______________________________________________________
وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء » (١) وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (٢).
قال المصنف ـ رحمهالله ـ في المعتبر نقل هذه الروايات : والوجه عندي القول بالجواز في الكل ، إذا لا ترجيح ، وإن كانت الرواية الأولى أولى (٣). وأشار بالأولى إلى رواية زرارة المتضمنة للأربع (٤) ، وكأن وجه الأولوية ذهاب المفيد (٥) ومن تبعه (٦) إلى العمل بمضمونها ، وإلاّ فقد عرفت أنها ليست نقية الإسناد.
والأولى الجمع بين التسبيحات الأربع والاستغفار وإن كان الكل مجزئا إن شاء الله. وهنا مباحث.
الأول : استقرب المصنف ـ رحمهالله ـ في المعتبر عدم ترتيب الذكر لاختلاف الرواية في تعيينه (٧). وهو غير بعيد ، وإن كان الأحوط اتباع ما ورد به النقل بخصوصه.
الثاني : ذكر جمع من الأصحاب أنه يجب الإخفات في هذا الذكر تسوية بينه وبين المبدل ، ونفاه ابن إدريس ، للأصل ، وفقد النص (٨). وأجاب عنه
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٩٨ ـ ٣٦٨ ، الإستبصار ١ : ٣٢١ ـ ١١٩٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٢ ح ١.
(٢) التهذيب ٢ : ٩٩ ـ ٣٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ٧.
(٣) المعتبر ٢ : ١٩٠.
(٤) المتقدمة في ص ٣٨٠.
(٥) المقنعة : ١٨.
(٦) كالعلامة في المختلف : ٩٢.
(٧) المعتبر ٢ : ١٩٠.
(٨) السرائر : ٤٦.
السادسة : من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود. وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع ، ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع. وإن كان السجود في آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة.
______________________________________________________
في الذكرى بأن عموم الإخفات في الفريضة كالنص (١). وهو غير واضح وإن كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكره.
الثالث : إذا شرع في القراءة أو التسبيح فالظاهر جواز العدول من كل منهما إلى الآخر خصوصا مع كون المعدول إليه أفضل ، ومنعه بعضهم (٢) ، لما فيه من إبطال العمل. وهو ضعيف.
الرابع : يجوز أن يقرأ في ركعة ويسبح في أخرى ، لأن التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما ، وربما كان في بعض الروايات إشعار به.
الخامس : لو شك في عدد التسبيحات بنى على الأقل ، ولو ذكر الزيادة لم يكن به بأس.
السادس : ظاهر الأصحاب أنه لا يستحب الزيادة على الاثنتي عشرة ، وقال ابن أبي عقيل : يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر سبعا ، أو خمسا ، وأدناه ثلاث في كل ركعة (٣). قال في الذكرى : ولا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب ذكر الله تعالى (٤).
قوله : ( السادسة ، من قرأ سورة من العزائم في النوافل يجب أن يسجد في موضع السجود ، وكذا إن قرأ غيره وهو يستمع ، ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع ، وإن كان السجود في آخرها يستحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة ).
__________________
(١) الذكرى : ١٨٩.
(٢) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٨٩.
(٣) نقله عنه في المختلف : ٩٢.
(٤) الذكرى : ١٨٩.
السابعة : المعوّذتان من القرآن ، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلاة فرضها ونفلها.
______________________________________________________
أما وجوب السجود مع القراءة أو الاستماع فمستنده عموم الأدلة الدالة على ذلك ، وخصوص بعضها.
وأما استحباب قراءة الحمد بعد القيام من السجود إذا كانت السجدة في آخر السورة التي قرأها المصلّي فتدل عليه حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام إنه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال : « يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ويركع ثم يسجد » (١) وحملت على الاستحباب لرواية أبي البختري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، عن آبائه ، عن عليّ عليهمالسلام ، قال : « إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها » (٢) وظاهر الشيخ في كتابي الحديث وجوب قراءة السورة والحال هذه (٣) ، ولا بأس به.
قوله : ( السابعة ، المعوّذتان من القرآن ، ويجوز أن يقرأ بهما في الصلوات فرضها ونفلها ).
