مدارك الأحكام - ج ٢

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

الفصل الثالث :

في الاستحاضة ،

وهو يشتمل على أقسامها ، وأحكامها.

أما الأول :

فدم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور.

______________________________________________________

قوله : أما الأول ، فدم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور.

الاستحاضة في الأصل استفعال من الحيض ، يقال استحيضت على وزن استقيمت بالبناء للمجهول ، فهي تستحاض لا تستحيض : إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة. كذا ذكره الجوهري (١) ، ومقتضاه عدم سماع المادة مبنية لغير المجهول ، ثم استعمل لفظ الاستحاضة في دم فاسد يخرج من عرق في أدنى الرحم يسمّى العاذل.

وما ذكره المصنف من الصفات خاصة مركبة له ، وهي مستفادة من الأخبار. وأما الصفرة والبرودة فمن حسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ودم الاستحاضة أصفر بارد » (٢).

وأما الرقة فمن قوله عليه‌السلام في خبر علي بن يقطين : « تدع الصلاة ما دامت ترى‌

__________________

(١) الصحاح ( ٣ : ١٠٧٣ ).

(٢) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٢).

٧

وقد يتفق بمثل هذا الوصف حيضا ، إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر.

______________________________________________________

الدم الغليط ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت » (١).

وأما الخروج بفتور ، أي ضعف وتثاقل فلم أقف له على مستند.

قال المصنف في المعتبر : وإنما قيّدنا بالأغلب لأنه قد يتفق الأصفر حيضا ، كما إذا رأته في العادة (٢). وهو غير جيد ، فإنّ القيد إنما تعلق بدم الاستحاضة ، لا بالدم الأصفر.

والأولى أن يقال : إن فائدته التنبيه على أنّ دم الاستحاضة قد يكون أسود أو أحمر ، كالموجود بعد أكثر الحيض والنفاس ، فإنه يحكم بكونه استحاضة ، وإن كان بصفة الحيض.

وينبغي أن يعلم أنه لما ثبت أنّ دم الاستحاضة هو ما كان جامعا للأوصاف المذكورة وجب الاقتصار في إلحاق ما عداه به على مورد النصّ خاصة ، وكلام الأصحاب في هذه المسألة غير منقح (٣).

قوله : وقد يتفق بمثل هذا الوصف حيضا ، إذ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر طهر.

قال الشارح ـ رحمه‌الله ـ : المراد بأيام الحيض : ما يحكم على الدم الواقع فيها بأنه حيض ، سواء كانت أيام العادة أو غيرها ، فتدخل المبتدئة ومن تعقب عادتها دم بعد أقل‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ١٧٤ ـ ٤٩٧ ) الوسائل ( ٢ : ٦١٥ ) أبواب النفاس ب (٣) ح (١٦).

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٤١ ).

(٣) في « س » : واضح.

٨

وكل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة. وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة ، أو يزيد عن أيام النفاس ، أو يكون مع الحمل على الأظهر ، أو مع اليأس ، أو قبل البلوغ.

______________________________________________________

الطهر. وضابطه ما أمكن كونه حيضا ، وربما فسرت بأيام العادة (١). هذا كلامه رحمه الله تعالى.

وأقول : إن هذا التفسير أولى ، إذ الظاهر اعتبار الأوصاف في غير العادة مطلقا ، كما بيناه.

قوله : وكل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة.

هذه الكلية إنما تتم إذا استثني دم النفاس ، ومع ذلك فلا بد من تقييدها بما إذا كان الدم بصفة دم الاستحاضة ، إلا فيما دلّ الدليل على خلافه كما تقدم.

قوله : وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة.

قد تقدم الكلام في ذلك ، وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ ما تجده المرأة بعد العادة وأيام الاستظهار فهو استحاضة مطلقا. وأما أنه مع التجاوز يكون ما تجده في أيام الاستظهار استحاضة ، حتى أنه يجب عليها قضاء ما أخلت به فيها من العبادات فلم أقف على دليله ، ولا ريب أنه أحوط.

قوله : أو يكون مع الحمل على الأظهر.

اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب الأكثر الى أنّ الحامل قد تحيض‌

__________________

(١) المسالك ( ١ : ١٠ ).

٩

______________________________________________________

كالحائل (١) ، وهو اختيار أبي جعفر بن بابويه (٢) والسيد المرتضى (٣).

قال الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار : وما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها يحكم بكونه حيضا. وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس بحيض (٤).

وقال في الخلاف : إنه حيض قبل أن يستبين الحمل لا بعده. ونقل فيه الإجماع (٥).

