مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

والإقامة فصولها مثنى مثنى ، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرّتين ، ويسقط من التهليل في آخرها مرّة واحدة.

______________________________________________________

المعلوم له أنه لا يجزي ما دون الأربع (١) (٢).

وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب تربيع التكبير في آخر الأذان (٣). وهو شاذ مردود بما تلوناه من الأخبار.

فائدة :

يجوز في السفر وعند العذر نقص الأذان والإقامة بأفراد فصولهما ، لما رواه أبو عبيدة الحذاء في الصحيح ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت : لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا كنت مستعجلا » (٤) وما رواه بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة » (٥) وروى نعمان الرازي قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٦).

قوله : ( والإقامة فصولها مثنى مثنى ، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين ، ويسقط التهليل من آخره مرة واحدة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وعزاه في المعتبر إلى السبعة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦١.

(٢) في « م » ، « ح » زيادة : وهو بعيد جدا.

(٣) الخلاف ١ : ٩٠.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٦ ، الإستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢٢٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٨ ـ ١١٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٥.

٢٨١

والترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة.

______________________________________________________

وأتباعهم (١) ، واستدل عليه بما رواه صفوان بن مهران الجمّال قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى » (٢) وهي قاصرة عن إفادة المدعى لتضمنها تثنية التهليل في آخر الإقامة.

نعم يمكن الاستدلال عليه برواية إسماعيل الجعفي المتقدمة حيث قال فيها : « والإقامة سبعة عشر حرفا » (٣) فإن ذلك إنما ينطبق على هذا التفصيل.

وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب أنه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فيها : قد قامت الصلاة مرتين (٤) ، ويدل عليه روايتا أبي بكر الحضرمي ، وزرارة والفضيل المتقدمتان (٥).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة » (٦).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الإقامة مرة مرة إلاّ قوله : الله أكبر ، الله أكبر ، فإنه مرتان » (٧).

وأجاب عنهما في التهذيب بالحمل على حال التقية أو عند العجلة (٨) ، ولا بأس به.

قوله : ( والترتيب شرط في صحة الأذان والإقامة ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٣٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٦٢ ـ ٢١٧ ، الإستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٤ : ٦٤٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٤.

(٣) في ص ٢٧٩.

(٤) الخلاف ١ : ٩١.

(٥) في ص ٢٧٩ ، ٢٨٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٤ ، الإستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٤ : ٦٤٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٦١ ـ ٢١٥ ، الإستبصار ١ : ٣٠٧ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٤ : ٦٥٠ أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٣.

(٨) التهذيب ٢ : ٦٢.

٢٨٢

ويستحب فيهما سبعة أشياء : أن يكون مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

لا ريب في اشتراط الترتيب بينهما وبين فصولهما ، لأن الآتي بهما على خلاف‌ الترتيب لا يكون آتيا بالسنة ، لأنها عبادة متلقاة عن صاحب الشرع فيقتصر على صفتها المنقولة.

ويدل عليه أيضا ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من سها في الأذان فقدّم أو أخّر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره » (١).

ومعنى اشتراط الترتيب فيهما عدم اعتبارهما بدونه ، فلا يعتد بهما في الصلاة ، ويأثم بفعلهما أيضا كالصلاة من دون طهارة.

قوله : ( ويستحب فيهما سبعة أشياء : أن يكون مستقبل القبلة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام : « خير المجالس ما استقبل فيه القبلة » (٢) ويتأكد الاستقبال في الشهادتين والإقامة ، لقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : وقد سأله عن الرجل يؤذّن وهو يمشي : « نعم ، إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (٣) وفي رواية سليمان بن صالح : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٤).

ونقل عن السيد المرتضى أنه أوجب الاستقبال في الأذان والإقامة (٥). وهو ضعيف.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٥ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٥ ، الوسائل ٤ : ٦٦٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ١.

(٢) الشرائع ٤ : ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧٥ أبواب أحكام العشرة ب ٧٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٨ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ـ ١٩٦ ، الوسائل ٤ : ٦٣٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٦ ـ ٢١ ، التهذيب ٢ : ٥٦ ـ ١٩٧ ، الوسائل ٤ : ٦٣٦ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.

