مدارك الأحكام - ج ٣

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٧

وما بين طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق إلى طلوع الشمس وقت للصبح.

______________________________________________________

النساء ، نام الصبيان ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني ، إنما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا » (١).

قوله : ( وما بين طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ).

أجمع العلماء كافة على أنّ أول وقت الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق أي : المنتشر الذي لا يزال في زيادة ، ويسمى الصادق ، لأنه يصدق من رآه عن الصبح ، ويسمى الأول الكاذب وذنب السرحان ، لخروجه مستدقا مستطيلا كذنب السرحان.

والمستند في ذلك الأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا » (٢).

وحسنة عليّ بن عطية ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى » (٤).

ورواية الحصين بن أبي الحصين أنه كتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام يسأله عن وقت صلاة الفجر ، فكتب إليه بخطه عليه‌السلام : « الفجر ـ يرحمك الله ـ الخيط الأبيض ، وليس هو الأبيض صعدا ، ولا تصلّ في سفر ولا حضر حتى‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨ ـ ٨١ ، الوسائل ٣ : ١٤٥ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦ ـ ١١١ ، الإستبصار ١ : ٢٧٣ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ٣ : ١٥٤ أبواب المواقيت ب ٢٧ ح ٥.

(٣) سورى على وزن بشرى : موضع بالعراق من أرض بابل ، والمراد ببياضها نهرها كما في رواية هشام بن الهذيل عن الكاظم عليه‌السلام وقد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال : « حين يعترض الفجر فتراه كأنه نهر سورى » ، ( معجم البلدان ٣ : ٢٧٨ ، الحبل المتين : ١٤٤ ).

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٣ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣١٧ ـ ١٤٤٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧ ـ ١١٨ ، الإستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٧ ، الوسائل ٣ : ١٥٣ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٢.

٦١

______________________________________________________

تتبينه رحمك الله » (١).

واختلف الأصحاب في آخره ، فذهب المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة (٢) ، والشيخ في جملة من كتبه (٣) ، والمرتضى (٤) ، وأبو الصلاح (٥) ، وابن البراج (٦) ، وابن زهرة (٧) ، وابن إدريس (٨) ، إلى أنه طلوع الشمس.

وقال الشيخ في الخلاف : وقت المختار إلى أن يسفر الصبح ، ووقت المضطر إلى طلوع الشمس (٩). وقال ابن أبي عقيل : آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية ، وللمضطر طلوع الشمس (١٠). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة عدم تضيّق الواجب قبل طلوع الشمس ، وما رواه الشيخ في الموثق ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا يفوّت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (١١).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وقت صلاة الغداة ما بين‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٢ ـ ١ وفيه : كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، التهذيب ٢ : ٣٦ ـ ١١٥ ، الإستبصار ١ : ٢٧٤ ـ ٩٩٤ ، الوسائل ٣ : ١٥٣ أبواب المواقيت ب ٢٧ ح ٤.

(٢) المقنعة : ١٤.

(٣) الاقتصاد : ٢٥٦ ، والرسائل العشر : ١٧٤.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٧٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٨.

(٦) المهذب ١ : ٦٩ ، وشرح الجمل : ٦٦.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

(٨) السرائر : ٣٩.

(٩) الخلاف ١ : ٨٦.

(١٠) نقله عنه في المختلف : ٧٠.

(١١) التهذيب ٢ : ٢٥٦ ـ ١٠١٥ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ٣ : ١١٦ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٩. وفي الوسائل والاستبصار : لا تفوت.

٦٢

______________________________________________________

طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » (١).

وعن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (٢).

ويمكن أن يستدل له أيضا بصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر ، وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال : « يؤخرهما » (٣).

وجه الدلالة أن ظاهر الخبر امتداد الوقت إلى ما بعد الإسفار وظهور الحمرة ، وكل من قال بذلك قال بامتداده إلى طلوع الشمس.

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على انتهائه للمختار بالإسفار بما رواه في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام » (٤).

