مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

والترتيب فيها واجب. ولو عكس لم تنعقد الصلاة.

والمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيّها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح. ولو كبّر ونوى الافتتاح ثم كبّر ونوى الافتتاح بطلت صلاته ، فإن كبّر ثالثة‌

______________________________________________________

بالإصبع. وأضاف بعضهم إلى ذلك تحريك اللسان (١).

أما عقد القلب بمعناها ، فلأن الإشارة لا اختصاص لها بالتكبير ، فلا بدّ لمريده من مخصص ، ولا يتحقق بدون ذلك.

وأما الإشارة وتحريك اللسان ، فاستدل عليه بما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (٢). وبأن تحريك اللسان كان واجبا مع القدرة على النطق ، فلا يسقط بالعجز عنه ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور.

وفي الدليلين نظر ، والقول بسقوط الفرض للعجز عنه ـ كما ذكره بعض العامة (٣) ـ محتمل ، إلاّ أن المصير إلى ما ذكره الأصحاب أولى.

قوله : ( والمصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح ).

سيأتي في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه يستحب للمصلي التوجه بستّ تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام بينها دعاءان. والمصلي بالخيار إن شاء جعلها الأخيرة وأتى بالست قبلها ، وإن شاء جعلها الأولى وأتى بالست بعدها ، وإن شاء جعلها الوسطى. والكل حسن ، لأن الذكر والدعاء لا ينافي الصلاة. وذكر الشهيد في الذكرى أن الأفضل جعلها الأخيرة (٤). ولا أعرف مأخذه.

قوله : ( ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبّر ونوى الافتتاح بطلت‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٦٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٧ ، الوسائل ٤ : ٨٠١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ١.

(٣) راجع ص ٣٢٠.

(٤) الذكرى : ١٧٩.

٣٢١

ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيرا. ويجب أن يكبّر قائما ، فلو كبر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ في القيام لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

صلاته ، فإن كبّر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيرا ).

إنما قيد التكبير بنية الافتتاح ليصير ركنا تبطل الصلاة بزيادته. ولا فرق في بطلان الصلاة بذلك بين أن ينوي الخروج من الصلاة قبله أم لا ، لأن ذلك غير مبطل عند المصنف رحمه‌الله. وإنّما تنعقد الصلاة بالثالثة مع مقارنة النية له.

ويمكن المناقشة في هذا الحكم ـ أعني البطلان بزيادة التكبير ـ إن لم يكن إجماعيا ، فإن أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا (١) ، وهو لا يستلزم البطلان بزيادته.

قوله : ( ويجب أن يكبّر قائما ، فلو كبّر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ في القيام لم تنعقد صلاته ).

أجمع علماؤنا وأكثر العامة (٢) على أن هذا التكبير جزء من الصلاة ، فيجب فيه كلما يجب فيها من الطهارة والستر والاستقبال والقيام وغير ذلك ، فلو كبر وهو آخذ في القيام ، أو أتمه وهو هاو إلى الركوع ـ كما يتفق للمأموم ـ لم يصح.

قال في الذكرى : وهل تنعقد الصلاة والحال هذه نافلة؟ الأقرب المنع ، لعدم نيتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها ، وهي من خصائص النافلة (٣). وضعف هذا التوجيه ظاهر.

ونقل عن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ أنه جوّز الإتيان بالتكبير في حال الانحناء (٤). ولا نعرف مأخذه.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢.

(٢) منهم الشافعي في كتاب الأم ١ : ١٠١ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٤٣.

(٣) الذكرى : ١٧٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٥.

٣٢٢

والمسنون فيها : أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مدّ بين حروفها ، وبلفظ أكبر على وزن أفعل ، وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ،

______________________________________________________

قال جدي ـ قدس‌سره ـ : وكما يشترط القيام وغيره من الشروط في التكبير ، كذا يشترط في النية ، فإذا كبر قاعدا أو وهو آخذ في القيام وقعت النية أيضا على تلك الحالة ، فعدم الانعقاد مستند إلى كل منهما ولا يضر ذلك ، لأن علل الشرع معرفات لا علل حقيقية (١).

وفيه نظر ، لانتفاء ما يدل على اعتبار هذه الشرائط في النية على الخصوص كما تقدم تحقيقه (٢) ، إلاّ أن المقارنة المعتبرة للتكبير ربما تنفي فائدة هذا الاختلاف (٣).

