مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

الثامنة : تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخف ،

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، تكره الصلاة في الثياب السود ، عدا العمامة والخف ).

يدل على ذلك ما رواه الكليني عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء » (١).

وتتأكد الكراهة في القلنسوة السوداء ، لما رواه الشيخ وابن بابويه ، عن الصادق عليه‌السلام : إنه سئل عن الصلاة فيها فقال : « لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار » (٢).

وظاهر العبارة عدم كراهة ما عدا السواد من الألوان ، وقال في المعتبر : يكره للرجال الصلاة في المزعفر والمعصفر والأحمر (٣) ، لرواية عبد الله بن المغيرة ، عمن حدثه ، عن يزيد بن خليفة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كره الصلاة في المشبع بالعصفر (٤) ، والمصرج بالزعفران (٥).

ورواية حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم » (٦) والمفدم بكسر الدال : المصبوغ بالحمرة المشبع ، قاله الجوهري (٧).

ومقتضى الروايتين كراهة المشبع من هذه الألوان خاصة. ونقل عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٣ ـ ٢٩ ، الوسائل ٣ : ٢٧٨ أبواب لباس المصلي ب ١٩ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٢ ـ ٧٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٣ : ٢٨٠ أبواب لباس المصلي ب ٢٠ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٩٤.

(٤) العصفر بالضم : نبات أصفر اللون يصبغ به.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٠ ، الوسائل ٣ : ٣٣٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٢ ـ ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٣٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٩ ح ٢.

(٧) الصحاح ٥ : ٢٠٠١.

٢٠١

وفي ثوب واحد رقيق للرجال ، فإن حكى ما تحته لم يجز. ويكره أن يأتزر فوق القميص ،

______________________________________________________

الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن إدريس (٣) ، القول بكراهة الصلاة في الثياب المفدمة بلون من الألوان ، أي المشبعة بالصبغ. قال الجوهري : ويقال صبغ مفدم أي خاثر مشبع (٤). ويدل عليه رواية حماد المتقدمة إن لم يخصص لفظ المفدم بالأحمر كما هو أحد الإطلاقين. وهذه الروايات كلها قاصرة من حيث السند إلا أنّ المقام مقام كراهة وتنزيه فلا يضر فيه ضعف السند.

قوله : ( وفي ثوب واحد رقيق للرجال ، فإن حكى ما تحته لم يجز ).

المراد حكاية اللون خاصة ، لا الحجم كما صرح به في المعتبر (٥) ، وإنما كرهت الصلاة في الثوب الرقيق غير الحاكي تحصيلا لكمال الستر والتفاتا إلى مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم. وقد سأله عن الصلاة في القميص الواحد : « إذا كان كثيفا فلا بأس به » (٦).

ومقتضى النص وكلام الأصحاب أنّ الثوب إذا كان كثيفا لا تكره الصلاة فيه وحده ، وهو كذلك ، بل الظاهر عدم كراهة ترك الرداء معه للإمام كما يدل عليه قول أبي جعفر عليه‌السلام ـ لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء وسألوه عن ذلك ـ : « إنّ قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء » (٧).

قوله : ( ويكره أن يأتزر فوق القميص ).

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٤٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٨٠.

(٣) السرائر : ٥٦.

(٤) الصحاح ٥ : ٢٠٠١.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٥.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٨١ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٣ : ٢٨٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٧.

٢٠٢

______________________________________________________

هذا الحكم ذكره المفيد ـ رحمه‌الله‌ ـ في المقنعة (١) وجمع من الأصحاب (٢).

واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن محمد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهم عليهم‌السلام ، قال : « الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه ، والتوشح فوق القميص مكروه » (٣) وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت ، فإنه من زيّ الجاهلية » (٤).

وهو استدلال ضعيف فإن مقتضى الروايتين مع ضعف سندهما كراهة التوشح فوق القميص وهو خلاف الائتزار ، قال الجوهري : يقال توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلد بهما (٥). ونقل عن بعض أهل اللغة أنّ التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعل المحرم (٦).

والأصح عدم كراهة الائتزار فوق القميص كما اختاره في المعتبر (٧) ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن موسى بن القاسم البجلي ، قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلي في قميص قد ائتزر فوقه بمنديل وهو يصلي (٨).

