مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

ولو صلى قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

والرواية واضحة المعنى ، لأن المراد من الرؤية هنا الظن ، لكنها قاصرة من حيث السند بجهالة الراوي.

وقال السيد المرتضى (١) ، وابن الجنيد (٢) ، وابن أبي عقيل (٣) : يعيد الصلاة كما لو وقعت بأسرها قبل دخول الوقت. واختاره في المختلف (٤) ، واحتج عليه برواية أبي بصير المتقدمة ، وبأنه مأمور بإيقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال. وهو جيد ، ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين ، كما لا يخفى على المتأمل.

ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر التوقف في هذه المسألة حيث قال : إن ما اختاره الشيخ أوجه بتقدير تسليم الرواية ، وما ذكره المرتضى أوجه بتقدير اطراحها (٥). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو حسن ، لكن اطراح الرواية متعين لضعف السند.

قوله : ( ولو صلّى قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة ).

المراد بالجاهل : الجاهل بالوقت أو بوجوب المراعاة ، وبالناسي : ناسي مراعاة الوقت. وأطلقه في الذكرى على من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال (٦).

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين ما إذا وقعت الصلاة بأسرها قبل الوقت أو دخل وهو متلبس بها. والوجه في الجميع عدم صدق الامتثال المقتضي‌

__________________

(١) رسائل المرتضى ٢ : ٣٥٠.

(٢) نقله عنهما في المختلف : ٧٤.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ٧٤.

(٤) المختلف : ٧٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٣.

(٦) الذكرى : ١٢٨.

١٠١

الرابعة : الفرائض اليومية. مرتّبة في القضاء.

______________________________________________________

لبقاء المكلف تحت العهدة ، وأيضا : فإنه منهي عن الشروع مع العمد ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد.

وقال الشيخ في النهاية : ومن دخل في الصلاة قبل الوقت عامدا أو ناسيا فإن دخل ولم يفرغ منها أجزأ (١). وهو مشكل جدا ، خصوصا مع تصريحه فيها بعدم جواز الدخول في الصلاة مع انتفاء العلم والظن. وربما حمل كلامه على أنّ المراد بالمتعمد الظانّ ، لأنه يسمى متعمدا للصلاة. ولا بأس به جمعا بين الكلامين.

ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ، ففي الإجزاء نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني ، وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله ، قال : وكذا البحث في كل من أتى بما هو الواجب في نفس الأمر وإن لم يكن عالما بحكمه ، ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر ، فإنها كافية وإن لم تحصل بالأدلة المقررة ، كما صرح به سلطان المحققين نصير الملة والدين (٢). انتهى كلامه أطال الله بقاءه ، ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة : الفرائض اليومية مرتّبة في القضاء ).

التقييد باليومية يشعر بعدم ترتيب غيرها ، فلا ترتيب بين اليومية والفوائت الأخر ، ولا بين تلك الفوائت ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق. ونقل شيخنا الشهيد في الذكرى عن بعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين العلقمي وجوب الترتيب فيها أيضا (٣) ، لعموم قوله عليه‌السلام : « فليقضها كما فاتته » (٤) وقوله عليه‌السلام : « يقضي ما فاته كما فاته » (٥) وجعله العلاّمة في‌

__________________

(١) النهاية : ٦٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٥٤.

(٣) الذكرى : ١٣٦.

(٤) غوالي اللآلي ٣ : ١٠٧ ـ ١٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٥ : ٣٥٩ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

١٠٢

فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقه عدل بنيته ما دام العدول ممكنا ،

______________________________________________________

التذكرة احتمالا (١) ، ونفى عنه البأس في الذكرى (٢) ، وهو أحوط وإن كان الأظهر عدم تعينه.

والمراد بترتب الفرائض اليومية في القضاء أنه إذا اجتمعت فرائض متعددة يقضي السابق مقدمات على اللاحق ، ولا ريب في وجوبه مع العلم بالسابق ، لورود الأمر به في عدة أخبار (٣). وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة القول بعدم الوجوب ، وأنه حمل الأخبار وكلام الأصحاب على الاستحباب ، قال : وهو حمل بعيد مردود بما اشتهر بين الجماعة (٤).

أما مع الجهل بالسابق فالأقرب سقوطه عملا بمقتضى الأصل ، وتفصيا من الحرج اللازم من التكليف بالتكرار المحصل له ، والتفاتا إلى اختصاص الروايات المتضمنة لاعتبار الترتيب بالعالم فلا يثبت مع الجهل ، عملا بالأصل السالم من المعارض ، وسيجي‌ء تمام الكلام في هذه المسألة إن شاء الله تعالى (٥).

