مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وترتيل القراءة ، والوقف على مواضعه ،

______________________________________________________

أولويته ورجحانه كما لا يخفى.

احتج الموجبون بأنهم عليهم‌السلام كانوا يداومون على الجهر بالبسملة على ما دلت عليه الأخبار ، ولو كان مسنونا لأخلّوا به في بعض الأحيان.

والجواب المنع من ذلك ، فإنهم عليهم‌السلام يحافظون على المسنون كما يحافظون على الواجبات.

قوله : ( وترتيل القراءة ).

أجمع العلماء كافة على استحباب ترتيل القراءة في الصلاة وغيرها ، قال الله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (١) وقال الصادق عليه‌السلام : « ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل قراءته » (٢).

والترتيل لغة : الترسّل ، والتبيين ، وحسن التأليف (٣). وفسره في الذكرى بأنه حفظ الوقوف وأداء الحروف (٤). وعرفه في المعتبر بأنه تبيين الحروف من غير مبالغة. قال : وربما كان واجبا إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها بحيث لا يدمج بعضها في بعض (٥). وهو حسن.

قوله : ( والوقوف على مواضعه ).

أي المواضع المقررة عند القراء ، فيقف على التام ثم الحسن ثم الجائز ، تحصيلا لفائدة الاستماع ، إذ به يسهل الفهم ويحسن النظم.

ولا يتعين الوقف في موضع ولا يقبح ، بل متى شاء وقف ومتى شاء وصل مع المحافظة على النظم. وما ذكره القرّاء واجبا أو قبيحا لا يعنون به معناه الشرعي كما صرح به محققوهم.

__________________

(١) المزمل : ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٤ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٢ : ٧٥٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٨ ح ١.

(٣) الصحاح ٤ : ١٧٠٤ ، القاموس ٣ : ٣٩٢.

(٤) الذكرى : ١٩٢.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨١.

٣٦١

وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل ، وأن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسور القصار كالقدر والجحد ، وفي العشاء بالأعلى والطارق وما شاكلهما ، وفي الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما.

______________________________________________________

وروى علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : في الرجل يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد ، قال : « إن شاء قرأ في نفس واحد وإن شاء غيره » (١).

قوله : ( وقراءة سورة بعد الحمد في النوافل ).

استحباب قراءة السورة بعد الحمد في النوافل مجمع عليه بين العلماء ، قاله في المعتبر (٢).

وتجوز الزيادة فيها على السورة الواحدة ، لقوله عليه‌السلام في رواية ابن أبي يعفور : « لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت » (٣) وروى الحسين بن سعيد ، عن محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا ، هل يجوز أن يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال : « ما كان في صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث ، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (٤).

قوله : ( وأن يقرأ في الظهرين والمغرب بالسور القصار كالقدر والجحد ، وفي العشاء بالأعلى والطارق ، وما شاكلهما ، وفي الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما ).

المشهور بين الأصحاب أنه يستحب القراءة في الصلاة بسور المفصل (٥) ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٦ ـ ١١٩٣ ، قرب الإسناد : ٩٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٦ ح ١ ، البحار ١٠ : ٢٧٦.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٣ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٣ ـ ٢٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٤.

(٥) قيل : سمي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور ، وقيل : لقصر سوره ـ مجمع البحرين ٥ : ٤٤١.

٣٦٢

______________________________________________________

وهي من سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر القرآن ، فيقرأ مطولاته في الصبح وهي من سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عمّ ، ومتوسطاته في العشاء وهي من سورة عمّ إلى الضحى ، وقصارة في الظهرين والمغرب وهي من الضحى إلى آخر القرآن ، وليس في أخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديده ، وإنما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب (١).

والذي ينبغي العمل عليه ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين » فقلت له : فأي السور تقرأ في الصلوات؟ قال : « أما الظهر والعشاء والآخرة تقرأ فيهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأما الغداة فأطول ، فأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، ونحوهما ، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله ، وألهاكم التكاثر ، ونحوهما ، وأما الغداة فعمّ يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم بيوم القيامة وهل أتى على الإنسان حين من الدهر » (٢).