(٥) جمل العلم والعمل : ٥٨ قال : والأذان يجوز بغير وضوء ولا استقبال القبلة ولا يجوز ذلك في الإقامة. ولكن نقله عنه في الذكرى : ١٧٠.

٢٨٣

وأن يقف على أواخر الفصول ، ويتأنّى في الأذان ، ويحدر في الإقامة ،

______________________________________________________

ويكره الالتفات به يمينا وشمالا ، سواء كان على المنارة أم على الأرض. وقال بعض العامة : يستحب أن يدور بالأذان في المئذنة (١). ويرده ما رووه أن مؤذّني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يستقبلون القبلة (٢) ، والالتواء خروج عن القبلة.

قوله : ( وأن يقف على أواخر الفصول ).

استحباب الوقف على أواخر الفصول من الأذان والإقامة ثابت بإجماع الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في كتابه ، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الأذان والإقامة مجزومان » قال : وفي خبر آخر : موقوفان (٣). وفي رواية أخرى لخالد بن نجيح ، عن الصادق عليه‌السلام إنه قال : « التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف » (٤) وروى الشيخ في الحسن ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (٥).

قال جدي ـ قدس‌سره ـ : ولو أعربهما فعل مكروها وأجزأ ، وفي حكم الإعراب : الروم والإشمام والتضعيف (٦).

قوله : ( ويتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة ).

الحدر : الإسراع ، والمراد به تقصير الوقف لا تركه أصلا ، وقد ورد‌

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ١ : ٤٧٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ١ : ٤٧٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ٤ : ٦٣٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٤ ، ٥.

(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧١ ، التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٤ : ٦٣٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٨ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٤ ح ٢.

(٦) المسالك ١ : ٢٧ ، والروضة البهية ١ : ٢٤٧. والروم : حركة مختلسة مختفاة ، وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع ( الصحاح ٥ : ١٩٣٨ ).

٢٨٤

وأن لا يتكلم في خلالهما ،

______________________________________________________

بالحكمين روايات كثيرة ، منها : رواية زرارة السابقة ، ورواية الحسن بن السري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الأذان ترتيل والإقامة حدر » (١) وصحيحة معاوية بن وهب : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان فقال : « اجهر وارفع به صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك ، لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلاّ دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا » (٢).

قوله : ( ولا يتكلم في خلالهما ).

أما كراهة الكلام في أثناء الأذان فلما فيه من تفويت الإقبال المطلوب في العبادة.

وأما كراهته في أثناء الإقامة فلما رواه عمرو بن أبي نصر في الصحيح قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : « لا بأس » قلت : في الإقامة؟ قال : « لا » (٣) وإنما حملنا النهي في هذه الرواية على الكراهة ، لما رواه حماد بن عثمان في الصحيح : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة ، قال : « نعم » (٤).

وظاهر الشيخين في المقنعة والتهذيب المنع من الكلام في خلال الإقامة مع الاختيار مطلقا (٥) ، وهو ضعيف.

وتتأكد الكراهة بعد قول المقيم : قد قامت الصلاة ، وقال الثلاثة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٦ ـ ٢٦ ، التهذيب ٢ : ٦٥ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ٤ : ٦٥٣ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٥ أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٠٠ ـ ١١١٠ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الإستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٩.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٥ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ٥٥.

٢٨٥

ويفصل بينهما بركعتين أو سجدة ، إلا في المغرب ، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة ،

______________________________________________________

بتحريمه (١) ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله (٢).

قوله : ( ويفصل بينهما بركعتين أو سجدة ، إلا في المغرب ، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة ).

هذا التفصيل مشهور بين الأصحاب ، وعزاه في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه (٣).

أما استحباب الفصل بالركعتين فيدل عليه صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري قال ، سمعته يقول : « افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين » (٤).

وصحيحة أحمد بن محمد قال ، قال : « القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة تصلّيها » (٥).

وما رواه ابن أبي عمير في الصحيح ، عن أبي علي صاحب الأنماط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قال : « يؤذّن للظهر على ست ركعات ، ويؤذّن للعصر على ست ركعات بعد الظهر » (٦).

ويفهم من الروايتين الأوّلتين استحباب الفصل بينهما بالجلوس ، وعدم الفرق في ذلك بين صلاة المغرب وغيرها.

