مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

الخامسة : الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه.

______________________________________________________

القاسم بن سليمان ـ غير دالة على الجواز نصا لأن الكراهة كثيرا ما تستعمل في الأخبار بمعنى التحريم.

وربما ظهر من عبارة ابن البراج المنع من ذلك (١) (٢) والمسألة محل تردد ، لعموم قوله عليه‌السلام : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (٣) الشامل للتكة والقلنسوة نصا ، والاحتياط للعبادة يقتضي اجتناب ذلك مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فيه ).

لا خلاف في تحريم لبس الثوب المغصوب في الصلاة وغيرها ، وإنما الكلام في بطلان الصلاة بذلك ، فأطلق الشيخ (٤) وجماعة (٥) البطلان ، ونص العلامة (٦) ومن تأخر عنه (٧) على أنه لا فرق في الثوب بين كونه ساترا للعورة أو غير ساتر ، حتى أنّ الشهيد ـ رحمه‌الله ـ قال في البيان : ولا يجوز في الثوب المغصوب ولو خيطا ، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب (٨).

واحتجوا عليه بأنّ الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها لأنها تصرف في المغصوب ، والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فيفسد ، لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون الصلاة فاسدة لفساد جزئها.

وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلى مالكه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٧٤.

(٢) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : وبه قطع المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في بعض رسائله.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٧ ـ ٨١٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٥ ـ ١٤٦٢ ، الوسائل ٣ : ٢٦٧ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٢.

(٤) الخلاف ١ : ١٩٢ ، والمبسوط ١ : ٨٢.

(٥) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٦٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٧ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٨٦.

(٦) المنتهى ١ : ٢٢٩.

(٧) منهم الشهيد الأول في الدروس : ٢٦ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٧٨.

(٨) البيان : ٥٨.

١٨١

ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له جازت الصلاة مع تحقق الغصبية.

______________________________________________________

كان مضادا للصلاة ، والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده فيفسد.

ويتوجه على الأول أنّ النهي إنما يتوجه إلى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء واستدامة ، وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات ، أعني القيام والقعود والسجود فلا يكون النهي متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ، ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان.

وعلى الثاني ما بيناه مرارا من أنّ الأمر بالشي‌ء إنما يقتضي النهي عن الضد العام الذي هو نفس الترك أو الكف ، لا الأضداد الخاصة الوجودية.

والمعتمد ما اختاره المصنف في المعتبر من بطلان الصلاة إن كان الثوب ساترا للعورة (١) ، لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ويبطل المشروط بفواته.

وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه ، لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود (٢) حيث أنه نفس الكون المنهي عنه ، أما لو لم يكن كذلك لم يبطل لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة.

ولا يخفى أنّ الصلاة إنما تبطل في الثوب المغصوب مع العلم بالغصب ، فلو جهله لم تبطل الصلاة ، لارتفاع النهي. ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم أيضا ، لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إلى النهي المقتضي للفساد.

قوله : ( ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أو له جازت الصلاة فيه مع تحقق الغصبية ).

لا ريب في جواز الصلاة للمأذون له من المالك ، سواء كان هو الغاصب أو غيره ، لارتفاع النهي ، لكن الظاهر عدم تحقق الغصبية في حال الصلاة مع تعلق الإذن بالغاصب ، لأن استيلاءه في تلك الحالة لا عدوان فيه كما هو ظاهر.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٧ ، ٩٢.

(٢) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : من.

١٨٢

ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب على الظاهر.

السادسة : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ، ويجوز فيما له ساق كالجورب والخف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب على الظاهر ).

المراد بالمطلق هنا ما يشمل العام ، وإنما لم يدخل الغاصب في الإطلاق أو العموم الظاهر الحال المستفاد من العادة بين أغلب الناس من الحقد على الغاصب وميل النفس إلى مؤاخذته والانتقام منه ، فيكون هذا الظاهر بمنزلة المقيد العقلي للمطلق أو المخصص للعام ، ولو فرض انتفاء ذلك وجب العمل بمقتضى الإطلاق.

