مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

______________________________________________________

هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من قدّم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له » (١).

وروي عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : أنه كان يقول إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر : « هذا مقام من حسناته نعمة منك ، وشكره ضعيف ، وذنبه عظيم ، وليس لذلك إلاّ رفقك ورحمتك ، فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٢) طال هجوعي وقلّ قيامي ، وهذا السحر وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا » ثم يخرّ ساجدا (٣).

وروى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا أنت انصرفت من الوتر فقل : سبحان الله ربي الملك القدّوس العزيز ، الحكيم ثلاث مرات ، ثم تقول : يا حيّ يا قيّوم ، يا برّ يا رحيم ، يا غنيّ يا كريم ارزقني من التجارة أعظمها فضلا ، وأوسعها رزقا ، وخيرها لي عاقبة ، فإنه لا خير فيما لا عاقبة له » (٤).

التاسعة : من فاتته صلاة الليل فقام قبل الفجر فصلّى الوتر وسنّة الفجر كتبت له صلاة الليل ، روى ذلك معاوية بن وهب في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام أنه سمعه يقول : « أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر فتكتب له صلاة الليل » (٥) والمراد بالوتر الركعات الثلاثة كما بيناه.

العاشرة : روى الشيخ في المصباح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥٠٩ ـ ٥ ، الوسائل ٤ : ١١٥٤ أبواب الدعاء ب ٤٥ ح ١.

(٢) الذاريات : ١٧ ، ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٥ ـ ١٦ ، البحار ٨٤ : ٢٨١ ـ ٧٣. بتفاوت يسير.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٣ ـ ١٤٢٥ ، البحار ٨٤ : ٢٨٧ ـ ٨٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ـ ١٣٩١ ، الوسائل ٣ : ١٨٧ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣.

٢١

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من صلّى بين العشاءين ركعتين قرأ في الأولى : الحمد ، وقوله تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) إلى قوله ( وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (١) وفي الثانية : الحمد ، وقوله ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها ) (٢) إلى آخر الآية ، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تفعل بي كذا وكذا ، ويقول : اللهم أنت وليّ نعمتي ، والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي ، وسأل الله حاجته إلا أعطاه » (٣).

الحادية عشرة : قال في الذكرى (٤) : قد تترك النافلة لعذر ومنه الهمّ والغمّ ، لرواية علي بن أسباط ، عن عدّة منّا : إنّ الكاظم عليه‌السلام كان إذا اهتم ترك النافلة (٥). وعن معمر بن خلاد ، عن الرضا عليه‌السلام مثله : إذا اغتم (٦). وفي الروايتين قصور من حيث السند.

والأولى أن لا تترك النافلة بحال ، للحثّ الأكيد عليها في النصوص المعتمدة ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام : « وإن تارك هذا ـ يعني النافلة ـ ليس بكافر ولكنها معصية ، لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه » (٧) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان الواردة في من فاته شي‌ء من النوافل : « إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله لدنيا تشاغل بها عن الصلاة فعليه‌

__________________

(١) الأنبياء : ٨٧ ، ٨٨.

(٢) الأنعام : ٥٩.

(٣) مصباح المتهجد : ٩٤.

(٤) الذكرى : ١٦٦.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٤ ـ ١٥ ، التهذيب ٢ : ١١ ـ ٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٦ ح ٥.

(٦) التهذيب ٢ : ١١ ـ ٢٣ ، الوسائل ٣ : ٤٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٦ ح ٤.

(٧) التهذيب ٢ : ٧ ـ ١٣ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٤ ح ١.

٢٢

______________________________________________________

القضاء ، وإلاّ لقي الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضيّع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

الثانية عشر : استفاضت الروايات بأن الإتيان بالنوافل يقتضي تكميل ما نقص من الفرائض بترك الإقبال بها ، فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن العبد ليرفع له من صلاته ثلثها ونصفها وربعها وخمسها ، فما يرفع له إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه ، وإنما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة » (٢).

وروى محمد بن مسلم أيضا في الصحيح قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عمار الساباطي روى عنك رواية قال : « وما هي؟ » قلت : إن السنة فريضة ، قال : « أين يذهب أين يذهب؟! ليس هكذا حدثته ، إنما قلت له : من صلّى فأقبل على صلاته لم يحدّث نفسه فيها ، أو لم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل عليها ، فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها ، وإنما أمروا بالسنة ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة » (٣).

