مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

التاسعة : من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى ، والأفضل أن يعيد الإقامة.

العاشرة : من أحدث في الصلاة تطهّر وأعادها ، ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلم.

______________________________________________________

بعينها كان ذلك كافيا لكل من يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد (١). ولم نعرف مأخذه.

قوله : ( التاسعة ، من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنى ، والأفضل أن يعيد الإقامة ).

الظاهر أن البناء يسوغ مع بقاء الموالاة وإلاّ تعين الاستئناف.

وأما أفضلية إعادة الإقامة والحال هذه فاستدل عليه الشارح ـ قدس‌سره ـ بتأكد استحباب الطهارة فيها (٢). وهو لا يستلزم المدعى ، نعم يمكن الاستدلال عليه بقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي هارون المكفوف : « لإقامة من الصلاة » (٣) ومن حكم الصلاة الاستئناف بطروّ الحدث في أثنائها فتكون الإقامة كذلك. ويعلم من أفضلية إعادة الإقامة بالحدث في أثنائها أفضلية إعادتها بالحدث في أثناء الصلاة أيضا.

قوله : ( العاشرة ، من أحدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها ، ولا يعيد الإقامة إلا أن يتكلم ).

أما أنه لا يعيد الإقامة بدون الكلام ، فلأن الإعادة حكم مستأنف فيتوقف على الدلالة ، وهي منتفية.

وأما الإعادة مع الكلام فتدل عليه روايات ، منها : صحيحة محمد بن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٨. ولكن ليس فيه لفظ : جماعة.

(٢) المسالك ١ : ٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٥ ، الإستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١١ ، الوسائل ٤ : ٦٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

٣٠١

الحادية عشرة : من صلى خلف إمام لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام. فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين وعلى قوله قد قامت الصلاة.

______________________________________________________

مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (١).

وربما ظهر من العبارة عدم استحباب إعادة الإقامة بدون التكلم ، وهو مناف لما ذكره في المسألة السابقة ، إلاّ أن يفرق بين الحدث في أثناء الإقامة وأثناء الصلاة ، وهو بعيد (٢).

قوله : ( الحادية عشرة ، من صلى خلف إمام لا يقتدى به أذّن لنفسه وأقام ).

إنما استحب له الأذان لنفسه والإقامة لما سبق من عدم الاعتداد بأذان المخالف وإقامته (٣) ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية محمد بن عذافر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (٤).

قوله : ( فإن خشي فوت الصلاة اقتصر على تكبيرتين وقوله قد قامت الصلاة ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٥) ، وجمع من الأصحاب ، واستدلوا عليه برواية معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو اثنتان فخشي إن هو أذّن وأقام‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٢ ، وفيه : إذا أقمت للصلاة. الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

(٢) نقل هذه العبارة في الجواهر ٩ : ١٤٢ عنه بزيادة : بل عن ظاهر ثاني المحققين والشهيدين الحكم بعدم الفرق.

(٣) في ص ٢٦٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥١ ـ ١١٣٠ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٢ ، الوسائل ٤ : ٦٦٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٢.

(٥) النهاية : ٦٦.

٣٠٢

وإن أخلّ بشي‌ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به.

______________________________________________________

أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، وليدخل في الصلاة » (١) وينبغي العمل على صورة الرواية ، وعبارات الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمنته فصولا وترتيبا ، مع أنها ضعيفة السند ، ومتضمنة لتقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة ، وهو مشكل جدا.

ومن ثم حمل جدي ـ قدس‌سره ـ في بعض حواشيه عبارة المصنف رحمه‌الله ـ على أن المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها. وهو مع مخالفته للظاهر بعيد عن مدلول الرواية ، إلا أنه لا بأس بالمصير إليه.

قوله : ( ولو أخلّ بشي‌ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به )

سياق العبارة يقتضي أن هذا الحكم من تتمة المسألة السابقة وهي من صلّى خلف من لا يقتدى به ، لكن الحكم باستحباب تلفظ المأموم بالفصل المتروك هنا مشكل ، أما أولا : فلأنه خلاف مدلول النص ، وهو صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث قال فيها : « إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص من أذانه » (٢).

