مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ويتأكدان فيما يجهر فيه ، وأشدهما في الغداة والمغرب. ولا يؤذّن لشي‌ء من النوافل ، ولا لشي‌ء من الفرائض عدا الخمس ، بل يقول المؤذن : الصلاة ثلاثا.

______________________________________________________

قال في الذكرى : وفي حكم المرأة الخنثى فيؤذن للمحارم من الرجال والنساء ، ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال (١).

قوله : ( ويتأكدان فيما يجهر به ، وأشدهما في الغداة والمغرب ).

أما تأكدهما في الجهرية فلم نقف على مستنده ، وأسنده في المعتبر إلى الشيخ ، ووجّهه بأن في إيجاب الجهر دلالة على اعتناء الشارع بالتنبيه عليها ، وفي الأذان زيادة تنبيه فيتأكد فيها (٢). ولا يخفى ما فيه.

وأما التأكد في الغداة والمغرب فلقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب » (٣) وفي رواية الصباح بن سيابة : « لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير » (٤).

قوله : ( ولا يؤذن لشي‌ء من النوافل ، ولا لشي‌ء من الفرائض عدا الخمس ، بل يقول المؤذن : الصلاة ثلاثا ).

أما أنه لا يؤذّن لغير الخمس فقال في المعتبر : إنه مذهب علماء الإسلام (٥). ويدل عليه أن الأذان وظيفة شرعية فتتوقف كيفيته ومحله على توقيف الشارع ، والمنقول عنه فعله في الصلوات الخمس فيكون منفيا في غيرها.

__________________

(١) الذكرى : ١٧٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٦٨ ، الإستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٦١ ، الإستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٣.

(٥) المعتبر ٢ : ١٣٥.

٢٦١

وقاضي الصلاة الخمس يؤذّن لكل واحدة ويقيم ، ولو أذّن للأولى من ورده ثمّ أقام للبواقي كان دونه في الفضل.

______________________________________________________

وأما استحباب قول المؤذن في غير الخمس (١) : « الصلاة » ثلاثا فلم نقف على رواية تدل عليه ، والذي وقفت عليه في ذلك من الأخبار رواية إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : « ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكنه ينادي : الصلاة ثلاث مرات » (٢) وهي كما ترى مختصة بصلاة العيدين فتعميم الاستحباب مشكل ، لأن العبادات إنما تستفاد بتوقيف الشارع وإلاّ كانت بدعة.

ويجوز في لفظ : « الصلاة » الأولى والثانية النصب على حذف العامل وهو احضروا وشبهه ، والرفع على حذف المبتدأ أو الخبر.

قوله : ( وقاضي الصلوات الخمس يؤذّن لكل واحدة ويقيم ، ولو أذّن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل ).

أما استحباب الأذان والإقامة لكل صلاة فاستدل عليه في المنتهى (٣) بقوله عليه‌السلام : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٤) وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة عليها فكذا قضاؤها. وبرواية عمار الساباطي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : « نعم » (٥). وفي الروايتين ضعف في السند ، وقصور من حيث الدلالة.

__________________

(١) في « ح » زيادة : من الفرائض والنوافل.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٢ ـ ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ ـ ٨٧٣ ، الوسائل ٥ : ١٠١ أبواب صلاة العيد ب ٧ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلاة ب ٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ١٦٧ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٥ : ٣٦١ أبواب قضاء الصلاة ب ٨ ح ٢.

٢٦٢

ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة ،

______________________________________________________

وأما الاجتزاء بالأذان والإقامة للأولى ثم الإقامة للبواقي فلقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن وأذّن لها وأقم ثم صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لكل صلاة » (١).

وحكى الشهيد في الذكرى (٢) قولا بأن الأفضل ترك الأذان لغير الأولى ، لما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شغل يوم الخندق عن أربع صلوات فأمر بلالا فأذّن للأولى وأقام ، ثم أقام للبواقي من غير أذان (٣). وهو حسن. بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الأولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا ، لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه.

