مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية ، فيشتغل بالفريضة.

______________________________________________________

بأربع بدأ بركعتي الفجر قبل الفريضة حتى تطلع الحمرة المشرقية فيشتغل بالفريضة ).

المراد بالفجر : الثاني لا الأول عند أكثر الأصحاب ، لأن به يتحقق زوال الليل.

ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ فوات وقتها بطلوع الفجر الأول ، محتجا بأن ذلك وقت ركعتي الفجر ، وهما آخر صلاة الليل (١).

والجواب ما سيجي‌ء إن شاء الله من أن محل ركعتي الفجر قبل الفجر الأول وعنده وبعده.

وقد قطع المصنف وغيره (٢) بأن الفجر إذا طلع ولم يكن المكلف قد تلبس من صلاة الليل بأربع ، أخّرها وبدأ بركعتي الفجر مع بقاء وقتها ثم صلى الفريضة. وقد روى ذلك إسماعيل بن جابر في الصحيح قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال : « لا » (٣). وإذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطريق أولى.

وبإزاء هذه الرواية روايات كثيرة متضمنة للأمر بفعل الليلة بعد الفجر وإن لم يحصل التلبس منها بأربع ، كصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : « صلّها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ، ولا تعمد ذلك في كل ليلة » وقال : « أوتر أيضا بعد فراغك منها » (٤).

__________________

(١) كما في السرائر : ٣٩ ، والذكرى : ١٢٥.

(٢) منهم العلامة في القواعد ١ : ٢٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٦ ـ ٤٧٩ ، الإستبصار ١ : ٢٨١ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٣ : ١٨٨ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٦.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٦ ـ ٤٨٠ ، الإستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ١.

٨١

وإن كان قد تلبس بأربع تمّمها مخفّفة ولو طلع الفجر.

______________________________________________________

وصحيحة سليمان بن خالد قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « ربما قمت وقد طلع الفجر ، فأصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر » قال ، قلت : أفعل أنا ذا؟ قال : « نعم ، ولا يكون منك عادة » (١).

ورواية إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقوم وقد طلع الفجر ولم أصلّ صلاة الليل ، فقال : « صلّ صلاة الليل وأوتر وصلّ ركعتي الفجر » (٢).

قال المصنف في المعتبر : واختلاف الفتوى دليل التخيير (٣). يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده ، وهو حسن.

قوله : ( وإن كان تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ومستنده رواية أبي جعفر الأحول قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا أنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع » (٤) وهي وإن كانت ضعيفة السند بجهالة أبي الفضل النحوي الراوي عن أبي جعفر الأحول لكنها مؤيدة بعمل الأصحاب والروايات المتقدمة.

ولا ينافي ذلك ما رواه يعقوب البزاز قال ، قلت له : أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال : « لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتى تقضيها في صدر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٩ ـ ١٤٠٣ ، الوسائل ٣ : ١٩٠ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٢٦ ـ ٤٧٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨١ ـ ١٠٢٣ ، الوسائل ٣ : ١٩٠ أبواب المواقيت ب ٤٨ ح ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٢٥ ـ ٤٧٥ ، الإستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ١٠٢٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ١.

٨٢

ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ويجوز أن يصليهما قبل ذلك.

______________________________________________________

النهار » (١) لأنا نجيب عنها :

أولا بالطعن في السند بالإضمار ، وبأن من جملة رجالها محمد بن سنان وهو ضعيف جدا (٢).

وثانيا بإمكان الحمل على الأفضلية كما ذكره الشيخ في التهذيب (٣) ، والكل حسن إن شاء الله.

قوله : ( ووقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ويجوز أن يصليها قبل ذلك ).

اختلف الأصحاب في أول وقت ركعتي الفجر. فقال الشيخ في النهاية : وقتهما عند الفراغ من صلاة الليل وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر الأول (٤). وهو اختيار ابن إدريس (٥) ، والمصنف ، وعامة المتأخرين (٦). لكن قال في المعتبر : إن تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول أفضل (٧). وقال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه : وقت ركعتي الفجر طلوع الفجر الأول (٨). ونحوه قال الشيخ في المبسوط (٩).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٥ ـ ٤٧٦ ، الإستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ١٠٢٦ ، الوسائل ٣ : ١٨٩ أبواب المواقيت ب ٤٧ ح ٢.