قوله : ( السادسة ، لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ، وتجوز فيما له ساق كالخف والجورب ).

أما جواز الصلاة في الساتر لظهر القدم ذي الساق (١) ـ أي الساتر لشي‌ء منه وإن قل كالخف والجورب ـ فقال في التذكرة : إنه موضع وفاق بين العلماء (٢). وأما المنع من الساتر لظهر القدم كله غير ذي الساق ـ كالشمشك بضم الشين وكسر الميم ـ فهو اختيار المفيد في المقنعة (٣) ، والشيخ في النهاية (٤) ، وابن البراج (٥) ، وسلار (٦) ، والمصنف.

واستدل عليه في المعتبر (٧) ، بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعمل‌

__________________

(١) المراد من كون الساق له : أن يغطي بعض الساق لكن يكفي فيه مسمى تغطية بعض الساق لا أنّ المراد وضعه على أن له ساقا ( الجواهر ٨ : ١٥٧ ).

(٢) التذكرة ١ : ٩٨.

(٣) المقنعة : ٢٥.

(٤) النهاية : ٩٨.

(٥) المهذب ١ : ٧٥.

(٦) المراسم : ٦٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٩٣.

١٨٣

ويستحب في النعل العربيّة.

______________________________________________________

الصحابة والتابعين ، فإنهم لم يصلوا في هذا النوع.

وهو استدلال ضعيف ، أما أولا : فلأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع ، ثم لو سلمنا ذلك لم يدل على عدم الجواز ، لجواز أن يكون تركه لكونه غير معتاد لهم لا لتحريم لبسه.

وأما ثانيا : فلأن هذا الاستدلال لو تم لاقتضى تحريم الصلاة في كل ما لم يصلّ فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو معلوم البطلان.

والأصح الجواز في الجميع كما هو ظاهر اختيار الشيخ في المبسوط (١) ، وابن حمزة (٢) ، وأكثر المتأخرين ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة ، فلا يتقيد إلا بدليل. نعم يمكن القول بالكراهة تفصّيا من ارتكاب المختلف فيه.

قوله : ( ويستحب في النعل العربية ).

المستند في ذلك ورود الأمر بالصلاة فيها في عدة أخبار ، كصحيحة عبد الله بن المغيرة ، قال : « إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإن ذلك من السنة » (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإنه يقال ذلك من السنة » (٤).

وروى معاوية بن عمار ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٣.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٠٩ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٠٩ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ٥.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٣ ـ ٩١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٠٨ أبواب لباس المصلي ب ٣٧ ح ٤.

١٨٤

السابعة : كل ما عدا ما ذكرناه تصحّ الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ،

______________________________________________________

ومقتضى هذه الروايات استحباب الصلاة في النعل مطلقا ، وربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي المتعارفة في ذلك الزمان ، ولعل الإطلاق أولى.

قوله : ( السابعة ، كل ما عدا ما ذكرناه تصح الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكا أو مأذونا فيه ).

ينبغي أن يراد بالمملوك مملوك العين والمنفعة ، أو المنفعة خاصة كالمستأجر ، والمحبس ، والموصى بمنفعته. وبالمأذون فيه ، خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما.

ولو أفادت القرائن الحالية العلم برضا المالك لم يبعد الاكتفاء بذلك هنا كما في المكان وهو المراد بشاهد الحال.

ومنع الشارح ـ قدس‌سره ـ من الاجتزاء بشاهد الحال هنا اقتصارا فيما خالف الأصل ـ وهو التصرف في مال الغير بغير إذنه ـ على محل الوفاق (١). وهو غير جيد (٢) ( والحق أنه إن اكتفى في شاهد الحال بإفادة القرائن الظن ) (٣) كما صرح به بعض الأصحاب اتجه المنع منه مطلقا ، وإن اعتبر ( فيه ) (٤) إفادة اليقين كما ذكرناه اتجه الاكتفاء به في الجميع ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة العقلية والنقلية المنع من التصرف في مال الغير ( مع عدم العلم برضاه كما لا يخفى على المتتبع ، والمنبئ عن الرضا لا ينحصر في اللفظ ) (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٤.

