مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

والالتفات إلى ما وراءه ،

______________________________________________________

الرواية في الكراهة نظر ، مع أنّ رواية ابن مسلم المتضمنة للنهي خالية من ذلك.

وبالجملة فحمل النهي على الكراهة مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة وهي منتفية ، فإذن المعتمد التحريم دون الإبطال.

وينبغي قصر التحريم على وضع اليمين على الشمال لأنه مورد الخبر ، ولا يبعد اختصاصه بوضع الكف على ظهر الكف لأنه المتعارف.

وينتفي التحريم في حال التقية قطعا ، بل قد يجب. ولو خالف لم تبطل صلاته ، لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة بخلاف ما لو مسح رجليه في موضع يجب فيه الغسل فإن الظاهر بطلان الوضوء لتوجه النهي إلى جزء العبادة.

قوله : ( والالتفات إلى ما وراءه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما لو كان الالتفات بكل البدن أو بالوجه خاصة ، ولا ريب في بطلان الصلاة بذلك ، لفوات الشرط وهو الاستقبال ، ولحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا » (١)

ويستفاد من العبارة أن الالتفات إلى أحد الجانبين لا يبطل الصلاة ، ويشكل بإطلاق الرواية ، فإن الظاهر تحقق التفاحش بذلك.

وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين أنه كان يرى أن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٢.

٤٦١

والكلام بحرفين فصاعدا ،

______________________________________________________

الالتفات بالوجه يقطع الصلاة مطلقا (١) ، وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لذلك ، كحسنة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فإن الله تعالى يقول لنبيّه ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢) » (٣).

وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل البدن (٤) ، لما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله » (٥).

وقد يقال : إن هذا المفهوم مقيد بمنطوق قوله عليه‌السلام في رواية الحلبي : « أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا » (٦) فإن الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلى أحد الجانبين.

هذا كلّه مع العمد ، أما لو وقع سهوا ، فإن كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضر ، وإن بلغه وأتى بشي‌ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت وإلا فلا إعادة.

قوله : ( والكلام بحرفين فصاعدا ).

__________________

(١) الذكرى : ٢١٧.

(٢) البقرة : ١٤٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠٠ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ ـ ٧٨٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٧ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣.

(٤) الذكرى : ٢١٧.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٩ ـ ٧٨٠ ، الإستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٣.

(٦) تقدمت في ص ٤٦١.

٤٦٢

______________________________________________________

أجمع الأصحاب على بطلان الصلاة بتعمد الكلام بما ليس بقرآن ولا ذكر‌ ولا دعاء ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة. كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وإن تكلم فليعد صلاته » (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، حيث قال فيها : « فإن لم يقدر حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته » (٢).

وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد ، لأنه لا يسمى كلاما في العرف ، بل ولا في اللغة أيضا ، لاشتهار الكلام لغة في المركب من الحرفين كما ذكره الرضي رضي‌الله‌عنه ، وإن ذكر بعضهم أنه جنس لما يتكلم به ، سواء كان على حرف واحد أو أكثر (٣) ، لأن الإطلاق أعم من الحقيقة.

وفي الحرف المفهم وجهان. أظهرهما أنه مبطل ، لأنه يسمى كلاما لغة وعرفا.

ولا يلحق بالكلام إيماء الأخرس قطعا ، لأنه لا يسمى كلاما حقيقة ، وفيه وجه ضعيف بالبطلان ، لأنه كلام مثله.

وينبغي القطع بعدم بطلان الصلاة بالتنحنح مطلقا ، لأنه لا يسمى كلاما لغة ولا عرفا ، ولما رواه عمار الساباطي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو ، قال : « لا بأس به » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٥ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٣ ، الإستبصار ١ : ٤٠٣ ـ ١٥٣٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ ـ ٧٨٣ ، الإستبصار ١ : ٤٠٤ ـ ١٥٤١ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٦.

(٣) كما في الصحاح ٥ : ٢٠٢٣ ، والمعتبر ٢ : ٢٥٣.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٤.