وفي الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما ، ووقت الفجر حين ينشق الفجر ذلك عمدا ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام » (٥) إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير.

والجواب : منع دلالة الروايتين على خروج وقت الاختيار بذلك ، فإن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦ ـ ١١٤ ، الإستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٣ : ١٥٢ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٨ ـ ١١٩ ، الإستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ٣ : ١٥٨ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٠ ـ ١٤٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٩٣ أبواب المواقيت ب ٥١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨٣ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٨ ـ ١٢١ ، الإستبصار ١ : ٢٧٦ ـ ١٠٠١ ، الوسائل ٣ : ١٥١ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٩ ـ ١٢٣ ، الإستبصار ١ : ٢٧٦ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٣ : ١٥١ أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٥.

٦٣

ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة. والغروب باستتار القرص ، وقيل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.

وقال آخرون : ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شي‌ء مثله وقت للظهر. وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير الظل مثليه‌

______________________________________________________

لفظ : « لا ينبغي » ظاهر في الكراهة ، وجعل ما بعد الإسفار وقتا لمن شغل يقتضي عدم فوات وقت الاختيار بذلك ، فإن الشغل أعم من الضروري ، وبالجملة : فأقصى ما يدلان عليه خروج وقت الفضيلة بذلك ، لا وقت الاختيار ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( ويعلم الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ).

وقد ذكر المصنف ، وغيره (١) أنه يعلم بأمرين :

أحدهما : زيادة الظل بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، كما يتفق في بعض البلاد كمكّة وصنعاء في بعض الأزمنة ، وذلك لأن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على الأرض ظلّ طويل في جانب المغرب ، ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تصل إلى دائرة نصف النهار ـ وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب ـ فهناك ينتهي نقصان الظل المذكور ، أو ينعدم في بعض البلاد في بعض الأزمنة ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن قد بقي ظل عند الاستواء حدث الفي‌ء في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي فحينئذ يزيد متحولا إليه. فإذا أريد معاينة ذلك ينصب مقياس ، ويقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثم يصبر قليلا ويقدّر ، فإن كان دون الأول أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار في عدة أخبار كرواية سماعة قال ، قلت لأبي‌

__________________

(١) منهم الشهيد الأول في الدروس : ٢٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٧٥ ، ١٧٨.

٦٤

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا ، فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت : هذا تطلب؟ قال : « نعم » فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ، ثم قال : « إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا ، ثم لا يزال ينقص حتى تزول ، فإذا زالت زادت ، فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ، ثم تمهّل قدر ذراع وصلّ العصر » (١).

ورواية عليّ بن أبي حمزة ، قال : ذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام زوال الشمس قال ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام ، فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت » (٢).

وينضبط ذلك بالدائرة الهندسية ، وبها يستخرج خط نصف النهار الذي إذا وقع ظل الشاخص المنصوب في مركز الدائرة عليه كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أول الزوال.

وطريقها : أن يسوّى موضعا من الأرض خاليا من ارتفاع وانخفاض تسوية صحيحة ، ثم يدار عليها دائرة بأي بعد كان ، وينصب على مركزها مقياس مخروط محدّد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا ، نصبا مستقيما بحيث يحدث عن جوانبه زوايا قوائم ـ ويعلّم ذلك بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحيط ـ ويرصد رأس الظل عند وصوله إلى محيطها يريد الدخول فيها فيعلم عليه علامة ، ثم يرصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنه علّم عليه علامة ووصل ما بين العلامتين بخط مستقيم ، ثم ينصّف القوسان ، ويكفي تنصيف القوس الشمالي ، فيخرج من منتصفه خطا مستقيما يتصل بالمركز ، فذلك خط نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٥ ، الوسائل ٣ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٦ ، الوسائل ٣ : ١١٩ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٢.

٦٥

والمماثلة بين الفي‌ء الزائد والظل الأول ، وقيل : بل مثل الشخص.

وقيل : أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر. هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار.