(٢) في « م » ، « س » ، « ح » زيادة : على إطلاقه.

(٣) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : والحق أنهم إن أرادوا بشاهد الحال القرائن المفيدة للظن برضا المالك.

(٤) في « س » ، « ح » : في القرائن.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : بغير رضاه فمتى علم الرضا انتفى التحريم سواء استند العلم إلى إذن المالك أو إلى غيره من الوجوه المفيدة للعلم والله تعالى أعلم.

١٨٥

وأن يكون طاهرا وقد بيّنا حكم الثوب النجس. ويجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يكون طاهرا وقد بينا حكم الثوب النجس ).

قد تقدم الكلام في ذلك في باب إزالة النجاسات (١).

قوله : ( ويجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل الأخبار المستفيضة كصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في ثوب واحد (٢).

وصحيحة زياد بن سوقة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إن دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنيف » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد أو قباء طاق أو قباء محشو وليس عليه إزار فقال : « إذا كان القميص صفيقا والقميص ليس بطويل الفرج ، والثوب الواحد إذا كان يتوشح به ، والسراويل بتلك المنزلة ، كل ذلك لا بأس به ، ولكن إذا لبس السراويل جعل على عاتقه شيئا ولو حبلا » (٤).

وروى محمد بن مسلم أيضا في الصحيح ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام صلى في إزار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه فقلت له : ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال : « إذا كان كثيفا فلا بأس به ،

__________________

(١) في ج ٢ ص ٣٠٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢٨٤ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ٨ ، الفقيه ١ : ١٧٤ ـ ٨٢٣ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٠ ، الإستبصار ١ : ٣٩٢ ـ ١٤٩٢ ، الوسائل ٣ : ٢٨٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٣ ـ ١ وفيه عن أحدهما عليهما‌السلام وبتفاوت يسير ، التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٨٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٢ ح ٢.

١٨٦

ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين : درع وخمار ، ساترة جميع جسدها عدا الوجه‌

______________________________________________________

والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا » يعني إذا كان ستيرا ، قلت : رحمك الله الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال : « ليس على الأمة قناع » (١).

ويكفي في الثوب كونه ساترا للعورة إجماعا. ويعتبر فيه كونه صفيقا يحول بين الناظر وبين البشرة ، فلو كان رقيقا يحكي لون البشرة من سواد وبياض لم تجز الصلاة فيه لعدم حصول الستر به ، ولمفهوم قوله عليه‌السلام : في القميص : « إذا كان كثيفا فلا بأس به ».

وهل يعتبر فيه كونه ساترا للحجم ، قيل : لا (٢). وهو الأظهر ، واختاره المصنف في المعتبر ، والعلامة في التذكرة (٣) ، للأصل وحصول الستر. وقيل : يعتبر (٤) ، لمرفوعة أحمد بن حماد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تصل فيما شف أو صف » يعني الثوب المصقل (٥). كذا فيما وجدناه من نسخ التهذيب ، وذكر الشهيد في الذكرى : أنه وجده كذلك بخط الشيخ أبي جعفر رحمه‌الله ، وأنّ المعروف : أو وصف بواوين ، قال ، ومعنى شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم (٦). وهذه الرواية مع ضعف سندها لا تدل على المطلوب صريحا ، فيبقى الأصل سالما عن المعارض.

قوله : ( ولا يجوز للمرأة إلا في ثوبين : درع وخمار ، ساترة جميع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ١ ، ب ٢٩ ح ١.

(٢) كما في الذكرى : ١٤٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٩٥ ، والتذكرة ١ : ٩٣.

(٤) كما في جامع المقاصد ١ : ٨٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٤ ـ ٨٣٧ ، الذكرى : ١٤٦ ، الوسائل ٣ : ٢٨٢ أبواب لباس المصلي ب ٢١ ح ٤.

(٦) الذكرى : ١٤٦.

١٨٧

والكفين وظاهر القدمين ، على تردد في القدمين.