٤٦٣

والقهقهة ،

______________________________________________________

هذا كله في العامد أما الناسي فلا تبطل صلاته إجماعا ، وفي المكره وجهان : أحوطهما الإعادة.

قوله : ( والقهقهة ).

القهقهة : هي الترجيع في الضحك ، أو شدة الضحك ، كذا في القاموس (١) ، وقال في الصحاح : القهقهة في الضحك معروف ، وهو أن يقول : قه قه (٢).

وقد أجمع العلماء كافة على أنّ تعمّد القهقهة مبطل للصلاة ، حكاه المصنف في المعتبر (٣) ، والعلامة في المنتهى (٤) ، وتدل عليه روايات كثيرة : كحسنة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (٥).

ورواية ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول : « التبسم في الصلاة لا يقطع الصلاة ولا ينقض الوضوء ، وإنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة » (٦) يريد بذلك قطع الصلاة دون الوضوء ، لأن القطع إنما يطلق على الصلاة ولم تجر العادة باستعماله في الوضوء.

وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الضحك ، هل يقطع الصلاة؟ قال : « أما التبسم فلا يقطع الصلاة ، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة » (٧) والمراد‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٢٩٣.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٤٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٥٤.

(٤) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ١٢ ـ ٢٤ ، الإستبصار ١ : ٨٦ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٧ ح ٢.

٤٦٤

وأن يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة ،

______________________________________________________

بالتبسم ما لا صوت فيه ، وهو غير مبطل للصلاة سواء وقع عمدا أو سهوا باتفاق العلماء ، حكاه في المنتهى أيضا (١). ولا ريب في كراهته لمنافاته الخشوع المطلوب في العبادة.

قوله : ( وأن يفعل فعلا كثيرا ليس من الصلاة ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير في الصلاة وبطلانها به إذا وقع عمدا ، حكاه في المنتهى (٢). واستدل عليه بأنه يخرج به عن كونه مصليا ، ثم قال : والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع. ولم يحد الشارع القلة والكثرة ، فالمرجع في ذلك إلى العادة ، وكل ما ثبت أن النبي والأئمة عليهم‌السلام فعلوه في الصلاة أو أمروا به فهو في حيز القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب ، وكما روى الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يحمل أمامة بنت أبي العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (٣). انتهى.

وقد ورد في أخبارنا استثناء قتل الحية والعقرب ، وحمل الصبي الصغير وإرضاعه (٤). وروى زكريا الأعور ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له ، فأراد أن يتناولها ، فانحط أبو الحسن عليه‌السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى صلاته (٥).

وروى الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة ، فقال : « إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٢) المنتهى ١ : ٣١٠.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٣٧٠.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٦٩ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ وص ١٢٧٤ ب ٢٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٣ ـ ١٠٧٩ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٦٩ ، الوسائل ٤ : ٧٠٤ أبواب القيام ب ١٢ ح ١.

٤٦٥

والبكاء لشي‌ء من أمور الدنيا ،

______________________________________________________

وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته » (١).

ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير ، لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٢) ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، وأن لا يفرق في بطلان الصلاة به بين العمد والسهو.

قوله : ( والبكاء لشي‌ء من أمور الدنيا ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٣) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب ، وظاهرهم أنه مجمع عليه.

واستدلوا عليه بأنه فعل خارج عن الصلاة فيكون قاطعا كالكلام. وهو قياس محض.

وبرواية النعمان بن عبد السلام ، عن أبي حنيفة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : « إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة » (٤). وهي ضعيفة السند باشتماله على عدة من الضعفاء ، فيشكل الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، ومن ثم توقف في هذا الحكم شيخنا المعاصر (٥) ، وهو في محله.

وينبغي أن يراد بالبكاء ما كان فيه انتخاب وصوت لا مجرد خروج‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٠ ـ ٧٨٣ ، الإستبصار ١ : ٤٠٤ ـ ١٥٤١ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٢ ح ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٥٥.