وكذا من غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة للمغرب ، والعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر ، وقيل : إلى طلوع الفجر.

وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور. وعندي أن ذلك كله للفضيلة.

______________________________________________________

الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت.

وثانيهما : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ، والمراد بها قبلة أهل العراق ، ولا بد من حمله على أطراف العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال فيكون حينئذ لمستقبل نقطة الجنوب بين العينين فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن ، وأما أوساط العراق وأطرافه الشرقية فقبلتهم تميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب كما سيأتي (١) ، فلا يعلم الزوال بصيرورة الشمس على الحاجب الأيمن لمستقبلها إلاّ بعد مضي زمان طويل من أول الوقت.

قوله : ( والمماثلة بين الفي‌ء الزائد والظل الأول ، وقيل : مثل الشخص ).

المراد بالفي‌ء ما يحدث من ظل الشخص بعد الزوال ، وبالظل ما حدث منه قبله ، والمراد بالظل الأول الباقي منه عند الزوال ، والقول باعتبار المماثلة بين الفي‌ء الزائد والشخص المنصوب مذهب الأكثر ، قاله في المعتبر (٢) ، وهو الأظهر ، لأنه المستفاد من الروايات الدالة على اعتبار المماثلة ، كموثقة زرارة ،

__________________

(١) في ص ١٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٠.

٦٦

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لعمرو بن سعيد بن هلال : « قل له ـ يعني زرارة ـ إذا صار ظلك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا صار ظلك مثليك فصلّ العصر » (١).

وصحيحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (٢).

ورواية يزيد بن خليفة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا لا يكذب علينا » قلت : ذكر أنك قلت : « إذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك ، ثم لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر ، فلم يزل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء » قال : « صدق » (٣) ولو كان المعتبر مماثلة الظل الأول لما اعتبرت القامة ، لأنه غير منضبط.

وقال الشيخ في التهذيب : المعتبر المماثلة بين الفي‌ء الزائد والظل الأول لا الشخص ، واستدل بما رواه صالح بن سعيد ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عما جاء في الحديث : أن صلّ الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين ، وذراعا وذراعين ، وقدما وقدمين ، من هذا ومن هذا ، فمتى هذا وكيف هذا؟ وقد يكون الظلّ في بعض الأوقات نصف قدم. قال : « إنما قال : ظلّ القامة ، ولم يقل : قامة الظلّ ، وذلك أن ظلّ القامة يختلف ، مرة يكثر ومرة يقلّ ، والقامة قامة أبدا لا تختلف. ثم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢ ـ ٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩١ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١ ـ ٦١ ، الإستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩٠ ، الوسائل ٣ : ١٠٥ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠ ـ ٥٦ ، الإستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٢ ، الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ١.

٦٧

ووقت النوافل اليومية :

للظهر من حين الزوال إلى أن تبلغ زيادة الفي‌ء قدمين. وللعصر أربعة أقدام ، وقيل : ما دام وقت الاختيار باقيا ، وقيل : يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قال : ذراع وذراعان وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظلّ القامتين ذراعين ، فيكون ظلّ القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به ، فإذا كان الزمان الذي يكون فيه ظلّ القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظلّ القامة وكانت القامة ذراعا من الظلّ ، وإذا كان ظلّ القامة أقل وأكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ، فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين » (١).

وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعيد ، ومتنها متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب ، وأيضا : فإنّ قدر الظلّ الأول غير منضبط وقد ينعدم في بعض الأوقات ، فلو نيط الوقت به لزم التكليف بعبادة موقتة في غير وقت أو في وقت يقصر عنها ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ووقت النوافل اليومية للظهر من حين الزوال إلى أن تبلغ زيادة الفي‌ء قدمين ، وللعصر أربعة أقدام ، وقيل : ما دام وقت الاختيار باقيا ، وقيل : يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأول أشهر ).