______________________________________________________

جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين ، على تردد في القدمين ).

اختلف الأصحاب فيما يجب ستره من المرأة في الصلاة ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمبسوط إلى أنّ الواجب ستر جسدها كله عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين (١).

وقال في الاقتصاد : وأما المرأة الحرة فإنّ جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف غير الوجه فقط (٢). وهذا يقتضي منع كشف اليدين والقدمين.

وقال ابن الجنيد : الذي يجب ستره من البدن العورتان ، وهما القبل والدبر من الرجل والمرأة ، ثم قال : ولا بأس أن تصلي المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم لها (٣). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة ، قال : « درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل (٤) بها » (٥).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا » (٦) وهذه الرواية كما تدل على وجوب ستر الرأس والجسد تدل على استثناء الوجه والكفين والقدمين ، لأنه عليه‌السلام اجتزأ بالدرع وهو القميص ، والمقنعة وهي للرأس ، فدل على أنّ‌

__________________

(١) النهاية : ٩٨ ، والمبسوط ١ : ٨٧.

(٢) الاقتصاد : ٢٥٨.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٨٣.

(٤) تجلّل : تغطي.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٣ ، الإستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ١٤٧٨ ، الوسائل ٣ : ٢٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ٩.

(٦) المتقدم في ص ١٨٦.

١٨٨

______________________________________________________

ما عدا ذلك غير واجب ، والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين غالبا.

وأما احتجاج الشيخ في الاقتصاد على وجوب الستر بأن بدن المرأة كله عورة ، فإن أراد بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلّم ، وإن أراد وجوب ستره في الصلاة فهو مطالب بدليله.

احتج ابن الجنيد (١) بما رواه عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس » (٢).

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على الصغيرة أو على حالة الضرورة (٣). وقال في المعتبر : إنّ هذه الرواية مطّرحة ، لضعف عبد الله بن بكير فلا تترك لخبره الأخبار الصحيحة المتفق على مضمونها (٤) ، وهو حسن.

واعلم أنه ليس في العبارة كغيرها من عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر الشعر ، بل ربما ظهر منها أنه غير واجب ، لعدم دخوله في مسمى الجسد. ويدل عليه إطلاق الأمر بالصلاة (٥) فلا يتقيد إلا بدليل ولم يثبت ، إذ الأخبار لا تعطي ذلك.

واستقرب الشهيد في الذكرى الوجوب (٦) ، لما رواه ابن بابويه ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « صلت فاطمة صلوات الله عليها‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٨٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٥٧ ، الإستبصار ١ : ٣٨٩ ـ ١٤٨١ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٢‌

(٥) الإسراء : ٧٨.

(٦) الذكرى : ١٤٠.

١٨٩

ويجوز أن يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره على كراهية.

______________________________________________________

في درع وخمار ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها » (١) وهي مع تسليم السند لا تدل على الوجوب. نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق ، وفي رواية زرارة المتقدمة (٢) إشعار به أيضا.

قوله : ( ويجوز أن يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره على كراهة ).

تضمنت هذه العبارة أحكاما ثلاثة :

الأول : وجوب ستر العورة في الصلاة ، وهو قول علماء الإسلام ، قاله (٣) في المعتبر (٤) ، وعندنا وعند الأكثر أنه شرط في الصحة مع الإمكان ، ويدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة ، كيف يصلي؟ قال : « إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » (٥) وجه الدلالة أنه عليه‌السلام أسقط عن العاري الذي لا يتمكن من تحصيل الساتر الركوع والسجود ، ولولا كونه شرطا في الصحة لما ثبت ذلك.

وهل شرطيته ثابتة مع المكنة على الإطلاق أو مقيدة بالعمد؟ الأصح الثاني ، وهو اختيار المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى (٦) ، تمسكا بمقتضى الأصل وما رواه الشيخ ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه الإعادة؟ قال : « لا‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٧ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٨ ح ١.

(٢) في ١٨٨.

(٣) في « ح » : قال.