(٣) المبسوط ١ : ١١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٥ ، الإستبصار ١ : ٤٠٨ ـ ١٥٥٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٤.

(٥) مجمع الفائدة ٣ : ٧٣.

٤٦٦

والأكل والشرب على قول ،

______________________________________________________

الدمع ، اقتصارا على المتيقن (١).

هذا كله إذا كان البكاء لشي‌ء من أمور الدنيا كذلك ميت أو ذهاب مال ينتفع بهما في دنياه. أما البكاء خوفا من الله تعالى وخشية من عقابه فهو من أفضل الأعمال. فقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام في جملة وصيته له : « والرابعة ، كثرة البكاء لله يبني لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة » (٢).

وروى ابن بابويه ، عن منصور بن يونس بزرج : أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي ، قال : « قرة عين والله » وقال : « إذا كان ذلك فاذكرني عنده » (٣).

وروى أنه « ما من شي‌ء إلاّ وله كيل ووزن إلا البكاء من خشية الله عزّ وجلّ ، فإن القطرة منه تطفئ بحارا من النيران ، ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا ، وكل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين غضّت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة في سبيل الله » (٤).

قوله : ( والأكل والشرب على قول ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط والخلاف (٥) ، وادعى عليه الإجماع ، ومنعه المصنف في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك ، واستقرب عدم البطلان بهما إلاّ مع الكثرة كسائر الأفعال الخارجة عن الصلاة (٦). وهو حسن.

قال في المنتهى : ولو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم‌

__________________

(١) في « س » ، « ح » : على موضع الوفاق إن تمّ.

(٢) الكافي ٨ : ٧٩ ـ ٣٣ ، البحار ٧٤ : ٦٨ ـ ٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٤٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٥) المبسوط ١ : ١١٨ ، والخلاف ١ : ١٤٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٥٩.

٤٦٧

إلا في صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة ، لكن لا يستدبر القبلة ، وفي عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الكراهيّة.

______________________________________________________

تفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور تفسد ، لأنه يسمى أكلا. أما لو بقي بين أسنانه شي‌ء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا ، لأنه لا يمكن التحرز عنه (١).

قوله : ( إلا في صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو يريد الصوم في صبيحة تلك الليلة ، لكن لا يستدبر القبلة ).

المستند في هذا الاستثناء ما رواه الشيخ عن سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أصبح وأنا عطشان ، وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة ، قال : « تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود إلى الدعاء » (٢).

وهذا الاستثناء إنما يتم إذا قلنا أن المبطل من الأكل والشرب مسماهما كما ذكره الشيخ (٣) ، أو قلنا أن مطلق الشرب فعل كثير ، وعلى هذا فيقتصر فيه على مورد النص ، وإلا فلا استثناء ولا قصر ، وهذا هو الأظهر.

قوله : ( وفي عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الكراهة ).

عقص الشعر هو جمعه في وسط الرأس ( وضفره ) (٤) وليّه. والقول بتحريمه في الصلاة وبطلانها به للشيخ (٥) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ـ ١٣٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٣) الخلاف ١ : ١٤٧ ، والمبسوط ١ : ١١٨.

(٤) ليست في « س ».

(٥) النهاية : ٩٥ ، والخلاف ١ : ١٩٢ ، والمبسوط ١ : ١١٩.

٤٦٨

ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطي ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخّم ، وأن يبصق ، أو يفرقع أصابعه ،

______________________________________________________

واستدل عليه بإجماع الفرقة ، وبرواية مصادف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر ، قال : « يعيد صلاته » (١).

وهو استدلال ضعيف ، لمنع الإجماع وضعف الرواية. ومن ثم ذهب المصنف وأكثر الأصحاب إلى الكراهة ، وهو المعتمد. والحكم مختص بالرجل ، فلا كراهة ولا تحريم في حق المرأة إجماعا.

قوله : ( ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطيّ ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخم ، وأن يبصق ، أو يفرقع أصابعه ).

