مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ولا تبطل بالإخلال بواحده سهوا.

______________________________________________________

أما وجوب السجدتين في كل ركعة فمتفق عليه بين المسلمين ، بل الظاهر‌ أنه من ضروريات الدين.

وأما أنهما ركن في الصلاة بمعنى أنها تبطل بالإخلال بهما عمدا وسهوا فقال في المعتبر : إنه مذهب العلماء كافة (١). والوجه فيه أن الإخلال بالسجود مقتض لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.

ويدل عليه أيضا ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٢).

وربما ظهر في كلام الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (٣) أنهما ركن في الأوّلتين وثالثة المغرب خاصة ، نظرا إلى أن ناسيهما في الركعتين الأخيرتين من الرباعية يحذف الركوع ويعود إليهما ، وسيجي‌ء البحث في ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى (٤).

قوله : ( ولا تبطل بالإخلال بواحدة منهما سهوا ).

هذا مذهب أكثر الأصحاب ، وادعى عليه في الذكرى الإجماع (٥). والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل نسي أن يسجد سجدة (٦) الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد ، قال : « فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٥ ـ ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

(٣) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٤) في ج ٤ ص ٢١٤.

(٥) الذكرى : ٢٠٠.

(٦) في « س » : السجدة.

٤٠١

______________________________________________________

ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ، ثم يسجدها فإنها قضاء » (١) وما رواه ابن بابويه في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يسجد واحدة وذكرها وهو قائم ، قال : « يسجدها إذا ذكرها ولم يركع ، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو » (٢).

ويشهد لهما أيضا صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاقض الذي فاتك سهوا » (٣).

وصحيحة حكم بن حكيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثم يذكر بعد ذلك فقال : « يقضي ذلك بعينه » فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : « لا » (٤).

ونقل عن ظاهر بن أبي عقيل أن نسيان السجدة الواحدة مبطل وإن كان سهوا (٥) ، وربما كان مستنده ما رواه عليّ بن إسماعيل ، عن رجل ، عن معلّى بن خنيس ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء » (٦) واستدل له المتأخرون أيضا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ ـ ٦٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٨ أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ٤ : ٩٦٩ أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٨ ـ ١٠٠٧ ، وفي التهذيب ٢ : ٣٥٠ ـ ١٤٥٠ ، والوسائل ٥ : ٣٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١ : فاصنع بدل فاقض.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٠ ـ ٥٨٨ ، الإستبصار ١ : ٣٥٧ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٤ : ٩٣٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ١.

(٥) المختلف : ١٣١ ، والذكرى : ٢٠٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٤ ـ ٦٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥٩ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٤ : ٩٦٩ أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

٤٠٢

وواجبات السجود ستة :

الأول : السجود على سبعة أعضاء : الجبهة ، والكفّان ، والركبتان وإبهاما الرجلين.

______________________________________________________

بأن الإخلال بالسجدة إخلال بالركن (١) ، فإن الإخلال بأي جزء كان من الماهية المركبة يقتضي الإخلال بالماهية.

والجواب عن الرواية بالطعن في السند بالإرسال وغيره ، وحملها الشيخ في التهذيب على أن المنسي السجدتان (٢) ، وهو بعيد.

وعن الثاني بأن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر كما بيناه. وأجاب عنه الشهيد رحمه‌الله (٣) ، ومن تأخر عنه (٤) بوجوه ضعيفة. والحق أن هذا الإشكال غير مختص بهذه المسألة ، بل هو آت في الإخلال بحرف واحد من القراءة ، لفوات الماهية المركبة ـ أعني الصلاة بفواته. والجواب عن الجميع واحد ، وهو إثبات الصحة بدليل من خارج. وسيجي‌ء تمام الكلام في هذه المسألة في باب السهو إنشاء الله تعالى.

قوله : ( وواجبات السجود ستة ، الأول : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، وإبهاما الرجلين ).

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع إلاّ المرتضى فإنه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين (٥).

والأصل في ذلك من طرق الأصحاب ما رواه زرارة في الصحيح قال ،

__________________

(١) الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٢٠.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٤.

(٣) الذكرى : ٢٠٠.

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٧٥.

(٥) التذكرة : ١٢٠.

