تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

كانا على التعاقب فلا وجه لجواز حكم الثانى بعد صدور حكم الاوّل وان كان صدورهما دفعة فهو بعيدو فى الرّواية اشكال آخر لم يذكره المصنّف ره وهو انّ ظاهر صدرها هو الرّجوع الى الحاكم عند المنازعة ولا ريب انّ الامر فى اختيار الحاكم فى المنازعات بيد المدّعى وله اختيار من شاء وان كان مفضولا بالنّسبة الى من يختاره المنكر والفقيه وان كان مفضولا ينفذ حكمه ولا يكون الامر مفوّضا الى المتنازعين كليهما حتّى يتحرّيا فى اعمال المرجّحات فكان المناسب ان يجيب ع بانّ الامر بيد المدّعى وان القول قول من اختاره حكما هذا ويمكن دفع الاشكالات باسرها بعد تسليم تماميّتها بانّ غاية ما ثبت هى ورودها فى القاضى المنصوب خصوصا او عموما وامّا قاضى التحكيم الّذى هو الظّاهر من صدر الرّواية كما يقتضيه قول السّائل فان كان كلّ رجل يختار رجلا فلم يقم دليل على عدم جواز نقض الحكم ولا على عدم جواز تعدّده ولا على عدم جواز اجتهاد المتخاصمين بعد تعارض الحكمين ولا على عدم جواز اختيار المنكر من شاء فالامور المذكورة على تقدير لزومها لا محذور فيها بل يمكن التّمسك على جوازها بصدر الرّواية هذا مضافا الى عدم لزوم بعضها كتعدّد الحكمين فانّ الظّاهر من الرّواية فرض السّئوال عن تراضى المتخاصمين بكون كلا الشخصين معا حكما بان يحكم كلّ منهما باستصواب الآخر بقرينة قول الرّاوى فرضيا ان يكونا الناظرين فى حقّهما وقوله فان كان كلّ رجل يختار رجلا وان لم يكن فى نفسه ظاهرا فى ذلك لكنّه بقرينة ما ذكر محمول على ذلك او على اختيار كلّ منهما رجلا مستقلّا فى اوّل الامر ثمّ بنيا على كونهما معا حكما بينهما بالاستصواب وبهذا يندفع لزوم حكم احدهما بعد حكم الآخر ايضا اذ بعد كون كليهما معا حكما لا يجوز ان يحكم واحد منهما مخالفا لما حكم به الآخر وكذا لزوم تفويض الامر فى اختيار الحاكم الى المنكر ويمكن منع لزوم ذلك على تقدير تعدّد الحكمين ايضا بحمل الرّواية على صورة التّداعى فانّ كلّا من المتداعيين فى تلك الصّورة مدّع ومنكر باعتبارين وأمّا لزوم غفلة الحكمين عن المعارض لمدرك حكمه ففيه أنّه لا بعد فى ذلك مضافا الى منع اللّزوم بانّ فتوى كلّ منهما على خلاف الآخر لعلّه لاطّلاعه على قدح فى مستند حكم الآخر ولم يطّلع هو عليه لا لغفلة من احدهما عن ذلك وامّا لزوم اجتهاد المترافعين فلا محذور فيه بعد فرض تعارض الحكمين لعدم قيام دليل على المنع ح ثمّ انّ هذا كلّه على تقدير تسليم ظهور صدر الرواية فى رجوع المتخاصمين الى الحكمين لاجل الحكم بينهما بان يكون الفاصل هو حكومة الحاكم لا روايته ويمكن دعوى ظهوره فى رجوعهما الى من امر بالرّجوع اليه لا بعنوان الحكومة بل بعنوان الاستفتاء والرّواية من جهة الجهل بالحكم وذلك بذكر مقدّمتين الاولى ما عرفت سابقا من ظهور الرّواية فى كون منشأ النزاع بينهما هو الاختلاف فى الحكم الثانية انّ المتعارف فى ذلك الزّمان قد كان على انّ من يفتى شيئا كان افتائه بنقل الحديث الوارد فى الواقعة المسئول عنها وكان المستفتى عن شيء يرجع الى المفتى لاجل استعلام ما عنده من الحديث فى الواقعة المجهول الحكم والمستنتج من هاتين المقدّمتين انّ فرض السّئوال انّما هو فى رجوع المتخاصمين الى الحكمين من حيث كونهما راويين وكون كلّ منهما مجتهدا ويدلّ عليه قول السّائل