وأما ثانيا : فلما صرح به الأصحاب ودلت عليه الأخبار من عدم الاعتداد بأذان المخالف (٣) ، فلا فائدة في إتيان المأموم بما تركه الإمام من الفصول. اللهم ألاّ أن يقال أن ذلك مستحب برأسه وإن كان الأذان غير معتد به ، وهو حسن لو ثبت دليله.

واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٦ ـ ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ ـ ١١١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٦٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ١.

(٢) في ص ٢٩٩.

(٣) الوسائل ٤ : ٦٦٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤.

٣٠٣

______________________________________________________

السابق وأنها محمولة على غير المخالف ، كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهرية تقية (١). وهو جيد من حيث المعنى لكنه بعيد من حيث اللفظ. والله أعلم.

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٨.

٣٠٤

الركن الثاني

في أفعال الصلاة

وهي واجبة مسنونة ،

فالواجبات ثمانية :

______________________________________________________

قوله : ( الركن الثاني ، في أفعال الصلاة : وهي واجبة ومسنونة ، فالواجبات ثمانية ).

المراد بالأفعال ما تشتمل عليه الماهية من الأمور الوجودية المتلاحقة التي أولها النية أو التكبير ، وآخرها التشهد أو التسليم. ولنورد هنا حديثين صحيحين مشهورين يشتملان على معظم أفعال الصلاة :

أحدهما : رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح ، والشيخان في الكافي والتهذيب ، في الحسن عن الثقة الصدوق حماد بن عيسى قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يوما : « يا حماد تحسن أن تصلي؟ » قال ، فقلت : يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة. قال : « لا عليك يا حماد ، قم فصلّ » قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة ، فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت ، فقال : « يا حماد لا تحسن أن تصلي ، ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة ».

قال حماد : فأصابني في نفسي الذل ، فقلت : جعلت فداك ، فعلمني الصلاة ، فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا ، فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفها عن القبلة ، وقال بخشوع : الله أكبر. ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ، ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر ، وهو قائم.

٣٠٥

______________________________________________________

ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه ، ثم استوى ظهره حتى لو صبّ عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمض عينيه ، ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال : سبحان ربي العظيم وبحمده. ثم استوى قائما ، فلما استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده. ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه.

ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال : سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات ، ولم يضع شيئا من جسده على شي‌ء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين (١) ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف. وقال : « سبع منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه وقال ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (٢). وهي الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، والإبهامان. ووضع الأنف على الأرض سنة ».

ثم رفع رأسه من السجود ، فلما استوى جالسا قال : الله أكبر. ثم قعد على فخذه الأيسر قد وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر ، وقال : استغفر الله ربي وأتوب إليه. ثم كبر وهو جالس وسجد سجدة الثانية ، وقال كما قال في الأولى ، ولم يضع شيئا من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنحا ، ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلى ركعتين على هذا. ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد ، فلما فرغ من التشهد سلم ، فقال : « يا حماد هكذا صلّ » (٣).

والثاني : رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ، ودع‌

__________________

(١) في الفقيه و « م » : عيني الركبتين.

(٢) الجنّ : ١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وص ٦٧٥ ح ٢.

٣٠٦

______________________________________________________

بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره ، واسدل منكبيك وأرسل يديك ، ولا تشبك أصابعك ، ولتكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ، وليكن نظرك إلى موضع سجودك.

فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما ، وأقم صلبك ، ومدّ عنقك ، وليكن نظرك إلى ما بين قدميك.

فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجدا ، وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ، ولا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ، ولكن تجنح بمرفقيك ، ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك ، بين ذلك حيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا ، وأبسطهما على الأرض بسطا ، واقبضهما إليك قبضا ، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل. ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن اضممهن إليك جميعا ».