وروى أبو حمزة الثمالي قال : رأيت عليّ بن الحسين عليه‌السلام يصلي فسقط رداؤه عن منكبه قال : فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلك فقال : « ويحك أتدري بين يدي من كنت؟! إنّ العبد لا يقبل منه صلاة إلاّ ما أقبل منها » فقلت : جعلت فداك هلكنا فقال : « كلاّ إنّ الله يتمم ذلك بالنوافل » (٤).

الثالثة عشرة : أفضل الرواتب صلاة الليل ، لكثرة ما ورد فيها من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٣ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ـ ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ـ ٢٥ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ١٤١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٨ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ٥٢ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٢ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٥١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٧ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤١ ـ ١٤١٥ ، علل الشرائع : ٢٣١ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٦٨٨ أبواب أفعال الصلاة ب ٣ ح ٦.

٢٣

______________________________________________________

الثواب ، ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته لعليّ عليه‌السلام : « وعليك بصلاة الليل » ثلاثا ، رواه معاوية بن عمار في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام (١).

ثم صلاة الزوال ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصية بعد ذلك : « وعليك بصلاة الزوال » ثلاثا (٢).

ثم نافلة المغرب ، لقوله عليه‌السلام في رواية الحارث بن المغيرة : « أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا سفر » (٣).

ثم ركعتا الفجر ، لما روي عن عليّ عليه‌السلام أنه قال في قوله تعالى : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (٤) : « ركعتا الفجر تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار » (٥) وفي السند والدلالة نظر.

وقال الشيخ في الخلاف : ركعتا الفجر أفضل من الوتر بإجماعنا (٦). وقال ابن بابويه : أفضل هذه الرواتب ركعتا الفجر ، ثم ركعة الوتر ، ثم ركعتا الزوال ، ثم نافلة المغرب ، ثم تمام صلاة الليل ، ثم تمام نوافل النهار (٧). ولم نقف لهما على دليل يعتد به.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٧ ـ ١٤٠٢ ، المقنعة : ١٩ ، الوسائل ٥ : ٢٦٨ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٣٩ ح ١.

(٢) الكافي ٨ : ٧٩ ـ ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٦٩ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٨ ح ١.

(٣) المتقدمة في ص ١٠.

(٤) الإسراء : ٧٨.

(٥) رواها في الكافي ٣ : ٢٨٢ ـ ٢ ، والتهذيب ٢ : ٣٧ ـ ١١٦ ، والاستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٥ ، والوسائل ٣ : ١٥٥ أبواب المواقيت ب ٢٨ ح ١ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومثلها عن علي بن الحسين عليه‌السلام في تفسير العياشي ٢ : ٣٠٩ ، وكذا عن أحدهما عليهما‌السلام في تفسير العياشي ٢ : ٣٠٩ ، والبرهان ٢ : ٤٣٧.

(٦) الخلاف ١ : ١٩٨.

(٧) الفقيه ١ : ٣١٤.

٢٤

______________________________________________________

الرابعة عشرة : يجوز الجلوس في النافلة مع الاختيار ، قال في المعتبر : وهو إطباق العلماء (١). وقال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه مخالفا (٢). وكأنهما لم يعتبرا خلاف ابن إدريس رحمه‌الله ، حيث منع من الجلوس في النافلة في غير الوتيرة اختيارا (٣) ، وهو محجوج بإطباق العلماء قبله وبعده ، والأخبار الكثيرة ، كصحيحة الحسن بن زياد الصيقل قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا صلّى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعّف » (٤).

وحسنة سهل بن اليسع (٥) : إنه سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلي النافلة قاعدا وليست به علة في سفر أو حضر ، قال : « لا بأس به » (٦).

وصحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي وهو جالس فقال : « إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع ، فتلك تحسب لك بصلاة القائم » (٧).

وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام قولان ، أظهرهما العدم ، لتوقف العبادة على النقل ، وعدم ثبوت التعبد به. وقيل بالجواز ، لأن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣.

(٢) المنتهى ١ : ١٩٧.

(٣) السرائر : ٦٨.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٦ ـ ٦٥٦ ، الإستبصار ١ : ٢٩٣ ـ ١٠٨١ ، الوسائل ٤ : ٦٩٧ أبواب القيام ب ٥ ح ٤.

