مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وما لا يؤكل لحمه وهو طاهر في حياته مما يقع عليه الذكاة إذا ذكي كان طاهرا ، ولا يستعمل في الصلاة.

______________________________________________________

وثانيا بعدم الدلالة على ما ينافي الأخبار السابقة.

إما الرواية الأولى ، فلأن أقصى ما تدل عليه : أنه عليه‌السلام كان ينزع عنه فرو العراق حال الصلاة ، وجاز أن يكون على سبيل الاستحباب ، بل لبسها في غير الصلاة يقتضي كونها ليست ميتة ، وإلا لامتنع لبسها مطلقا.

وأما الثانية ، فلأنها إنما تضمّنت النهي عن بيع ما أخبر بذكاته على أنه ذكي ، ونحن نقول بموجبه ، ونمنع دلالته على تحريم الاستعمال.

واعلم أنّ مقتضى كلام المصنف في المعتبر (١) ، والعلامة في المنتهى (٢) وغيرهما (٣) اختصاص المنع بميتة ذي النفس ، وهو كذلك ، للأصل وانتفاء ما يدل على عموم المنع.

ولا فرق في الثوب بين كونه ساترا للعورة أم لا ، بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس أيضا ، لقوله عليه‌السلام : « لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع » (٤).

قوله : ( وما لا يؤكل لحمه ـ وهو طاهر في حياته مما يقع عليه الذكاة ـ إذا ذكي كان طاهرا ولا يستعمل في الصلاة ).

أما الطهارة فللأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالأخبار الصحيحة المستفيضة ، وهو إجماع. وأما عدم جواز استعماله في الصلاة فهو إجماعي أيضا على ما نقله جماعة (٥) ، ويدل عليه ما رواه إسماعيل بن سعد الأحوص في‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٢٢٥.

(٣) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ١٤٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٢.

(٤) المتقدم في ص ١٥٧.

(٥) منهم العلاّمة في نهاية الأحكام ١ : ٣٧٣ ، والمحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١ : ٨٦. والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٣.

١٦١

______________________________________________________

الصحيح ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الصلاة في جلود السباع فقال : « لا تصل فيها » (١).

وما رواه ابن بكير ، قال : سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الصلاة في (٢) كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله » (٣).

قال في المعتبر : وابن بكير وإن كان ضعيفا إلا أنّ الحكم بذلك مشهور عن أهل البيت عليهم‌السلام (٤). ثم استدل عليه أيضا بأن خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ، ولا تنهض الذباحة مبيحة ما لم يكن المحل قابلا.

واعترض على نفسه بجواز استعماله في غير الصلاة ، وأجاب بإمكان استعداده بالذبح لذلك دون الصلاة ، لعدم تمامية الاستعداد له. وهو غير جيد أما أولا : فلأن الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة ، وإلا لم يجز الانتفاع به مطلقا.

وأما ثانيا : فلأن الذكاة عبارة عن قطع العروق المعيّنة على الوجه المعتبر شرعا ، وإطلاق الروايات يقتضي خروج الحيوان عن كونه ميتة بذلك إلا فيما دل الدليل على خلافه ، كما سيجي‌ء تحقيقه إن شاء الله.

وبالجملة فهذا الاعتبار قاصر ، والروايات لا تخلو من ضعف في سند أو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٠ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ـ ٨٠١ ، الوسائل ٣ : ٢٥٧ أبواب لباس المصلي ب ٦ ح ١.

(٢) في « ح » والمصدر زيادة : وبر.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٥٠ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٩.

١٦٢

وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه على كراهية.

الثانية : الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حيّ مذكّى أو ميت ، وتجوز الصلاة فيه.

______________________________________________________

قصور في دلالة. والمسألة محل إشكال. وقد استثني من هذه الكلية أشياء سيجي‌ء الكلام فيها عند ذكر المصنف لها (١).

قوله : ( وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه على كراهة ).