ويدل على استحباب الفصل بين أذان المغرب وإقامتها بالجلوس على‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٥ ، والسيد المرتضى نقله في المعتبر ٢ : ١٤٣ ، والشيخ في النهاية : ٦٦ ، والمبسوط ١ : ٩٩.

(٢) في ص ٨٤٣.

(٣) المعتبر ٢ : ١٤٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٧٧ ، الوسائل ٤ : ٦٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ ـ ٢٤ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٤ : ٦٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٦ ـ ١١٤٤ ، الوسائل ٤ : ٦٦٧ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٩ ح ٥.

٢٨٦

______________________________________________________

الخصوص ما رواه الشيخ عن إسحاق الجريري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال : « من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله » (١).

ويدل على استحباب الفصل بينهما في المغرب بالسكتة ما رواه سيف بن عميرة ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « بين كل أذانين قعدة إلاّ المغرب ، فإن بينهما نفسا » (٢) ولعل ذلك هو المراد بالسكتة.

وأما استحباب الفصل بينهما بالسجدة في غير المغرب ، والخطوة فيها ، فلم أجد به حديثا.

وروى عمار الساباطي في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا قمت إلى الصلاة الفريضة فأذّن وأقم ، وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو تسبيح » وقال : سألته كم الذي يجزي بين الأذان والإقامة من القول؟ قال : « الحمد لله » (٣).

وروى عبد الله بن مسكان في الصحيح ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أذّن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس (٤).

وروى جعفر بن محمد بن يقطين رفعه إليهم ، قال : « يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبي بارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرارا ومستقرا » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ ، المحاسن : ٥٠ ـ ٧٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٧ ، التهذيب ٢ : ٤٩ ـ ١٦٢ وفيه صدر الحديث ، والوسائل ٤ : ٦٣١ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٤ : ٦٣٢ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٤ : ٦٣٤ أبواب الأذان والإقامة ب ١٢ ح ١ ، وفيها وفي « س » : واجعل لي عند قبر.

٢٨٧

وأن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا :

______________________________________________________

ومعنى البارّ : المطيع والمحسن ، ومعنى كون الرزق دارّا : زيادته وتجدده شيئا فشيئا كما يدرّ اللبن.

والقرار والمستقر قيل : إنهما مترادفان (١). وقيل : المستقر في الدنيا ، والقرار في الآخرة (٢). كأنه يسأل أن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واختص الدنيا بالمستقر ، لقوله تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) (٣) والآخرة بالقرار ، لقوله تعالى ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ ) (٤).

قوله : ( وأن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا ).

المستند في ذلك الأخبار المستفيضة : كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا يجزيك من الأذان إلاّ ما أسمعت نفسك أو فهمته ، وأفصح بالألف والهاء ، وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره ، وكلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم » (٥).

ورواية محمد بن راشد ، قال : حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكى إلى الرضا عليه‌السلام سقمه وأنه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي. قال محمد بن راشد : وكنت دائم العلة ما أنفك منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن عيالي العلل (٦).

__________________

(١) كما في جمع الفائدة ٢ : ١٧٩.

(٢) كما في روض الجنان : ٢٤٥.

(٣) البقرة : ٣٦.

(٤) المؤمن : ٣٩.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦٤٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٣ ، الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٣ ، التهذيب ٢ : ٥٩ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ٤ : ٦٤١ أبواب الأذان والإقامة ب ١٨ ح ١.

٢٨٨

وكل ذلك يتأكد في الإقامة.

ويكره الترجيح في الأذان ، إلا أن يريد الإشعار.

______________________________________________________

قوله : ( ويتأكد ذلك في الإقامة ).

يستثنى من ذلك رفع الصوت فإنه غير مسنون في الإقامة.

قوله : ( ويكره الترجيع في الأذان ، إلا أن يريد الإشعار ).

اختلف الأصحاب (١) في حقيقة الترجيع ، فقال الشيخ في المبسوط : إنه تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان (٢). وقال الشهيد في الذكرى : إنه تكرار الفصل زيادة على الموظف (٣). وذكر جماعة من أهل اللغة : إنه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما (٤). وهو قول الشافعي (٥) فإنه استحب الترجيع بهذا المعنى تعويلا على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أبا محذورة بذلك (٦).