قوله : ( والمسنون فيها أربعة : أن يأتي بالجلالة من غير مدّ بين حروفها ).

المراد به مدّ الألف الذي بين اللام والهاء زيادة على القدر الطبيعي. ولو خرج بذلك عن وضع اللفظ أو أسقطه بطل. ولا عبرة في ذلك بصورة الكتابة ، ولا باللغة الضعيفة بالسقوط. ولو مدّ همزة الله صار بصورة الاستفهام ، فإن قصده بطلت الصلاة ، وإلاّ ففيه وجهان ، أصحهما البطلان ، لخروجه بذلك عن صيغة الأخبار.

قوله : ( وبلفظة أكبر على وزن أفعل ).

مفهومه جواز الخروج عن الوزن ، ولا بدّ من تقييده بما إذا لم يبلغ الزيادة حرفا ، وإلاّ بطل وإن لم يقصد معناه على الأظهر ، لخروجه بذلك عن المنقول.

قوله : ( وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ).

المستند في ذلك روايات كثيرة ، منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٩.

(٢) في ص ٣١١.

(٣) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : ومع ذلك فالثابت في المعرفات المرتبة إنما يستند إلى الأول خاصة كما لا يخفى.

٣٢٣

وأن يرفع المصلي يديه بها إلى أذنيه.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « وإذا كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسرّ ستا » (١).

ويستحب للمأموم الإسرار ، لقوله عليه‌السلام : « ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول » (٢). ويتخير المنفرد. ونقل عن الجعفي أنه أطلق استحباب رفع الصوت بها (٣). وهو ضعيف.

قوله : ( وأن يرفع المصلي يديه بها الى أذنيه ).

أما استحباب الرفع ، فقال في المعتبر : إنه لا خلاف فيه بين العلماء (٤). ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه أوجبه في تكبيرات الصلاة كلها ، واحتج بإجماع الفرقة (٥). وهو أعلم بما ادعاه.

واختلف الأصحاب في حدّه ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ يحاذي بيديه شحمتي أذنيه (٦). وقال ابن أبي عقيل : يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بهما أذنيه (٧). وقال ابن بابويه : يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخد (٨). والكل متقارب ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، ومنها : صحيحة معاوية بن عمار ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا (٩).

وصحيحة صفوان بن مهران الجمال ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٧ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٤ : ٧٣٠ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٠٢ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٤ : ٩٩٤ أبواب التشهد ب ٦ ح ٢.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٧٩.

(٤) المعتبر ٢ : ١٥٦.

(٥) الانتصار : ٤٤.

(٦) المبسوط ١ : ١٠٣.

(٧) نقله عنه في الذكرى : ١٧٩.

(٨) الفقيه ١ : ١٩٨.

(٩) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٢.

٣٢٤

الثالث : القيام ،

______________________________________________________

إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه (١).

وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ وجلّ : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : « هو رفع يديك حذاء وجهك » (٢).

ويستحب أن تكونا مبسوطتين ، ويستقبل بباطن كفيه القبلة ، لصحيحة منصور بن حازم ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه (٣).

ولتكن الأصابع مضمومة كما يستفاد من رواية حماد في وصف صلاة الصادق عليه‌السلام (٤).

وينبغي الابتداء بالرفع مع ابتداء التكبير والانتهاء بانتهائه ، لأن الرفع بالتكبير لا يتحقق إلاّ بذلك. قال في المعتبر : ولا أعرف فيه خلافا (٥).

قوله : ( الثالث : القيام ).

قال المصنف في المعتبر : إنما أخر القيام عن النية وتكبيرة الإحرام لأنه لا يصير جزءا من الصلاة إلاّ بهما ، وعلة الشي‌ء سابقه عليه (٦). وهو حسن ، وإن كان لتقديمه عليهما ـ كما فعله الشيخ في المبسوط (٧) ـ وجه أيضا ، لأنه شرط فيهما ، والشرط متقدم على المشروط.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ٧٢٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٦٦ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ٤ : ٧٢٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٩ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٠٠.

(٦) المعتبر ٢ : ١٥٨.

(٧) المبسوط ١ : ١٠٠.

٣٢٥

وهو ركن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( وهو ركن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته ).

هذا مذهب العلماء كافة ، قاله في المعتبر (١). ويدل عليه أن من أخل بالقيام مع القدرة لا يكون آتيا بالمأمور به على وجهه ، فيبقى تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.

