مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

______________________________________________________

تزول الشمس » (١) وقريب منها رواية الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢).

وأما انتهاء وقت الفضيلة بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله فيدل عليه صحيحة أحمد بن عمر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين » (٣).

وصحيحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ، فكتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (٤) وإنما حملناهما على وقت الفضيلة ، لأن إجراءهما على ظاهرهما أعني كون ذلك آخرا لوقت الظهر مطلقا ممتنع إجماعا ، فلا بد من حملهما إما على وقت الفضيلة أو الاختيار ، ولا ريب في رجحان الأول ، لمطابقته لظاهر القرآن (٥) ، ولصراحة الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الإجزاء إلى الغروب ، ولقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما » (٦).

احتج الشيخ في الخلاف (٧) على ما ذهب إليه من انتهاء وقت الاختيار بصيرورة ظل كل شي‌ء مثله بأن الإجماع منعقد على أنّ ذلك وقت للظهر ، وليس على ما زاد عليه دليل ، وبما رواه عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني ، فلما أن كان بعد ذلك‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣ ـ ٤٦ ، الوسائل ٥ : ١٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٤ ـ ٢ ، الوسائل ٥ : ١٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٢ ، الإستبصار ١ : ٢٤٧ ـ ٨٨٣ ، الوسائل ٣ : ١٠٤ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٢١ ـ ٦١ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٢.

(٥) الإسراء : ٧٨.

(٦) المتقدمة في ص ٣٠.

(٧) الخلاف ١ : ٨٢.

٤١

______________________________________________________

قال لعمرو بن سعيد بن هلال : « إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك ، فاقرأه مني السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر » (١) وبروايتي أحمد بن عمر ، وأحمد بن محمد المتقدمتين (٢).

والجواب عن الأول أنا قد بيّنّا الدلالة على كون الزائد وقتا للظهر. وعن الرواية الأولى بمنع الدلالة على المدعى ، بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه ، لأن أمره عليه‌السلام بالصلاة بعد المثل يدل على عدم خروجه به. وعن الروايتين الأخيرتين بالحمل على وقت الفضيلة كما بيّنّاه (٣).

احتج الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه فيه من اعتبار الأربعة الأقدام بما رواه عن إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : متى يدخل وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس » فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره » قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ قال : « إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » قلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : « وقت العصر إلى أنّ تغرب الشمس ، وذلك من علة ، وهو تضييع » فقلت له : لو أنّ رجلا صلّى الظهر من بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال : « إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه ، كما لو أن رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل منه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢ ـ ٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩١ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٣.

(٢) في ص ٤١.

(٣) في ص ٤١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦ ـ ٧٤ ، الإستبصار ١ : ٢٥٨ ـ ٩٢٦ ، الوسائل ٣ : ١٠٩ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣٢.

٤٢

______________________________________________________

وعن الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام ، قلت : المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلاّ العصر ، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم » (١).

والجواب عن الروايتين بالطعن في السند :

أما الأولى : فبجهالة إبراهيم الكرخي ، مع أن فيها ما أجمع الأصحاب على خلافه وهو قوله : « إنّ آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » ومن المعلوم أن أوله عند الفراغ منها لا بعد مضي أربعة أقدام.

وأما الثانية : فبالفضل بن يونس فإنه واقفي (٢) ، مع أنها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، وهي أوضح سندا من هذه الرواية ، إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه إلاّ عليّ بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشي ـ رحمه الله تعالى ـ في تعريفه : إنه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، والمسموع قوله فيه ، سمع منه شيئا كثيرا ، ولم يعثر له على زلة فيه (٤).

احتج العلاّمة ـ رحمه الله تعالى ـ في المختلف (٥) ، للمفيد ـ رضي‌الله‌عنه ـ على اعتبار القدمين بما رواه ابن بابويه والشيخ في الصحيح ، عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « وقت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٢ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ ـ ١١٩٩ ، الإستبصار ١ : ١٤٢ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٩٨ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٢.

(٢) راجع رجال الشيخ : ٣٥٧ ـ ٢.

(٣) في ص ٤٠.