قوله : ( فلو دخل في فريضة فذكر أن عليه سابقه عدل بنيته ما دام العدول ممكنا ).

هذا متفرع على ما ذكره من الترتب السابق. والمراد بالعدول أن ينوي بقلبه أنّ هذه الصلاة مجموعها ـ ما مضى منها وما بقي ـ هي السابقة المعيّنة ، وباقي مشخصات النية لا يجب التعرض له. وإنما يعدل مع الإمكان ، وذلك حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة على ما قطع به المتأخرون ، فلو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٨١.

(٢) الذكرى : ١٣٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣.

(٤) الذكرى : ١٣٦.

(٥) في ج ٤ ص ٢٩٣.

١٠٣

وإلا استأنف المرتّبة.

الخامسة : تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قيامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر. ولا بأس بما له سبب كصلاة الزيارات ، والحاجة ، والنوافل المرتّبة.

______________________________________________________

كانت اثنتين أو ثلاثا فركع في الثالثة أو الرابعة ثم تذكر الفائتة امتنع العدول ، لزيادة الركن ، بخلاف ما قبل الركوع ، لاغتفار زيادة غير الركن سهوا كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (١). وربما ظهر من كلام المنتهى فوات محل العدول بزيادة الواجب مطلقا(٢).

وقد ورد بالأمر بالعدول روايات كثيرة ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وإن ذكرت أنك لم تصلّ الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين [ فانوها الاولى ] فصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر » ثم قال : « وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم سلّم ثم صلّ المغرب » (٣).

قوله : ( وإلاّ استأنف المرتبة ).

أي : السابقة ، والمراد أنه إن لم يكن العدول ممكنا وجب أن يستأنف السابقة بعد إكمال ما هو فيها ، ويغتفر الترتيب لعارض النسيان (٤).

قوله : ( الخامسة : تكره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قيامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر ، ولا بأس بما له سبب ، كصلاة الزيارات ، والحاجة ، والنوافل المرتبة ).

__________________

(١) في ج ٤ ص ٢٢٩.

(٢) المنتهى ١ : ٤٢٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في « ح » زيادة : وعندي في هذا الحكم توقف ، لعدم وضوح مستنده.

١٠٤

______________________________________________________

ما اختاره المصنف من كراهة النوافل المبتدأة دون ذوات السبب في هذه‌ الأوقات الثلاثة : عند طلوع الشمس إلى أن يذهب الشعاع والحمرة ، وعند غروبها ، أي : اصفرارها وميلها إلى الغروب إلى أن تغرب ، وعند قيامها وهو وصولها إلى دائرة نصف النهار أو ما قاربها ، وبعد صلاتي الصبح والعصر ، مذهب أكثر الأصحاب ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والاقتصاد (١). وحكم في النهاية بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ، ولم يفرق بين ذي السبب وغيره (٢). وفصّل في الخلاف ، فقال فيما نهي عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس : لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام ، إلاّ يوم الجمعة فإنه تصلّى عند قيامها النوافل. ثم قال فيما نهي عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلاة : إنما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة ، فأما كل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به (٣).

وجزم المفيد ـ رحمه‌الله ـ بكراهة النوافل المبتدأة وذوات السبب عند الطلوع والغروب ، وقال : إن من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخّر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، وصفرتها عند غروبها (٤).

وظاهر المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ المنع من الصلاة في هذين الوقتين (٥).

والأصل في هذه المسألة الأخبار المستفيضة ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : تصلّى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٦ ، والاقتصاد : ٢٥٦.

(٢) النهاية : ٦٢.

(٣) الخلاف ١ : ١٩٧.

(٤) المقنعة : ٣٥.

(٥) الانتصار : ٥٠ ، والمسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٤.

١٠٥

______________________________________________________

فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة » (٢).

ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صلاة بعد العصر حتى المغرب ، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس » (٣) وروى الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحو ذلك (٤).

وفي طريق هاتين الروايتين الطاطري ، وكان واقفيا شديد العناد كما نص عليه الشيخ (٥) والنجاشي (٦).

