مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

المقدمة السادسة :

في ما يسجد عليه

لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، كالجلود والصوف والشعر.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السادسة ، لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ، كالجلود والصوف والشعر ).

أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها.

ويدل عليه الأخبار المستفيضة كصحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعمار لا يجوز؟ قال : « السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس » فقال له : جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال : « لأن السجود خضوع لله عزّ وجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها » (١).

وصحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس » (٢).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أسجد على‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٥٩١ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٤ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ٣ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٢.

٢٤١

______________________________________________________

الزفت يعني القير؟ فقال : « لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش » (١).

واعلم أنّ السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات ، لأنه أبلغ في الخضوع والتواضع لله تعالى ، ولما رواه الشيخ عن إسحاق بن الفضل : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السجود على الحصر والبواري فقال : « لا بأس ، وإن تسجد على الأرض أحب إليّ ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب أن يمكن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه » (٢).

والأفضل السجود على التربة الحسينية صلوات الله على مشرفها ، فروى الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المصباح ، عن معاوية بن عمار ، قال : كان لأبي عبد الله عليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه‌السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال : « إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب » (٣).

و (٤) عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ومشط وسجادة وسبحة فيها أربع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٢ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١١ ـ ١٢٦٣ ، الوسائل ٣ : ٦٠٩ أبواب ما يسجد عليه ب ١٧ ح ٤.

(٣) مصباح المتهجد : ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ٦٠٨ أبواب ما يسجد عليه ب ١٦ ح ٣.

(٤) في « س » ، « م » ، « ح » زيادة : ويستحب التسبيح بها استحبابا مؤكدا ، فروى الشيخ في التهذيب في الصحيح ، عن أبي عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام أسأله ، هل يجوز أن بسبح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : « سبح به فما في شي‌ء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح ، وروى الشيخ في المصباح.

٢٤٢

ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدنا ، كالملح والعقيق والذهب والفضة والقبر ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

وثلاثون حبة وخاتم عقيق » (١).

وروي أيضا عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « من أدار الحجير من تربة الحسين عليه‌السلام فاستغفر ربه مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة ، فإن مسك السبحة ولم يسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات » (٢).

قوله : ( ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدنا ، كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير ، إلا عند الضرورة ).

الوجه في ذلك الحصر المستفاد من قوله عليه‌السلام : « السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض » (٣) والمعدن لا يطلق عليه اسم الأرض وإن كان يستخرج منها. ويدل عليه أيضا رواية يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تسجد على الذهب ولا الفضة » (٤) وصحيحة محمد بن الحسين : إنّ أبا الحسن عليه‌السلام : كتب إلى بعض أصحابه : « لا تصل على الزجاج ، وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٥).

واختلفت الرواية في جواز السجود على القير ، ففي صحيحة زرارة‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٦٧٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٣ أبواب التعقيب ب ١٦ ح ٥ وفيهما عن عبيد الله والظاهر اتحادهما ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٧٧ ـ ٧٤٨٦ ).

(٢) مصباح المجتهد : ٦٧٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٣ أبواب التعقيب ب ١٦ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ ـ ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٥٩١ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٢٩ ، الوسائل ٣ : ٦٠٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٣١ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ـ ٥ ، الوسائل ٣ : ٦٠٤ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.

٢٤٣

______________________________________________________

المتقدمة (١) النهي عنه ، وفي صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الصلاة في السفينة : « وتصلي على القير وتسجد عليه » (٢).

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار (٣) ، والمصنف في المعتبر (٤) بالحمل على حال الضرورة ، وهو بعيد. ولو قيل بالجواز وحمل النهي على الكراهة أمكن إن لم ينعقد الإجماع على خلافه.

وقد قطع الأصحاب بجواز السجود على الخزف حتى إنّ العلامة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه (٥). وقال المصنف في المعتبر بعد أن منع من التيمم عليه لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض : ولا يعارض بجواز السجود لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ (٦). وفيه نظر بيناه فيما سبق. والأولى اجتنابه لما ذكره المصنف من خروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، وإن أمكن توجه المنع إليه ، فإن الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض عرفا.