هذا مذهب العلماء كافة حكاه في المنتهى ، قال : وخلافه الآحاد انقرض (٤).
ويدل على جواز القراءة بهما في الصلاة المفروضة على الخصوص ما رواه الكليني في الصحيح ، عن صفوان أن الجمّال ، قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليهالسلام المغرب فقرأ المعوذتين في الركعتين (٥).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٨ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٩ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٤ : ٧٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ١.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٣ ، الإستبصار ١ : ٣١٩ ـ ١١٩٠ ، الوسائل ٤ : ٧٧٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٧ ح ٣.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ، والاستبصار ١ : ٣١٩.
(٤) المنتهى ١ : ٢٧٨.
(٥) الكافي ٣ : ٣١٤ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٧٨٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٧ ح ١.
الخامس : الركوع
وهو واجب في كل ركعة مرة ، إلا في الكسوف والآيات.
وركن في الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا على تفصيل سيأتي.
______________________________________________________
وعن صابر مولى بسّام ، قال : أمّنا أبو عبد الله عليهالسلام في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين ثم قال : « هما من القرآن » (١).
قوله : ( الخامس ، الركوع ، وهو واجب في كل ركعة مرة ، إلا في الكسوف والآيات فإنه يجب في كل ركعة منها خمس ركوعات ).
وهذان الحكمان ثابتان بالنص والإجماع.
قوله : ( وركن في الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا على تفصيل سيأتي ).
سيأتي القول بركنيته مطلقا على وجه تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا ( وهذا ) (٢) مذهب أكثر الأصحاب.
وقال الشيخ في المبسوط : هو ركن في الصبح ، والمغرب ، وصلاة السفر ، وفي الركعتين الأوّلتين من الرباعيات خاصة ، نظرا إلى أن الناسي في الركعتين الأخيرتين يحذف السجود ويعود إليه (٣). ولو فسر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك ، لأن الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة وسيجيء تحقيق ذلك في محله إن شاء الله (٤).
والظاهر أن التفصيل الذي أشار إليه المصنف هو أن بطلان الصلاة.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٧ ـ ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٩٦ ـ ٣٥٧ ، الوسائل ٤ : ٧٨٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٧ ح ٢.
(٢) أثبتناه من « ح ».
(٣) المبسوط ١ : ١٠٩.
(٤) في ج ٤ ص ٢٠٩.
والواجب فيه خمسة أشياء :
[ الأول ] : أن ينحني فيه بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه.
______________________________________________________
( بتركه في بعض الصور مجمع عليه وفي بعض آخر مختلف فيه ، وإلا فهو قائل بركنيته مطلقا ) (١).
قوله : ( والواجب فيه خمسة أشياء ، [ الأول ] : أن ينحني فيه بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه ).
أما وجوب الانحناء فلا ريب فيه ، لأنه عبارة عن الركوع لغة (٢) وعرفا. وأما التحديد المذكور فقال في المعتبر (٣) : إنه قول العلماء كافة عدا أبي حنيفة ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يركع كذلك (٤) فيجب التأسي به ، ولما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : « فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أن تمكّن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك إلى ما بين قدميك » (٥) وفي صحيحة حمّاد : إن الصادق عليهالسلام لما علّمه الصلاة ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ، ثم سوّى ظهره حتى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : بالإخلال به إنما بتحقق إذا لم يذكره حتى سجد ، وأما قبله فيجب تداركه ، وربما قيل : إن المراد به أن الحكم بركنيته في بعض الصور مجمع عليه وفي بعض آخر مختلف فيه ، وهو بعيد.
(٢) راجع معجم مقاييس اللغة ٢ : ٤٣٤.
(٣) المعتبر ٢ : ١٩٣.
(٤) سنن البيهقي ٢ : ٨٥.
(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.
وإن كانت يداه في الطول ، بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة. وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما يتمكّن منه. فإن عجز أصلا اقتصر على الإيماء. ________________________________________________
لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه ، وغمض عينيه ، ثم سبّح ثلاثا بترتيل فقال : سبحان ربي العظيم وبحمده (١). وهذان الخبران أحسن ما وصل إلينا في هذا الباب.