وردّ بما رواه العامة أيضا : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما خص أبا محذورة بالشهادتين سرّا ثم بالترجيع جهرا لأنه لم يكن مقرا بهما (٧).

واختلف الأصحاب أيضا في حكم الترجيع ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنه غير مسنون (٨). وقال ابن إدريس (٩) وابن حمزة (١٠) : إنه محرّم.

__________________

(١) في « س » ، « ح » : العلماء.

(٢) المبسوط ١ : ٩٥.

(٣) الذكرى : ١٦٩.

(٤) قاله ابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٠٢ ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ٣ : ٢٩ ، وصاحب أقرب الموارد ١ : ٣٩١.

(٥) كتاب الأم ١ : ٨٤.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٤ ـ ٧٠٨ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٤٥٠.

(٧) المغني والشرح الكبير ١ : ٤٥١.

(٨) المبسوط ١ : ٩٥ ، والخلاف ١ : ٩٥.

(٩) السرائر : ٤٣.

(١٠) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٢.

٢٨٩

وكذا يكره قول : الصلاة خير من النوم.

______________________________________________________

وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (١). وذهب آخرون إلى كراهته (٢). والمعتمد التحريم ، لأن الأذان سنة متلقاة من الشارع كسائر العبادات فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما كما تحرم زيادة : أن محمدا وآله خير البرية ، فإن ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنه ليس من فصول الأذان.

ولو دعت إلى الترجيع حاجة إشعار المصلّين. فقد نص الشيخ في المبسوط (٣) ، ومن تأخر عنه على جوازه ، واستدلوا عليه بما رواه عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لو أن مؤذّنا أعاد في الشهادة ، أو في حيّ على الصلاة ، أو حيّ على الفلاح المرتين والثلاث أو أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٤) وهي ضعيفة الإسناد ، لكن ظاهر العلاّمة في المختلف الاتفاق على العمل بمضمونها (٥) ، فإن تمّ فهو الحجة وإلاّ ثبت المنع بما ذكرناه آنفا من الدليل.

قوله : ( وكذا يكره قول : الصلاة خير من النوم ).

هذا هو المعبر عنه بالتثويب على ما نص عليه الشيخ في المبسوط (٦) ، وأكثر الأصحاب ، وصرح به جماعة من أهل اللغة منهم ابن الأثير في النهاية وقال : إنه إنما سمي تثويبا ، لأنه من ثاب يثوب إذا رجع ، فإن المؤذّن إذا قال : حيّ على الصلاة فقد دعاهم إليها ، فإذا قال بعدها : الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها (٧).

__________________

(١) النهاية : ٦٧.

(٢) المحقق الحلي في المعتبر ٢ : ١٤٣ ، والعلامة في القواعد ١ : ٣٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٤٦.

(٣) المبسوط ١ : ٩٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٤ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ـ ٢٢٥ ، الإستبصار ١ : ٣٠٩ ـ ١١٤٩ ، الوسائل ٤ : ٦٥٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٢٣ ح ١.

(٥) المختلف : ٨٩.

(٦) المبسوط ١ : ٩٥.

(٧) النهاية ١ : ٢٢٦.

٢٩٠

______________________________________________________

وقال الشيخ في النهاية : التثويب تكرير الشهادتين والتكبير (١). وقال ابن إدريس : التثويب تكرير الشهادتين دفعتين ، لأنه مأخوذ من ثاب : إذا رجع (٢). وفسره بعضهم بما يقال بين الأذان والإقامة من الحيعلتين مثنى في أذان الصبح (٣) (٤).

واختلف الأصحاب في حكم التثويب في الأذان الذي هو عبارة عن‌ قوله : الصلاة خير من النوم ، بعد اتفاقهم على إباحته للتقية ، فقال ابن إدريس (٥) وابن حمزة (٦) بالتحريم ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٧) سواء في ذلك أذان الصبح وغيره.

وقال الشيخ في المبسوط ، والمرتضى في الانتصار بكراهته (٨). وقال ابن الجنيد : إنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة (٩). وقال الجعفي : تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك : حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل : الصلاة خير من النوم مرتين ، وليستا من أصل الأذان (١٠). والمعتمد التحريم.