قال : « فإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (١).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٣ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

٣٠٧

الأوّل : النية ،

وهي ركن في الصلاة ، ولو أخلّ بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( الأول ، النية وهي ركن في الصلاة ، ولو أخل بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد صلاته ).

أجمع العلماء كافة على اعتبار النية في الصلاة بحيث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ، على ما نقله جماعة (١).

وإنما الخلاف بينهم في أنها جزء من الصلاة كالركوع والسجود ، أو شرط خارج عن الماهية كالطهارة والستر.

والأصح الثاني ، وهو خيرة المصنف في النافع (٢) والمعتبر (٣) ، لأن الأصل عدم دخولها في الماهية ، وتوقف الصلاة عليها أعم من الجزئية ، ولأن المستفاد من النصوص الواردة في كيفية الصلاة وأحكامها أن أول أفعالها التكبير (٤) ، ولأن النية تتعلق بالصلاة فلو كانت جزءا منها لتعلق الشي‌ء بنفسه.

واستدل عليه بأنها لو كانت جزءا لافتقرت إلى نية أخرى ويتسلسل. وفي الملازمة منع. وبأن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنما الأعمال بالنيات » (٥) يدل على مغايرة العمل للنية. وضعفه ظاهر ، لأن المغايرة حاصلة بين جزء الماهية وكلها ضرورة ، ولا تلزم منها الشرطية.

وقيل بالأول ، وهو ظاهر اختيار المصنف في هذا الكتاب ، لأن حقيقة الصلاة تلتئم منها فلا تكون شرطا ، ولأنه يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٢٦٦ ، والتذكرة ١ : ١١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٨.

(٢) المختصر النافع : ٢٩.

(٣) المعتبر ٢ : ١٤٩.

(٤) الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١.

(٥) التهذيب ١ : ٨٣ ـ ٢١٨ ، الوسائل ٤ : ٧١١ أبواب النية ب ١ ح ٢.

٣٠٨

وحقيقتها : استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعيين ، وكونها أداء أو قضاء.

______________________________________________________

القيام والستر والاستقبال وغير ذلك.

ويرد على الأول أنه مصادرة على المطلوب. وعلى الثاني منع الاشتراط (١) ، كما اختاره المصنف (٢) وجمع من الأصحاب ، لانتفاء الدليل عليه رأسا.

وربما قيل : إن اشتراط ذلك في النية لأجل المقارنة المعتبرة بينها وبين التكبير لا لأجل النية نفسها (٣). وهو جيد لو ثبت توقف المقارنة على ذلك.

وهذه المسألة لا جدوى لها فيما يتعلق بالعمل ، لأن القدر المطلوب ـ وهو اعتبارها في الصلاة بحيث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ـ ثابت على كل من القولين.

وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر الصلاة في وقت معين فاتفق مقارنة التكبير لأوله ، فإن جعلناها شرطا بري‌ء ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وحقيقتها استحضار حقيقة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعيين ، وكونها أداء أو قضاء ).

اعلم أن النية عبارة عن أمر واحد بسيط ، وهو القصد إلى الفعل. لكن لما كان القصد إلى الشي‌ء المعين موقوفا على العلم به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها في الذهن وصفاتها التي يتوقف عليها التعيين ، ثم القصد إلى هذا الفعل المعلوم طاعة لله تعالى وامتثالا لأمره.

ولقد أحسن شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى حيث قال ـ بعد أن‌

__________________

(١) في « م » : الاشتراك.

(٢) المعتبر ٢ : ١٤٩.

(٣) كما في روض الجنان : ٢٥٥.

٣٠٩

______________________________________________________

ذكر نحو ذلك ـ : وتحقيقه أنه إذا أريد نية الظهر ـ مثلا ـ فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن ، فإذا حضر قصد المكلف إلى إيقاعه تقربا إلى الله ، وليس فيه ترتيب بحسب التصور ، وإن وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلك ، فلو أن مكلفا أحضر في ذهنه الصلاة الواجبة المؤداة ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبّر كان ناويا (١).