وقال ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه : وأفضل ما يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى : الحمد وإنا أنزلناه ، وفي الثانية : الحمد وقل هو الله أحد إلاّ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة (٣) إلى آخره. ثم قال : وإنما يستحب قراءة القدر في الأولى ، والتوحيد في الثانية ، لأن القدر سورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام فيجعلهم المصلّي وسيلة إلى الله لأنه بهم وصل إلى معرفته ، وأما التوحيد فالدعاء على أثرها مستجاب وهو القنوت (٤). هذا كلامه رحمه‌الله.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٥ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٧.

٣٦٣

وفي غداة الاثنين والخميس بهل أتى ، وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة بالجمعة والأعلى ،

______________________________________________________

ويشهد له أيضا ما رواه الكليني ، عن أبي عليّ بن راشد قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلّمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وإن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال عليه‌السلام : « لا يضيق صدرك بهما ، فإن الفضل والله فيهما » (١).

قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر بعد أن أورد شيئا من ذلك : ولا خلاف أن العدول عن ذلك إلى غيره جائز ، وعليه فتوى العلماء وعمل الناس كافة (٢).

قوله : ( وفي غداة الخميس والاثنين بهل أتى ).

ذكره الشيخ (٣) ، وأتباعه وزاد الصدوق في من لا يحضره الفقيه قراءة الغاشية في الركعة الثانية وقال : من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس وقاه الله شر اليومين (٤).

قوله : ( وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة بالجمعة والأعلى ).

هذا قول الشيخ في النهاية والمبسوط (٥) ، والمرتضى (٦) ، وابن بابويه (٧) ، وأكثر الأصحاب. ومستنده رواية أبي بصير قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٩ ، الوسائل ٤ : ٧٦٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٢.

(٣) النهاية : ٧٨ ، المبسوط ١ : ١٠٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٠ ـ ٩٢٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٠ ح ١.

(٥) النهاية : ٧٨ ، والمبسوط ١ : ١٠٨.

(٦) الانتصار : ٥٤.

(٧) الفقيه ١ : ٢٠١.

٣٦٤

وفي صبحها بها وبقل هو الله أحد ،

______________________________________________________

الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (١) وقد روى ذلك أيضا عبد الله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « تقرأ في ليلة الجمعة : الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الغداة : الجمعة وقل هو الله أحد » (٢).

وقال الشيخ في المصباح والاقتصاد : يقرأ في ثانية المغرب قل هو الله أحد (٣) ، لما رواه أبو الصباح الكناني قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد ، وإذا كان العشاء الآخرة فاقرأ الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، فإذا كان صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (٤).

وقال ابن أبي عقيل : يقرأ في ثانية العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة المنافقين (٥) ، لما رواه حريز وربعي رفعاه إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إن كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وفي صلاة الصبح مثل ذلك ، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك ، وفي صلاة العصر مثل ذلك » (٦) وهذا المقام مقام استحباب فلا مشاحة في اختلاف الروايات فيه.

قوله : ( وفي صبحها بها وبقل هو الله أحد ).

هذا قول الشيخين (٧) ، وأتباعهما (٨). وقال ابن بابويه في من لا يحضره‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٦ ـ ١٤ ، الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ٢.

(٢) قرب الإسناد : ١٥٨.

(٣) مصباح المتهجد : ٢٣٠ ، والاقتصاد : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٥ ـ ١٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ٤.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٩٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٧ ـ ١٨ ، الإستبصار ١ : ٤١٤ ـ ١٥٨٥ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ٣.

(٧) المفيد في المقنعة : ٢٦ ، والشيخ في النهاية : ٧٨.

(٨) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥٢.

٣٦٥

وفي الظهرين بها وبالمنافقين ـ ومنهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين وليس بمعتمد ـ ،

______________________________________________________

الفقيه (١) ، والمرتضى في الانتصار (٢) : يقرأ المنافقين في الثانية. وربما كان مستندهما مرفوعة حريز وربعي المتقدمة ، والأصح الأول ، لصحة مستنده.