قال المصنف ـ رحمهالله ـ في المعتبر : وقوله : قدر أن يصل كفاه ركبتيه ، إشارة إلى أن وضع اليدين على الركبتين غير واجب ، بل ذلك بيان لكيفية الانحناء (٢).
قوله : ( وإن كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء انحنى كما ينحني مستوي الخلقة ).
حملا لألفاظ النصوص على الغالب المتعارف ، ورعاية لصدق الاسم عرفا ، وكذا الكلام في قصيرهما ومقطوعهما.
قوله : ( وإذا لم يتمكن من الانحناء لعارض أتى بما تمكّن منه ).
لا ريب في وجوب الإتيان بالممكن ، لقوله عليهالسلام : « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٣) ولأن الزيادة إلى العاجز عنها ممتنعة فيسقط التكليف بها ويجب الإتيان بالمقدور خاصة ، لأنه بعض الواجب. والمراد بالانحناء : المذكور سابقا وهو ما بلغ فيه الكفّان الركبتين.
قوله : ( فإن عجز أصلا اقتصر على الإيماء ).
أي : فإن عجز عن الانحناء بكل وجه اقتصر على الإيماء بالرأس إن
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، المجالس : ٣٣٧ ـ ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.
(٢) المعتبر ٢ : ١٩٣.
(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.
ولو كان كالراكع خلقه أو لعارض وجب أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقا.
الثاني : الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة.
______________________________________________________
أمكن وإلاّ فبالعينين ، لأنه القدر الممكن فيتعين ، ولما رواه الشيخ ، عن إبراهيم الكرخي قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود ، قال : « ليوم برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة (١) إليه فليسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء » (٢).
قوله : ( ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض وجب أن يزاد ركوعه يسير انحناء ليكون فارقا ).
الأظهر أن هذه الزيادة على سبيل الاستحباب كما اختاره في المعتبر (٣) ، لأن ذلك حد الركوع فلا يلزم الزيادة عليه. وقيل بالوجوب ، ليتحقق الفرق بين القيام والركوع (٤). وضعفه ظاهر ، لأنا نمنع وجوب الفرق على العاجز.
قوله : ( الثاني ، الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة ).
المراد بالطمأنينة : استقرار الأعضاء وسكونها في حد الركوع ، وهي واجبة بقدر ما يؤدّي الذكر الواجب باتفاق علمائنا ، قاله في المعتبر (٥). وقال الشيخ في الخلاف : إنها ركن (٦). ومقتضى ذلك بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا وهو غير واضح لما سنبين إن شاء الله من أن الصلاة لا تبطل بتركها نسيانا (٧).
__________________
(١) الخمرة : الحصير الصغير الذي يسجد عليه ـ لسان العرب ٤ : ٢٥٨.
(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٧ ـ ٩٥١ ، الوسائل ٤ : ٩٧٦ أبواب السجود ب ٢٠ ح ١.
(٣) المعتبر ٢ : ١٩٤.
(٤) كما في القواعد ١ : ٣٤ ، وتحرير الأحكام ١ : ٣٩ ، والمسالك ١ : ٣١.
(٥) المعتبر ٢ : ١٩٤.
(٦) الخلاف ١ : ١٢٠.
(٧) في ج ٤ ص ٢٣٠.
ولو كان مريضا لا يتمكن سقطت عنه ، كما لو كان العذر في أصل الركوع.
الثالث : رفع الرأس منه ، فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ، ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب.
الرابع : الطمأنينة في الانتصاب ، وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا.
______________________________________________________
قوله : ( ولو كان مريضا لا يتمكن سقطت عنه ، كما لو كان العذر في أصل الركوع ).
لا ريب في السقوط مع التعذر ، إذ لا تكليف بالممتنع ، والأولى في هذه الصورة مجاوزة الانحناء عن أقل الواجب ، والابتداء بالذكر عند بلوغ حده وإكماله قبل الخروج عنه ، لأن الذكر في حال الركوع واجب والطمأنينة واجب آخر ولا يسقط أحد الواجبين بتعذر الآخر.