اختلف الأصحاب في آخر وقت نافلة الظهرين ، فقال الشيخ في النهاية ، وجمع من الأصحاب : وقت نافلة الظهر من الزوال حتى تبلغ زيادة الظل قدمين ، والعصر إلى أربعة أقدام (٢). وقال في الجمل ، والمبسوط ، والخلاف : وقت نافلة الظهر من الزوال إلى أن يبقى لصيرورة الفي‌ء مثل الشخص بمقدار ما يصلي فيه فريضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر ، إلى أن يبقى لصيرورة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٦٧ ، الوسائل ٣ : ١١٠ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣٤.

(٢) النهاية : ٦٠.

٦٨

______________________________________________________

الفي‌ء مثليه مقدار ما يصلي العصر (١).

وحكى المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا قولا بامتداد وقتهما بامتداد وقت الفريضة ولم ينقله في المعتبر ، ولا نقله غيره فيما أعلم ، وهو مجهول القائل (٢). والمعتمد الأول.

لنا ما رواه ابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر » ثم قال : « أتدري لم يجعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : « لمكان النافلة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٣).

ومقتضى الرواية ترك النافلة بعد الذراع والذراعين والبدأة بالفريضة ثم الإتيان بالنافلة بعد ذلك.

وبهذه الرواية استدل المصنف في المعتبر على اعتبار المثل والمثلين ، فقال بعد نقلها : وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين ، لأن التقدير أن الحائط ذراع. قال : ويدل عليه ما روي علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في كتاب علي عليه‌السلام : القامة ذراع » (٤) فبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا (٥).

ويتوجه عليه أولا : منع ما ادعاه من كون القامة ذراعا ، والطعن في سند‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٤ ، والمبسوط ١ : ٧٦ ، والخلاف ١ : ١٩٩.

(٢) القائل هو الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ٣ : ١٠٣ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٥١ ـ ٩٩٥ ، الوسائل ٣ : ١٠٧ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٢٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٨.

٦٩

فإن خرج وقد تلبّس من النافلة‌ ولو بركعة زاحم بها الفريضة مخففة.

______________________________________________________

الروايات المتضمنة لذلك.

وثانيا : أنه لو ثبت ذلك في الجملة لم تصح إرادته هنا ، لأن قوله عليه‌السلام في آخر الرواية : « فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة » صريح في اعتبار قامة الإنسان.

ويمكن أن يستدل للقول الثالث بإطلاق النصوص المتضمنة لاستحباب فعل هذه النوافل قبل الفرضين (١).

وحسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (٢).

ومرسلة علي بن الحكم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال لي : « صلاة النهار ست عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوله ، وإن شئت في وسطه ، وإن شئت في آخره » (٣).

والجواب أن هذه الروايات مطلقة ، وروايتنا مفصلة ، والمطلق يحمل على المفصل.

واعلم أن ظاهر الرواية استئثار النافلة بجميع الذراع والذراعين ، أو المثل والمثلين على ما ذكره المصنف ، بمعنى أنه لو بقي من ذلك الوقت قدر النافلة خاصة أوقعها فيه وأخر الفريضة ، ومقتضى كلام الشيخ في المبسوط والجمل استثناء قدر إيقاع الفريضتين من المثل والمثلين ، والأخبار لا تساعده.

قوله : ( وإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو بركعة زاحم بها‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٦ ، الإستبصار ١ : ٢٧٨ ـ ١٠١٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٨.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٤ ، الإستبصار ١ : ٢٧٨ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ٣ : ١٦٩ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٦.

٧٠

وإن لم يكن صلى شيئا بدأ بالفريضة.

______________________________________________________

الفريضة مخففة ، وإن لم يكن صلى شيئا بدأ بالفريضة ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (١) وأتباعه (٢). وربما كان مستنده رواية عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « للرجل أن يصلي من نوافل الزوال إلى أن يمضي قدمان ، فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلاّ بعد ذلك ، وللرجل أن يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل ، وإن كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر » (٣) وهي صريحة في المطلوب ، ولا تنافيها رواية زرارة المتقدمة (٤) ، إذ الظاهر منها أن تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين إنما هو مع عدم التلبس بشي‌ء من النافلة أصلا.