القول بعدم جواز استعماله قبل الدباغ للشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (٢) ، والمرتضى في المصباح (٣). واحتج عليه في الخلاف بأن الإجماع واقع على جواز الاستعمال بعد الدباغ ولا دليل قبله. وضعفه ظاهر ، فإن كل ما دل على جواز الاستعمال شامل للأمرين. قال في المعتبر : وإنما قلنا الأشبه كراهة استعماله قبل الدباغ تفصيا من الخلاف (٤). وفيه ما فيه.

قوله : ( الثانية ، الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حيّ أو مذكى أو ميت ، وتجوز الصلاة فيه ).

المستند في ذلك بعد الإجماع المنقول من جماعة (٥) روايات كثيرة :

منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف‌

__________________

(١) في ص ١٧٠.

(٢) النهاية : ٥٨٦ ، والمبسوط ١ : ١٥ ، والخلاف ١ : ٦.

(٣) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٦٦.

(٤) المعتبر ١ : ٤٦٦.

(٥) منهم العلاّمة في المنتهى ١ : ٢٣٠ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٨٣ ، والمحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١ : ٨٥.

١٦٣

ولو قلع من الميتة غسل منه موضع الاتصال. وكذا كل ما لا تحلّه الحياة من الميت إذا كان طاهرا في حال الحياة ، وما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر. ولا تصحّ الصلاة في شي‌ء من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكّى ،

______________________________________________________

ليس فيه روح » (١) والتعليل يقتضي جواز الصلاة في غير الصوف مما لا روح فيه مطلقا.

قوله : ( ولو قلع من الميتة غسل منه موضع الاتصال ).

خالف في ذلك الشيخ رحمه‌الله ، فاعتبر في جواز استعمال المأخوذ من الميتة : الجزء (٢). قال في المعتبر : وكأنه نظر إلى أنّ نزعه يستصحب شيئا من مادته وهي نجسة ، فلهذا اشترطنا نحن غسله إن لم يجز أو يقطع منه موضع الاتصال (٣).

قوله : ( وكذا كل ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهرا في حال الحياة ، وما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر ).

قد تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلا في باب النجاسات فليراجع هناك (٤).

قوله : ( ولا تصح الصلاة في شي‌ء من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا منهم ، وتدل عليه رواية ابن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٣٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٦ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٤.

(٤) في ج ٢ ص ٢٧١.

١٦٤

______________________________________________________

بكير المتقدمة (١) ، ورواية الحسن بن علي الوشاء ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره الصلاة في وبر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه (٢).

ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري ، قال ، كتبت إليه : جعلت فداك عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب : « لا تجوز الصلاة فيها » (٣).

ورواية علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل على وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب عليه‌السلام : « لا تجوز الصلاة فيها » (٤).

ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة فيه » (٥).

قال في المعتبر : وهذه الأخبار وإن كانت ما بين مرسل أو ضعيف لكن الفتوى بها مشهورة بين فقهاء أهل البيت اشتهارا ظاهرا فالعمل بها لازم (٦).

وهنا فوائد :

الأولى : الظاهر اختصاص المنع من الصلاة في هذه الأشياء ( بالملابس ،

__________________

(١) في ص ١٦٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨٢٠ ، علل الشرائع : ٣٤٢ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ٢٥١ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ ٨٠٥ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٥٩ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٩ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ ٨٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٥٨ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٩ ـ ٨١٩ ، الإستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ١٤٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٧٧ أبواب لباس المصلي ب ١٧ ح ١.

(٦) المعتبر ٢ : ٨٢.

١٦٥

______________________________________________________

فلو كانت غيرها ) (١) كالشعرات الملقاة على الثوب لم تمنع الصلاة فيه ، وبه قطع الشهيد في الذكرى (٢) ، وجدي ـ قدس‌سره ـ في جملة من كتبه (٣) ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل السالم عما يصلح للمعارضة ـ صحيحة محمد بن عبد الجبار ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه؟ أو تكة حرير؟ أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : « لا تحل الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله » (٤).

وصحيحة علي بن الريان ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع : « يجوز » (٥).

وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب المنع من ذلك مطلقا (٦) ، لرواية إبراهيم بن محمد الهمداني ، وهي ضعيفة جدا (٧) فلا يمكن التعويل عليها.