ويمكن أن يستدل على الجواز أيضا بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : أنه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهراه » (٧).

وجه الدلالة أنها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص ، والخزف‌

__________________

(١) في ص ٢٤١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٥ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٣ ، والاستبصار ١ : ٣٣٤.

(٤) المعتبر ٢ : ١١٩.

(٥) التذكرة ١ : ٥٤.

(٦) المعتبر ١ : ٣٧٥.

(٧) الفقيه ١ : ١٧٥ ـ ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٣ : ٦٠٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

٢٤٤

ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولا بالعادة ، كالخبز والفواكه ، وفي القطن والكتان روايتان أشهرهما المنع.

______________________________________________________

في معناه ، وتؤيده الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز السجود على القرطاس (١) ، وصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لجواز السجود على القير (٢).

قوله : ( ولا على ما أنبتت الأرض إذا كان مأكولا بالعادة ، كالخبز والفواكه ).

المراد بكونه مأكولا في العادة أن يطّرد أكله ، فلو أكل نادرا أو في محل الضرورة كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يكثر أكلها لم يعدّ مأكولا. ولو أكل شائعا في قطر دون غيره امتنع السجود عليه مطلقا ، ويحتمل قويا اختصاص كل قطر بمقتضى عادته. ولو كان له حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى جاز السجود عليه في إحداهما ومنع في الأخرى. ولا يعتبر في المأكول كونه بحيث ينتفع به بالفعل بل يكفي القوة القريبة منه.

وجوز العلاّمة في التذكرة والمنتهى السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، وعلله في المنتهى بأنهما غير مأكولين ، وفي التذكرة بأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة (٣).

وضعف الوجهين ظاهر ، لأن المأكول لا يخرج عن كونه مأكولا بافتقاره إلى العلاج ، ولجريان العادة بأكلهما غير منخولين خصوصا الحنطة ، على أن النخل (٤) لا يأتي على جميع الأجزاء ، لأن الأجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل ، ولا يقدح أكلها تبعا في كونها مأكولة ، فالأصح عدم جواز السجود عليهما مطلقا.

قوله : ( وفي القطن والكتان روايتان ، أشهرهما المنع ).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٧.

(٢) المتقدمة في ص ٢٤٤.

(٣) التذكرة ١ : ٩٢ ، والمنتهى ١ : ٢٥١.

(٤) في « م » ، « س » ، « ح » : المنخل.

٢٤٥

______________________________________________________

المشهور بين الأصحاب تحريم السجود على القطن والكتان : سواء كان‌ قبل النسج أم بعده (١). ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه قال في بعض رسائله : يكره السجود على الثوب المنسوج من قطن أو كتان كراهية تنزه وطلب فضل ، لا أنه محظور ومحرّم ، مع أنه ذهب في الجمل والانتصار إلى المنع ونقل فيه إجماع الطائفة (٢). وهو المعتمد.

لنا : قوله عليه‌السلام في صحيحة حماد : « السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس » (٣).

وما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال : « لا ، ولا على الثوب الكرسف » (٤).

وفي الصحيح ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية » (٥) دلت الرواية على ثبوت البأس في السجود على الثياب مع عدم التقية ، وهي تتناول المعمول من القطن والكتان.

ويدل عليه صريحا رواية الفضل بن عبد الملك قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتان » (٦).

احتج المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ بأنه لو كان السجود على الثوب المنسوج‌

__________________

(١) في « ح » زيادة : بل قال في المختلف : إنه قول علمائنا أجمع.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٨٦.

(٣) المتقدمة في ص ٢٤١.

(٤) المتقدمة في ص ٢٤١.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٣٠ ، الإستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٤ ، الوسائل ٣ : ٥٩٦ أبواب ما يسجد عليه ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ ـ ١٢٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤١ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٦.

٢٤٦

______________________________________________________

من القطن والكتان محرّما محظورا لجرى في القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها مجرى السجود على النجاسة ، ومعلوم أن أحدا لا ينتهي إلى ذلك (١).