إذا عرفت ذلك فنقول : إنه يعتبر في نية الصلاة : القربة وهي الطاعة لله تعالى وامتثال أمره ، والتعيين إجماعا.

أما القربة فلقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) والإخلاص هو نية التقرب.

وأما التعيين فلأن الفعل إذا كان مما يمكن وقوعه على وجوه متعددة افتقر اختصاصه بأحدها إلى النية ، وإلاّ لكان صرفه إلى البعض دون البعض ترجيحا من غير مرجح.

وقد قطع المصنف وغيره (٣) بأنه يعتبر مع نية القربة والتعيين الوجوب أو الندب ، والأداء أو القضاء. واستدلوا عليه بأن جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلاّ بالنية ، فكلما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية. فينوي الظهر مثلا لتتميز عن بقية الصلوات ، والفرض ليتميز عن إيقاعها ندبا كمن صلى منفردا ثم أدرك الجماعة ، وكونها أداء لتتميز عن القضاء.

وهو استدلال ضعيف ، فإن صلاة الظهر مثلا لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت واحد على وجهي الوجوب والندب ليعتبر تميز أحدهما من الآخر ، لأن‌

__________________

(١) الذكرى : ١٧٦.

(٢) سورة البينة : ٥.

(٣) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٧٧.

٣١٠

______________________________________________________

من صلى الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلاّ واجبة ، ومن أعادها ثانيا لا تقع إلاّ مندوبة.

وقريب من ذلك الكلام في الأداء والقضاء. نعم لو كانت ذمة المكلف مشغولة بكل منهما اتجه اعتبار ملاحظة أحدهما ليتخصص بالنية. ولا ريب أن الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه.

وقد قطع الأصحاب بأنه لا يعتبر في النية قصد القصر أو الإتمام وإن كان المكلف مخيرا بينهما ، كما في أماكن التخيير. وهو كذلك ، أما مع لزوم أحد الأمرين فظاهر لتعيّن الفرض ، وأما مع التخيير فلأنه لا يتعين أحدهما بالنية ، بل يجوز للمكلف مع نية القصر الاقتصار على الركعتين والإتمام ، كما نصّ عليه في المعتبر (١) ، فلا حاجة إلى التعيين.

وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في النية ، وأن المعتبر فيها قصد الفعل المعين طاعة لله تعالى خاصة. وهذا القدر أمر لا يكاد ينفك منه عاقل متوجه إلى إيقاع العبادة. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو كلف الله بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية كان تكليف ما لا يطاق. وقال بعض المحققين : لولا قيام الأدلة على اعتبار القربة ، وإلاّ لكان ينبغي أن يكون هذا من باب « اسكتوا عما سكت الله عنه ».

وذكر الشهيد في الذكرى : أن المتقدمين من علمائنا ما كانوا يذكرون النية في كتبهم الفقهية ، بل يقولون : أول واجبات الوضوء ـ مثلا ـ غسل الوجه ، وأول واجبات الصلاة تكبيرة الإحرام ، وكأن وجهه أن القدر المعتبر من النية أمر لا يكاد يمكن الانفكاك عنه ، وما زاد عنه فليس بواجب (٢).

ومما يؤيد ذلك عدم ورود النية في شي‌ء من العبادات على الخصوص ، بل خلو الأخبار الواردة في صفة وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغسله وتيممه من‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٥٠.

(٢) الذكرى : ٨٠.

٣١١

ولا عبرة باللفظ.

______________________________________________________

ذلك (١) ، وكذا الرواية المتضمنة لتعليم الصادق عليه‌السلام لحماد الصلاة ، حيث قال فيها : إنه عليه‌السلام قام واستقبل القبلة وقال بخشوع : الله أكبر (٢). ولم يقل : فكّر في النية ولا تلفظ بها ولا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة.

