مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وكذا المضطر إلى الصلاة ماشيا مع ضيق الوقت.

______________________________________________________

يستقبل القبلة بما أمكن من صلاته ، لقوله تعالى ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (١) وهو حسن.

وعلى هذا فيجب عليه أن يحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة مع المكنة. ولو حرفها عنها عامدا لغير ضرورة بطلت صلاته.

ولو تعذر عليه الاستقبال قيل : يجب عليه تحري الأقرب إلى جهة القبلة فالأقرب (٢) ، وكأن وجهه أنّ للقرب أثرا عند الشارع ، ولهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقيل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوى الجهات ، ولو قيل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات لتساويها في الاستدراك لو ظهر خطأ الاجتهاد ، ولقولهم عليهم‌السلام « ما بين المشرق والمغرب قبلة » (٣) كان قويا.

وقال العلامة في النهاية : ولو لم يتمكن من الاستقبال جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة ، لأن المصلي لا بد أن يستمر على جهة واحدة لئلا يتوزع فكره ، ولما كان الطريق في الغالب لا ينفك من معاطف يلقاها السالك يمنة ويسرة فيتبعه كيف كان للحاجة (٤). وهو حسن إلا أنّ وجهه لا يبلغ حد الوجوب.

قوله : ( وكذا المضطر إلى الصلاة ماشيا مع ضيق الوقت ).

أي تجوز له الصلاة ماشيا ويستقبل القبلة بما أمكنه من صلاته ويسقط مع العجز. أما جواز الصلاة ماشيا فلقوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٥) ويؤيده صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) البقرة : ١٥٠.

(٢) كما في الذكرى : ١٦٨.

(٣) المتقدم في ص ١٣٦.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ٤٠٥.

(٥) البقرة : ٢٣٩.

١٤١

ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

عليه‌السلام عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلي؟ قال : « يكبر ويومئ برأسه » (١).

وإطلاق الآية والخبر وكلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين سعة الوقت وضيقه ، إلا أنّ المصنف اعتبر الضيق ، وهو أحوط.

وأما وجوب الاستقبال مع المكنة فلقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢).

وأما السقوط مع العجز فظاهر لسقوط التكليف معه ، ولو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار احتمل التخيير لظاهر قوله تعالى : ( فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) وترجيح المشي لحصول ركن القيام ، وترجيح الركوب لأن الراكب مستقر بالذات وإن تحرك بالعرض بخلاف الماشي. والأجود تقديم أكثرهما استيفاء للأفعال ، ومع التساوي فالتخيير.

قوله : ( ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل نعم وقيل لا ، وهو الأشبه ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، واحتجوا عليه بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدمة (٣) ، قال الشارح قدس‌سره : وهي عامة ، ووجه عمومها الاستثناء المذكور (٤). وفيه إنّ هذا العموم إنما هو في الفاعل خاصة ، أما الدابة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٩.

(٢) البقرة : ١٥٠.

(٣) في ص ١٣٩.

(٤) المسالك ١ : ٢٣.

١٤٢

______________________________________________________

فمطلقة ، ولا يبعد حملها على ما هو الغالب ، أعني التي لا يتمكن عليها من استيفاء الأفعال.

واحتج عليه فخر المحققين (١) أيضا بقوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ) (٢) قال : والمراد بالمحافظة عليها المداومة وحفظها من المفسدات والمبطلات ، وإنما يتحقق ذلك في مكان اتخذ للقرار عادة ، فإن غيره كظهر الدابة في معرض الزوال ، وبقوله عليه‌السلام : « جعلت لي الأرض مسجدا » (٣) أي مصلى ، فلا يصح إلا فيما في معناها ، وإنما عدّيناه إليه بالإجماع ، وغيره لم يثبت.

وضعف الاستدلالين ظاهر ، والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية (٤) ، إذ المفروض التمكن من استيفاء الأفعال والأمن من زواله عادة في ثاني الحال. وقريب من ذلك الكلام في الأرجوحة المعلقة في الحبال ونحوها.

ويشهد للجواز أيضا صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ قال : « إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس » (٥).

واعلم أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ لم يتعرض في هذا الكتاب لحكم الصلاة في السفينة ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فذهب ابن بابويه (٦) وابن حمزة (٧) ـ على ما نقل عنهما ـ إلى جواز الصلاة فيها فرضا ونفلا مختارا ، وهو‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٧٩.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٤ ، الوسائل ٣ : ٥٩٣ أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٨.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ٤٠٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٣ ـ ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ٨٦ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب مكان المصلي ب ٣٥ ح ١.