قوله : ( وفي الظهرين بها وبالمنافقين. ومنهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين ، وليس بمعتمد ).

القائل بذلك ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في كتابه الكبير [٣] على ما نقله في المعتبر (٤) ، وهذه عبارته : واقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة : سورة الجمعة وسبّح ، وفي صلاة الغداة والظهر والعصر : سورة الجمعة والمنافقين ، فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة ، فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها ركعتين نافلة وسلّم فيهما وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين ، ولا بأس أن تصلّي العشاء والغداة والعصر بغير سورة الجمعة والمنافقين إلاّ أن الفضل في أن تصلّيها بالجمعة والمنافقين. هذا كلامه رحمه‌الله.

وهو صريح في اختصاص الوجوب بالظهر ، وكأن المصنف ـ رحمه‌الله ـ راعى أول الكلام وغفل عن آخره.

وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ : إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الأولى بالجمعة ، وفي الثانية بالمنافقين ، يجهر بهما ، ولا يجزيه غيرهما (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٢) الانتصار : ٥٤.

(٣) الظاهر أن المراد به كتاب « مدينة العلم » وهو خامس الأصول الأربعة القديمة للشيعة الإمامية وهو أكبر من كتاب « من لا يحضره الفقيه » كما صرح به الشيخ في الفهرست إلاّ أنه مفقود من زمان والد الشيخ البهائي إلى زماننا هذا ـ الذريعة ٢٠ : ٢٥١.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٣.

(٥) جمل العلم والعمل : ٧٢.

٣٦٦

______________________________________________________

والمعتمد استحباب قراءتهما في الجمعة خاصة ، لما رواه الشيخ ( في الصحيح ) (١) عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ في الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين » (٢) والأمر المستفاد من الجملة الخبرية هنا محمول على الاستحباب كما يدل عليه صحيحة عليّ بن يقطين : قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا ، قال : « لا بأس بذلك » (٣) وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في صلاة الجمعة : « لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا » (٤).

وأما الاستحباب في صلاة الظهر فلم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه ، نعم روى عمر بن يزيد في الحسن قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من صلّى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر » (٥) والثابت في السفر إنما هو الظهر لا الجمعة.

قال الشيخ في التهذيب : المراد بهذا الخبر الترغيب ، واستدل على ذلك برواية عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟ قال : « اقرأ فيهما بقل هو الله أحد » (٦) وهو حسن.

__________________

(١) ليست في « م ».

(٢) التهذيب ٣ : ٦ ـ ١٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٣ ـ ١٥٨١ ، الوسائل ٤ : ٧٨٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٧ ـ ١٩ ، الإستبصار ١ : ٤١٤ ـ ١٥٨٦ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٨ ـ ١٢٢٥ ، التهذيب ٣ : ٢٤٢ ـ ٦٥٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٥ ـ ١٥٩١ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧١ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٢٦ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٧ ـ ٢١ ، الوسائل ٤ : ٨١٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٢ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٨ ـ ١٢٢٤ ، التهذيب ٣ : ٨ ـ ٢٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٥ ـ ١٥٩٠ ، الوسائل ٤ : ٨١٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧١ ح ٢.

٣٦٧

وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسرّ بها ، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ، ومع ضيق الوقت يخفف ، وأن يقرأ قل يا أيها الكافرون في المواضع السبعة ، ولو بدأ فيها بسورة التوحيد جاز ،

______________________________________________________

وأما استحباب قراءتهما في العصر فيدل عليه مرفوعة حريز وربعي المتقدمة (١) ، وهي ضعيفة بالإرسال إلاّ أن هذا المقام يكفي فيه مثل ذلك.

قوله : ( وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها ، وفي الليل بالطوال ويجهر بها ).

أما استحباب الإجهار في نوافل الليل والإخفات في نوافل النهار فقال في المعتبر : إنه قول علمائنا أجمع (٢) ويدل عليه ما رواه الحسن بن عليّ بن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « السنّة في صلاة النهار الإخفات ، والسنّة في صلاة الليل الإجهار » (٣).