ويزيده بيانا ما رواه الشيخان ـ رضي الله عنهما ـ في الكافي والتهذيب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ، ثم ابسطهما بسطا ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ، ثم قل : اللهم أنت الملك الحق ( لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، سُبْحانَكَ ) إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ذنبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثم كبر تكبيرتين ، ثم قل : لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت ، ثم كبر تكبيرتين ، ثم تقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، ـ ( عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) ، ـ ( حَنِيفاً مُسْلِماً ) ـ ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ). ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين » كذا في الكافي (٣) ، واقتصر في التهذيب على قوله : ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٤).

ويستفاد من هذه الرواية أحكام كثيرة تظهر لمن تأملها ، والله الموفق.

قوله : ( ولا عبرة باللفظ ).

لأنه خارج عن مفهوم النية ، لما عرفت من أنها أمر قلبي لا دخل للّسان‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٠ ـ ٧ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٧ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٨ ح ١.

٣١٢

ووقتها عند أول جزء من التكبير. ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة ، وهو أن لا ينقض النيّة الأولى. ولو نوى الخروج من : الصلاة لم‌

______________________________________________________

فيها ، فيكون التلفظ بها عبثا بل إدخالا في الدين ما ليس منه. فلا يبعد أن يكون الإتيان به على وجه العبادة تشريعا محرما.

قوله : ( ووقتها عند أول جزء من التكبير ).

هذا الحكم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر العامة (١) ، وقال بعضهم : يجوز أن يتقدم على التكبير بزمان يسير كالصوم (٢). وهو قياس مع الفارق.

ولا يجب استحضار النية إلى انتهاء التكبير ، لعسر ذلك ، ولأن الأصل براءة الذمة من هذا التكليف.

وقيل : يجب ، وهو اختيار العلامة في التذكرة (٣) ، والشهيد في الذكري (٤) ، لأن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير ، بدليل أن المتيمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله ، بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال ، والمقارنة معتبرة في النية فلا تتحقق من دونها.

وردّ بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في الصلاة من اوله. وهو تكلف مستغنى عنه ، بل الحق أن الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير ، لأنه جزء من الصلاة بإجماعنا. فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة ، لأن جزء الجزء جزء ولا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه ووجوب استعمال الماء قبله ، لأن ذلك حكم آخر لا ينافي المقارنة.

قال في الذكرى : ومن الأصحاب من جعل النية بأسرها بين الألف والراء ، وهو مع العسر مقتض لحصول أول التكبير بغير نية (٥).

قوله : ( ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة ، وهو أن لا ينقض‌

__________________

(١) منهم الشافعي في الأم ١ : ٩٩ ، والغزالي في إحياء علوم الدين ١ : ١٥٣.

(٢) كما في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٢٩.

(٣) التذكرة ١ : ١١٢.

(٤) الذكرى : ١٧٧.

(٥) الذكرى : ١٧٧.

٣١٣

تبطل على الأظهر. وكذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها ،

______________________________________________________

النية الأولى. ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر ، وكذا لو نوى أن يفعل ما ينافيها ).

تضمنت هذه العبارة مسائل ثلاثا :

الأولى : أنه يجب استمرار حكم النية إلى آخر الصلاة ، بمعنى أن لا ينقضها بنية القطع ، وهو ثابت بإجماعنا ، قاله في التذكرة (١). لأن العزم على فعل المحرم محرم ، ولأن نية القطع تبطل النية السابقة ، فيكون ما بعدها من الأفعال واقعا بغير نية فلا يكون معتبرا في نظر الشرع.

قال في التذكرة : ولا يجب استصحاب النية إلى آخر الصلاة فعلا ، إجماعا ، لما فيه من العسر (٢). وهو حسن ، بل قيل : إن ذلك غير مستحب (٣) ، لانعقاد الصلاة بدونه وعدم ثبوت التعبد به.