(٦) المقنع : ٣٧.

(٧) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٨.

١٤٣

______________________________________________________

ظاهر اختيار العلامة ـ رحمه‌الله ـ في أكثر كتبه (١).

ونقل عن أبي الصلاح (٢) وابن إدريس (٣) : أنهما منعا من الصلاة فيها إلا لضرورة ، واستقربه الشهيد في الذكرى (٤).

وحكي عن كثير من الأصحاب : أنهم نصوا على الجواز إلا أنهم لم يصرحوا بكونه على وجه الاختيار (٥).

والمعتمد الأول تمسكا بمقتضى الأخبار الصحيحة الدالة عليه ، كصحيحة جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه قال له أكون في سفينة قريبة من الجد (٦) ، فأخرج وأصلي؟ قال : « صلّ فيها ، أما ترضى بصلاة نوح عليه‌السلام » (٧).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة الفريضة في السفينة وهو يجد الأرض يخرج إليها غير أنه يخاف السبع واللصوص ويكون معه قوم لا يجتمع رأيهم على الخروج ولا يطيعونه ، وهل يضع وجهه إذا صلى أو يومئ إيماء؟ أو قاعدا أو قائما؟ فقال : « إن استطاع أن يصلي قائما فهو أفضل ، فإن لم يستطع صلى جالسا » وقال : « لا عليه أن لا يخرج ، فإنّ أبي سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال : أترغب عن صلاة نوح؟! » (٨).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٦ ، والمنتهى ١ : ٤٠٧ ، والتذكرة ١ : ١٠٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٧.

(٣) السرائر : ٧٥.

(٤) الذكرى : ١٦٨.

(٥) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٠٧ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٨٣.

(٦) الجدّ بالضم : شاطئ النهر ـ النهاية لابن الأثير ١ : ٢٤٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٩١ ـ ١٣٢٣ ، الوسائل ٣ : ٢٣٣ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٩٥ ـ ٨٩٣ ، الوسائل ٤ : ٧٠٥ أبواب القيام ب ١٤ ح ٤.

١٤٤

______________________________________________________

الصلاة في السفينة فقال : « تستقبل القبلة بوجهك ثم تصلي كيف دارت ، تصلي قائما ، فإن لم تستطع فجالسا ، يجمع الصلاة فيها إن أراد ، ويصلي على القير والقفر ويسجد عليه » (١).

وحسنة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه سئل عن الصلاة في السفينة فقال : « يستقبل القبلة ، فإذا دارت فاستطاع أن يتوجه إلى القبلة فليفعل ، وإلا فليصلّ حيث توجهت به ، قال : فإن أمكنه القيام فليصلّ قائما ، وإلا فليقعد ثم يصلي » (٢).

احتج المانعون (٣) بأن القرار ركن في القيام (٤) وحركة السفينة تمنع من ذلك ، وبأن الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة فلا يصار إليها إلا لضرورة.

وبما رواه الشيخ عن حماد بن عيسى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول : « إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد (٥) فاخرجوا ، فإن لم تقدروا فصلوا قياما ، فإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة » (٦).

وعن علي بن إبراهيم ، قال : سألته عن الصلاة في السفينة ، قال : « يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٥ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٤ : ٧٠٦ أبواب القيام ب ١٤ ح ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٩٧ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ٣ : ٢٣٥ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٣.

(٣) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ١٦٨.

(٤) في « ح » : المقام.

(٥) الجدد : الأرض الصلبة ـ الصحاح ٢ : ٤٥٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٤١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٧٠ ـ ٣٧٤ ، الإستبصار ١ : ٤٥٤ ـ ١٧٦١ ، الوسائل ٣ : ٢٣٥ أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٤.

(٧) التهذيب ٣ : ١٧٠ ـ ٣٧٥ ، الإستبصار ١ : ٤٥٥ ـ ١٧٦٢ ، الوسائل ٣ : ٢٣٤ أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.

١٤٥

الثالث : ما يستقبل له ، ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان ، وعند الذبح ، وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه.

وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ويجوز أن يصلي على الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلى غير القبلة على كراهة ، متأكدة في الحضر.