الثانية : اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية إلى المنع منهما (٨) ، لما سبق في‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « م » ، « س » ، « ح » : بالثوب المنسوج من ذلك ولو ممتزجا بغيره ، فلو لم يكن كذلك.

(٢) الذكرى : ١٤٦.

(٣) روض الجنان : ٢١٤ ، والمسالك ١ : ٢٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٧ ـ ٨١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٣ ، الوسائل ٣ : ٢٧٣ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ـ ١٥٢٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧٧ أبواب لباس المصلي ب ١٨ ح ٢.

(٦) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ٨٦.

[٧] لأن من جملة رجالها عمر بن علي بن عمر بن يزيد ولم ينص الأصحاب على توثيقه ، ولأن راويها إبراهيم بن محمد الهمداني لم يثبت توثيقه.

(٨) النهاية : ٩٨.

١٦٦

إلا الخزّ الخالص.

______________________________________________________

الجلود ، وقال في غير النهاية بالكراهة (١) ، ومال إليه في المعتبر (٢) ، تعويلا على الأصل ، ورواية محمد بن عبد الجبار السابقة (٣) ، واستضعافا للأخبار المانعة ، وهو غير بعيد إلا أن المنع أحوط.

الثالثة : ذكر العلامة في المنتهى : أنه لو شك في كون الصوف أو الشعر والوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه ، لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه ، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط (٤).

ويمكن أن يقال أنّ الشرط ستر العورة ، والنهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول فلا يثبت إلا مع العلم بكون الساتر كذلك ، وتؤيده صحيحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كل شي‌ء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه » (٥) ولا ريب أنّ الأحوط التنزه عنه.

قوله : ( إلا الخزّ الخالص ).

اختلف كلام الأصحاب في حقيقة الخز ، فقيل : إنه دابة بحرية ذات أربع ، تصاد من الماء وتموت بفقده (٦) ، وقد روى ذلك ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام بطريق فيه محمد بن سليمان الديلمي ، وفي الرواية : « إنّ الله أحله وجعل ذكاته موته » (٧) وضعّفها المصنف في المعتبر بمحمد بن سليمان ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٣.

(٣) في ص ١٦٦.

(٤) المنتهى ١ : ٢٣١.

(٥) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٣٩ ، الفقيه ٣ : ٢١٦ ـ ١٠٠٢ ، التهذيب ٩ : ٧٩ ـ ٣٣٧ ، السرائر : ٤٨١ ، الوسائل ١٢ : ٥٩ أبواب ما يكتسب منه ب ٤ ح ١.

(٦) كما في جامع المقاصد ١ : ٨٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٩ ـ ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ٣ : ٢٦١ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٤.

١٦٧

______________________________________________________

وبمخالفتها لما اتفقوا عليه من أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ، ولا من السمك إلا ما له فلس ، ثم قال : وحدثني جماعة من التجار أنه القندس ولم أتحققه (١). وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الناس أنه كلب الماء (٢).

وأجود ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سأل أبا عبد الله عليه‌السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز فقال : « ليس بها بأس » فقال الرجل : جعلت فداك إنها في بلادي وإنما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « فإذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ » فقال الرجل : لا ، قال : « لا بأس » (٣).

وقد أجمع علماؤنا على جواز الصلاة في وبره ، حكاه في المعتبر (٤) ، ويدل عليه روايات كثيرة منها صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يصلي في جبة خز (٥).

وموثقة معمر بن خلاّد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الصلاة في الخز فقال : « صلّ فيه » (٦).

ورواية علي بن مهزيار ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طار (٧) ، وكساني جبة خز وذكر أنه لبسها على بدنه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٤.

(٢) الذكرى : ١٤٤.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥١ ـ ٣ ، علل الشرائع : ٣٥٧ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٢٦٣ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٠ ـ ٨٠٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٢٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٢٩ ، الوسائل ٣ : ٢٦١ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٥.

(٧) في « م » والمصدر : طاروني.

١٦٨

وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها (١).