وذكر الشهيد في الدروس أن استحباب الأذان للقاضي لكل صلاة ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء (٤). وهو غير جيد ، لعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلهما. ثم احتمل كون الساقط مع الجمع أذان الإعلام دون الأذان الذكري. وهو احتمال بعيد ، لأن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها ، ولا ينحصر مشروعيته في الإعلام بالوقت ، إذ قد ورد في كثير من الروايات أنّ من فوائده دعاء الملائكة إلى الصلاة (٥). وكيف كان فهو وظيفة شرعية فيتوقف على النقل ، ومتى انتفى سقط التوظيف مطلقا ، وأما الفرق بين الأذان الذكري وغيره فلا أعرف له وجها.

قوله : ( ويصلّي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة ).

اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة ، فأطلق الشيخ في المبسوط‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٧٤.

(٣) مسند أحمد ١ : ٣٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ١٧.

(٤) الدروس : ٣٢.

(٥) الوسائل ٤ : ٦١٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

٢٦٣

______________________________________________________

سقوطه (١) ، وهو ظاهر اختيار المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة على ما نقله الشيخ في التهذيب (٢). وقال في النهاية : إنه غير جائز (٣). وقال ابن إدريس : إنما يسقط أذان العصر عمن صلّى الجمعة دون من صلّى الظهر ، ونقل عن ابن البراج ، والمفيد في الأركان أنهما استحبا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الأيام (٤). وهو اختيار المفيد في المقنعة على ما وجدته فيها ، فإنه قال بعد أن أورد تعقيب الأولى : ثم قم فأذّن للعصر وأقم الصلاة (٥). وإلى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلمه الله (٦) ، وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر الخالي من التقييد.

احتج الشيخ في التهذيب على ما حكاه من كلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه في الصحيح ، عن ابن أذينة ، عن رهط منهم الفضيل وزرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » (٧) وعن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (٨).

ويتوجه عليه أن الرواية الأولى إنما تدل على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره ، وهو خلاف المدعى.

وأما الرواية الثانية فضعيفة السند (٩) ، قاصرة المتن ، فلا تصلح لمعارضة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥١.

(٢) التهذيب ٣ : ١٨.

(٣) النهاية : ١٠٧.

(٤) السرائر : ٦٧.

(٥) المقنعة : ٢٦.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ١٦٥.

(٧) التهذيب ٣ : ١٨ ـ ٦٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ٢.

(٨) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٧ ، الوسائل ٥ : ٨١ أبواب صلاة الجمعة ب ٤٩ ح ١.

(٩) لأن حفص بن غياث عامي ( راجع رجال الشيخ : ١١٨ ، والفهرست : ٦١ ).

٢٦٤

______________________________________________________

الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان في الصلوات الخمس (١). وقد حملها المصنف (٢) وغيره (٣) على أن المراد بالأذان الثالث الأذان الثاني للجمعة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّع للصلاة أذانا وإقامة ، فالزيادة ثالث (٤).

احتج ابن إدريس بأن الإجماع منعقد على استحباب الأذان لكل صلاة من الخمس ، خرج عنه المجمع عليه وهو من صلّى الجمعة ، فيبقى الباقي على العموم (٥).

ويرد عليه منع الإجماع على السقوط مع صلاة الجمعة ، لتصريح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا كما نقلناه ، واحتمال المشارك له في الفتوى.

ولو جمع المسافر أو الحاضر بين الفرضين كان له ترك الأذان للثانية ، لرواية الرهط المتقدمة. وقيل : إن الجمع إن كان في وقت فضيلة الأولى أذّن لها وأقام ، ثم أقام للثانية من غير أذان ، وإن كان في وقت فضيلة الثانية أذّن لها ثم أقام للأولى وصلاّها ثم أقام للثانية (٦).