٦٨١

وكلاهما اختلفا فى حديثكم فانّه ظاهر فى رجوعهما اليهما من حيث الحديث وجعل الفاصل بينهما هو الرواية لا رأى الحاكم وعليه فلا يرد شيء من الاشكالات المذكورة فانّ الرّواية ممّا يناسبها التعدّد ويجوز نقل رواية معارضة برواية اخرى يرويها الغير والرّاوى ايضا لا يجوز له الزام الغير الّذى له ملكة الاستنباط لكلّ ما يراه ممّا رواه نعم يقع التّعارض على هذا بين هذه المقبولة والمرفوعة الآتية كما سيأتى التنبيه عليه هذا مضافا الى ان اجمال صدر الرّواية لا يقدح بالاحتجاج بذيلها الصّريح فى وجوب الأخذ بالمرجّحات المذكورة كما اشار اليه فى المتن قوله (اللهمّ الّا ان يمنع ذلك فانّ الراوى اذا فرض الخ) لا يخفى انّ هذا التعليل انّما يناسب عدم جواز العكس لا عدم عمل العلماء كذلك مع انّ الظّاهر من العبارة كونه علّة للثّانى ويمكن التوجيه بأنّ غرضه قدس‌سره اخذ العلّة المذكورة كاشفة عن عدم عمل العلماء على العكس ويحتمل كونها علّة للاوّل بان يكون الغرض المنع عن حجيّة عملهم لاثبات العكس وانّ الصّحيح هو الأخذ بصفات الرّاوى لمكان العلّة المذكورة قوله (حتّى بين من هو افقه من هذا المنفرد) يعنى الافقه منه فى زمانه وعصره بان يكون بعض رواة الرّواية المشهورة من المعاصرين له افقه منه فلا يجوز العمل بالرّواية الشّاذة لأجل افقهيّة ذلك المنفرد عن صاحبه وذلك لوجود العلّة فيما يعارضها لانّ اعتبار الافقهيّة على تقديره لا يختصّ بشخص دون شخص وبزمان دون زمان قوله (مع انّ افقهيّة الحاكم باحدى الروايتين) اى لا يستلزم ذلك افقهيّة جميع رواتها فى جميع الطبقات فقد يكون بعض رواة الرّواية المشهورة فى بعض الطّبقات المتقدّمة على عصر ذلك المنفرد افقه منه ان لم يكن بعض رواتها المعاصرين له افقه منه فلا يجوز ترجيح روايته على الرواية المشهورة فى هذه الصّورة ايضا لوجود العلّة فيما يعارضها كالصّورة السّابقة ولكن لا يخفى عدم الحاجة الى تنزيل الرّواية على غير هاتين الصّورتين لانّ الغرض انّما هو تقديم الافقهيّة من حيث هى على الشهرة كذلك فى مقام الترجيح وعدم تقديمها عليها فى الصّورتين انّما هو لاجل اشتراك الرّوايتين فى اشتمالهما على هذه الجهة ومساواتهما فى ذلك وترجيح الرّواية المشهورة حينئذ لأجل اشتمالها على مزيّة زائدة غير تلك المزيّة ووجوب الاخذ بكلّ من المرجّحات انّما هو فيما لم يوجد ذلك المرجّح فى كلا المتعارضين فعدم شمول المقبولة للصّورتين يكون تخصّصا لا تخصيصا قوله (او تعارض الصّفات بعضها مع بعض) فيه انّ فهم السّائل جواز الترجيح بكلّ من تلك الصّفات لا يغنيه عن السّئوال عن حكم تعارض الصّفات بعضها مع بعض فانّ غايته جواز الترجيح بكلّ منها اذا لم يكن لها معارض وامّا مع المعارضة فلا يقتضى جواز الترجيح بكلّ منها جوازه حينئذ أيضا لا تعيينا ولا تخييرا فعدم سؤال السّائل عن تلك الصّورة لا يصلح قرينة على ارادة وجوب الترجيح بكلّ منها مستقلّا بل يمكن جعله قرينة على فهمه وجوب الترجيح لجميعها اذ عليه لا حاجة الى السؤال عن حكم تعارض الصّفات لانّه لا يجب الترجيح حينئذ لعدم اجتماع الصّفات فى احد الخبرين نعم عدم سؤاله عن صورة وجود بعض الصّفات ظاهر فى جواز الترجيح بكلّ منها وكذا قول السّائل انّهما عدلان مرضيّان لا يفضل احدهما على صاحبه قوله (الثانى ما رواه ابن ابى جمهور الاحسائى فى غوالى اللئالى) فى الرّواية اشكال لا يمكن ان