قال المصنف في المعتبر : وهذه الرواية في سندها جماعة من الفطحية ، لكن يعضدها أنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها (٥). وهو جيد ، ويعضدها أيضا أنّ مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة وليس لها معارض يعتد به ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر المصنف وغيره (٦) أنه مع التلبّس من النافلة في الوقت بركعة يتمها مخففة ، وذكروا أنّ المراد بتخفيفها : الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها ، كقراءة الحمد وحدها وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود ، حتى قال بعض المتأخرين : إنه لو تأدى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام لإطلاق الأمر بالتخفيف. والنصّ (٧) الذي وقفت عليه خال من هذا القيد وإن أمكن المصير‌

__________________

(١) النهاية : ٦٠.

(٢) كالقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٧١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٣ : ١٧٨ أبواب المواقيت ب ٤٠ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٤) في ص ٦٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٨.

(٦) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠١٩ ، الوسائل ٣ : ٨٨ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٩.

٧١

ولا يجوز تقديمها على الزوال إلاّ يوم الجمعة. ويزاد في نافلها أربع ركعات ، اثنتان منها للزوال.

______________________________________________________

إلى ما ذكروه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب.

قوله : ( ولا يجوز تقديمها على الزوال إلاّ يوم الجمعة ).

الوجه في ذلك أنّ الصلاة وظيفة شرعية فيقف إثباتها على مورد النقل ، والمنقول فعلها بعد الزوال في غير يوم الجمعة ، فلا يكون تقديمها عليه مشروعا. ويؤيده ما رواه الشيخ ( في الصحيح ) (١) عن ابن أذينة عن عدة : أنهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل » (٢).

وقال الشيخ في التهذيب : يجوز تقديمها على الزوال رخصة لمن علم أنه إن لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها (٣). واستدل بما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أشتغل ، قال : « فاصنع كما أصنع ، صلّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر ، واعتد بها من الزوال » (٤).

وعن القاسم بن الوليد الغساني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال : « ست عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها ، إلاّ أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل » (٥).

__________________

(١) ليست في « م ».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٦٠ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ١٠٠٤ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٧٧ ـ ١٠٠٦ ، الوسائل ٣ : ١٦٩ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٣ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ٣ : ١٦٩ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٥.

٧٢

ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية ،

______________________________________________________

وعن سيف بن عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نافلة النهار ، قال : « ست عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ علي بن الحسين عليه‌السلام كانت له ساعات من النهار يصلي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدية متى ما أتي بها قبلت » (١).

( ويستفاد من هاتين الروايتين جواز التقديم مطلقا وإن كان مرجوحا بالنسبة إلى إيقاعها بعد الزوال ) (٢) وتدل عليه أيضا حسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (٣). وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح.

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنه قال : « ما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الضحى قط » فقلت له : ألم تخبرني أنه كان يصلي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال : « بلى إنه كان (٤) يجعلها من الثمان التي بعد الظهر » (٥).

هذا كله في غير يوم الجمعة ، أما فيه فلا ريب في جواز تقديم النافلة على الزوال بل رجحانه ، كما سيجي‌ء في محله إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ونافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا. واستدل عليه في المعتبر (٦) بأن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٥ ، الإستبصار ١ : ٢٧٨ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ٣ : ١٦٩ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٧. إلا أن فيها سيف عن عبد الأعلى وهو الظاهر لعدم وجود سيف بن عبد الأعلى في كتب الرجال.

(٢) ما بين القوسين ليس في « س ».

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦٧ ـ ١٠٦٦ ، الإستبصار ١ : ٢٧٨ ـ ١٠١٠ ، الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٨.

(٤) في « ح » زيادة : يصلي و.

(٥) الفقيه ١ : ٣٥٨ ـ ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ١٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٣.