(٤) رجال النجاشي : ٢٥٧ ـ ٦٧٦.

(٥) المختلف : ٦٨.

٤٣

______________________________________________________

الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلك قدمان ، وهذا أول الوقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر » (١).

وما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : « ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس » (٢).

والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الظهر بذلك. بل مقتضى صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام استحباب تأخير الظهر إلى أن يصير الفي‌ء على قدمين من الزوال ، فإنه عليه‌السلام قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر » ثم قال : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعا ، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة ».

والظاهر أنّ ذلك هو مراد المفيد ـ رحمه‌الله ـ وإن كانت عبارته مجملة ، وهو الذي فهمه منه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب ، فإنه قال بعد نقل كلامه : وقت الظهر على ثلاثة أضرب : من لم يصلّ شيئا من النوافل فوقته حين تزول الشمس بلا تأخير ، ومن صلّى النافلة فوقتها حين صارت على قدمين أو سبعين وما أشبه ذلك ، ووقت المضطر يمتد إلى اصفرار الشمس (٣).

ثم استدل على الضرب الثاني برواية زرارة وما في معناها.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٩ ، التهذيب ٢ : ٢٥٥ ـ ١٠١٢ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ٣ : ١٠٢ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١ ، ٢ ، وفي التهذيب والوسائل : وقت ، بدل الوقت.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٥ ، الإستبصار ١ : ٢٥٠ ـ ٨٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣ ، ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٨.

٤٤

______________________________________________________

وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر بصيرورة الفي‌ء على قدمين مقطوع بفساده.

الخامسة : أول وقت العصر عند الفراغ من فرض الظهر بإجماع علمائنا ، قاله في المعتبر والمنتهى (١). وقد تقدم من الروايات ما يدل عليه (٢) ، ويزيده بيانا ما رواه الكليني ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ذريح المحاربي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى أصلّي الظهر؟ فقال : « صلّ الزوال ثمانية ، ثم صلّ الظهر ، ثم صلّ سبحتك طالت أم قصرت ، ثم صلّ العصر » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : بين الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال : « لا » (٤).

ويستفاد من رواية ذريح وغيرها أنه لا يستحب تأخير العصر عن الظهر إلاّ بمقدار ما يصلّي النافلة ، ويؤيده الروايات المستفيضة الدالة على أفضلية أول الوقت ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة قتيبة الأعشى : « إن فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا » (٥).

وقول الرضا عليه‌السلام في صحيحة سعد بن سعد : « يا فلان إذا دخل الوقت عليك فصلّهما ، فإنك ما تدري ما يكون » (٦).

وذهب جمع من الأصحاب إلى استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر وهو المثل أو الأقدام ، وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة ، فإنه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٣٥ ، المنتهى ١ : ٢٠١.

(٢) الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥٥ ـ ١٠١٣ ، الوسائل ٣ : ٩٢ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٤ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٤٠ ـ ١٢٩ ، ثواب الأعمال : ٦٢ ـ ٢ رواه مرسلا ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٢ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٣.

٤٥

______________________________________________________

قال في باب عمل الجمعة : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل ، قد ثبتت السنة به ، إلاّ في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل (١).

وقريب من ذلك عبارة ابن الجنيد ، فإنه قال : لا يختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاّها مع الزوال إلاّ مسافرا ، أو عليلا ، أو خائفا ما يقطعه عنها ، بل الاستحباب للحاضر أن يقدّم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئا من التطوع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم يأتي بالظهر ، ويعقبها بالتطوع من التسبيح أو الصلاة ليصير الفي‌ء أربعة أقدام أو ذراعين ، ثم يصلّي العصر (٢).

هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو مضمون رواية زرارة (٣) ، إلاّ أن أكثر الروايات يقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار للإقدام والأذرع (٤).

وجزم الشهيد في الذكرى باستحباب التفريق بين الفرضين ، واحتج عليه بأنه معلوم من حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : وبالجملة ، كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك (٥). وهو حسن ، لكن يمكن أن يقال : إن التفريق يتحقق بتعقيب الظهر وفعل نافلة العصر.