والروايات لا تعطي هذا التفصيل ، بل المستفاد منها سقوط الأذان للثانية مطلقا (٧) ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في المبسوط (٨). وذكر الشهيد في الذكرى : إن الساقط مع الجمع الغير المستحب أذان الإعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام (٩). وهو غير واضح كما بيناه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٦١٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٩٦.

(٣) كالعلامة في المنتهى ١ : ٣٣٦.

(٤) في « ح » زيادة : وهو تكلف مستغن عنه.

(٥) السرائر : ٦٧.

(٦) كما في الذكرى : ١٧٤ ، وجامع المقاصد ١ : ١٠٠.

(٧) الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦.

(٨) المبسوط ١ : ٩٦.

(٩) الذكرى : ١٧٤.

٢٦٥

وكذا الظهر والعصر بعرفة.

ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا [ على ] كراهيّة ، ما دامت الأولى لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا الظهر والعصر بعرفة ).

أي : يصلّي الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة. وقد ورد بذلك روايات ، منها : ما رواه ابن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر ثم يصلّي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك المغرب والعشاء بمزدلفة » (١).

وهل سقوط الأذان هنا على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ أوجه ذهب إلى كلّ منها ذاهب. والأصح التحريم كما اختاره العلاّمة في المنتهى (٢) ، والشهيد في البيان (٣) ، لأنه مخالف للسنة فيكون بدعة ، وقد صح عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار » (٤).

قوله : ( ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا ما دامت الأولى لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٥) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا عليه برواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : « إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذّن وأقام » (٦) والحكم بسقوط الأذان‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢٢ ، الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٦١.

(٣) البيان : ٧٢.

(٤) الكافي ١ : ٥٦ ـ ٨ ، الوسائل ١١ : ٥١٢ أبواب الأمر والنهي ب ٤٠ ح ١٠.

(٥) النهاية : ٦٥ ، والمبسوط ١ : ٩٨.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨١ ـ ١١٢٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

٢٦٦

وإذا أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة.

______________________________________________________

عن المصلّي الثاني وقع في الرواية معلّقا على عدم تفرق الصف ، وهو إنما يتحقق ببقاء جميع المصلين.

وقيل (١) : يكفي في سقوط الأذان عن المصلّي الثاني بقاء معقّب واحد من المصلين ، لما رواه الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي عليّ ، قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وبقي بعض في التسبيح فدخل علينا رجل فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع » فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام » (٢).

وعندي في هذا الحكم من أصله توقف ، لضعف مستنده باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف ، وجهالة راوي الثانية ، فلا يسوغ التعلق بهما. ثم لو سلمنا العمل بهما لوجب اختصاص الحكم بالصلاة الواقعة في المسجد كما ذكره في النافع (٣) والمعتبر (٤) ، لأنه مدلول الروايتين ، ولجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الحث على الاجتماع ثانيا.

قوله : ( ولو أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة ).

هذا الحكم ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط (٥) ، وأتباعه ، واستدلوا عليه برواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة ، هل يجوز‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٠٠ ، وروض الجنان : ٢٤١.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الوسائل ٥ : ٤٦٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢.

(٣) المختصر النافع : ٢٧.

(٤) المعتبر ٢ : ١٣٦.

(٥) النهاية : ٦٥ ، المبسوط ١ : ٩٨.

٢٦٧

______________________________________________________

أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (١) وهي ضعيفة السند بجماعة من الفطحية ، لكن قال في المعتبر : إن مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة ، وهو ذكر الله ، وذكر الله حسن (٢). ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتين بنية الانفراد ، وأيد ذلك بما رواه صالح بن عقبة ، عن أبي مريم الأنصاري ، قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له : عافاك الله صلّيت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال : « إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٣) قال : وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى.

وأجاب عنه في الذكرى بأن ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول ، قال : والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه أذان للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد (٤).

