد ١ : ٩٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٦ ـ ٧٤٦.

٢٢٦

وتكره الصلاة في الحمام ،

______________________________________________________

كدون الدرهم دما ويتعدى فالظاهر أنه عفو ، لأنه لا يزيد على ما هو على المصلي (١).

ونقل المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد عن والده أنه قال : الإجماع منا واقع على اشتراط خلو المكان من نجاسة متعدية وإن كانت معفوا عنها في الثوب والبدن (٢). وهو غير واضح ، والإجماع ممنوع مع أنّ تعليله في التذكرة والمنتهى يقتضي الاشتراط (٣).

قوله : ( وتكره الصلاة في الحمام ).

لورود النهي عنه في رواية عبد الله بن الفضل ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « عشرة مواضع لا يصلي فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان الطرق ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى الماء ، والسبخ ، والثلج » (٤) وهي مع ضعف سندها معارضة بما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : أنه سأله عن الصلاة في بيت الحمام فقال : « إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس » (٥).

ونقل عن أبي الصلاح أنه منع من الصلاة في الحمام وتردد في الفساد (٦) ، وهو ضعيف جدا.

وهل المسلخ من الحمام؟ احتمله في التذكرة (٧) وبنى الاحتمال على علة‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٠.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٩٠.

(٣) يعني به اشتراط عدم كونه معفوا عنه كما يستفاد ذلك من استدلاله في التذكرة ١ : ٧٨ ، والمنتهى ١ : ٢٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ١٢ ، الفقيه ١ : ١٥٦ ـ ٧٢٥ ، الخصال : ٤٣٤ ـ ٢١.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٦ ـ ٧٢٧ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب مكان مكان المصلي ب ٣٤ ح ١.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٧) التذكرة ١ : ٨٨.

٢٢٧

وبيوت الغائط ، ومبارك الإبل ،

______________________________________________________

النهي ، فإن كانت النجاسة لم تكره ، وإن كان كشف العورة فيكون مأوى الشياطين كرهت ، وهو مبنى ضعيف ، لجواز أن لا يكون الحكم معللا ، أو تكون العلة غير ما ذكره. أما سطح الحمام فلا تكره الصلاة فيه قطعا.

قوله : ( وبيوت الغائط ).

أي المواضع المعدّة لذلك ، لأنها مظنة النجاسة ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ جبرائيل عليه‌السلام أتاني فقال : إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء يبال فيه » (١) وعن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال جبرائيل عليه‌السلام : يا رسول الله إنّا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ، ولا بيتا يبال فيه ، ولا بيتا فيه كلب » (٢) ونفور الملائكة منه يؤذن بكونه ليس موضع رحمة ، فلا يصلح أن يتخذ للعبادة.

وقال المفيد في المقنعة : لا تجوز الصلاة في بيوت الغائط (٣). والظاهر أنه يريد بذلك الكراهة.

قوله : ( ومبارك الإبل ).

مبارك الإبل : هي مواضعها التي تأوي إليها للمقام والشرب. وإطلاق عبارات الأصحاب يقتضي كراهة الصلاة في المبارك سواء كانت الإبل غائبة عنها أم حاضرة. والمستند ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلوا فإنها جن من جن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٣ ـ ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٦٩ ، المحاسن : ٦١٥ ـ ٤.

(٣) المقنعة : ٢٥.

٢٢٨

ومساكن النمل ، ومجرى المياه ،

______________________________________________________

خلقت ، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها » (١) وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : « صل فيها ولا تصل في أعطان الإبل إلا أن تخاف على متاعك الضيعة ، فاكنسه ورشه بالماء وصل » (٢).

وقد صرح المصنف (٣) والعلامة (٤) بأن المراد بأعطان الإبل مباركها ، ومقتضى كلام أهل اللغة أنها أخص من ذلك ، فإنهم قالوا : معاطن الإبل مباركها حول الماء لتشرب عللا بعد نهل (٥). والعلل : الشرب الثاني ، والنهل : الشرب الأول ، لكن الظاهر عدم تعقل الفرق بين موضع الشرب وغيره ، وينبه عليه التعليل المستفاد من الحديث النبوي.

