مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ولو نسيها أتى بها فيما بعد.

الثالثة : سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلوات ،

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : سجدت لك تعبدا ورقّا ، لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » (١).

قوله : ( ولو نسيها أتى بها فيما بعد ).

أجمع الأصحاب على أن سجود التلاوة واجب على الفور ، وصرحوا أيضا بأنه لا يسقط بالتأخير.

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد ، قال : « يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » (٢).

ولو أتى بها فيما بعد فهل ينوي فيها القضاء أم الأداء؟

قيل بالأول (٣) ، لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب ، فإذا أتى بها بعد فواته فقد فعلت في غير وقتها وذلك معنى القضاء.

وقيل بالثاني ، وهو خيرة المصنف في المعتبر (٤) ، لعدم التوقيت.

والأظهر عدم التعرض لشي‌ء منهما ، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف هنا.

قوله : ( الثالثة ، سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلاة ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٨ ـ ٢٣ ، الوسائل ٤ : ٨٨٤ أبواب قراءة القرآن ب ٤٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٧٧٨ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٩ ح ١.

(٣) كما في المبسوط ١ : ١١٤ ، والذكرى : ٢١٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٧٤.

٤٢١

______________________________________________________

أما استحباب هذا السجود عند تجدد النعم ودفع النقم فهو قول علمائنا‌ وأكثر العامة (١) ، لما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتاه أمر يسرّ به خرّ ساجدا (٢). وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من سجد سجدة (٣) الشكر وهو متوض كتب الله له بها عشر صلوات ومحي عنه عشر خطايا عظام » (٤).

وأما استحبابها عقيب الصلاة شكرا على التوفيق لأدائها فقال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (٥). خلافا للجمهور (٦). ويدل عليه روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ ، وابن بابويه في الصحيح ، عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم ، تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وإن العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ماذا له؟ قال : فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ، ثم يقول الرب تعالى : ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربنا جنتك ، فيقول الرب تعالى : ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا كفاية مهمه ، فيقول الرب تعالى : ثم ما ذا؟ فلا يبقى شي‌ء من الخير إلاّ قالته الملائكة ، فيقول الله تعالى : يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا لا علم لنا ، فيقول الله تعالى : لأشكرنّه كما شكرني وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي » (٧).

__________________

(١) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٨٢٨ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٦٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٤٤٦ ـ ١٣٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٩ ـ ١٦٢٦ بتفاوت يسير.

(٣) في « م » : سجدتي.

(٤) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٧١ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٠ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ١.

(٥) التذكرة ١ : ١٢٤.

(٦) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٦٩٠.

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٠ ـ ٩٧٨ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٧١ أبواب سجدتي الشكر ب ١ ح ٥.

٤٢٢

______________________________________________________

ويستحب فيها الدعاء ، وأفضله المأثور عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وروى الأصحاب أن أدنى ما يجزئ فيه أن يقول : شكرا لله ثلاثا (١). وروى ابن بابويه ، عن الصادق عليه‌السلام : « إن العبد إذا سجد فقال : يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب عز وجل : لبيك ما حاجتك » (٢).

وروى الشيخ وابن بابويه في الحسن ، عن الثقة الصدوق عبد الله بن جندب ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عما أقول في سجدتي الشكر ، فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال : « قل وأنت ساجد : اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك الله ربي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيي ، وعليّ وفلان وفلان إلى آخرهم أئمتي بهم أتولّى ومن عدوهم أتبرّأ ، « اللهم إني أنشدك دم المظلوم » ثلاثا ، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، « اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر » ثلاثا ، ثم ضع خدك الأيمن بالأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة بي وكان عن خلقي غنيا صلّ على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، ثم تضع خدك الأيسر وتقول : « يا مذلّ كل جبّار ويا معزّ كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي » ثلاثا ، ثم تقول : « يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظيم » ثلاثا ، ثم تعود إلى السجود فتقول مائة مرة : شكرا شكرا ، ثم تسأل الله حاجتك إن شاء الله » (٣).