ثم قال في الذكرى : وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري ، وكان تلميذ السيد ابن طاوس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة إلى الأذان للثانية ، إذ‌

__________________

(١) المقنعة ٢٧.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ١١٩.

(٣) المتقدمة في ص ٤٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٩٦ أبواب المواقيت ب ٥.

(٥) الذكرى : ١١٩.

٤٦

______________________________________________________

هو للإعلام ، وللخبر المتضمن أنه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان (١) ، وإن كان يفرق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل. فأجابه المحقق : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع تارة ويفرق أخرى ، قال : وإنما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا أتى بالنوافل والفرضين فيه ، لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين (٢).

ويمكن الجواب عنه أيضا بأن الأذان إنما يسقط مع الجمع بين الفرضين إذا لم يأت المكلف بالنافلة بينهما ، أما مع الإتيان بها فيستحب الأذان للثانية (٣) ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله (٤).

السادسة : اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر ، فقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الجمل : يمتد وقت الفضيلة إلى أن يصير الفي‌ء قامتين ، ووقت الإجزاء إلى الغروب (٥). وهو اختيار ابن الجنيد (٦) ، وابن إدريس (٧) ، وابن زهرة (٨) ، وعامة المتأخرين.

وقال المفيد في المقنعة : يمتد وقتها إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب ، وللمضطر والناسي إلى مغيبها (٩).

وقال الشيخ في أكثر كتبه : يمتد وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شي‌ء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٥ ، التهذيب ٣ : ١٨ ـ ٦٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) في « ح » زيادة : قلت ما ذكره جيد.

(٣) في « س » ، « م » ، « ح » زيادة : ولا ينحصر وجهه في الإعلام.

(٤) في ج ٣ ص ٢٦٥.

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٣٧.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٦٨.

(٧) السرائر : ٣٩.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٩) المقنعة : ١٤.

٤٧

______________________________________________________

مثليه ، ووقت الاضطرار إلى الغروب (١). واختاره ابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) ، وأبو الصلاح (٤).

وقال المرتضى في بعض كتبه : يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة مثل ستة أسباعه (٥).

المختار والمعتمد ما ذهب إليه المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أولا ، وقد تقدم مستنده (٦). ومنه يعلم احتجاج الشيخ على اعتبار المثلين للمختار وجوابه. ويؤكد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معمر بن يحيى ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « وقت العصر إلى غروب الشمس » (٧) وهو يتناول المختار وغيره.

وروى سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « العصر على ذراعين ، فمن تركها حتى يصير على ستة أقدام فذلك المضيّع » (٨).

وروى سليمان بن جعفر قال ، قال الفقيه : « آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف » (٩).

وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن تضييع العصر هو‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٢ ، والخلاف ١ : ٨٣.

(٢) المهذب ١ : ٦٩ ، وشرح الجمل : ٦٦.

(٣) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٠.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٧.

(٥) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٣٨.

(٦) في ص ٣٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧١ ، الإستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٣ : ١١٣ أبواب المواقيت ب ٩ ح ١٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٥٦ ـ ١٠١٦ ، الإستبصار ١ : ٢٥٩ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٢.

(٩) التهذيب ٢ : ٢٥٦ ـ ١٠١٦ ، الإستبصار ١ : ٢٥٩ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٦.

٤٨

وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، وتختصّ من أوله بمقدار ثلاث ركعات ، ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل.

وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع.

______________________________________________________

أن يدعها حتى تصفر الشمس وتغيب » (١).

قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : وهذا الاختلاف دلالة الترخيص وأمارة الاستحباب (٢). والله أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، ويختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات ، ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل. وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات ).

الكلام في الاختصاص هنا كما تقدم في الظهرين (٣) ، وقد تضمنت هذه العبارة أربع مسائل خلافية :

الأولى : إنّ أول وقت المغرب غروب الشمس ، قال في المعتبر : وهو إجماع العلماء (٤).