وفي الصحيح عن موسى بن عمر بن بزيع قال ، قلت للرضا‌

__________________

(١) المقنعة : ٢٥.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية : ٦٧٢ ).

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٣٩ ، الإستبصار ١ : ٣٨٧ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢٨٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٣ ، إلا أن فيه : عن أحدهما.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ٧ التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤٠ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢٨٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ١.

(٥) الصحاح ١ : ٤١٥.

(٦) منهم ابن منظور في لسان العرب ٢ : ٦٣٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٩٦.

(٨) التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٣ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٦ ، الوسائل ٣ : ٢٨٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٦.

٢٠٣

وأن يشتمل الصمّاء ،

______________________________________________________

عليه‌السلام : أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة فقال : « لا بأس به » (١).

أما شد المئزر تحت القميص فغير مكروه إجماعا ، ولا يبعد عدم كراهة التوشح أيضا لما رواه حماد بن عيسى في الحسن ، قال : كتب الحسن بن علي بن يقطين إلى العبد الصالح عليه‌السلام : هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب : « نعم » (٢).

قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه ـ بعد أن روى الكراهة ـ : وقد رويت رخصة في التوشح بالإزار فوق القميص عن العبد الصالح عليه‌السلام ، وعن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، وعن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام وبها آخذ وأفتي (٣).

قوله : ( وأن يشتمل الصماء ).

أجمع العلماء كافة على كراهة اشتمال الصماء ، واختلفوا في تفسيره ، فقال في القاموس : اشتمال الصماء أن يردّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ، ثم يردّه ثانية من خلفه على يديه اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا ، أو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجة (٤) ، وهذا هو المنقول عن أبي عبيد (٥).

قال الهروي في الغريبين : من فسّره بما قاله أبو عبيد فكراهته للتكشف وإبداء العورة ، ومن فسّره بتفسير أهل اللغة فإنه كره أن يتزمل به شاملا جسده‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٠ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٥ ، الوسائل ٣ : ٢٨٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٥ بتفاوت.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٤ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٧ ، الوسائل ٣ : ٢٨٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٩.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ١٤٢.

(٥) كما في لسان العرب ١٢ : ٣٤٦ ، والصحاح ٥ : ١٩٦٨.

٢٠٤

أو يصلي في عمامة لا حنك لها.

______________________________________________________

مخافة أن يدفع منها إلى حالة سادّة لنفسه فيهلك (١). قال القتيبي : وإنما قيل صماء لأنه إذا اشتمل به سدّ على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء.

والأولى الاعتماد في ذلك على ما رواه زرارة في الصحيح قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إياك والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » (٢) وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط (٣) ، والمصنف في المعتبر (٤) ، وتتحقق الكراهة وإن كان تحته غيره لعموم النهي.

قوله : ( أو يصلي في عمامة لا حنك لها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٥). والمستفاد من الأخبار كراهة ترك الحنك في حالة الصلاة وغيرها ، فروى الشيخ في الحسن عن ابن أبي عمير ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » (٦).

وعن عيسى بن حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من اعتم ولم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » (٧).

وروى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه في الموثق ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت‌

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٤٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٤ ، الفقيه ١ : ١٦٨ ـ ٧٩٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٤١ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٤ ، الوسائل ٣ : ٢٨٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٥ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٨٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٩٧.

(٥) المعتبر ٢ : ٩٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٧) الكافي ٦ : ٤٦١ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ ـ ٨٤٧ ، المحاسن : ٣٧٨ ـ ١٥٧ ، الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ٢.

٢٠٥

______________________________________________________

حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » (١).

وروى أيضا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « ضمنت لمن خرج من بيته معتما [ تحت حنكه ] (٢) أن يرجع إليهم سالما » (٣).

وقال عليه‌السلام : « إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو على وضوء كيف لا تقضى حاجته ، وإني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته » (٤).

وروى أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمامة » (٥).

ثم قال رحمه‌الله : وذلك في أول الإسلام وابتدائه ، وقد نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل الخلاف أيضا أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط. والمراد بالتلحي : تطويق العمامة تحت الحنك ، والاقتعاط : شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك على ما نص عليه جماعة من أهل اللغة منهم الجوهري (٦) وغيره (٧).