٤٠٣

______________________________________________________

قال أبو جعفر عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، فأما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وما رواه حمّاد بن عيسى في الصحيح أن الصادق عليه‌السلام لمّا علّمه الصلاة سجد على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف ، وقال : « سبع منها فرض ووضع الأنف على الأرض سنة » (٢) وهما نص في المطلوب.

إذا تقرر ذلك فأعلم أنه يكفي في الكفين والركبتين وإبهامي الرجلين ما يقع عليه الاسم منها ، ولا نعرف في ذلك خلافا.

والاعتبار في الكفين بباطنهما للتأسي ، ولم نقف للمرتضى (٣) في اعتبار المفصل على حجة.

ولا يتعين في إبهامي الرجلين رؤسهما وإن كان أولى ، لظاهر رواية حماد المتقدمة. وقال في المبسوط : لو وضع بعض أصابع رجليه أجزأه (٤). وهو ضعيف.

واختلف كلام الأصحاب فيما يجب وضعه من الجبهة ، فاكتفى الأكثر بما يصدق عليه الاسم منها كغيرها ، لأن الأمر بالمطلق يقتضي الاكتفاء بما يصدق عليه الاسم ، ولما رواه زرارة في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت له : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة فقال : « إذا مسّ شي‌ء من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٤ ، الخصال : ٣٤٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ٤ : ٩٥٤ أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) جمل العلم والعمل : ٦٠.

(٤) المبسوط ١ : ١١٢.

٤٠٤

______________________________________________________

جبهته الأرض فيما بين حاجبه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (١).

وروى أيضا في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « اسجد على المروحة أو على عود أو سواك » (٢).

وقال ابن بابويه (٣) ، وابن إدريس (٤) : يجب مقدار الدرهم. ولعل مستندهما ما رواه زرارة في الحسن ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة » (٥) والإجزاء إنما يستعمل في أقل الواجب.

واحتج لهما جدّي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان (٦) بصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال : « لا حتى تضع جبهتها على الأرض » (٧) وهي غير دالة على مطلوبهم. وما تضمنته من السجود على جميع الجبهة محمول على الاستحباب ، إذ لا قائل بوجوبه. ( والأجود حمل الرواية الأولى ) (٨) على الاستحباب أيضا جمعا بين‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٦ ـ ٨٣٣ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٤ ، الوسائل ٤ : ٩٦٢ أبواب السجود ب ٩ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٩ ، التهذيب ٢ : ٣١١ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١.

(٣) المقنع : ٢٦.

(٤) السرائر : ٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٣ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ٩ ح ٥.

(٦) روض الجنان : ٢٧٥.

(٧) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧٦ ، قرب الإسناد : ١٠١ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٤ ح ٥.

(٨) بدل ما بين القوسين في « س » ، « م » ، « ح » : ومقتضى الرواية الأولى الاكتفاء بمقدار طرف الأنملة وهو دون الدرهم والأجود حملها.

٤٠٥

الثاني : وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، فلو سجد على كور العمامة لم يجز.

الثالث : أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه ، إلا أن يكون علوّا يسيرا بمقدار لبنة لا أزيد.

______________________________________________________

الأخبار ، وبه قطع الشهيد في الذكرى في باب المكان (١) ، مع أنه رجع عنه بعد ذلك وقال : والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم ، لتصريح الخبر ، وكثير من الأصحاب به ، فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد (٢). وهو غير جيد كما لا يخفى.

قوله : ( الثاني ، وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، فلو سجد على كور العمامة لم يجز ).

كور العمامة بفتح الكاف : دورها والمانع من السجود عليه عندنا كونه من غير جنس ما يصح عليه السجود غالبا لا كونه محمولا.

وأطلق الشيخ في المبسوط المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة (٣). قال في الذكرى : فإن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وإن جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة طولب بدليل المنع (٤).

قوله : ( الثالث ، أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه ، إلا أن يكون علوا يسيرا بمقدار لبنة لا أزيد ).

اللبنة بفتح اللام وكسر الباء ، أو بكسر اللام وسكون الباء ، والمراد بها المعتادة في زمن صاحب الشرع عليه‌السلام ، وقدّرت بأربع أصابع مضمومة‌

__________________

(١) الذكرى : ١٦٠.

(٢) الذكرى : ٢٠١.