وإنما اختلفوا فيما يتحقق به الغروب ، فذهب الشيخ في المبسوط والاستبصار (٥) ، وابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام (٦) ، وابن الجنيد (٧) ، والسيد المرتضى في بعض مسائله (٨) إلى أنه يعلم باستتار القرص‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٤ بتفاوت ، التهذيب ٢ : ٢٥٦ ـ ١٠١٨ ، الإستبصار ١ : ٢٥٩ ـ ٩٣٠ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب المواقيت ب ٩ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٩.

(٣) في ص ٣٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٠.

(٥) المبسوط ١ : ٧٤. واختار في الاستبصار القول الآتي.

(٦) علل الشرائع : ٣٥٠.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٧٢.

(٨) المسائل الميافارقيات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٧٤.

٤٩

______________________________________________________

وغيبته عن العين مع انتفاء الحائل بينهما. وذهب الأكثر ومنهم الشيخ في التهذيب والنهاية إلى أنه إنما يعلم بذهاب الحمرة المشرقية (١). وقال ابن أبي عقيل : أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامته أن يسودّ أفق السماء من المشرق ، وذلك إقبال الليل (٢).

احتج الأولون بصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها » (٣).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (٤).

وصحيحة أخرى لزرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ، ومضى صومك ، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » (٥).

وموثقة أبي أسامة زيد الشحام قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : أؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال : « خطّابيّة (٦) ، إن جبرائيل عليه‌السلام نزل بها على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سقط القرص » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩ ، والنهاية : ٥٩.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٧٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٩ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨١ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٤ ، الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٩ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٣٩ ، الإستبصار ١ : ١١٥ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧.

(٦) أي : بدعة ومنسوبة إلى أبي الخطاب البرّاد الأجذع الأسدي ، ويكنى أيضا أبا إسماعيل ويكنى أيضا أبا الظبيان وهو مذموم في غاية الذم ـ مجمع الرجال ٥ : ١٠٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤٣ ، رجال الكشي ٢ : ٥٧٦ ـ ٥١٠ ، علل الشرائع : ٣٥٠ ـ ٣ ، الوسائل ٣ : ١٣٩ أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١٨.

٥٠

______________________________________________________

احتج الشيخ في التهذيب على اعتبار ذهاب الشفق المشرقي بما رواه عن علي بن أحمد بن أشيم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذاك؟ قلت : لا ، قال : « لأن المشرق مطلّ (١) على المغرب هكذا » ورفع يمينه فوق يساره « فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا » (٢).

وعن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها » (٣).

وعن محمد بن عليّ قال : صحبت الرضا عليه‌السلام في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد (٤). ولعل هذه الرواية مستند ابن أبي عقيل فيما اعتبره من إقبال السواد من المشرق ، وفي الجميع قصور من حيث السند :

أما الرواية الأولى فبالإرسال ، وجهالة المرسل وهو عليّ بن أحمد بن أشيم ، وقد حكم المصنف في المعتبر بضعفه (٥).

وأما الثانية فبأن من جملة رجالها القاسم بن عروة ، ولم ينص عليه الأصحاب بمدح ولا قدح ، وأيضا فإنها لا تدل على المطلوب صريحا ، إذ أقصى‌

__________________

(١) في النسخ الخطية : مظل.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٣ ، الإستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ٣ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٨ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٤ ، الإستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٧ ، الوسائل ٣ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٦ ، الإستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٨ ، الوسائل ٣ : ١٢٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٢.

٥١

______________________________________________________

ما تدل عليه توقف غيبوبة الشمس من المشرق والمغرب على ذهاب الحمرة المشرقية ، وهو خلاف المدعى.

وأما الثالثة فباشتراك راويها ، وهو محمد بن عليّ بين جماعة منهم الضعيف ، مع أنها قاصرة عن إفادة التوقيت ، إذ يجوز أن يكون تأخيره عليه‌السلام الصلاة إلى ذلك الوقت لطلب الفضيلة ، كتأخير العشاء إلى ذهاب الشفق ، لا لعدم دخول الوقت قبل ذلك. وتشهد له رواية جارود ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قلت لهم : مسّوا (١) بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص » (٢).