قال ابن بابويه في كتابه : وسمعت مشايخنا ـ رضي الله عنهم ـ يقولون : لا تجوز الصلاة في الطابقية (٨) ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك (٩).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٤ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ٥.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٦ ، الوسائل ١ : ٢٦٢ أبواب الوضوء ب ٦ ح ٢ وذكر ذيله في الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٧ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلي ب ٢٦ ح ٨.

(٦) الصحاح ٣ : ١١٥٤.

(٧) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٢ : ٣٩٥.

(٨) الطابقية : العمامة التي لا حنك لها ـ مجمع البحرين ٥ : ٢٠٤.

(٩) الفقيه ١ : ١٧٢.

٢٠٦

ويكره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم.

______________________________________________________

ولا ريب في ضعف هذا القول. وحكى عنه العلامة في المختلف (١) ومن تأخر عنه (٢) القول بذلك ، وهو غير جيد.

والمراد بالتحنك إدارة جزء من العمامة تحت الحنك سواء كان طرف العمامة أو وسطها ، وفي تأدي السنة بإدارة غيرها وجهان ، أظهرهما العدم ، لمخالفته للمعهود ونص الشارع وأهل اللغة.

قوله : ( ويكره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم ).

لا ريب في تحريمهما إذا منعا القراءة أو غيرها من الأذكار الواجبة ، والمشهور الكراهة بدون ذلك ، لصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أيصلي الرجل وهو متلثم؟ فقال : « أما على الأرض فلا ، وأما على الدابة فلا بأس » (٣).

ورواية سماعة ، قال : سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم فقال : « لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل » قال : وسألته عن المرأة تصلي متنقبة ، قال : « إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (٤).

وأطلق المفيد في المقنعة المنع من اللثام للرجل (٥) ، قال في المعتبر (٦) : والظاهر أنه يريد الكراهة ، لما رواه الحلبي في الصحيح ، قال : سألت‌

__________________

(١) المختلف : ٨٣.

(٢) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ٩٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٠ ، الإستبصار ١ : ٣٩٧ ـ ١٥١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٠٦ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٠ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٦.

(٥) المقنعة : ٢٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٩٩.

٢٠٧

وتكره الصلاة في قباء مشدود ، إلا في الحرب ، وأن يؤمّ بغير رداء ،

______________________________________________________

أبا عبد الله عليه‌السلام ، هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة » (١).

ويستفاد من هذه الرواية تحريم اللثام إذا منع سماع القراءة ، وبه أفتى المصنف في المعتبر (٢) ، والعلامة في التذكرة (٣) ، وهو حسن.

قوله : ( وتكره الصلاة في قباء مشدود ، إلا في الحرب ).

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ولم أقف له على مستند. وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : ولا يجوز لأحد أن يصلي وعليه قباء مشدود إلا أن يكون في الحرب فلا يتمكن من أن يحله فيجوز ذلك للاضطرار (٤). قال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه العبارة : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم أعرف به خبرا مسندا (٥). وحاول الشهيد في الذكرى (٦) الاستدلال عليه بما رواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا يصلي أحدكم وهو متحزم » (٧) وهو فاسد لأنّ شد القباء غير التحزم.

قوله : ( وأن يؤم بغير رداء ).

الرداء : الثوب الذي يجعل على المنكبين. وقال الجوهري : الرداء الذي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٢٩ ـ ٩٠٣ ، الإستبصار ١ : ٣٩٨ ـ ١٥١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٠٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٥ ح ٣ ورواه في الفقيه ١ : ١٧٣ ـ ٨١٨ عن الحلبي وعبد الله بن سنان.

(٢) المعتبر ٢ : ٩٩.

(٣) التذكرة ١ : ٩٨.

(٤) المقنعة : ٢٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٢.

(٦) الذكرى : ١٤٨.

(٧) مسند أحمد ٢ : ٤٥٨ بتفاوت.

٢٠٨

______________________________________________________

يلبس (١). وفي القاموس : إنه ملحفة (٢). وهذا الحكم ـ أعني كراهة الإمامة بغير رداء ـ مشهور بين الأصحاب ، واحتجوا عليه (٣) بصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء ، قال : « لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » (٤) وهي إنما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده لا مطلقا ، ويؤكد هذا الاختصاص قول أبي جعفر عليه‌السلام لما أمّ أصحابه في قميص بغير رداء : « إنّ قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار ولا رداء » (٥).