(٥) في جميع النسخ ، سهل بن الحسن وهو تصحيف.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٤٧ ، التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٩٦ أبواب القيام ب ٤ ح ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ١٧٠ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٠١ أبواب القيام ب ٩ ح ٣.

٢٥

ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر والوتيرة على الأظهر.

______________________________________________________

الكيفية تابعة للأصل ، فلا تجب كالأصل (١). وضعفه ظاهر ، لأن الوجوب هنا بمعنى الشرط ، كالطهارة في النافلة ، وترتيب الأفعال فيها.

قوله : ( وتسقط في السفر نافلة الظهر والعصر ، والوتيرة على الأظهر ).

أما سقوط نافلة الظهرين فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء ، إلاّ المغرب » (٢).

وفي الصحيح ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء » (٣).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء ، إلاّ المغرب فإن بعدها أربع ركعات ، لا تدعهن في حضر ولا سفر » (٤).

وفي الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي يحيى الحناط ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر ، فقال : « يا‌

__________________

(١) كما في إيضاح الفوائد ١ : ١٠٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣ ـ ٣١ ، الإستبصار ١ : ٢٢٠ ـ ٧٧٨ ، الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٣ وفيها : إلا المغرب ثلاث.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ ـ ٣٤ ، المحاسن : ٣٧١ ـ ١٣٨ ، الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٩ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤ ـ ٣٦ ، الوسائل ٣ : ٦١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٧.

٢٦

______________________________________________________

بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة » (١).

وأما الوتيرة فذهب الأكثر إلى سقوطها أيضا ، ونقل فيه (٢) ابن إدريس الإجماع (٣) ، وقال الشيخ في النهاية : يجوز فعلها (٤). وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « إنما صارت العشاء مقصورة ، وليس تترك ركعتاها ، لأنها زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع » (٥) وقوّاه في الذكرى ، قال : لأنه خاص ومعلل ، وما تقدم خال منهما ، إلاّ أن ينعقد الإجماع على خلافه (٦). وهو جيّد لو صح السند ، لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس ، وعليّ بن محمد القتيبي ، ولم يثبت توثيقهما ، فالتمسك بعموم الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط أولى.

تفريع : قال في الذكرى : يستحب صلاة النوافل المقصورة في الأماكن الأربعة ، لأنه من باب إتمام الصلاة المنصوص عليه ، ونقله الشيخ نجيب الدين محمد بن نما عن شيخه محمد بن إدريس. ولا فرق بين أن يتم الفريضة أو لا ، ولا بين أن يصلّي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها أو يصليهما معا فيها (٧).

قلت : ما ذكره ـ رحمه الله تعالى ـ من استحباب النافلة في تلك الأماكن جيّد ، أما مع التمام فظاهر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٥ ـ ١٢٩٣ ، التهذيب ٢ : ١٦ ـ ٤٤ ، الإستبصار ١ : ٢٢١ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ٣ : ٦٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٤.

(٢) في « س » زيادة : عن.

(٣) السرائر : ٣٩.

(٤) النهاية : ٥٧.

(٥) الفقيه ١ : ٢٩٠ ـ ١٣٢٠ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٧٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٩ ح ٣.

(٦) الذكرى : ١١٣.

(٧) الذكرى : ٢٦٠.

٢٧

والنوافل كلّها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما ، إلا الوتر وصلاة الأعرابي.

وسنذكر تفصيل باقي الصلوات في مواضعها إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

وأما مع القصر فلأن الروايات المتضمنة لكون الصلاة في السفر ركعتين ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء مخصوصة بغير تلك الأماكن ، سواء قلنا بتعين الإتمام أو جوازه ، فتبقى الروايات المتضمنة لفعل النافلة قبل تلك الفرائض أو بعدها سالمة من المعارض.

أما تسويته بين صلاة الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها وصلاتهما معا فيها فمشكل خصوصا مع تأخر النافلة عن الفريضة ، لتعين قصر الفريضة مع وقوعها في غير تلك الأماكن المقتضي لسقوط النافلة.

قوله : ( والنوافل كلها ركعتان بتشهد وتسليم بعدهما ، إلاّ الوتر وصلاة الأعرابي ).

