مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

١
٢

٣
٤

كتاب الحج

وهو يعتمد على ثلاثة أركان‌

الأوّل : في المقدمات ، وهي أربع :

المقدمة الأولى : الحج.

وإن كان في اللغة القصد ، فقد صار في الشرع اسما لمجموع المناسك المؤدّاة في المشاعر المخصوصة.

______________________________________________________

كتاب الحج‌

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله ، والصلاة على سيدنا محمد وآله.

قوله رحمه‌الله : ( كتاب الحج ، وهو يعتمد على ثلاثة أركان. الأول : في المقدمات ، وهي أربع ، المقدمة الأولى : الحج ، وإن كان في اللغة القصد ، فقد صار في الشرع اسما لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة ).

ذكر في القاموس للحج معاني : القصد ، والكف ، والقدوم ، والغلبة‌

٥

______________________________________________________

بالحجة ، وكثرة الاختلاف والتردد ، وقصد مكة للنسك (١).

وقال الخليل الحج : كثرة القصد إلى من يعظّمه ، وسمي الحج حجا لأن الحاج يأتي قبل الوقوف بعرفة إلى البيت ، ثم يعود إليه لطواف الزيارة ، ثم ينصرف إلى منى ثم يعود إليه لطواف الوداع (٢).

ويستفاد من قول المصنف : الحج وإن كان في اللغة القصد فقد صار في الشرع اسما لمجموع المناسك. أنّ الحج منقول عن معناه اللغوي ، ولا ريب في تحقق النقل عند الفقهاء إن لم يثبت كونه حقيقة لغوية في المعنى المصطلح عليه عندهم ، وإن لم يثبت النقل عند الشارع.

وما قيل (٣) من أنّ النقل عند الفقهاء إنما يتحقق على تعريف المصنف ، وأما على تعريف الشيخ ـ قدس‌سره ـ من أنه عبارة عن قصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده (٤) ، فلا ، بل المتحقق على هذا التعريف تخصيص المعنى اللغوي خاصة. ففاسد ، لأن النقل متحقق على هذا التقدير جزما ، غاية الأمر أنّ النقل على تعريف الشيخ يكون لمناسبة ، وعلى تعريف المصنف لغير مناسبة.

وأورد المصنف في المعتبر على تعريف الشيخ أنه يخرج عنه الوقوف بعرفة والمشعر ، لأنهما ليسا عند البيت الحرام ، مع أنهما ركنان من الحج إجماعا ، قال : فأذن الأسلم أن يقال : الحج اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة (٥). وهذا التعريف مع سلامته مما أورده المصنف على تعريف الشيخ مطابق لما هو المتبادر من لفظ الحج عند أهل الشرع من كونه عبادة مركبة من جملة عبادات ، كالصلاة المؤلفة من الأفعال والأذكار‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٨٨.

(٢) كتاب العين ٣ : ٩.

(٣) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٦.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٥.

٦

______________________________________________________

المخصوصة ، لا مجرد القصد ، فقوله : اسم لمجموع المناسك ، وقع في التعريف بمنزلة الجنس ، وقوله : المؤداة في المشاعر المخصوصة ـ وهي محال العبادة ـ بمنزلة الفصل ، يخرج به ما عدا الحج من العبادات حتى العمرة ، فإن مشاعرها خلاف مشاعر الحج.

وأورد عليه شيخنا الشهيد في الشرح أنّ الآتي بالبعض التارك للبعض الذي لا مدخل له في البطلان يصدق عليه اسم الحاج فلا يكون الحج اسما للمجموع ، وأنه منقوض في طرده بالعمرة وبكل عبادة مقيدة بمكان ، إذ هي مناسك لأنها عبادات وواقعة في أماكن مخصوصة (١).

ويمكن تكلف الجواب عن ذلك لكن لا مشاحة في هذه التعريفات كما بيناه مرارا.

وقد أجمع المسلمون كافة على وجوب الحج ، والأصل فيه قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (٢) وفي الآية ضروب من التأكيد والمبالغة ، منها : قوله ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) أي حق واجب عليهم لكونه إلها ، فيجب عليهم الانقياد ، سواء عرفوا وجه الحكمة فيه أم لم يعرفوا ، فإنّ كثيرا من أفعال الحج تعبّد محض.