قال جدي قدس‌سره : وكما يستحب الرداء للإمام يستحب لغيره من المصلين ، وإن كان للإمام آكد (٦) ، واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة أخبار ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف » (٧).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال : « يحل التكة منه فيضعها على عاتقه ويصلي ، وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما » (٨).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « إذا‌

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢٣٥٥.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٣٥.

(٣) كما في المعتبر ٢ : ٩٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٢٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٣ : ٢٨٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٧.

(٦) روض الجنان : ٢١١.

(٧) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ٣ : ٣٣٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٦.

(٨) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٢٩ أبواب لباس المصلّي ب ٥٣ ح ٣.

٢٠٩

وأن يصحب شيئا من الحديد بارزا ،

______________________________________________________

لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا » (١).

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف ، لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري ، وعدم ذكر الرداء في الرواية الأولى ، بل أقصى ما تدل عليه استحباب ستر المنكبين ، سواء كان بالرداء أم بغيره.

وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد ، وهي إنما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده ، فإثبات ما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل.

وينبغي الرجوع في الرداء إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا ، وإنما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان. أما ما اشتهر في زماننا من إقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد أن يكون تشريعا.

قوله : ( وأن يصحب شيئا من الحديد بارزا ).

ما اختاره المصنف من كراهة استصحاب الحديد البارز في الصلاة قول أكثر الأصحاب ، وقال الشيخ في النهاية : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشتهر مثل السكين والسيف ، وإن كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك (٢). والمعتمد الكراهة.

لنا : على الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ، وعلى الكراهة ما رواه الشيخ ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٣ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٨٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

(٢) النهاية : ٩٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ١.

٢١٠

وفي ثوب يتهم صاحبه.

______________________________________________________

وعن موسى بن أكيل النميري (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الحديد أنه حلية أهل النار ، قال : « وجعل الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين ، فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلا أن يكون في قتال عدو فلا بأس به ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ » (٢) والمراد بالنجاسة هنا : الاستخباث وكراهة استصحابه في الصلاة كما ذكره في المعتبر (٣) ، لأنه ليس بنجس بإجماع الطوائف.

قال المصنف رحمه‌الله : وتسقط الكراهة مع ستره ، وقوفا بالكراهة على موضع الاتفاق ممن كرهه (٤). وهو حسن ، ويدل عليه ما رواه الشيخ ، عن عمار الساباطي : « أنّ الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه » (٥) بل ويمكن القول بانتفاء الكراهة مطلقا لضعف المستند.

قوله : ( وفي ثوب يتهم صاحبه ).

أي بعدم التوقي من النجاسات ، كما صرح به في المعتبر (٦). وإنما كرهت الصلاة في ثوب المتهم بالنجاسة احتياطا للصلاة ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيرده ، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلي فيه حتى يغسله » (٧).

قال الشيخ رحمه‌الله : هذا الخبر محمول على الاستحباب ، لأن الأصل في‌

__________________

(١) في « ح » : النمري.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ـ ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٩٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٩٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٩٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٤ ، الإستبصار ١ : ٣٩٣ ـ ١٤٩٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٥ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٢.

٢١١

وأن تصلي المرأة في خلخال له صوت.

______________________________________________________

الأشياء كلها الطهارة. ولا يجب غسل شي‌ء من الثياب إلا بعد العلم بأن فيها نجاسة (١). ثم استدل على ذلك بما رواه في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر : إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحكم الخنزير ، فيرده عليّ فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » (٢).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلي فيها؟ قال : « نعم » قال معاوية : فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار ، فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة (٣).

وفي الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي ، قال : « يرش بالماء » (٤).

قوله : ( وأن تصلي المرأة في خلخال له صوت ).

احترز به عن الأصم فإنه لا تكره الصلاة فيه. ويدل على الحكمين معا ما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام أنه سأله عن الخلاخل ، هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال : « إن كانت صما فلا بأس ، وإن كان لها صوت فلا يصلح » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦١ ـ ١٤٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٥ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٣ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ـ ١٤٩٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٣ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٤ ـ ٣٣ ، الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ٧٧٥ ، الوسائل ٣ : ٣٣٨ أبواب لباس المصلي ب ٦٢ ح ١.

٢١٢

وتكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل ، أو خاتم فيه صورة.

______________________________________________________

وقال ابن البراج : لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت (١). والرواية قاصرة عن إفادة التحريم.