وقال المفيد (٦) ـ رحمه‌الله ـ وابن الجنيد (٧) ـ رحمه‌الله ـ : لا يجتمع حيض مع حمل.

ويدفع هذا القول صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال : « نعم ، إنّ الحبلى ربما قذفت الدم » (٨).

وفي الصحيح عن صفوان ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدم‌

__________________

(١) الحائل : كل حامل ينقطع عنها الحمل سنة أو سنوات ( لسان العرب ١١ : ١٨٩ ).

(٢) المقنع : (١٦).

(٣) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : (١٩١).

(٤) النهاية : (٢٥) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٨ ) ، الاستبصار ( ١ : ١٤٠ ).

(٥) الخلاف ( ١ : ٧٤ ).

(٦) نقله في منتهى المطلب ( ١ : ٩٦ ) ، والمعتبر ( ١ : ٢٠٠ ).

(٧) نقله في المختلف : (٣٦).

(٨) الكافي ( ٣ : ٩٧ ـ ٥ ) التهذيب ( ١ : ٣٨٦ ـ ١١٨٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٦ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (١).

١٠

______________________________________________________

ثلاثة أيام أو أربعة أيام أتصلي؟ قال : « تمسك عن الصلاة » (١).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كل شهر؟ قال : « تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت » (٢).

وروى الكليني في الحسن عن سليمان بن خالد ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربما طمثت ، فقال : « نعم ، وذلك أنّ الولد في بطن امه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفعته ، فإذا دفعته حرمت عليها الصلاة » (٣).

قال : وفي رواية أخرى : إذا كان كذلك تأخّر الولادة (٤). وبهذه الروايات احتج القائلون بأنّ الحامل تحيض كالحائل.

احتج الشيخ في كتابي الأخبار على القول الثاني بصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ فقال : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم في الشهر الذي كانت تقعد فيه فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ ولتحتش وتصلّ ، فإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي‌

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٧ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (٤).

(٢) الكافي (٣) : ٩٧ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٨ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (٧).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩٧ ـ ٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٩ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (١٤).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩٧ ـ ٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٩ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (١٥).

١١

وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممّن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها فهي إما مبتدئة ، وإما ذات عادة ، مستقرة أو مضطربة.

______________________________________________________

كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة » (١). وهي مع صحتها صريحة في المدعى فيتجه (٢) العمل بها ، وإن كان القول الأول لا يخلو من قوة.

وأما القول الثالث فلم أقف له على مستند.

احتج المفيد ـ رحمه‌الله ـ برواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل » (٣) وصحيحة حميد بن المثنى ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحبلى ترى الدفعة والدفعتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين ، فقال : « تلك الهراقة ، ليس تمسك هذه عن الصلاة » (٤).

والجواب أن الرواية الأولى ضعيفة السند ، والثانية في غير موضع النزاع ، لأن الدم المذكور لم يجمع شرائط الحيض.

قوله : وإذا تجاوز الدم عشرة أيام وهي ممّن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها ، فهي إما مبتدئة وإما ذات عادة مستقرة أو مضطربة.

قد تقدم الكلام في ذات العادة. والمبتدئة بكسر الدال وفتحها اسم فاعل أو اسم مفعول : هي التي ابتدأت الحيض ، أو ابتدأ بها الحيض. وفسرها المصنف في المعتبر بأنها‌

__________________

(١) الكافي ( ٣ : ٩٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨٨ ـ ١١٩٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٠ ـ ٤٨٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٧ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (٣).

(٢) في « ح » : فيتعين.

(٣) التهذيب ( ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٤٠ ـ ٤٨١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٩ ) أبواب الحيض ب (٣٠) ح (١٢).

(٤) التهذيب ( ١ : ٣٨٧ ـ ١١٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٩ ـ ٤٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٧٨ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٨).

١٢

______________________________________________________

التي رأت الدم أول مرة. وفسر المضطربة بأنها التي لم تستقر لها عادة ، وجعل الناسية للعادة قسيما لهما (١).

ويظهر من كلام المصنف في هذا الكتاب أن المبتدئة من لم تستقر لها عادة ، والمضطربة من استقر لها عادة ثم اضطرب عليها الدم ونسيتها ، وهو الذي صرح به العلامة (٢) ـ رحمه‌الله ـ ومن تأخر عنه (٣). والاختلاف في ذلك لفظي.