الثانية : أن المصلي إذا شرع في الصلاة بنية صحيحة ثم نوى الخروج منها في أثناء الصلاة لم تبطل صلاته بذلك ، وهو أحد القولين في المسألة ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف وجمع من الأصحاب. واستدل عليه في الخلاف بأن إبطال الصلاة بذلك حكم شرعي ، فيتوقف على الدليل وهو منتف (٤).

وقيل : تبطل (٥) ، لأن نية الخروج تقتضي وقوع ما بعدها من الأفعال بغير نية فلا يكون مجزيا ، ولأن الاستمرار على حكم النية السابقة واجب إجماعا كما تقدم ، ومع نية الخروج أو التردد فيه يرتفع الاستمرار.

ويتوجه على الأول : أنه لا يلزم من حصول نية القطع وقوع ما بعدها من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١١٢.

(٢) التذكرة ١ : ١١٢.

(٣) كما في روض الجنان : ٢٥٧.

(٤) الخلاف ١ : ١٠٣.

(٥) كما في الذكرى : ١٧٨ ، وجامع المقاصد ١ : ١٠٨.

٣١٤

فإن فعله بطلت ، وكذا لو نوى بشي‌ء من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة.

______________________________________________________

الأفعال بغير نية ، إذ من الجائز رفض تلك النية والرجوع إلى مقتضى النية الأولى قبل الإتيان بشي‌ء من أفعال الصلاة.

وعلى الثاني : أن وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقيقة الصلاة ، فلا يكون فواته مقتضيا لبطلانها ، إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النية كيف حصلت. وقد اعترف الأصحاب بعدم بطلان ما مضى من الوضوء بنية القطع إذا جدّد النية لما بقي منه من الأفعال قبل فوات الموالاة ، والحكم في المسألتين واحد. والفرق بينهما بأن الصلاة عبادة واحدة فلا يصح تفريق النية على أجزائها بخلاف الوضوء ضعيف جدا ، فإنه دعوى مجردة عن الدليل. والمتجه تساويهما في الصحة مع تجديد النية لما بقي من الأفعال ، لكن يعتبر في الصلاة عدم الإتيان بشي‌ء من أفعالها الواجبة قبل تجديد النية ، لعدم الاعتداد به ، واستلزام إعادته الزيادة في الصلاة.

الثالثة : عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي إذا لم يفعله ، وهو اختيار الشيخ (١) وأكثر الأصحاب ، لما تقدم. وقيل بالبطلان هنا أيضا ، للتنافي بين إرادتي الضدين (٢). وهو ضعيف ، لأن تنافي الإرادتين ـ بعد تسليمه ـ إنما يلزم منه بطلان الأولى بعروض الثانية ، لا بطلان الصلاة مع تجديد النية الذي هو موضع النزاع.

قوله : ( وإن فعل بطلت ، وكذا لو نوى بشي‌ء من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة ).

أما بطلان الصلاة بفعل المنافي فلا ريب فيه ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى (٣).

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٢.

(٢) كما في روض الجنان : ٢٥٧.

(٣) في ص ٤٥٥.

٣١٥

ويجوز نقل النيّة في موارد : كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها ، وكنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقه عليها مع سعة الوقت.

______________________________________________________

وأما بطلانها إذا نوى بشي‌ء من أفعالها الرياء أو غير الصلاة ـ كما لو قصد بالتكبير تنبيه غيره على شي‌ء ، وبالهوي إلى الركوع أخذ شي‌ء ونحو ذلك ـ فلانتفاء التقرب بذلك الجزء ، ويلزم من فواته فوات الصلاة ، لعدم جواز استدراكه. كذا علله المصنف رحمه‌الله ، وهو إنما يتم إذا اقتضى استدراك ذلك الجزء الزيادة المبطلة لا مطلقا.

ومن هنا يظهر أنه لو قصد الإفهام خاصة بما يعد قرآنا بنظمه وأسلوبه لم تبطل صلاته ، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه قرآنا ، وإن لم يعتد به في الصلاة لعدم التقرب به. وكذا الكلام في الذكر.