قوله : ( الثالث ، رفع الرأس منه ، فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ).
هذا مذهب علمائنا أجمع ، ويدل عليه التأسي بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) ، وورود الأمر به في كثير من الروايات ، وقوله عليهالسلام في رواية أبي بصير : « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » (٢).
قوله : ( ولو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب ).
لا ريب في وجوب تحصيله ولو بالأجرة المقدورة من باب المقدمة كما في مطلق القيام.
قوله : ( الرابع ، الطمأنينة في الانتصاب ، وهو أن يعتدل قائما ويسكن يسيرا ).
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٦٨١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١١.
(٢) الكافي ٣ : ٣٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٩ أبواب الركوع ب ١٦ ح ٢.
الخامس : التسبيح فيه ، وقيل : يكفي الذكر ولو كان تكبيرا أو تهليلا ، وفيه تردد. وأقل ما يجزي للمختار تسبيحة تامة ، وهي سبحان ربي العظيم وبحمده ، أو يقول : سبحان الله ثلاثا ، وفي الضرورة واحدة صغرى.
______________________________________________________
لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الطمأنينة في هذا القيام ، لظاهر الأمر والتأسي ، وجعلها الشيخ في الخلاف ركنا (١) ، ومقتضى ذلك بطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا وسهوا. ويدفعه قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٢).
والظاهر عدم الفرق في وجوب الرفع والطمأنينة بين الفريضة والنافلة.
وقال العلاّمة في النهاية : لو ترك الاعتدال في الركوع أو السجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته ، لأنه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل (٣). وهو ضعيف ، ودليله مزيّف.
قوله : ( الخامس ، التسبيح فيه ، وقيل : يكفي الذكر ولو كان تكبيرا أو تهليلا ، وفيه تردد ، وأقل ما يجزي للمختار تسبيحة تامة. وهي سبحان ربي العظيم وبحمده ، أو يقول : سبحان الله ثلاثا ، وفي الضرورة واحدة صغرى ).
أجمع الأصحاب على وجوب الذكر في الركوع ، وإنما اختلفوا في تعيينه ، فقال الشيخ ـ رحمهالله ـ في المبسوط : والتسبيح في الركوع أو ما يقوم مقامه من الذكر واجب تبطل بتركه متعمدا الصلاة ، والذكر في السجود فريضة من تركه
__________________
(١) الخلاف ١ : ١٢٠.
(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.
(٣) نهاية الأحكام ١ : ٤٨٣.
______________________________________________________
متعمدا بطلت صلاته (١).
ومقتضى ذلك الاجتزاء بمطلق الذكر ، وبه صرّح ابن إدريس ـ رحمهالله ـ في سرائره فقال : الواجب الذكر مطلقا كقوله : لا إله إلاّ الله والله أكبر (٢). وبالجملة : كل ذكر يتضمن الثناء على الله. والمستند في ذلك ما رواه الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : « نعم كل هذا ذكر الله » (٣) وروى أيضا في الصحيح عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام نحوه (٤).
وفي قوله عليهالسلام : « كل هذا ذكر الله » معنى التعليل فيدل على إجزاء مطلق الذكر المتضمن للثناء ، ويؤيده أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن مسمع أبي سيّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلا (٥) ، ولا كراهة أن يقول : سبح سبح سبح » (٦).
وقال الشيخ في النهاية : أقل ما يجزئ من التسبيح في الركوع تسبيحة واحدة وهو أن يقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ، وأقل ما يجزئ من التسبيح في السجود أن يقول : سبحان ربي الأعلى وبحمده (٧).
ويدل عليه ما رواه الشيخ ، عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا
__________________
(١) المبسوط ١ : ١١١.
(٢) السرائر : ٤٦.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٢٩ أبواب الركوع ب ٧ ح ١.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٨ ، الوسائل ٤ : ٩٢٩ أبواب الركوع ب ٧ ح ٢.
(٥) ترسل في قراءته : إذا تمهّل فيها ولم يعجّل ـ مجمع البحرين ٥ : ٣٨٣.
(٦) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٦ ، الوسائل ٤ : ٩٢٥ أبواب الركوع ب ٥ ح ١.