والأظهر جواز الصلاة في جلده أيضا ، وهو اختيار المصنف في المعتبر بعد التردد (٢) ، عملا بمقتضى الأصل ، ويؤيده صحيحة سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الخز فقال : « هو ذاك الخز يلبس » فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك ، قال : « إذا حل وبره حل جلده » (٣).

قوله : ( وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان ، أصحهما المنع ).

أما الرواية المانعة فرواها محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الخز الخالص أنه لا بأس به ، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه » (٤) وبمعناها روى أيوب بن نوح مرفوعا إلى الصادق عليه‌السلام (٥).

وأما المبيحة فرواها داود الصرمي ، قال : سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب : « يجوز ذلك » (٦).

والروايات من الطرفين ضعيفة الإسناد لكن قال في المعتبر : إن الوجه ترجيح الروايتين الأوليين وإن كانتا مقطوعتين لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى أكثرهم الإجماع على مضمونهما (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٠ ـ ٨٠٣ ، الوسائل ٣ : ٢٦٠ أبواب لباس المصلي ب ٨ ح ٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٥.

(٣) الكافي ٦ : ٤٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٣ : ٢٦٥ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١٤ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٦ ، الوسائل ٣ : ٢٦٢ أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ١ ، وأوردها في التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ـ ١٤٦٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ ـ ١٤٧٠ علل الشرائع : ٣٥٧ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ٢٦٢ أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٠ ـ ٨٠٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٢ ـ ٨٣٣ ، الإستبصار ١ : ٣٨٧ ـ ١٤٧١ ، الوسائل ٣ : ٢٦٢ أبواب لباس المصلي ب ٩ ح ٢.

(٧) المعتبر ٢ : ٨٥.

١٦٩

الثالثة : تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنه لا يأكل اللحم ، وقيل : لا تجوز ، والأول أظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنه لا يأكل اللحم ، وقيل : لا تجوز ، والأول أظهر ».

التعليل بكونه لا يأكل اللحم موجود في بعض الروايات ، وكأن المراد : أنه ليس بسبع يأكل اللحم فيمنع الصلاة في جلده. والقول بجواز الصلاة في فرو السنجاب للشيخ في المبسوط والخلاف (١) ، وظاهره في المبسوط دعوى الإجماع عليه فإنه قال : فأما السنجاب والحواصل فلا بأس بالصلاة فيهما بلا خلاف.

ويدل على الجواز صحيحة أبي علي بن راشد. قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الفراء أي شي‌ء يصلى فيه؟ قال : « أي الفراء؟ » قلت : الفنك والسنجاب والسمور ، قال : « فصل في الفنك والسنجاب فأما السمور فلا تصل فيه » (٢).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه فقال : « لا بأس بالصلاة فيه » (٣).

ورواية مقاتل بن مقاتل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب فقال : « لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم » (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٢ ، والخلاف ١ : ٦ و ١٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٠ ـ ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ ـ ٨٢٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ١٤٥٧ ، الوسائل ٣ : ٢٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٠ ـ ٨٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ٣ : ٢٥٤ أبواب لباس المصلي ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠١ ـ ١٦ ، التهذيب ٢ : ٢١٠ ـ ٨٢١ ، الإستبصار ١ : ٣٨٤ ـ ١٤٥٦ ، الوسائل ٣ : ٢٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٣ ح ٢.

١٧٠

______________________________________________________

ويمكن المناقشة في الرواية الأخيرة من حيث السند باشتماله على عدة من المجاهيل ، وفي الأولتين من حيث المتن لتضمنهما جواز الصلاة في غير السنجاب أيضا من غير المأكول ولا نعلم به قائلا ، إلا أنّ ذلك غير قادح عند التحقيق كما بيناه مرارا.

والقول بالمنع للشيخ في كتاب الأطعمة من النهاية (١) ، والسيد المرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) ، والعلامة في المختلف (٤). واستدلوا عليه بموثقة ابن بكير المتقدمة في صدر الباب (٥).