ويدل على جواز الإفهام بالذكر ـ مضافا إلى الأصل وعدم خروجه بذلك عن كونه ذكرا ـ روايات منها : صحيحة الحلبي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلي ، فقال : « يومئ برأسه ويشير بيده ويسبح » (١).

قوله : ( ويجوز نقل النية في موارد : كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها ، وكنقل الفريضة الحاضرة إلى سابقه عليها مع سعة الوقت ).

اعلم أن كلا من الفريضة المنقول منها وإليها إما أن تكون واجبة أو مندوبة ، مؤداة أو مقضية ، فالصور ستة عشرة حاصلة من ضرب أربعة في أربعة. ولما كان النقل كيفية للعبادة وجب الاقتصار فيه على موضع النقل كسائر الوظائف الشرعية ، ومع انتفائه يكون الجواز منفيا بالأصل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٥ ـ ٧ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢.

٣١٦

الثاني : تكبيرة الإحرام ،

ولا تصحّ الصلاة من دونها ولو أخلّ بها نسيانا.

______________________________________________________

وقد ثبت جواز العدول من الفرض إلى الفرض إذا اشتغل بلاحقة ثم ذكر السابقة ، سواء كانتا مؤداتين أو مقضيتين أو المعدول منها حاضرة والمعدول إليها فائتة.

أما العدول من الفائتة إلى الحاضرة فغير جائز ، لعدم ورود التعبد به. وقيل بجوازه فيما إذا شرع في فائتة ثم ذكر في أثنائها ضيق الوقت عن الحاضرة (١). وبه قطع في البيان (٢).

ويجوز النقل من الفرض إلى النفل مطلقا لخائف فوت الركعة مع الإمام وهو في فريضة فيعدل بها إلى النافلة ، وفي ناسي قراءة سورة الجمعة في الجمعة كما سيجي‌ء بيانه (٣).

أما النقل من النفل إلى الفرض فغير جائز ، لأن القوي لا يبنى على الضعيف ، قال في الذكرى : وللشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة (٤). وقد يقال : إن من هذا شأنه يجدد نية الفرض بالباقي على قول الشيخ وهو خلاف معنى النقل ، إذ معناه جعل الجميع ـ ما مضى منه وما بقي ـ على ذلك الوجه.

وصرح الأصحاب بجواز النقل من النفل إلى النفل إذا شرع في نافلة لاحقة ثم ذكر السابقة. ويمكن القول بجوازه أيضا في ناسي الموقتة إلى أن يتضيق وقتها. وللتوقف في غير المنصوص مجال. والله تعالى أعلم.

قوله : ( الثاني ، تكبيرة الإحرام ، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسيانا ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٨٢.

(٢) البيان : ٧٨.

(٣) في ج ٤ ص ٨٨.

(٤) الذكرى : ١٧٨.

٣١٧

______________________________________________________

أجمع الأصحاب بل أكثر علماء الإسلام على أن تكبيرة الإحرام جزء من‌ الصلاة وركن فيها ، بمعنى بطلان الصلاة بتركها عمدا وسهوا. والمستند في ذلك روايات كثيرة كصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : « يعيد » (١).

وصحيحة محمد ـ وهو ابن مسلم ـ عن أحدهما عليهما‌السلام : في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته ، فقال : « إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟! » (٢).

وصحيحة الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير ، هل يجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : « لا » (٣).

وفي مقابل هذه الروايات روايات أخر دالة على أن الناسي لا يعيد ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة فقال : « أليس كان من نيته أن يكبر؟ » قلت : نعم. قال : « فليمض على صلاته » (٤).