لنا : أن الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع فيقتصر في كيفيتها على المنقول ، والروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام خالية من هذا اللفظ ، فيكون الإتيان به تشريعا محرّما.

__________________

(١) النهاية : ٦٧.

(٢) السرائر : ٤٣.

(٣) نقله عن أبي حنيفة في المغني والشرح الكبير ١ : ٤٣٣.

(٤) في « ح » زيادة : والنزاع لفظي.

(٥) السرائر : ٤٤.

(٦) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٢.

(٧) النهاية : ٦٧.

(٨) المبسوط ١ : ٩٥ ، الانتصار : ٣٩.

(٩) نقله عنه في الذكرى : ١٦٩‌

(١٠) نقله عنه في الذكرى : ١٦٩ ، ١٧٥.

٢٩١

الرابع : في أحكام الأذان ، وفيه مسائل :

الأولى : من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه ، ويجوز البناء ، وكذا إن أغمي عليه.

______________________________________________________

وحكى المصنف في المعتبر أن في كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من أصحابنا ، قال : حدثني عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » وقال في آخره : لا إله إلاّ الله مرة ثم قال : « إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خير من النوم بعد حيّ على خير العمل ، وقل بعده : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، ولا تقل في الإقامة : الصلاة خير من النوم إنما هو في الأذان ». ثم نقل عن الشيخ في الإستبصار أنه حمل ذلك على التقية ، وقال : لست أرى هذا التأويل شيئا ، فإن في جملة الأذان : حيّ على خير العمل ، وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره ، لكن الأوجه أن يقال : فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (١).

ويمكن الجواب عنه بأنه ليس في الرواية تصريح بأنه يقول : حيّ على خير العمل جهرا ، فيحتمل أن يكون المراد أنه إذا قال ذلك سرّا يقول بعده : الصلاة خير من النوم ، لكن هذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب من تربيع التكبير في أول الأذان وتثنية التهليل في آخره. وكيف كان ، فالمذهب ترك التثويب مطلقا.

قوله : ( الرابع : في أحكام الأذان ، وفيه مسائل ، الأولى : من نام في خلال الأذان والإقامة ثم استيقظ استحب له استئناف ويجوز البناء ، وكذا إن أغمي عليه ).

إنما يجوز البناء مع عدم الإخلال بالموالاة : فإنها شرط في الأذان والإقامة ، إذ لم ينقل عنهم عليهم‌السلام الفصل بين فصولهما ، والعبادة سنة متلقاة من‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٤٥ ، الوسائل ٤ : ٦٤٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١٩.

٢٩٢

الثانية : إذا أذّن ثم ارتدّ جاز أن يعتدّ به ويقيم غيره ، ولو ارتدّ في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول.

الثالثة : يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه.

______________________________________________________

الشارع فيجب الاقتصار فيها على ما ورد به النقل

وقد يناقش في استحباب الاستئناف مع بقاء الموالاة ، لعدم الظفر بدليله. ولو طال النوم أو الإغماء فقد نص الشيخ (١) وأتباعه على أنه يجوز لغير ذلك المؤذّن البناء على ذلك الأذان ، لأنه تجوز صلاة واحدة بإمامين ففي الأذان أولى. وفيه إشكال ، منشؤه توقف ذلك على النقل ، ومنع الأولوية.

قوله : ( الثانية ، إذا أذّن ثم ارتد جاز أن يعتد به ويقيم غيره ).

الأولى قراءة الفعل هنا مبنيا للمجهول ، ويستفاد منه جواز اعتداده هو به بعد العود إلى الإسلام ، لاندراجه في الإطلاق. وإنما جاز الاعتداد به لاجتماع شرائط الصحة فيه حال فعله ، وكونه بالنسبة إلى ذلك من قبيل الأسباب التي لا تبطل بالردة وإن سلّم بطلان العبادات بها ، وفيه بحث ليس هذا محله.

قوله : ( ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط (٢) ، والأقرب البناء مع بقاء الموالاة ، لعد إبطال الردة ما مضى من الأذان كما لا تبطله كله.

قوله : ( الثالثة ، يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه ).