(٢) راجع رجال النجاشي : ٣٢٨ ـ ٨٨٨ ، ورجال الشيخ : ٣٨٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٢٥.

(٤) النهاية : ٦١.

(٥) السرائر : ٣٩.

(٦) كالعلامة في المختلف : ٧١ ، والشهيد الأول في الذكرى : ١٢٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨٢.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٥.

(٨) نقله عنه في المختلف : ٧١.

(٩) المبسوط ١ : ٧٦.

٨٣

______________________________________________________

والمعتمد جواز تقديمها بعد الفراغ من صلاة الليل ، وإن كان تأخيرها إلى أن يطلع الفجر الأول أفضل.

لنا على جواز التقديم : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن ركعتي الفجر ، قال : « احشوا بهما صلاة الليل » (١).

وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ركعتي الفجر متى أصليهما؟ فقال : « قبل الفجر ومعه وبعده » (٢).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده » (٣).

وفي الحسن عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال : « قبل طلوع الفجر ، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة » (٤).

ويدل على أن الأفضل تأخيرها حتى يطلع الفجر الأول صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلهما بعد ما يطلع الفجر » (٥) وإنما حملنا لفظ الفجر على الأول لتناسب الأخبار السالفة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٢ ـ ٥١١ ، الإستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ٣ : ١٩١ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٤ ـ ٥١٩ ، الإستبصار ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٣ ـ ٥١٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٣٥ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٨ ـ ٢٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٢ ـ ٥٠٩ و ٣٣٦ ـ ١٣٨٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٢ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٤ ـ ٥٢٣ ، الإستبصار ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٤٠ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٥.

٨٤

والأفضل إعادتهما بعده.

______________________________________________________

ولعل هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما ذلك أول الوقت.

والجواب : المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بفعلها مع صلاة الليل من غير تقييد بطلوع الفجر الأول ، مع إمكان القدح في هذه الرواية ، لعدم وضوح مرجع الضمير.

قوله : ( والأفضل إعادتهما بعده ).

أي : والأفضل لمن صلاهما قبل طلوع الفجر الأول إعادتهما بعد طلوعه. وهذا الحكم ذكره الشيخ (١) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا عليه بصحيحة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ربما صليتهما وعليّ ليل ، فإن نمت ولم يطلع الفجر أعدتهما » (٢).

وموثقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إني لأصلي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما » (٣).

ولا يخفى أنّ هاتين الروايتين إنما تدلان على استحباب الإعادة لمن صلى هاتين الركعتين وعليه قطعة من الليل إذا نام بعدهما ، فلا يتم الاستدلال بهما على الاستحباب مطلقا.

وربما استفيد منهما عدم كراهة النوم بعد صلاة الليل ، وقطع الشيخ (٤) ، والمصنف (٥) بالكراهة ، لما رواه سليمان بن حفص المروزي قال ، قال أبو الحسن الأخير عليه‌السلام : « إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بلا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٣٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٥ ـ ٥٢٧ ، الإستبصار ١ : ٢٨٥ ـ ١٠٤٤ ، الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٨ ، وفي الجميع : فإن قمت ولم يطلع الفجر.

(٣) التهذيب ٢ : ١٣٥ ـ ٥٢٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨٥ ـ ١٠٤٥ ، الوسائل ٣ : ١٩٤ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٧ ، والاستبصار ١ : ٣٤٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٥.

٨٥

ويمتدّ وقتهما حتى تطلع الحمرة ، ثم تصير الفريضة أولى.

______________________________________________________

نوم ، فإن صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته » (١) وفي الطريق ضعف (٢) ، لكن العمل بمضمونها أولى.