٧٣

فإن بلغ ذلك ولم يكن صلى النافلة أجمع بدأ بالفريضة.

______________________________________________________

ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الإقبال فيه على النافلة حسنا ، وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة. قال : ويدل على أن آخر وقتها ذهاب الحمرة ما روي من منع النافلة في وقت الفريضة ، روى ذلك جماعة منهم محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع » (١).

وفيه نظر ، إذ من المعلوم أنّ النهي عن التطوع وقت الفريضة إنما يتوجه إلى غير الرواتب ، للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض وإلاّ لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من أول وقت المغرب (٢) ، ولا نافلة الظهرين عند الجميع. وقوله : إنه عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة ، دعوى خالية من الدليل ، مع أن الاشتغال بالفرض قد يقع قبل ذلك عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول وقتها إلى ذهاب الحمرة لا يصلح للفرق.

ومن ثم مال شيخنا الشهيد في الذكرى والدروس إلى امتداد وقتها بوقت المغرب ، لأنها تابعة لها كالوتيرة (٣) ، وهو متجه. وتشهد له صحيحة أبان بن تغلب ، قال : صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما. ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام فصلى العشاء الآخرة (٤).

قوله : ( فإن بلغ ذلك ولم يكن صلى النافلة أجمع بدأ بالفريضة ).

استدل عليه في المعتبر بأن النافلة لا تزاحم غير فريضتها ، لما روي أنه لا‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٧ ـ ٩٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٦ ، الوسائل ٣ : ١٦٥ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٣. بتفاوت يسير.

(٢) حكاه العلامة في المختلف : ٦٩.

(٣) الذكرى : ١٢٤ ، والدروس : ٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٧ ـ ٢ ، الوسائل ٣ : ١٦٣ أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ١ بتفاوت.

٧٤

والركعتان من جلوس بعد العشاء ، ويمتدّ وقتهما بامتداد وقت الفريضة. وينبغي أن يجعلهما خاتمة نوافله.

______________________________________________________

تطوع في وقت فريضة (١). ويتوجه عليه ما سبق.

وجزم الشهيدان بأن من كان قد شرع في ركعتين منها ثم زالت الحمرة يتمهما سواء كانتا الأولتين أو الأخيرتين ، للنهي عن إبطال العمل (٢) ، ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه (٣). وهو حسن ، وأحسن منه إتمام الأربع بالتلبس بشي‌ء منها قبل ذهاب الشفق كما نقل عن ابن إدريس (٤). وأولى من الجميع الإتيان بالنافلة بعد المغرب متى أوقعها المكلف وعدم اعتبار شي‌ء من ذلك.

قوله : ( والركعتان من جلوس بعد العشاء ، ويمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة ، وينبغي أن يجعلها خاتمة نوافله ).

أما امتداد وقتهما بامتداد وقت العشاء فلأنهما نافلة لها فتكون مقدرة بوقتها. قال في المنتهى : وهو مذهب علمائنا أجمع (٥).

وأما استحباب جعلهما خاتمة النوافل التي يريد أن يصليها تلك الليلة فذكره الشيخان (٦) وأتباعهما (٧) ، ولم أقف على مستنده. نعم روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك » (٨) وهو لا يدل على المدعى.

ويستحب القراءة في هاتين الركعتين بالواقعة والتوحيد ، لما رواه الشيخ في‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤.

(٢) محمد : ٣٣.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ١٢٤ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٨١.

(٤) الذكرى : ١٢٤.

(٥) المنتهى ١ : ٢٠٨.

(٦) المفيد في المقنعة : ١٩ ، والشيخ في النهاية : ٦٠ ، ١١٩ ، والمبسوط ١ : ٧٦ ، ١٣٣.

(٧) منهم ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧١.

(٨) الكافي ٣ : ٤٥٣ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٤ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ٥ : ٢٨٣ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٤٢ ح ٥.

٧٥

وصلاة الليل بعد انتصافه ، وكلما قربت من الفجر كان أفضل.