______________________________________________________

وأجيب عن الأول بأن الحركة بالنسبة إلى المصلي عرضية لأنه ساكن (١).

ويمكن الجواب عنه أيضا بأن ذلك مغتفر بالنص ، وهو الجواب عن الثاني.

وعن الروايتين بعد سلامة السند بحمل الأمر في الأولى على الاستحباب ، والنهي في الثانية على الكراهة جمعا بين الأدلة.

قوله : ( الثالث ، فيما يستقبل له : ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان ، وعند الذبح ، وبالميت عند احتضاره ودفنه والصلاة عليه ).

وجوب الاستقبال في هذه المواضع قد علم بعضه فيما سبق ، وسيجي‌ء الباقي في محله إن شاء الله تعالى.

واعلم أنّ الاستقبال يتصف بالأحكام الأربعة ، فيجب في هذه المواضع ، ويحرم في حالة التخلي عند الأكثر ، ويكره في حالة الجماع ، ويستحب فيما عدا ذلك ، ولا تكاد تتحقق فيه الإباحة بالمعنى الأخص.

قوله : ( وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ويجوز أن يصلي على الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلى غير القبلة على كراهة ، متأكدة في الحضر ).

أما أفضلية الاستقبال بالنوافل فموضع وفاق.

__________________

(١) نقله عن الفاضل في الذكرى : ١٦٨.

١٤٦

______________________________________________________

ويدل عليه التأسي ، وعموم قولهم عليهم‌السلام : « أفضل المجالس ما استقبل به القبلة » (١).

ويستفاد من حكمه بأفضلية الاستقبال بالنوافل وإطلاق كراهتها إلى غير القبلة في الحضر : جواز فعلها إلى غير القبلة وإن كان المصلي مستقرا على الأرض. وهو بعيد جدا ، لأن العبادات متلقاة من الشارع ولم ينقل فعل النافلة إلى غير القبلة مع الاستقرار فيكون فعلها كذلك تشريعا محرما.

وأما جواز صلاة النافلة على الراحلة سفرا فقال في المعتبر : إنه اتفاق علمائنا ، طويلا كان السفر أو قصيرا (٢).

وأما الجواز في الحضر فقد نصّ عليه الشيخ في المبسوط والخلاف (٣) ، ومنعه ابن أبي عقيل (٤).

والأصح جواز التنفل للماشي والراكب حضرا وسفرا مع الضرورة والاختيار ، للأخبار المستفيضة الدالة عليه ، كصحيحة الحلبي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال : « نعم حيث كان متوجها ، وكذلك فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥).

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كان أبي يدعو بالطهور في السفر وهو في محمله فيؤتى بالتور فيه الماء‌

__________________

(١) الشرائع ٤ : ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧٥ أبواب أحكام العشرة ب ٧٦ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٥.

(٣) المبسوط ١ : ٨٠ ، والخلاف ١ : ٩٩.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٧٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٠ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٨ ـ ٥٨١ ، الوسائل ٣ : ٢٤٠ أبواب القبلة ب ١٥ ح ٦.

١٤٧

______________________________________________________

فيتوضأ ثم يصلي الثماني والوتر في محمله ، فإذا نزل صلى الركعتين والصبح » (١).

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : « أوم إيماء ، واجعل السجود أخفض من الركوع » (٢).

وصحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار قال : « لا بأس » (٣).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به ، قال : « نعم » (٤).

ويستحب الاستقبال بتكبيرة الإحرام خاصة ، لصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل ، قال : « إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك » (٥).

وقطع ابن إدريس بوجوب الاستقبال بالتكبير ، ونقله عن جماعة من الأصحاب إلا من شذ (٦). ويدفعه إطلاق الأخبار المتقدمة.

ويكفي في الركوع والسجود الإيماء ، وليكن السجود أخفض من الركوع. ولا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، لقوله‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٢٤١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ٣ : ٢٤٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٩ ، الوسائل ٣ : ٢٤٠ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٤٤٠ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ٢٨٥ ـ ١٢٩٨ ، وفيهما : عن أبي عبد الله ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩١ ، الوسائل ٣ : ٢٣٩ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٣ ـ ٦٠٦ ، الوسائل ٣ : ٢٤١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٣.

(٦) السرائر : ٧٥.

١٤٨

ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه ، كصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردّية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة.