وهذه الروايات شاملة بإطلاقها لصلاة الفريضة والنافلة المبتدأة وغيرها ، وإنما حملت على النافلة لورود الإذن في صلاة الفرائض في كل وقت ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « أربع صلوات يصلّيها الرجل في كل ساعة » (٧) وعدّ الصلاة الفائتة وصلاة الكسوف والطواف والأموات. وفي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٠ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٢ ـ ٤٧٤ و ٣٢١ ـ ٩٩٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٤ ، الوسائل ٢ : ٧٩٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣ ـ ٤٤ ، الإستبصار ١ : ٤١٢ ـ ١٥٧٦ ، الوسائل ٥ : ١٨ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ٣ : ١٧١ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٢. وفي الأخيرين : حتى يصلي المغرب.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٤ ، الإستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١.

(٥) الفهرست : ٩٢ ـ ٣٨٠.

(٦) رجال النجاشي : ١٧٩.

(٧) الكافي ٣ : ٢٨٨ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الوسائل ٣ : ١٧٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١.

١٠٦

______________________________________________________

صحيحة معاوية بن عمار : « خمس صلوات لا تترك على كل حال » (١) وعدّ مع هذه الأربع صلاة الإحرام.

وأما التقييد بالمبتدأة فاستدل عليه في الذكرى (٢) بتظافر الروايات بقضاء النافلة في هذه الأوقات ، كحسنة الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار كلّ ذلك سواء » (٣).

ورواية عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فكتب : « لا يجوز ذلك إلاّ للمقتضي ، فأما لغيره فلا » (٤).

وبأن شرعية ذي السبب عامة ، وإذا تعارض العمومان وجب الجمع ، والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع (٥).

وقد يقال : إن أقصى ما تدل عليه هذه الروايات بعد سلامة سندها الإذن في قضاء النافلة خاصة في هذه الأوقات فإلحاق غيرها بها من ذوات الأسباب يحتاج إلى دليل. وأما ما ذكره من الجمع فيمكن المناقشة فيه بأن التوفيق بين الأخبار كما يمكن بما ذكره كذا يمكن بتخصيص عموم ذوات السبب بما دل على كراهة الصلاة في تلك الأوقات ، لأن بينهما عموما من وجه فتقديم أحدهما يحتاج إلى مرجح.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ٣ : ١٧٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤.

(٢) الذكرى : ١٢٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩١ ، الإستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ٣ : ١٧٦ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٥ ـ ٦٩٦ ، الإستبصار ١ : ٢٩١ ـ ١٠٦٨ ، الوسائل ٣ : ١٧١ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٣.

(٥) في « م » : الجمع.

١٠٧

______________________________________________________

ويمكن الجواب عنه : بأنه يكفي في المرجح تطرق التخصيص إلى عموم ما دل على الكراهة بمطلق الفرائض وقضاء النوافل كما بيناه (١) ، واعتضاد عموم شرعية ذي السبب بإطلاق ما دل على رجحان الصلاة.

واعلم : أن ظاهر الصدوق ـ رحمه‌الله ـ التوقف في هذا الحكم من أصله ، فإنه قال : وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، إلاّ أنه روي لي جماعة من مشايخنا ، عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمري ـ قدس الله روحه ـ : وأما ما سألت من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشيطان (٢).

وقال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد الأخبار (٣) المتضمنة للكراهة : وقد روي رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها (٤). ونقل الرواية بعينها.

( ولو لا قطع الرواية ظاهرا لتعيّن المصير إلى ما تضمنته ، وحمل أخبار النهي على التقية ) (٥) لموافقتها لمذهب العامة وأخبارهم ، وقد أكثر الثقة الجليل أبو جعفر محمد بن محمد (٦) بن النعمان في كتابه المسمى بأفعل لا تفعل من‌

__________________

(١) في ص ١٠٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٥ ج ١٤٣٠. الوسائل ٣ : ١٧٢ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨.

(٣) في « ح » زيادة : المستفيضة.

(٤) التهذيب ٢ : ١٧٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : والظاهر أن هذه الرواية عن صاحب الأمر عليه‌السلام فيتعين حمل أخبار النهي على التقية.

(٦) كذا في جميع النسخ ، وبعض كتب الفقه والحديث أيضا ، والظاهر « علي » فيكون المراد به أبا جعفر محمد بن علي بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق ، لأن الكتاب المذكور له ، لا لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد ـ الذريعة ٢ : ٢٦١.

١٠٨

السادسة : ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار ، وما يفوت نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ، ولا ينتظر بها النهار.