ويشكل بما بيناه مرارا من أنّ مثل هذه الشهرة لا يقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ، وأن ظاهر الخبر ترتب الإجزاء على سماع الأذان من غير مدخلية لما عدا ذلك فيه ، لكن الرواية ضعيفة جدا بصالح بن عقبة فقد قيل : إنه كان كذّابا غاليا لا يلتفت إليه (٥). ومع ذلك فليس فيها تصريح بكون جعفر عليه‌السلام منفردا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٤ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ـ ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ١٣٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الذكرى : ١٧٤.

(٥) كما في خلاصة العلامة : ٢٣٠.

٢٦٨

الثاني : في المؤذن ، ويعتبر فيه : الإسلام ، والذكورة.

______________________________________________________

والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر (١) ، ولعل الإعادة أولى.

قوله : ( الثاني : في المؤذّن ويعتبر فيه : العقل ، والإسلام ).

هذا مذهب العلماء كافة ، لأن المجنون لا حكم لعبارته (٢) ، والكافر ليس أهلا للأمانة ، والمؤذنون أمناء ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإمام ضامن ، والمؤذّن مؤتمن » (٣) ولما رواه عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يجوز أن يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف » (٤).

ولا منافاة بين الحكم بالكفر وتلفظه بالشهادتين ، لأن المتلفظ بهما قد لا يكون عارفا بمعناهما كالأعجمي ، أو يكون مستهزئا ، أو حاكيا ، أو متأولا عدم عموم النبوة. ولو علم اعتقاده مضمون كلمتي الشهادة حكم بإسلامه قطعا ، ولا يعتد بذلك الأذان ، لوقوع أوله في الكفر.

والأصح اشتراط الإيمان أيضا ، لبطلان عبادة المخالف ، ولرواية عمار السابقة ، فإن الظاهر أن المراد بالمعرفة الواقعة فيها الإيمان.

قوله : ( والذكورة ).

جعل الذكورة من جملة الشرائط المعتبرة في المؤذّن غير مستقيم على إطلاقه ، لأن أذان المرأة صحيح اتفاقا ، وتعتد به النساء والمحارم ، بل والأجانب أيضا على ما قطع به في المبسوط (٥) ، وإن كان الأظهر خلافه ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٣٧.

(٢) في « م » ، « س » : عبادته.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٢٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٣ ـ ٥١٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٤ ـ ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٤ ، أبواب الأذان والإقامة ب ٢٦ ح ١.

(٥) المبسوط ١ : ٩٧.

٢٦٩

ولا يشترط البلوغ بل يكفي كونه مميزا.

ويستحب أن يكون عدلا ، صيّتا ، مبصرا ، بصيرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما على مرتفع.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يشترط البلوغ ، بل يكفي كونه مميزا ).

أي لا يشترط في الاعتداد بالأذان في الصلاة ، وقيام الشعار به في البلد صدوره من بالغ ، بل يكفي كونه مميزا ، وهو اتفاق علمائنا ، قاله في المعتبر (١) ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « ولا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم » (٢) أما غير المميز فلا يعتد بأذانه قطعا ، لأنه لا حكم لعبارته (٣).

والمرجع في التمييز إلى العرف ، لأنه المحكّم في مثله ، وذكر جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان أن المراد بالمميز من يعرف الأضرّ من الضارّ والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس (٤). وهو مع عدم وضوح مأخذه رد إلى الجهالة.

قوله : ( ويستحب أن يكون عدلا ، صيّتا ، مبصرا ، بصيرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما على مرتفع ).

يستحب في المؤذّن المنصوب في البلد أن يكون متصفا بأمور :

أحدها : العدالة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يؤذّن لكم خياركم » (٥) وقوله عليه‌السلام : « المؤذن مؤتمن » (٦) ولأنه ربما قلده ذوو الأعذار إذا كان‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٤ : ٦٦١ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ١.

(٣) في « م » ، « ح » : لعبادته.