ويتوجه عليه أولا منع الملازمة ، وثانيا منع بطلان اللازم وإن ادعى أن أحدا لم يذهب إليه.

ويدل على الجواز ما رواه الشيخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن داود الصرمي ، قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ، هل يجوز السجود على القطن والكتان من غير تقية؟ فقال : « جائز » (٢).

وعن منصور بن حازم ، عن غير واحد من أصحابه قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ فقال : « لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا » (٣).

وعن الحسين بن عليّ بن كيسان الصنعاني قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليّ : « ذلك جائز » (٤).

وعن ياسر الخادم قال : مرّ بي أبو الحسن عليه‌السلام وأنا أصلّي على الطبري (٥) وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه فقال لي : « ما لك لا تسجد عليه؟! أليس هو من نبات الأرض؟ » (٦).

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٧٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٧ ـ ١٢٤٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٦ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ـ ١٢٤٧ ، الإستبصار ١ : ٣٣٢ ـ ١٢٤٧ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ـ ١٢٤٨ ، الإستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٥٣ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٧.

(٥) الطبري : لعلّه كتان منسوب إلى طبرستان ـ مجمع البحرين ٣ : ٣٧٦.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠٨ ـ ١٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ ـ ١٢٤٣ ، علل الشرائع : ٣٤١ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٩٥ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٥.

٢٤٧

ولا يجوز السجود على الوحل ، فإن اضطرّ أومأ ،

______________________________________________________

وفي الحسن ، عن الفضيل بن يسار وبريد بن معاوية ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا بأس بالقيام على المصلّى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه » (١).

وأجاب الشيخ عن جميع هذه الأخبار بالحمل على حالة الضرورة أو التقية (٢). ورده المصنف في المعتبر بأن في رواية الحسين الصنعاني التنصيص على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة ، واستحسن حمل الأخبار المانعة على الكراهة (٣). وهو محتمل لكن هذه الأخبار لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة الدالة بظاهرها على المنع (٤) المؤيدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( ولا يجوز السجود على الوحل ، فإن اضطر أومأ ).

أما أنه لا يجوز السجود على الوحل فظاهر ، لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض ، ولما رواه عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سأله عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال : « إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض » (٥).

وأما الاكتفاء بالإيماء مع الاضطرار فيدل عليه مضافا إلى أدلة نفي الحرج والضرر رواية عمار أيضا : إنه سأله عن الرجل يصيبه المطر وهو لا يقدر أن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣١ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٦٠ ، الوسائل ٣ : ٥٩٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٨ ، والاستبصار ١ : ٣٣١.

(٣) المعتبر ٢ : ١١٩.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٠ ـ ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٨٦ ـ ١٣٠١ ، التهذيب ٢ : ٣١٢ ـ ١٢٦٧ الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٩.

٢٤٨

ويجوز السجود على القرطاس ،

______________________________________________________

يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا ، قال : « يفتتح الصلاة ، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فليوم بالسجود إيماء وهو قائم (١) ومقتضى الرواية عدم وجوب الجلوس للسجود. لكنها ضعيفة السند ، فالأولى وجوب الجلوس والإتيان من السجود بالممكن ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور.

قوله : ( ويجوز السجود على القرطاس ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل عليه جدي ـ قدس‌سره ـ في الشرح الإجماع (٢) ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل والعمومات صحيحة عليّ بن مهزيار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن عليه‌السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة ، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : « يجوز » (٣).

وصحيحة جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة (٤).

وصحيحة صفوان الجمّال ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على قرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء (٥). وإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم الفرق في القرطاس بين المتخذ من القطن وغيره حتى الإبريسم واعتبر العلاّمة في التذكرة فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم ، لأنه ليس بأرض ولا من نباتها (٦). وهو تقييد لإطلاق النص من غير دليل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٢ ـ ١٢٦٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٠ أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٤.