______________________________________________________

التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : إنهم كثيرا ما يخبرون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريم شي‌ء وبعلّة تحريمه ، وتلك العلة خطأ لا يجوز أن يتكلم بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يحرّم الله من قبلها شيئا ، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين : عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها ، وعند غروبها ، فلولا أن علة النهي أنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبياء لا تجهل ، فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أن التطوع جائز فيهما.

قوله : ( السادسة : ما يفوت من النوافل ليلا يستحب تعجيله ولو في النهار ، وما يفوت نهارا يستحب تعجيله ولو ليلا ، ولا ينتظر النهار ).

ما اختاره المصنف من استحباب تعجيل فائتة النهار بالليل وفائتة الليل بالنهار مذهب الأكثر ، لعموم قوله تعالى ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (١) وقوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (٢) فعنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : هو إن جعل على نفسه شيئا من الخير من صلاة أو ذكر فيفوته ذلك من الليل فيقضيه بالنهار ، أو يشتغل بالنهار فيقضيه بالليل.

وروى ابن بابويه في كتابه ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « كلما فاتك بالليل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارك وتعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (٣) يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل » (٤).

__________________

(١) آل عمران : ١٣٣.

(٢) الفرقان : ٦٢.

(٣) الفرقان : ٦٢.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٥ ـ ١٤٢٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٤.

١٠٩

______________________________________________________

وروى إسحاق بن عمار ، قال : لقيت أبا عبد الله عليه‌السلام بالقادسية عند قدومه على أبي العباس فأقبل حتى انتهينا إلى طرناباد فإذا نحن برجل على ساقية يصلّي ، وذلك [ عند ] (١) ارتفاع النهار ، فوقف عليه أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : « يا عبد الله أيّ شي‌ء تصلّي؟ » فقال : صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار ، فقال : « يا معتّب حطّ رحلك حتى نتغدّى مع الذي يقضي صلاة الليل » فقلت : جعلت فداك تروي فيه شيئا؟ فقال : « حدثني أبي ، عن آبائه عليهم‌السلام قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، يقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترض عليه » (٢).

وروى محمد بن مسلم في الموثق ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار ، وإن فاته شي‌ء من اليوم قضاه من الغد ، أو في الجمعة ، أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلّها تامة » (٣).

وقال ابن الجنيد ، والمفيد في الأركان : يستحب قضاء صلاة النهار بالنهار ، وصلاة الليل بالليل (٤). واحتج لهما في المختلف (٥) بصحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل » (٦).

ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر ، لخروجه عن حقيقته وهي‌

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الذكرى : ١٣٧ ، الوسائل ٣ : ٢٠٢ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٦٤ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٣ : ٢٠١ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٨.

(٤) نقله عنهما في الذكرى : ١٣٧.

(٥) المختلف : ١٤٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤٥١ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٦.

١١٠

السابعة : الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخيرها إلى المزدلفة أولى ولو صار إلى ربع الليل ، والعشاء الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر ، والمتنفّل يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.

______________________________________________________

الوجوب إجماعا ، قال : وليس استعمالها مجازا في الندب أولى من استعمالها مجازا في الإباحة.

وفيه نظر : إذ الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات ، والندب أقرب إلى الحقيقة من الإباحة قطعا. ولا ريب في جواز كل من الأمرين وإن كان الأولى فعل ما تضمنته الرواية.

ويدل عليه أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك : آخر الليل ، وليس بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس (١) ورواية إسماعيل الجعفي قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل ، وصلاة النهار بالنهار » (٢).

قوله : ( السابعة : الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء الآخرة لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخيرهما إلى المزدلفة أولى ولو صار ربع الليل ، والعشاء الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر ، والمتنفل يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب ).

أجمع العلماء كافة على استحباب المبادرة بالصلاة في أول وقتها استحبابا مؤكدا. وربما ظهر من عبارة المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة الوجوب حيث حكم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١٦ ـ ١٤٣٣ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٢ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٣٨ ، الوسائل ٣ : ٢٠٠ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٧.

١١١

______________________________________________________

بأنه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيّعا لها ، وإن بقي حتى يؤديها في آخر الوقت ، أو فيما بين الأول والآخر عفي عن ذنبه (١).

واحتج له في التهذيب بالأخبار المتضمنة لأفضلية أول الوقت ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار ، أو ابن وهب : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (٢).

وفي صحيحة قتيبة الأعشى : « إن فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا » (٣).