ويستحب في هذا السجود أن يفترش ذراعيه بالأرض وأن يلصق جؤجؤه ـ بضم الجيمين والهمزة وهو صدره ـ بها ، لما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده إلى‌

__________________

(١) منهم الشهيد الأول في الذكرى : ٢١٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٩ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٩ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٧ ـ ٩٦٦ ، التهذيب ٢ : ١١٠ ـ ٤١٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٨ أبواب سجدتي الشكر ب ٦ ح ١ ، فيه وفي الفقيه بتفاوت.

٤٢٣

ويستحب بينهما التعفير.

______________________________________________________

جعفر بن عليّ ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه وألصق جؤجؤه بالأرض في ثيابه (١). وعن يحيى بن عبد الرحمن ، قال : رأيت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه فسألته عن ذلك فقال : « كذا يجب » (٢) والمراد به شدة الاستحباب.

ويستحب أن تكون هذه السجدة عقيب تعقيبه بحيث تجعل خاتمته ، وروى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : إن أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام كان يسجد بعد ما يصلّي فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (٣).

قوله : ( ويستحب بينهما التعفير ).

أي تعفير الجبينين ، وهو وضعهما على العفر ـ بالفتح ـ وهو التراب وبه يتحقق تعدد السجود ، وهو مستحب باتفاقنا ، لما رواه الشيخ ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أنه قال : « إن علامات المؤمن خمس » وعدّ منها تعفير الجبين (٤).

وكذا يستحب تعفير الخدين أيضا ، لما رواه الشيخ ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كان موسى بن عمران عليه‌السلام إذا صلّى لم ينفتل حتى يلصق خدّه الأيمن وخدّه الأيسر بالأرض » قال إسحاق : رأيت من يصنع ذلك. قال محمد بن سنان : يعني موسى بن جعفر عليه‌السلام في الحجر في جوف الليل (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١١ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٦ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٤ ـ ١٥ ، التهذيب ٢ : ٨٥ ـ ٣١٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٦ أبواب سجدتي الشكر ب ٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٣ أبواب سجدتي الشكر ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٦ : ٥٢ ـ ١٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب المزار وما يناسبه ب ٥٦ ح ١ وفيهما : عن الحسن العسكري عليه‌السلام.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٩ ـ ٤١٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٥ أبواب سجدتي الشكر ب ٣ ح ٣ وفيهما :

٤٢٤

السّابع : التشهد

وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعيّة مرتين ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته.

والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء : الجلوس بقدر التشهد ، والشهادتان ، والصلاة على النبي ، وعلى آله عليهم‌السلام.

______________________________________________________

ويستحب لمن أصابه همّ إذا رفع رأسه من السجود أن يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خدّه الأيمن ويقول : « بسم الله الذي لا إله إلاّ هو ، عالم المغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، اللهم أذهب عني الغم والحزن » ثلاثا ، رواه ابن بابويه ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الصادق عليه‌السلام (١).

قوله : ( السابع ، التشهد : وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعية مرتين ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عمدا بطلت صلاته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه مضافا إلى فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في بيان الواجب وأمره به روايات كثيرة ستجي‌ء في غضون هذا الباب إنشاء الله.

قوله : ( والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء : الجلوس بقدر التشهد ).

لا ريب في وجوب ذلك ، للإجماع والتأسي ، والأخبار المستفيضة (٢).

قوله : ( والشهادتان ، والصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام.

__________________

رأيت من آبائي من يصنع ذلك ، قال محمد بن سنان : يعني موسى في الحجر.

(١) الفقيه ١ : ٢١٨ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٧٧ أبواب سجدتي الشكر ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٨٧ أبواب التشهد ب ١.

٤٢٥

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله. ومن لم يحسن التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت ، ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه.

______________________________________________________

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله ).

المشهور بين الأصحاب انحصار الواجب من التشهد فيما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ وأنه لا يجب ما زاد عنه ولا يجزئ ما دونه.

واقتصر الصدوق في المقنع على الشهادتين ولم يذكر الصلاة على محمد وآل محمد. ثم قال : وأدنى ما يجزئ من التشهد أن يقول الشهادتين أو يقول : « بسم الله وبالله » ثم يسلّم (١). وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه : إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية تشهّد وقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلها لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. ثم انهض إلى الثالثة (٢).

وقال ابن الجنيد : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد وآل محمد في أحد التشهدين (٣).