وأجاب عنها في المعتبر بأن خبر أبي علي بن راشد خاص والخاص مقدم على العام ، وبأن ابن بكير مطعون فيه وليس كذلك أبو علي بن راشد (٦).

ويتوجه على الأول أنّ رواية ابن بكير وإن كانت عامة إلا أنّ ابتناءها على السبب الخاص ـ وهو السنجاب وما ذكر معه ـ يجعلها كالنص في المسئول عنه ، وحينئذ يتحقق التعارض ويصار إلى الترجيح.

والمسألة محل تردد وإن كان الجواز لا يخلو من قرب ، للأصل السالم عما يصلح للمعارضة ، وتخرج الأخبار الواردة بالجواز شاهدا. وإنما تجوز الصلاة فيه مع تذكيته ، لأنه ذو نفس قطعا.

قال في الذكرى : وقد اشتهر بين التجار والمسافرين أنه غير مذكى ، ولا عبرة بذلك حملا لتصرف المسلمين على ما هو الأغلب (٧). ولا ريب في ذلك ،

__________________

(١) النهاية : ٥٨٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٧٩.

(٣) السرائر : ٥٦.

(٤) المختلف : ٧٩.

(٥) في ص ١٦٢.

(٦) المعتبر ٢ : ٨٦.

(٧) الذكرى : ١٤٤.

١٧١

وفي الثعالب والأرانب روايتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

لأن متعلق الشهادة إذا كان غير محصور لا تسمع ، نعم لو علم بذلك حرم استعماله.

قوله : ( وفي الثعالب والأرانب روايتان ، أصحهما المنع ).

اختلفت الروايات ظاهرا في جواز الصلاة في جلود الثعالب والأرانب ، فروى علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فيها من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب عليه‌السلام : « لا تجوز الصلاة فيها » (١).

وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جلود الثعالب فقال : « ما أحب أن يصلى فيها » (٢).

وبإزاء هاتين الروايتين أخبار كثيرة دالة على الجواز ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : « لا بأس بالصلاة فيه » (٣).

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا عبد الله (٤) عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال : « لا بأس بذلك » (٥).

وصحيحة جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٦٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٥ ـ ٨٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٨١ ـ ١٤٤٣ ، الوسائل ٣ : ٢٥٨ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ١.

(٣) المتقدمة في ص ١٧٠.

(٤) في « س » ، « ح » والمصدر : أبا الحسن.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١١ ـ ٨٢٦ ، الإستبصار ١ : ٣٨٥ ـ ١٤٦٠ ، الوسائل ٣ : ٢٥٥ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ١.

١٧٢

الرابعة : لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه ، إلا في الحرب ، وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه ،

______________________________________________________

في جلود الثعالب فقال : « إذا كانت ذكية فلا بأس » (١).

قال المصنف في المعتبر : واعلم أنّ المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز ، والعمل به احتياط في الدين (٢). ثم قال بعد أن أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين : وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ، ولو عمل بهما عامل جاز ، وعلى الأول عمل الظاهرين من الأصحاب ، منضما إلى الاحتياط للعبادة (٣).

قلت : ومن هنا يظهر أنّ قول المصنف : أصحهما المنع ، غير جيد ، ولو قال أشهرهما المنع كما ذكره في النافع (٤) كان أولى. والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة أخبار الجواز واستفاضتها ، واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب ، بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر ، وإن كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب.

قوله : ( الرابعة ، لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه ، إلاّ في الحرب ، أو عند الضرورة كالبرد المانع من نزعه ).

أما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام. وأما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب علمائنا ، ووافقنا بعض العامة إذا كان ساترا للعورة (٥) ، وأطبق الباقون على صحتها (٦) ، والأخبار الواردة بتحريم اللبس من الطرفين مستفيضة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ـ ٨٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٨٢ ـ ١٤٤٧ ، الوسائل ٣ : ٢٥٩ أبواب لباس المصلي ب ٧ ح ٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٨٧.

(٤) المختصر النافع : ٢٤.

(٥) منهم ابن قدامة في المغني ١ : ٥٠٥.