قوله : ( وتكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل ، أو خاتم فيه صورة ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين مثال الحيوان وغيره كصور الشجر والنبات ، وبه صرح في المختلف (٢) ، وأسنده إلى الأصحاب ، واستدل عليه بإطلاق الأخبار كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : أنه سأل الرضا عليه‌السلام عن الثوب المعلم ، فكره ما فيه التماثيل (٣).

وموثقة عمار بن موسى : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك ، قال : « لا » وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، قال : « لا تجوز الصلاة فيه » (٤).

وخص ابن إدريس الكراهة بصور الحيوان (٥). وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط : والثوب إذا كان فيه تمثال وصورة لا تجوز الصلاة فيه (٦). وهما ضعيفان.

ولو كانت الصور مستورة خفّت الكراهة ، لما رواه حماد بن عثمان في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ قال : « لا بأس إذا كانت مواراة » (٧).

__________________

(١) المهذب ١ : ٧٥.

(٢) المختلف : ٨١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٢ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٣ : ٣١٨ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٥ ـ ٧٧٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ ـ ١٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢٠ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ١٥.

(٥) السرائر : ٥٦.

(٦) المبسوط ١ : ٨٣.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٢ ـ ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥٠٨ ، الوسائل ٣ : ٣١٩ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ٨.

٢١٣

______________________________________________________

وترتفع الكراهة بتغيير الصورة (١) ، لصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه » (٢).

__________________

(١) تغيير الصورة بقطع عضو منه أو تشويهه.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٣ ـ ١٥٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٢٠ أبواب لباس المصلي ب ٤٥ ح ١٣.

٢١٤

المقدمة الخامسة

في مكان المصلي

الصلاة في الأماكن كلّها جائزة ، بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ، والإذن قد تكون بعوض كالأجرة وشبهها ، وبالإباحة. وهي إما صريحة كقوله : صلّ فيه ، أو بالفحوى كإذنه في الكون فيه ، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة الخامسة : في مكان المصلي ).

عرّف المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد المكان الذي تعتبر إباحته بأنه ما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط ، وما يلاقي بدنه وثيابه ، وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره (١). ويشكل بأنه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب ، وكذا واضع الثوب المغصوب الذي لا هواء له بين الركبتين والجبهة ، وهو غير واضح.

والأجود في تعريفه باعتبار الإباحة : أنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط.

وباعتبار الطهارة : بما يلاقي بدن المصلي أو ثوبه كما سيجي‌ء بيانه إنشاء الله تعالى.

قوله : ( الصلاة في الأماكن كلها جائزة ، بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ، والإذن قد تكون بعوض كالأجرة وشبهها ، وبالإباحة وهي إما صريحة كقوله : صل فيه ، أو بالفحوى كإذنه في الكون فيه ، أو بشاهد الحال كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٨٦.

٢١٥

______________________________________________________

أجمع العلماء كافة على جواز الصلاة في الأماكن كلها إذا كانت مملوكة أو‌ مأذونا فيها. وينبغي أن يراد بالمملوك : مملوك المنفعة إما منفردة أو مع ملك العين ، فيندرج فيه مملوك العين والمنفعة ، والمستأجر ، والموصى بمنفعته ، والمحبس ، والمسكون. وبالمأذون فيه : الأعم من المأذون فيه خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما أو بشاهد الحال.

وبالجملة فالمعتبر في غير المباح والمملوك للمصلي علمه برضاء المالك ، سواء كان الدال على الرضا لفظا أو غيره.

وفي عبارة المصنف نظر من وجوه :

الأول : أنه جعل المستأجر من أقسام المأذون فيه الذي هو قسيم للمملوك ، وهو غير جيد ، لأن الإجارة تقتضي ملك المنفعة ، فكان الأولى إدراج المستأجر في المملوك كما فعله غيره من الأصحاب.

الثاني : تمثيله ـ رحمه‌الله ـ للفحوى بالإذن في الكون غير واضح ، إذ المعهود من اصطلاحهم أنّ دلالة الفحوى هي مفهوم الموافقة ، وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى ، أي كون الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور. باعتبار المعنى المناسب المقصود من الحكم ، كالإكرام (١) في منع التأفيف. وقد مثل له هنا بإدخال الضيف في المنزل للضيافة ، وهو إنما يتم مع ظهور المعنى المناسب المقصود من الإدخال وكونه في غير المذكور وهو الصلاة مثلا أتم منه في المذكور.