(٢) المسالك ١ : ٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣٠ ، التهذيب ٢ : ٣٠٩ ـ ١٢٥٠ ، الإستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٧ ، الوسائل ٣ : ٦٠١ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ ـ ١٢٣٢ ، الإستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ٣ : ٦٠١ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠٩ ـ ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٣٣٤ ـ ١٢٥٨ ، المحاسن : ٣٧٣ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٣ : ٦٠٠ أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ١.

(٦) التذكرة ١ : ٩٢.

٢٤٩

ويكره إذا كان فيه كتابة. ولا يسجد على شي‌ء من بدنه ، فإن منعه الحرّ عن السجود على الأرض سجد على ثوبه ، وإن لم يتمكن فعلى كفّه.

______________________________________________________

ويظهر من الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى التوقف في هذا الحكم فإنه قال : وفي النفس من القرطاس شي‌ء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة إلاّ أن نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض (١).

ولا يخفى ما في هذين الجوابين من التكلف المستغنى عنه بعد ثبوت الحكم بالروايات الصحيحة المطابقة لمقتضى الأصل ، على أنه يمكن المناقشة في عدم جواز السجود على النورة ، لاقتضاء رواية الحسن بن محبوب الجواز على الجص (٢) ، وهي في معناه.

قوله : ( ويكره إذا كان فيه كتابة ).

لورود النهي عنه في صحيحة جميل بن دراج ، وإنما يكره إذا وقعت الجبهة على شي‌ء من القرطاس الخالي من الكتابة إذا كانت بما لا يصح السجود عليه ، ولا عبرة باللون ، ولا فرق في ذلك بين المبصر وغيره ، لإطلاق النص.

قوله : ( ولا يسجد على شي‌ء من بدنه ، فإن منعه الحر عن السجود على الأرض سجد على ثوبه ، وإن لم يتمكن فعلى كفيه ).

قد تقدم أنه يعتبر في المسجد أن يكون أرضا أو نباتها فيجب تحصيلهما مع الإمكان ، ومع الحرّ المانع من ذلك يسجد على ثوبه إذا لم يجد شيئا يصلح للسجود عليه ، ولو بأن يأخذ شيئا من التراب بيده إلى أن يبرد. ولو لم يكن معه ثوب سجد على ظهر كفه ، ويدل على ذلك صحيحة القاسم بن الفضيل قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد ،

__________________

(١) الذكرى : ١٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٠ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ ـ ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٦٠٢ أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

٢٥٠

والذي ذكرناه إنما يعتبر في موضع الجبهة ، لا في بقية المساجد.

______________________________________________________

قال : « لا بأس به » (١).

ورواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : « تسجد على بعض ثوبك » قلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله ، قال : « اسجد على ظهر كفك فإنها أحد المساجد » (٢).

قوله : ( والذي ذكرناه إنما يعتبر في مسجد الجبهة ، لا في بقية المساجد ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة : فروى الفضيل بن يسار وبريد بن معاوية في الحسن ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا بأس بالقيام على المصلّى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه » (٣).

وروى حمران في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « كان أبي يصلّي على الخمرة (٤) يجعلها على الطنفسة (٥) ويسجد عليها ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤١ ، الإستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٥٠ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٦ ـ ١٢٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٣٣ ـ ١٢٤٩ ، الوسائل ٣ : ٥٩٧ أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٥.

(٣) المتقدمة في ص ٢٤٨.

(٤) الخمرة بالضم : سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخيوط ، وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ولا تكون خمرة إلاّ هذا المقدار ـ مجمع البحرين ٣ :

٢٩٢.

(٥) الطنفسة : هي بكسرتين ، وفي لغة بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء :

السباط الذي له خمل رقيق ( مجمع البحرين ٤ : ٨٢ ).

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٢ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٥ ـ ١٢٣٤ ، الإستبصار ١ : ٣٣٥ ـ ١٢٥٩ ، الوسائل ٣ : ٥٩٤ أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٢.

٢٥١

ويراعى فيه أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ، وأن يكون خاليا من نجاسة.

وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شي‌ء منه.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم يسجد على شي‌ء منه ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واحتجوا عليه بأن المشتبه بالنجس قد امتنع فيه التمسك بأصالة الطهارة ، للقطع بحصول النجاسة فيما وقع فيه الاشتباه ، فيكون حكمه حكم النجس في أنه لا يجوز السجود عليه ، ولا الانتفاع به في شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة.

وفيه نظر ، أما أولا : فلأن أصالة الطهارة إنما امتنع التمسك بها بالنسبة إلى مجموع ما وقع فيه الاشتباه ، لا في كل جزء من أجزائه ، فإن أيّ جزء فرض من الأجزاء التي وقع فيها الاشتباه مشكوك في نجاسته بعد أن كان متيقن الطهارة ، واليقين إنما يخرج عنه بيقين مثله ، وقد روى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا » (١).

وأما ثانيا فلأن ذلك بعينه آت في غير المحصور ، فلو تم لاقتضى عدم جواز الانتفاع به فيما يفتقر إلى الطهارة ، وهو معلوم البطلان.

ومن العجب ذهاب جمع من الأصحاب إلى بقاء الملاقي لبعض المحل المشتبه من المحصور على الطهارة لعدم القطع بملاقاته النجاسة ، وإطباقهم على المنع من السجود عليه ، مع انتفاء ما يدل على طهارة محل السجود كما بيناه فيما سبق (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ـ ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ : ٦٤١ ، علل الشرائع : ٣٦١ ـ ١ ، الوسائل ٢ : ١٠٦١ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ١.

(٢) في ص ٢٢٥.

٢٥٢

ويجوز في المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة.

______________________________________________________

وبالجملة : فالمتجه جواز السجود على ما لم تعلم نجاسته بعينه ، وعدم نجاسة الملاقي ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ويجوز في المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة ).

أشار بقوله : « دفعا للمشقة » إلى انتفاء النص على الفرق بين المواضع المتسعة وغيرها ، وأن عدم وجوب الاجتناب في المواضع المتسعة إنما هو للمشقة اللازمة من التكليف باجتنابه. ويشكل بانتفاء المشقة في كثير من الصور ، وبأن الدليل المتقدم الدال على وجوب الاجتناب في المحصور جار في غيره كما بيناه (١) ، والمشقة بمجردها لا تقتضي طهارة ما دل الدليل على نجاسته.

والذي يقتضيه النظر عدم الفرق بين المحصور وغيره ، وأنه لا مانع من الانتفاع بالمشتبه فيما يفتقر إلى الطهارة إذا لم يستوعب المباشرة لجميع ما وقع فيه الاشتباه.

ثم إن قلنا بالفرق فالمراد بغير المحصور ما كان كذلك في العادة بمعنى تعسر حصره وعدّه ، لا ما امتنع حصره ، لأن كل ما يوجد من الأعداد فهو قابل للعدّ والحصر. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) في ص ٢٥.

٢٥٣

المقدمة السابعة

في الأذان والإقامة

والنظر في أربعة أشياء :

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السابعة ، في الأذان والإقامة ).

الأذان لغة : الإعلام ، وفعله : أذن يأذن ، ثم مدّ للتعدية.

وشرعا : أذكار مخصوصة موضوعة للإعلام بدخول أوقات الصلاة. والإقامة مصدر أقام بالمكان ، والتاء عوض من عين الفعل ، لأن أصله إقوام ، أو مصدر أقام الشي‌ء بمعنى أدامه ومنه ( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ).

وشرعا : الأذكار المعهودة عند القيام إلى الصلاة.

وهما من وكيد السنن اتفاقا وثوابهما عظيم ، فروى الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أذّنت وأقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة ، وإذا أقمت صلّى خلفك صفّ من الملائكة » (١).

وروى الصدوق ـ رحمه‌الله ـ مرسلا : « إن حدّ الصف ما بين المشرق والمغرب » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ ـ ٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٦.

٢٥٤

______________________________________________________

وروى أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة لا يرى طرفاهما ، ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه ملك » (١).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة » (٢).

وفي الصحيح ، عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « المؤذن يغفر له مدّ صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه » (٣).

وقد أجمع الأصحاب على أنّ الأذان والإقامة وحي من الله تعالى على لسان جبرئيل عليه‌السلام كسائر العبادات ، وأخبارهم به ناطقة.