ويشكل بأن ناسي القراءة أو أبعاضها صلاته صحيحة مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع من حيث هو كذلك.

ومن ثم ذهب جمع من المتأخرين (٢) إلى أن الركن من القيام هو القدر المتصل منه بالركوع ، ولا يتحقق نقصانه إلاّ بنقصان الركوع (٣).

وذكر الشهيد في بعض فوائده : أن القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء ، فالقيام في النية شرط كالنية ، والقيام في التكبير تابع له في الركنية ، والقيام في القراءة واجب غير ركن ، والقيام المتصل بالركوع ركن ، فلو ركع جالسا بطلت صلاته وإن كان ناسيا ، والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع وسجد ساهيا لم تبطل صلاته ، والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب (٤). وهو تفصيل حسن (٥).

واستشكل ذلك المحقق الشيخ علي بأن قيام القنوت متصل بقيام القراءة ، فهو في الحقيقة كله قيام واحد ، فكيف يوصف بعضه بالوجوب وبعضه‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٥٨.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩.

(٣) في « ح » زيادة : وهو حسن.

(٤) نقله عنه في جامع المقاصد ١ : ١٠٤.

(٥) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : إلا أن في تبعية القيام للنية في الشرطية نظرا تقدمت الإشارة إليه.

٣٢٦

وإذا أمكنه القيام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام ، وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة.

______________________________________________________

بالاستحباب (١)؟!

( وهو مدفوع بوجود خاصتي الوجوب والندب في الحالين ) [٢].

قوله : ( وإذا أمكنه القيام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام ، وروي جوازا الاعتماد على الحائط مع القدرة ).

المراد من الاستقلال هنا الإقلال ، بمعنى أن لا يكون معتمدا على شي‌ء بحيث لو رفع السناد لسقط. وقد قطع أكثر الأصحاب بوجوبه اختيارا ، للتأسي ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « لا تستند بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار إلاّ أن تكون مريضا » (٣).

والرواية التي أشار إليها المصنف ـ رحمه‌الله ـ هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : « لا بأس » (٤) ونحوه روى سعيد بن يسار (٥) ، وعبد الله بن بكير (٦) عن الصادق عليه‌السلام.

ونقل عن أبي الصلاح أنه أخذ بظاهر هذه الأخبار ، وعدّ الاعتماد على ما‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٠٤.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م » ، « س » ، « ح » : وهو استشكال ضعيف ، فإن القيام بعد إتمام القراءة يجوز تركه لا إلى بدل فلا يكون واجبا ، واستمراره في حال القنوت مطلوب من الشارع فيكون مستحبا. أما القيام في حال الإتيان بالمستحبات الواقعة قبل القراءة وفي أثنائها فالظاهر وصفه بالوجوب.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٤ : ٧٠٢ أبواب القيام ب ١٠ ح ٢. وفيهما : لا تمسك بخمرك.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٦ ـ ١٣٣٩ ، قرب الإسناد : ٩٤ ، الوسائل ٤ : ٧٠١ أبواب القيام ب ١٠ ح ١ ، بحار الأنوار ١ : ٢٧٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٧٠٢ أبواب القيام ب ١٠ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٧ ـ ١٣٤١ ، قرب الإسناد : ٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٠٢ أبواب القيام ب ١٠ ح ٤.

٣٢٧

ولو قدر على القيام بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته ، وإلا صلى قاعدا. وقيل : حدّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته ، والأول أظهر.

______________________________________________________

يجاور المصلي من الأبنية مكروها (١). وهو غير بعيد.

والأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام ، ولا يجوز تباعدهما بما يخرج به عن حدّه ، ولا الانحناء ، ولا الميل إلى أحد الجانبين. ولا يخل بالانتصاب إطراق الرأس وإن كان الأفضل إقامة النحر ، لقوله عليه‌السلام في مرسلة حريز : « النحر : الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره » (٢).

قوله : ( ولو قدر على القيام بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته ).

سواء كان منتصبا أم منحنيا ، مستقلا أو معتمدا. وربما ظهر من إطلاق العبارة أن من أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام. وهو كذلك ، لأن الجلوس مشروط بالعجز عن القيام فلا يجوز بدونه ، وعلى هذا فيجب عليه الإتيان بما قدر عليه منهما ، فإن تعذر أومأ برأسه وإلاّ فبطرفه.