(٤) المعتبر ٢ : ٩٩ ، ١٠٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٥ ، البحار ١٠ : ٢٧٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ١.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٦ ، والمنتهى ١ : ٢٣٨.

١٩٠

______________________________________________________

إعادة عليه وقد تمت صلاته » (١).

واستقرب الشهيد في الذكرى والبيان الفرق بين نسيان الستر ابتداء وعروض التكشف في الأثناء ، والصحة في الثاني دون الأول (٢). وهو حسن.

واختلف الأصحاب في العورة التي يجب سترها على الرجل في الصلاة وعن الناظر المحترم ، فذهب الأكثر إلى أنها القبل والدبر.

والظاهر أنّ المراد بالقبل : القضيب والأنثيان ، وبالدبر : نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج أنه قال : هي من السرة إلى الركبة (٣) ، وعن أبي الصلاح أنه جعلها من السرة إلى نصف الساق (٤) ، مع أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ قال في المعتبر : وليست الركبة من العورة بإجماع علمائنا (٥). والأصح الأول ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق. ويؤيده رواية أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (٦).

ورواية محمد بن حكيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الفخذ ليس من العورة » (٧) ولم نقف لأبي الصلاح وابن البراج هنا على حجة يعتد بها.

الثاني : إنه لا يجب على الرجل ستر ما عدا العورة ، وهو موضع وفاق بين العلماء ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة : « إن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٦ ـ ٨٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٩٣ أبواب لباس المصلي ب ٢٧ ح ١.

(٢) الذكرى : ١٤١ ، والبيان : ٦٠.

(٣) المهذب ١ : ٨٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٥) المعتبر ٢ : ١٠٠.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠١ ـ ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ ـ ١١٥١ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ٢.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٤ أبواب آداب الحمام ب ٤ ح ١.

١٩١

وإذا لم يجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق الشجر.

______________________________________________________

أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود » (١). ولا ينافي ذلك ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف » (٢) لأنه محمول على الفضيلة والكمال جمعا بين الأدلة.

الثالث : إنه يكره للرجل الصلاة في غير الثوب الساتر لما يعتاد ستره من الجسد ، ويدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة ، وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال : « يحل التكة منه فيضعها على عاتقه ويصلي » (٣).

وتتأكد الكراهة للإمام ، بل يكره له الصلاة في القميص وحده ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمّ قوما في قميص ليس عليه رداء ، قال : « لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها » (٤) وروى أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل وقلنسوة ، قال : « لا يصلح » (٥) وهي محمولة على الكراهة.

قوله : ( وإذا لم يجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق شجر ).

مفهوم الشرط توقف الاجتزاء بالورق على فقد الثوب ، وهو كذلك لعدم فهمه من الساتر عند الإطلاق ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر وقد سأله عن العاري الذي لا يجد الساتر : « إن أصاب حشيشا يستر به عورته‌

__________________

(١) في ص ١٩٠.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ٣ : ٣٣٠ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٦ ـ ٧٨٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥١٩ ، الوسائل ٣ : ٣٢٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٢٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٦ ـ ١٥٢٠ ، الوسائل ٣ : ٣٢٩ أبواب لباس المصلي ب ٥٣ ح ٢.

١٩٢

ومع عدم ما يستر به يصلي عريانا قائما إن كان يأمن أن يراه أحد ، وإن‌

______________________________________________________

أتم صلاته بالركوع والسجود » (١) وربما قيل بجوازه اختيارا لحصول مقصود الستر (٢) ، وهو ضعيف.

ولو لم يجد الحشيش وأمكن وضع طين يحصل به الستر فقد قطع المصنف (٣) والعلامة بوجوبه ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى مساواته للورق (٤) ، وهو بعيد.

قال في المعتبر : ولو وجد وحلا أو ماءا راكدا بحيث لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله لأن فيه ضررا ومشقة (٥). وهو كذلك.

ولو أمكن العاري ولوج حفيرة والصلاة فيها قائما بالركوع والسجود قيل : يجب (٦) ، لمرسلة أيوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها وركع » (٧). وقيل : لا ، استضعافا للرواية ، والتفاتا إلى عدم انصراف لفظ الساتر إليه.

