مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ولا يجزي المصلي ترجمتها.

______________________________________________________

قرأ من السورة الأخرى بعضها ويريد أن [ يقرأ باقيها ] (١) فحينئذ لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (٢) (٣).

( والحق أن هذه الروايات إنما تدل على عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السورة وربما كان الوجه فيه ) [٤] عدم وجوب قراءة السورة كما هو أحد قولي الأصحاب ، ولا دلالة لها على كونها ليست آية من السورة ، كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد. وكيف كان فلا ريب في ضعف ما ذكره ، لأن إثباتها في المصاحف كذلك ـ مع محافظتهم على تجريده عما هو خارج عنه ـ ينفي ذلك صريحا.

قوله : ( ولا يجزي المصلي ترجمتها ).

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر العامة (٥) ، لقوله تعالى : ( إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (٦) ولأن الترجمة مغايرة للمترجم وإلاّ لكانت ترجمة الشعر شعرا.

وقال أبو حنيفة : يجزئ الترجمة لقوله تعالى ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٧) وإنما ينذر كل قوم بلسانهم (٨). وهو باطل ، لأن الإنذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه ، إذ مع إيضاح المعنى يصدق أنه أنذرهم به بخلاف صورة النزاع.

__________________

(١) في النسخ : يقرأها ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٩.

(٣) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : وهو جيّد.

(٤) بدل ما بين القوسين في « م » ، « س » : وربما كان الوجه في قوله عليه‌السلام في الرواية الأولى « ثم يكفيه ما بعد ذلك ».

(٥) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٦٢ ، ٥٦٧ ، والأشعري المكي في الفتوحات الربانية ٢ : ١٩٩.

(٦) يوسف : ٢.

(٧) الأنعام : ١٩.

(٨) نقله عنه في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٦٢.

٣٤١

ويجب ترتب كلماتها وآيها على الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد. وإن كان ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع. وإن ركع مضى في صلاته ـ ولو ذكر.

ومن لا يحسنها يجب عليه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسّر منها ، وإن تعذّر قرأ ما تيسّر من غيرها ، أو سبّح الله وهلله وكبّره بقدر القراءة ، ثم يجب عليه التعلم.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب ترتيب كلماتها وآيها على الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد ).

لا ريب في وجوب الترتيب ـ فيما يجب قراءته ـ بين الكلمات والآيات ، لأن الأمر بالقراءة ينصرف إلى المنزل على ترتيبه ، فلا يتحقق الامتثال بدونه. ولو خالف عمدا أعاد الصلاة على ما قطع به المصنف ـ رحمه‌الله ـ وغيره (١). وهو جيد إن لم يتداركها قبل الركوع لا مطلقا ، لأن المقروء على خلاف الترتيب وإن لم يصدق عليه اسم السورة لكن قد لا يخرج بذلك عن كونه قرآنا.

قوله : ( وإن كان ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع ).

إنما يستأنف القراءة إذا لم يمكن البناء على السابق ولو لفوات الموالاة ، وإلاّ بنى عليه كما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها.

قوله : ( ومن لا يحسنها يجب عليه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تيسر منها ، فإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها ، أو هلل الله وكبره وسبحه بقدر القراءة ).

لا ريب في وجوب التعلم على الجاهل مع سعة الوقت ، لتوقف الواجب عليه. ومع ضيقه يجب عليه إما الائتمام إن أمكنه ، أو القراءة في المصحف إن أحسنه. وقيل بجواز القراءة في المصحف مطلقا (٢) ، لإطلاق الأمر ، ورواية‌

__________________

(١) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٨٧.

(٢) كما في المنتهى ١ : ٢٧٤.

٣٤٢

والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه.

______________________________________________________

الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ ويضع السراج قريبا منه؟ قال : « لا بأس » (١).

وإن انتفى الأمران وعلم شيئا من الفاتحة وجب عليه الإتيان به إجماعا. وفي وجوب التعويض عن الفائت قولان ، أصحهما العدم ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.

وإن لم يعلم منها شيئا فقد قطع المصنف ـ رحمه‌الله ـ بأنه يجب عليه قراءة ما تيسر من غيرها ، أو تهليل الله وتكبيره وتسبيحه بقدر القراءة.