قوله : ( ويمتد وقتهما حتى تطلع الحمرة ، ثم تصير الفريضة أولى ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده قول الصادقين عليهما‌السلام : « صلهما قبل الفجر ومعه وبعده » (٣) والبعدية تستمر إلى ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة.

ويدل على انتهاء الوقت بذلك صحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال : « يؤخرهما » (٤).

وقال ابن الجنيد : وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل إلى طلوع الفجر على الترتيب (٥). وظاهره انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثاني ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في كتابي الأخبار ، واستدل بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن ركعتي الفجر ، قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر ، إنهما من صلاة الليل ، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (٦).

ويمكن التوفيق بين الروايات إما بحمل لفظ الفجر في الروايات السابقة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٣٧ ـ ٥٣٤ ، الإستبصار ١ : ٣٤٩ ـ ١٣١٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٢ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ١.

(٢) لعل وجهه أن علي بن محمد القاساني في الطريق وقد ضعفه الشيخ في رجاله : ٤١٧.

(٣) المتقدم في ص ٨٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٠ ـ ١٤٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٧١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٣٣ ـ ٥١٣ ، الإستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ١٠٣١ ، الوسائل ٣ : ١٩٢ أبواب المواقيت ب ٥٠ ح ٣.

٨٦

ويجوز أن يقضي الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت حاضرة ، وكذا يصلي بقيّة الصلوات المفروضات.

ويصلي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة ، وكذا قضاؤها.

______________________________________________________

على الأول ، ويراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثاني ، أو بحمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب ، ولعل الثاني أرجح.

قوله : ( ويجوز أن يقضي الفرائض الخمس في كل وقت ما لم يتضيق وقت حاضرة ، وكذا يصلي بقية الصلوات المفروضات ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، ويدل عليه مضافا إلى الإجماع : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام إنه قال : « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت. هذه يصليهن الرجل في الساعات كلها » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، عليه‌السلام يقول : « خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت ، وصلاة الجنازة » (٢).

قوله : ( ويصلي النوافل ما لم يدخل وقت فريضة ، وكذا قضاؤها ).

المراد بالنوافل : المطلقة ، أعني غير الراتبة ، وبقضائها قضاء مطلق النافلة وإن كانت راتبة ، على ما صرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ وغيره (٣).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٧ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤.

(٣) منهم العلامة في التبصرة : ٢١.

٨٧

______________________________________________________

وقد قطع الشيخان (١) ، وأتباعهما (٢) ، والمصنف ـ رحمه‌الله ـ بالمنع من قضاء النافلة مطلقا ، وفعل ما عدا الراتبة من النوافل في أوقات الفرائض ، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٣).

واستدلوا عليه برواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال لي رجل من أهل المدينة : يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ » قال : « فقلت : إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع » (٤).

ورواية سيف بن عميرة ، عن أبي بكر ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : « إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع » (٥).

ورواية أديم بن الحر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة » قال ، وقال : « إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها » (٦).

وفي الجميع قصور من حيث السند باشتمال سند الرواية الأولى والأخيرة على الطاطري وعبد الله بن جبلة ، وهما واقفيان (٧) ، وعدم ثبوت توثيق أبي بكر الحضرمي.

نعم روى زرارة في الصحيح قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلي‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٣ ، والشيخ في النهاية : ٦٢ ، والمبسوط ١ : ٧٦ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٥.

(٢) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ١٢٧ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧١.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦١ و ٢٤٧ ـ ٩٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٦ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٠ و ٣٤٠ ـ ١٤٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٢ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٣ : ١٦٦ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٧.

(٦) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٦.

(٧) حكاه النجاشي في رجاله : ٢٥٤ ـ ٦٦٧ و ٢١٦ ـ ٥٦٣ ، والشيخ الطوسي في رجاله : ٣٥٧ ـ ٤٦.

٨٨

______________________________________________________

نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : « لا ، إنه لا تصلى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ » قال ، قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني (١).