(٣) المبسوط ١ : ١١٢.

(٤) الذكرى : ١٥٩.

٤٠٦

______________________________________________________

تقريبا. والحكم بعدم جواز ارتفاع موضع السجود عن الموقف بما يزيد عن اللبنة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (١).

وقال المصنف في المعتبر : ولا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلّي بما يعتد به مع الاختيار وعليه علماؤنا ، لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع ، وقدّر الشيخ حدّ الجواز بلبنة ومنع ما زاد (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ومقتضاه أن هذا التقدير مختص بالشيخ رحمه‌الله.

وربما كان مستنده ما رواه عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن السجود على الأرض المرتفعة فقال : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس » (٣).

وجه الدلالة أنه عليه‌السلام علّق نفي البأس على الارتفاع بقدر اللبنة فيثبت مع انتفاء الشرط ، وهو حجة لكن يمكن المناقشة في سند الرواية بأن من جملة رجالها : النهدي ، وهو مشترك بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه. مع أن عبد الله بن سنان روى في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن موضع جبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ قال : « لا ، وليكن مستويا » (٤) ومقتضاها المنع من الارتفاع مطلقا ، وتقييدها بالرواية الأولى مشكل.

وألحق الشهيد (٥) ـ رحمه‌الله ـ بالارتفاع : الانخفاض ، وهو حسن ، وتشهد له موثقة عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال : « إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٠٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٣١٣ ـ ١٢٧١ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١١ ح ١ ، فيهما : موضع يديك.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٥ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

(٥) البيان : ٨٧.

٤٠٧

______________________________________________________

استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » (١) واعتبر ـ رحمه‌الله ـ ذلك في بقية المساجد أيضا (٢) ، وهو أحوط. ولا فرق في ذلك بين الأرض المنحدرة وغيرها ، لإطلاق النص.

فرع : لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد من اللبنة فقد قطع المصنف ، وغيره (٣) بأنه يرفع رأسه ويسجد على المساوي ، لعدم تحقق السجود معه ، ولرواية الحسين بن حمّاد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع قال : « ارفع رأسك ثم ضعه » (٤). وفي السند ضعف (٥).

والأولى جرّها مع الإمكان ، لصحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرّها على الأرض » (٦) والنبكة ـ بالنون والباء الموحدة مفتوحتين ـ : واحدة النبك وهي أكمة محدّدة الرأس. وقيل : النباك التلال الصغار (٧).

وجمع المصنف في المعتبر بين الروايتين بحمل هذه الرواية على مرتفع يصح معه السجود فيجب السحب لئلا يزيد في السجود (٨) ، وهو بعيد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١١ ـ ١٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ ـ ٩٤٩ ، الوسائل ٤ : ٩٦٤ أبواب السجود ب ١١ ح ٢.

(٢) الذكرى : ٢٠٢.

(٣) كالعلامة في المنتهى ١ : ٢٨٨ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٦٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢١٩ ، الإستبصار ١ : ٣٣٠ ـ ١٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ٩٦١ أبواب السجود ب ٨ ح ٤.

(٥) لجهالة الحسين بن حماد وقال البعض إنه الحسين بن عثمان الأحمسي الثقة ولم يظهر وجهه.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٣ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢٢١ ، الإستبصار ١ : ٣٣٠ ـ ١٢٣٨ ، الوسائل ٤ : ٩٦٠ أبواب السجود ب ٨ ح ١.

(٧) كما في الصحاح ٤ : ١٦١٢.

(٨) المعتبر ٢ : ٢١٢.

٤٠٨

فإن عرض ما يمنع عن ذلك اقتصر على ما يتمكن منه. وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب. وإن عجز عن ذلك كلّه أومأ إيماء.

الرابع : الذكر فيه ، وقيل : يختص بالتسبيح ، كما قلناه في الركوع.

الخامس : الطمأنينة إلا مع الضرورة المانعة.

______________________________________________________

ولو وقعت الجبهة على ما لا يصح السجود عليه جرّها إلى ما يسجد عليه ولا يرفعها مع الإمكان ، ومع التعذر يرفعها ولا شي‌ء عليه.

قوله : ( فإن عرض ما يمنع من ذلك اقتصر على ما يتمكن منه ، وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب ، وإن عجز عن ذلك كله أومأ إيماء ).