ونقل عن أبي الصلاح أنه منع من الصلاة في أعطان الإبل (٦) ، وهو ظاهر اختيار المفيد في المقنعة (٧) ، أخذا بظاهر النهي ، ولا ريب أنه أحوط.

قوله : ( ومساكن النمل ومجرى المياه ).

لورود النهي عنهما في مرسلة عبد الله الفضل (٨) ، والمراد بمجرى المياه : الأمكنة المعدة لجريانها فيها.

وقيل : تكره الصلاة في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل (٩) ،

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ : ٤٤٩ ـ ٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ٧٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤٤٣ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١١٢.

(٤) المنتهى ١ : ٢٤٥.

(٥) قاله الجوهري في الصحاح ٦ : ٢١٦٥ ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ٤ : ٢٥٠.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٧) المقنعة : ٢٥.

(٨) المتقدمة في ص ٢٢٧.

(٩) كما في الذكرى : ١٥٢.

٢٢٩

وأرض السبخة ، والثلج ، وبين المقابر إلا أن يكون حائل ولو عنزة أو بينه وبينها عشر أذرع ،

______________________________________________________

قال في النهاية : فإن أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا لظاهر النهي ، وعدمها لزوال موجبها (١). ولم أقف على ما ادعاه من الإطلاق.

قوله : ( وأرض السبخة والثلج ).

لعدم كمال تمكن الجبهة من الأرض فيهما ، ولقوله عليه‌السلام في حسنة الحلبي : « وكره الصلاة في السبخة إلا أن يكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستوية » (٢). وفي رواية داود الصرمي : « إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد ، وإن لم يمكنك فسوّه واسجد عليه » (٣).

قوله : ( وبين المقابر إلا أن يكون حائل ولو عنزة ، أو بينه وبينها عشر أذرع ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي بين القبور ، قال : « لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثم يصلي إن شاء » (٤) وهي محمولة على الكراهة ، جمعا بينها وبين ما دل على الجواز مطلقا كصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٣٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٨ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ٧٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٤٦ أبواب مكان المصلي ب ٢٠ ح ١. ولكن الذي يظهر منها أنه من كلام الراوي وهو الأصح وإلا كان الأولى أن يقول : وتكره.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ١٤ ، الفقيه ١ : ١٦٩ ـ ٧٩٨ ، التهذيب ٢ : ٣١٠ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب مكان المصلي ب ٢٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ـ ٨٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٦ ، ٧‌

٢٣٠

______________________________________________________

عن الصلاة بين القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (١) وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : إنه سأله عن الصلاة بين القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (٢).

وقال المفيد في المقنعة : ولا تجوز الصلاة إلى شي‌ء من القبور حتى يكون بينه وبينه حائل ولو قدر لبنة ، أو عنزة منصوبة ، أو ثوب موضوع (٣).

واحتج له في المختلف (٤) برواية معمر بن خلاد ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة » (٥).

والجواب أولا بالطعن في السند باشتماله على معاوية بن حكيم ، وقيل : إنه كان فطحيا (٦).

وثانيا بقصورها عن إفادة التحريم فإن البأس أعم من المحرم ، والتوجه إلى القبر لا يستلزم اتخاذه قبلة.

وبالجملة فهذه الرواية لا تصلح لتخصيص الأخبار الصحيحة المطابقة للإطلاقات المعلومة.

وقد قطع الأصحاب بزوال الكراهة والتحريم بالحائل أو التباعد المذكور ، ولا بأس به ، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ، ونظرا إلى أنّ ظاهر الأخبار المانعة (٧) ارتفاع الحائل بين المصلي والقبر. نعم في الاكتفاء فيه بالعنزة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٤ ـ ١٥٥٥ ، الإستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٨ ـ ٧٣٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ١.

(٣) المقنعة : ٢٥.

(٤) المختلف : ٨٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٨ ـ ٨٩٧ ، الإستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٣.

(٦) كما في رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ ـ ١٠٦٢ ، ورجال ابن داود : ١٩١ ـ ١٥٨٥.

(٧) الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥.

٢٣١

وبيوت النيران ،

______________________________________________________

ونحوها نظر ، لانتفاء التسمية وعدم الظفر بما يدل عليه على الخصوص.