(٧) النهاية : ٨١.
______________________________________________________
عبد الله عليهالسلام عن التسبيح في الركوع والسجود ، فقال : « يقول في الركوع : سبحان ربي العظيم (١) ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى (٢) ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع » (٣).
وذهب الشيخ في التهذيب إلى وجوب تسبيحة كبرى ، وهي : سبحان ربي العظيم وبحمده ، أو ثلاث تسبيحات نواقص ، وهي : سبحان الله (٤) ، وهو الظاهر من كلام ابني بابويه (٥).
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال ، قلت له : ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال : « ثلاث تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامة تجزي » (٦) وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال : « ثلاث تسبيحات مترسّلا تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله » (٧).
ونقل عن أبي الصلاح أنه أوجب التسبيح ثلاث مرات على المختار ، وتسبيحة على المضطر وقال : أفضله سبحان ربي العظيم وبحمده ، ويجوز سبحان الله (٨). وظاهره أن المختار لو قال : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا كانت واجبة ، وربما كان مستنده ما رواه الشيخ ، عن عثمان بن عبد الملك ،
__________________
(١) في « ح » زيادة : وبحمده. لكن المصادر والنسخ الخطية خالية منها.
(٢) في « ح » زيادة : وبحمده. لكن المصادر والنسخ الخطية خالية منها.
(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ١.
(٤) التهذيب ٢ : ٨٠.
(٥) الصدوق في المقنع : ٢٨ ، والهداية : ٣٢ ، ونقل عنه وعن والده في الذكرى : ١٩٧.
(٦) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٣ ، الإستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٢.
(٧) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٨ ، الإستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١٢ ، الوسائل ٤ : ٩٢٥ أبواب الركوع ب ٥ ح ٢.
(٨) الكافي في الفقيه : ١١٨.
______________________________________________________
عن أبي بكر الحضرمي قال ، قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أيّ شيء حد الركوع والسجود؟ قال : « تقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا في الركوع ، وسبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا في السجود ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبّح فلا صلاة له » (١) (٢).
والذي يقتضيه الجمع بين هذه الروايات القول بالاجتزاء بمطلق الذكر المتضمن للثناء كما تضمنته صحيحتا الهشامين (٣) ، وحمل ما تضمن الزيادة على الفضيلة والاستحباب ، ويشهد له أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن الأول عليهالسلام ، قال : سألته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال : « ثلاث ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » (٤).
واعلم : أن كثيرا من الأخبار ليس فيها لفظ : وبحمده في تسبيحي الركوع والسجود ، كحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : « إذا سجدت فكبّر وقل : اللهم لك سجدت ـ إلى آخره ـ ثم قل : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات » (٥) ورواية هشام بن سالم عنه عليهالسلام قال : « يقول في الركوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى » (٦). وقد
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٨٠ ـ ٣٠٠ ، الإستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١٣ ، الوسائل ٤ : ٩٢٤ أبواب الركوع ب ٤ ح ٥.
(٢) في « س » ، « زيادة » : وهذه الرواية ضعيفة بأبي بكر وعثمان ، فإن أبا بكر مذكور في كتب الرجال لكن لم يرد فيه مدح يعتد به ، وعثمان بن عبد الملك مجهول.
(٣) المتقدمتان في ص ٣٩٠.
(٤) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٤ ، الإستبصار ١ : ٣٢٣ ـ ١٢٠٦ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ٣.
(٥) الكافي ٣ : ٣٢١ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٤ : ٩٥١ أبواب السجود ب ٢ ح ١ ، إلاّ أن فيها : سبحان ربي الأعلى وبحمده.
(٦) المتقدمة في ص ٣٩٠.
______________________________________________________
تضمنته صحيحتا زرارة (١) وحماد (٢) عن الباقر والصادق عليهماالسلام ( فالقول باستحبابه أولى ، ذهب الشهيد (٣) والمحقق الشيخ علي (٤) إلى الوجوب مع اجتزائهما بمطلق الذكر وهو عجيب ) (٥).
تفسير : معنى سبحان ربي : تنزيها له عن النقائص وصفات المخلوقين.