المستند في ذلك روايات كثيرة منها : ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ، ولا تحدث نفسك ، ولا تتثاءب ، ولا تمتخط (٢) ، ولا تكفّر ، فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم (٣) ، ولا تفرج كما يتفرج البعير ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك ، ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان في الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهن (٤) من خلال النفاق ، فإن الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني سكر النوم ، وقال للمنافقين : ( وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٩ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٠٨ أبواب لباس المصلي ب ٣٦ ح ١.

(٢) في المصدر : تتمطّ.

(٣) في « س » ، « ح » والمصدر زيادة : ولا تحتفز.

(٤) في المصدر : فإنها.

٤٦٩

أو يتأوّه ، أو يئنّ بحرف واحد ، أو يدافع البول أو الغائط أو الريح.

______________________________________________________

النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً ) (١) » (٢).

وروى محمد بن مسلم في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت : الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ قال : « لا » (٣).

قوله : ( أو يتأوه ، أو يئنّ بحرف واحد ).

الضابط في كراهة التأوه والأنين أن لا يظهر منهما ما يعد كلاما وإلا حرما وأبطلا الصلاة.

لكن يمكن المناقشة في الكراهة مع انتفاء الكلام ، لعدم الظفر بدليله.

واستحسن المصنف في المعتبر جواز التأوه بالحرفين للخوف من الله عند ذكر المخوفات. وهو حسن قال : وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم بذلك يؤذن بجوازه (٤).

قوله : ( أو يدافع البول أو الغائط أو الريح ).

لما في ذلك من سلب الخشوع والإقبال المطلوب في العبادة ، وتدل عليه أيضا صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في ثيابه » (٥).

قال في المنتهى : ولو صلى كذلك صحت صلاته إجماعا ، لأنه أتى بالمأمور‌

__________________

(١) النساء : ١٤٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٩ ـ ١ ، علل الشرائع : ٣٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٧ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ ـ ١٢٢٢ ، الإستبصار ١ : ٣٢٩ ـ ١٢٣٥ ، الوسائل ٤ : ٩٥٨ أبواب السجود ب ٧ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٥٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٣٣ ـ ١٣٧٢ ، المحاسن ١ : ٨٣ ـ ١٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢.

٤٧٠

وإن كان خفّه ضيّقا استحب له نزعه لصلاته.

مسائل أربع :

الأولى : إذا عطس الرجل في الصلاة يستحب له أن يحمد الله.

______________________________________________________

به فيكون خارجا عن عهدة الأمر (١) ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلي؟ قال ، فقال : « إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر » (٢).

ولو عرضت المدافعة في أثناء الصلاة فلا كراهة في الإتمام ، بل يجب الصبر.

قوله : ( وإن كان خفه ضيقا استحب له نزعه لصلاته ).

لما في لبسه حالة الصلاة من سلب الخشوع والمنع من التمكن في السجود.

قوله : ( مسائل أربع ، الأولى ، إذا عطس الرجل في الصلاة استحب له أن يحمد الله ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة. ويدل عليه مضافا إلى العمومات خصوص صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله » (٣).

ويستحب له الحمد إذا عطس غيره ، لرواية أبي بصير قال ، قلت له : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا في الصلاة؟

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ ـ ١٣٢٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٣ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٦ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٢.

٤٧١

وكذا إن عطس غيره يستحب له تسميته.

______________________________________________________

قال : « نعم ، وإن كان بينك وبين صاحبك اليم » (١).

فائدة : روى الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال : الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة » (٢).

قوله : ( وكذا إذا عطس غيره يستحب له تسميته ).

قال الجوهري : تسميت العاطس أن يقول له : يرحمك الله ، بالسين والشين جميعا. قال ثعلب : الاختيار بالسين لأنها مأخوذة من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد : الشين أعلى في كلامهم وأكثر (٣).

وقال في القاموس : إن التسميت بالسين والشين : الدعاء للعاطس (٤).

وإنما استحب التسميت في الصلاة لأنه دعاء وقد سبق جوازه في الصلاة (٥) ، ولأن الأمر بالتسميت مطلق فيتناول حالة الصلاة.

وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر لا ، لأنه لا يسمى تحية والأولى في كيفية الرد اعتماد ما رواه الكليني في الحسن ، عن سعد بن أبي خلف ، قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا عطس فقيل له : يرحمك الله ، قال : يغفر الله لكم ويرحمكم » وإذا عطس عنده إنسان قال : « يرحمك الله عزّ وجلّ » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٦ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٣٩ ـ ١٠٥٨ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٦٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٨ أبواب قواطع الصلاة ب ١٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٢ : ٦٥٧ ـ ٢٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٥ أبواب أحكام العشرة ب ٦٣ ح ٤.

(٣) الصحاح ١ : ٢٥٤ ونقله عن ثعلب وأبو عبيد.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١٥٦.

(٥) في ص ٤٦٣.

(٦) الكافي ٢ : ٦٥٥ ـ ١١ ، الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ١.

٤٧٢

الثانية : إذا سلّم عليه يجوز أن يردّ مثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم على رواية.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية ، إذا سلّم عليه يجوز أن يرد مثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم على رواية ).

رد السلام واجب على الكفاية في الصلاة وغيرها إجماعا ، حكاه في التذكرة (١). والأصل في قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٢). والتحية لغة : السلام ، على ما نصّ عليه أهل اللغة (٣) ودلّ عليه العرف.

ويدل على كون الوجوب كفائيا ـ مضافا إلى الإجماع ـ روايات ، منها : موثقة غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم » (٤).

ومرسلة عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم ، وإذا سلّم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يرد واحد منهم » (٥).

ويدل على وجوب الرد في الصلاة صريحا أخبار كثيرة ، كموثقة سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة ، قال : « يرد بقوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم السلام » (٦) وهذه هي الرواية التي أشار إليها المصنف رحمه‌الله.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٣١.

(٢) النساء : ٨٦.

(٣) منهم الفيومي في المصباح المنير : ١٦٠ ، وابن منظور في لسان العرب ١٢ : ٢٨٩.

(٤) الكافي ٢ : ٦٤٧ ـ ٣ ، الوسائل ٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٢ : ٦٤٧ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥٠ أبواب أحكام العشرة ب ٤٦ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٨ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.

٤٧٣

______________________________________________________

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك فقال : « السلام عليك » فقلت كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال : « نعم ، مثل ما قيل له » (١).

وموثقة عمار الساباطي : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن التسليم على المصلي ، فقال : « إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك » (٢).

وقد قطع الأصحاب بأنه يجب الرد في الصلاة بالمثل ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم المتقدمة : « نعم ، مثل ما قيل له » ولا يبعد جواز الرد بالأحسن أيضا ، لعموم الآية (٣) ، وعدم دلالة الرواية على الحصر.

وهل يجب على المجيب إسماع المسلّم تحقيقا أو تقديرا؟ قيل : نعم ، لعدم صدق التحية عرفا ولا الرد بدونه (٤). وقيل : لا (٥) ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٦) ، وقواه شيخنا المعاصر (٧) ، لرواية عمار المتقدمة ، ورواية منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سلم عليك رجل وأنت تصلي قال : ترد عليه خفيا كما قال » (٨) وفي الروايتين قصور من حيث السند فلا تعويل عليهما.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٩ ـ ١٣٤٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٠ ـ ١٠٦٤ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٤.

(٣) النساء : ٨٦.

(٤) كما في جامع المقاصد ١ : ١٢٨ ، والمسالك ١ : ٣٣.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٣ : ١١٩.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٦٤.

(٧) مجمع الفائدة ٣ : ١١٩.

(٨) الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٦٥ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ـ ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٣.

٤٧٤

______________________________________________________

ويتحقق الامتثال برد واحد ممن يجب عليه الرد.

وفي الاكتفاء برد الصبي المميز وجهان ، أظهرهما العدم وإن قلنا أن عبادته شرعية ، لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب. ولو كان المسلّم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وجهان ، أظهرهما ذلك تمسكا بظاهر الأمر.