وقيل : إن الذكر إنما يجزئ مع الجهل بقراءة الفاتحة وغيرها مطلقا (٢) ، وربما كان في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام دلالة عليه ، فإنه قال : « إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي » (٣) ومقتضى الرواية الاجتزاء في التعويض بمطلق التكبير والتسبيح. والأحوط اختيار ما يجزئ في الأخيرتين ، ولا يتعين كونه بقدر الفاتحة كما قطع به المصنف في المعتبر ، قال : وقولنا بقدر القراءة نريد به الاستحباب ، لأن القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها ، وصار ما تيسر من الذكر والتسبيح كافيا (٤).

قوله : ( والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه ).

أي ينوي بحركة اللسان كونها بدلا عن القراءة لأنها لا تتمحض بدلا إلاّ مع النية ، وقد نبه على هذا في المعتبر (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤١ ح ١.

(٢) كما في المبسوط ١ : ١٠٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٥ ، الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ١٦٩.

(٥) المعتبر ٢ : ١٧١.

٣٤٣

والمصلي في كل ثالثة ورابعة بالخيار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة.

______________________________________________________

قوله : ( والمصلي في كل ثالثة ورابعة بالخيار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة ).

أما ثبوت التخيير للمصلي بين الحمد والتسبيح في كل ثالثة ورابعة فهو قول علمائنا أجمع ، والنصوص الواردة به مستفيضة (١).

والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في ذلك بين ناسي القراءة في الركعتين الأولتين وغيره ، لعموم الروايات الدالة على التخيير ، وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ ، قال : « أتم الركوع والسجود؟ » قلت : نعم ، قال : « إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها » (٢).

وقال الشيخ في الخلاف (٣) : من نسي القراءة في الأولتين يتعين عليه قراءة الحمد في الأخيرتين ، لعموم قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٤) وهو محمول على العامد ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : « ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه » (٥).

واختلف الأصحاب في أن الأفضل للمصلي القراءة أو التسبيح. فقال الشيخ في الاستبصار : إن الأفضل للإمام القراءة ، وإنهما متساويان بالنسبة إلى المنفرد (٦).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧١ ، الإستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٧ ، السرائر : ٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٧٧٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٠ ح ١.

(٣) الخلاف ١ : ١١٧.

(٤) عوالي اللئالي ١ : ١٩٦ ـ ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٢.

(٦) الاستبصار ١ : ٣٢٢.

٣٤٤

______________________________________________________

وقال في النهاية والمبسوط : هما سواء للمنفرد والإمام (١). وأطلق ابنا بابويه ، وابن أبي عقيل أفضلية التسبيح (٢).

احتج الشيخ في الاستبصار على أفضلية القراءة للإمام بما رواه في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك ، فعلت أو لم تفعل » (٣).

وعلى التساوي للمنفرد بما رواه عن عبد الله بن بكير ، عن علي بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : « إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء » قال ، قلت : فأيّ ذلك أفضل؟ فقال : « هما والله سواء ، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت » (٤).

وهذا الجمع جيد لو كانت الأخبار متكافئة من حيث السند ، لكن الرواية الأخيرة ضعيفة جدا بجهالة الراوي ، وبأن من جملة رجالها الحسن (٥) بن فضال ، وعبد الله بن بكير ، وهما فطحيان (٦).

( ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا كما يدل عليه ظاهر صحيحة منصور بن حازم لم يكن بعيدا من الصواب ) (٧).

__________________

(١) النهاية : ٧٦ ، والمبسوط ١ : ١٠٦.

(٢) الصدوق في الهداية : ٣١ ، ونقله عن والده في المقنع : ٣٤ ، ونقله عن ابن أبي عقيل في المختلف : ٩٢.

(٣) الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٩ ، الإستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ٣.

(٥) في « م » ، « ح » زيادة : ابن علي.

(٦) راجع رجال النجاشي : ٣٥ ، والفهرست : ١٠٦.

(٧) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : أما رواية منصور بن حازم فصحيحة السند ، لكن ربما‌

٣٤٥

______________________________________________________

وتؤيده رواية محمّد بن حكيم (١) ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال : « القراءة أفضل » (٢).

ورواية جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة ، فقال : « بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ، ويقرأ الرجل إذا صلى وحده فيهما بفاتحة الكتاب » (٣).

وصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجزيك التسبيح في الأخيرتين » قلت : أي شي‌ء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الكتاب » (٤).

ولا ينافي ذلك ما رواه عبيد الله الحلبي في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٥).