قال المصنف : والرواية وإن كانت ضعيفة السند مرسلة لكن عمل الأصحاب على ذلك.

وأما استحباب قراءة السور القصار في نوافل النهار ، والطوال في نوافل الليل فلم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه ، وربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى صحيحة محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا هل يجوز أن يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال : « ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث ، وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (٤).

قوله : ( وأن يقرأ قل يا أيها الكافرون في المواضع السبعة ، ولو بدأ بسورة التوحيد جاز ).

__________________

(١) في ص ٣٦٥.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ـ ١١٦١ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ٤ : ٧٥٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٣ ـ ٢٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٨ ح ٤.

٣٦٨

ويقرأ في أوّلتي صلاة الليل : قل هو الله أحد ثلاثين مرة

______________________________________________________

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي‌ عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين في أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف » (١).

قال الشيخ في التهذيب : وفي رواية أخرى : إنه يقرأ في هذا كله بقل هو الله أحد ، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون إلاّ في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الثانية قل هو الله أحد (٢).

هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولا ريب أن العمل بالرواية المفصلة أولى.

قوله : ( ويقرأ في أولتي صلاة الليل قل هو الله أحد ثلاثين مرة ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ وابن بابويه : أن من قرأ في الركعتين الأوّلتين من صلاة الليل في كل ركعة منها الحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله عزّ وجلّ ذنب إلاّ غفر له (٣).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : وقد تقدم استحباب أن يقرأ فيها بالجحد ، لأنها أحد السبعة ، وطريق الجمع إمّا بأن يكون قراءة كل واحدة من السورتين سنّة فيتخير المصلّي ، أو بالجمع بينهما لجواز القران في النافلة ، أو بحمل صلاة الليل على الركعتين المتقدمتين على الثمان كما ورد في بعض الأخبار. وعلى ما روي من أن الجحد في الثانية لا إشكال ، فإن قراءة التوحيد في الأولى ثلاثين مرة محصل لقراءة التوحيد فيها في الجملة (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٤ : ٧٥١ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣٠٧ ـ ١٤٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٢٤ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٤ : ٧٩٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٤ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ٣٠.

٣٦٩

وفي البواقي بطوال السّور ، ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلوّ ، وكذا الشهادتين استحبابا ، وإذا مرّ المصلي بآية رحمة سألها ، أو آية نقمة استعاذ منها.

______________________________________________________

قلت : الأولى في الجمع ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ أولا ، لأن الجمع بين السورتين خروج عن المنصوص ، وحمل صلاة الليل على الركعتين المتقدمتين عليها خلاف الظاهر ، وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ آخرا من انتفاء الإشكال إن جعلت قراءة الجحد في الثانية غير جيد ، لأن المروي قراءة التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين كما تقدم ، فالإشكال بحاله.

قوله : ( ويسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو ، وكذا الشهادتين استحبابا ).

هذا الحكم موضع وفاق بين العلماء. والمستند فيه ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول » (١) ويؤيده أن المأموم لا قراءة عليه وإنما وظيفته الاستماع فاستحب للإمام إسماعه تحصيلا للغرض المطلوب منه.

وإنما قيد استحباب الجهر بعدم العلو ، لظاهر قوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٢) ولما رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال : « ليقرأ قراءة وسطا يقول الله تبارك وتعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٣) ولا يخفى أن المتصف بالاستحباب في الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد على ما يتحقق به أصل الجهر.

قوله : ( وإذا مرّ بآية رحمة سألها ، أو بآية نقمة استعاذ منها ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ـ ٢٧ ، الوسائل ٤ : ٧٧٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٣ ح ٣.

٣٧٠

مسائل سبع :

الأولى : لا يجوز قول آمين آخر الحمد ، وقيل : هو مكروه.

______________________________________________________

المستند في ذلك عموم الإذن في الدعاء في أثناء الصلاة ، وخصوص قوله‌ عليه‌السلام في موثقة سماعة : « ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو ويسأله العافية من النار ومن العذاب » (١) وفي مرسلة البرقي : « ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل في قراءته ، وإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار » (٢).