وهل يجوز رد المصلي بعد قيام غيره بالواجب؟ قيل : نعم ، لإطلاق الأمر (١). وقيل : لا ، لتحقق الامتثال ، وعدم ثبوت استحباب الرد بعد سقوط الوجوب (٢).

ولو ترك المصلي الرد فهل تبطل صلاته؟ فيه احتمالات ثالثها : البطلان إن أتى بشي‌ء من الأذكار وقت توجه الخطاب بالرد ، لتحقق النهي عنه المقتضي للفساد ، وهو مبني على أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، وقد تقدم الكلام فيه مرارا.

ولا يجب رد غير السلام من الدعوات ، لعدم ثبوت إطلاق اسم التحية عليه ، وهو خيرة المعتبر ، لكنه قال ـ ونعم ما قال ـ نعم لو دعا له وكان مستحقا وقصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه ، لما ثبت من جواز الدعاء لنفسه ولغيره في أحوال الصلاة بالمباح (٣).

وذكر جمع من الأصحاب أنه لا يكره السلام على المصلي للعموم (٤). ويمكن القول بالكراهة لما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الإسناد عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « كنت أسمع أبي يقول : إذا دخلت المسجد والقوم يصلون فلا تسلّم عليهم وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل على‌

__________________

(١) كما في روض الجنان : ٣٣٩.

(٢) كما في مجمع الفائدة ٣ : ١١٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٦٤.

(٤) العلامة في المنتهى ١ : ٣١٤ ، والشهيد الأول في الذكرى : ٢١٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٣.

٤٧٥

الثالثة : يجوز أن يدعو بكلّ دعاء يتضمن تسبيحا أو تحميدا أو طلب شي‌ء مباح من أمور الدنيا والآخرة ، قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ، ولا يجوز أن يطلب شيئا محرّما ، ولو فعل بطلت صلاته.

______________________________________________________

صلاتك. وإذا دخلت على قوم جلوس وهم يتحدثون فسلّم عليهم » (١).

قوله : ( الثالثة ، يجوز أن يدعو بكل دعاء يتضمن تسبيحا أو تحميدا أو طلب شي‌ء مباح من أمور الدنيا والآخرة ، قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ).

هذا مذهب العلماء كافة. والأصل فيه : عموم قوله تعالى ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٢) وقوله عزّ وجلّ ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (٣).

وخصوص صحيحة علي بن مهزيار : إنه سأله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الفريضة بكل شي‌ء يناجي ربه؟ قال : « نعم » (٤).

وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد ـ وقد كانت ضلت ناقة لجمّالهم ـ : اللهم ردّ على فلان ناقته. قال محمد : فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته ، فقال : وفعل؟ فقلت : نعم ، قال : فسكت ، قلت : أفأعيد الصلاة؟ قال : « لا » (٥).

قوله : ( ولا يجوز أن يطلب شيئا محرما ).

لا ريب في ذلك ، والظاهر أنه مبطل للصلاة مع العلم والجهل ، لما بيناه‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٤٥ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٢ وفيه : إذا دخلت المسجد الحرام.

(٢) غافر : ٦٠.

(٣) الفرقان : ٧٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٢٦ ـ ١٣٣٧ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٢ أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٠ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ٤ : ٩٧٣ أبواب السجود ب ١٧ ح ١.

٤٧٦

الرابعة : يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فرار غريم ، أو تردّي طفل وما شابه ذلك. ولا يجوز قطع الصلاة اختيارا.

______________________________________________________

فيما سبق من أن الجهل ليس عذرا في الصحة والبطلان وإن أمكن كونه عذرا في الإثم والعقاب ، لاستحالة تكليف الغافل.

قوله : ( الرابعة ، يجوز للمصلي أن يقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردّي طفل وما شابه ذلك ، ولا يجوز قطع الصلاة اختيارا ).

أما أنه لا يجوز قطع الصلاة اختيارا فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه.