وقيل : إن الواجب في التشهد أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ على محمد وآل محمد (٤). وهذه الصورة مجزئة بالإجماع ، وقد وردت في رواية عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « التشهد في الركعتين الأوّلتين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،

__________________

(١) المقنع : ٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٩.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ٢٠٤.

(٤) كما في القواعد ١ : ٣٥.

٤٢٦

ومسنون هذا القسم : أن يجلس متورّكا ، وصفته : أن يجلس على وركه الأيسر ، ويخرج رجليه جميعا ، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض ، وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر.

______________________________________________________

اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته (١) وارفع درجته » (٢).

لكن في طريق هذه الرواية عبد الله بن بكير وهو فطحي ، وراويها وهو عبد الملك بن عمرو ذكره العلاّمة في الخلاصة في القسم الأول (٣) ولم يورد فيه سوى حديث واحد عنه : إن الصادق عليه‌السلام قال له : « إني لأدعو لك حتى أسمّي دابتك » أو قال : « أدعو لدابتك » وهو شهادة لنفسه.

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار المعتبرة روايتان صحيحتا السند ، روى إحداهما محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهد في الصلاة قال : « مرتين » قال ، قلت : وكيف مرتين؟ قال : « إذا استويت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (٤).

والأخرى رواها زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأوّلتين؟ قال : « أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له » قلت : فما يجزي من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال : « الشهادتان » (٥).

ومقتضى هاتين الروايتين عدم وجوب الصلوات على محمد وآل محمد ،

__________________

(١) في « س » ، « ح » زيادة : في أمته.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٢ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ٤ : ٩٨٩ أبواب التشهد ب ٣ ح ١.

(٣) خلاصة العلامة : ١١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهد ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ١٠٠ ـ ٣٧٤ ، الإستبصار ١ : ٣٤١ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ٤ : ٩٩١ أبواب التشهد ب ٤ ح ١.

٤٢٧

وأن يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر الإجماع على وجوبها (١) واستدل عليه من طريق الأصحاب بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي بصير وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

وقد يقال : إن أقصى ما تدل عليه الرواية وجوب الصلاة على محمد وآله في الصلاة ، أما في كونها في كل من التشهدين فلا ، على أنّ هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي إلى الفضيلة والكمال لا الصحة ، للإجماع على عدم توقف صحة الصوم على إخراج الزكاة.

والغرض من ذلك تحرير الأدلة وإلاّ فلا ريب في رجحان الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع الأحوال ، بل لا يبعد وجوبها إذا ذكر ، لما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك » (٣).

وروى عبد الله بن سنان في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الصلاة المكتوبة إمّا راكعا وإمّا ساجدا فيصلّي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال : « نعم إن الصلاة على نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة التكبير والتسبيح ، وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيّهم يبلغها إياه » (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٢٦.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٩ ـ ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ـ ١٢٩٢ ، وفيها : أبو بصير عن زرارة. الوسائل ٤ : ٩٩٩ أبواب التشهد ب ١٠ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٤ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ٤ : ٦٦٩ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٢ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٢ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٩٩ ـ ١٢٠٦ ، الوسائل ٤ : ٩٤٣ أبواب الركوع ب ٢٠ ح ١.

٤٢٨

الثامن : التسليم

وهو واجب على الأصحّ ، ولا يخرج من الصلاة إلا به.

______________________________________________________

وأعلم : أن في مقابل هذه الروايات أخبار أخر تدل على الاجتزاء في التشهد بما دون ذلك ، كرواية حبيب الخثعمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه » (١).

ورواية بكر بن حبيب ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التشهد فقال : « لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا ، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأك » (٢) وعلى هذه الروايات ونحوها اقتصر الكليني في الكافي (٣) ، ويمكن حملها على حالة الضرورة أو التقية. والله أعلم.

قوله : ( الثامن ، التسليم : وهو واجب على الأصح ، ولا يخرج من الصلاة إلا به ).

اختلف الأصحاب في التسليم ، هل هو واجب أو مستحب؟ فقال المرتضى في المسائل الناصرية والمحمدية (٤) ، وأبو الصلاح (٥) ، وسلار (٦) ، وابن أبي عقيل (٧) ، وابن زهرة (٨) ، بالوجوب.

وقال الشيخان (٩) وابن البراج (١٠) وابن إدريس (١١) وأكثر المتأخرين‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٦ ، الإستبصار ١ : ٣٤١ ـ ١٢٨٦ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهد ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٨ ، الإستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ٤ : ٩٩٣ أبواب التشهد ب ٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ١.