(٤) روض الجنان : ٢٤٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢١ ، الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٢.

٢٧٠

______________________________________________________

كذلك (١) ، بل قيل بجواز التعويل عليه مطلقا (٢) (٣). وقد قطع ( المصنف وأكثر ) (٤) الأصحاب بالاعتداد بأذان الفاسق ، لأنه يصح منه الأذان الشرعي لنفسه ، لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه ، عملا بإطلاق الأمر بالأذان والاعتداد به للسامع. ونقل عن ابن الجنيد أنه منع من الاعتداد بأذان الفاسق (٥) ، وهو ضعيف.

ثانيها : أن يكون صيّتا ليعم النفع به ويتم الغرض المقصود منه. ويستحب مع ذلك أن يكون حسن الصوت لتقبل القلوب على سماعه ، وروى عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قامة ، فكان عليه‌السلام يقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان ، فإن الله عزّ وجلّ قد وكّل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء ، فإن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوحيد الله عزّ وجلّ ، ويستغفرون لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يفرغوا من تلك الصلاة » (٦).

ثالثها : أن يكون مبصرا ، ليتمكن من معرفة الأوقات. ولو أذّن الأعمى بمسدّد جاز واعتد به ، لما روي أنّ ابن أمّ مكتوم الأعمى كان يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت (٧).

رابعها : أن يكون بصيرا بالأوقات عارفا بها ليأمن الغلط ، ولو أذّن‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : عند المصنف ومن قال بمقالته.

(٢) كما في التذكرة ١ : ١٠٧ ، وجامع المقاصد ١ : ١٠٠.

(٣) في « ح » زيادة : وأفاد قوله العلم مع انضمام القرائن أو مطلقا.

(٤) ما بين القوسين ليس في « س ».

(٥) المختلف : ٩٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٧ ـ ٣١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٦ ، المحاسن : ٤٨ ـ ٦٧ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٧.

(٧) الدعائم ١ : ١٤٧ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٠.

٢٧١

______________________________________________________

الجاهل في الوقت جاز واعتد به إجماعا (١).

خامسها : أن يكون متطهرا من الحدثين ، لقوله عليه‌السلام : « حق وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلاّ وهو طاهر » (٢) ولأنه من سنن الصلاة فاستحب فيه الطهارة كالتوجه ، قال في المعتبر : وعليه فتوى العلماء (٣). ولا يجب ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهر ، ولا تقيم إلاّ وأنت على وضوء » (٤).

ويستفاد من هذه الرواية اشتراط الطهارة في الإقامة ، وهو اختيار المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في المصباح (٥) ، والعلاّمة في المنتهى (٦). وقال في التذكرة بعدم الاشتراط تمسكا بمقتضى الأصل (٧).

سادسها : أن يكون قائما على مرتفع ، لأنه أبلغ في رفع الصوت فيكون النفع به أعم ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان » (٨) والظاهر عدم استحباب فعله في المنارة على الخصوص ، لعدم ورود النقل به ، ولما رواه عليّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الأذان في المنارة أسنّة هو؟ فقال : « إنما كان يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأرض ولم تكن يومئذ منارة » (٩).

__________________

(١) في « س » : وأعتد به مطلقا.

(٢) كنز العمال ٨ : ٣٤٣ ـ ٢٣١٨٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٢٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٦٢٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٣ ، بتفاوت يسير بين المصادر.

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٢٨.

(٦) المنتهى ١ : ٢٥٨.

(٧) التذكرة ١ : ١٠٧.

(٨) المتقدمة في ص ٢٧١.

(٩) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٦.

٢٧٢

ولو أذّنت المرأة للنساء جاز. ولو صلى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع إلى الأذان مستقبلا صلاته ما لم يركع ، وفيه رواية أخرى.

______________________________________________________

وقيل : يستحب ، لأنه قد ثبت وضع المنارة في الجملة ، ولولا الأذان فيها لكان عبثا (١). ويتوجه عليه منع حصول الوضع ممن يعتد بفعله.