وأما جوازه للحاجة فتدل عليه روايات منها : رواية حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حيّة تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غريما لك واقتل الحيّة » (١).

ورواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام : إنه سأله عن الرجل يكون في الصلاة الفريضة قائما فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه ، قال : « يقطع صلاته ويحرز متاعه » (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحاجة بين المضر فوتها وغيرها.

وقال الشارح ـ قدس‌سره ـ : المراد بالجواز في عبارة المصنف هنا معناه الأعم المشترك بين ما عدا الحرام. فإنّ قطعها لحفظ الصبي المتردي إذا كان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٧ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ ـ ١٠٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٤ : ١٢٧١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٧ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤١ ـ ١٠٧١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ ـ ١٣٦٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٧٢ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٢.

٤٧٧

______________________________________________________

محترما واجب ، وكذا حفظ المال المضر فوته بحاله. وقطعها لإحراز المال اليسير الذي لا يضر فوته مباح ، ولإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته كالحبّة والحبّتين من الحنطة مكروه. وهذه الأقسام الثلاثة داخلة في العبارة من جهة الإطلاق. وقد يستحب القطع لأمور تقدم بعضها كناسي الأذان والإقامة ، فقطع الصلاة ينقسم إلى الأحكام الخمسة (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور ، لانتفاء الدليل عليه ، إلا أنه يمكن المصير إليه لما أشرنا إليه من انتفاء دليل التحريم.

وذكر الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى (٢) أنّ من أراد القطع في موضع جوازه يتحلل بالتسليم ، لعموم قوله عليه‌السلام : « وتحليلها التسليم » (٣) وفي السند والدلالة نظر.

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٣.

(٢) الذكرى : ٢١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٦٩ ـ ٢. الوسائل ٤ : ١٠٠٣ أبواب التسليم ب ١ ح ١.

٤٧٨

كتاب الصلاة

تعريف الصلاة............................................................. ٥

أهمية الصلاة............................................................... ٦

أعداد الصلاة

الصلوات المفروضة.......................................................... ٨

نوافل الصلوات............................................................. ٩

فوائد تتعلق بالنوافل

نوافل الظهر والعصر...................................................... ١٣

آداب نافلة المغرب........................................................ ١٤

آداب نافلة العشاء........................................................ ١٦

آداب صلاة الليل......................................................... ١٧

صلاة الغفيلة............................................................. ٢١

ما يترك لاجله النافلة...................................................... ٢٢

أفضل الرواتب........................................................... ٢٣

جواز الجلوس في النافلة.................................................... ٢٤

٤٧٩

سقوط النافلة في السفر سوى الأماكن الأربعة................................ ٢٦

النوافل ركعتان إلا الوتر................................................... ٢٨

مواقيت الصلاة

لكل صلاة وقتان......................................................... ٣٠

أول وقت الظهر.......................................................... ٣٢

اختصاص الظهر بأول الوقت............................................... ٣٥

آخر وقت الظهر.......................................................... ٣٨

أول وقت العصر......................................................... ٤٥

آخر وقت العصر......................................................... ٤٧

أول وقت المغرب وما يتحقق به الغروب..................................... ٤٩

أخر وقت المغرب......................................................... ٥٣

أول وقت العشاء......................................................... ٥٧

آخر وقت العشاء......................................................... ٥٩

وقت صلاة الصبح........................................................ ٦١

ما يعلم به الزوال......................................................... ٦٤

وقت نوافل الظهر والعصر................................................. ٦٨

جواز تقديم النوافل على الزوال يوم الجمعة................................... ٧٢

وقت نافلة المغرب......................................................... ٧٣

وقت نافلة العشاء......................................................... ٧٥

وقت صلاة الليل.......................................................... ٧٦

وقت نافلة الصبح......................................................... ٨٣

جواز قضاء الفرائض في كل وقت.......................................... ٨٧

وقت النوافل الغير الراتبة................................................... ٨٧

أحكام المواقيت

حكم من حصل له مانع من الصلاة كالجنون والحيض في الوقت................ ٩١

٤٨٠