(٤) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٦) المراسم : ٦٩.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٩٧.

(٨) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

(٩) المفيد في المقنعة : ٢٣ ، والشيخ في النهاية : ٨٩.

(١٠) المهذب ١ : ٩٩.

(١١) السرائر : ٤٨.

٤٢٩

______________________________________________________

بالاستحباب ، وهو المعتمد.

لنا : إنّ الوجوب زيادة تكليف والأصل عدمه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا استويت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (١).

وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه » (٢) والمراد بالإجزاء : الإجزاء في حصول الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول الخبر.

وفي الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : وقد سأله عن المأموم ، يطوّل الإمام فتعرض له الحاجة فقال : « يتشهد وينصرف ويدع الإمام » (٣).

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت أن أسلم عليهم فقالوا : ما سلمت علينا ، فقال : « ألم تسلم وأنت جالس؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس عليك ولو نسيت حتى قالوا ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم » (٤).

ويمكن أن يستدل عليه أيضا بصحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٢ ـ ١٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهد ب ٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٨ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٤ أبواب التسليم ب ١ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦١ ـ ١١٩١ ، التهذيب ٢ : ٣٤٩ ـ ١٤٤٦ ، قرب الإسناد : ٩٥ الوسائل ٥ ٤٦٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٨ ـ ١٤٤٢ ، قرب الإسناد : ١٢٨ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٥.

٤٣٠

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام : « إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله أمامك واقرأ في الأولى منهما : قل هو الله أحد ، وفي الثانية : قل يا أيها الكافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسأله أن يتقبل منك » (١) الحديث. فإن ظاهره عدم وجوب التسليم في ركعتي الطواف ولا قائل بالفصل.

ويدل عليه أيضا أنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فإجماعية ، وأما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم ، قال : « تمت صلاته » (٢) وما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد » (٣) وما رواه غالب بن عثمان في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم ، قال : « تمت صلاته وإن كان رعافا غسله ثم رجع فسلم » (٤).

احتج الموجبون بوجوه :

الأول : وهو الذي صدر به الاستدلال في المنتهى (٥) قوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٦) والأمر للوجوب ، ولا يجب في غير الصلاة بالإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ ـ ٤٥٠ ، الوسائل ٩ : ٤٧٩ أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠١ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٢٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٥ ـ ١٥٤٧ ، الوسائل ٤ : ١٠١١ أبواب التسليم ب ٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٩ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٣ ح ٦.

(٥) المنتهى ١ : ٢٩٥.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

٤٣١

______________________________________________________

فيجب فيها قطعا.

وجوابه المنع من الدلالة على المدعى ، إذ المتبادر من الآية أنّ المراد من التسليم الانقياد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمور كما ورد في بعض الأخبار (١) ، أو التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة العطف وهو خلاف المدعى.

الثاني : مداومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام على فعله ، وهو امتثال الأمر المطلق فيكون بيانا له.

وجوابه منع المقدمتين ، وليس ذلك بأبلغ من المواظبة على رفع اليدين بتكبيرة الإحرام مع استحبابه إجماعا كما حكاه في المعتبر (٢).

الثالث : ما رواه الشيخ والمرتضى وابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم » (٣) وقد رواه الكليني مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) الحديث.

وجه الاستدلال : أنّ التسليم وقع خبرا عن التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعم منه ، فلو وقع التحليل بغيره كان المبتدأ أعم ، وأيضا : فإن الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول كل تحليل يضاف إليها ، ولأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى أنّ الذي صدق‌

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن ٣ : ٣٣٤.

(٢) المعتبر ٢ : ١٥٦.

(٣) الشيخ في الخلاف ١ : ١٣٢ ، والمرتضى في المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٦ ، وابن بابويه في الفقيه ١ : ٢٣ ـ ٦٨ ، ولكن لم يسنده إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأورده في الوسائل ٤ : ١٠٠٥ أبواب التسليم ب ١ ح ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ ـ ٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٣ أبواب التسليم ب ١ ح ١.

٤٣٢

______________________________________________________

عليه أنه تحليل للصلاة يصدق عليه التسليم ، كذا قرره في المعتبر (١).