قد بينا فيما سبق في باب القيام والركوع ما يعلم منه هذه الأحكام ، وظاهر المصنف في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى أنها كلّها إجماعية (١).

قوله : ( الرابع ، الذكر فيه ، وقيل : ويختص بالتسبيح ، كما قلناه في الركوع ).

البحث في هذه المسألة كما تقدم في الركوع خلافا واستدلالا ومختارا.

قوله : ( الخامس ، الطمأنينة ، إلا مع الضرورة المانعة ).

أما وجوب الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب فهو قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه مضافا إلى التأسي روايتا حريز ، وزرارة المتقدمتان (٢). وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف : إنها ركن (٣). وهو ضعيف ، لما سيجي‌ء إن شاء الله من عدم بطلان الصلاة بفواتها سهوا.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٠٨ ، المنتهى ١ : ٢٨٨.

(٢) لم نعثر عليهما ولم تتقدما ، وقال في الحدائق ٨ : ٢٩٠. وأما ما ذكره من الروايتين المشار إليهما فلم تتقدما في كلامه والظاهر أنه من سهو رؤوس أقلامه.

(٣) الخلاف ١ : ١٢٥.

٤٠٩

السادس : رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئنا. وفي وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب.

ويستحب فيه أن يكبر للسجود قائما ، ثم يهوي للسجود سابقا بيديه إلى الأرض ،

______________________________________________________

وأما سقوطها مع الضرورة المانعة منها فظاهر ، لسقوط التكليف مع الضرورة ويبقى وجوب الذكر بحسب الإمكان. وربما قيل بسقوط الذكر هنا (١) ، وهو بعيد جدا.

قوله : ( السادس ، رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئنا ).

هذا مذهب علمائنا كافة ، ووافقنا عليه أكثر العامة (٢) ، ومستنده النصوص قولا وفعلا.

قوله : ( وفي وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب ).

الكلام في هاتين التكبيرتين كما سبق في تكبير الركوع ، والأصح الاستحباب.

قوله : ( ويستحب أن يكبر للسجود قائما ).

لما رواه حمّاد في الصحيح : أن الصادق عليه‌السلام كبّر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ، ثم سجد (٣).

قوله : ( ثم يهوي للسجود سابقا بيديه إلى الأرض ).

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٢٠. قال : فيه تردد.

(٢) منهم الشافعي في كتاب الأم ١ : ١٦١ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٩٨ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٤٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٤١٠

وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض ، وأن يرغم بأنفه ،

______________________________________________________

روى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « فإذا‌ أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا ، وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعه ، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ، ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك ، بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وأبسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا ، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ، ولا تفرّجن بين أصابعك في سجودك ولكن اضممهن إليك جميعا » (١).

قوله : ( وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض ).

بل الأظهر استحباب المساواة خاصة ، لأنها أنسب بالاعتدال المراد في السجود ، ولقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « وليكن مستويا » (٢) وأقل مراتب الأمر الاستحباب.

قوله : ( وأن يرغم بأنفه ).

الإرغام : إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب. وقد أجمع علماؤنا على أنه من السنن الأكيدة ، وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : الإرغام سنة في الصلاة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له (٣).

ويدل على استحبابه مضافا إلى الإجماع صحيحتا زرارة وحمّاد المتقدمتان (٤) ، وموثقة عمّار ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام أنه قال : « لا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٥ ، الوسائل ٤ : ٩٦٣ أبواب السجود ب ١٠ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٩٧ ، ٢٠٥.

(٤) ص ٤٠٤.

٤١١

ويدعو ، ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسر ، ويدعو بين السجدتين ، وأن يقعد متوركا ،

______________________________________________________

تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين » (١) وهي محمولة على نفي الإجزاء الكامل.

وقيل : إن السنة في الإرغام تتأدى بوضع الأنف على ما يصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا (٢). وهو غير بعيد.

وتجزئ إصابة الأنف المسجد بأي جزء اتفق. واعتبر المرتضى إصابة الجزء الأعلى منه وهو الذي يلي الحاجبين (٣) ، ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( ويدعو ، ويزيد على التسبيحة الواحدة ما تيسر ، ويدعو بين السجدتين. وأن يقعد متوركا ).