وما قيل من أنّ فائدته رجوع هذا النوع من المبتدئة ، أعني التي لم تستقر لها عادة إلى الأقارب والأقران ، فإنه إنما يكون على الثاني دون الأول (٤) فضعيف جدا ، لأن الحكم في النصوص الواردة بذلك ليس منوطا بالمبتدئة ليرجع إلى تفسيرها ، ويختلف الحكم باختلافه كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

إذا تقرر ذلك فنقول : إذا تجاوز الدم العشرة فقد امتزج الحيض بالطهر ، ولا يخلو إما أن تكون المرأة مبتدئة ، أو ذات عادة عددية ووقتية ، أو عددية فقط ، أو وقتية كذلك ، أو مضطربة ناسية للوقت والعدد ، أو للعدد خاصة مع ذكر أول الوقت أو وسطه أو آخره أو وقت منه في الجملة ، أو ناسية للوقت خاصة ، وعلى هذا فالعدد المحفوظ إما أن يتحقق له إضلال في وقت يقصر نصفه من العدد أو لا. وعلى التقادير فإما أن يتحقق لها تمييز أو لا. فهذه أقسام المستحاضات ، وسيجي‌ء أحكامها مفصلة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٤ ).

(٢) كما في المختلف : (٣٧).

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ١٠ ).

(٤) كما في الروضة البهية ( ١ : ١٠٤ ).

١٣

فالمبتدئة : ترجع إلى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة.

______________________________________________________

قوله : فالمبتدئة ترجع إلى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض فهو حيض ، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة.

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، قاله في المعتبر (١) ، واستدل عليه بالروايات المتضمنة لأوصاف الحيض ، كقوله عليه‌السلام في رواية إسحاق بن جرير (٢) : « إنّ دم الحيض ليس به خفاء ، هو دم حار تجد له حرقة » (٣) وفي رواية حفص بن البختري :« إنّ دم الحيض حار عبيط أسود وله دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد. فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (٤).

واشترط المصنف (٥) وغيره (٦) في العمل بالتمييز أن لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقله ، ولا يتجاوز أكثره ، واشتراطهما ظاهر. ويعتبر فيه أيضا توالي الأيام الثلاثة على مذهب من يعتبر التوالي.

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٤ ).

(٢) الرواية هكذا في « ق » « م » والكافي ، وفي التهذيب الرواية عن إسحاق بن جرير عن حريز. والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه ، لعدم ثبوت رواية إسحاق بن جرير عن حريز ( راجع معجم رجال الحديث ٣ : ٤٠ ، ٤١ ).

(٣) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٣١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٣).

(٤) الكافي ( ٣ : ٩١ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ١٥١ ـ ٤٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٣٧ ) أبواب الحيض ب (٣) ح (٢).

(٥) المعتبر ( ١ : ٢٠٥ ).

(٦) منهم العلامة في نهاية الأحكام ( ١ : ١٣٤ ).

١٤

فإن كان لونا واحدا أو لم يحصل فيه شريطتا التميز رجعت إلى عادة نسائها إن اتفقن ،

______________________________________________________

وهل يعتبر فيه بلوغ الدم الضعيف مع أيام النقاء أقلّ الطهر؟ وجهان : أحدهما نعم ، وبه قطع العلامة في النهاية (١) ، لأنا إذا جعلنا القوي حيضا كان الضعيف طهرا ، لأنه مقابله. والثاني لا ، للعموم ، وضعفه ظاهر. فلو رأت خمسة أسود ثم أربعة أصفر ثم عاد الأسود عشرة فعلى الأول لا تمييز لها ، وعلى الثاني حيضها خمسة.

ثم إنّ المشابهة تحصل باللون ، فالأسود قوي الأحمر ، وهو قوي الأشقر ، وهو قوي الأصفر. والقوام ، فالثخين قوي الرقيق. والرائحة ، فالمنتن قوي بالنسبة إلى غيره. ومتى اجتمع في دم خصلة وفي آخر ثنتان فهو أقوى. ولو استوى العدد مع الاختلاف ، كما لو كان في أحدهما الثخانة وفي الآخر الرائحة فلا تمييز لها.

فرعان : الأول : لا يشترط في التمييز التكرار ، لأنه علامة الحيض ، فيكفي امتيازه بخلاف العادة. وظاهر المنتهى أنه موضع وفاق بين العلماء (٢) ، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود ( وفي آخر أربعة ) (٣) وفي آخر خمسة ، فما هو بالصفة حيض والباقي طهر.

الثاني : العادة كما تحصل بالأخذ والانقطاع كذا تحصل بالتمييز ، فلو مرّ بها شهران رأت فيهما سواء ، ثم اختلف الدم في باقي الأشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين ، ولا تنظر إلى اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

قوله :فإن كان لونا واحدا أو لم يحصل فيه شرطا التميز رجعت الى عادة نسائها إن اتفقن.