الرابع : في أحكام الخلل ، وهي مسائل :

الأولى : الأعمى يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل‌

______________________________________________________

عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء » (١).

ولو ركع الماشي وسجد مع الإمكان كان أولى لصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي ، يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى » (٢).

والأفضل الصلاة مع الاستقرار ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال : « إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم ، وإلاّ فإن صلاتك على الأرض أحب إلى » (٣).

قوله : ( ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه ، كصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة ).

هذا الحكم ثابت بإجماع العلماء ، والأخبار به مستفيضة ، وسيجي‌ء تحقيقه في محله إن شاء الله.

قوله : ( الرابع ، في أحكام الخلل وهي مسائل ، الأولى : الأعمى‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٣٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ٣ : ٢٤٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٢ ـ ٦٠٥ ، الوسائل ٣ : ٢٤١ أبواب القبلة ب ١٥ ح ١٢.

١٤٩

على رأيه مع وجود المبصر لأمارة وجدها وإلا فعليه الإعادة.

الثانية : إذا صلى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثم تبيّن‌

______________________________________________________

يرجع إلى غيره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل على رأيه مع وجود المبصر لأمارة وجدها صح ، وإلا فعليه الإعادة ).

جواب الشرط محذوف يدل عليه ما بعده ، أي : فإن عوّل على رأيه مع وجود المبصر لأمارة وجدها فلا إعادة عليه ، وإن لم يكن لأمارة بل اقتراحا فعليه الإعادة. والمراد بالأمارة نحو محراب المسجد وعلامة القبر. وإنما يتم الحكم بعدم الإعادة مع التعويل على الإمارة إذا كانت أقوى من إخبار الغير أو مساوية له ، وإلا وجبت الإعادة كما لو لم يكن لأمارة ، إذ الواجب مع تعذر العلم التعويل على أقوى الظنين وقد بينا ذلك فيما سبق.

وإطلاق العبارة يقتضي أنه لا إعادة على الأعمى مع التعويل على الأمارة مطلقا وإن تبين الخطأ ، فيكون التفصيل الآتي مخصوصا بغير الأعمى.

ويشكل بعموم الأخبار المتضمنة للإعادة مع الخطأ (١) المتناول للأعمى وغيره ، وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعمى صلى على غير القبلة فقال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعد » (٢).

ويمكن حمل النفي المدلول عليه بالسياق في العبارة على نفي الإعادة مطلقا أي في جميع الأحوال بقرينة أنّ الإعادة في الصورة الثانية ـ وهي ما إذا عول على رأيه من دون أمارة ـ ثابتة على كل حال وإن ظهرت المطابقة ، لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه ، وحينئذ فلا ينافيه ثبوت الإعادة في الصورة الأولى على بعض الوجوه.

قوله : ( الثانية : إذا صلى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١١.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٩ ـ ٨٤٤ ، الوسائل ٣ : ٢٣١ أبواب القبلة ب ١١ ح ٨.

١٥٠

خطأه ، فإن كان منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية ، وإلا أعاد في الوقت ، وقيل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ثم تبيّن خطأه ، فإن كان منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية ، وإلاّ أعاد في الوقت ، وقيل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر ).

من صلى إلى جهة ظانا أنها القبلة ، أو لضيق الوقت عن الصلاة إلى الجهات الأربع ، أو لاختيار المكلف لها إن قلنا بتخيير المتحيّر ، ثم تبين الخطأ بعد فراغه من الصلاة ، فإن كان منحرفا يسيرا بأن كانت صلاته بين المشرق والمغرب فالصلاة ماضية ، ولا يجب عليه الإعادة بإجماع العلماء ، حكى ذلك جماعة منهم المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى (١) ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا قال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » (٢).

ولو بان أنه صلى إلى المشرق أو المغرب أعاد في الوقت دون خارجه ، وهو إجماعي أيضا.

أما الإعادة في الوقت فلأنه أخلّ بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتيان به على شرطه ممكن فيجب (٣).

وأما سقوط القضاء فلأنه فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وتدل عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٢ ، والمنتهى ١ : ٢٢٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٩ ـ ٨٤٦ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٧ ، الإستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠ ح ١.

(٣) في « ح » زيادة : كما لو أخلّ بطهارة الثوب.

١٥١

______________________________________________________

وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد » (١).