ومنها : بناء الكلام على الإبدال ليكون تثبيتا (٣) للمراد ، وتفصيلا بعد الإجمال ، وإيرادا للغرض في صورتين ، تقريرا له في الأذهان.

ومنها : ذكر من كفر مكان من لم يحج ، وفيه من التغليظ ما فيه ، وإليه الإشارة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مات ولم يحج فليمت إن شاء‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٦.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) في « ض » ، « م » : تثنية.

٧

______________________________________________________

يهوديا وإن شاء نصرانيا » (١) وقول الصادق عليه‌السلام : « من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا » (٢).

ومنها : إظهار الغنى ، وتهويل الخطب بذكر اسم الله دون أن يقول فإنه أو فإني ، وإنه يدل على غاية السخط والخذلان.

ومنها : وضع المظهر مقام المضمر ، حيث قال : عن العالمين ، ولم يقل عنه ، لأنه إذا كان غنيا عن كل العالمين فلأن يكون غنيا عن طاعة ذلك الواحد أولى.

ولنورد هنا عشرين خبرا تتضمن فوائد في هذا الباب :

الأول : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لما ولد إسماعيل حمله أبوه إبراهيم وأمه على حمار وأقبل معه جبرائيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شي‌ء من زاد وسقاء فيه شي‌ء من ماء ، والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر ، فقال إبراهيم لجبرائيل عليهما‌السلام : هاهنا أمرت؟ قال : نعم » قال : « ومكة يومئذ سلم وسمر ، وحول مكة يومئذ ناس من العماليق » (٣).

الثاني : ما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ إبراهيم عليه‌السلام لما خلّف إسماعيل بمكة عطش الصبي ، وكان فيما بين الصفا والمروة شجر ، فخرجت أمه حتى قامت على الصفا ، فقالت : هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد ، فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧ ـ ٤٩ ، المقنعة : ٦١ ، الوسائل ٨ : ١٩ أبواب الحج وشرائطه ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٠١ ـ ١.

٨

______________________________________________________

هل بالوادي من أنيس؟ فلم تجب ، ثم رجعت إلى الصفا وقالت ، حتى صنعت ذلك سبعا ، فأتاها جبرائيل عليه‌السلام ، فقال لها : من أنت؟ قالت : أنا أم ولد إبراهيم ، فقال : إلى من وكلكم؟ فقالت : أما إذا قلت ذلك فقد قلت له حيث أراد الذهاب : يا إبراهيم إلى من تكلنا؟ فقال : إلى الله عزّ وجلّ ، فقال جبرائيل : لقد وكلكم إلى كاف ، قال : وكان الناس يتجنبون الممر بمكة لمكان الماء ، ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم ، ورجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء ، فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء ، ولو تركته لكان سيحا ، قال : فلما رأت الطير الماء حلقت عليه ، قال : فمر ركب من اليمن ، فلما رأوا الطير حلقت عليه قالوا : ما حلقت إلا على ماء ، فأتوهم فسقوهم من الماء وأطعموهم الركب من الطعام ، وأجرى الله عزّ وجلّ لهم بذلك رزقا ، فكانت الركب تمر بمكة فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء » (١).

الثالث : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحرم وأعلامه فقال : « إنّ آدم عليه‌السلام لما هبط على أبي قبيس شكى إلى ربه الوحشة ، وأنه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة ، فأنزل الله عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت ، فكان يطوف بها ، وكان قد بلغ ضوءها موضع الاعلام ، فعلمت الاعلام على ضوئها ، فجعله الله حرما » (٢).

الرابع : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن سعيد بن عبد الله الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ قريشا في الجاهلية هدموا البيت ، فلما أرادوا بناءه حيل بينه وبينهم ، وألقي في روعهم الرعب ، حتى قال قائل منهم : ليأت كل رجل منكم بأطيب ماله ، ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ، ففعلوا فخلي بينهم وبين بنيانه فبنوه ، حتى انتهوا‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٤٣٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥١٢ أبواب السعي ب ١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٤٨ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٣٤ أبواب مقدمات الطواف ب ١٣ ح ١.