ويمكن حمل هذه الروايات على الأفضلية ، كما تدل عليه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال : « إن الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين » (٢).

وموثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة ، وإن خاف فوت الوقت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله ، ثم ليتطوع بما شاء » (٣).

ويمكن الجمع بينهما أيضا بتخصيص النهي الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفريضة بما إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة ، كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة » فقال له : الناس يختلفون في الإقامة ، قال : « المقيم الذي يصلي معه » (٤).

واختلف الأصحاب في جواز التنفل لمن عليه فائتة ، فقيل بالمنع (٥) ،

__________________

(١) روض الجنان : ١٨٤ ، المستدرك ٣ : ١٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٣. والرواية فيهما غير مسندة.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٩ ـ ٥ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٢ ، ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٨ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٣ : ١٦٤ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٥٢ ـ ١١٣٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٣ : ١٦٦ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٩.

(٥) كما في التذكرة ١ : ٨٢.

٨٩

وأما أحكامها ، ففيه مسائل :

الأولى : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض‌

______________________________________________________

لصحيحة زرارة المتقدمة (١) ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة الواردة فيمن فاته شي‌ء من الصلوات : « ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها » (٢).

وقيل بالجواز ، وهو اختيار ابن بابويه (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد ، فغلبته عيناه ، فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ، ثم استيقظ فركع ركعتين ثم صلى الصبح » (٥) والظاهر أن الركعتين اللتين صلاهما أولا ركعتا الفجر ، وقد وقع التصريح بذلك في صحيحة زرارة وفيها : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يا بلال أذن ، فأذن فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ، ثم قام فصلى بهم الصبح » (٦).

وأجاب عنها في التهذيب بأن التطوع بالركعتين إنما يجوز ليجتمع الناس الذين فاتتهم الصلاة ليصلوا جماعة ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : فأما إذا كان الإنسان وحده فلا يجوز له أن يبدأ بشي‌ء من التطوع أصلا على ما قدمناه (٧).

قوله : ( وأما أحكامها ، ففيه مسائل الأولى : إذا حصل أحد الأعذار‌

__________________

(١) في ص ٨٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٥ و ٢٦٦ ـ ١٠٥٩ وج ٣ : ١٥٩ ـ ٣٤١ ، الإستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.

(٣) المقنع : ٣٣.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٤٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٦ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ١.

(٦) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠٧ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٦٥.

٩٠

وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها ، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر.

______________________________________________________

المانعة من الصلاة كالجنون والحيض وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة وجب عليه قضاؤها ، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر ).

أما وجوب القضاء إذا حصل العذر المانع من الصلاة بعد أن مضى من الوقت مقدار الصلاة وشرائها المفقودة من الطهارة وغيرها ، فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

ويدل عليه عموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت ، ورواية عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : « نعم » (١).

وموثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : في امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهي طاهر فأخّرت الصلاة حتى حاضت قال : « تقضي إذا طهرت » (٢).

وأما سقوط القضاء إذا كان حصول العذر قبل أن يمضي من الوقت مقدار ذلك فهو مذهب الأكثر ، ونقل عليه الشيخ في الخلاف الإجماع (٣).

وحكي عن ظاهر المرتضى (٤) ، وابن بابويه (٥) ، وابن الجنيد (٦) : اعتبار‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٤ ـ ١٢٢١ ، الإستبصار ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٤ ، الوسائل ٢ : ٥٩٧ أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٢ ـ ١٢١١ ، الإستبصار ١ : ١٤٤ ـ ٤٩٣ ، الوسائل ٢ : ٥٩٧ أبواب الحيض ب ٤٨ ح ٤.

(٣) الخلاف ١ : ٨٨.

(٤) جمل العلم والعمل : ٦٧.

(٥) الفقيه ١ : ٥٢ ، والمقنع : ١٧.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٤٨.

٩١

ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها.

______________________________________________________

خلو أول الوقت من العذر بمقدار أكثر الصلاة ، ولم نقف لهم على مستند. والأصح السقوط مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل إلى أن يثبت المخرج عنه.