مقتضى العبارة عدم جواز الاقتصار على الركعة الواحدة في غير الوتر ، والزيادة على الاثنين في غير صلاة الأعرابي ، وبه قطع في المعتبر من غير استثناء لصلاة الأعرابي ، ونقله عن الشيخ في المبسوط والخلاف (١) ، وبه قطع ابن إدريس (٢) وسائر المتأخرين. وهو المعتمد ، لأن الصلاة وظيفة شرعية فيقف تقديرها على مورد الشرع ، ولم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام التطوع بأكثر من الركعتين ولا بما دونهما إلاّ في الوتر. ويؤيده رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي النافلة هل يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يفصل بينهن؟ قال : « لا ، إلا أن يسلم بين كل ركعتين » (٣).

واستثناء الوتر مجمع عليه بين الأصحاب ، وقد تقدم مستنده (٤) ، وأما‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨.

(٢) السرائر : ٣٩.

(٣) قرب الإسناد : ٩٠ ، الوسائل ٣ : ٤٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٢.

(٤) في ص ١٧.

٢٨

______________________________________________________

صلاة الأعرابي فإنها عشر ركعات ، كالصبح والظهرين كيفية وترتيبا ، ووقتها يوم الجمعة عند ارتفاع النهار ، ولم يثبت لها طريق في أخبارنا.

* * *

٢٩

الثانية : في المواقيت ، والنظر في مقاديرها ، وأحكامها.

أما الأول : فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر.

وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها ، وكذلك العصر من آخره ، وما بينهما من الوقت مشترك.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية : في المواقيت والنظر في مقاديرها وأحكامها. أما الأول فما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت للظهر والعصر. وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها وكذلك العصر من آخره. وما بينهما من الوقت مشترك ).

هذه المسألة من المهمات ، والأقوال فيها منتشرة ، والنصوص بحسب الظاهر مختلفة ، وتحقيق المقام فيها يتم برسم مسائل :

الأولى : أجمع علماء الإسلام كافة على أن كل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت معين مضبوط لا يسوغ للمكلف بها تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه.

وقد نصّ الثلاثة (١) وأتباعهم (٢) على أنّ لكل صلاة وقتين ، سواء في ذلك المغرب وغيرها ، والمستند في ذلك صحيحة معاوية بن عمار أو ابن وهب قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لكل‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والسيد المرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣ ، والشيخ في النهاية : ٥٨ ، والخلاف ١ : ٨٧ ، والمبسوط ١ : ٧٢ ، ٧٥.

(٢) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٦٩ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٧ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٦٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٤ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٤٠ ـ ١٢٥ ، الإستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٧١ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١١.

٣٠

______________________________________________________

صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما » (١).

وحكى ابن البراج عن بعض الأصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب الشمس (٢) ، وربما كان مستنده صحيحة زيد الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت المغرب ، فقال : « إن جبرائيل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها » (٣).

وصحيحة زرارة والفضيل قالا ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إن لكل صلاة وقتين غير المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها غيبوبة الشفق » (٤) وهو محمول على المبالغة في تأكد استحباب المبادرة بها ، لاختلاف الأخبار في آخر وقتها كما اختلف في أوقات سائر الفرائض.

قال الكليني ـ رضي الله تعالى عنه ـ بعد نقل هذه الرواية : وروي أيضا أن لها وقتين ، آخر وقتها سقوط الشفق ، وليس هذا مما يخالف الحديث الأول : إن لها وقتا واحدا ، لأن الشفق هو الحمرة ، وليس بين غيبوبة الشمس وغيبوبة الشفق إلاّ شي‌ء يسير ، وذلك أنّ علامة غيبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة ، وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين غيبوبتها إلاّ قدر ما يصلّي الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاّها على تؤدة (٥) وسكون ، وقد تفقدت ذلك غير مرّة ، ولذلك صار وقت المغرب ضيّقا (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٩ ـ ١٢٣ ، الإستبصار ١ : ٢٧٦ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٤.

(٢) المهذب ١ : ٦٩.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٠ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٦٠ ـ ١٠٣٦ ، الإستبصار ١ : ٢٧٠ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٣ : ١٣٦ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٠ ـ ٩ ، الوسائل ٣ : ١٣٧ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ٢.

(٥) تؤدة : وزان رطبة تقول : هو يمشي على تؤدة أي : تثبّت ـ المصباح المنير : ٧٨.