٦٨٢

يتفصّى عنه وهو انّ فى ذيله قد سئل الرّاوى عن حكم الموافقين للاحتياط او المخالفين له بعد ذكر وجوب الاخذ بما وافق الاحتياط ولا يمكن ان يكون النّقيضان كلاهما موافقين للاحتياط قوله (التاسع ما عن الكافى بسنده) الظّاهر انّ الضمير فى قول الإمام ع خذوا به يرجع الى قول السّائل وحديث عن آخركم وذلك لوجهين الاوّل انّ الضمير اذا تقدّمه شيئان فالظاهر رجوعه الى الاقرب منه دون الأبعد الثاني للتّصريح بذلك فى الحديث العاشر والحادي عشر قوله (الرابع عشر ما عن معانى الاخبار بسنده) اعلم انّ الظّاهر من قول الإمام ع انّ الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب هو انّ الكلمة تنصرف الى وجوه بعضها ظاهر منها وبعضها غير ظاهر منها فلو شاء البيان لصرف كلامه الى ما اراد فله ان يريد المعنى المأوّل للكلمة الّذى هو خلاف ظاهرها ولا يكذب فى ارادة ذلك المعنى منها وهذا القول فى مقام التعليل لقوله ع انتم افقه النّاس اذا عرفتم معانى كلامنا والواو فى قوله ولا يكذب حاليّة فالفقيه لا يبادر الى طرح خبر مروىّ عنهم عليهم‌السلام بمجرّد صدور خبر آخر ينافيه بظاهره لامكان ارادة خلاف الظاهر من احدهما من دون كذب بل يلاحظ دلالتهما اوّلا فان كان احدهما اقوى دلالة من الآخر جعل ذلك قرينة على ارادة خلاف الظّاهر من الآخر قوله (الاوّل فى علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة) لا بأس فى المقام بذكر امور الاوّل انّ المرفوعة ضعيفة السّند باعتبار رفعها وانفراد ابن ابى جمهور بنقلها الّا ان عمل الاصحاب على طبقها جابر لها والمقبولة فراويها وهو عمر بن حنظلة مجهول الحال عند الاكثر نعم المحكىّ عن ولد الشهيد نقلا عن والده فى حاشية له على الرّوضة فى مسئلة الوقت انّه قد ورد عن عمر فى مسئلة الوقت انّه سئل احدهما عليهما‌السلام انّ عمر بن حنظلة يجيء لنا عنكم بوقت فكيف نصنع فقال ع اذا لا يكذب علينا والجملة الأخيرة بناء على انّها مبنيّة للفاعل يدلّ على حسن حاله وكون الفعل مبنيّا للمفعول خلاف الظّاهر وعلى أيّ حال فهو غير معلوم الحال فتكون المقبولة ضعيفة السّند لكنّ الاصحاب عملوا بها حتّى وصف بالمقبولة بمعنى انّهم استدلّوا بها واعتمدوا عليها ولو بالنّسبة الى بعض مدلولها الغير المنافى للمرفوعة واعتمادهم عليها كذلك جابر لضعفها وموجب لاعتبارها الثانى الشّهرة فى الاصل هى الوضوح والتجرّد عن موجب الخفاء ومنه فلان شهر سيفه وسيف شاهر اى مشهور والشّذوذ فى الاصل هو الانفراد ومنه شذّ الغنم وفى الاصطلاح فالظّاهر عدم نقلهما عن المعنيين الاصليّين بل يكون اطلاقهما على اشهر الرّواية او الفتوى وعلى شذوذها باعتبار معنييهما الاصليّين كما انّ اطلاقهما فى اخبار اهل البيت عليهم‌السلام ايضا كذلك فهما فى جميع موارد استعمالهما بمعنى الوضوح والانفراد واختلافهما فى الموارد لاختلاف مصاديقهما فانّ الّذى يختلف باختلاف الموارد انّما هو جهة الوضوح والانفراد لا نفسهما ومشهور الرواية ومعروفها بين العلماء بان عرف كلّ واحد منهم وجودها فى الرّوايات المأثورة عن اهل العصمة ع وان كان ناقلها واحدا ويقابلها شاذّها وهو ما لم يعرفها الّا نادر منهم واطلاق الشاذّ عليها باعتبار انفرادها عن المشهورة بهذا الاعتبار وعدم وصولها