وفي صحيحة محمد بن مسلم : « إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما أحب أن يصعد عمل أول من عملي ، ولا يكتب في الصحيفة أحد أول منّي » (٤).

ثم قال : وليس لأحد أن يقول : إن هذه الأخبار إنما تدل على أنّ أول الأوقات أفضل ، ولا تدل على أنه تجب المبادرة بها في أول الوقت. لأنا لم نرد بالوجوب هنا ما يستحق به العقاب ، بل ما يستحق به اللوم والعتب.

قيل (٥) : ويمكن أن يحتج للمفيد أيضا بقول الصادق عليه‌السلام : « أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلاّ عن ذنب » (٦).

والجواب ـ بعد تسليم السند ـ : بجواز توجه العفو بترك الأولى مثل : عفا الله عنك.

__________________

(١) المقنعة : ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٤ ـ ٤ ، التهذيب ٢ : ٤٠ ـ ١٢٥ ، الإستبصار ١ : ٢٤٤ ـ ٨٧١ ، الوسائل ٣ : ٨٩ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٤ ـ ٦ ، التهذيب ٢ : ٤٠ ـ ١٢٩ ، ثواب الأعمال : ٦٢ ـ ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٤١ ـ ١٣١ ، الوسائل ٣ : ٨٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٢.

(٥) كما في الذكرى : ١١٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٥١ ، الوسائل ٣ : ٩٠ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١٦.

١١٢

______________________________________________________

وقد استثنى المصنف من هذه الكلية أربعة مواضع :

الأول : المغرب والعشاء للمفيض من عرفة ، فإنه يستحب تأخيرهما إلى المزدلفة ـ بكسر اللام ـ وهي المشعر الحرام وإن مضى ربع الليل ، ونقل في المنتهى على ذلك إجماع أهل العلم (١) ، وروى محمد بن مسلم في الصحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا (٢) وإن ذهب ثلث الليل » (٣).

الثاني : العشاء ، فإنه يستحب تأخيرها إلى أن يذهب الشفق الأحمر ، وقد تقدم دليله.

الثالث : المتنفل يؤخر الفريضة حتى يأتي بالنافلة ، وقد تقدم مستنده.

الرابع : المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء بغسل واحد ، ويدل على ذلك روايات ، منها : قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار في المستحاضة : « اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجيل هذه » (٤).

وقد ذكر (٥) الأصحاب أنه يستحب التأخير في مواضع أخر ، منها : المشتغل بقضاء الفرائض ، يستحب له تأخير الأداء إلى آخر وقته ، وفيه قول مشهور بالوجوب ، وسيجي‌ء الكلام فيه في محله إن شاء الله (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٣.

(٢) يقال للمزدلفة : جمع ، لاجتماع الناس فيها ـ الصحاح ٣ : ١١٩٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٨٨ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ـ ٢٧٧ و ١٧٠ ـ ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٥) في « ح » توجد : أكثر.

(٦) في ج ٤ ص ٢٩٦.

١١٣

______________________________________________________

ومنها : إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال ، كانتظار الجماعة ، أو التمكن من استيفاء أفعالها على الوجه الأكمل فإنه مستحب ما لم يخرج وقت الفضيلة ، وروى عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المغرب : « إذا كان أرفق بك ، وأمكن لك في صلاتك ، وكنت في حوائجك ، فلك تأخيرها إلى ربع الليل » (١).

ومنها : الظان دخول الوقت ولا طريق له إلى العلم ، يستحب له تأخير الفريضة إلى أن يتحقق الوقت إن لم نقل بوجوبه لرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام وقد سأله عمّن صلّى الصبح مع ظن طلوع الفجر ، فقال : « لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (٢).

ومنها : المدافع للأخبثين ، يستحب له التأخير إلى أن يخرجهما ، لصحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في ثيابه » (٣).

ومنها : المغرب ، يستحب تأخيرها للصائم في صورتيه المشهورتين (٤).

ومنها : الظهر ، يستحب تأخيرها في الحرّ لمن يصلي جماعة في المسجد للإبراد بها ، لما رواه معاوية بن وهب في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان المؤذن يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ في الحر ] في صلاة الظهر فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبرد أبرد » (٥) وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، وقال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في كتابه : إن معنى الإبراد تعجيلها والمسارعة في فعلها. وهو محتمل.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١ ـ ٩٤ و ٢٥٩ ـ ١٠٣٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ٣ : ١٤٢ أبواب المواقيت ب ١٩ ح ٨.