وجوابه أولا بضعف هذا الحديث ، وما قيل من أنّ هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه (٢) فظاهر الفساد.

وثانيا إن ما قرر في إفادة الحصر غير تام ، لأن مبناه على دعوى كون الإضافة للعموم ، وهو ممنوع فإن الإضافة كما تكون للاستغراق تكون للجنس والعهد الذهني والخارجي كما قرر في محله.

الرابع : ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في رجل صلّى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف ، قال : « فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن آخر الصلاة التسليم » (٣).

والجواب أولا بالطعن في السند باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره ، وبأن من جملة رجاله عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان (٤).

وثانيا بمنع الدلالة ، فإن كون التسليم آخر أفعال الصلاة لا يقتضي وجوبه ، فإن الأفعال تشمل الواجب والمندوب.

وثالثا بأنه متروك الظاهر ، إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب.

الخامس : لو لم يجب التسليم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة.

وأجيب عنه بالمنع من الملازمة ، فإن فعل الركعتين بقصد الإتمام يقتضي‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٩٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٠ ـ ١٣٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ ـ ١٣٠٢ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٤ أبواب التسليم ب ١ ح ٤.

(٤) راجع الفهرست : ١٢٠ ـ ٥٣٤ ، ورجال الشيخ : ٣٥١.

٤٣٣

وله عبارتان ، إحداهما أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والأخرى أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبكل منهما يخرج من الصلاة. وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا.

______________________________________________________

الزيادة في الصلاة ، والبطلان لذلك لا لعدم التسليم (١). وفيه نظر ، إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب أنّ آخر أفعال الصلاة التشهد فلا يضر فعل المنافي بعده ، كما صرح به الشيخ في الاستبصار (٢) ، وابن إدريس في مسألة من زاد في صلاته ركعة بعد التشهد (٣) ، حيث اعترفا بعدم بطلان الصلاة بذلك بناء على استحباب التسليم ، وحينئذ يقوى الإشكال في الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الإتمام.

ويمكن أن يقال أنّ صلاة المسافر إنما تبطل بالإتمام إذا أوقعها المكلف أو شيئا من أفعالها الواجبة على ذلك الوجه ، لا مع تجدده بعد الفراغ من الأفعال. وسيجي‌ء تمام تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى (٤).

قوله : ( وله عبارتان ، إحداهما أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والأخرى أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبكل منهما يخرج من الصلاة ، وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الأكثر إلى تعيّن ( السلام عليكم ) للخروج ، قال الشهيد في الدروس : وعليه الموجبون (٥). وذكر في البيان : أن « السلام علينا » لم يوجبها أحد من القدماء ، وأنّ القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالتسليم على الأنبياء والملائكة غير مخرجة من الصلاة ، والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة (٦).

__________________

(١) روض الجنان : ٢٨٠.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٧٧.

(٣) السرائر : ٥٢.

(٤) في ج ٤ ص ٤٧٣.

(٥) الدروس : ٤٠.

(٦) البيان : ٩٤.

٤٣٤

______________________________________________________

وذهب المصنف ـ رحمه‌الله ـ في كتبه الثلاثة إلى التخيير بين الصيغتين (١). وأنكره الشهيد في الذكرى ، وقال إنه قول محدث في زمان المصنف ـ رحمه‌الله ـ أو قبله بيسير (٢).

وربما ظهر من كلام الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع وجوب السلام علينا وتعيّنها للخروج فإنه قال : والتسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (٣). قال في الذكرى : وفي هذا القول خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله (٤).

والكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : أنّ الخروج من الصلاة بما ذا يقع؟ والأظهر أنه يقع بكل من الصيغتين :

أما السلام عليكم فبإجماع الأمة ، فإنهم لا يختلفون في ذلك كما ( حكاه في المعتبر (٥) ) (٦).

أما السلام علينا فبالأخبار الكثيرة ، كصحيحة الحلبي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كلما ذكرت الله عزّ وجلّ به ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت » (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٤ ، المختصر النافع : ٣٣ ، الشرائع ١ : ٨٩.

(٢) الذكرى : ٢٠٧.

(٣) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٤) الذكرى : ٢٠٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٢٣٥.