قال المفيد في المقنعة : وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام ، والأصل ما قدمناه (١) ، وأشار بالرواية إلى ما رواه شيخ هذه الطائفة وعالمها محمد بن أحمد بن داود ، عن والده الثقة الصدوق ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحميري ، قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة : هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟

وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟

وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟

فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : « أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم » (٢).

ولا بأس بالعمل بهذه الرواية لصحتها ومطابقتها لمقتضى الأصل والعمومات ، وذكر المصنف في المعتبر أنها ضعيفة شاذة (٣). وهو غير واضح.

قوله : ( وبيوت النيران ).

المراد ببيوت النيران : ما أعدت لإضرام النار فيها عادة كالفرن والأتون وإن لم تكن مواضع عادتها. وإنما كرهت الصلاة في هذه الأماكن لأن في الصلاة فيها تشبها بعبادتها ، كذا ذكره العلامة في جملة من كتبه (٤) ، وهو ضعيف جدا ، والأصح اختصاص الكراهة بمواضع عباد النيران ، لأنها ليست موضع رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالى.

__________________

(١) المقنعة : ٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٨ ـ ٨٩٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١ ، ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ١١٥.

(٤) التذكرة ١ : ٨٨ ، والمنتهى ١ : ٢٤٧.

٢٣٢

وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها ، وجوادّ الطرق ،

______________________________________________________

قوله : ( وبيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها ).

لقوله عليه‌السلام في موثقة عمار : « ولا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر » (١). ومنع الصدوق في من لا يحضره الفقيه من الصلاة في بيت فيه خمر محروز في آنية (٢) مع أنه حكم بطهارة الخمر ، واستبعده المتأخرون لذلك ، ولا بعد فيه ورود النص به.

قوله : ( وجوادّ الطرق ).

جواد الطرق هي العظمى منها ، وهي التي يكثر سلوكها. والحكم بكراهة الصلاة فيها مذهب الأكثر ، ومستنده صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يصلى بين الظواهر ، وهي الجوادّ ، جواد الطرق ، ويكره أن يصلى في الجواد » (٣).

وقال المفيد في المقنعة : لا تجوز الصلاة على جوادّ الطرق (٤). وربما كان مستنده صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفر فقال : « لا تصلّ على الجادة واعتزل على جانبيها » (٥) وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سأله عن الصلاة في ظهر الطريق فقال : « لا بأس بأن تصلي في الظواهر التي بين الجواد ، فأما الجواد فلا تصل فيها » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٢ ـ ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ ـ ١٥٦٨ ، الوسائل ٣ : ٤٤٩ أبواب مكان المصلي ب ٢١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٤٣ ، ١٥٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧٥ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ٣ : ٤٤٤ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ١.

(٤) المقنعة : ٢٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢١ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ٣ : ٤٤٥ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٨ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤٤٥ أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٢.

٢٣٣

وبيوت المجوس ، ولا بأس بالبيع والكنائس.

______________________________________________________

والأجود حمل النهي على الكراهة جمعا بين الأدلة ، ولو فرض تعطيل المارة (١) بالصلاة وجب القول بفسادها إذا كانت الطريق موقوفة لا محياة لأجل المرور ، ويحتمل عدم الفرق.

قوله : ( وبيوت المجوس ).

عللت الكراهة بعدم انفكاكها من النجاسة. وقد قطع الأصحاب بزوال الكراهة برش الأرض ، ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس قال : « رشه وصلّ » (٢).

قوله : ( ولا بأس بالبيع والكنائس ).

المراد أنه تجوز الصلاة فيهما من غير كراهة ، وتدل عليه صحيحة ابن سنان المتقدمة ، وصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البيع والكنائس يصلى فيها؟ فقال : « نعم » قال : وسألته هل يصلح نقضها مسجدا؟ فقال : « نعم » (٣).

ونقل عن ابن إدريس (٤) وابن البراج (٥) أنهما كرها الصلاة في البيع والكنائس محتجين بعدم انفكاكها من النجاسة ، وهو ضعيف.

واعلم أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي جواز الصلاة في البيع والكنائس مطلقا ، واحتمل الشهيد في الذكرى توقفها على إذن أهل الذمة تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرينة (٦).