(٢) الذكرى : ١٢٩ ، الوسائل ٣ : ٢٠٣ أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٣ ـ ١٣٧٢ ، الوسائل ٤ : ١٢٥٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٤) الصائم الذي تتوق نفسه إلى الإفطار ، أو كان له من ينتظره ( الجواهر ٧ : ٣١٣ ).

(٥) الفقيه ١ : ١٤٤ ـ ٦٧١ ، الوسائل ٣ : ١٧٩ أبواب المواقيت ب ٤٢ ح ١.

١١٤

الثامنة : لو ظنّ أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيّته.

______________________________________________________

وقال الشيخ في الخلاف : تقديم الظهر في أول وقتها أفضل ، وإن كان الحرّ شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (١). وهذا يشعر بعدم استحباب الإبراد ، فلو تحملوا المشقة وصلّوا في أول الوقت كان أفضل ، وهو حسن ، لأن الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة (٢) بمثل هذا الخبر المجمل مشكل.

قوله : ( الثامنة : لو ظن أنه صلى الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته ).

يتحقق كونه فيها ببقاء جزء من الصلاة حتى التسليم وإن قلنا باستحبابه ، لأنه جزء مستحب. ولا فرق في جواز العدول بين وقوع الثانية في الوقت المختص بالأولى أو المشترك ، ومن ثم أطلق هنا وفصّل بعد ذلك. والأصل في العدول ـ بعد الإجماع المنقول ـ روايات :

منها : ما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما في العصر فذكر وهو يصلّي أنه لم يكن صلّى الأولى ، قال : « فليجعلها الأولى التي فاتته ، ويستأنف بعد صلاة العصر ، وقد قضى القوم صلاتهم » (٣).

وما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وإن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثمّ صلّ العصر فإنما هي أربع مكان أربع » (٤).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٩٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٧٨ أبواب المواقيت ب ١ وص ١٧٩ ب ٤١ ، ٤٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٤ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٧ ـ ٧٧٧ و ٢٦٩ ـ ١٠٧٢ ، الوسائل ٣ : ٢١٣ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

١١٥

وإن لم يذكر حتى فرغ ، فإن كان قد صلى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلي الظهر على الأشبه. وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر.

______________________________________________________

قال الشيخ في الخلاف : قوله عليه‌السلام : « أو بعد فراغك منها » المراد ما قارب الفراغ ولو قبل التسليم (١). وهو بعيد.

قوله : ( وإن لم يذكر حتى فراغ ، فإن كان قد صلى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلي الظهر على الأشبه ).

الحكم بالإعادة مبني على ما هو المشهور من اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها. وعلى قول ابن بابويه ـ من اشتراك الوقت من أوله إلى آخره بين الفرضين (٢) ـ لا تجب إعادة العصر كما لو وقعت في أثناء الوقت.

والأخبار الواردة بعدم الإعادة مطلقة ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « وإن كنت صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب » (٣) وفي صحيحة صفوان وقد سأله عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر : « إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثم صلاّها » (٤). لكن لمّا كان نسيان الأولى في أول الوقت مستبعدا جدا أشكل حمل النص عليه ، ومن هنا يترجح القول بالاختصاص ، لامتناع فعل الثانية في أول الوقت مطلقا كما بيّناه فيما سبق.

قوله : ( وإن كان في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر ).

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٢ ، والمقنع : ٣٢.

(٣) المتقدمة في ص ١١٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٩ ـ ١٠٧٣ ، الوسائل ٣ : ٢١٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

١١٦

______________________________________________________

أما الإجزاء مع وقوعها في الوقت المشترك فلا إشكال فيه وقد تقدم‌ مستنده. وإنما الخلاف فيما إذا دخل الوقت المشترك وهو فيها ، ومرجعه إلى الخلاف فيمن صلّى ظانا دخول الوقت فدخل وهو في الأثناء ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

١١٧

المقدمة الثالثة

في القبلة

والنظر في : القبلة ، والمستقبل ، وما يجب له ، وأحكام الخلل.

الأول : القبلة ، هي الكعبة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، على الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( القبلة : هي الكعبة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، على الأظهر ).

أجمع العلماء كافة على وجوب الاستقبال في الصلاة المفروضة يومية كانت أو غيرها ، قاله في المعتبر (١) ، والأصل فيه قوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٢).