٦٨٣

الى حدّها من الوضوح وسيجيء من المصنّف قدس‌سره بيان هذا المعنى للمشهور والشاذّ وكذا مشهور الفتوى ما كان معروفا بينهم بحيث يعرفه كلّ احد على وجه لا ينكر وجوده فى جملة فتاوى العلماء بل يعترف بوجوده الكلّ ولو كان المفتى شخصا واحدا وقد يوصف الرّواية بالشهرة او الشّذوذ من حيث الفتوى فيقال انّها مشهورة او شاذّة من حيث الفتوى والمراد انّها قد اشتهر الافتاء بمضمونها او شذّ بالاعتبار المذكور فى شهرة الفتوى وشذوذها ومن هنا يعلم الفرق بين المشهور من الرواية ومستفيضها ومتواترها وكذا الفرق بين المشهور من الفتوى والمجمع عليه منه وتوضيح الفرق انّ توصيف الرّواية بكونها مشهورة كما عرفت انّما هو باعتبار معروفيّتها بين العلماء من غير نظر الى راويها اصلا بخلاف المستفيضة والمتواترة فانّ توصيفها بهما انّما هو باعتبار تعدّد راويها من غير نظر الى الاعتبار الاوّل وكذا توصيف الفتوى بكونه مشهورا انّما هو بالاعتبار الاوّل وبالمجمع عليه بالاعتبار الثانى نعم قد يكون سبب معروفيّة الرّواية او الفتوى هو كثرة الناقلين او المفتين وقد يوصف الرّواية بكونها مشهورة من حيث الرّواية ويراد بها كونها متفقا على نقلها الرّواة وقد يوصف به من حيث الفتوى ويراد به كون مضمونها متّفقا عليه ومفتى به عند العلماء ولو لم يستندوا إليها وقد يوصف الفتوى بكونه مشهورا ويراد به اتّفاق العلماء على الافتاء به فيرادف المجمع عليه لكنّ الرّواية المشهورة من حيث الرّواية بالمعنى المذكور لا يرادف شيئا من المستفيض والمتواتر بل هو اعمّ منهما اذ قد يكون الرّواية منحصرة فى اثنين فلا يصدق عليها انّها مستفيضة او متواترة وقد لا يبلغ رواتها الى حدّ التواتر فلا يصدق عليها المتواتر الثالث المراد بالشاذّ فى المقبولة ليس الحقيقىّ منه وهو ما لا يعرفها الّا نادر فانّ الشّذوذ بهذا المقدار ينافى الاعتبار ومن المعلوم انّ المراد به فى المقبولة ما كان معتبرا فى نفسه بحيث لو لم يكن له معارض وجب العمل به فلا بدّ من حمله على الاضافى فيكون المشهور ايضا كذلك.