(٦) في « ح » زيادة : هذا كلامه ولا يخلو من نظر.

٣١

______________________________________________________

واختلف الأصحاب في الوقتين ، فذهب الأكثر ومنهم المرتضى (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن إدريس (٣) ، والمصنف (٤) ، وسائر المتأخرين إلى أنّ الأول للفضيلة والآخر للإجزاء.

وقال الشيخان : الأول للمختار ، والآخر للمعذور والمضطر (٥). والأصح الأول ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « وأول الوقتين أفضلهما » (٦) والمفاضلة تقتضي الرجحان مع التساوي في الجواز.

قال الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في المبسوط : والعذر أربعة : السفر ، والمطر ، والمرض ، وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه ، والضرورة خمسة : الكافر يسلم ، والصبي يبلغ ، والحائض تطهر ، والمجنون والمغمى عليه يفيقان (٧).

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ من عذر أو علة » (٨) والعذر أعم من ذلك كلّه ، وقوله عليه‌السلام : « وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ من عذر » سلب للجواز الذي لا كراهة فيه ، توفيقا بين صدر الرواية وآخرها ، ويدل عليه تجويز التأخير لمجرد العذر ، ولو امتنع التأخير اختيارا لتقيد بالضرورة.

الثانية : أول وقت الظهر زوال الشمس ـ وهو عبارة عن ميلها عن وسط‌

__________________

(١) المسائل الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٦٦.

(٣) السرائر : ٤٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٦.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والشيخ في النهاية : ٥٨ ، والخلاف ١ : ٨٧ ، والمبسوط ١ : ٧٢.

(٦) المتقدمة في ص ٣٠.

(٧) المبسوط ١ : ٧٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٣٩ ـ ١٢٤ ، الإستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٣ وفي الجميع : إلا من عذر في غير علة.

٣٢

______________________________________________________

السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ـ بإجماع العلماء ، قاله في المعتبر (١). وقال في المنتهى : أول وقت الظهر زوال الشمس بلا خلاف بين أهل العلم (٢). والأصل في ذلك قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) والدلوك هو الزوال على ما نصّ عليه جماعة من أهل اللغة (٤) ، ودلت عليه صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عما فرض الله من الصلاة ، فقال : « خمس صلوات في الليل والنهار » فقلت : فهل سمّاهن الله وبيّنهنّ في كتابه؟ فقال : « نعم ، قال الله عزّ وجلّ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) ودلوكها : زوالها ، ففيما بين زوال الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهنّ وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل : انتصافه » (٥) والحديث طويل ، وفيه : إن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، وإنها أول صلاة صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان : الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء الآخرة » (٦) والأخبار الواردة في ذلك أكثر من أن تحصى.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر ، فقال : « بعد الزوال‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٧.

(٢) المنتهى ١ : ١٩٨.

(٣) الإسراء : ٧٨.

(٤) منهم ابن الأثير في النهاية ٢ : ١٣٠ ، والجوهري في الصحاح ٤ : ١٥٨٤ ، وابن منظور في لسان العرب ١٠ : ٤٢٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧١ ـ ١ ، الفقيه ١ : ١٢٤ ـ ٦٠٠ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ ـ ٩٥٤ ، علل الشرائع : ٣٥٤ ـ ١ ، معاني الأخبار : ٣٣٢ ـ ٥ ، الوسائل ٣ : ٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١.

٣٣

______________________________________________________

بقدم أو نحو ذلك ، إلاّ في يوم الجمعة ، أو في السفر ، فإن وقتها حين تزول » (١).

وعن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : « بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك ، إلاّ في السفر ، أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت » (٢) لأنهما محمولتان على من يصلّي النافلة ، فإن التنفل جائز حتى يمضي الفي‌ء ذراعا ، فإذا بلغ ذلك بدأ بالفريضة وترك النافلة ، لكن لو فرغ من النافلة قبل الذراع بادر إلى الفريضة.

يبين ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر » ثم قال : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفل ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعا فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٣).

وما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور به حازم قالوا : كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذارع ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ألا أنبئكم بأبين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أن بين يديها سبحة (٤) ، وذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت » (٥).