هذا مذهب العلماء كافة حكاه في المنتهى (٣) ، ويدل عليه روايات كثيرة : كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع المؤذّن قال مثل ما يقوله في كل شي‌ء » (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٩٦.

(٢) المبسوط ١ : ٩٦.

(٣) المنتهى ١ : ٢٦٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠٧ ـ ٢٩ ، الوسائل ٤ : ٦٧١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ١.

٢٩٣

______________________________________________________

وروى محمد بن مسلم أيضا في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال له : « يا محمد بن مسلم لا تدع ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجلّ وقل كما يقول » (١) قال ابن بابويه : وروي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه (٢).

وهنا فوائد :

الأولى : الحكاية لجميع ألفاظ الأذان حتى الحيّعلات ، كما تدل عليه هذه الروايات. وقال الشيخ في المبسوط : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تقول إذا قال : حيّ على الصلاة : لا حول ولا قوة إلاّ بالله » (٣) وهذه الرواية مجهولة الإسناد.

الثانية : قال الشيخ في المبسوط : من كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذّن ، وكذا لو كان يقرأ القرآن قطع وقال كقوله ، لأن الخبر على عمومه (٤).

ومقتضى كلامه أنه لا يستحب حكايته في الصلاة ، وبه قطع العلاّمة في التذكرة (٥) ، وكأنه لفقد العموم المتناول لحال الصلاة ، ولو حكاه لم يبطل صلاته إلا أن يحيعل.

الثالثة : لو فرغ من الصلاة ولم يحك الأذان فالظاهر سقوط الحكاية ، لفوات محلها وهو ما بعد الفصل بغير فصل أو معه. وقال العلاّمة في التذكرة : إنه يكون مخيرا بين الحكاية وعدمها (٦). وقال الشيخ في الخلاف : يؤتى به لا من حيث كونه أذانا ، بل من حيث كونه ذكرا (٧). وهما ضعيفان.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٢ ، علل الشرائع : ٢٨٤ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ٦٧١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٩ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ٤ : ٦٧٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩٧.

(٤) المبسوط ١ : ٩٧.

(٥) التذكرة ١ : ١٠٨.

(٦) التذكرة ١ : ١٠٨.

(٧) وجدناه في المبسوط ١ : ٩٧.

٢٩٤

الرابعة : إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ، كره الكلام كراهية مغلّظة ، إلا ما يتعلق بتدبير المصلّين.

______________________________________________________

الرابعة : إنما يستحب حكاية الأذان المشروع ، ومنه المقدّم قبل الفجر ، وأذان الجنب في المسجد وإن حرم السكون ، وكذا أذان من أخذ عليه أجرا ، لأن المحرّم أخذ الأجرة لا الأذان ، فلا يحكى أذان المجنون والكافر والمرأة إذا سمعها الأجنبي ، وأذان عصر الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة عند من حرّمه.

الخامسة : روى ابن بابويه في الصحيح ، عن الحارث بن المغيرة النضري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله ، اكتفى بهما عمن أبى وجحد ، وأعين بهما من أقرّ وشهد ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد وعدد من أقرّ وشهد » (١) وروى أيضا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك أن تتوب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ، وقال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا » (٢).

قوله : ( الرابعة ، إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، كره الكلام كراهة مغلّظة ، إلا ما يتعلق بتدبير المصلين ).

القول بالكراهة مذهب الأكثر وقال الشيخان في النهاية والمقنعة ، والسيد المرتضى في المصباح : إذا قال الإمام : قد قامت الصلاة حرم الكلام إلاّ ما يتعلق بالصلاة من تسوية صفّ أو تقديم إمام (٣). واستدلوا عليه بصحيحة ابن أبي عمير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة ، قال : « نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩١ ، الوسائل ٤ : ٦٧١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٧ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ٤ : ٦٦٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٣ ح ١.

(٣) المقنعة ١٥ ، النهاية : ٦٦ ، ونقله عن المصباح في المعتبر ٢ : ١٤٣.

٢٩٥

الخامسة : يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا وشمالا ، لكن يلزم سمت القبلة في أذانه.

______________________________________________________

المسجد إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان » (١) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلاّ في تقديم إمام » (٢) ونحوه روى سماعة في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

والوجه تنزيل هذه الأخبار على الكراهة ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل أيتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : « نعم » (٤) وعن الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا بأس أن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء » (٥).