وقد ورد في بعض الروايات اعتبار رؤية النجوم ، كصحيحة بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، قال : « إن الله يقول في كتابه لإبراهيم عليه‌السلام ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ) (٣) فهذا أول الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق » (٤). وحملها الشيخ في التهذيب على حالة الضرورة ، أو على مدّها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك ، وهو بعيد جدا.

ويمكن حملها على وقت الاشتباه كما تشعر به رواية عليّ بن الريّان ، قال : كتبت إليه : الرجل يكون في الدار تمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب ، ومعرفة مغيب الشفق ، ووقت صلاة العشاء الآخرة متى يصلّيها؟ وكيف يصنع؟ فوقّع عليه‌السلام : « يصلّيها إذا كان على هذه الصفة عند قصر النجوم ، والعشاء‌

__________________

(١) أي : أخّروها وأدخلوها في المساء ـ مجمع البحرين ١ : ٣٩٣ ، الوافي ٢ : ٤٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ـ ١٠٣٢ ، الوسائل ٣ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٥.

(٣) الأنعام : ٧٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٨٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٢٧ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٦.

٥٢

______________________________________________________

عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق » (١) وذكر الشيخ في التهذيب أن معنى قصر النجوم بيانها.

ويمكن حملها أيضا على أنّ المراد بها بيان وقت الفضيلة كما تشعر به صحيحة إسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه‌السلام وكنا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ثم قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود (٢). ورواية شهاب بن عبد ربّه قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا شهاب إني أحب إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا » (٣).

ولا ريب أن الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم ، وإن كان القول بالاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة. قال في التذكرة : وهو ـ أي الغروب ـ ظاهر في الصحاري ، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شي‌ء من الشعاع على رؤس الجدران وقلل الجبال (٤). وهو حسن.

الثانية : امتداد وقت المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدر أداء العشاء ، وهو اختيار السيد المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه (٥) ، وابن الجنيد (٦) ، وابن زهرة (٧) ، وابن إدريس (٨) ، والمصنف (٩) ، وابن عمه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨١ ـ ١٥ وفيه والمغرب بدل والعشاء ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٣٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٩ ـ ٩٧٢ ، الوسائل ٣ : ١٥٠ أبواب المواقيت ب ٢٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٨٩ ، الإستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٤ ، الوسائل ٣ : ١٤٣ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٤٠ ، الاستبصار ١ : ٢٦٨ ـ ٩٧١ ، علل الشرائع : ٣٥٠ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ١٢٨ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٩.

(٤) التذكرة ١ : ٧٦.

(٥) المسائل الميافارقيات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٧٤.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٦٩.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٨) السرائر : ٣٩.

(٩) المعتبر ٢ : ٤٠.

٥٣

______________________________________________________

نجيب الدين (١) ، وسائر المتأخرين. وقال الشيخ في أكثر كتبه : آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار ، وربع الليل مع الاضطرار (٢). وبه قال ابن حمزة (٣) ، وأبو الصلاح (٤). وقال في الخلاف : آخره غيبوبة الشفق ، وأطلق (٥) ، وحكى في المبسوط عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر (٦).

والمعتمد : امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق ، والإجزاء للمختار إلى أن يبقى للانتصاف قدر العشاء ، وللمضطر إلى أن يبقى ذلك من الليل ، وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٧).

لنا على الحكم الأول : صحيحة إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : « ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق » (٨).

وصحيحة عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق ، أيؤخرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال : « لا بأس بذلك في السفر ، فأما في الحضر فدون ذلك شيئا » (٩).

وهما محمولان إما على وقت الفضيلة ، أو الاختيار ، إذ لا قائل بأن ذلك آخر‌

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٦٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، والنهاية : ٥٩ ، والاقتصاد : ٢٥٦.

(٣) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٠.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٧.

(٥) الخلاف ١ : ٨٤.

(٦) المبسوط ١ : ٧٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٠.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٥٨ ـ ١٠٢٩ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ٣ : ١٣٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٩.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٢ ـ ٩٧ ، الإستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ٣ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٥.

٥٤

______________________________________________________

الوقت مطلقا ، والدليل على إرادة الفضيلة قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما » (١) وظهور تناول الروايات المتضمنة لامتداد الوقت إلى الانتصاف (٢) للمختار وغيره ، وامتداد وقت المضطر إلى آخر الليل على ما سنبينه ، فلا يمكن حمل روايات الانتصاف عليه.