قوله : ( وإلاّ صلى قاعدا ، وقيل : حدّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان صلاته ، والأول أظهر ).

أي : وإن عجز عن القيام أصلا صلى قاعدا.

وقيل : حدّ العجز المسوغ للجلوس أن لا يقدر على المشي مقدار صلاته. وهذا القول منقول عن المفيد ـ رحمه‌الله ـ في بعض كتبه (٣). وربما كان مستنده‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٢) الكان ٣ : ٣٣٦ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٨٤ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٤ : ٦٩٤ أبواب القيام ب ٢ ح ٣.

(٣) المقنعة : ٣٦.

٣٢٨

والقاعد إذا تمكن من القيام للركوع وجب ،

______________________________________________________

رواية سليمان المروزي قال ، قال الفقيه عليه‌السلام : « المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما » (١) وهي ضعيفة السند بجهالة الراوي ، وما تضمنته من التحديد غير مطابق للاعتبار ، فإن المصلي قد يتمكن أن يقوم بقدر صلاته ولا يتمكن من المشي بقدر زمانها ، وقد يتمكن من المشي ولا يتمكن من الوقوف. وربما كان ذلك كناية عن العجز عن القيام.

وكيف كان ، فالأصح عدم جواز الجلوس إلاّ مع العجز عن القيام بمعنى المشقة اللازمة منه ، لأصالة عدم سقوط التكليف بالقيام إلاّ مع العجز عنه. ويؤيده حسنة جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما حدّ المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ قال : « إن الرجل ليوعك (٢) ويحرج ، ولكنه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم » (٣).

والأقرب تقديم الجلوس على القيام ماشيا ، لتوقف العبادة على النقل ، والمنقول هو الجلوس ، ولأنه أقرب إلى حالة الصلاة من الاضطراب.

ورجح الشارح ـ قدس‌سره ـ تقديم القيام ماشيا ، لأنه إنما يفوت معه وصف من أوصاف القيام وهو الاستقرار ، والجلوس يفوت معه أصل القيام ، وفوات الوصف أولى من فوات الأصل بالكلية (٤). وجوابه معلوم مما قررناه.

قوله : ( والقاعد إذا تمكن من القيام للركوع وجب ).

أي وجب القيام إلى الهوي ليركع عن قيام ، فإن القدر المتصل بالركوع من القيام ركن كما سبق ، فيجب الإتيان به مع القدرة حتى لو ركع ساهيا مع‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٨ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ٤ : ٦٩٩ أبواب القيام ب ٦ ح ٤.

(٢) أي : يحمّ ، والوعك : الحمّى وقيل : ألمها ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٩٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٤ : ٦٩٨ أبواب القيام ب ٦ ح ٣.

(٤) المسالك ١ : ٢٩.

٣٢٩

وإلا ركع جالسا. وإذا عجز عن القعود صلى مضطجعا ،

______________________________________________________

القدرة بطلت صلاته. ولا تجب الطمأنينة في هذا القيام ، لأن وجوبها إنما كان لأجل القراءة وقد أتى بها. واحتمل في الذكرى الوجوب ، لضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون (١). ( وهو خروج عن محل النزاع ) [٢]. وأما القراءة فلا تجب إعادتها قطعا بل ولا تستحب.

قوله : ( وإلاّ ركع جالسا ).

قد ذكر في كيفية ركوع الجالس وجهان.

أحدهما : أن ينحني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم.

والثاني : أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده ، وأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه. وهما متقاربان. ولا ريب أن كلا منهما محصل ليقين البراءة.

ولو قدر القاعد على الانحناء إلى أقل ما يتحقق به الركوع ولم يقدر على الزيادة عليه (٣) ، لم يكن له أن ينقص منه في الركوع ، ويسقط الفرق بينه وبين السجود. نعم لو قدر على أكمل حالات الركوع كان الأولى له الاقتصار على الأقل وإيثار السجود بالزيادة تحصيلا للفرق. والظاهر عدم تعينه.

قوله : ( وإذا عجز عن القعود صلى مضطجعا ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله الله عزّ وجلّ ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) (٤) قال : « الصحيح يصلي قائما ( وَقُعُوداً )

__________________

(١) الذكرى : ١٨٢.