المراد بالنساء هنا : الأقارب من الأبوين أو أحدهما ، ولا يعتبر العصبة ، لأنّ المعتبر‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ( ١ : ١٣٥ ).

(٢) منتهى المطلب ( ١ : ١٠٤ ).

(٣) بين القوسين ليست في « م ».

١٥

______________________________________________________

الطبيعة ، وهي جاذبة (١) من الطرفين.

وهذا الحكم أعني رجوع المبتدئة مع فقد التمييز إلى عادة نسائها هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وعزاه في المعتبر إلى الخمسة وأتباعهم.

واحتج عليه بأنّ الحيض يعمل فيه بالعادة وبالأمارة ، كما يرجع إلى صفات الدم ، ومع اتفاقهن يغلب أنها كإحداهن ، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جميع الأهل (٢).

وبما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها ، قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة أيام » (٣).

وعن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم » (٤).

وفي الروايتين قصور من حيث السند. أما الأولى فبالإرسال ، والإضمار ، واشتمال سندها على عدة من الواقفية (٥).

__________________

(١) في « س » حادثة.

(٢) المعتبر ( ١ : ٢٠٧ ).

(٣) التهذيب ( ١ : ٣٨٠ ـ ١١٨١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٨ ـ ٤٧١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٧ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (٢) وقد رواها في الكافي ( ٣ : ٧٩ ـ ٣ ).

(٤) التهذيب ( ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٥٧ ) أبواب الحيض ب (١٣) ح (٥).

(٥) منهم زرعة بن محمد راجع رجال النجاشي : ( ١٧٦ ـ ٤٦٦ ) ، وسماعة بن مهران راجع رجال الصادق ( ع ) (٣٥١) ، والواقفية هم الذين وقفوا على موسى بن جعفر عليه‌السلام وقالوا أنه الإمام القائم وأنه راجع فرق الشيعة للنوبختي : (٨١).

١٦

وقيل : أو عادة ذوات أسنانها من بلدها ،

______________________________________________________

وأما الثانية فلأن في طريقها علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي ، وأيضا فإنها تتضمن الرجوع إلى بعض نسائها ، وهو خلاف الفتوى. لكن الشيخ في الخلاف نقل على صحة الرواية الأولى إجماع الفرقة (٢) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلاّ أمكن التوقف في هذا الحكم لضعف مستنده.

ومقتضى كلام المصنف هنا وفي المعتبر أنّ رجوعها إلى نسائها مشروط باتفاقهن (٣) ، وبه صرح العلامة في النهاية وقال : حتى لو كنّ عشرا فاتفق فيهن تسع رجعت إلى الأقران (٤).

ورجح الشهيد ـ رحمه‌الله ـ اعتبار الأغلب مع الاختلاف (٥). وهو ضعيف جدا ، لأنه إن استند في الحكم إلى مقطوعة سماعة وجب القطع بالانتقال عن نسائها بمجرد الاختلاف كما هو منطوق الرواية ، وإن استند إلى رواية زرارة ومحمد بن مسلم وجب القول برجوعها إلى بعض نسائها مطلقا ولا قائل به.

قوله : وقيل ، أو عادة ذوات أسنانها من بلدها.

هذا الحكم ذكره الشيخ في المبسوط (٦) ، وجمع من الأصحاب. قال المصنف في المعتبر : ونحن نطالب بدليله ، فإنه لم يثبت. ولو قال كما يغلب في الظن أنها كنسائها‌

__________________

(١) راجع رجال النجاشي : ( ٢٥٧ ـ ٦٧٦ ). والفطحية : هم الذين قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح بعد أبيه جعفر بن محمد الصادق ٧. وسمي الأفطح لأنه كان أفطح الرأس. ( راجع فرق الشيعة للنوبختي : ٧٧ ).

(٢) الخلاف ( ١ : ٧٣ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٠٨ ).

(٤) نهاية الأحكام ( ١ : ١٣٩ ).

(٥) كما في الذكرى : (٣٠).

(٦) المبسوط ( ١ : ٤٦ ).

١٧

فإن كنّ مختلفات جعلت حيضها في كل شهر سبعة أيام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخيّرة فيهما ، وقيل : عشرة ، وقيل : ثلاثة ، والأول أظهر

______________________________________________________

مع اتفاقهن يغلب في الأقران منعنا ذلك ، فانّ ذوات القرابة بينها مشابهة في الطباع والجنسية والأصل ، فقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن ، ولا كذا الأقران ، إذ لا مناسبة تقتضيه لأنا نرى النسب يعطي شبها ولا نرى المقارنة لها أثر فيه (١).