ومقتضى العبارة الانتقال مع تعذر الستر بالورق إلى الإيماء ، وهو المعتمد.

قوله : ( ومع عدم ما يستر به يصلي عريانا قائما إن كان يأمن أن يراه‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٥ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ١.

(٢) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٨٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٤.

(٤) التذكرة ١ : ٩٣ ، والمنتهى ١ : ٢٣٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١٠٦.

(٦) كما في جامع المقاصد ١ : ٨٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٢.

١٩٣

لم يأمن صلى جالسا ، وفي الحالين يومئ عن الركوع والسجود.

______________________________________________________

أحد ، وإن لم يأمن صلى جالسا ، وفي الحالين يومئ للركوع والسجود ).

أجمع العلماء كافة على أنّ الصلاة لا تسقط مع عدم الساتر ، وإنما اختلفوا في كيفية صلاة العاري. فذهب الأكثر إلى أنه يصلي قائما إن أمن المطلع ، وجالسا مع عدمه ، ويومئ في الحالين للركوع والسجود. وقال المرتضى رضي‌الله‌عنه : يصلي جالسا مومئا وإن أمن (١). وقال ابن إدريس : يصلي قائما مومئا في الحالين (٢). والمعتمد الأول.

لنا : إن فيه جمعا بين ما دل على وجوب القيام مطلقا كصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، حيث قال فيها : « وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » (٣) وما دل على الجلوس كذلك كحسنة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل خرج من سفينة عريانا ، أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه فقال : « يصلي إيماء ، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برؤسهما » (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس » (٥) والحكم بالجلوس مع الجماعة يقتضي جوازه مطلقا ، إذ لا يعقل ترك الركن لتحصيل الفضيلة خاصة.

ويدل على هذا التفصيل صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يخرج‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ٨٠.

(٢) السرائر : ٥٥.

(٣) المتقدمة في ص ١٩٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٦ ـ ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ ـ ١٥١٢ ، الوسائل ٣ : ٣٢٧ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

١٩٤

______________________________________________________

عريانا فتدركه الصلاة ، قال : « يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالسا » (١).

واحتمل المصنف في المعتبر التخيير بين الأمرين استضعافا للرواية المفصلة (٢). وهو حسن وإن كان المشهور أحوط وأولى.

ويجب الإيماء في الحالين للركوع والسجود بالرأس إن أمكن وإلا فبالعينين ، وأوجب الشهيد في الذكرى الانحناء فيهما بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة ، وأن يجعل السجود أخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع ، واحتمل وجوب وضع الأعضاء السبعة في السجود على الكيفية المعتبرة فيه (٣). وكل ذلك تقييد للنص من غير دليل.

نعم لا يبعد وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن الواردة في صلاة المريض : « ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء » (٤).

وينبغي التنبه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار (٥) وكلام الأصحاب أن الإيماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد فيجعلهما من قيام مع القيام ومن جلوس مع الجلوس. وحكى الشهيد في الذكرى عن شيخه السيد عميد الدين أنه كان يقوي جلوس القائم ليومئ للسجود جالسا استنادا إلى كونه حينئذ أقرب إلى هيئة الساجد فيدخل تحت « فآتوا منه بما استطعتم » (٦). وهو مستند ضعيف ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٠ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ١٠٥.

(٣) الذكرى : ١٤٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٨ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٣ : ٢٣٦ أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٢٦ أبواب لباس المصلي ب ٥٠.

(٦) الذكرى : ١٤٢.

١٩٥

______________________________________________________

لأن الواجب والحال هذه الإيماء لا السجود فلا معنى للتكليف بالإتيان بالممكن منه.

الثاني : لو صلى العاري بغير إيماء بطلت صلاته ، وكذا لو أتى بالركوع والسجود ، سواء كان متعمدا أو جاهلا أو ناسيا ، لأن ذلك خلاف فرضه. وربما قيل بالصحة في الناسي لعدم توجه النهي إليه ، وهو ضعيف.