(٢) بدل ما بين القوسين « س » ، « ح » : وضعفه ظاهر فإن ذلك لو تمّ لخرج عن موضع النزاع.

(٣) وهو لا يتمكن من السجود. أي : في صورة عدم التمكن من السجود.

(٤) آل عمران : ١٩١.

٣٣٠

______________________________________________________

المريض يصلي جالسا ( وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا » (١).

وإطلاق الرواية يقتضي التخيير بين الجانب الأيمن والأيسر ، وهو ظاهر اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا ، وفي النافع (٢). وقال في المعتبر : ومن عجز عن القعود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن مومئا ، وهو مذهب علمائنا. ثم قال : وكذا لو عجز عن الصلاة على جانبه صلى مستلقيا (٣). ولم يذكر الأيسر. ونحوه قال في المنتهى (٤). وظاهرهما تعين الجانب الأيمن. وقال في التذكرة ـ بعد أن ذكر الاضطجاع على الجانب الأيمن ـ : ولو اضطجع على شقه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز (٥). وظاهره التخيير أيضا. وبه قطع في النهاية ، لكنه قال : إن الأيمن أفضل (٦).

وجزم الشهيد (٧) ـ رحمه‌الله ـ ومن تأخر عنه (٨) بوجوب تقديم الأيمن على الأيسر. ويدل عليه ما رواه ابن بابويه مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « المريض يصلي قائما ، فإن لم يستطع صلى جالسا ، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن ، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر ، فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٩).

وما رواه الشيخ ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى ، إما أن يوجه‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٦ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١ ح ١.

(٢) المختصر النافع : ٣٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٦٠.

(٤) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٥) التذكرة ١ : ١٠٩.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٤٤٠.

(٧) الذكرى : ١٨١ ، والدروس : ٣٤.

(٨) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٩.

(٩) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٤ : ٦٩٢ أبواب القيام ب ١ ح ١٥.

٣٣١

فإن عجز صلى مستلقيا ، والأخيران يوميان لركوعهما وسجودهما.

______________________________________________________

فيومئ إيماء. وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة. قال : فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء » (١).

ولا ريب أن ما تضمنته هاتان الروايتان من تقديم الأيمن أولى ، وإن كان الأظهر التخيير بين الجانبين لضعف ما دل على اعتبار الترتيب.

قوله : ( فإن عجز صلى مستلقيا ).

أي فإن عجز عن الاضطجاع على أحد الجانبين صلى مستلقيا على قفاه. وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه. وربما وجد في بعضها أنه ينتقل إلى الاستلقاء بالعجز عن الجلوس (٢) وهو متروك.

وروى الشيخ (٣) في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون : نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا ، كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك ، وقال ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٤).

قوله : ( والأخيران يوميان لركوعهما وسجودهما ).

المراد بالأخيرين المضطجع والمستلقي. وفي حكمهما الجالس بل والقائم أيضا إذا تعذر عليهما الركوع والسجود. وإنما يجزئ الإيماء إذا لم يمكن أن يصير بصورة الساجد بأن يجعل مسجده على شي‌ء مرتفع ويضع جبهته عليه.

ويجب أن يكون الإيماء بالرأس إن أمكن ، وإلاّ فبالعينين ، لقوله‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٥ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ ـ ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ ـ ١٠٣٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ـ ٦٧١ ، الوسائل ٤ : ٦٩١ أبواب القيام ب ١ ح ١٣.

(٣) وجدناه في الكافي ٣ : ٤١٠ ـ ٤ ، وعنه في الوسائل ٤ : ٦٩٩ أبواب القيام ب ٧ ح ١.

(٤) البقرة : ١٧٣.

٣٣٢

ومن عجز عن حالة في أثناء الصلاة انتقل إلى ما دونها مستمرا ،

______________________________________________________

عليه‌السلام في حسنة الحلبي ـ وقد سأله عن المريض الذي لا يستطيع القيام والجلوس ـ : « يومئ برأسه إيماء ، وإن يضع جبهته على الأرض أحب إليّ » (١).

ويستفاد من هذه الرواية استحباب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه حال الإيماء. ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المريض ، قال : « يسجد على الأرض أو على مروحة أو على سواك يرفعه ، هو أفضل من الإيماء » (٢).