وصحيحة سليمان بن خالد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم تصحي فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ فقال : « إن كان في وقت فليعد صلاته ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده » (٢).

ولا ينافي ذلك ما رواه معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل في صلاة أخرى ، قال : « يعيدها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها » (٣). لأنا نجيب عنه أولا بالطعن في السند فإن في طريقها الطاطري ، وقال النجاشي إنه كان واقفيا شديد العناد (٤).

وثانيا بإمكان الحمل على من صلى إلى جهة واحدة مع سعة الوقت وعدم أمارة تدل على الجهة التي استقبلها.

وإن تبين أنه استدبر القبلة فقال الشيخان : يعيد لو كان الوقت باقيا ، ويقضي لو كان خارجا (٥). وقال المرتضى : لا يقضي لو علم بعد خروج الوقت (٦). وهو الأصح عملا بمقتضى الأصل وإطلاق الروايات المتقدمة.

احتج الشيخ (٧) بما رواه عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٤ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ١٥١ ، الإستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٩ ، التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ١٥٢ ، الإستبصار ١ : ٢٩٦ ـ ١٠٩١ ، الوسائل ٣ : ٢٣٠ أبواب القبلة ب ١١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٤٦ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ٩ ح ٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٩.

(٥) المفيد في المقنعة : ١٤ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٨٠.

(٦) جمل العلم والعمل : ٥٣.

(٧) الاستبصار ١ : ٢٩٨ ، والخلاف ١ : ١٠١.

١٥٢

فأما إن تبيّن الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف على كل حال ، إلا أن يكون منحرفا يسيرا فإنه يستقيم ولا إعادة.

______________________________________________________

في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : « إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه حين يعلم ، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة » (١).

والجواب أولا بالطعن في السند باشتماله على جماعة من الفطحية.

وثانيا بالمنع من الدلالة على موضع النزاع فإن مقتضى الرواية أنه علم وهو في الصلاة ، وهو دال على بقاء الوقت ونحن نقول بموجبه ، إذ النزاع إنما هو فيما إذا علم بعد خروجه.

وهل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام ، قيل : نعم (٢) ، وبه قطع الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في بعض كتبه (٣) ، لعموم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (٤) ، ولشمول خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٥) له ـ وقيل : لا (٦) ، لأن خطأه مستند إلى تقصيره بخلاف الظان. وكذا الكلام في جاهل الحكم.

والأقرب الإعادة في الوقت خاصة ، لإخلاله بشرط الواجب ، دون القضاء ، لأنه فرض مستأنف.

قوله : ( فأما إن تبين الخلل وهو في الصلاة فإنه يستأنف على كل حال ، إلا أن يكون منحرفا يسيرا فإنه يستقيم ولا إعادة ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٥ ـ ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٩ و ١٤٢ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٢٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٤.

(٢) صرح به في المقنعة : ١٤.

(٣) النهاية : ٦٤.

(٤) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ ـ ٩ ، الوسائل ١١ : ٢٩٥ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٥٦ ح ١.

(٥) المتقدم في ص ١٥١.

(٦) كما في المختلف : ٧٩.

١٥٣

الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى ، فإن تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد ، وإلا بنى على الأول.

______________________________________________________

أما أنه يستقيم مع الانحراف اليسير فلقولهم عليهم‌السلام : « ما بين‌ المشرق والمغرب قبلة » (١) وهو إجماع.

وأما الاستئناف فيما عدا ذلك فلإخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته ، والإتيان به ممكن فيجب ، ولأنه إذا تبين الخلل على هذا الوجه بعد الفراغ استأنف فكذا إذا علم في الأثناء ، لأن ما يفسد الكل يفسد الجزء. وتؤيده رواية القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة ، قال : « يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها » (٢).

فرع : لو تبين في أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ينحرف ولا إعادة ، وهو اختيار الشهيدين قدس‌سرهما (٣) ، لا لما ذكراه من استلزام القضاء المنفي ، لانتفاء الدلالة على بطلان اللازم ، بل لأنه دخل دخولا مشروعا ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، والإعادة إنما تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت على ما هو منطوق روايتي عبد الرحمن وسليمان بن خالد (٤).

قوله : ( الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى ، فإن تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد ، وإلا بنى على الأول ).