٩

______________________________________________________

إلى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيه ، أيهم يضع الحجر في موضعه ، حتى كاد أن يكون بينهم شر ، فحكّموا أول من يدخل من باب المسجد ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ، ثم وضع الحجر في وسطه ، ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ، ثم تناوله عليه‌السلام فوضعه في موضعه ، فخصه الله عزّ وجلّ به » (١).

قال ابن بابويه بعد نقل هذه الرواية : وروي أن الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي بن الحسين عليهما‌السلام أن يضع الحجر في موضعه ، فأخذه ووضعه في موضعه.

الخامس : ما رواه ابن بابويه في الصحيح أيضا ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق وأعتق الحرم معه ، كفّ عنه الماء » (٢).

السادس : ما رواه في الصحيح أيضا ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إنما سميت بكة لأنه تبك بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ، ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (٣).

السابع : ما رواه في الصحيح أيضا ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان الحجر الأسود أشد بياضا من اللبن ، فلو لا ما مسه من أرجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا بري‌ء بإذن الله تعالى » (٤).

الثامن : ما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لما أفاض آدم من منى تلقته الملائكة فقالوا :

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٠ ـ ٦٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢٩ أبواب مقدمات الطواف ب ١١ ح ٩.

(٢) علل الشرائع : ٣٩٩ ـ ٤.

(٣) علل الشرائع : ٣٩٧ ـ ٤ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١٠.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٤ ـ ٥٤١ ، الوسائل ٩ : ٤٠٤ أبواب الطواف ب ١٣ ح ٦ ( بتفاوت يسير ).

١٠

______________________________________________________

يا آدم برّ حجّك ، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبل أن تحجه بألفي عام » (١).

التاسع : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٢) قال : « من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ ، وما دخل من الطير والوحش كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم » (٣).

العاشر : ما رواه الكليني في الحسن ، عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ ) (٤) ما هذه الآيات البينات؟ قال : « مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه ، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل عليه‌السلام » (٥).

الحادي عشر : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وجد في حجر : إني أنا الله ذو بكة ، خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض ، ويوم خلقت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حفا ، مبارك لأهلها في الماء واللبن ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، من أعلاها وأسفلها والثنية » (٦).

الثاني عشر : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلان ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٩٤ ـ ٤ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب وجوب الحج ب ١ ح ٦.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الفقيه ٢ : ١٦٣ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ٩ : ٣٣٩ أبواب مقدمات الطواف ب ١٤ ح ١٢.

(٤) آل عمران ٩٦ ، ٩٧.

(٥) الكافي ٤ : ٢٢٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣٤٦ أبواب مقدمات الطواف ب ١٨ ح ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٨ ـ ٦٨٤ ، الوسائل ٩ : ٣٤٩ أبواب مقدمات الطواف ب ١٩ ح ٢.

١١

______________________________________________________

رجل من الأنصار ورجل من ثقيف ، فقال الثقيفي : يا رسول الله حاجتي ، فقال : سبقك أخوك الأنصاري ، فقال : يا رسول الله إني على ظهر سفر ، وإني عجلان ، وقال الأنصاري : إني قد أذنت له ، فقال : إن شئت سألتني ، وإن شئت نبأتك ، فقال : نبئني يا رسول الله ، فقال : جئت تسألني عن الصلاة وعن الوضوء وعن المسجد ، فقال الرجل : إي والذي بعثك بالحق ، فقال : أسبغ الوضوء ، واملأ يديك من ركبتيك ، وعفر جبينك في التراب ، وصل صلاة مودع ، وقال الأنصاري يا رسول الله حاجتي ، قال : إن شئت سألتني ، وإن شئت نبأتك ، فقال : يا رسول الله نبئني ، فقال : جئت تسألني عن الحج وعن الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، وحلق الرأس ، ويوم عرفة ، فقال الرجل : إي والذي بعثك بالحق نبيا ، فقال : لا ترفع ناقتك خفا إلا كتب الله لك حسنة ، ولا تضع خفا إلا حطّ به عنك سيئة ، وطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة تنفتل كما ولدتك أمك من الذنوب ، ورمي الجمار ذخر يوم القيامة ، وحلق الرأس لك بكل شعرة نور يوم القيامة ، ويوم عرفة يوم يباهي الله عزّ وجلّ به الملائكة ، فلو حضرت ذلك اليوم برمل عالج وقطر السماء وأيام العالم ذنوبا تبت ذلك اليوم » (١).