وقيل بالوجوب ، لأن السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه ، فإذا سقط الأول لتعذره بقي الثاني ، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور (٣). ويؤيده مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد ، فإنه يجزي عنه ، ولن يكلف الله ما لا طاقة له به » (٤) وفي التعليل نظر ، وفي الرواية ضعف ، إلاّ أن العمل بما تضمنته أحوط.

قوله : ( ومن عجز عن حالة في أثناء الصلاة انتقل إلى ما دونها مستمرا ).

أي من غير استئناف لأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء. ويمكن أن يريد بالاستمرار استمراره على الأفعال التي يمكن وقوعها حالة الانتقال كالقراءة ، فلا يترك القراءة في حالة الانتقال إلى الأدنى ، لأن تلك الحالة أقرب إلى ما كان عليه. بخلاف من وجد خفّا (٥) في حالة دنيا ، فإنه يجب عليه ترك‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٠ ـ ٥ ، الوسائل ٤ : ٦٨٩ أبواب القيام ب ١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٦ ـ ١٠٣٩ ، التهذيب ٣ : ١٧٧ ـ ٣٩٨ ، الوسائل ٣ : ٦٠٦ أبواب ما يسجد عليه ب ١٥ ح ١.

(٣) كما في الذكرى : ١٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٦ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٩٠ أبواب القيام ب ١ ح ٥.

(٥) من خفّ يخف خفة وخفّا ( القاموس المحيط ٣ : ١٤٠ ).

٣٣٣

كالقائم يعجز فيقعد ، أو القاعد يعجز فيضطجع ، أو المضطجع يعجز فيستلقي. وكذا بالعكس. ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه ، فإن لم يقدر أومأ.

والمسنون في هذا الفصل شيئان : أن يتربّع المصلي قاعدا في حال قراءته ، ويثني رجليه في حال ركوعه.

______________________________________________________

القراءة في حال انتقاله إلى المرتبة العليا ، لإمكان الإتيان بالقراءة في حال القيام فيجب.

وقيل : يجب عليه ترك القراءة في الحالين إلى أن يطمئن ، لأن الاستقرار شرط مع القدرة (١). وهو حسن.

قوله : ( وكذا بالعكس ).

أي يجب على العاجز الانتقال إلى الحالة العليا إذا تجددت قدرته إلى أن يبلغ أعلى المراتب أعني القيام مستقلا ( مستقرا ) (٢) ولا يعد انتقاله فعلا كثيرا لأنه من أفعال الصلاة.

قوله : ( والمسنون في هذا الفصل شيئان : أن يتربع المصلي قاعدا في حال قراءته ، ويثني رجليه في حال ركوعه ).

هذا قول علمائنا (٣) ، وأكثر العامة (٤) ، ويدل عليه صحيحة حمران بن أعين ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « كان أبي عليه‌السلام إذا صلى جالسا تربع ، وإذا ركع ثنى رجليه » (٥).

__________________

(١) كما في الذكرى : ١٨٢.

(٢) ليست في « س ».

(٣) في « ح » زيادة : أجمع.

(٤) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٨٠٨ ، ٨١٢ ، والغمراوي في السراج والوهاج : ٤٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٤.

٣٣٤

وقيل : ويتورّك في حال تشهده.

الرابع : القراءة

______________________________________________________

قال في المنتهى : وليس هذا على الوجوب بالإجماع (١) ، ولما رواه ابن بابويه عن معاوية بن ميسرة : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال : « لا بأس بذلك » (٢). وروى أيضا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في الصلاة في المحمل : « صلّ متربعا وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك » (٣).

قوله : ( وقيل : يتورك في حال تشهده ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (٤) ، وجماعة. وربما ظهر من حكاية المصنف له بلفظ « قيل » التوقف في هذا الحكم ، ولا وجه له ، لثبوت استحباب التورك في مطلق التشهد ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( الرابع : القراءة ).

أجمع العلماء كافة على وجوب القراءة في الصلاة إلاّ من شذّ (٥).

والأصل فيه : فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليه‌السلام ، والأخبار المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم : عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته » (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٦٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٥٠ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ ـ ٦٧٨ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٨ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٤ : ٧٠٣ أبواب القيام ب ١١ ح ٥.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٠.

(٥) وهو الحسن بن صالح كما في الخلاف ١ : ١١١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٢.

٣٣٥

وهي واجبة ، ويتعيّن بالحمد في كل ثنائية ، وفي الأوليين من كل رباعية وثلاثية.