ولنا على الحكم الثاني ـ أعني امتداد وقت الإجزاء للمختار إلى أن يبقى للانتصاف قدر العشاء ـ : قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ففيما بين زوال الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهنّ الله وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل انتصافه » (٣).

وصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (٤).

ورواية داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (٥) وهي نص في المطلوب.

ويؤيده ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن داود‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٣٠.

(٢) الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧.

(٣) المتقدمة في ص ٣٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٨ ، الوسائل ٣ : ١١٥ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ ـ ٩٤٥ ، الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٤.

٥٥

______________________________________________________

الصرمي ، قال : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يوما فجلس يحدّث حتى غابت الشمس ، ثم دعا بشمع وهو جالس يحدّث ، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضّأ وصلّى (١).

وفي الصحيح ، عن عمر بن يزيد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل ، فإن أخرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء ، أفأصلّي في بعض المساجد؟ قال : « صلّ في منزلك » (٢) وهي دالّة بإطلاقها على جواز تأخير المغرب اختيارا إلى أن يغيب الشفق ، ومتى ثبت ذلك وجب القول بامتداده إلى النصف ، للدلائل المتقدمة.

ولنا على الحكم الثالث ـ أعني امتداد وقتها للمضطر إلى أن يبقى من الليل قدر العشاء ـ : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن نام رجل ، أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء قبل طلوع الشمس » (٣).

وأجاب العلاّمة في المنتهى عن هذه الرواية بحمل القبلية على ما قبل الانتصاف (٤) ، وهو بعيد جدا ، لكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما هو مورد الخبر كان وجها قويا.

احتج القائلون بانتهائه بذهاب الشفق للمختار بما تلوناه سابقا من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٩٠ ، الإستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٥ ، الوسائل ٣ : ١٤٣ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١ ـ ٩٢ ، الوسائل ٣ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ١٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٦.

٥٦

______________________________________________________

الأخبار (١). وبربع الليل للمضطر : بما ورد من استحباب تأخير المغرب للمفيض من عرفات إلى المزدلفة وإن صار ربع الليل (٢) ، وبرواية عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت المغرب ، قال : « إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل » (٣).

والجواب عن الأول : إن الأمر بتأخير الصلاة في ذلك المحل إلى تلك الغاية أعني ما بعد الربع لا يقتضي خروج الوقت في غير ذلك المحل بمضي الربع ، بل ربما كان فيه دلالة على خلافه ، وإلاّ لما ساغ ذلك ، مع أن المروي في صحاح أخبارنا الأمر بتأخير المغرب إلى المزدلفة وإن ذهب ثلث الليل (٤).

وعن الرواية : بالطعن في السند ، والحمل على وقت الفضيلة ، جمعا بين الأدلة.

الثالثة : إن أول وقت العشاء إذا مضى من الغروب قدر صلاة المغرب ، وبه قال السيد المرتضى (٥) ـ رضوان الله عليه ـ وابن الجنيد (٦) ، وأبو الصلاح (٧) ، وابن البراج (٨) ، وابن زهرة (٩) ، وابن حمزة (١٠) ، وابن‌

__________________

(١) في ص ٥٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ـ ١٠٣٤ ، الإستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ٣ : ١٤٢ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٨.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥.

(٥) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤ ، المسائل الميافارقيات ( رسائل السيد المرتضى ١ ) : ٢٧٤.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٦٩.

(٧) الكافي في الفقه : ١٣٧.

(٨) المهذب ١ : ٦٩ ، شرح الجمل : ٦٦.

(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(١٠) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٠.

٥٧

______________________________________________________

إدريس (١) ، وسائر المتأخرين.

وقال الشيخان : أول وقتها سقوط الشفق ، وهو الحمرة المغربية (٢). وهو اختيار ابن أبي عقيل (٣) ، وسلاّر (٤). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (٥).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (٦).