واعترضه الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى بأنّ لفظ نسائها دالّ عليه ، لأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، قال : ولما لا بسنها في السن والبلد صدق عليهن النساء ، وأما المشاكلة فمع اتحاد السن واتحاد البلد تحصل غالبا (٢). وهذا كلامه ـ رحمه‌الله. ولا يخلو من نظر ، لأن ذلك خلاف المتبادر من اللفظ ، ولأن اللازم مما ذكره الاكتفاء باتحاد البلد أو السن ، لصدق الملابسة معه ، ولا قائل به.

هذا كله على تقدير العمل بالخبرين الأولين ، وإلاّ فالبحث ساقط من أصله.

قوله : فإن كنّ مختلفات جعلت حيضها في كل شهر سبعة أيام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخيّرة فيهما ، وقيل : عشرة ، وقيل : ثلاثة ، والأول أظهر.

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ في الجمل في المبتدئة : إذا فقدت الأقارب والأقران ، أو اختلفن إنها تترك الصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني أكثر أيام الحيض ، أو تترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام (٣). ونحوه قال‌

__________________

(١) المعتبر ( ١ : ٢٠٨ ).

(٢) الذكرى : (٣٠).

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٣) ، لكن الموجود في النسخة التي عندنا هذه العبارة فقط : فلتترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام مخيرة في ذلك.

١٨

______________________________________________________

في المبسوط (١). وقال في موضع آخر منه : إنها مع استمرار الدم تتحيض عشرة أيام ، ثم تجعل طهرا عشرة أيام ، ثم حيضا عشرة أيام وهكذا (٢).

وحكى في المعتبر عن بعض فقهائنا أنها تجلس في كل شهر عشرا وهو أكثر أيام الحيض ، لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا (٣).

وقال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : تجلس من ثلاثة إلى عشرة (٤).

وقال ابن الجنيد ـ رحمه‌الله ـ : إنها تترك الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام ، وتصلي سبعة وعشرين يوما (٥).

احتج الشيخ ومن تبعه على التحيّض بالسبعة بمرسلة يونس عن الصادق عليه‌السلام : قال : « وتحيضي في كل شهر في علم الله سبعة أيام أو ستة أيام » (٦) ومقتضاها التخيير بين الستة والسبعة ، فلا وجه للاقتصار على السبعة.

واستدلوا على تحيّضها بالثلاثة والعشرة بما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما ، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلّت سبعة وعشرين يوما » قال الحسن ، وقال‌

__________________

(١) المبسوط ( ١ : ٤٧ ).

(٢) المبسوط ( ١ : ٤٦ ).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢٠٩ ).

(٤) نقله عنه في التنقيح الرائع ( ١ : ١٠٤ ).

(٥) نقله عنه في المختلف : (٣٨).

(٦) الكافي ( ٣ : ٨٣ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٧ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (٣).

١٩

______________________________________________________

ابن بكير : هذا مما لا يجدون منه بدا (١).

وعن عبد الله بن بكير أيضا قال : في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثم صلّت فمكثت تصلي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام ، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة التي صلت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها الصلاة أقل ما يكون من الحيض (٢).

والأخبار الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة السند ، كما اعترف به المصنف في المعتبر (٣) ، والعلامة في المختلف (٤). ومع ذلك فمقتضى روايتي ابن بكير التحيّض بالثلاثة دائما في غير الدور الأول ، ولا دلالة لهما على التحيّض بالعشرة بعد الثلاثة كما ذكره الشيخ (٥) وأتباعه (٦).

قال المصنف في المعتبر بعد أن حكم بضعف الروايات الواردة في هذا الباب : والوجه عندي أن تتحيض كل واحدة منهما ـ يعني المبتدئة والمضطربة بالتفسير الذي ذكره ـ ثلاثة أيام ، لأنه المتيقن في الحيض ، وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا ،

__________________

(١) التهذيب ( ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٢ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٧ ـ ٤٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٩ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (٦).

(٢) التهذيب ( ١ : ٤٠٠ ـ ١٢٥١ ) ، الإستبصار ( ١ : ١٣٧ ـ ٤٧٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٥٤٩ ) أبواب الحيض ب (٨) ح (٥).

(٣) المعتبر ( ١ : ٢١٠ ).

(٤) المختلف : (٣٨).

(٥) الاستبصار ( ١ : ١٣٧ ) ، والمبسوط ( ١ : ٤٧ ) ، والنهاية : (٢٥).

(٦) كالقاضي ابن البراج في المهذب ( ١ : ٣٧ ).

٢٠