(٦) بدل ما بين القوسين في « س » ، « م » ، « ح » : نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر ، فإنه قال : وأما أنه لو لم يقل ذلك يعني : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ـ وقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كان خروجا جائزا ، نقله علماء الإسلام كافة لا يختلفون فيه ، وإنما الخلاف في تعيّنه للخروج.

(٧) الكافي ٣ : ٣٣٧ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٣ ، الوسائل ٤ : ١٠١٢ أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

٤٣٥

______________________________________________________

وحسنة ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل تبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك ، وإنما [ هو ] (١) شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم ، وقول الرجل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (٢).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلّم على النبي عليه وعلى آله السلام وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليك » (٣) وفي طريق هذه الرواية محمد بن سنان ، وهو ضعيف (٤).

وثانيهما : أنّ الواجب على القول بوجوب التسليم أيّ الصيغتين؟ والأظهر أنه : السلام عليكم ، لأن الأخبار المتضمنة للسلام علينا إنما تدل على كونها قاطعة للصلاة خاصة (٥) ، وهو لا يستلزم الوجوب ، وما تضمن الأمر بها فضعيف السند قاصر الدلالة.

واحتجاج المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوب إحدى الصيغتين تخييرا بصدق التسليم عليهما فيتناولهما عموم قوله عليه‌السلام : « وتحليلها التسليم » (٦) ضعيف ، لأن التعريف للعهد والمعروف منه بين الخاصة والعامة ( السلام عليكم ) كما يعلم من تتبع الأحاديث ، حيث تذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة‌

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٣١٦ ـ ١٢٩٠ ، الخصال : ٥٠ ـ ٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٠ أبواب التشهد ب ١٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٤) راجع رجال النجاشي : ٣٢٨ ـ ٨٨٨ ، ٤٢٤ ـ ١١٤٠ ، ورجال الشيخ : ٣٨٦ ، والفهرست : ١٤٣ ـ ٦٠٩.

(٥) الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨ ، وص ١٠١٢ ب ٤ ح ٢ ، ٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٢٣٤.

٤٣٦

______________________________________________________

والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم يقال : ويسلّم.

وأما ما ذكره الفاضل يحيى بن سعيد من وجوب السلام علينا خاصة فلا ريب في ضعفه.

وذكر الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الذكرى أنّ الاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين ، جمعا بين القولين ، قال : وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه ، بادئا بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا بالعكس ، فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق ـ رحمه‌الله ـ ويعتقد ندب السلام علينا وجوب الصيغة الأخرى ، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخرجة بالإجماع (١). انتهى كلامه رحمه‌الله ، وهو جيد ( لكن قد يتطرق إلى تقديم السلام علينا إشكال من حيث أنه غير واجب بالإجماع كما اعترف به ، وقد ثبت كونه قاطعا للصلاة ، فمع تقديمه يكون فاصلا بين أجزاء الصلاة على القول بوجوب التسليم. والأمر في ذلك هيّن بعد وضوح المأخذ ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه ) (٢).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : الأظهر أنّ الواجب على القول بوجوب التسليم : السلام عليكم خاصة ، وبه قال ابن بابويه (٣) ، وابن أبي عقيل (٤) ، وابن الجنيد (٥). وقال أبو الصلاح : الفرض أن يقول السلام عليكم ورحمة الله (٦) ، ولعل مستنده ما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، قال : رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمد بني جعفر يسلمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٨.

(٢) ليس في « س ».

(٣) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩.

(٤) نقله عنهما في المنتهى ١ : ٢٩٦.

(٥) نقله عنهما في المنتهى ١ : ٢٩٦.

(٦) الكافي في الفقه : ١١٩.

٤٣٧

ومسنون هذا القسم أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة ، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه ،

______________________________________________________

السلام عليكم ورحمة الله (١). وهو لا يفيد الوجوب ، قال العلامة في المنتهى : ولو قال السلام عليكم ورحمة الله جاز ، وإن لم يقل وبركاته بلا خلاف (٢).

الثاني : الأجود أنه لا تجب نية الخروج من الصلاة بالتسليم ، للأصل وانتفاء المخرج عنه ، وربما قيل بالوجوب ، لأنه ليس جزءا من الصلاة ، ولأنه محلل فيحتاج إلى النية كالمحلل في الحج والعمرة (٣) ، وهو ضعيف ودليله مزيف.