قال في القاموس : وسبحان الله : تنزيها له من الصاحبة والولد معرفة ، ونصب على المصدر أي : أبرّئ الله من السوء براءة (٦).
وقال سيبويه : التسبيح هو المصدر ، وسبحان واقع موقعه يقال : سبّحت الله تسبيحا ، وسبحانا فهو علم المصدر ، ولا يستعمل غالبا إلاّ مضافا كقولنا : سبحان الله ، وهو مضاف إلى المفعول به أي : سبّحت الله ، لأنه المسبّح المنزّه. وجوّز أبو البقاء أن يكون مضافا إلى الفاعل ، لأن المعنى : تنزّه الله ، وعامله محذوف كما في نظائره.
والواو في : وبحمده قيل : زائدة ، والباء للمصاحبة ، والحمد مضاف إلى المفعول ، ومتعلق الجار عامل المصدر أي : سبّحت الله حامدا ، والمعنى : نزّهته عمّا لا يليق به وأثبت له ما يليق به. ويحتمل كونها للاستعانة ، والحمد
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.
(٢) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.
(٣) الذكرى : ١٩٨.
(٤) جامع المقاصد ١ : ١١٨.
(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : ومقتضى ذلك الاستحباب ، وبه قطع في المعتبر وأسنده إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وقال الشهيد في الذكرى : إن الأولى وجوبها لثبوتها في خبر حماد ، مع اعترافه بخلو أكثر الأخبار منها ، وترجيحه الاجتزاء بمطلق الذكر. وهو عجيب.
(٦) القاموس المحيط ١ : ٢٣٤.
وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد ، والأظهر الندب.
والمسنون في هذا القسم أن يكبّر للركوع قائما ، رافعا يديه بالتكبير ، محاذيا أذنيه ، ويرسلهما ثم يركع ،
______________________________________________________
مضاف إلى الفاعل أي : سبحته بما حمد به نفسه ، إذ ليس كل تنزيه محمودا.
وقيل : إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف (١) أي : وبحمده سبّحته لا بحولي وقوّتي فيكون مما أقيم فيه المسبب مقام السبب. ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم ، وحاصله : أنزّه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته وبحمده.
والعظيم في صفته تعالى : من يقصر عنه كل شيء سواه ، أو من اجتمعت له جميع صفات الكمال ، أو من انتفت عنه صفات النقص.
قوله : ( وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد ، والأظهر الندب ).
منشأ التردد : من ورود الأمر به في عدة أخبار كقول أبي جعفر عليهالسلام في صحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم اركع » (٢) وفي صحيحة أخرى له عنه عليهالسلام : « ثم تكبّر وتركع » (٣) ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات ، وموثقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة؟ قال : « تكبيرة واحدة » (٤) والمسألة محل إشكال إلاّ أن المعروف من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب.
قوله : ( والمسنون في هذا القسم أن يكبّر للركوع قائما رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما ثم يركع ).
__________________
(١) كما في روض الجنان : ٢٧٢.
(٢) الكافي ٣ : ٣١٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.
(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ٤ : ٧٩١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥١ ح ١.
(٤) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٤ : ٧١٤ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ٥.
______________________________________________________
أما استحباب كون التكبير للركوع في حال القيام فهو مذهب الأصحاب ، ويدل عليه قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم اركع » وفي صحيحة حماد في صفة صلاة الصادق عليهالسلام : إنه رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر وهو قائم ثم ركع (١). وقال الشيخ في الخلاف : ويجوز أن يهوي بالتكبير (٢). ولا ريب في الجواز إلاّ أن التكبير في القيام أفضل.
وأما استحباب رفع اليدين به حذاء الأذنين فهو قول معظم الأصحاب ، وقال المرتضى ـ رضياللهعنه ـ في الانتصار : انفردت الإمامية بوجوب رفع اليدين في تكبيرات الصلاة كلها (٣). قال في المعتبر : ولا أعرف ما حكاه رحمهالله (٤).
ويدل عليه الاستحباب صحيحة حمّاد المتقدمة ، وصحيحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : رأيت أبا عبد الله عليهالسلام إذا كبّر في الصلاة رفع يديه حتى تكاد تبلغ أذنيه (٥).