قوله (وكذا الترجيح بموافقة الاصل) بناء على اعتباره من باب الظّن او التعبّد مع لزوم الترجيح به على اضعف القولين كما ستقف عليهما إن شاء الله الله تعالى او بناء على الترجيح بكلّ ما يحتمل كونه مرجّحا قوله (ولاجل ما ذكرنا لم يذكر ثقة الإسلام رضوان الله عليه) يعنى لاجل ما ذكرنا من انّ المستفاد من مجموع الاخبار هو الترجيح بالمرجّحات المنصوصة من الشّهرة وما بعدها قوله (لا نجد شيئا احوط ولا اوسع) يحتمل ان يكون غرضه قدس‌سره من هذه العبارة التوقّف فى الفتوى وردّ علم ذلك كلّه الى العالم عليه‌السلام كما هو مقتضى الاحتياط فى الشّبهات والتخيير وقبول ما وسّع عليه‌السلام فى مقام العمل قوله (الّا ان يقال انّ اطلاقات التخيير حاكمة على هذا الاصل) قد يتوهّم انّ التّمسك بتلك الاطلاقات غير مستقيم لانّ الشّبهة فى المقام مصداقيّة وذلك للعلم بتقييد تلك الاطلاقات بصورة عدم مزيّة معتبرة شرعا لاحد المتعارضين فيكون الشكّ فى اعتبار مزيّة فى احدهما راجعا الى الشكّ فى كونها من مصاديق تلك المزايا المعلوم خروجها عنها اجمالا وفيه انّ القدر المسلّم بين المتعدّى من المرجّحات المنصوصة والمقتصر عليها هو تقيّدها بالمرجّحات المنصوصة لا بمزيّة واقعيّة

٦٨٤

غير معلومة العنوان حتّى يكون الشكّ فى اعتبار مزيّة اخرى غيرها راجعا الى الشكّ فى المصداق وذلك لاتّفاق الفريقين فى وجوب الاخذ بالمرجّحات المنصوصة لا من حيث انّها من مصاديق ما قيّد به تلك الاطلاقات بل لتقييدها بها بانفسها وانّما النزاع فى تقييدها ايضا بغيرها من المزايا الموجبة لاقربيّة احتمال صدور ذيها او احتمال كون وجه صدوره بيان الواقع او ابعديّة ذيها عن الباطل باحد الاحتمالين بعد الفراغ عن كون تلك المزيّة المبحوث عن اعتبارها كذلك فالمتعدّى يدّعى تقييدها بصورة فقد مطلق المزيّة كذلك الّتى من افراد المزايا المنصوصة وانّ تقييدها بفقد المنصوصة انّما هو لاجل كونها من افراد ذلك والمقتصر يدّعى تقييدها بفقد المزايا المنصوصة خاصّة والتقييد على تقدير التعدّى اكثر منه على تقدير الاقتصار فيكون الشكّ فى اعتبار مزيّة غير المنصوصة راجعا الى الشكّ فى التقييد البدوى الزّائد على القدر المعلوم فإن قلت تقييدها بفقد المرجّحات المنصوصة معلوم والشكّ فى انّ الملحوظ خصوصها او القدر المشترك بينها وبين غيرها واخراجها من حيث انّها من افراده ومن الواضح انّ على الثانى لا يلزم تقييد زائد على القدر المعلوم فانّ الملحوظ فى الإخراج حينئذ يكون نوع المزيّة لا خصوصيّات المزايا وهو امر وحدانىّ فالامر دائر بين ان يكون الخارج ذلك الامر الوحدانيّ او خصوصيّة كلّ واحد من المرجّحات المنصوصة وعلى الاوّل لا يصحّ التّمسك بالاطلاقات على نفيه قلت لا اشكال ظاهرا فى تخصيص ادلّة التراجيح بالتّقييد بالمرجّحات المذكورة فيها بحسب ظاهر الدّليل والمتعدّى الى غيرها لا ينكر ذلك بل يدّعى استظهار وجوب الاخذ بكلّ مزيّة من قرائن مذكورة فيها بدقيق النظر وامّا دعوى اختصاص ادلّة التخيير بصورة التكافؤ من جميع الوجوه فهو كلام آخر يأتى التعرّض له قوله (فلا بدّ للمتعدّى من المرجّحات الخاصّة المنصوصة من احد امرين) ما ذكره من التّرديد منفصلة باعتبار منع الخلوّ فقط ضرورة عدم التنافى بين طرفيه ثمّ إنّ الشّواهد المذكورة فى المتن تشهد جميعها بالامر الاوّل وهو استنباط وجوب العمل بكلّ مزيّة من اخبار الترجيح ويمكن ان يستشهد للأمر الثّانى بظهور الاسئلة فانّ قول السّائل يأتى عنكم خبر ان احدهما يامرنا والآخر ينهانا كيف نصنع ظاهر فى انّ مورد السؤال هو مقام التحيّر فى مقام العمل ومع وجود مزيّة فى احدهما يوجب اقربيّة ذيها الى الواقع لا يكون تحيّر فالظّاهر من السؤال انّ الدّاعى للسؤال انّما هو تحيّر السّائل فمورد السّئوال هو التحيّر سيّما بملاحظة قوله كيف نصنع فانّه كالصّريح بل الصّريح فى ذلك فالحكم المذكور فى الجواب يختصّ بمورد السؤال فانّ ظاهر الجواب كونه جوابا عن مورد السّئوال هذا وفيه انّ اختصاص اخبار التخيير بصورة التحيّر ممّا لا اشكال فيه لكنّه لا يجدى فى المقام شيئا ضرورة انّ التحيّر لا يرتفع بمجرّد وجود مزيّة فى المورد لاحد المتعارضين وانّما يرتفع بعد ثبوت اعتبارها عند المكلّف ومع الشكّ فى الاعتبار فالتحيّر متحقّق ايضا وان فرض كونه ثابتا فى الواقع لانّ مجرّد اعتبار مزيّة فى الواقع مع عدم العلم به لا يرفع التحيّر فيتوقّف رفعه فى مورد الشكّ على ظهور ادلّة الترجيح فى اعتبار مطلق المزيّة فظهور اختصاص اخبار التخيير بصورة التحيّر لا يجدى والّذى يجدى هو ظهور اختصاصها بصورة عدم