(٦) كالشافعي في كتاب الأم ١ : ٩١ ، وابن رشد في بداية المجتهد ١ : ١١٩.

(٧) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلي ب ١١ ، ١٢ ، سنن أبي داود ٤ : ٤٦ ـ ٤٠٤٠ ، ٤٠٤١ ، ٤٠٤٣ ، سنن النسائي ٨ : ٢٠٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٧ ـ ٣٥٨٨ ـ ٣٥٩١.

١٧٣

______________________________________________________

أما البطلان فهو على تقدير كونه ساترا للعورة ظاهر ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد.

وأما إذا كانت العورة مستورة بغيره فللنهي عن الصلاة فيه وهو يقتضي الفساد.

أما الثانية فلاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به منهيا عنه ، فمتى كان منهيا عنه لا يكون مأمورا به وهو معنى الفساد.

وأما الأولى فلقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن عبد الجبار : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (١) وغير ذلك من الأخبار.

ولا ينافي ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب ديباج فقال : « ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » (٢) لأنا نجيب عنه بالحمل على غير المحض ، أو على حال الحرب كما ذكره الشيخ في التهذيب (٣).

وقد قطع الأصحاب بجواز لبسه في حال الضرورة والحرب وقال في المعتبر : إنه اتفاق علمائنا (٤).

أما الضرورة كالبرد الشديد فلسقوط التكليف معها.

وأما في الحرب فاستدل عليه المصنف بأنه يحصل به قوة القلب ، ومنع لضرر الزرد (٥) عند الحركة فجرى مجرى الضرورة ، وبرواية سماعة ، قال :

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٦٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٨ ـ ٨١٥ ، الإستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ١٤٦٥ ، الوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٨.

(٥) الزرد : تداخل حلق الدرع بعضها في بعض ـ الصحاح ٢ : ٤٨٠.

١٧٤

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج فقال : « أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل » (١) ثم قال : وسماعة وإن كان واقفيا لكنه ثقة ، فإذا سلم خبره عن المعارض عمل به (٢). وهو غير جيد كما بيناه فيما سبق.

وقد أجمع الأصحاب ودلت الأخبار على أنّ المحرّم إنما هو الحرير المحض ، أما الممتزج بغيره فالصلاة فيه جائزة سواء كان الخليط أقل أو أكثر ، ولو كان عشرا ـ كما نص عليه في المعتبر (٣) ـ ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض. ولو خيط الحرير بغيره لم يخرج عن التحريم. وأظهر في المنع ما لو كانت البطانة حريرا وحدها أو الظهارة.

أما الحشو بالإبريسم فقد قطع المصنف بتحريمه ، لعموم المنع (٤). واستقرب الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى الجواز (٥) ، لما رواه الحسين بن سعيد ، قال : قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ ، فكتب إليه وقرأته : « لا بأس بالصلاة فيه » (٦) وضعفها المصنف في المعتبر باستناد الراوي إلى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدث (٧). وهو مشكل ، لأن المكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة.

وحملها الصدوق في الفقيه على قز الماعز دون قز الإبريسم (٨) ، وهو بعيد.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥٣ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ١٧١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ ـ ٨١٦ ، الإستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ١٤٦٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧٠ أبواب لباس المصلي ب ١٢ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٩٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٩١.

(٥) الذكرى : ١٤٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥٠٩ ، الوسائل ٣ : ٣٢٣ أبواب لباس المصلي ب ٤٧ ح ١.

(٧) المعتبر ٢ : ٩١.

(٨) الفقيه ١ : ١٧١ ـ ٨٠٧.

١٧٥

ويجوز للنساء مطلقا.

______________________________________________________

والجواز محتمل ، لصحة الرواية ، ومطابقتها لمقتضى الأصل ، وتعلق النهي في أكثر الروايات بالثوب الإبريسم (١) ، وهو لا يصدق على الإبريسم المحشو قطعا.

قوله : ( ويجوز للنساء مطلقا ).