يدل على ذلك روايات كثيرة ، منها : ما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سجدت فكبّر وقل : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي ، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين ، تبارك الله أحسن الخالقين. ثم قل : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات. فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين : اللهم أغفر لي وارحمني واجبرني وادفع عني وعافني ، إني لما أنزلت إليّ من خير فقير ، تبارك الله رب العالمين » (٤).

وفي صحيحة حمّاد : إن الصادق عليه‌السلام لما علّمه الصلاة رفع رأسه من السجود ، فلما استوى جالسا قال : الله أكبر ، وقعد على فخذه الأيسر قد‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٨ ـ ١٢٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٣ ، الوسائل ٤ : ٩٥٤ أبواب السجود ب ٤ ح ٤.

(٢) كما في المسالك ١ : ٣٢ ، ومجمع الفائدة ٢ : ٢٦٤.

(٣) جمل العلم والعمل : ٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢١ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٧٩ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٤ : ٩٥١ أبواب السجود ب ٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٤١٢

وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا ،

______________________________________________________

وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، ثم كبّر وهو جالس وسجد ».

ويستحب الدعاء في السجود للدين والدنيا كما ورد في الخبر ، وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، قال : صلّى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد ، وقد كانت ضلّت ناقة لجمّالهم : « اللهم ردّ على فلان ناقته » قال محمد : فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته فقال : « وفعل؟ » قلت : نعم ، قال : فسكت قلت : فأعيد الصلاة؟ قال : « لا » (١).

قوله : ( وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا ).

استحباب هذه الجلسة مذهب الأكثر ، وأوجبها المرتضى في الانتصار محتجا بالإجماع والاحتياط (٢) ، واستدل له في المختلف (٣) بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم » (٤) فإن ظاهر الأمر الوجوب ، وهو معارض بما رواه الشيخ ، عن زرارة ، قال : رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام إذا رفعا رؤسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (٥). والسندان متقاربان.

ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض أنه رأى أبا عبد الله عليه‌السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٤ : ٩٧٣ أبواب السجود ب ١٧ ح ١.

(٢) الانتصار : ٤٦.

(٣) المختلف : ٩٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٢ ـ ٣٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٢٩ ، الوسائل ٤ : ٩٥٦ أبواب السجود ب ٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٣١ ، الوسائل ٤ : ٩٥٦ أبواب السجود ب ٥ ح ٢.

٤١٣

ويدعو عند القيام ،

______________________________________________________

الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم (١).

قوله : ( ويدعو عند القيام ).

صورة الدعاء ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد ، وإن شئت قلت : وأركع وأسجد » (٢) وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا جلست في الركعتين الأوّلتين فتشهّدت ثم قمت فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد » (٣).

ويستفاد من هذه الرواية وغيرها عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد ، وهو اختيار الشيخ (٤) وأكثر الأصحاب.

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ إنه يقوم بالتكبير (٥). وهو ضعيف. أما أوّلا فلما أوردناه من النقل. وأما ثانيا فلأن تكبيرات الصلاة منحصرة في خمس وتسعين (٦) : خمس للافتتاح ، وخمس للقنوت ، والبواقي للركوع والسجود ، فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد أربعا. ويدل على هذا العدد روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرة القنوت خمس » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٢ ـ ٣٠٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١١٢٨ ، الوسائل ٤ : ٩٥٦ أبواب السجود ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ٤ : ٩٦٦ أبواب السجود ب ١٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٨ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٨٨ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ٤ : ٩٦٦ أبواب السجود ب ١٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٣٧.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ١٨٤.

(٦) المراد : مجموع تكبيرات الصلوات الخمس المفروضات.

(٧) التهذيب ٢ : ٨٧ ـ ٣٢٣ ، الإستبصار ١ : ٣٣٦ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٤ : ٧١٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٥ ح ١.

٤١٤

ويعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه.

ويكره الإقعاء بين السجدتين.

______________________________________________________

قوله : ( ويعتمد بيديه سابقا برفع ركبتيه ).

هذا مذهب الأصحاب ، ويدل عليه روايات ، منها : ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد ، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه (١).

قوله : ( ويكره الإقعاء بين السجدتين ).