وما رواه الشيخ الصحيح ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١ ـ ٥٩ ، الإستبصار ١ : ٢٤٧ ـ ٨٨٥ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٤ ـ ٩٧٠ ، الإستبصار ١ : ٢٤٧ ـ ٨٨٤ ، الوسائل ٣ : ١٠٦ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب ب ٨ ح ٣ ، ٤. بتفاوت يسير.

(٤) السبحة : التطوع من الذكر والصلاة ، تقول : قضيت سبحتي ـ الصحاح ١ : ٣٧٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١.

٣٤

______________________________________________________

الحسن عليه‌السلام أنه كتب إلى بعض أصحابه : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ، وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ الظهر ، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ العصر » (١).

وفي معنى هذه الروايات أخبار كثيرة (٢) ويستفاد منها أنه لا يستحب تأخير الظهر عن الزوال إلاّ بمقدار ما يصلّي النافلة خاصة.

وقال ابن الجنيد : يستحب للحاضر أن يقدّم بعد الزوال شيئا من التطوع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم يأتي بالظهر (٣) وما ذهب إليه ابن الجنيد هو قول مالك من العامة (٤) ، وبهذا الاعتبار يمكن حمل أخبار الذراع على التقية ، وكيف كان فلا ريب أنّ المبادرة إلى إيقاع الفريضة بعد النافلة وإن كان قبل مضي القدمين أولى ، لكثرة الأخبار الدالة عليه (٥) ، وعموم ما دل على أفضلية أول الوقت (٦).

الثالثة : المعروف من مذهب الأصحاب اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره كذلك. ونقل عن ظاهر عبارة ابن بابويه اشتراك الوقت من الزوال بين الفرضين (٧) ، ونقله المرتضى في جواب المسائل الناصرية عن الأصحاب حيث قال : يختص أصحابنا بأنهم يقولون : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلاّ أن الظهر قبل العصر ، قال : وتحقيق هذا الموضع أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر بمقدار ما‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٩ ـ ٩٩٠ ، الإستبصار ١ : ٢٥٤ ـ ٩١٣ ، الوسائل ٣ : ٩٨ أبواب المواقيت ب ٥ ح ١٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٧١.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٥٥.

(٥) الوسائل ٣ : ٩١ أبواب المواقيت ب ٤ وص ٩٦ ب ٥.

(٦) الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب المواقيت ب ٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٣٩.

٣٥

______________________________________________________

يؤدى أربع ركعات ، فإذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان ، ومعنى ذلك : أنه يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله ، والظهر مقدمة ، ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر وخلص للعصر (١). قال في المختلف : وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف (٢).

وكيف كان : فالأصح اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره بذلك.

لنا : على الحكم الأول : أنه لا معنى لوقت الفريضة إلاّ ما جاز إيقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ، ولا ريب أنّ إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع ، وكذا مع النسيان على الأظهر ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدل على الصحة مع المخالفة ، وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك وقتا لها. ويؤيده رواية داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس » (٣).

وأما اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها فيدل عليه مضافا إلى هذه الرواية رواية الحلبي : فيمن نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس ، قال : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثم ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فيكون قد‌

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

(٢) المختلف : ٦٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧٠ ، الإستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٦ ، الوسائل ٣ : ٩٢ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٧.

٣٦

______________________________________________________

فاتتاه جميعا » (١)

وصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام فيمن نام أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة واستيقظ قبل الفجر ، قال : « وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء » (٢) ومتى ثبت ذلك في العشاءين ثبت في الظهرين ، إذ لا قائل بالفصل.

وقد ورد في عدة أخبار اشتراك الوقت من أوله بين الفرضين ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (٣) وصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « منها صلاتان ، أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه » (٤).

وأوّلها المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ في المعتبر بأن المراد بالاشتراك ما بعد الاختصاص ، لتضمن الخبر : « إلاّ أن هذه قبل هذه » ولأنه لما لم يتحصل للظهر وقت مقدر ، لأنها قد تصلّى بتسبيحتين ، وقد يدخل عليه في آخرها ظانا فيصلي العصر بعدها عبّر بما في الرواية ، قال : وهو من ألخص العبارات وأحسنها (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٤ ، الإستبصار ١ : ٢٨٧ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ٣ : ٩٤ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ ـ ١٠٥٣ وفيه : عن ابن مسكان ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٤ ، الوسائل ٣ : ٩١ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ٣ : ١١٥ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٣٥.