لأنا نجيب عنها بالحمل على أنّ « لا » نافية ، وتكون جملة « لا تقرأ » حالية ، والمعنى : إذا قمت في الركعتين الأخيرتين وأنت غير قار فيهما‌

__________________

لاح منها أن القراءة أفضل للمنفرد أيضا وهو غير بعيد. وقريب منها في الدلالة ما رواه الشيخ في الصحيح أيضا عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : « الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبح ، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح ».

(١) في الأصل وباقي النسخ الخطية : حكم بن حكيم. والصحيح ما ـ أثبتناه ـ راجع معجم رجال الحديث ١٦ : ٣١ ، ٣٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠١ ، الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٥ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٤ : ٧٩٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ٧.

٣٤٦

وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعلم للمختار ، وقيل : لا يجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

فقل : كذا وكذا. أو يقال : إنها ناهية ، والنهي إنما توجه إلى القراءة مع اعتقاد أن غير القراءة لا يجوز ، كما ذكره الشيخ في الإستبصار.

وبالجملة فهذه رواية واحدة فلا تترك لأجلها الأخبار المستفيضة السليمة السند المؤيدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في الأوليين واجب في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعلم للمختار ، وقيل : لا يجب ، والأول أحوط ).

لا خلاف بين الأصحاب في جواز الاقتصار على الحمد في النوافل مطلقا ، وفي الفرائض في حال الاضطرار ، كالخوف ، ومع ضيق الوقت بحيث إن قرأ السورة خرج الوقت ، ومع عدم إمكان التعلم.

وإنما الخلاف في وجوب السورة مع السعة ، والاختيار ، وإمكان التعلم. فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في كتابي الحديث (١) ، والسيد المرتضى (٢) ، وابن أبي عقيل (٣) ، وابن إدريس (٤) بالوجوب. وقال ابن الجنيد (٥) وسلار (٦) ، والشيخ في النهاية (٧) ، والمصنف في المعتبر (٨) بالاستحباب ، ومال إليه في المنتهى (٩) ، وهو متجه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧١ ، والاستبصار ١ : ٣١٤.

(٢) الانتصار : ٤٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٩١.

(٤) السرائر : ٤٦.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٩١.

(٦) المراسم : ٦٩.

(٧) النهاية : ٧٥.

(٨) المعتبر ٢ : ١٧٣‌

(٩) المنتهى ١ : ٢٧٢.

٣٤٧

______________________________________________________

لنا : إن إيجاب السورة زيادة تكليف والأصل عدمه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، سمعته يقول : « إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة » (١) وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها وتجزي في الفريضة » (٢) والتعريف في الفريضة ليس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للحقيقة لاستحالة إرادته ، ولا للعهد الذهني لانتفاء فائدته ، فيكون للاستغراق.

ويدل عليه أيضا الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز التبعيض كصحيحة سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قرأ في كل ركعة الحمد ونصف سورة ، هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ قال : « يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة » (٣).

وصحيحة زرارة ، قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل قرأ سورة في ركعة فغلط ، أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته؟ أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ فقال : « كل ذلك لا بأس به ، وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع » (٤).

وصحيحة إسماعيل بن الفضل ، قال : صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة ، فلما سلم التفت إلينا وقال : « إنما أردت أن أعلمكم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٥٩ ، الإستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٣ ، بتفاوت.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٩١ ، الإستبصار ١ : ٣١٦ ـ ١١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٤ : ٧٣٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٩٤ ـ ١١٨٣ ، الإستبصار ١ : ٣١٦ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٣٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥ ح ١.

٣٤٨

______________________________________________________

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن تبعيض السورة ، فقال : « أكره ، ولا بأس به في النافلة » (١).

احتج الموجبون : بعموم قوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (٢) فإن الأمر حقيقة في الوجوب ، و « ما » للعموم إلاّ ما أخرجه الدليل ، ولا تجب القراءة في غير الصلاة إجماعا.

ورواية منصور بن حازم : قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٣).

ورواية يحيى بن [ أبي ] عمران الهمداني : إنه كتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام يسأله عمن ترك البسملة في السورة ، فكتب : « يعيد » (٤).

ورواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجوز للمريض أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » (٥).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الإستبصار ١ : ٣١٦ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٤ : ٧٣٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٤.