فروى الكليني في الحسن ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لما هبط جبرئيل عليه‌السلام بالأذان على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رأسه في حجر عليّ عليه‌السلام ، فأذّن جبرئيل عليه‌السلام وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا عليّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلّمه ، فدعا عليّ عليه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٦ ـ ٨٨٩ ، ثواب الأعمال : ٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٦٢٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٣ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ٤ : ٦١٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٧ ـ ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٥٢ ـ ١٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦١٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ١١.

٢٥٥

الأول : فيما يؤذن له ويقام ، وهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة ، لكن يشترط أن تسرّ ، وقيل : هما شرط في الجماعة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

السلام بلالا فعلّمه » (١).

وفي الحسن ، عن زرارة أو الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لما أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل عليه‌السلام وأقام ، فتقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفّ الملائكة والنبيون خلف محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

وقد أطبق العامة على نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (٣). ولا ريب في بطلانه ، لأن النزر من الأمور المشروعة مستفاد من الوحي الإلهي فما ظنك بالمهم منها. وقال ابن أبي عقيل : أجمعت الشيعة على أن الصادق عليه‌السلام لعن قوما زعموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ الأذان من عبد الله بن زيد فقال : « ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد » (٤).

قوله : ( وهما مستحبان في الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة لكن يشترط أن تسرّ ، وقيل : هما شرط في الجماعة ، والأول أظهر ).

أجمع العلماء كافة على مشروعية الأذان والإقامة في الصلوات الخمس ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٢ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٦٠ ـ ٢١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١ ح ١.

(٣) منهم البيهقي في سننه ١ : ٣٩٠ ، وابن قدامة في المغني ١ : ٤٤٩.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٦٨ ، والوسائل ٤ : ٦١٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١ ح ٣.

٢٥٦

______________________________________________________

واختلف الأصحاب في استحبابهما أو وجوبهما ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في الخلاف (١) ، والمرتضى في جواب المسائل الناصرية (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وسلاّر (٤) إلى الاستحباب.

وقال الشيخان (٥) ، وابن البراج (٦) ، وابن حمزة (٧) بوجوبهما في صلاة الجماعة. قال في المبسوط : ومتى صلّى جماعة بغير أذان وإقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية. وقال أبو الصلاح : هما شرط في الجماعة (٨). وقال المرتضى في الجمل : تجب الإقامة على الرجال في كل فريضة ، والأذان على الرجال والنساء في الصبح والمغرب والجمعة ، وعلى الرجال خاصة في الجماعة (٩). وقال ابن أبي عقيل : يجب الأذان في الصبح والمغرب ، والإقامة في جميع الخمس (١٠). وقال ابن الجنيد : يجبان على الرجال جماعة وفرادى ، سفرا وحضرا ، في الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات قال : وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط (١١). والمعتمد الاستحباب مطلقا.

لنا : التمسك بالأصل فإن مقتضاه عدم الوجوب ، وما روي في الصحيح من تعليم الصادق عليه‌السلام لحمّاد الصلاة ، وإنه عليه‌السلام قام مستقبل القبلة منتصبا ، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة وقال بخشوع : « الله أكبر » ‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٩٢.

(٢) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١.

(٣) السرائر : ٤٣.

(٤) المراسم : ٦٧.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٥ ، والشيخ في النهاية : ٦٤ ، والمبسوط ١ : ٩٥.

(٦) المهذب ١ : ٨٨ ، وشرح الجمل : ٧٩.

(٧) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٢.

(٨) الكافي في الفقه : ١٤٣.

(٩) جمل العلم والعمل : ٥٧.

(١٠) نقله عنه في التذكرة ١ : ١٠٨.

(١١) نقله عنه في المختلف : ٨٧.

٢٥٧

______________________________________________________

ثم قرأ الحمد بترتيل ، الحديث (١). ولو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا في مقام البيان.

ويدل على استحباب الأذان صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنه سأله عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : « فليمض على صلاته فإنما الأذان سنة » (٢) والظاهر من معنى السنة : الندب.