وصحيحة معاوية بن عمّار قال : رأيت أبا عبد الله عليهالسلام يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السجود (٦).
وصحيحة ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال : في الرجل
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.
(٢) الخلاف ١ : ١٢٠.
(٣) الانتصار : ٤٤.
(٤) المعتبر ٢ : ١٩٩.
(٥) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١.
(٦) التهذيب ٢ : ٧٥ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٢.
وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع ، ولو كان بأحدهما عذر وضع الأخرى ، ويرد ركبتيه إلى خلفه ، ويسوّي ظهره ، ويمدّ عنقه موازيا ظهره. وأن يدعو أمام التسبيح.
______________________________________________________
يرفع يده كلّما أهوى للركوع والسجود ، وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود؟ قال : « هي العبودية » (١).
ويستفاد من هاتين الروايتين استحباب رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع كما هو مذهب ابني بابويه (٢) وصاحب الفاخر ، وربما ظهر منهما عدم تقييد الرفع بالتكبير ، بل لو ترك التكبير استحب الرفع.
قوله : ( وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع ، ولو كان بأحدهما عذر وضع الأخرى ، ويرد ركبتيه إلى خلفه ، ويسوّي ظهره ، ويمد عنقه موازيا ظهره. وأن يدعو أمام التسبيح ).
المستند في ذلك روايات كثيرة ، منها : ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم اركع وقل : رب لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلّته قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ، سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسّل ، وتصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكّن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك بين قدميك ثم قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله رب العالمين ، أهل الجبروت والكبرياء والعظمة ، الحمد لله رب
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٧٥ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٤ : ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٣.
(٢) الصدوق في الهداية : ٣٩ ، ونقله عنهما في الذكرى : ١٩٩.
وأن يسبّح ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا فما زاد.
______________________________________________________
العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا » (١).
قوله : ( وأن يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا ).
ظاهر هذه العبارة وكثير من العبارات أن السبع نهاية الكمال ، وتشهد له رواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : « يقول في الركوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث ، والفضل في سبع » (٢).
وفي الطريق ضعف ، مع أن الشيخ ـ رحمهالله ـ روى في الصحيح ، عن أبان بن تغلب ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام وهو يصلّي فعدّدت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة (٣).
وروى الكليني ـ رضياللهعنه ـ عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد قالا : دخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام وعنده قوم فصلّى بهم العصر وقد كنّا صلّينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة. وقال أحدهما في حديثه : « وبحمده » في الركوع والسجود سواء (٤).
قال المصنف في المعتبر : والوجه استحباب ما يتسع له العزم ولا يحصل به السأم إلاّ أن يكون إماما فإن التخفيف أليق ، لئلا يلحق السأم ، وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا صلّى بالناس خفف بهم (٥) ، إلاّ أن يعلم منهم الانشراح لذلك (٦). وهو حسن.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١ ، وفيه وفي الكافي ، بتفاوت.
(٢) التهذيب ٢ : ٧٦ ـ ٢٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٢ ـ ١٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٩٢٣ أبواب الركوع ب ٤ ح ١.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٥ ، الوسائل ٤ : ٩٢٦ أبواب الركوع ب ٦ ح ١.
(٤) الكافي ٣ : ٣٢٩ ـ ٣ ، الوسائل ٤ : ٩٢٧ أبواب الركوع ب ٦ ح ٢.
(٥) سنن البيهقي ٣ : ١١٧.
(٦) المعتبر ٢ : ٢٠٢.
وأن يرفع الإمام صوته بالذكر فيه. وأن يقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ويدعو بعده.
______________________________________________________
ويشهد له أيضا ما رواه سماعة في الموثق قال ، قلت له : كيف حدّ الركوع والسجود؟ فقال : « أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله ثلاثا ، ومن كان يقوى على أن يطوّل الركوع والسجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع ، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة » (١).
قوله : ( وأن يرفع الإمام صوته بالذكر ).
لقوله عليهالسلام في رواية أبي بصير : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول » (٢).
قوله : ( وأن يقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ويدعو بعده ).