(٢) المزمل : ٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٣ ، الإستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٢ ، الإستبصار ١ : ٣١١ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ٤ : ٧٤٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٤ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٧٠ ـ ٢٥٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٥ ـ ١١٧١ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٥ ، بتفاوت.

(٦) التهذيب ٢ : ٧١ ـ ٢٦١ ، الإستبصار ١ : ٣١٥ ـ ١١٧٢ ، الوسائل ٤ : ٧٣٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢ ح ٢.

٣٤٩

______________________________________________________

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع » (١).

هذا أقصى ما يمكن الاستدلال به على الوجوب ، وفي الجميع نظر :

أما الآية الشريفة فلا دلالة لها على المدعى بوجه ، لأن موردها التهجد ليلا كما يدل عليه السياق ، ولأن الظاهر أن « ما » ليست اسما موصولا بل نكرة تامة فلا يفيد العموم ، بل يكون حاصل المعنى : اقرأوا مقدار ما أردتم وأحببتم.

وأما الروايات فلا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة :

أما الرواية الأولى ، فلأن في طريقها محمد بن عبد الحميد ، وهو غير موثق (٢). مع أن النهي فيها وقع عن قراءة الأقل من سورة والأكثر ، وهو في الأكثر محمول على الكراهة على ما سنبينه ، فيكون في الأقل كذلك حذرا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه.

وأما الرواية الثانية ، فلأن من جملة رجالها يحيى بن [ أبي ] عمران الهمداني ، وهو مجهول.

وأما الثالثة ، فلأن دلالتها على المنع من اجتزاء الصحيح بالفاتحة في الفريضة إنما هو بالمفهوم الضعيف. مع أن في طريقها محمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه قال : ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعمل به (٣).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٥ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٣ ح ١.

(٢) قال النجاشي في كتابه ص ٣٣٩ : محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر ، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين. له كتاب النوادر ....

ـ ولعله استفاد رجوع التوثيق في عبارة النجاشي إلى الأب تبعا للشهيد الثاني في حاشية الخلاصة.

(٣) نقله عنه النجاشي في رجاله : ٣٣٣ ـ ٨٩٦.

٣٥٠

ولو قدّم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد.

ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم ،

______________________________________________________

وأما الرابعة ، فغير دالة على المطلوب صريحا ، بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه ، إذ مقتضاها جواز الاقتصار على الفاتحة إذا أعجل المصلي حاجة ، والحاجة أعم من الضرورة ، مع أنها إنما تدل على ثبوت البأس مع انتفاء الشرط ، وهو أعم من المحرم.

وأما الرواية الخامسة ، فمتروكة الظاهر ، إذ لا قائل بوجوب قراءة التوحيد والحال هذه ، فيمكن حملها على الاستحباب. مع أنها معارضة بصحيحة زرارة المتقدمة (١).

والمسألة محل إشكال ، والاحتياط للدين يقتضي أن لا يترك السورة بحال. والله أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي ، وهو كذلك. وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ ببطلان الصلاة مع العمد (٢) وهو غير واضح.

وربما ظهر من العبارة عدم وجوب إعادة الحمد ، وهو كذلك أيضا ، لأنها إذا وقعت بعد السورة كانت قراءتها صحيحة فلا مقتضي لوجوب إعادتها. وربما قيل بوجوب الإعادة (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب. واحتجوا عليه بأن ذلك مستلزم لأحد محذورين : إما الإخلال بالواجب إن نهيناه عن السجود ، وإما زيادة سجدة في‌

__________________

(١) في ص ٣٤٨.

(٢) المسالك ١ : ٣٠.

(٣) كما في التذكرة ١ : ١١٥ ، ونهاية الأحكام ١ : ٤٦٣.

٣٥١

______________________________________________________

الصلاة متعمدا إن أمرناه به. ولا يخفى أن هذا ـ مع ابتنائه على وجوب إكمال السورة وتحريم القران ـ إنما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا ، وأن زيادة السجدة مبطلة كذلك ، وكل هذه المقدمات لا يخلو من نظر.

واستدلوا عليه أيضا بما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة » (١) وفي الطريق القاسم بن عروة وهو مجهول ، وعبد الله بن بكير وهو فطحي.

وبإزائها أخبار كثيرة دالة بظاهرها على الجواز ، كحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال : « يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد » (٢).

وصحيحة محمد عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد ، قال : « يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » (٣).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : « يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم » (٤).