__________________

(١) في « ح » زيادة : الجادة.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٢ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٨ أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٢ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ٣ : ٤٣٨ أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ١ وفيه : بعضها بدل نقضها.

(٤) السرائر : ٥٨.

(٥) المهذب ١ : ٧٦.

(٦) الذكرى : ١٥٢.

٢٣٤

ويكره أن تكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر ،

______________________________________________________

وهو مدفوع بإطلاق النصوص مع عدم ثبوت جريان ملكهم عليها وأصالة عدم احترامها ، مع أنه لو ثبتت مراعاة غرض الواقف اتجه المنع مطلقا ، إلا أن تعلم إناطة ذلك برأي الناظر فيتجه اعتبار إذنه خاصة.

قوله : ( ويكره أن تكون بين يديه نار مضرمة ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة فقال : « لا يصلح له أن يستقبل النار » (١).

وفي الموثق عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد » قلت : أله أن يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال : « نعم ، فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته » وعن الرجل يصلي وبين يديه قنديل معلق فيه نار إلا أنه بحياله ، قال : « إذا ارتفع كان أشرّ ، لا يصلي بحياله » (٢).

وقال أبو الصلاح : لا يجوز التوجه إلى النار (٣) ، أخذا بظاهر الروايتين.

والأولى حملهما على الكراهة لضعف الثانية من حيث السند وعدم صراحة الأولى في التحريم.

قال الصدوق في كتابه بعد أن أورد رواية علي بن جعفر : هذا هو الأصل الذي يجب أن يعمل به. فأما الحديث الذي يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، لأن الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه » فهو حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين بإسناد منقطع ـ إلى أن قال ـ : ولكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٩ ، الإستبصار ١ : ٣٩٦ ـ ١٥١١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٢.

(٣) نقله في المختلف : ٨٥.

٢٣٥

أو تصاوير. وكما تكره الفريضة [ في ] جوف الكعبة تكره على سطحها. وتكره في مرابط الخيل والحمير والبغال ،

______________________________________________________

عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع ، فمن أخذ بها لم يكن مخطئا بعد أن يعلم أن الأصل هو النهي وأن الإطلاق هو رخصة والرخصة رحمة (١). وربما كان في هذا الكلام شهادة منه بصحة الرواية ، ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي تجنب استقبال النار مضرمة كانت أم لا ، ولا وجه للتقييد بالمضرمة لعموم الجواب.

قوله : ( أو تصاوير ).

أي وتكره الصلاة إذا كان بين يدي المصلي تصاوير ، وتدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم قال « ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها فقال : « لا ، اطرح عليها ثوبا ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا وصلّ » (٢) وصحيحة الحلبي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ربما قمت أصلي وبين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا » (٣).

قوله : ( وكما تكره الفريضة في جوف الكعبة تكره على سطحها ).

لما رواه ابن بابويه ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الصلاة في أماكن وعدّ منها الصلاة على ظهر الكعبة » (٤) وفي الطريق ضعف (٥).

قوله : ( وتكره في مرابض الخيل والحمير والبغال ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٤ ، الوسائل ٣ : ٤٥٩ أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٦ ـ ٨٩١ ، الإستبصار ١ : ٣٩٤ ـ ١٥٠٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٦ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٥ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٢.

(٥) لأن طريق الصدوق إلى شعيب بن واقد ضعيف بحمزة بن محمد إذ لم يوثق وبعبد العزيز بن محمد فإنه مجهول ( راجع معجم رجال الحديث ٩ : ٣٤ ).

٢٣٦

ولا بأس بمرابض الغنم ، وفي بيت فيه مجوسي ، ولا بأس باليهودي والنصراني. وتكره وبين يديه مصحف مفتوح ،

______________________________________________________

لعدم انفكاكها من النجاسة غالبا ، ولما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم فقال : « إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها ، فأما مرابض الخيل والبغال فلا » (١) ونقل عن أبي الصلاح أنه منع من الصلاة في هذه الأماكن (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولا بأس بمرابض الغنم ).