______________________________________________________

الصحيح عن ابن أبي عمير ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يقرأ في الركعتين بعد العشاء الواقعة وقل هو الله أحد (١).

قوله : ( وصلاة الليل بعد انتصافه ، وكلما قرب من الفجر كان أفضل ).

أما أن ما بعد الانتصاف وقت لصلاة الليل فهو مذهب علمائنا أجمع ، ويدل عليه صحيحة فضيل عن أحدهما عليهما‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة » (٢). وصحيحة ابن أذينة عن عدة إنهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل » (٣).

وأما أنه كلما قرب من الفجر كان أفضل فاستدل عليه بقوله تعالى : ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٤) والسحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة (٥). وقد صحّ عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن المراد بالاستغفار هنا الاستغفار في قنوت الوتر » (٦).

وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن ساعات الوتر ، فقال : « أحبها إليّ الفجر الأول » وسألته عن أفضل ساعات الليل ، قال : « الثلث الباقي » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١١٦ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٤ أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٧ ـ ٤٤٢ ، الإستبصار ١ : ٢٧٩ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٠ أبواب المواقيت ب ٤٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٩ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ ـ ١٠٦٠ ، الوسائل ٣ : ١٦٧ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٥.

(٤) الذاريات : ١٨.

(٥) كما في الصحاح ٢ : ٦٧٨.

(٦) التهذيب ٢ : ١٣٠ ـ ٤٩٨ ، الوسائل ٤ : ٩١٠ أبواب القنوت ب ١٠ ح ٧. بلفظ آخر.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٣٩ ـ ١٤٠١ ، الوسائل ٣ : ١٩٧ أبواب المواقيت ب ٥٤ ح ٤.

٧٦

______________________________________________________

ورواية مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : متى أصلي صلاة الليل؟ فقال : « صلها آخر الليل » قال : فقلت : فإني لا أستنبه ، فقال : « تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها ، فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت » (١). وفي طريق هذه الرواية هارون ، وهو مشترك بين جماعة منهم الضعيف (٢).

ولو قيل باستحباب تأخير الوتر خاصة إلى أن يقرب الفجر دون الثماني ركعات ـ كما تدل عليه صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة ـ كان وجها قويا. ويؤيده ما رواه عمر بن يزيد في الصحيح أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها إلاّ استجاب له في كل ليلة » قلت : فأصلحك الله فأية ساعة من الليل؟ قال : « إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي » (٣).

وقال ابن الجنيد (٤) : يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات ، لقوله تعالى ( وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) (٥) ولما رواه معاوية بن وهب في الصحيح ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ـ وذكر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : « كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ، ويوضع سواكه عند فراشه ، ثم ينام ما شاء الله ، فإذا استيقظ جلس ، ثم قلّب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآية ، ثم يستنّ ويتطهر ، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات ، على قدر قراءته ركوعه ، وسجوده على قدر ركوعه ، يركع حتى يقال : متى يرفع رأسه ، ويسجد حتى يقال : متى يرفع رأسه ، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثم‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٥ ـ ١٣٨٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٦.

(٢) راجع رجال النجاشي : ٤٣٧ ـ ١١٧٦ ـ ١١٨٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١١٧ ـ ٤٤١ ، الوسائل ٤ : ١١١٨ أبواب الدعاء ب ٢٦ ح ١.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٢٤.

(٥) طه : ١٣٠.

٧٧

ولا يجوز تقديمها على الانتصاف ، إلا لمسافر يصدّه جده أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل.

______________________________________________________

يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلّب بصره في السماء ، ثم يستنّ ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ، ثم يستنّ ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة » (١). ومعنى يستنّ يستاك. ويستفاد من هذه الرواية استحباب فعل النافلة في المسجد.

قوله : ( ولا يجوز تقديمها على الانتصاف ، إلاّ لمسافر يصدّه جده ، أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل ).

ما اختاره المصنف من عدم جواز تقديمها على الانتصاف إلاّ في السفر أو الخوف من غلبة النوم مذهب أكثر الأصحاب.