ويمكن الجمع بينها وبين رواية زرارة المتقدمة بحملها على الكراهة. كما تشهد به رواية علي بن جعفر : إنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يقرأ‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٦ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٧٧٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٨ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٩ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٤ : ٧٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٧٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ـ ١١٧٨ ، قرب الإسناد : ٩٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٥.

٣٥٢

______________________________________________________

في الفريضة سورة والنجم ، أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : « يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ويركع ، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة » (١).

وقال ابن الجنيد : لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد ، وإن كان في فريضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (٢). وهو مشكل ، لفورية السجود. وربما حمل كلامه على أن المراد بالإيماء ترك قراءة السجدة ، وهو مناسب لما ذهب إليه ابن الجنيد من عدم وجوب السورة (٣) ، لكن إطلاق الإيماء على ترك قراءة السجدة بعيد.

والحق أن الرواية الواردة بالمنع ضعيفة جدا فلا يمكن التعلق بها ، فإن ثبت بطلان الصلاة بوقوع هذه السجدة في أثنائها وجب القول بالمنع من قراءة ما يوجبه من هذه السور ، ويلزم منه المنع من قراءة السورة كلها إن أوجبنا قراءة السورة بعد الحمد وحرمنا الزيادة ، وإن أجزنا أحدهما اختص المنع بقراءة ما يوجب السجود خاصة. وإن لم يثبت بطلان الصلاة بذلك ـ كما هو الظاهر ـ اتجه القول بالجواز مطلقا ، وتخرج الأخبار الواردة بذلك شاهدا.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره الشارح ـ قدس‌سره ـ من بطلان الصلاة بمجرد الشروع في هذه السور (٤) غير جيد. مع أنا لو سلمنا أن النهي عن قراءة هذه السور للتحريم لم يلزم منه البطلان ، لأن تعلق النهي بذلك لا يخرجه عن كونه قرآنا ، وإنما يتم مع الاعتداد به في الصلاة بناء على القول بوجوب السورة ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أيضا أن من قرأ شيئا من هذه السور ناسيا ثم‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٩٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، البحار ١٠ : ٢٨٥.

(٢) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٧٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٩١.

(٤) المسالك ١ : ٣٠.

٣٥٣

ولا ما يفوت الوقت بقراءته ، ولا أن يقرن بين سورتين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ذكر رجع إلى غيرها وإن تجاوز النصف ، ولو لم يذكر حتى قرأ السجدة أومأ لها ثم قضاها بعد الصلاة (١).

وكلا الحكمين مشكل : أما الأول فلإطلاق الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى بعد تجاوز النصف (٢).

وأما الثاني فلفورية السجود ، وانتفاء الدليل على سقوطه بالإيماء ، مع صراحة الأخبار المتقدمة في وجوب إيقاعه في أثناء الصلاة (٣).

قوله : ( ولا ما يفوت الوقت بقراءته ).

لأن اللازم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمدا ، وهو غير جائز. لكن لا يخفى أن ذلك إنما يتم إذا قلنا بوجوب السورة وحرمنا الزائد ، وإن أجزنا أحدهما لم يتجه المنع.

قوله : ( ولا أن يقرن بين سورتين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب في القران بين السورتين في الفرائض. فقال الشيخ في النهاية والمبسوط : إنه غير جائز (٤). بل قال في النهاية : إنه مفسد للصلاة. وقال في الاستبصار : إنه مكروه (٥). واختاره ابن إدريس (٦) ، وسائر المتأخرين (٧) ، وهو المعتمد.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٠.

(٢) الوسائل ٤ : ٧٧٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦.

(٣) في ص ٢٥٢.

(٤) النهاية : ٧٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠٧.

(٥) الاستبصار ١ : ٣١٧.

(٦) السرائر : ٤٥.

(٧) منهم المحقق الحلي في المعتبر ٢ : ١٧٤ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٨١ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٩٠.

٣٥٤

______________________________________________________

لنا : الأصل ، والعمومات ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، قال : « لا بأس » (١).

وفي الموثق عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، فأما النافلة فلا بأس » (٢).

قال ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ : الإعادة وبطلان الصلاة يحتاج إلى دليل ، وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما يوجب الإعادة ولم يذكروا ذلك في جملتها والأصل صحة الصلاة ، والإعادة والبطلان يحتاج إلى دليل (٣).