ويسقط اشتراطه في شدة الخوف ، لعدم التمكن ، وقوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٣) وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة وفضيل الواردة في صلاة الخوف : « يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه » (٤) وفي صحيحة زرارة : « ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت دابته ، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه » (٥).

واختلف الأصحاب فيما يجب استقباله ، فذهب السيد المرتضى (٦) ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٤.

(٢) البقرة : ١٥٠.

(٣) البقرة : ١١٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٧ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٦ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٤٥٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٨.

(٦) جمل العلم والعمل : ٥٩ ، والمسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

١١٨

______________________________________________________

وجماعة منهم : المصنف في النافع والمعتبر (١) ، والعلاّمة (٢) ، وأكثر المتأخرين (٣) إلى أنه الكعبة لمن يتمكن من العلم بها من دون مشقة كثيرة عادة كالمصلّي في بيوت مكة ، وجهتها لغيره.

وقال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (٤) ، وجماعة من الأصحاب منهم المصنف في هذا الكتاب : إن الكعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل الحرم ، والحرم قبله من كان خارجا عنه. والمعتمد الأول.

أمّا أنّ القريب فرضه استقبال العين فاستدل عليه في المعتبر بإجماع العلماء كافة على ذلك (٥) ، فإن تم فهو الحجة وإلاّ أمكن المناقشة فيه ، إذ الآية الشريفة إنما تدل على وجوب استقبال شطر المسجد ، والروايات خالية من هذا التفصيل.

وأما أنّ فرض البعيد استقبال الجهة فيدل عليه قوله تعالى ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (٦) والشطر لغة : الجهة والجانب والناحية (٧). وما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » قلت له : أين حدّ القبلة؟ قال : « ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه » (٨).

وأيضا : فإن التكليف بإصابة الحرم يستلزم بطلان صلاة البلاد المتسعة بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم ، واللازم باطل فالملزوم مثله ،

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٣ ، والمعتبر ٢ : ٦٥.

(٢) القواعد ١ : ٢٦ ، والمنتهى ١ : ٢١٧ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٨.

(٣) كالشهيد الأول في البيان : ٥٣ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٨٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢١ ، وروض الجنان : ١٨٩.

(٤) النهاية : ٦٢ ، والمبسوط ١ : ٧٧ ، والخلاف ١ : ٩٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٥.

(٦) البقرة : ١٥٠.

(٧) كما في لسان العرب ٤ : ٤٠٨ ، ومجمع البحرين ٣ : ٣٤٥ ، ومختار الصحاح : ٣٣٧.

(٨) الفقيه ١ : ١٨٠ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : ٢١٧ أبواب القبلة ب ١٢ ح ٩.

١١٩

______________________________________________________

والملازمة ظاهرة ، مع أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى صرّحا بأن قبلة العراق وخراسان واحدة (١) ، ومعلوم زيادة التفاوت بينهما.

احتج الشيخ (٢) ـ رحمه‌الله ـ بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله (٣) بن محمد الحجال ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الله جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا » (٤) ومثله روى أبو الوليد الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) ، وبأن المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب استقبال جهتها ، لأن لكل مصلّ جهة ، والكعبة لا تكون في الجهات كلها ، ولا كذا التوجه إلى الحرم ، لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجها إلى جزء منه.

والجواب : أما الإجماع فممنوع في موضع النزاع ، وأما الروايتان فضعيفتا السند جدا مخالفتان للاعتبار ، لأن قبلة كل إقليم واحدة ، ومعلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم. وحملهما الشهيد في الذكرى على أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتهما ، وإنما ذكرهما على سبيل التقريب إلى أفهام المكلفين إظهارا لسعة الجهة (٦). ولا بأس به.

وقوله : إنّ المحذور يلزم في إيجاب استقبال الجهة كما يلزم في عين الكعبة ، ممنوع ، لأنا نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنية ، وذلك متسع يمكن أن يوازي جهة كلّ مصلّ ، على أن الإلزام في الكعبة لازم في الحرم وإن كان طويلا.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥ ، المنتهى ١ : ٢١٨.

(٢) الخلاف ١ : ٩٨.

(٣) في التهذيب « عبيد الله » وما في المتن هو الصحيح ( راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٨٤ ـ ٧٤٩٩ ).

(٤) التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٣٩ ، الوسائل ٣ : ٢٢٠ أبواب القبلة ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٤٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٠ أبواب القبلة ب ٣ ح ٢.

(٦) الذكرى : ١٦٢.

١٢٠