وصحيحة عبيد الله بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه : « إنه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن » (٣).

وروى الحلبي أيضا في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ، هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به » (٤).

وصحيحة عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال : « ليس به بأس ، وما أحب أن يعتاد » (٥).

ومقتضى هذه الروايات استحباب الأذان في كل المواطن. قال في المختلف : وإذا كان الأذان مستحبا في كل موضع فكذا الإقامة ، وإلاّ لزم خرق الإجماع (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، أمالي الصدوق : ٣٣٧ ـ ١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٣٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٤ ـ ١١٣٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٦ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٧١ ، الوسائل ٤ : ٦٢٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٥١ ـ ١٦٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٦.

(٦) المختلف : ٨٨.

٢٥٨

______________________________________________________

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب الأذان في الجماعة بما رواه عن القاسم بن محمد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته أيجزي أذان واحد؟ قال : « إذا صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزئك إقامة إلاّ الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ، من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات » (١).

والجواب أولا بالطعن في السند ، فإن القاسم بن محمد ، وعليّ بن أبي حمزة واقفيان ، بل قال النجاشي : إن عليّ بن أبي حمزة أحد عمد الواقفية (٢). وقال ابن الغضائري : إنه أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للرضا عليه‌السلام (٣). وأبو بصير هذا هو يحيى بن القاسم وهو ضعيف (٤) ، وما هذا شأنه لا يمكن التمسك به في إثبات حكم مخالف للأصل ، خصوصا فيما نحن فيه ، فإنه مما تعم به البلوى وتدعو الحاجة إليه.

وثانيا بأنه يحتمل تنزيلها على الاستحباب ، فإن الإجزاء كما يجوز أن يكون المراد به الإجزاء في الصحة يحتمل الإجزاء في الفضيلة ، ودل على ذلك قوله : « وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزئك إقامة » وهذا التنزيل لازم للشيخ ـ رحمه‌الله ـ حيث لا يقول بوجوب الإقامة.

وقد أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء ، ويدل عليه ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : « حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٣ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ ـ ١٦٣ ، الإستبصار ١ : ٢٩٩ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٤ : ٦٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٥.

(٣) نقله عنه العلامة في خلاصته : ٢٣٢.

(٤) راجع رجال الطوسي : ٣٣٣ ، ٣٦٤ ، وخلاصة العلامة : ٢٦٤.

٢٥٩

______________________________________________________

وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله » (١).

ولا يتأكد في حقهن ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : « لا » (٢). وفي الصحيح ، عن زرارة ، قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : النساء عليهن أذان؟ فقال : « إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (٣).

ويجوز أن تؤذّن للنساء ويعتددن به ، قال في المعتبر : وعليه علماؤنا ، لما روي من جواز إمامتها لهن (٤) ، وإذا جاز أن تؤمهن جاز أن تؤذّن لهنّ ، لأن منصب الإمامة أتم (٥).

ولو أذّنت للمحارم فكالأذان للنساء في الاعتداد ، لجواز الاستماع. أما الأجانب فقد قطع الأكثر بأنهم لا يعتدّون به ، لأنها إن أجهرت فهو منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، وإن أخفت عنهم لم يجتزأ به لعدم السماع. وظاهر المبسوط الاعتداد به ، قال : لأنه لا مانع منه (٦). وكأنه بناء على أن صوتها ليس بعورة فلا يحرم على الأجانب سماعه.

ويمكن تطرّق الإشكال إلى اعتداد الرجال بأذانهن على هذا التقدير أيضا ، لتوقف العبادة على التوقيف ، وعدم ورود النقل بذلك.

وقول المصنف : « بشرط أن تسرّ به » يريد به أن لا تسمع صوتها الأجانب ، فلو أجهرت على وجه لا يحصل معه ذلك فلا محذور فيه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ١٨ ، التهذيب ٢ : ٥٧ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٣٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١١ ، الإستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٠٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١.

(٥) المعتبر ١ : ١٢٦.

(٦) المبسوط ١ : ٩٧.

٢٦٠