قال المصنف في المعتبر : ولو أطال الدعاء في خلال القراءة كره وربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتادة (٣). وهو حسن. وكما يستحب للقارئ سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة إذا مرّ بآيتيهما كذا يستحب للمأموم ، لما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون مع الإمام فيمرّ بالمسألة أو بآية فيها ذكر جنة أو نار ، قال : « لا بأس بأن يسأل عند ذلك ، ويتعوّذ من النار ، ويسأل الله الجنة » (٤).

قوله : ( مسائل سبع ، الأولى : لا يجوز قول آمين في آخر الحمد ، وقيل : هو مكروه ).

اختلف الأصحاب في قول : آمين ، في أثناء الصلاة ، فقال الشيخ في الخلاف : قول آمين يقطع الصلاة سواء كان ذلك سرّا أو جهرا ، آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلى كل حال (٥). ونحوه قال المفيد (٦) ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠١ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٧ ، الوسائل ٤ : ٨٢٨ أبواب قراءة القرآن ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٤ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٤ : ٧٥٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٨ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٣ ، الوسائل ٤ : ٧٥٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٨ ح ٣.

(٥) الخلاف ١ : ١١٣.

(٦) المقنعة : ١٦.

٣٧١

______________________________________________________

والمرتضى (١) ، وادّعوا على ذلك الإجماع. وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز أن يقال بعد فاتحة الكتاب : آمين ، لأن ذلك كان يقوله النصارى (٢).

ونقل عن ابن الجنيد أنه جوّز التأمين عقيب الحمد وغيرها (٣) ، ومال إليه المصنف في المعتبر (٤) ، وشيخنا المعاصر (٥).

احتج الشيخ في الخلاف على التحريم والإبطال بإجماع الفرقة (٦) ، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يبطل الصلاة. وبقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين » (٧) وقول آمين من كلامهم ، لأنها ليست بقرآن ولا دعاء وإنما هي اسم للدعاء ، والاسم غير المسمى. وبما رواه في الحسن ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله رب العالمين ، ولا تقل : آمين » (٨) وعن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : « لا » (٩).

وفي كل من هذه الأدلة نظر :

__________________

(١) الانتصار : ٤٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٥.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١١٢.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٥) مجمع الفائدة ٢ : ٢٣٤.

(٦) الخلاف ١ : ١٩٦.

(٧) عوالي اللآلي ١ : ١٩٦ ـ ٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ بتفاوت يسير.

(٨) الكافي ٣ : ٣١٣ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٥ ، الإستبصار ١ : ٣١٨ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ١.

(٩) التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٨ ـ ١١٨٦ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٣.

٣٧٢

______________________________________________________

أما الإجماع فقد تقدم الكلام فيه مرارا.

وأما أن آمين من كلام الآدميين لأنها اسم للدعاء وليست دعاء فلتوجه المنع إلى ذلك ، بل الظاهر أنها دعاء كقولك : اللهم استجب ، وقد صرح بذلك المحقق نجم الأئمة الرّضي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال : وليس ما قال بعضهم إن صه مثلا اسم للفظ اسكت الذي هو دال على معنى الفعل ، فهو (١) علم للفظ الفعل لا لمعناه بشي‌ء ، لأن العربي القحّ ربما يقول : صه ، مع أنه ربما لا يخطر في باله لفظ اسكت وربما لم يسمعه أصلا ، ولو قلت : إنه اسم لا صمت ، أو امتنع ، أو كف عن الكلام ، أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى لصح ، فعلمنا منه أن المقصود المعنى لا اللفظ (٢). انتهى.

وأما الروايتان فمع سلامة سندهما إنما تضمنتا النهي عن هذا اللفظ فيكون محرّما ، ولا يلزم من ذلك كون مبطلا للصلاة ، لأن النهي إنما يفسد العبادة إذا توجه إليها أو إلى جزء منها أو شرط لها ، وهو هنا إنما توجه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها.