الثالث عشر : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقيه أعرابي فقال : يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني وأنا رجل مميل ، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج ، قال : فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : انظر إلى أبي قبيس ، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج. ثم قال : إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله له‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦١ ـ ٣٧ ، الوسائل ٨ : ١٥٩ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٦ وأورد صدره في ج ٤ : ٦٧٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٧.

١٢

______________________________________________________

عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه ، ثم قال : أنى لك أن تبلغ ما يبلغه الحاج » قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة » (١).

الرابع عشر : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، وهو أدنى ما يرجع به الحاج » (٢).

الخامس عشر : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد » قال معاوية ، فقلت له : حجة أفضل أو عتق رقبة؟ قال : « حجة أفضل » قلت : فثنتين؟ قال : « فحجة أفضل » قال معاوية : فلم أزل أزيد ويقول حجة أفضل حتى بلغت ثلاثين رقبة ، فقال : « حجة أفضل » (٣).

السادس عشر : ما رواه الشيخ في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من مات في طريق مكة ذاهبا أو جائيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٨ : ٧٩ أبواب وجوب الحج ب ٤٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٢ ـ ٤٠ ، الوسائل ٨ : ٦٥ أبواب وجوب الحج ب ٣٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١ ـ ٦٠ ، الوسائل ٨ : ٧٤ أبواب وجوب الحج ب ٣٨ ح ٤٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣ ـ ٦٨ ، الوسائل ٨ : ٦٩ أبواب وجوب الحج ب ٣٨ ح ٢١.

١٣

______________________________________________________

السابع عشر : ما رواه الكليني في الحسن ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى الوالدين عبادة ، والنظر إلى الإمام عبادة » قال : « من نظر إلى الكعبة كتبت له حسنة ، ومحيت عنه عشر سيئات » (١).

الثامن عشر : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان الجمال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إلا أن يكون فيه خصال ثلاث : حلم يملك به غضبه ، وخلق يخالق به من صحبه ، وورع يحجزه عن معاصي الله » (٢).

التاسع عشر : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ما يعبأ بمن يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الصحبة لمن صحبه » (٣).

العشرون : ما رواه الكليني مرسلا ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال في خطبة له : « ولو أراد الله جل ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان ، ومعادن العقيان (٤) ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحل الابتلاء ، ولما وجب للعالمين أجور المبتلين ، ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ، وكذلك لو أنزل الله من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ولو فعل لسقط البلوى‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٠ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٣٦٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٢٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٤٥ ـ ١٥٤٩ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب أحكام العشرة ب ٢ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٦ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠٢ أبواب أحكام العشرة ب ٢ ح ٤.

(٤) معادن العقيان : هو الذهب الخالص وقيل : هو ما ينبت فيه نباتا. والألف والنون زائدتان ـ النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٨٣.

١٤

______________________________________________________

هذه الأحكام كلها إجماعية على ما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر (١). أما الوجوب على كل مكلف مستطيع فيدل عليه عموم قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٢) وهو يتناول الرجال والنساء والخناثى.

وأما أنّ الوجوب بأصل الشرع مرة واحدة فقال الشيخ في التهذيب : إنه لا خلاف فيه بين المسلمين ، فلأجل ذلك لم نتشاغل بإيراد الأخبار فيه (٣).

ثم أورد بعد ذلك عدة أحاديث متضمنة لأن الله عزّ وجلّ فرض الحج على أهل الجدة في كل عام ، وفيها ما هو صحيح السند. وأجاب عنها بالحمل على أنّ المعنى أنه يجب على أهل الجدة في كل عام على طريق البدل ، لأن من وجب عليه الحج في السنة الأولة فلم يفعل وجب عليه في الثانية ، وكذلك إذا لم يحج في الثانية وجب عليه في الثالثة ، وعلى هذا في كل سنة إلى أن يحج (٤).