قوله : ( ولو صلّى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع إلى الأذان مستقبلا صلاته ما لم يركع ، وفيه رواية أخرى ).

اختلف الأصحاب في تارك الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة ، فقال السيد المرتضى في المصباح (٢) ، والشيخ في الخلاف (٣) ، وأكثر الأصحاب : يمضي في صلاته إن كان متعمدا ، ويستقبل صلاته ما لم يركع إن كان ناسيا.

وقال الشيخ في النهاية بالعكس (٤) ، واختاره ابن إدريس (٥). وأطلق في المبسوط الاستئناف ما لم يركع (٦). والمعتمد الأول.

أما وجوب الاستمرار مع العمد فلعموم ما دل على تحريم قطع الصلاة ، ترك العمل به مع النسيان ، عملا بما سنورده من الأخبار ، فيبقى في العمد سليما عن المعارض.

ولنا أيضا ما تقدم من استحباب الأذان وجواز تركه اختيارا ، ولو قلنا بوجوبه لم يتوجه الاستئناف أيضا وإن أثم بالإخلال به ، لخروجه عن حقيقة الصلاة.

وأما أنه يستقبل مع النسيان إذا ذكر قبل الركوع فيدل عليه صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن‌

__________________

(١) كما في المختلف : ٨٨.

(٢) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٢٩ ، وإيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٢٩.

(٤) النهاية : ٦٥.

(٥) السرائر : ٤٣.

(٦) المبسوط ١ : ٩٥.

٢٧٣

______________________________________________________

تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتّم على صلاتك » (١).

ويدل على أنّ ذلك على سبيل الاستحباب ما رواه عبيد بن زرارة في الصحيح ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : « فليمض في صلاته ، فإنما الأذان سنة » (٢).

وقول المصنف : « وفيه رواية أخرى » يمكن أن يكون إشارة إلى ما رواه عليّ بن يقطين في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : « إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد » (٣). وحملها العلاّمة في المختلف على أن المراد بما قبل الفراغ ما قبل الركوع ، لأن المطلق يحمل على المقيد. وهو بعيد جدا (٤). ونزّلها الشيخ في التهذيب على الاستحباب (٥) ، قال في المعتبر : وما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر (٦).

ويمكن أن يكون أشار بالرواية إلى ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلى الله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ـ ١١٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٢٧ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٣٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٣٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ـ ١١١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٣ ـ ١١٢٥ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٤.

(٤) المختلف : ٨٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٩.

(٦) المعتبر ٢ : ١٣٠.

٢٧٤

______________________________________________________

وآله وليقم ، وإن كان قد قرأ فليتم صلاته » (١) ونحوه روي زيد الشحام في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وروى الحسين بن أبي العلاء في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاة المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم ، قال : « فإن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم يقيم ويصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم الصلاة » (٣).

وهذه الروايات محمولة على تأكد الرجوع إلى الأذان والإقامة قبل القراءة دون ما بعدها وإن كان الرجوع إليهما سائغا قبل الركوع على ما بيناه. والظاهر أنّ الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسلام عليه إشارة إلى قطع الصلاة ، ويمكن أن يكون ذلك نفسه قاطعا ويكون ذلك من خصوصيات هذا الموضع ، لأن ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحل.

واعلم أنّ هذه الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة ، أو الإقامة وحدها ، وليس فيها ما يدل على جواز القطع لاستدراك الأذان مع الإتيان بالإقامة ، ولم أقف على مصرح به سوى المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذا الكتاب ، وابن أبي عقيل على ما نقل عنه (٤). وحكى فخر المحققين في الشرح الإجماع على عدم الرجوع إليه مع الإتيان بالإقامة (٥).

وعكس الشارح ـ قدس‌سره ـ فحكم بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة (٦). وهو غير واضح.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ١٤ ، التهذيب ٢ : ١١٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٠٣ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ـ ١١٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٥٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٥.