احتج القائلون بالتحريم بصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السورتين في ركعة فقال : « لكل سورة ركعة » (٤).

ورواية منصور بن حازم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٥).

والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة.

أما البطلان ، فاحتج عليه في المختلف بأن القارن بين السورتين غير آت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف (٦). وهو ضعيف ، فإن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٢ ، الإستبصار ١ : ٣١٧ ـ ١١٨١ ، الوسائل ٤ : ٧٤٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٢ ـ ٢٦٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٧ ـ ١١٨٠ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٣) السرائر : ٤٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٠ ـ ٢٥٤ ، الإستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٨ ، الوسائل ٤ : ٧٤٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٤ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٣ ، الإستبصار ١ : ٣١٤ ـ ١١٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤ ح ٢.

(٦) المختلف : ٩٣.

٣٥٥

ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح وفي أولتي المغرب والعشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء.

______________________________________________________

الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة ، والنهي عن الزيادة ـ لو سلمنا أنه للتحريم ـ فهو أمر خارج عن العبادة ، فلا يترتب عليه الفساد.

واعلم أن ظاهر العبارة وغيرها أن محل الخلاف الجمع بين السورتين في الركعة الواحدة بعد الحمد ، وهو الذي تعلق به النهي في صحيحة محمد بن مسلم. وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن القران يتحقق بقراءة أزيد من سورة وإن لم تكمل الثانية ، بل بتكرار السورة الواحدة (١). وربما كان مستنده إطلاق النهي عن قراءة ما زاد على السورة الواحدة في رواية منصور بن حازم ، وهي ضعيفة الإسناد.

وكيف كان فموضع الخلاف قراءة الزائد على أنه جزء من القراءة المعتبرة في الصلاة ، إذ الظاهر أنه لا خلاف في جواز القنوت ببعض الآيات ، وإجابة المسلّم بلفظ القرآن ، والإذن للمستأذن بقوله : ادخلوها بسلام ، ونحو ذلك.

قوله : ( ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح وفي الأوليين من المغرب والعشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ في الخلاف الإجماع (٢). وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ في المصباح : إن ذلك من السنن الأكيدة (٣). وقال ابن الجنيد : لو جهر بالقراءة فيما يخافت بها أو خافت فيما يجهر بها جاز ذلك ، والاستحباب أن لا يفعله (٤).

احتج الشيخ بما رواه عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٠.

(٢) الخلاف ١ : ١١٣.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٧٦ ، والمختلف : ٩٣.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٧٦ ، والمختلف : ٩٣ ، والذكرى : ١٨٩.

٣٥٦

______________________________________________________

قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : « أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه » (١).

وجه الدلالة : قوله عليه‌السلام : « أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة » فإن نقض الصلاة ـ بالضاد المعجمة ـ كناية عن البطلان ، والإعادة إنما تثبت مع اشتمال الأولى على نوع من الخلل.

واحتج الشهيد في الذكرى على الوجوب أيضا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتأسي به واجب (٢). وهو ضعيف جدا ، فإن التأسي فيما لا يعلم وجهه مستحب لا واجب ، كما قرر في محله.

احتج القائلون بالاستحباب بأصالة البراءة من الوجوب ، وقوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (٣).

وجه الدلالة : أن النهي لا يجوز تعلقه بحقيقة الجهر والإخفات ، لامتناع انفكاك الصوت عنهما. بل المراد ـ والله أعلم ـ ما ورد عن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية (٤) ، وهو تعلق النهي بالجهر العالي الزائد عن المعتاد ، والإخفات الكثير الذي يقصر عن الأسماع ، والأمر بالقراءة المتوسطة بين الأمرين ، وهو شامل للصلوات كلها.

وما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٥ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٨٩.

(٣) الإسراء : ١١٠.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، الوسائل ٤ : ٧٧٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٤ ، قرب الإسناد : ٩٤ ، الوسائل ٤ : ٧٦٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٥ ح ٦.

٣٥٧

وأقل الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع إذا استمع ، والإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع. وليس على النساء جهر.

______________________________________________________

وأجاب عنها الشيخ بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامة (١). قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ : وهو تحكّم من الشيخ ، فإن بعض الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبه مؤكدا (٢).

والتحقيق أنه يمكن الجمع بين الخبرين بحمل الأول على الاستحباب أو حمل الثاني على التقية ، ولعل الأول أرجح ، لأن الثانية أوضح سندا وأظهر دلالة ، مع اعتضادها بالأصل وظاهر القرآن.