وقال المصنف في المعتبر : إنّ هذه الروايات محمولة على الاستحباب ، لأن تنزيلها على ظاهرها مخالف لإجماع المسلمين كافة (٥). وهو حسن.

وأما أنّ الوجوب فوري فيدل عليه مضافا إلى الإجماع روايات كثيرة ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام » (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٤٥.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣ ، ٤) التهذيب ٥ : ١٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٧.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٤ ، الوسائل ٨ : ١٧ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٦ ح ٣.

١٥

وهو فرض كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية ، من الرجال والنساء والخناثى.

ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة ، وهي حجة الإسلام. وتجب على الفور. والتأخير مع الشرائط كبيرة موبقة.

______________________________________________________

يهزّوا مناكبهم ذللا لله حوله ، ويرملوا (١) على أقدامهم شعثا غبرا قد نبذوا القنع والسراويل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقا عن رؤسهم ، ابتلاء عظيما ، واختبارا كثيرا ، وامتحانا شديدا ، وتمحيصا بليغا ، وفتونا مبينا ، جعله الله سببا لرحمته ، ووصلة ووسيلة إلى جنته ، وعلة لمغفرته ، وابتلاء للخلق برحمته ، ولو كان الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف النبات ، متصل القرى ، بين برة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء ، على حسب ضعف البلاء ، ثم لو كانت الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء وياقوتة حمراء ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس ، ولكن الله عزّ وجلّ يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه » (٢).

قوله : ( وهو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية ، من الرجال والنساء والخناثى. ولا يجب بأصل الشرع إلا مرّة واحدة ، وهي حجة الإسلام ، وتجب على الفور ، والتأخير مع الشرائط كبيرة موبقة ).

__________________

(١) الرمل : الهرولة ( الصحاح ٤ : ١٧١٣ ) ، وفي بعض النسخ : يزملوا ، وفي المصدر : يرملون.

(٢) الكافي ٤ : ١٩٨ ـ ٢.

١٦

______________________________________________________

عن الناس أجمعين ، ولكن الله جل ثناؤه جعل رسله أولي قوة في عزائم‌ نياتهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه ، وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ، ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرجال ، ويشد إليه عقد الرحال ، لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم من الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام إليه أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غيرها شائبة. وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق (١) الدنيا مدرا ، وأضيق بطون الأودية معاشا ، وأغلظ محال المسلمين مياها ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة (٢) ، وعيون وشلة (٣) ، وقرى منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر ، ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز (٤) قفار متصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتى‌

ــــــــــــــــ

(١) تائق : جمع نتيقة ، فعيلة بمعنى مفعولة ، من النتق ، وهو أن تقلع الشي‌ء فترفعه من مكانه لترمي به ، هذا هو الأصل. وأراد بها هنا البلاد ، لرفع بنائها وشهرتها في موضعها ـ النهاية لابن الأثير ٥ : ١٣.

(٢) دمثة : الدمث ، وهو الأرض السهلة الرخوة ، والرمل الذي ليس بمتلبّد ـ النهاية لابن الأثير ٢ : ١٣٢.

(٣) وشلة : الوشل : الماء القليل ، وقد وشل يشل وشلانا ـ النهاية لابن الأثير ٥ : ١٨٩.

(٤) المفاوز : المفاز والمفازة : البرّيّة القفر ، والجمع : المفاوز ، سميت بذلك لأنها مهلكة ـ النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٧٨.

١٧

وقد يجب الحج بالنذر وما في معناه ، وبالإفساد ،

______________________________________________________

وصحيحة ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا » (١) والوعيد مطلقا دليل التضييق.

ومعنى وجوب الفورية فيه : وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلا ففيما يليه وهكذا ، ولو توقف على مقدمات من سفر وغيره تعين الإتيان بها على وجه يدركه كذلك.

ولو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل : وجب عليه المسير مع أولها ، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية ، وإلا كان كمؤخره عمدا في استقراره ، وبه قطع جدي ـ قدس‌سره ـ في الروضة (٢). وجوز الشهيد في الدروس التأخر عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها (٣) ، وهو حسن ، بل (٤) يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية ، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى. وأطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى (٥) ، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب.

وينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج وقبل تضيّق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه ، لأنه الأصل ، ولا مقتضى للخروج عنه ، والله أعلم.

قوله : ( وقد يجب الحج بالنذر ، وما في معناه ، وبالإفساد ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ ـ ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ ـ ٤٩ ، المحاسن : ٨٨ ـ ٣١ ، عقاب الأعمال : ٢٨١ ـ ٢ ، المقنعة : ٦١ ، المعتبر ٢ : ٧٤٦ ، الوسائل ٨ : ١٩ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٧ ح ١.

(٢) الروضة البهية ٢ : ١٦١.

(٣) الدروس : ٨٥.

(٤) في « م » : و.

(٥) التذكرة ١ : ٣١٣.

١٨

وبالاستيجار للنيابة. ويتكرر بتكرر السبب.

وما خرج عن ذلك مستحب.

ويستحب لفاقد الشروط ، كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكع ، سواء شقّ عليه السعي أو سهل ، وكالمملوك إذا أذن له مولاه.

______________________________________________________

المراد بما في معنى النذر : العهد واليمين. ولو لم يعطف عليه الإفساد‌ والاستيجار لأمكن اندراجهما فيه أيضا. ولا فرق في وجوب الحج ثانيا بإفساده بين كونه واجبا أو مندوبا ، فإن المندوب يجب بالشروع فيه ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله (١).

قوله : ( وبالاستيجار للنيابة ).

لا فرق في ذلك بين الواجب والمندوب أيضا.

قوله : ( ويتكرر بتكرر السبب ).

الضمير يرجع إلى الحج الواجب بالعارض مطلقا ، ولا ريب في تكرر الوجوب في هذه المواضع بتكرر السبب ، لأن وجوده يقتضي وجود المسبب.

قوله : ( وما خرج عن ذلك مستحب ، ويستحب لفاقد الشرائط ، كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكّع ، سواء شق عليه السعي أو سهل ، وكالمملوك إذا أذن له مولاه ).

لا ريب في استحباب الحج في جميع هذه الصور ، لعموم الترغيب فيه. ويستحب لمن حج تكرار الحج استحبابا مؤكدا ، فروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من حج حجة الإسلام فقد حل عقدة النار من عنقه ، ومن حج حجتين لم يزل في خير حتى يموت ، ومن حج ثلاث حجج متواليات ثم حج أو لم يحج فهو بمنزلة‌

__________________

(١) في ج ٨ ص ٤٠٨.

١٩

المقدمة الثانية : في الشرائط ، والنظر في : حجة الإسلام ، وما يجب بالنذر ، وما في معناه ، وفي أحكام النيابة.

القول في حجة الإسلام.

وشروط وجوبها خمسة :

الأول : كمال العقل ، فلا تجب على الصبي ، ولا على المجنون.

ولو حج الصبي أو حجّ عنه أو عن المجنون لم يجز عن حجة الإسلام.

______________________________________________________

مدمن الحج » (١) قال : وقد روي أن من حج ثلاث حجات لم يصبه فقر أبدا (٢) والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تحصى.

ويكره ترك الحج للموسر خمس سنين ، لما رواه الكليني ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من مضت له خمس سنين فلم يفد إلى ربه وهو موسر ، إنه لمحروم » (٣).

وعن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام إنه قال : « إنّ لله ملكا ينادي : أيّ عبد أحسن الله إليه وأوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله ، إنّ ذلك لمحروم » (٤).

قوله : ( القول في حجة الإسلام ، وشرائط وجوبها خمسة : الأول : البلوغ وكمال العقل ، فلا تجب على الصبي ولا على المجنون ، ولو حج الصبي أو حج عنه أو عن المجنون لم يجز عن حجة الإسلام ).

أما أنه لا يجب على الصبي والمجنون فقال المصنف في المعتبر : إنه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٣٩ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ٨ : ٩٠ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٤٥ ح ١٣.

(٢) الفقيه ٢ : ١٣٩ ـ ٦٠٤ ، الوسائل ٨ : ٩٠ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٤٥ ح ١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٨ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٩٨ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٤٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٨ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٩٨ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٤٩ ح ٢.

٢٠