الإقعاء ، هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه ، قاله في المعتبر ، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه الجلوس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب ، قال : والمعتمد الأول ، لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره (٢).

وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فذهب الأكثر إلى كراهته ، وادعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع (٣) ، ونقله المصنف في المعتبر عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء (٤).

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الموثق ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تقع بين السجدتين إقعاء » (٥).

وفي الصحيح عن الحلبي ، وابن مسلم ، وابن عمار قالوا ، قال : « لا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٨ ـ ٢٩١ ، الإستبصار ١ : ٣٢٥ ـ ١٢١٥ أورد صدر الحديث ، الوسائل ٤ : ٩٥٠ أبواب السجود ب ١ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٢١٨.

(٣) الخلاف ١ : ١٢٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٢١٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠١ ـ ١٢١٣ ، الإستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٥ ، الوسائل ٤ : ٩٥٧ أبواب السجود ب ٦ ح ١.

٤١٥

مسائل ثلاث :

الأولى : من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمّل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض.

______________________________________________________

تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب » (١).

ويمكن الاستدلال عليه أيضا بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فتكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (٢) فإن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم إليه.

وقال الشيخ في المبسوط (٣) ، والمرتضى (٤) ـ رضي‌الله‌عنه ـ : إنه ليس بمكروه. وربما كان مستندهما ما رواه الحلبي في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس بالإقعاء بين السجدتين » (٥) ويمكن حمل البأس هنا على التحريم جمعا بين الأدلة.

قوله : ( مسائل ثلاث ، الأولى : من به ما يمنع وضع الجبهة على الأرض كالدمل إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن مقدمة الواجب المطلق واجبة ، ولما رواه الشيخ ، عن مصادف قال : خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب فرأى في أبو عبد الله عليه‌السلام أثره فقال : « ما هذا؟ » فقلت : لا أستطيع‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٢٨ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ٤ : ٩٥٧ أبواب السجود ب ٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ : ١١٣.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٢١٨ ، والمنتهى ١ : ٢٩٠.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٠١ ـ ١٢١٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٧ ـ ١٢٢٦ ، الوسائل ٤ : ٩٥٧ أبواب السجود ب ٦ ح ٣.

٤١٦

فإن تعذّر سجد على أحد الجبينين ، فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه.

______________________________________________________

أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال : « لا تفعل ذلك احتفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض » (١).

ولا يختص هذا الحكم بالدمل ، بل الجرح والورم ونحوهما إذا لم يمكن وضع الجبهة معهما كذلك. ولا يخفى أن الحفيرة غير متعينة ، فلو اتخذ آلة مجوفة من طين أو خشب ونحوهما أجزأه.

قوله : ( وإن تعذر سجد على أحد الجبينين ، فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه ).

أما السجود على أحد الجبينين فهو قول علمائنا وأكثر العامة (٢) ، واحتج عليه في المعتبر بأنهما مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامها للعذر ، وبأن السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء ، وبأن الإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولى (٣).

وأما السجود على الذقن مع تعذر الجبينين فاستدل عليه بما رواه الكليني مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، أنه سئل عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها ، قال : « يضع ذقنه على الأرض ، إن الله عزّ وجلّ يقول : ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٤) » (٥) وهذه الرواية وإن ضعف سندها إلاّ أن مضمونها مجمع عليه بين الأصحاب.

ولا ترتيب بين الجبينين لكن الأولى تقديم الأيمن ، خروجا من خلاف ابن بابويه حيث أوجب تقديمه (٦).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٦ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٤ : ٩٦٥ أبواب السجود ب ١٢ ح ١.

(٢) منهم الشافعي في الأم ١ : ١١٤ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٩١.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٠٩.

(٤) الإسراء : ١٠٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٦ ، الوسائل ٤ : ٩٦٥ أبواب السجود ب ١٢ ح ٢.

(٦) المقنع : ٢٦.

٤١٧

الثانية : سجدات القرآن خمس عشرة. أربع منها واجبة وهي في سجدة أ ل م وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك. وإحدى عشرة مسنونة وهي في : الأعراف ، والرعد ، والنحل وبني إسرائيل ، ومريم ، والحج في موضعين ، والفرقان والنمل ، وص ، وإذا السماء انشقت.