وفي الموثق ، عن عبيد الله وعمران ابني عليّ الحلبيين قالا : كنا نختصم في الطريق في الصلاة : صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وكان منا من يضيق بذلك صدره ، فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقال : « لا بأس بذلك » (٧).

وفي الصحيح ، عن أبي عبيدة قال ، سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ، ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ، ثم أقام مؤذنه ، ثم صلّى العشاء‌

__________________

(١) السرائر : ٤٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والشيخ في النهاية : ٥٩ ، والخلاف ١ : ٨٥ ، والمبسوط ١ : ٧٥ ، والاقتصاد : ٢٥٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٦٩.

(٤) المراسم : ٦٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ٣ : ١٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١.

(٦) المتقدم في ص ٥٥ ، ولكن عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٤ ـ ١٠٥ ، الإستبصار ١ : ٢٧١ ـ ٩٧٩ ، الوسائل ٣ : ١٤٨ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٦.

٥٨

______________________________________________________

ثم انصرفوا » (١).

وفي الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ، ولا بأس أن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق » (٢).

وجه الدلالة : أنه لولا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقديمها عليه مطلقا ، كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.

احتج الشيخان بصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام متى تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق : الحمرة » (٣).

وصحيحة بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل : نصف الليل » (٤).

والجواب بالحمل على وقت الفضيلة ، جمعا بين الأدلة.

الرابعة : إن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل ، وهو مذهب الأكثر. وقال المفيد في المقنعة ، والشيخ في جملة من كتبه : آخره ثلث الليل (٥). وقال في المبسوط : آخره ثلث الليل للمختار ، ونصف الليل للمضطر. وحكى عن بعض علمائنا امتداد الوقت للمضطر إلى طلوع الفجر (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥ ـ ١٠٩ ، الإستبصار ١ : ٢٧٢ ـ ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ١٤٨ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥ ـ ١٠٨ ، الإستبصار ١ : ٢٧٢ ـ ٩٨٤ ، الوسائل ٣ : ١٤٧ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٠ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٤ ـ ١٠٣ ، الإستبصار ١ : ٢٧٠ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٤٩ أبواب المواقيت ب ٢٣ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٨٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٢٧ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١. وفي التهذيب والوسائل : يعني نصف الليل.

(٥) المقنعة : ١٤ ، والخلاف ١ : ٨٥ ، والنهاية : ٥٩ ، والاقتصاد : ٢٥٦.

(٦) المبسوط ١ : ٧٥.

٥٩

______________________________________________________

والمعتمد : امتداد وقت الإجزاء للمختار إلى الانتصاف ، وللمضطر إلى طلوع الفجر ، وقد تقدم مستند الحكمين (١) ، ولا يبعد انتهاء وقت الفضيلة بالثلث ، لرواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « آخر وقت العشاء ثلث الليل » (٢). ومثلها رواية يزيد بن خليفة ، عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، وفي الروايتين قصور من حيث السند (٤).

احتج الشيخ في الخلاف بأن الثلث مجمع على كونه وقتا للعشاء فيقتصر عليه ، أخذا بالمتيقن (٥).

والجواب : أنا قد بيّنا امتداد الوقت إلى الانتصاف بما نقلناه من الأدلة.

وربما ظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق ، كرواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أني أخاف أن أشقّ على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل ، وهو غسق الليل » (٦).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، وسمعته يقول : « أخر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله ، فجاء عمر فدقّ الباب فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام‌

__________________

(١) في ص ٥٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٢ ـ ١٠٤٥ ، الإستبصار ١ : ٢٦٩ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٩ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١ ـ ٩٥ ، الإستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٥ ، الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٢.

(٤) أما الأولى فلأن في طريقها موسى بن بكر وهو الواسطي ، وقال الشيخ في رجاله إنه واقفي ( راجع رجال الشيخ : ٣٥٩ ، ومعجم رجال الحديث ١٩ : ٢٧ ) وأما الثانية فلأن راويها واقفي ( راجع رجال الشيخ : ٣٦٤ ).

(٥) الخلاف ١ : ٨٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨١ ـ ١٣ وفيه : صدر الحديث ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٧٢ ـ ٩٨٦ ، وفيه عن أبي عبد الله ٧.

٦٠