قوله : ( وأقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح السمع إذا استمع ، والإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع ).

هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق الجهر والإخفات في بعض الأفراد ، وهو معلوم البطلان ، لاختصاص الجهر ببعض الصلوات والإخفات ببعض وجوبا أو استحبابا. والحق أن الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الأفراد ، ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شي‌ء زائد على الحوالة على العرف.

قوله : ( وليس على النساء جهر ).

أي : لا يجب عليهن الجهر في موضع الجهر ، بل يكفيهن إسماع أنفسهن تحقيقا أو تقديرا. قال في الذكرى : وهو إجماع من الكل. ثم حكم بجواز الجهر لهن إذا لم يسمعهن الأجانب ، وقال : إنها لو أجهرت فسمعها الأجنبي فالأقرب الفساد مع علمها ، لتحقق النهي في العبادة (٣). وهو جيد لو ثبت‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٦٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٧٧.

(٣) الذكرى : ١٩٠‌

٣٥٨

والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة في موضع الإخفات ، في أول الحمد وأول السورة ،

______________________________________________________

النهي ، وللكلام في ذلك محل آخر.

قوله : ( والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة في موضع الإخفات ، في أول الحمد وأول السورة ).

اختلف الأصحاب في الجهر بالبسملة في موضع الإخفات ، فذهب الأكثر إلى استحبابه في أولي الحمد والسورة في الركعتين الأولتين والأخيرتين للإمام والمنفرد. وقال ابن إدريس : المستحب إنما هو الجهر في الركعتين الأولتين دون الأخيرتين ، فإنه لا يجوز الجهر فيهما (١). وقال ابن الجنيد باختصاص ذلك بالإمام (٢).

وقال ابن البراج : يجب الجهر بها فيما يخافت فيه ، وأطلق (٣). وقال أبو الصلاح : يجب الجهر بها في أولتي الظهر والعصر من الحمد والسورة (٤). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة البراءة مما لم يقم دليل على وجوبه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان ، قال : صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أياما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخفى ما سوى ذلك » (٥).

وفي الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد بني كاهل ، فجهر مرتين ببسم الله الرحمن الرحيم » (٦).

__________________

(١) السرائر : ٤٥.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ١٩١.

(٣) المهذب ١ : ٩٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٠ ـ ١١٥٤ ، الوسائل ٤ : ٧٤٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٨ ـ ١١٥٥ ، الإستبصار ١ : ٣١١ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ٤ : ٧٤٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٤.

٣٥٩

______________________________________________________

وقد تقرر في الأصول استحباب التأسي فيما لا يعلم وجوبه بدليل من خارج.

والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالإمام وإن كان ذلك مورد الروايتين ، ( لأن المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة لكونها بسملة ) (١) حتى قال ابن أبي عقيل : تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام أن لا تقية في الجهر بالبسملة (٢). وروى الشيخ في المصباح عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أنه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٣).

احتج ابن إدريس بأنه لا خلاف في وجوب الإخفات في الأخيرتين ، فمن ادعى استحباب الجهر في بعضها وهو البسملة فعليه الدليل (٤).

والجواب أن كل ما دل على استحباب الجهر بالبسملة فهو شامل للأولتين والأخيرتين.

احتج ابن الجنيد بأن الأصل وجوب المخافتة بالبسملة فيما يخافت به ، لأنها بعض الفاتحة ، خرج عنه الإمام بالنص أو الإجماع ، فيبقى المنفرد على الأصل (٥).

والجواب أنا لا نسلم أن مقتضى الأصل وجوب المخافتة ، بل قضية الأصل عدمه ، ورواية زرارة التي هي الأصل في هذا الباب (٦) لا تدل على الوجوب ، إذ لم يثبت كون الجهر بالبسملة مما لا ينبغي تركه ، بل المدعى‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : كما لا خصوصية لكونه عليه‌السلام إماما ، الأصل في ذلك لأن الجهر بالبسملة صار شعارا للشيعة.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ١٩١.

(٣) مصباح المتهجد : ٧٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب المزار وما يناسبه ب ٥٦ ح ١.

(٤) السرائر : ٤٥.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ١٩١.

(٦) المتقدمة في ص ٣٥٦.

٣٦٠