واستدل عليه في المنتهى بأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منتف ، فإن التكليف يستدعي وقتا ، وإلاّ لزم تكليف ما لا يطاق (١).

وضعف هذا الاستدلال ظاهر ، فإن القضاء فرض مستأنف متوقف على الدلالة ولا تعلق له بوجوب الأداء أصلا ، كما بيناه فيما سبق.

قوله : ( ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ).

المراد بالأداء هنا : الإتيان بالفعل لا المعنى المقابل للقضاء. وفي حكم الطهارة غيرها من الشرائط. وتتحقق الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية ، كما صرح به في التذكرة (٢). واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بالركوع ، للتسمية لغة وعرفا ولأنه المعظم (٣) ، وهو بعيد. وهذا الحكم ـ أعني الاكتفاء في آخر الوقت بإدراك ركعة مع الشرائط المفقودة ـ مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين أهل العلم (٤).

والأصل فيه : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٥). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر » (٦).

ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمير‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٢٣.

(٢) التذكرة ١ : ٧٨.

(٣) الذكرى : ١٢٢.

(٤) المنتهى ١ : ٢٠٩.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ ـ ١٦١.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ـ ١٦٣.

٩٢

ويكون مؤديا على الأظهر. ولو أهمل قضى.

______________________________________________________

المؤمنين عليه‌السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (١).

وفي الموثق عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال : « فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته » (٢).

وهذه الروايات وإن ضعف سندها إلاّ أن عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فيتعين العمل بها.

والفرق بين أول الوقت وآخره واضح ، لتمكن المكلف في آخر الوقت من إتمام الصلاة بغير مانع بخلاف أول الوقت ، إذ لا سبيل إلى ذلك.

قوله : ( ويكون مؤديا على الأظهر ).

اختلف الأصحاب في ذلك على أقوال ثلاثة :

أحدها : ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أنه يكون مؤديا للجميع ، وهو اختيار الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف ، ونقل فيه الإجماع ، واحتج عليه بظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٣) وفي لفظ آخر : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت » (٤). قال : وإدراك الوقت إنما يتحقق بكون الصلاة الواقع منها ركعة في الوقت أداء كالواقعة بأسرها فيه (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٨ ـ ١١٩ ، الإستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٥٨ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٨ ـ ١٢٠ ، الإستبصار ١ : ٢٧٦ ـ ١٠٠٠ ، الوسائل ٣ : ١٥٧ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ١.

(٣) المتقدم في ص ٩٢.

(٤) لم نعثر على رواية بهذا اللفظ.

(٥) الخلاف ١ : ٨٦ ، ٨٨.

٩٣

ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير. وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمه الفريضتان.

______________________________________________________

وثانيها : أنه يكون قاضيا للجميع ، اختاره السيد المرتضى ـ على ما نقل عنه (١) ـ لأن آخر الوقت يختص بالركعة الأخيرة ، فإذا وقعت فيه الأولى وقعت في غير وقتها ، ولا نعني بقضاء العبادة إلاّ ذلك.

وثالثها : التوزيع على معنى أن ما وقع في الوقت يكون أداء وما وقع في خارجه يكون قضاء ، لوجود معنى الأداء والقضاء فيهما.

وتظهر فائدة الخلاف في النية. وقال في الذكرى : إنها تظهر أيضا في الترتب على الفائتة السابقة ، فعلى القضاء يترتب دون الأداء (٢). وهو ضعيف جدا ، إذ الإجماع منعقد على وجوب تقديم الصلاة التي قد أدرك من وقتها مقدار ركعة مع الشرائط على غيرها من الفوائت.

قوله : ( ولو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل إحدى الفريضتين لزمته تلك لا غير ).

لاستحالة التكليف بهما معا في وقت لا يسعهما.

ثم إن قلنا بالاشتراك فاللازم هو الأولى لتقدمها ، وإلاّ فالثانية وهو المعروف من المذهب ، وقد تقدم الكلام فيه.