ونقل عن السيد ابن زهرة أنه احتج على الإبطال بأن قول آمين عمل كثير خارج عن الصلاة ، وبأنه إنما يكون على أثر دعاء تقدّمه ، والقاري لا يجب عليه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنى لها حينئذ ، وإذا انتفى جوازها عند عدم القصد انتفى عند قصد القراءة والدعاء ، لأن أحدا لم يفرق بينهما (٣).

ويتوجه على الأول : منع كون التأمين فعلا كثيرا ، فإنه دعوى مجردة عن الدليل.

وعلى الثاني : أن الدعاء بالاستجابة لا يقتضي أن يكون متعلقا بما قبله ،

__________________

(١) في « ح » بل هو. ومدلولهما واحد.

(٢) شرح الكافية : ١٧٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

٣٧٣

______________________________________________________

ولو تعلّق به لجاز ، سواء قصد به الدعاء أم لا ، لأن عدم القصد بالدعاء لا يخرجه عن كونه دعاء.

قال المصنف في المعتبر : ويمكن أن يقال بالكراهة (١). ويحتج بما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (٢).

ويتوجه عليه أن هذه الرواية لا تعطي ما ذكره من الكراهة ، بل هي دالة على نقيضه ، فإن أقل مراتب الاستحسان : الاستحباب ، مع أن راويها وهو جميل روى النهي أيضا. والأولى حمل هذه الرواية على التقية ، لموافقتها لمذهب العامة ، وتشهد له صحيحة معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول : آمين إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال : « هم اليهود والنصارى » (٣) فإن عدوله عليه‌السلام عن الجواب إلى تفسير الآية قرينة على ذلك.

وقد ظهر من ذلك كله : أن الأجود التحريم دون الإبطال وإن كان القول بالكراهة محتملا ، لقصور الروايتين عن إثبات التحريم من حيث السند ، وكثرة استعمال النهي في الكراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب.

واعلم : أن المصنف في المعتبر (٤) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٥) استدلا على أن التأمين مبطل للصلاة بأن معناها : اللهم استجب ، ولو نطق بذلك‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٥ ـ ٢٧٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٨ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ٤ : ٧٥٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٥ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ١ : ٣١٩ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ٤ : ٧٥٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ح ٢.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٥.

(٥) نهاية الأحكام ١ : ٤٦٦ ، والتذكرة ١ : ١١٨.

٣٧٤

الثانية : الموالاة في القراءة شرط في صحتها ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة.

______________________________________________________

أبطل صلاته فكذا ما قام مقامه. وهو ضعيف جدا فإن الدعاء في الصلاة جائز بإجماع العلماء ، وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به فلا وجه للمنع منه.

قوله : ( الثانية ، الموالاة في القراءة شرط في صحتها ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة ).

أما اشتراط الموالاة في القراءة فللتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه كان يوالي في قراءته وقال : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (١).

وأما فواتها بقراءة شي‌ء في خلال السورة من غيرها فلا يتم على إطلاقه ، إذ القدر اليسير من ذلك لا تفوت به الموالاة قطعا. والأصح الرجوع في ذلك إلى العرف فمتى حصل الإخلال بالموالاة استأنف القراءة ، عمدا كان أو نسيانا.

وقطع الشهيد في الذكرى ببطلان الصلاة مع العمد ، لتحقق المخالفة المنهي عنها (٢). ويتوجه عليه منع كون ذلك مقتضيا للبطلان.

وقال الشيخ في المبسوط : يستأنف القراءة مع العمد ، ويبني مع النسيان (٣). وهو مشكل أيضا ، لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسيان فلا يتحقق الامتثال.

وقد نص الشيخ (٤) ـ رحمه‌الله ـ وغيره (٥) على أنه لا يقدح في الموالاة الدعاء بالمباح ، وسؤال الرحمة ، والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما ، وردّ‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٢) الذكرى : ١٨٨.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٦.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٩.

(٥) كالشهيد الأول في اللمعة الدمشقية : ٣٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٠.