______________________________________________________

والمراد بالذقن مجمع اللحيين ، ولا يجب كشفه من شعر اللحية لإطلاق الخبر. ولو تعذر جميع ذلك أومأ ، وينبغي رفع ما يسجد عليه كما تقدم تحقيقه.

قوله : ( الثانية ، سجدات القرآن خمس عشرة ، أربع واجبة ، وهي سجدة الم وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك. وإحدى عشرة مسنونة إلى آخره ).

أجمع الأصحاب على وجوب سجود التلاوة في العزائم الأربع.

والأصل فيه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « عزائم السجود أربع » (١). وعدّدها.

وما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال ، قال : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كانت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد » (٢).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربك » (٣).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٥٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٥٢٩ ، سنن البيهقي ٢ : ٣١٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٧١ ، الوسائل ٤ : ٨٨٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٧٠ ، الوسائل ٤ : ٨٨٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤٢ ح ١.

٤١٨

والسجود واجب في العزائم الأربع للقارئ والمستمع ، ويستحب للسامع على الأظهر. وفي البواقي يستحب على كل حال.

______________________________________________________

وأما استحباب السجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع ، ولم أقف فيه على نص يعتد به.

قوله : ( والسجود واجب في العزائم الأربع على القاري والمستمع ، ويستحب للسامع على الأظهر ).

أما الوجوب على القاري والمستمع فثابت بإجماع العلماء ، وإنما الخلاف في السامع بغير إنصات فقيل : يجب السجود عليه أيضا (١). وبه قطع ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع (٢). ويدل عليه إطلاق كثير من الروايات كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد ، قال : « عليه أن يسجد كل ما سمعها ، وعلى الذي يعلّمه أيضا أن يسجد » (٣) وموثقة أبي عبيدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطامث تسمع السجدة ، قال : « إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها » (٤).

وقال الشيخ في الخلاف : لا يجب عليه السجود (٥). واستدل بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ ، قال : « لا يسجد إلاّ أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها ، أو يصلّي بصلاته ، فأما أن يكون يصلّي في ناحية وأنت في أخرى‌

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٣٢.

(٢) السرائر : ٤٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٣ ـ ١١٧٩ ، الوسائل ٤ : ٨٨٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٠٦ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ١٢٩ ـ ٣٥٣ ، الإستبصار ١ : ١١٥ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٨٤ أبواب الحيض ب ٣٦ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ١٥٦.

٤١٩

وليس في شي‌ء من السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم. ولا يشترط فيها الطهارة ولا استقبال القبلة على الأظهر.

______________________________________________________

فلا تسجد إذا سمعت » (١).

وهذه الرواية واضحة الدلالة لكن في طريقها محمد بن عيسى ، عن يونس ، وقد نقل الصدوق ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه ابن الوليد أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، قال : ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى (٢). وأنا في هذه المسألة من المتوقفين.

قوله : ( وليس في شي‌ء من السجدات تكبير ولا تشهد ولا تسليم ).

التكبير المنفي هو تكبيرة الافتتاح ، وقد أجمع الأصحاب على عدم مشروعيته فيه كما لا يشرع التشهد ولا التسليم ، لأن الأمر إنما وقع بالسجود فيكون ما عداه منفيا بالأصل. نعم يستحب التكبير عند الرفع من السجود كما تضمنته صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام (٣).

قوله : ( ولا يشترط فيها الطهارة ولا استقبال القبلة على الأظهر ).

هذا هو الأجود ، لعدم دليل يدل على الاشتراط. وكذا لا يشترط الستر ، ولا خلو البدن أو الثوب من النجاسة التي لا يعفى عنها في الصلاة. وفي اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، والسجود على الأعضاء السبعة ، واعتبار المساواة بين الموقف والمسجد نظر ، ولا ريب أن اعتبار ذلك أحوط.

وينبغي الذكر فيه ، بما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح ، عن أبي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ ـ ١١٦٩ ، الوسائل ٤ : ٨٨٢ أبواب القراءة القرآن ب ٤٣ ح ١.

(٢) نقله عنه النجاشي في رجاله : ٣٣٣ ـ ٨٩٦.

(٣) المتقدمة في ص ٤١٨.

٤٢٠