الثالث : اكتفاؤه ـ رحمه‌الله ـ في شاهد الحال بأن تكون هناك أمارة تشهد أنّ المالك لا يكره ، غير مستقيم ، لأن الأمارة تصدق على ما يفيد الظن أو منحصرة فيه ، وهو غير كاف هنا ، بل لا بد من إفادتها العلم كما بيناه.

ولا يقدح في جواز الصلاة في المكان بشاهد الحال جهالة المالك إن فرض‌

__________________

(١) في « س » : كالإلزام.

٢١٦

والمكان المغصوب لا تصحّ الصلاة فيه للغاصب ، ولا لغيره ممن علم الغصب ، فإن صلى عامدا عالما كانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

العلم برضاه مع عدم تعينه ، بل قيل : إنه لا يقدح في الجواز كون المكان لمولّى عليه (١) ، وهو كذلك ، إذ المفروض عدم تخيل ضرر بذلك التصرف عاجلا أو آجلا بحيث يسوغ للولي الإذن فيه ، ومتى ثبت جواز الإذن من الولي وجب الاكتفاء بإفادة القرائن اليقين برضاه ، كما لو كان المال لمكلف.

قوله : ( والمكان المغصوب لا تصح فيه الصلاة للغاصب ، ولا لغيره ممن علم بالغصب ، فإن صلى كانت صلاته باطلة ).

أجمع العلماء كافة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار. وأطبق علماؤنا على بطلانها أيضا ، لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا يكون مأمورا بها ، ضرورة استحالة كون الشي‌ء الواحد مأمورا به ومنهيا عنه. وخالف في ذلك أكثر العامة (٢) ، فحكموا بصحتها بناء على جواز كون الشي‌ء الواحد مأمورا به ومنهيا عنه ، واستدلوا عليه بأن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنه يكون مطيعا عاصيا لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون.

وجوابه أنّ المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه ، إذ المأمور به الخياطة ، والمنهي عنه الكون ، وأحدهما غير الآخر ، بخلاف الصلاة الواقعة في المكان المغصوب فإن متعلق الأمر والنهي فيها واحد ، وهو الحركات والسكنات المخصوصة.

فإن قلت : الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة ، فإذا تعلق به النهي اجتمع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد وهو الذي أنكرتموه.

__________________

(١) كما في الذكرى : ١٥٠.

(٢) نقله عن أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي ابن قدامة في المغني ١ : ٧٥٨.

٢١٧

______________________________________________________

قلت : هذا الاجتماع إنما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة لا الخياطة ، ووجوبه على تقدير تسليمه إنما هو من باب المقدمة ، والغرض من المقدمة التوصل إلى الواجب وإن كانت منهيا عنها ، لسقوط الطلب عندها ، كما في سلوك الطريق المغصوب إلى الميقات عند وجوب الحج. فتأمل.

ومن هنا يظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب ، كما قطع به في المعتبر (١) ، لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها فلا يؤثر تعلّق النهي به في فسادها.

ولا فرق في بطلان الصلاة في المكان المغصوب بين مغصوب العين والمنفعة ، ولا في الصلاة بين اليومية وغيرها. وقال بعض العامة : يصلي الجمعة والعيد والجنازة في الموضع المغصوب ، لأن الإمام إذا صلى في موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الصلاة ، ولهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة (٢). وهو غلط فاحش.

ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة ارتفع المنع قطعا لارتفاع النهي. وقال الشيخ في المبسوط : لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه ، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة ، لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه (٣). والظاهر أنّ مراده ـ رحمه‌الله ـ بالآذن الغاصب كما ذكره العلامة رحمه‌الله (٤) ـ وإن كان الوهم لا يذهب إلى احتمال الجواز مع إذنه ـ إذ لا تستقيم إرادة المالك للقطع بجواز الصلاة مع إذنه وإن بقي الغصب في الجملة. وقال في المعتبر : إنّ مراده بالآذن هنا المالك (٥) وهو بعيد جدا ، إذ لا وجه للبطلان على هذا التقدير.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٠٩.

(٢) كما في المغني ١ : ٧٥٨.

(٣) المبسوط ١ : ٨٤.

(٤) التذكرة ١ : ٨٧.

(٥) المعتبر ٢ : ١٠٩.