أي ويجوز لبس الحرير للنساء مطلقا سواء كان محضا أو ممتزجا ، وسواء كان في حال الضرورة أو الاختيار. ويمكن أن يريد بالإطلاق : جواز لبسهن له على كل حال ، فيتناول حال الصلاة.

أما جواز لبسهن له في غير الصلاة مع الاختيار فهو قول العلماء كافة ، قاله في المعتبر والمنتهى (٢).

وأما جواز صلاتهن فيه فهو اختيار الأكثر ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل.

وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : النهي عن الصلاة في الحرير المحض مطلق فيتناول المرأة بإطلاقه (٣). ولعله أشار بذلك إلى رواية محمد بن عبد الجبار المتقدمة (٤) ، ورواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز ، لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن ، وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (٥).

والجواب ، أما رواية زرارة فضعيفة الإسناد ، لأن من جملة رجالها‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلي ب ١١.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٩ ، والمنتهى ١ : ٢٢٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٧١.

(٤) في ص ١٦٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ـ ١٥٢٤ ، الإستبصار ١ : ٣٨٦ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٢ أبواب لباس المصلي ب ١٣ ح ٥.

١٧٦

______________________________________________________

موسى بن بكر وهو واقفي (١) ، ومتنها مخالف لما اتفق الناس على جوازه. وحملها على حال الصلاة بعيد جدا ، إذ لا إشعار في الرواية به.

وأما رواية محمد بن عبد الجبار فلأنها وإن كانت بإطلاقها متناولة للرجل والمرأة إلا أنّ ابتناءها على السبب الخاص وهو القلنسوة التي هي من ملابس الرجال قرينة على اختصاص الحكم بهم ، ويؤيد ذلك تعلق السؤال في أكثر الروايات بصلاتهم فيه ، ولو كان المنع متناولا للنساء لكان السؤال عن حكمهن في ذلك أولى ، لجواز لبسهن له في غير الصلاة.

ويشهد له أيضا موثقة عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام » (٢) وقريب منها رواية إسماعيل بن الفضل (٣).

والمسألة محل تردد وإن كان الجواز لا يخلو من قرب ، لأن مثل هذا الإطلاق لا يكفي في تقييد إطلاق الأوامر القرآنية والأدلة المقطوع بها ، وإن كان المصير إلى ما ذكره ابن بابويه أحوط للعبادة.

فروع :

الأول : هل يحرم على الخنثى لبس الحرير؟ قيل : نعم (٤) ، أخذا بالاحتياط ، وقيل : لا ، لاختصاص التحريم بالرجال ، والخنثى ليست رجلا على اليقين.

الثاني : الأصح أنه لا يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير ، لانتفاء الدليل عليه ، وكون الصبي ليس محلا للتكليف ، وهو اختيار المصنف في‌

__________________

(١) راجع رجال الطوسي : ٣٥٩.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥٤ ـ ٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٥ أبواب لباس المصلي ب ١٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٤٣ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ١٠.

(٤) كما في التذكرة ١ : ٩٤ ، والذكرى : ١٤٥.

١٧٧

وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكّة والقلنسوة تردد ، والأظهر الكراهة.

______________________________________________________

المعتبر (١) ومن تأخر عنه (٢). وقيل (٣) : لقوله عليه‌السلام : « حرام على ذكور أمتي » (٤) وقول جابر : كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري (٥). وضعفه ظاهر ، لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر ، وفعل جابر يمكن أن يكون للتنزه والمبالغة في التورع.

الثالث : لو لم يجد المصلي إلاّ الحرير ولا ضرورة (٦) في التعري صلى عاريا عندنا ، لأن وجود المنهي عنه كعدمه. ولو وجد النجس والحرير تعيّن لبس النجس لورود الإذن في لبسه على ما بيناه فيما سبق.

قوله : ( وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكة والقلنسوة تردد ، والأظهر الكراهة ).

هذا قول الشيخ في النهاية والمبسوط (٧) ، وابن إدريس (٨) ، وأبي الصلاح (٩) ، ومستنده رواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كلما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه » (١٠) وفي الطريق أحمد بن هلال وهو ضعيف جدا (١١).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٩١.