٣٧٥

وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت ، وفي قول يعيد الصلاة. أما لو سكت في خلال القراءة لا بنيّة القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضي في صلاته.

السلام ، والحمد عند العطسة ، وتسميت العاطس ، ونحو ذلك. ولا ريب فيه ، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم فوات الموالاة بمجرد قراءة شي‌ء في خلال السورة من غيرها.

قوله : ( وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت ، وفي قول يعيد الصلاة ).

أي : وكذا يستأنف القراءة لو نوى قطعها وسكت. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في نية القطع بين أن ينوي قطعها أبدا أو بنية العود ، وفي السكوت بين الطويل والقصير ، وهو مشكل على إطلاقه.

والقول بإعادة الصلاة بذلك للشيخ في المبسوط (١) ، مع أنه ذهب فيه إلى عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي (٢) ، واعتذر عنه في الذكرى بأن المبطل هنا نية القطع مع القطع ، فهو في الحقيقة نية المنافي مع فعله (٣). وهو غير جيد ، لأن السكوت بمجرده ( غير مبطل للصلاة إذا لم يخرج به عن كونه مصلّيا.

والأصح أن قطع القراءة بالسكوت ) (٤) غير مبطل لها ، سواء حصل معه نية القطع أم لا ، إلاّ أن يخرج بالسكوت عن كونه قارئا فتبطل القراءة ، أو مصلّيا فتبطل الصلاة. ولو نوى القطع لا بنية العود فهو في معنى نية قطع الصلاة وقد تقدم الكلام فيه (٥).

قوله : ( أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضي في صلاته ).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٢.

(٣) الذكرى : ١٨٨.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٥) في ص ٢١٤.

٣٧٦

الثالثة : روى أصحابنا أن الضحى وأ لم نشرح سورة واحدة. وكذا الفيل والإيلاف. فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كل ركعة ، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر.

______________________________________________________

إنما يمضي في صلاته مع السكوت إذا لم يخرج به عن كونه قارئا أو مصلّيا‌ وإلاّ بطلت القراءة أو الصلاة. والمراد بنية القطع : الأعم من قطع القراءة أبدا أو بنية العود ، لأن الصلاة لا تبطل عنده بنية القطع كما تقدم.

قوله : ( الثالثة ، روى أصحابنا أن « الضحى » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وكذا « الفيل » و « الإيلاف » فلا يجوز إفراد إحداهما من صاحبتها في كل ركعة ، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر ).

ما ذكره المصنف من رواية الأصحاب أن : « الضحى » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وكذا « الفيل » و « لإيلاف » لم أقف عليه في شي‌ء من الأصول ، ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال ، والذي وقفت عليه في ذلك روايتان : روى إحداهما زيد الشحام في الصحيح ، قال : صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة (١). والأخرى رواها المفضل ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وأ لم نشرح ، وسورة الفيل ولإيلاف » (٢).

ولا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتحاد ، بل ولا على وجوب قراءتهما في الركعة. أما الأولى فظاهر ، لأنها إنما تضمنت أنه عليه‌السلام قرأهما في الركعة ، والتأسي فيما لم يعلم وجهه مستحب لا واجب. وأما الثانية فلأنها مع ضعف سندها إنما تضمنت استثناء هذه السور من النهي عن الجمع بين السورتين في الركعة ، والنهي هنا للكراهة على ما بيناه فيما سبق (٣) ، فيكون‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٢ ـ ٢٦٦ ، الإستبصار ١ : ٣١٧ ـ ١١٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٤٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ١.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٥٤٤ ، المعتبر ٢ : ١٨٨ ، الوسائل ٤ : ٧٤٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٠ ح ٥.

(٣) في ص ٣٥٥.

٣٧٧

الرابعة : إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا لم يعد.

الخامسة : يجزيه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة ،

______________________________________________________

الجمع بين هذه السور مستثنى من الكراهة ، وانتفاء الكراهة أعم من الوجوب.

والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لإثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السور ، فتجب البسملة بينهما إن وجب قراءتهما معا ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر فإنه قال بعد أن منع دلالة الروايتين على وجوب قراءتهما في الركعة : ولقائل أن يقول : لا نسلّم أنهما سورة واحدة ، بل لم لا يكونان سورتين وإن لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه ، ونطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة ، وليس قراءتهما في الركعة الواحدة دالة على ذلك ، وقد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين ، ونحن فقد بينا أن الجمع بين السورتين في الفريضة مكروه فتستثنيان من الكراهة (١). وهو حسن.

قوله : ( الرابعة ، إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا لم يعد ).

هذا مذهب الأصحاب ، ويدل عليه أن الإعادة فرض مستأنف ، فيتوقف على الدلالة ، ولا دلالة. وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر في موضع الإخفات أو عكس : « وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته » (٢).

ويستفاد من هذه الرواية عدم وجوب تداركهما ولو قبل الركوع ، وأنه لا يجب بالإخلال بهما سجود السهو ، وهو كذلك.

قوله : ( الخامسة ، يجزيه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ ـ ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٥ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الوسائل ٤ : ٧٦٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

٣٧٨

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاثا. وقيل : يجزيه عشر ، وفي رواية تسع ، وفي أخرى أربع ، والعمل بالأول أحوط.

______________________________________________________

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاثا ، وقيل : يجزيه عشر ، وفي رواية تسع ، وفي أخرى أربع والعمل بالأول أحوط ).

أجمع الأصحاب على أنه يجزئ بدل الحمد في الثالثة من المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء التسبيح ، وإنما اختلفوا في قدره : فقال الشيخ في النهاية والاقتصاد : إنه اثنتا عشرة تسبيحة صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاثا (١). وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل فإنه قال : السنة في الأواخر التسبيح ، وهو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث في كل ركعة (٢).

وقال الشيخ في الجمل والمبسوط (٣) ، والمرتضى في المصباح (٤) ، وابن إدريس (٥) : الواجب عشر تسبيحات بإسقاط التكبير في غير الثالثة. ولم نقف له على مستند لهذين القولين.

وحكى المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ، عن حريز بن عبد الله السجستاني أنه قال : الواجب تسع تسبيحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاثا (٦) ، وبه قال ابن بابويه رحمه‌الله (٧) ، وأبو الصلاح (٨). والمستند ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا تقرأ في‌

__________________

(١) النهاية : ٧٦ ، والاقتصاد : ٢٦١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٩٢.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨١ ، والمبسوط ١ : ١٠٦.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٥) السرائر : ٤٦.

(٦) المعتبر ٢ : ١٨٩.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥٦.

(٨) الكافي في الفقه : ١١٧.

٣٧٩

______________________________________________________

الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام ». قلت : فما أقول فيهما؟ قال : « إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرات تكمل تسع تسبيحات ، ثم تكبر وتركع » (١).

وقال المفيد في المقنعة : تجزئ أربع تسبيحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر (٢). واحتج له في التهذيب بما رواه عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : « تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وتكبر وتركع » (٣) وفي الطريق : محمد بن إسماعيل الذي يروي عن الفضل بن شاذان ، وهو مشترك بين جماعة منهم الضعيف ، ولا قرينة على تعيينه. وربما ظهر من كلام الكشيّ أن محمد بن إسماعيل هذا يعرف بالبندقي وأنه نيسابوري (٤) فيكون مجهولا. لكن الظاهر أن كتب الفضل ـ رحمه‌الله ـ كانت موجودة بعينها في زمن الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ وأن محمد بن إسماعيل هذا إنما ذكر لمجرد اتصال السند فلا يبعد القول بصحة رواياته كما قطع به العلاّمة (٥) ، وأكثر المتأخرين.

وقال ابن الجنيد : والذي يقال مكان القراءة ، تحميد وتسبيح وتكبير يقدم ما يشاء (٦). ولعل مستنده صحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : « تسبح وتحمد الله‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١.

(٢) المقنعة : ١٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ٥.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨١٨ ـ ١٠٢٤.

(٥) المختلف : ٩٢.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٩٢.

٣٨٠