ويستحب لمن تكلّم بعد الإقامة أن يستأنفها ، لما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٦).

قوله : ( الخامسة ، يكره للمؤذن أن يلتفت يمينا وشمالا ، لكن يلزم سمة القبلة في أذانه ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٨٩ ، الإستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٦ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ٤ : ٦٢٨ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠٢ ـ ١١١٧ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٥٤ ـ ١٨٧ ، الإستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٤ ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٩.

(٥) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٥ وفيه : عن الحسين بن شهاب ، السرائر : ٤٨٣ ، الوسائل ٤ : ٦٣٠ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٢ : ٥٥ ـ ١٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ ـ ١١١٢ وفيه : إذا أقمت للصلاة ، الوسائل ٤ : ٦٢٩ أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

٢٩٦

السادسة : إذا تشاحّ الناس في الأذان قدّم الأعلم ، ومع التساوي يقرع بينهم.

السابعة : إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا ، والأفضل إن كان الوقت متسعا أن يؤذن واحدا بعد واحد.

______________________________________________________

ردّ بذلك على الشافعي حيث استحب أن يلتفت عن يمينه عند قوله : حيّ على الصلاة ، وعن يساره عند قوله : حيّ على الفلاح (١) ، وعلى أبي حنيفة حيث استحب أن يدار بالأذان في المئذنة (٢).

قوله : ( السادسة ، إذا تشاحّ الناس في الأذان قدم الأعلم ، ومع التساوي يقرع بينهم ).

أي لو اجتمع اثنان فصاعدا كل منهم يريد الأذان قدّم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها الأوقات ، لأمن الغلط ، فإن تساووا في العلم أقرع بينهم. أما تقديم الأعلم فظاهر ، لأن الأعلمية صفة راجحة موجبة للتقديم ، وأما القرعة ، فلما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه » (٣) وهو دليل جواز الإسهام فيه. وقيل : إن القرعة إنما تثبت مع التساوي في الأوصاف المعتبرة في المؤذّن (٤). وهو أولى ، وعلى هذا فيقدم الجامع للصفات على فاقد بعضها ، وجامع الأكثر على جامع الأقل. وإنما يتحقق التشاح للارتزاق من بيت المال حيث لا يحتاج إلى التعدد ، وإلاّ أذّن الجميع.

قوله : ( السابعة ، إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا ، والأفضل إذا كان الوقت متسعا أن يؤذن واحدا بعد واحد ).

إذا اجتمع جماعة وأرادوا الأذان فقد قطع المصنف بأنه يجوز لهم أن يؤذّنوا‌

__________________

(١) نقله عنه في المهذب في فقه الإمام الشافعي ١ : ٥٧.

(٢) نقله عنه في بدائع الصنائع ١ : ١٤٩ ، والمغني والشرح الكبير ١ : ٤٧٢.

(٣) المبسوط ١ : ٩٨ ، مستدرك الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ٥.

(٤) كما في روض الجنان : ٢٤٦.

٢٩٧

______________________________________________________

دفعة واحدة ، ومترتبين بأن يبتدئ كل واحد منهم بعد فراغ الآخر ، وأن الأفضل الترتيب مع سعة الوقت ، لفوات الإقبال المطلوب في العبادة مع الاجتماع. والظاهر أن المراد بسعة الوقت هنا عدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الإمام ومن يعتاد حضوره من المأمومين لا اتساع وقت الإجزاء ، فإن تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف شرعا مستبعد جدا.

وقال الشيخ في الخلاف : لا ينبغي الزيادة على اثنين (١). واستدل بإجماع الفرقة على ما رووه من أن الأذان الثالث بدعة (٢). وقال ولده الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده : الزائد على اثنين بدعة بإجماع أصحابنا (٣). وقال الشيخ في المبسوط : يجوز أن يكون المؤذّنون اثنين اثنين إذا أذّنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد ، فأما إذا أذّن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون ولا مستحب (٤).