(٢) كالعلامة في المنتهى ١ : ٢٢٩ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٤٥.

(٣) كما في المغني والشرح الكبير ١ : ٦٦٤.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٩ ـ ٣٥٩٥.

(٥) سنن أبي داود ٤ : ٥٠ ـ ٤٠٥٩.

(٦) كذا في جميع النسخ والأنسب أن يكون : ولا ضرر.

(٧) النهاية : ٩٨ ، والمبسوط ١ : ٨٤.

(٨) السرائر : ٥٦.

(٩) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(١٠) التهذيب ٢ : ٣٥٧ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ٣ : ٢٧٣ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٢.

(١١) راجع الفهرست : ٣٦ ـ ٩٧.

١٧٨

ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأصحّ.

______________________________________________________

ونقل عن المفيد (١) وابن الجنيد (٢) وابن بابويه (٣) أنهم لم يستثنوا شيئا. وبالغ الصدوق في من لا يحضره الفقيه فقال : ولا تجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم (٤). ويدل عليه عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير (٥) ، وصحيحة محمد بن عبد الجبار ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (٦). وروى محمد بن عبد الجبار في الصحيح أيضا : أنه كتب إليه عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في التكة المعمولة من الحرير ، فأجابه بذلك (٧).

وأجيب عنه بأن هذا الخبر عام وخبر الحلبي خاص والخاص مقدم. وهو غير جيد لما ذكرناه فيما سبق من أنّ ابتناء العام على السبب الخاص يجعله كالخاص في الدلالة على ذلك السبب ، وحينئذ فيتحقق التعارض ويصار إلى الترجيح ، وهو مع الرواية المانعة ، لسلامة سندها وضعف الرواية المنافية لها.

قوله : ( ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأصح ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل السالم من المعارض صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : وسألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال : « يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » (٨).

__________________

(١) المقنعة : ٢٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٨٠.

(٣) المقنع : ٢٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٢.

(٥) الوسائل ٣ : ٢٦٦ أبواب لباس المصلي ب ١١.

(٦) المتقدمة في ص ١٦٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٧ ـ ٨١٠ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ١٤٥٣ ، الوسائل ٣ : ٢٧٣ أبواب لباس المصلي ب ١٤ ح ٤.

(٨) الكافي ٦ : ٤٧٧ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ٨٦ ، الوسائل ٣ : ٢٧٤ أبواب لباس المصلي ب ١٥ ح ١ ، البحار ١٠ : ٢٨٢.

١٧٩

وتجوز الصلاة في ثوب مكفوف به. وإذا مزج بشي‌ء مما تجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضا جاز لبسه والصلاة فيه ، سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه.

______________________________________________________

وحكى العلامة في المختلف عن بعض المتأخرين القول بالمنع (١). وهو مجهول القائل والدليل ، وعلله المصنف في المعتبر بعموم تحريمه على الرجال (٢).

وهو ضعيف ، فإنّ النهي إنما تعلق بلبسه ، ومنع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به ، أما التدثر به فالأظهر تحريمه لصدق اسم اللبس عليه.

قوله : ( وتجوز الصلاة في ثوب مكفوف به ).

بأن يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق [٣] ، وألحق به اللبنة ، وهي الجيب. وقدّر نهاية عرض ذلك بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة. وأعلم أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخرين (٤) ، واستدل عليه في المعتبر (٥) بما رواه العامة عن عمر : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (٦).

ومن طريق الأصحاب ما رواه جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (٧). وهذه الرواية ـ مع قصور سندها بعدم توثيق جراح المدائني والراوي عنه وهو‌

__________________

(١) المختلف : ٨٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٠.

(٣) زيق القميص بالكسر : ما أحاط بالعنق ( من قدس‌سره ).

(٤) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٩٦ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٤٥ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٨٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٠.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٣ ـ ١٥ ، سنن أبي داود ٤ : ٤٧ ـ ٤٠٤٢.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٧ وج ٦ : ٤٥٤ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١٠ ، الوسائل ٣ : ٢٦٨ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٩.

١٨٠