الثالث : صرح الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية بجواز صلاة العاري مع سعة الوقت (١). وقال المرتضى (٢) وسلار (٣) : يجب أن يؤخرها رجاء لحصول السترة ، ومال في المعتبر إلى وجوب التأخير مع ظن تحصيل السترة والتعجيل بدونه (٤) ، وهو حسن.

الرابع : يجب شراء الساتر بثمن مثله أو أزيد إذا لم يستضر به على الأقرب ، ولو أعير وجب القبول إجماعا ، وكذا لو وهب منه على الأظهر لتمكنه من الستر. ومنعه العلامة في التذكرة لما فيه من المنة (٥) ، وهو ضعيف.

الخامس : لو لم يجد إلا ثوب حرير صلى عاريا ولم يجز له الصلاة فيه ، لتعلق النهي به فكان كالمعدوم. وجوزه العامة ، بل أوجبوه (٦) ، لأن ذلك من الضرورات (٧).

ولو وجد النجس والحرير واضطر إلى لبس أحدهما فالأقرب (٨) لبس‌

__________________

(١) النهاية : ٥٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٨٤.

(٣) المراسم : ٧٦.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٨.

(٥) التذكرة ١ : ٩٤.

(٦) منهم الشوكاني في نيل الأوطار ٢ : ٧١.

(٧) في « ح » : الضروريات.

(٨) في « ح » : فالأقوى.

١٩٦

______________________________________________________

النجس ، لأن مانعه عرضي ، ولورود الأمر بالصلاة فيه مع الضرورة ، وإطلاق النهي عن لبس الحرير.

السادس : لو وجد السترة في أثناء صلاته فإن أمكنه الستر من غير فعل المنافي وجب ، ولو توقف على فعل المنافي كالفعل الكثير أو الاستدبار بطلت صلاته إن كان الوقت متسعا ولو بركعة وإلا استمر. ويحتمل وجوب الاستمرار مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل وعموم قوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (١).

السابع : الستر يراعى من الجوانب الأربع ومن فوق ، ولا يراعى من تحت ، فلو كان على طرف سطح ترى عورته من تحت أمكن الاكتفاء بذلك ، لأن الستر إنما يلزم من الجوانب التي جرت العادة بالنظر إليها ، وعدمه ، لأن الستر من تحت إنما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض.

الثامن : لو كان في الثوب خرق فإن لم يحاذ العورة فلا بحث ، وإن حاذاها بطلت ، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالثوب صح. ولو وضع يده عليه فالأقرب البطلان إن كان الستر مستندا إلى يده ، لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ. وكذا لو وضع غير المصلي يده عليه في موضع يجوز له الوضع.

التاسع : ليس الستر معتبرا في صلاة الجنازة ، لأن اسم الصلاة لا يقع عليها إلا بطريق المجاز. وقيل بالوجوب ، لإطلاق الاسم عليها (٢) ، وهو ضعيف.

العاشر : تستحب الجماعة للعراة رجالا كانوا أو نساء ، ويصلون صفا واحدا جلوسا يتقدمهم الإمام بركبتيه كما يدل عليه صحيحة ابن سنان (٣).

__________________

(١) محمد ( ص ) : ٣٢.

(٢) الذكرى : ٥٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ١.

١٩٧

والأمة والصبيّة تصليان بغير خمار.

______________________________________________________

قال في المعتبر : وكيف يصلون؟ فيه قولان ، أحدهما : بالإيماء جميعا ، اختاره علم الهدى ، والآخر : يومئ الإمام ويركع من خلفه ويسجد ، اختاره في النهاية ، وتشهد له رواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه يومئ الإمام بالركوع والسجود ويركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (١). قال : وهذه حسنة ولا يلتفت إلى من يدعي الإجماع على خلافها (٢).

وأقول : إنّ في طريق هذه الرواية عبد الله بن جبلة وكان واقفيا ، وإسحاق بن عمار وكان فطحيا ، فلا يحسن وصفها بالحسن ، وما تضمنته من ركوع المأموم وسجوده مشكل جدا بعد الحكم بوجوب الإيماء على المنفرد (٣).