قوله : ( وإن أدرك الطهارة وخمس ركعات قبل الغروب لزمه الفرضان ).

الوجه في ذلك معلوم مما سبق. ومثله ما لو أدرك الخمس قبل الانتصاف ، ولا يكفي هنا الأربع وإن بقي منها للعشاء ركعة ، لاختصاص ذلك الوقت كله بالعشاء على المذهب المختار.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٨٦.

(٢) الذكرى : ١٢٢.

٩٤

الثانية : الصبيّ المتطوّع بوظيفة الوقت إذا بلغ بما لا يبطل‌

______________________________________________________

ثم إن الركعة الواحدة من الخمس للأولى بغير إشكال ، وهل الثلاثة التي تتبعها لها ، أم للعصر ولكن تزاحمها الظهر فيها كما تزاحم العصر المغرب بثلاث لو أدرك من وقتها مقدار ركعة؟ قيل بالأول (١) ، لاستئثار الأولى بالسبق ، ووجوب تقديمها عند إمكان الجمع. وقيل بالثاني ، وهو خيرة العلامة في المختلف ، لأن الأربع وقت للعصر مع عدم الخامسة فكذا معها ، لاستحالة صيرورة ما ليس بوقت وقتا (٢). وضعف هذا التوجيه ظاهر.

قيل : وفائدة الاحتمالين منتفية في الظهرين ، لأنهما تجبان على التقديرين ، وإنما تظهر فائدتهما في العشاءين : فإن قلنا الأربع للظهر تجب العشاءان بإدراك أربع ، لأنهما حينئذ بمنزلة الخمس في الظهرين ، وإن قلنا أنها للعصر وإنما زاحمتها الظهر فيها ، اختصت الأربع بالعشاء ، لأنها بقدرها (٣).

وأقول : إن هذا الاختلاف ضعيف جدا ، لأن الحكم بتقديم الأولى يستدعي كون ذلك القدر من الزمان الواقعة فيه وقتا لها قطعا وإن كان بعضه وقتا للعصر لولا إدراك الركعة (٤).

وما ذكره ذلك القائل من الفائدة أشد ضعفا ، لأن مقتضى القول بالاختصاص تعيّن إيقاع العشاء خاصة إذا أدرك من وقتها مقدار أربع فقط ، والبحث المتقدم إنما يجري على تقدير إدراك ركعة من وقت الأولى والمفروض عدمه ، كما هو واضح.

قوله : ( الثانية : الصبي المتطوع بوظيفة الوقت إذا بلغ بما لا يبطل‌

__________________

(١) كما في الذكرى : ١٢٢.

(٢) المختلف : ٧٥.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ٧٨.

(٤) يريد أنه في الفرض أدرك ركعة من آخر وقت الظهر فاستتبعت ثلاثا من وقت العصر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدرك. » كما أن العصر تستتبع ثلاثا من وقت المغرب لذلك ، لا أنه يريد كون مقدار الأربع للظهر مثلا محافظة على الوقت المضروب لها شرعا إذ التحقيق أن الأربع الأخيرة للعصر وإن زاحمها الظهر بثلاث منها ( الجواهر ٧ : ٢٦٠ ).

٩٥

الطهارة والوقت باق استأنف على الأشبه. وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى على نافلته ولا يجدّد نيّة الفرض.

______________________________________________________

الطهارة والوقت باق استأنف على الأشبه ).

إذا بلغ الصبي المتطوع بالصلاة في أثنائها بما لا يبطل الطهارة كالسنّ والإنبات ، وكان الوقت باقيا بحيث يسع ركعة فصاعدا مع الشرائط المفقودة ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف : يستأنف الصلاة (١) ، وبه قال أكثر الأصحاب ، لأنه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الإتيان بها ، وما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يقع به الامتثال.

وقال في المبسوط : يتم الصلاة (٢) ، وظاهره عدم وجوب الإعادة ، واستدل له في المختلف بأنها صلاة شرعية فلا يجوز إبطالها ، ولقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٣) وإذا وجب إتمامها سقط بها الفرض ، لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء (٤).