٣٧

______________________________________________________

الرابعة : اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر ، فقال السيد المرتضى علم الهدى ـ رضي الله تعالى عنه ـ : يمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله ، ووقت الإجزاء إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ركعات فيخلص الوقت للعصر (١). وهو اختيار ابن الجنيد (٢) ، وسلاّر (٣) ، وابن زهرة (٤) ، وابن إدريس (٥) ، وسائر المتأخرين.

وقال الشيخ في المبسوط بانتهاء وقت الاختيار بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله ، وبقاء وقت الاضطرار إلى أن يبقى للغروب مقدار أربع ركعات (٦) ، ونحوه قال في الجمل والخلاف (٧) ، وقال في النهاية : آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس على أربع أقدام ـ وهي أربعة أسباع الشخص ـ ثم قال : هذا إذا لم يكن له عذر ، فإن كان له عذر فهو في فسحة من هذا الوقت إلى آخر النهار (٨). ونحوه قال في موضع من التهذيب (٩) ، واختاره المرتضى في المصباح (١٠).

وقال المفيد في المقنعة : وقت الظهر من بعد الزوال إلى أن يرجع الفي‌ء سبعي الشخص (١١). وفي نسخة أخرى : في الانتهاء ، ومعنى هذا أن يزيد الفي‌ء على ما انتهى إليه من النقصان بسبعي الشخص الذي اعتبر به عند الزوال.

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٣.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٦٧.

(٣) المراسم : ٦٢.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٥) السرائر : ٣٩.

(٦) المبسوط ١ : ٧٢.

(٧) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٤ ، الخلاف ١ : ٨٢.

(٨) النهاية : ٥٨.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٩.

(١٠) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٣٠.

(١١) المقنعة : ١٣.

٣٨

______________________________________________________

والمعتمد الأول ، أما امتداد وقت الإجزاء إلى الغروب فيدل عليه ظاهر‌ قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) فإن الدلوك هو الزوال على ما بيناه (٢) ، واللام للتوقيت مثل : لثلاث خلون ، والمعنى ـ والله أعلم ـ : أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس ممتدا ذلك إلى غسق الليل ، فتكون أوقاتها موسعة.

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ففيما بين زوال الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهنّ وبيّنهنّ ووقّتهنّ » (٣) ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر خاصة إلى الغروب ، ليتحقق كون الوقت المذكور ظرفا للصلوات الأربع ، بمعنى أن يكون كل جزء من أجزائه ظرفا لشي‌ء منها. قال في المنتهى : وكل من قال بأن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس فهو قائل بامتداد الظهر إلى ما قبل ذلك (٤).

وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الضحاك بن زيد ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) قال : « إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه » (٥) وليس في طريق هذه الرواية من قد يتوقف في شأنه إلاّ الضحاك بن زيد ، فإنه غير مذكور في كتب الرجال بهذا العنوان ، لكن الظاهر أنه أبو مالك‌

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) في ص ٣٣.

(٣) المتقدم في ص ٣٣.

(٤) المنتهى ١ : ١٩٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٨ ولكن فيه الضحاك بن يزيد ، الوسائل ٣ : ١١٥ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

٣٩

______________________________________________________

الثقة كما يستفاد من النجاشي (١) فيكون السند صحيحا ، ومتنها صريح في المطلوب.

ويشهد لهذا القول أيضا روايتا داود بن فرقد والحلبي المتقدمتان (٢) ، ورواية زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أحب الوقت إلى الله عزّ وجلّ أوله ، حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة ، وإن لم تفعل فإنك في وقت منهما (٣) حتى تغيب الشمس » (٤).

ورواية عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلاّ أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس » (٥).

وموثقة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت في آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء » (٦).

ويشهد له أيضا صحيحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إن من الأمور أمورا مضيّقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، والصلاة مما فيه السعة ، فربما عجّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما أخّر ، إلاّ صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق ، إنما لها وقت واحد حين‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٠٥ ـ ٥٤٦.

(٢) في ص ٣٦.

(٣) في « م » ، « ح » : منها.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٥ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ١٣٩ ـ ٦٤٧ ، التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٦٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ٣ : ٩٥ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠٤ ، الإستبصار ١ : ١٤٣ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٦٠٠ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ١٠.

٤٠