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الإمام والمأموم والمنفرد ، وبه صرّح في المعتبر (٣) ، وأسنده إلى علمائنا ، ويدل عليه قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة : « ثم قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة ، الحمد لله رب العالمين ، تجهر بها صوتك ، ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا » (٤) وفي هذه الرواية ردّ على أبي
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٧ ، الإستبصار ١ : ٣٢٤ ـ ١٢١١ أورد صدر الحديث ، الوسائل ٤ : ٩٢٧ أبواب الركوع ب ٦ ح ٤.
(٢) التهذيب ٣ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.
(٣) المعتبر ٢ : ٢٠٣.
(٤) الكافي ٣ : ٣١٩ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.
______________________________________________________
الصلاح (١) ، وابن زهرة (٢) ، حيث ذهبا إلى أنه يقول : « سمع الله لمن حمده » في حال ارتفاعه من الركوع.
ولو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم كان حسنا ، لما رواه الكليني ـ رضياللهعنه ـ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، قلت : ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال : « يقول : الحمد لله رب العالمين ويخفض من الصوت » (٣) قال الشيخ : ولو قال : « ربنا ولك الحمد » لم تفسد صلاته (٤). لأنه نوع تحميد ، لكن المنقول عن أهل البيت عليهمالسلام أولى.
وحكى الشهيد ـ رحمهالله ـ في الذكرى أن الحسين بن سعيد روى بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن الصادق عليهالسلام أنه قال : « إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده قال من خلفه : ربنا لك الحمد » (٥) ثم شهد بصحة الخبر ، والكل حسن إنشاء الله.
وعدّي « سمع » باللام مع أنه متعد بنفسه ، لأنه ضمن معنى : استجاب فعدّي بما تعدّى به ، كما أن قوله تعالى ( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ) (٦) ضمن معنى : يصغون فعدّي بإلى. وهذه الكلمة أعني : « سمع الله لمن حمده » محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفي رواية المفضّل ، عن الصادق عليهالسلام تصريح بكونها دعاء فإنه قال ، قلت له : جعلت فداك علمني دعاء جامعا ، فقال لي : « احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلّي إلاّ دعا لك يقول : سمع الله لمن حمده » (٧).
__________________
(١) الكافي في الفقه : ١٤٢.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٩.
(٣) الكافي ٣ : ٣٢٠ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ١.
(٤) المبسوط ١ : ١١٢.
(٥) الذكرى : ١٩٩ ، الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ٤.
(٦) الصافات : ٨.
(٧) الكافي ٢ : ٥٠٣ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ٢.
ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه.
السّادس : السجود
وهو واجب ، في كل ركعة سجدتان ، وهما ركن في الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما من كل ركعة عمدا وسهوا.
______________________________________________________
قوله : ( ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه ).
هذا الحكم ذكره الشيخ ـ رحمهالله ـ في المبسوط وقال : إنه يستحب أن تكون يداه بارزتين أو في كمّه (١).
وقال ابن الجنيد : لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل (٢). وتشهد له رواية عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه ، قال : « إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس » (٣).
وقال أبو الصلاح : يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب (٤). وأطلق ، ويدفعه صريحا ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أبي جعفر عليهالسلام : قال : سألته عن الرجل يصلّي ولا يخرج يديه عن ثوبه ، قال : « إن أخرج يديه فحسن وإن لم يخرج فلا بأس » (٥).
قوله : ( السادس ، السجود ، وهو واجب ، في كل ركعة سجدتان ، وهما ركن في الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما في كل ركعة عمدا وسهوا ).
__________________
(١) المبسوط ١ : ١١٢.
(٢) نقله عنه في الذكرى : ١٩٨.
(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ـ ١٤٧٥ ، الإستبصار ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٤ ، الوسائل ٣ : ٣١٤ أبواب لباس المصلي ب ٤٠ ح ٤.
(٤) الكافي في الفقه : ١٢٥.
(٥) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٥٦ ـ ١٤٧٤ ، الإستبصار ١ : ٣٩١ ـ ١٤٩١ ، الوسائل ٣ : ٣١٣ أبواب لباس المصلي ب ٤٠ ح ١.