وفي بعضها الاجتزاء بتكبيرة الركوع إذا لم يذكر حتى كبر له ، كصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل نسي أن يكبر تكبيرة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٥١ ـ ١٣٢٦ ، الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٥٨ ، الإستبصار ١ : ٣٥١ ـ ١٣٢٧ ، الوسائل ٤ : ٧١٦ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٧ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ ـ ٥٦٢ ، الإستبصار ١ : ٣٥٢ ـ ١٣٣٣ ، الوسائل ٤ : ٧١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ٩٩٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ـ ٥٦٥ ، الإستبصار ١ : ٣٥٢ ـ ١٣٣٠ ، الوسائل ٤ : ٧١٧ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩.

٣١٨

وصورتها أن يقول : الله أكبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

الافتتاح حتى كبر للركوع ، قال : « أجزأه » (١).

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على من لا يتيقن الترك بل شك فيه (٢). وفيها ما يأبى هذا الحمل ، إلاّ أن مخالفة ظاهرها لإجماع الأصحاب بل إجماع العلماء إلاّ من شذّ توجب المصير إلى ما ذكره.

قوله : ( وصورتها أن يقول : الله أكبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته ).

لما كانت العبادات إنما تستفاد بتوقيف الشارع ، وجب اتّباع النقل الوارد ببيانها ، حتى لو خالف المكلف ذلك كان تشريعا محرما ولم يخرج عن عهدة الواجب.

ولا شبهة في أن المنقول عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو أنه كبّر باللفظ المخصوص (٣) ، وكذا عن الأئمة عليهم‌السلام (٤). فيجب الاقتصار عليه ، والحكم بعدم انعقاد الصلاة بغيره. وتتحقق المخالفة بالزيادة عن اللفظ المخصوص ، وبالإخلال بحرف منه ولو بوصل إحدى الهمزتين :

أما همزة أكبر فظاهر ، لأنها همزة قطع. وأما همزة الله ، فإنها وإن كانت همزة وصل عند المحققين إلاّ أن المنقول من صاحب الشرع قطعها ، حيث إنها في ابتداء الكلام ، لما تقدم من كون النية إرادة قلبية لا دخل للّسان فيها. ومن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٦ ـ ١٠٠٠ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٤ : ٧١٨ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٠ ـ ٩٢١ ، الوسائل ٤ : ٧١٥ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ـ ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٣١٩

فإن لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجم لزمه التعلم ولا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت ، فإن ضاق أحرم بترجمتها. والأخرس ينطق بها على قدر الإمكان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة.

______________________________________________________

هنا ينقدح تحريم التلفظ بها مع الدرج ، لاستلزامه إما مخالفة أهل اللغة أو مخالفة الشارع.

وما قيل من أن الآتي بالكلام السابق آت بما لم يعتدّ به فلا يخرجها عن القطع (١) ، فغير معتدّ به ، إذ المقتضي للسقوط كونها في الدرج سواء كان ذلك الكلام معتبرا عند الشارع أم لا ، كما هو واضح.

قوله : ( وإن لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجمي لزمه التعلم ولا يتشاغل بالصلاة ، فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ).

لما كان النطق بالعربية واجبا ـ وقوفا مع المنقول ـ كان التعلم لمن لا يعرف واجبا من باب المقدمة. فإن تعذر وضاق الوقت أحرم بلغته مراعيا المعنى العربي. فيقول الفارسي : خدا بزرگتر است. وهذا مذهب علمائنا وأكثر العامة (٢). وقال بعضهم : يسقط التكبير عمن هذا شأنه ، كالأخرس (٣). وهو محتمل. ويفهم من قول المصنف رحمه‌الله : فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ، عدم جوازها مع السعة ، وهو إنما يتجه مع إمكان التعلم لا مطلقا.

قوله : ( والأخرس ينطق بها على قدر الإمكان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة ).

ليس المراد بمعناها المعنى المطابقي ، لأن تصور ذلك غير واجب على غير الأخرس ، بل يكفي قصد كونه تكبيرا لله وثناءا عليه. والمراد بالإشارة الإشارة‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١١٠.

(٢) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٤٢ ، ٥٤٣ ، والغمراوي في السراج والوهاج : ٤٢.

(٣) كما في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٤٣.

٣٢٠