المراد أنه لا تكره الصلاة فيها ، وقد روى الحلبي في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في مرابض الغنم فقال : « صل فيها » (٣) وأقل مراتب الأمر الإباحة.

قوله : ( وفي بيت فيه مجوسي ، ولا بأس باليهودي والنصراني ).

روى ذلك الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن أبي أسامة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تصل في بيت فيه مجوسي ، ولا بأس أن تصلي وفيه يهودي أو نصراني » (٤).

قوله : ( وتكره وبين يديه مصحف مفتوح ).

لرواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصلي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته قال : « لا » قلت : فإن كان في غلاف قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٧ ، الإستبصار ١ : ٣٩٥ ـ ١٥٠٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٣ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٨ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ١٥٧ ـ ٧٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٢٠ ـ ٨٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤٤٣ أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٩ ـ ٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب مكان المصلي ب ١٦ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ١٥ ، الفقيه ١ : ١٦٥ ـ ٧٧٦ ، التهذيب ٢ : ٢٢٥ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٦ أبواب مكان المصلي ب ٢٧ ح ١.

٢٣٧

أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها ، وقيل : تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح.

______________________________________________________

وألحق به الشارح كل مكتوب ومنقوش (١) ، وهو جيد للمسامحة في أدلة السنن ، وإن كان للمناقشة في أمثال هذه المعاني المستنبطة مجال.

قوله : ( أو حائط ينز من بالوعة ).

لأن ذلك مناف لتعظيم الصلاة ، ولما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عمن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام : عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال : « إن كان نزّه من البالوعة فلا تصل فيه ، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس به » (٢) ولا ريب أنّ الغائط أفحش من البول فالكراهة فيه أولى. وروى الفضيل بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة فقال : « تنح عنها ما استطعت » (٣).

قوله : ( وقيل تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح ).

القائل بذلك أبو الصلاح الحلبي رحمه‌الله (٤) ، ولم نقف على مأخذه ، قال في المعتبر : وهو أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه (٥).

فائدة : يستحب للمصلي السترة في قبلته إجماعا منا ، وحكاه في المنتهى عن عامة أهل العلم (٦). وتتحقق في البناء بالقرب من الحائط والسارية ونحوهما ، وفي الصحراء بنصب شاخص ونحوه.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٨ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٤ أبواب مكان المصلي ب ١٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩١ ـ ١٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ ـ ١٥٦٣ ، الوسائل ٣ : ٤٦٠ أبواب مكان المصلي ب ٣١ ح ١.

(٤) نقله عنه في التذكرة ١ : ٨٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١١٦.

(٦) المنتهى ١ : ٢٤٧.

٢٣٨

______________________________________________________

وقد ورد بذلك أخبار كثيرة ، فروى معاوية بن وهب في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل العنزة بين يديه إذا صلى » (١).

وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا ، وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه » (٢) وقال عليه‌السلام : « لا يقطع الصلاة شي‌ء ، كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشي‌ء ، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت » (٣).

وروى عبد الله بن المغيرة ، عن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع قلنسوة وصلى إليها » (٤).

وروى محمد بن إسماعيل ، عن الرضا عليه‌السلام في الرجل يصلي ، قال : « يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط » (٥).

ويستحب الدنو من السترة بمربض عنز إلى مربض فرس ، قاله الأصحاب.

وسترة الإمام سترة لمن خلفه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٦ ، الإستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٦ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٢٢ ـ ١٣١٧ ، الإستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٧ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣١٧ ، الإستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٩ ـ ١٥٧٨ ، الإستبصار ١ : ٤٠٦ ـ ١٥٥٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٨ ـ ١٥٧٤ ، الإستبصار ١ : ٤٠٧ ـ ١٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٤٣٧ أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٣.

٢٣٩

______________________________________________________

ومكة ـ شرفها الله تعالى ـ كغيرها في ذلك ، وبه قطع في المنتهى (١). وقال في التذكرة : لا بأس أن يصلي في مكة بغير سترة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى هناك وليس بينه وبين الطواف سترة ، ولأن الناس يزدحمون هناك فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس (٢).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٤٧.

(٢) التذكرة ١ : ٨٩.

٢٤٠