والجواب ـ بعد تسليم دلالة الآية على تحريم إبطال مطلق العمل ـ : إن الإبطال هنا لم يصدر من المكلف بل من حكم الشارع ، سلّمنا وجوب الإتمام لكن لا نسلم سقوط الفرض بها ، والامتثال إنما يقتضي الإجزاء بالنسبة إلى الأمر الوارد بالإتمام ، لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب الصلاة.

وربما بني الخلاف في هذه المسألة على أن عبادة الصبي شرعية أو تمرينية ، وهو غير واضح. أما إعادة الطهارة فيتجه بناؤها على ذلك ، لأن الحدث يرتفع بالطهارة المندوبة.

ولو بلغ في الوقت بعد فراغه من الصلاة فكما لو بلغ في الأثناء. وصرح‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٠٢.

(٢) المبسوط ١ : ٧٣.

(٣) محمد : ٣٣.

(٤) المختلف : ٧٥.

٩٦

الثالثة : إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز التعويل على الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ، فإن غلب على ظنّه دخول الوقت صلى.

______________________________________________________

العلامة في المنتهى بوجوب الإعادة هنا أيضا إذا أدرك ركعة من الوقت مع الشرائط المفقودة (١) ، وهو حسن.

قوله : ( الثالثة : إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت لم يجز التعويل على الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من كان له طريق إلى العلم بالوقت لا يجوز له التعويل على الظن ، وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

واستدل عليه في المنتهى بأن العلم يؤمن معه الخطأ ، والظن لا يؤمن معه ذلك ، وترك ما يؤمن معه الخطأ قبيح عقلا (٢). وهو ضعيف جدا ، إذ العقل لا يقضي بقبح التعويل على الظن هنا ، بل لا يأباه لو قام عليه دليل.

والأجود الاستدلال عليه بانتفاء ما يدل على ثبوت التكليف مع الظن للمتمكن من العلم ، ويؤيده عموم النهي عن اتباع الظن ، وخصوص رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا ، غير أنه يظن لمكان الأذان أنه طلع ، قال : « لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (٣).

ومقتضى الرواية عدم جواز التعويل على الأذان. واستقرب المصنف في المعتبر جوازه إذا وقع الأذان من ثقة يعرف منه الاستظهار ، لقوله عليه‌السلام : « المؤذن مؤتمن » (٤) ولأن الأذان مشروع للإعلام ، فلو لم يجز تقليده لما حصل‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢١٠.

(٢) المنتهى ١ : ٢١٣.

(٣) الذكرى : ١٢٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ـ ١١٢١ ، الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٢.

٩٧

______________________________________________________

الغرض به (١).

وقد يقال : إنه يكفي في صدق الأمانة تحققها بالنسبة إلى ذوي الأعذار ، وشرعية الأذان لتقليدهم خاصة. أو يقال : إن فائدته تنبيه المتمكن على الاعتبار (٢).

نعم لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت ، كما قد يتفق في أذان الثقة الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم ، جاز التعويل عليه قطعا. وتدل عليه صحيحة ذريح المحاربي قال ، قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شي‌ء مواظبة على الوقت » (٣) (٤).

وثانيتهما : أن من لا طريق له إلى العلم يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظنّ ، ولا يكلف الصبر حتى يتيقن ، وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما ، بل قيل : إنه إجماع (٥). وقال ابن الجنيد : ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره أن يصلي إلاّ عند يقينه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك (٦).

احتج الأولون برواية سماعة ، قال : سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « اجتهد رأيك وتعمد القبلة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٣.

(٢) كما في الذكرى : ١٢٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٦ ، الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ١.

(٤) في « م » ، « ح » زيادة : ورواية محمد بن خالد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخاف أن أصلي الجمعة قبل أن تزول الشمس ، قال : « إنما ذاك على المؤذنين ». وهي في التهذيب ٢ : ٢٨٤ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٤ : ٦١٨. أبواب الأذان والإقامة ب ٣ ح ٣.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ١٧١ كما استفاده منه في الجواهر ٧ : ٢٦٩.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٧٣.