٢١٨

وإن كان ناسيا أو جاهلا بالغصبية صحّت صلاته ، ولو كان جاهلا بتحريم المغصوب لم يعذر. إذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحّت صلاته. ولو صلى ولم يتشاغل بالخروج لم تصحّ.

ولو حصل في ملك غيره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب‌

______________________________________________________

ووجهه الشهيد في الذكرى بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف لم تفد إذنه الإباحة ، كما لو باعه فإن البيع يكون باطلا ولا يجوز للمشتري التصرف فيه (١). ولا ريب في بطلان هذا التوجيه لمنع الأصل وبطلان القياس.

قوله : ( وإن كان ناسيا أو جاهلا بالغصب صحت صلاته ، وإن كان جاهلا بتحريم المغصوب لم يعذر ).

أما صحة صلاة الجاهل بالغصب فموضع وفاق بين العلماء ، لأن البطلان تابع للنهي ، وهو إنما يتوجه إلى العالم. والأصح أنّ الناسي كذلك ، لارتفاع النهي بالنسبة إليه ، ولهذا اتفق الكل على عدم تأثيمه. أما الجاهل بالحكم فقد قطع الأصحاب بأنه غير معذور لتقصيره في التعلم ، وقوى بعض مشايخنا المحققين إلحاقه بجاهل الغصب لعين ما ذكر فيه (٢) ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( وإذا ضاق الوقت وهو آخذ في الخروج صحت صلاته ).

لأنهما حقان مضيقان فيجب الجمع بينهما بحسب الإمكان. ولا يخفى أنّ الخروج من المكان المغصوب واجب مضيق ولا معصية فيه إذا خرج بما هو شرط في الخروج من السرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا ، إذ لا معصية بإيقاع المأمور به الذي لا نهي عنه. وذهب شاذ من الأصوليين إلى استصحاب حكم المعصية عليه. وهو غلط إذ لو كان كذلك لم يمكن الامتثال فيلزم التكليف بالمحال.

قوله : ( ولو حصل في ملك غيره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٠.

(٢) مجمع الفائدة ٢ : ١١٠.

٢١٩

عليه. فإن صلى والحال هذه كانت باطلة. ويصلي وهو خارج إن كان الوقت ضيّقا.

ولا يجوز أن يصلي وإلى جانبه امرأة تصلي أو أمامه ، سواء صلّت بصلاته أو كانت منفردة ، وسواء كانت محرما أو أجنبيّة ، وقيل : ذلك مكروه ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

عليه ، ويصلي وهو خارج إن كان الوقت ضيقا ).

إذا حصل إنسان في ملك غيره بإذنه على وجه يسوغ له الدخول في الصلاة ثم أمره بالخروج وجب عليه المبادرة إلى ذلك على الفور لمنع التصرف في مال الغير بغير إذنه فكيف مع تصريحه بما يقتضي النهي. ثم إن كان الوقت واسعا أخّر الصلاة إلى أن يخرج ، وإن تضيق الوقت خرج متشاغلا بالصلاة جمعا بين الحقين كما تقدم.

هذا إذا كان الأمر بالخروج قبل التلبس بالصلاة ، وإن كان بعده ففيه أوجه ، أظهرها القطع مع السعة والخروج متشاغلا مع الضيق.

وقوى الشهيد في الذكرى والبيان الإتمام مع الاستقرار ، تمسكا بمقتضى الاستصحاب ، وأن الصلاة على ما افتتحت عليه (١).

ويضعف بتوجه النهي المنافي للصحة ، وابتناء حق العباد على التضييق.

وفصّل الشارح ـ قدس‌سره ـ فأوجب الاستمرار مطلقا إن كانت الإذن صريحة ، والقطع مع السعة ، والخروج متشاغلا مع الضيق إن كانت مطلقة (٢). ويشكل بأن المفروض وقوع الإذن في الاستقرار بقدر الصلاة وإلا لم يكن الدخول فيها مشروعا.

قوله : ( ولا يجوز أن يصلي وإلى جانبه امرأة تصلي أو أمامه ، سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة ، وسواء كانت محرما أو أجنبية ، وقيل : ذلك مكروه ، وهو الأشبه ).

__________________

(١) الذكرى : ١٥٠ ، والبيان : ٦٤.

(٢) المسالك ١ : ٢٤.

٢٢٠