(٤) في المختلف : ٨٨.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٩٧.

(٦) المسالك ١ : ٢٧.

٢٧٥

ويعطى الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به.

______________________________________________________

بقي هنا شي‌ء وهو أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المصلّي بين الإمام والمنفرد ، فتقييده بالمنفرد كما فعله المصنف ـ رحمه‌الله ـ يحتاج إلى دليل.

قوله : ( ويعطى الأجرة من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به ).

اختلف الأصحاب في جواز أخذ الأجرة على الأذان ، فقال الشيخ في الخلاف (١) ، وجمع من الأصحاب : لا يجوز أخذ الأجرة عليه ، لما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : « آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا عليّ إذا صليت فصلّ صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا » (٢).

وقال السيد المرتضى : إن ذلك مكروه (٣). وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٤) ، والشهيد في الذكرى (٥) ، ولا بأس به ، للأصل ، وانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم ، مع ضعف سنده بالسكوني وغيره.

واقتصر المصنف في هذا الكتاب على إثبات الجواز ، وربما حمل كلامه على أن المراد بالأجرة : الارتزاق من بيت المال ، ولا مقتضي له.

والظاهر أن الإقامة كالأذان. وحكم العلاّمة في النهاية بعدم جواز الاستيجار عليها وإن قلنا بجواز الاستيجار على الأذان ، فارقا بينهما بأن الإقامة لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة بمراعاة الوقت (٦). وهو غير جيد ، إذ لا يعتبر في العمل المستأجر عليه اشتماله على الكلفة ، هذا كله في الأجرة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٩٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٠ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٦٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٨ ح ١.

(٣) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٣٤ ، والذكرى : ١٧٣.

(٤) المعتبر ٢ : ١٣٣.

(٥) الذكرى : ١٧٣.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٤٢٨.

٢٧٦

الثالث : في كيفية الأذان ، ولا يؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخّص تقديمه على الصبح ، لكن يستحب إعادته بعد طلوعه.

______________________________________________________

أما الارتزاق من بيت المال فلا ريب في جوازه إذا اقتضته المصلحة ، لأنه معدّ للمصالح ، والأذان والإقامة من أهمها.

قوله : ( ولا يؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخص تقديمه على الصبح ، لكن يستحب إعادته بعد طلوعه ).

أما عدم جواز الأذان للفريضة قبل دخول وقتها في غير الصبح فعليه علماء الإسلام ، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله.

وأما جواز تقديمه في الصبح قبل طلوع الفجر مع استحباب إعادته بعده فهو اختيار الشيخ (١) ، وأكثر الأصحاب : قال ابن أبي عقيل (٢) : الأذان عند آل الرسول عليهم‌السلام للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلاّ الصبح فإنه جائز أن يؤذّن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الأخبار عنهم (٣) ، وقالوا : كان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذنان أحدهما بلال ، والآخر ابن أمّ مكتوم وكان أعمى ، وكان يؤذّن قبل الفجر ، وبلال إذا طلع الفجر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب » (٤).

ومنع ابن إدريس من تقديمه في الأصبح أيضا (٥) ، وهو ظاهر اختيار المرتضى في المسائل الناصرية (٦) ، وابن الجنيد (٧) ، وأبي الصلاح (٨) ،

__________________

(١) النهاية : ٦٦ ، والمبسوط ١ : ٩٦ ، والخلاف ١ : ٨٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٨٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٨.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٢ ، ٣ وص ٦٢٦ ح ٤.

(٥) السرائر : ٤٣.

(٦) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٢.

(٧) نقله عنه في الذكرى : ١٧٥.

(٨) الكافي في الفقه : ١٢١.

٢٧٧

______________________________________________________

والجعفي (١). والمعتمد الأول.