______________________________________________________

ويستفاد من هذه الرواية عدم ركنية القراءة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وادعى الشيخ فيه الإجماع (١). وحكى في المبسوط عن بعض أصحابنا قولا بركنيتها (٢) ، وربما كان مستنده صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات » (٣).

ويجاب بالحمل على العامد جمعا بين الأدلة.

قوله : ( وتتعين بالحمد في كل ثنائية ، وفي الأولين من كل رباعية وثلاثية ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (٤) ، ويدل عليه مضافا إلى الإجماع والتأسي الأخبار الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، ورواية أبي بصير. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أمّ القرآن ، قال : « إن كان لم يركع فليعد أم القرآن » (٥) ورواية سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : « فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، ثم ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات ، فإنه إذا ركع أجزأه » (٦).

وهل تتعين الفاتحة في النافلة؟ الأقرب ذلك ، لأن الصلاة كيفية متلقاة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ١١٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ ـ ٢٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٦ ـ ٥٧٣ ، الإستبصار ١ : ٣٥٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ٤ : ٧٦٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ٤.

(٤) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٥٥ ، ٥٥٦ ، والأشعري المكي في الفتوحات الربانية ٢ : ١٩٠ ، والشوكاني في نيل الأوطار ١ : ٢٣٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤٧ ـ ٥٧٤ ، الوسائل ٤ : ٧٦٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

٣٣٦

ويجب قراءتها أجمع ، ولا يصحّ الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمدا ، حتى التشديد ، وكذا إعرابها.

______________________________________________________

من الشارع فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل.

وقال العلامة في التذكرة : لا تجب قراءة الفاتحة فيها للأصل (١). فإن أراد الوجوب بالمعنى المصطلح فحق ، لأن الأصل إذا لم يكن واجبا لا تجب أجزاؤه ، وإن أراد ما يعم الوجوب الشرطي بحيث تنعقد النافلة من دون قراءة الحمد فهو ممنوع.

قوله : ( وتجب قراءتها أجمع ، ولا تصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف منها ، حتى التشديد ).

لا ريب في بطلان الصلاة مع الإخلال بشي‌ء من الفاتحة ولو بحرف واحد منها ، لأن الإتيان بها إنما يتحقق مع الإتيان بجميع أجزائها ، فيلزم أن يكون الإخلال بالجزء إخلالا بها. ومن الحرف التشديد في مواضعه ، بدليل أن شدة راء الرحمن ودال الدين أقيمت مقام اللام ، وكذا المدّ المتصل. أما المنفصل فمستحب ، وكذا أوصاف القراءة من الهمس ، والجهر ، والاستعلاء ، والإطباق ، والغنّة ، وغيرها (٢) ، كما صرح به محققو هذا الفن.

قوله : ( وكذا إعرابها ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ١١٣.

(٢) حروف الهمس : ت ، ث ، ح ، خ ، س ، ش ، ص ، ف ، ه‍ ، ك‍ ، سمي الحرف مهموسا لأنه أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس.

حروف الجهر : أ ، ب ، ج ، د ، ذ ، ر ، ز ، ض ، ط ، ع ، غ ، ق ، ل ، م ، ن ، و، ي. سميت بذلك لأنه يجهر بها عند النطق لقوتها وقوة الاعتماد ومنع النفس أن يجري معها. حروف الاستعلاء : خ ، ص ، ض ، ط ، ظ ، غ ، ق. سميت بذلك لاستعلاء اللسان عند النطق بها. حروف الإطباق : ص ، ض ، ط ، ظ ، سميت بذلك لانطباق طائفة من اللسان على الحنك الأعلى عند النطق بها. فحروف الاستعلاء أقوى الحروف ، وأقواها حروف الإطباق.

ـ راجع قواعد التجويد : ٥٥ للسيد العاملي صاحب مفتاح الكرامة.

الغنة : صوت يخرج من الخيشوم ، والنون أشد الحروف غنة. ( المصباح المنير : ٤٥٥ ).

٣٣٧

______________________________________________________

المراد بالإعراب ما يشمل حركات البناء توسعا. وصرح المصنف بأنه لا‌ فرق في بطلان الصلاة بالإخلال بالإعراب بين كونه مغيرا للمعنى ، ككسر كاف إياك ، وضم تاء أنعمت ، أو غير مغير كضم هاء الله ، لأن الإعراب كيفية للقراءة ، فكما وجب الإتيان بحروفها وجب الإتيان بالإعراب المتلقى عن صاحب الشرع ، وقال : إن ذلك قول علمائنا أجمع (١).