الثالث : يستحب أن يقصد المصلي بالتسليم : التسليم على الأنبياء والأئمة والحفظة ، ويزيد الإمام المأمومين ، والمأموم الرد على الإمام ومن على جانبيه ، وفي الأخبار دلالة على ذلك (٤).

قوله : ( ومسنون هذا القسم أن يسلم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة ، ويومئ بمؤخر عينيه إلى يمينه ).

أما اكتفاء المنفرد بالتسليمة الواحدة إلى القبلة فهو مذهب الأصحاب ، ويدل عليه صحيحة عبد الحميد بن عواض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (٥).

وأما الإيماء بمؤخر العين إلى اليمين ، والمؤخر كمؤمن : طرفها الذي يلي‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٧ ـ ١٢٩٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٢.

(٢) المنتهى ١ : ٢٩٦.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ١٢٤.

(٤) الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٥ ، الإستبصار ١ : ٣٤٦ ـ ١٣٠٣ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

٤٣٨

والإمام بصفحة وجهه ، وكذا المأموم. ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضا.

______________________________________________________

الصدغ ، فعزاه في المعتبر (١) إلى الشيخ في النهاية (٢) ، قال : وربما أيده رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك » (٣) وفي السند ضعف ، وفي الدلالة نظر.

قوله : ( والإمام بصفحة وجهه ).

المستفاد من الرواية المتقدمة أنّ الإمام يسلم تسليمة واحدة عن اليمين.

وفي رواية أبي بصير « ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم » (٤) وفي الطريق محمد بن سنان وهو ضعيف.

قوله : ( وكذا المأموم ، ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أخرى إلى يساره بصفحة وجهه ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن منصور قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الإمام يسلم واحدة ومن ورائه يسلم اثنتين ، فإن لم يكن على شماله أحد سلم واحدة » (٥).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك ، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذي على يمينك » (٦) وليس في هاتين الروايتين ولا في غيرهما مما وقفت عليه دلالة على الإيماء بصفحة الوجه.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٧.

(٢) النهاية : ٧٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٣٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤٧ ـ ١٣٠٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٨ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٣ ـ ٣٤٦ ، الإستبصار ١ : ٣٤٦ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٧ أبواب التسليم ب ٢ ح ٤.

(٦) تقدم في الهامش ٤.

٤٣٩

وأما المسنون في الصلاة فخمسة :

الأول : التوجه. بستة تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح ، بأن يكبّر ثلاثا ثم يدعو ، ثم يكبر اثنتين ويدعو ، ثم يكبّر اثنتين ويتوجه. وهو مخيّر في السبع أيّها شاء أوقع معه نيّة الصلاة ، فيكون ابتداء الصلاة عندها.

______________________________________________________

ونقل عن ابني بابويه ـ رضي الله عنهما ـ أنهما جعلا الحائط عن يسار المصلي كافيا في استحباب التسليمتين (١) ، قال في الذكرى : ولا بأس باتباعهما ، لأنها جليلان لا يقولان إلا عن ثبت (٢) ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( وأما المسنون في الصلاة فخمسة ، الأول : التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح ، بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو ، ثم يكبر اثنتين ويدعو ، ثم يكبر اثنتين ويتوجه ، وهو مخير في السبع أيها شاء أوقع معه نية الصلاة ، فيكون ابتداء الصلاة عندها ).

إطلاق العبارة يقتضي استحباب التوجه للمصلي بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح في جميع الصلوات ، وبه صرح المصنف في المعتبر (٣) ، وابن إدريس في سرائره ، ونص على الاستحباب في جميع الصلوات المفروضات والمسنونات (٤). ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في المسائل المحمدية أنه خصها بالفرائض دون النوافل (٥).

وقال المفيد في المقنعة : يستحب التوجه في سبع صلوات (٦) ، قال الشيخ في التهذيب : ذكر ذلك علي بن الحسين في رسالته ، ولم أجد بها خبرا مسندا.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠ ، المقنع : ٢٩ ، ونقله عنهما في الذكرى : ٢٠٨.

(٢) الذكرى : ٢٠٨.

(٣) المعتبر ٢ : ١٥٥.

(٤) السرائر : ٤٥.

(٥) نقله عنها في المختلف : ٩٩.

(٦) المقنعة : ١٦.

٤٤٠