لنا : الرواية المتقدمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : إن لنا مؤذّنا يؤذّن بليل ، فقال : « أما إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، وأما السنة فإنه ينادي مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلاّ الركعتان » (٣) وروى ابن سنان في الصحيح أيضا قال : سألته عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا بأس » ، وأما السنة مع الفجر ، وإن ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر » (٤).

ويستفاد من قوله عليه‌السلام : « وأما السنة مع الفجر » أن الأذان المتقدم عليه لمجرد التنبيه فلا يعتد به في الصلاة ، وهو كذلك.

احتج المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ بأن الأذان دعاء إلى الصلاة ، وعلم على حضورها ففعله قبل وقتها وضع للشي‌ء في غير موضعه ، وبأنه روي أن بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيد الأذان (٥).

وأجيب عن الأول بالمنع من حصر فائدة الأذان في الإعلام ، فإن له فوائد أخر كالتأهّب للصلاة ، واغتسال الجنب ، وامتناع الصائم من الأكل والجماع ، ونحو ذلك (٦).

وعن الرواية بالقول بالموجب ، إذ لا خلاف في استحباب إعادة الأذان بعد طلوع الفجر ، وإنما النزاع في جواز فعله قبله.

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٧٥.

(٢) في ص ٢٧٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٣ ـ ١٧٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٤٦ ـ ٥٣٢.

(٦) كما في المختلف : ٩٠.

٢٧٨

والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا : التكبير أربع ، والشهادة بالتوحيد ، ثم بالرسالة ، ثم يقول : حيّ على الصلاة ، ثم حيّ على الفلاح ثم حيّ على خير العمل ، والتكبير بعده ، ثم التهليل. كل فصل مرّتان.

______________________________________________________

ولا حدّ لهذا التقديم عندنا ، وتقديره بسدس الليل أو نصفه تحكّم. وينبغي أن يجعل في ذلك ضابطا ليعتمد عليه الناس وتترتب عليه الفائدة. ولا فرق بين رمضان وغيره عندنا ، ولا بين كون المؤذّن واحدا أو اثنين وإن كان الأولى تغايرهما لتحصل الفائدة باختلاف الصوت ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله : ( والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا : التكبير أربع ، والشهادة بالتوحيد ، ثم بالرسالة ، ثم يقول : حيّ على الصلاة ، ثم حيّ على الفلاح ، ثم حيّ على خير العمل ، والتكبير بعده ، ثم التهليل ، كل فصل مرتان ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، والمستند فيه ما رواه ابن بابويه ، والشيخ ـ رضي الله عنهما ـ عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه حكى لهما الأذان فقال : « الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله ، والإقامة كذلك » (١).

وعن إسماعيل الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا » فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا ، الأذان‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٨ ـ ٨٩٧ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١١ ، الإستبصار ١ : ٣٠٦ ـ ١١٣٥ ، الوسائل : ٦٤٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٩.

٢٧٩

______________________________________________________

ثمانية عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا (١).

وفي الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قال : « يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » (٢).

وأشار المصنف بقوله : « على الأشهر » إلى ما رواه الشيخ بسنده إلى الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان ، فقال : « تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله » (٣).

وروى زرارة والفضيل ، عن أبي عبد الله (٤) عليه‌السلام نحو ذلك ، وقال في آخر الرواية : « والإقامة مثلها إلاّ أن فيها قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، بين حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، وبين الله أكبر » (٥).

وأجاب عنهما الشيخ في التهذيب بجواز أن يكون إنما اقتصر عليه‌السلام فيهما على التكبير مرتين لأنه قصد إلى إفهامه السائل كيفية التلفظ به ، وكان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٨ ، الإستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٢ ، الوسائل ٤ : ٦٤٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٣ ، الإستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٤ : ٦٤٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٣ ، الوسائل ٤ : ٦٤٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٥.

(٤) كذا في جميع النسخ والموجود في المصادر : عن أبي جعفر.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٦٤٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٨.

٢٨٠