وفسر المصنف في المعتبر أذان الواحد بعد الآخر بأن يبني كل واحد على فصول الآخر (٥) ، وهو المعبر عنه بالتراسل. وفيه بعد ، فإن المتبادر من كلامه أن يقع مجموع الأذان الثاني بعد الأول. وعللت كراهته بأنه يتضمن تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب (٦) ، وهو حسن.

والمعتمد كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا ، لعدم ورود الشرع به ، وكذا أذان الواحد بعد الواحد في المحل الواحد. أما مع اختلاف المحل وسعة الوقت بالمعنى المتقدم فلا مانع منه ، بل الظاهر استحبابه ، لعموم الأدلة الدالة على مشروعية الأذان والترغيب فيه.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٩٥.

(٢) التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٧ ، الوسائل ٥ : ٨١ أبواب صلاة الجمعة ب ٤٩ ح ١.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٧٢.

(٤) المبسوط ١ : ٩٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١٣٣.

(٦) كما في التذكرة ١ : ١٠٧.

٢٩٨

الثامنة : إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذن منفردا.

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزئ به في الجماعة وإن كان ذلك المؤذن منفردا ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واحتجوا عليه بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ومن بعدهم ، وما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال : « قوموا » فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة قال : « يجزيكم أذان جاركم » (١) وعن أبي مريم الأنصاري ، قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له : عافاك الله صلّيت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فقال : « إن قميصي كثيف فهو يجزي أن يكون عليّ رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٢).

وفي طريق الروايتين ضعف (٣) ، لكن قال الشهيد في الذكرى : أنهما مؤيدتان بعمل السلف (٤). وفيه ما فيه.

ويمكن الاستدلال على ذلك أيضا بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه » (٥) فإنه يدل على الاجتزاء بسماع الأذان المتروك منه بعض الفصول مع الإتيان بالمتروك كما هو ظاهر.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٣) أما الأولى فلأن راويها لم يوثق ، وأما الثانية فلأن من جملة رجالها صالح بن عقبة والظاهر أنه صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان ونقل ابن داود في رجاله : ٢٥٠ عن ابن الغضائري أنه قال : ليس حديثه بشي‌ء كذاب غال كثير المناكير.

(٤) الذكرى : ١٧٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٤ : ٦٥٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ١.

٢٩٩

______________________________________________________

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في المؤذن بين كونه مؤذّن مصر أو مسجد أو منفردا. وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ باختصاص الحكم بمؤذّن الجماعة والمصر ، ومنع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه وهو ما عدا مؤذّن الجماعة والمصر ، وحمل قول المصنف : « وإن كان منفردا » على أنّ المراد بالمنفرد : المنفرد بصلاته لا بأذانه (١) ، وهو بعيد جدا.

وهنا مباحث :

الأول : الظاهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين الإمام والمنفرد وإن كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الإمام بسماع الأذان فالمنفرد أولى.

الثاني : يستفاد من الروايتين الأوّلتين الاجتزاء بالإقامة أيضا مع السماع ، لكن مقتضى رواية أبي مريم اشترط ذلك بعدم الكلام بعد سماع الإقامة. وهو حسن ، لأن الكلام من المقيم بعد الإقامة مقتض لإعادتها. وهذه الإقامة أضعف حكما فبطلانها بالكلام بعدها أولى.

الثالث : هل يستحب تكرار الأذان والإقامة للسامع؟ يحتمل ذلك خصوصا مع اتساع الوقت ، تمسكا بعموم ما دل على مشروعية الأذان ورجحانه ، وربما كان في صحيحة ابن سنان المتقدمة دلالة على ذلك ، حيث قال فيها : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه » (٢) فإن مقتضاه التخيير بين اجتزاء السامع به مع إتيانه بالمتروك ، وبين عدم اعتداده به وأذانه لنفسه ، وكيف كان فيجب أن يستثنى من ذلك : المؤذّن للجماعة ، والمقيم لهم ، فإنه لا يستحب معه الأذان والإقامة لهم قطعا ، لإطباق المسلمين كافة على تركه ، ولو كان مستحبا لما أطبقوا على الإعراض عنه.

الرابع : قال الشيخ في المبسوط : إذا أذّن في مسجد جماعة دفعة لصلاة‌

__________________

(١) المسالك : ٢٨.

(٢) في ص ٢٩٩.

٣٠٠