خالف في ذلك الشيخ في المبسوط (٥) ، فأوجب التجديد دائما لكل صلاة ما لم تحضره الأمارات (٦) لأن الاجتهاد الثاني إن خالف الأول وجب المصير إليه ،

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ١٥٨ ، الإستبصار ١ : ٢٩٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ٣ : ٢٢٨ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٣.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ١٦٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٣.

(٤) المتقدمتان في ص ١٥١ ، ١٥٢.

(٥) المبسوط ١ : ٨١.

(٦) في « م » زيادة : للسعي في إصابة الحق و.

١٥٤

______________________________________________________

لأن تغير الاجتهاد لا يكون إلاّ لأمارة أقوى من الأولى ، وأقوى الظنين أقرب إلى اليقين ، وإن وافقه تأكد الظن. وهو جيد إن احتمل تغير الأمارات.

وموضع الخلاف تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى سواء كان وقت الثانية قد دخل وقت الاجتهاد للأولى كما يتفق في الظهرين أم لا ، فلو قال : ولا يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة كما صنع غيره لكان أشمل.

فروع :

الأول : لو تغير اجتهاد المجتهد في أثناء الصلاة انحرف وبنى إن كان لا يبلغ موضع الإعادة وإلاّ أعاد. ولو تغير اجتهاده بعد الصلاة لم يعد ما صلاة إلا مع تيقن الخطأ ، قال في المنتهى : ولا نعلم فيه خلافا (١).

الثاني : لو خالف المجتهد اجتهاده وصلى فصادف القبلة لم تصح صلاته ، لعدم إتيانه بالمأمور به. وقال الشيخ في المبسوط بالإجزاء (٢) ، لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة وقد أتى به. وهو ممنوع ، إذ المعتبر البناء على اجتهاده ولم يفعل فيبقى في عهدة التكليف.

الثالث : لو قلد مجتهدا فأخبره بالخطإ استدار إن كان توجهه إلى ما بين المشرق والمغرب ، وإلا استأنف. ولو صلى بقول واحد فأخبره آخر بخلافه فإن تساويا عدالة مضى في صلاته ، وإلا عمل بأعدلهما.

الرابع : لو اختلف المجتهدون لم يأتم بعضهم ببعض عند الشيخ (٣) والمصنف (٤) وأكثر الأصحاب ، لأن كل واحد يعتقد خطأ الآخر. واحتمل العلامة في التذكرة الصحة (٥) ، لأن فرض كل منهم التعبد بظنه فكانوا‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢٠.

(٢) نقله عنه في التذكرة ١ : ١٠١.

(٣) المبسوط ١ : ٧٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٢.

(٥) التذكرة ١ : ١٠٢.

١٥٥

______________________________________________________

كالقائمين حول الكعبة يستقبل كل واحد منهم جهة غير جهة الآخر مع صحة صلاة الجميع جماعة.

وربما فرّق بينهما بتعدد الجهة في المصلين حول الكعبة ، بخلاف المجتهدين ، للقطع بخطإ أحدهم.

ويمكن دفعه بأن الخطأ إنما هو في مصادفة الصلاة لجهة الكعبة لا للجهة التي يجب استقبالها ، للقطع بأن فرض كل منهم استقبال ما أدى إليه الاجتهاد وإن كانت خلاف جهة الكعبة.

١٥٦

المقدمة الرابعة

في لباس المصلي ،

وفيه مسائل :

الأولى : لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه ، سواء دبغ أو لم يدبغ.

______________________________________________________

قوله : ( الأولى لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو كان مما يؤكل لحمه ، سواء دبغ أو لم يدبغ ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروى الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الميتة ، قال : « لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع » (١).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : « لا ولو دبغ سبعين مرة » (٢).

وعن علي بن المغيرة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال : « لا » (٣).

وذكر جمع من الأصحاب : أنّ الصلاة كما تبطل في الجلد مع العلم بكونه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٧٩٣ ، الوسائل ٣ : ٢٤٩ أبواب لباس المصلي ب ١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٠ ـ ٧٥٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٧٩٤ ، الوسائل ٣ : ٢٤٩ أبواب لباس المصلي ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٨ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ ـ ٧٩٩ ، الوسائل ٢ : ١٠٨٠ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٢.

١٥٧

______________________________________________________

ميتة أو في يد كافر كذا تبطل مع الشك في تذكيته ، لأصالة عدم التذكية. وقد بينا فيما سبق (١) أن أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم ، لأن ما ثبت جاز أن يدوم وجاز أن لا يدوم ، فلا بد لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت.