٩٨

______________________________________________________

جهدك » (١). قيل : وهذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة (٢).

ويمكن أن يستدل له أيضا برواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تم صومه ولا يقضيه » (٣) وإذا جاز التعويل على الظن في الإفطار جاز في الصلاة ، إذ لا قائل بالفرق.

وصحيحة زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » (٤). وتقريب الاستدلال ما تقدم.

ويمكن المناقشة في الروايتين الأولتين بضعف السند (٥) ، وفي الثالثة بقصور الدلالة (٦) والمسألة محل تردد ، وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة.

وقد ورد في بعض الروايات جواز التعويل في وقت الزوال على ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها ، وأوردها الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٧) ، وظاهره‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٤٦ ـ ١٤٨ و ٢٥٥ ـ ١٠٠٩ ، الاستبصار ١ : ٢٩٥ ـ ١٠٨٨ ، الوسائل ٣ : ٢٢٣ أبواب القبلة ب ٦ ح ٢.

(٢) كما في الذكرى : ١٢٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٦ ، وفيهما : وفي السماء غيم ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٩ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ـ ١٠٣٩ وج ٤ : ٢٧١ ـ ٨١٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ٣ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ١٧.

(٥) أما الأولى فلاشتمالها على بعض الواقفة ، وأما الثانية فلأن في طريقها محمد بن فضيل وهو ضعيف ( راجع رجال الشيخ : ٣٦٠ ، ومعجم رجال الحديث ١٧ : ١٤٤ ، ١٤٥ ).

(٦) في « ح » زيادة : لاحتمال أن يراد بمضي الصوم فساده. وكذا في « م » بزيادة : أو يفرق بين الصلاة والصوم مع عدم انكشاف فساد الظن كما حصل الفرق بينهما مع ظهور خلافه فتأمل.

(٧) الفقيه ١ : ١٤٣ ـ ٦٦٨ و ١٤٤ ـ ٦٦٩ ، الوسائل ٣ : ١٢٤ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٢ وص ١٢٥ ح ٥.

٩٩

فإن انكشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن كان الوقت دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد على الأظهر.

______________________________________________________

الاعتماد عليها ، ومال إليه في الذكرى (١). وضعف سندها يمنع من التمسك بها.

قوله : ( فإن انكشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن كان الوقت قد دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد على الأظهر ).

إذا دخل المكلف في الصلاة ظانا دخول الوقت وسوغنا ذلك ، ثم انكشف فساد ظنه ، فإن تبيّن وقوع الصلاة بأسرها قبل دخول الوقت وجب عليه الإعادة بإجماع العلماء ، لأنه أدى ما لم يؤمر به فلا يكون مجزيا ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل صلى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ، ونام حتى طلعت الشمس ، فأخبر أنه صلى بليل ، قال : « يعيد صلاته » (٢). وفي الموثق عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (٣).

وإن دخل الوقت وهو متلبس بها ولو قبل التسليم قيل : أجزأه ، وهو اختيار الشيخ في أكثر كتبه (٤) ، وجمع من الأصحاب ، لأنه متعبد بظنه ، خرج منه ما إذا ما يدرك شيئا من الوقت بالإجماع فيبقى الباقي ، ولما رواه إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (٥).

__________________

(١) الذكرى : ١٢٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٠ ـ ٥٤٨ و ٢٥٤ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ٣ : ١٢٢ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٤ ـ ١٠٠٥ ، الإستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٦٨ ، الوسائل ٣ : ١٢٣ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٧.

(٤) المبسوط ١ : ٧٤ ، النهاية : ٦٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨٦ ـ ١١ ، الفقيه ١ : ١٤٣ ـ ٦٦٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥ ـ ١١٠ و ١٤١ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٣ : ١٥٠ أبواب المواقيت ب ٢٥ ح ١.

١٠٠