ونقل عن زرارة بن أعين المنع من تقديمها على الانتصاف مطلقا وأنه قال : كيف تقضى صلاة قبل وقتها؟ إن وقتها بعد انتصاف الليل (٢). واختاره ابن إدريس (٣) ـ رحمه‌الله ـ على ما نقل عنه ، والعلامة في المختلف (٤). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح عن ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل ، قال : « نعم ما رأيت ، نعم ما صنعت » قال : وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيجعل صلاة الليل والوتر في أول الليل ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٤ ـ ١٣٧٧ ، الوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٩ ـ ٤٤٨ ، الإستبصار ١ : ٢٨٠ ـ ١٠١٦ ، الوسائل ٣ : ١٨٦ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٧.

(٣) السرائر : ٦٧.

(٤) المختلف : ٧٤.

٧٨

______________________________________________________

قال : « نعم » (١).

وفي الصحيح عن أبان بن تغلب ، قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة ، فكان يقول : « أمّا أنتم فشباب تؤخّرون وأمّا أنا فشيخ أعجل ، فكان يصلي صلاة الليل أول الليل » (٢).

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل وكانت بك علة أو أصابك برد ، فصلّ وأوتر من أول الليل في السفر » (٣).

وفي الصحيح عن يعقوب الأحمر ، قال : سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل ، فقال : « نعم ما رأيت ، ونعم ما صنعت » ثم قال : « إن الشابّ يكثر النوم فأنا آمرك به » (٤).

والأخبار الواردة في ذلك كثيرة جدا (٥).

وربما ظهر من بعض الروايات جواز تقديمها على الانتصاف مطلقا (٦) ، كصحيحة محمد بن عيسى ، قال : كتبت إليه أسأله : يا سيدي روي عن جدك أنه قال : لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل ، فكتب : « في أيّ وقت صلى فهو جائز إن شاء الله » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١١٨ ـ ٤٤٦ ، الإستبصار ١ : ٢٧٩ ـ ١٠١٤ ، الوسائل ٣ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٠ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٧ ـ ٥٧٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٤ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٩ ـ ١٣١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٢٧ ـ ٥٧٨ ، الوسائل ٣ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٨ ـ ٦٦٩ ، الوسائل ٣ : ١٨٤ أبواب القنوت ب ٤٤ ح ١٧.

(٥) الوسائل ٣ : ١٨١ أبواب المواقيت ب ٤٤.

(٦) في « م » زيادة : وإن كان مرجوحا بالنسبة إلى إيقاعها بعده.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ـ ١٣٩٣ ، الوسائل ٣ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٤.

٧٩

وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم يكن تلبس منها بأربع بدأ بركعتي‌

______________________________________________________

ورواية الحسين بن علي بن بلال ، قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : « عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوله وآخره جائز » (١).

ورواية سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره ، إلاّ أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل » (٢).

وقد نصّ الأصحاب على أنّ قضاء النافلة من الغد أفضل من التقديم ، ورواه معاوية بن وهب في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : إن رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم ، فقال : إني أريد القيام للصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح ، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله ، قال : « قرة عين له والله » ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » قلت : فإن من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير وأهله وتحرص على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه أول الليل ، فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء (٣).

وروى محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت : الرجل من أمره القيام بالليل تمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم ، فيقضي أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال : « لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة » (٤).

قوله : ( وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم يكن تلبس منها‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ـ ١٣٩٢ ، الوسائل ٣ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٧ ـ ١٣٩٤ ، الوسائل ٣ : ١٨٣ أبواب المواقيت ب ٤٤ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤٧ ـ ٢٠ ، التهذيب ٢ : ١١٩ ـ ٤٤٧ ، الإستبصار ١ : ٢٧٩ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ١ ، ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٨ ـ ١٣٩٥ ، الوسائل ٣ : ١٨٥ أبواب المواقيت ب ٤٥ ح ٥.

٨٠