وبالجملة فالفارق بين الجلد والدم المشتبهين استصحاب عدم التذكية في الجلد دون الدم ، ومع انتفاء حجيته يجب القطع بالطهارة فيهما معا ، لأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما.

وقد ورد في عدة أخبار الإذن في الصلاة في الجلود التي لا يعلم كونها ميتة (٢) ، وهو مؤيد لما ذكرناه.

ويكفي في الحكم بذكاة الجلد الذي لا يعلم كونه ميتة وجوده في يد مسلم ، أو في سوق المسلمين ، سواء أخبر ذو اليد بالتذكية أم لا ، وسواء كان ممن يستحل الميتة بالدبغ أو ذباحة أهل الكتاب أم لا ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٣).

ومنع العلامة في التذكرة والمنتهى من تناول ما يوجد في يد مستحل الميتة بالدبغ وإن أخبر بالتذكية ، لأصالة العدم (٤). واستقرب الشهيد في الذكرى والبيان القبول إن أخبر بالتذكية لكونه زائدا عليه ، فيقبل قوله فيه كما يقبل في تطهير الثوب النجس (٥). والمعتمد جواز استعماله مطلقا إلا أن يخبر ذو اليد بعدم التذكية.

لنا : إنّ الأصل في الأشياء كلها الطهارة ، والنجاسة متوقفة على الدليل ،

__________________

(١) في ج ٢ ٣٨٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٣٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٨.

(٤) التذكرة ١ : ٩٤ ، والمنتهى ١ : ٢٢٦.

(٥) الذكرى : ١٤٣ ، والبيان : ٥٧.

١٥٨

______________________________________________________

ومع انتفائه تكون الطهارة ثابتة بالأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال : « اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه » (١).

وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه؟ قال : « نعم أنا أشتري الخف من السوق ، ويصنع لي ، وأصلي فيه ، وليس عليكم المسألة » (٢).

وفي رواية أخرى له عنه عليه‌السلام أنه قال بعد ذلك : « إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك » (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن سليمان بن جعفر الجعفري : إنه سأل العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية ، أيصلي فيها؟ فقال : « نعم ، ليس عليكم المسألة ، إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك » (٤).

وفي الحسن عن جعفر بن محمد بن يونس : إن أباه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلي فيه ولا أعلم أنه ذكي ، فكتب : « لا بأس به » (٥).

وهذه الروايات ناطقة بجواز الأخذ بظاهر الحال ، وشاملة للأخذ من‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٤ ـ ٩٢٠ ، الوسائل ٣ : ٣١٠ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧١ ـ ١٥٤٥ ، قرب الإسناد : ١٧٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ـ ١٥٢٩ ، الوسائل ٣ : ٣٣٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٣ : ٣٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٥٥ ح ٤.

١٥٩

______________________________________________________

المستحل وغيره ، وهي مع صحة سندها معتضدة بأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ومؤيدة بعمل الأصحاب وفتواهم بمضمونها ، فالعمل بها متعين.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفراء فقال : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام رجلا صردا (١) فلا تدفئه فراء الحجاز ، لأن دباغها بالقرظ ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك فيقول : إنّ أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته » (٢).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أدخل سوق المسلمين ، أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال : « لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنها ذكية » قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : « استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

لأنا نجيب عنهما أولا بالطعن في السند باشتمال سند الأولى على عدة من الضعفاء ، منهم محمد بن سليمان الديلمي ، وقال النجاشي : إنه ضعيف جدا لا يعول عليه في شي‌ء (٤) ، وقال في ترجمة أبيه : وقيل كان غاليا كذابا وكذلك ابنه محمد لا يعمل بما انفردا به من الرواية (٥). وبأن في طريق الثانية عدة من المجاهيل.

__________________

(١) صرد الرجل فهو صرد : يجد البرد سريعا ـ الصحاح ٢ : ٤٩٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٣ ـ ٧٩٦ ، الوسائل ٣ : ٣٣٨ أبواب لباس المصلي ب ٦١ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٨ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ ـ ٧٩٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٨١ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٤.

(٤) رجال النجاشي : ٣٦٥ ـ ٩٨٧.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٢ ـ ٤٨٢.

١٦٠