والوجه اطراح الرواية لضعف رجالها ، وقصورها عن معارضة الأخبار السليمة المتفق على العمل بمضمونها بين الأصحاب.

قوله : ( والأمة والصبية تصليان بغير خمار ).

المراد أنه لا يجب عليهما ستر رأسهما في الصلاة ، قال في المعتبر : وهو إجماع علماء الإسلام عدا الحسن البصري ، فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه (٤).

ويدل على ذلك مضافا إلى الأصل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة » (٥) وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : رحمك الله‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ـ ١٥١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٢٨ أبواب لباس المصلي ب ٥١ ح ٢.

(٢) المعتبر ٢ : ١٠٧.

(٣) في « ح » زيادة : إذ لا فرق بينه وبين المنفرد.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٢.

١٩٨

______________________________________________________

الأمة تغطي رأسها إذا صلت ، قال : « ليس على الأمة قناع » (١).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في الأمة بين القن والمدبّرة وأم الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد شيئا.

ويحتمل إلحاق أم الولد مع حياة ولدها بالحرة ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الأمة تغطي رأسها؟ فقال : « لا ، ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد » (٢) وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية الرأس مع الولد ، ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله. ويمكن حمله على الاستحباب إلا أنه يتوقف على وجود المعارض.

وهل يستحب للأمة القناع؟ أثبته في المعتبر لما فيه من الستر والحياء ، واعترف بعدم ورود نص فيه (٣). والأظهر العدم ، لعدم ثبوت ما يقتضيه ، ولما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن بإسناده إلى حماد اللحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوكة تقنّع رأسها إذا صلت؟ قال : « لا ، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلي مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة » (٤).

ويجب على الأمة ستر ما عدا الرأس مما يجب ستره على الحرة ، تمسكا بعموم الأدلة. والأقرب تبعية العنق للرأس لأنه المستفاد من نفي وجوب التقنّع عليهن ، ولعسر ستره من دون الرأس.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٤ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٨٥٩ ، الإستبصار ١ : ٣٩٠ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٧ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣.

(٤) المحاسن : ٣١٨ ـ ٤٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٩ ح ٩.

١٩٩

فإن أعتقت في أثناء الصلاة وجب عليها ستر رأسها ، فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت. وكذا الصبيّة إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها.

______________________________________________________

قوله : ( وإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وجب عليها ستر رأسها ).

لصيرورتها حرة فيثبت لها أحكامها. ولو أعتق بعضها فكذلك ، لخروجها عن كونها أمة. وقال بعض العامة : لا يجب على المبعّضة الستر (١) ، لأنه من أمارات الحرية وعلامات الكمال ، وهي قاصرة عن ذلك. وهو معلوم البطلان.

قوله : ( فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت ).

الأصح أنّ الاستيناف إنما يثبت إذا أدركت بعد القطع ركعة في الوقت وإلا وجب الاستمرار ، لأن الستر شرط مع القدرة عليه في الوقت لا مطلقا. وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف : تستمر المعتقة ، وأطلق (٢) ، لأن دخولها كان مشروعا والصلاة على ما افتتحت عليه ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٣) ، ولا يخلو من قوة ، لأن الستر إنما ثبت وجوبه إذا توجه التكليف به قبل الشروع في الصلاة لا مطلقا.

قوله : ( وكذا الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها ).

أي يجب عليها الستر ، فإن افتقر إلى فعل كثير استأنفت. ولا يخفى أنّ الحكم بالاستمرار مع عدم الافتقار إلى الفعل الكثير مناف لما سبق في باب المواقيت من بطلان صلاة الصبي المتطوع بالبلوغ في أثنائها بغير المبطل. والأصح الاستئناف هنا مطلقا إلا أن يقصر الباقي من الوقت عن قدر الطهارة وركعة فتستمر.

__________________

(١) كما في الإنصاف ١ : ٤٥٤.

(٢) الخلاف ١ : ١٤٠.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣.

٢٠٠