وحكي عن بعض الجمهور أنه لا يقدح في الصحة الإخلال بالإعراب الذي لا يغير المعنى ، لصدق القراءة معه ، وهو منسوب إلى المرتضى في بعض مسائله (٢) ، ولا ريب في ضعفه.

ولا يخفى أن المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن ، لا ما وافق العربية ، لأن القراءة سنة متبعة. وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على تواتر القراءات السبع. وحكى في الذكرى عن بعض الأصحاب أنه منع من قراءة أبي جعفر ، ويعقوب ، وخلف ، وهي كمال العشر. ثم رجح الجواز لثبوت تواترها كتواتر السبع (٣).

قال المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ بعد نقل ذلك : وهذا لا يقصر عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد ، فتجوز القراءة بها (٤). وهو غير جيد ، لأن ذلك رجوع عن اعتبار التواتر.

وقد نقل جدي ـ قدس‌سره ـ عن بعض محققي القراء أنه أفرد كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كلّ طبقة ، وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٦٧.

(٢) رسائل السيد المرتضى ٢ : ٣٨٧.

(٣) الذكرى : ١٨٧.

(٤) جامع المقاصد ١ : ١١٢.

(٥) روض الجنان : ٢٦٤.

٣٣٨

والبسملة آية منها يجب قراءتها معها ،

______________________________________________________

ثم [ إنه ] (١) حكي عن جماعة من القراء أنهم قالوا ليس المراد بتواتر السبع والعشر أن كل ما ورد من هذه القراءات متواتر ، بل المراد انحصار التواتر الآن في ما نقل من هذه القراءات ، فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم. وهو مشكل جدا ، لكن المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان.

قال في المنتهى : وأحبّ القراءات إليّ ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش ( وطريق أبي عمرو بن العلاء فإنها أولى ) (٢) من قراءة حمزة والكسائي ، لما فيهما من الإدغام والإمالة وزيادة المدّ وذلك كله تكلف ، ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف (٣).

قوله : ( والبسملة آية منها يجب قراءتها معها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، وأكثر أهل العلم. وقد ورد بذلك روايات كثيرة كصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال : « نعم ». قلت : بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال : « نعم هي أفضلهن » (٤) وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا قمت إلى الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال : « نعم » قلت : فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال : « نعم » (٥).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون إماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ‌

__________________

(١) أضفناها لاستقامة العبارة.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : وقراءة أبي عمرو بن العلاء فإنهما أولى.

(٣) المنتهى ١ : ٢٧٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٩ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ٤ : ٧٤٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣١٢ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥١ ، الإستبصار ١ : ٣١١ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ٤ : ٧٤٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ١١ ح ٥.

٣٣٩

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : « لا يضره ولا بأس به » (١). لأنا نجيب عنه بالحمل على حال التقية ، كما تدل عليه رواية زكريا بن إدريس القمي ، قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : « لا يجهر » (٢).

وهل هي آية من كل سورة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : نعم (٣). وبه قطع عامة المتأخرين.

وقال ابن الجنيد : هي من غيرها افتتاح لها (٤) ، وربما كان مستنده صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة ، يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : « نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك » (٥) وصحيحة عبيد الله بن علي وأخيه محمد بن علي الحلبيين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنهما سألاه عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : « نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا » فقالا : أفيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال : « لا » (٦).

وأجاب عنهما الشيخ في التهذيب بالحمل على من كان في صلاة النافلة وقد‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٧ ، الإستبصار ١ : ٣١٢ ـ ١١٥٩ ، الوسائل ٤ : ٧٤٩ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٨ ، الإستبصار ١ : ٣١٢ ـ ١١٦٠ ، الوسائل ٤ : ٧٤٧ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ١٠٥ ، الخلاف ١ : ١١٢.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١٨٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٩ ـ ٢٥٠ ، الإستبصار ١ : ٣١٣ ـ ١١٦٢ ، الوسائل ٤ : ٧٤٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٨ ـ ٢٤٩ ، الإستبصار ١ : ٣١٢ ـ ١١٦١ ، الوسائل ٤ : ٧٤٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٢ ح ٢.

٣٤٠