٦٨٥

مزيّة لاحد الخبرين المتعارضين قوله (فما يمكن استفادة هذا المطلب منه فقرات) لا يخفى انّ هذه الفقرات لو سلّم افادتها للمطلب فبعضها يفيد بنحو الاشعار وبعضها يفيد بالدلالة امّا المشعرة منها فهى المتضمّنة للترجيح بالاصدقيّة والاوثقيّة فى المقبولة والمرفوعة ويقوى هذا الاشعار بعدم سؤال الرّاوى عن حكم صورة وجود بعض المرجّحات المنصوصة وتخالفها وللكلام تتمّة وامّا الدّالة منها فتعليل الأخذ بالمشهور بقوله ع فانّ المجمع عليه لا ريب فيه وتعليل تقديم الخبر المخالف للعامّة بانّ الحقّ والرّشد فى خلافهم وأمّا قوله ع دع ما يريبك الى ما لا يريبك فلا يصلح شاهدا للمطلوب قوله (منها الترجيح بالاصدقيّة فى المقبولة وبالاوثقيّة فى المرفوعة) قد سبق من المصنّف قدس‌سره فى مقام دفع التعارض بين المقبولة والمرفوعة انّ الاوصاف المذكورة فى المقبولة راجعة الى ترجيح الحكمين وهذا ينافى لما ذكره هنا من جعل الاصدقيّة من صفات الرّاوى حتّى يكون الترجيح بها دليلا على مطلق الترجيح فى الرّوايتين ثمّ إنّ الفرق بين الاصدقيّة والاوثقيّة وبين الاعدليّة والأفقهيّة بجعل اعتبار الاوليين من باب الطريقيّة لاعتبار الاقربيّة بخلاف الأخيرتين لاحتمال كون الاعتبار بهما من باب التعبّد فى غاية الاشكال فانّ هذا الاحتمال فى الاوليين بان يكون الترجيح لخصوص القرب الحاصل منهما جار ايضا قوله (ويؤيّد ما ذكرنا انّ الراوى بعد سماع الترجيح) لو فهم الراوى انّ اعتبار تلك المرجّحات من باب التعبّد او احتمل ذلك لكان يسأل عن حكم تلك الصّورة ضرورة انّ بيان حكم صورتى وجود جميع تلك الصّفات لاحد الرّاويين او كليهما معا واستوائهما فيه لا يغنى عن حكم تلك الصّورة ويغنيان عنه على تقدير فهمه انّ غرضه ع الترجيح بمطلق المزيّة الموجبة لاقربيّة ذيها الى الحقّ وابعديّته عن الباطل اذ معه يلاحظ فى تلك الصورة انّ ايّة المزيّتين كذلك فيؤخذ بها ويرجّح بها ذوها على صاحبه وان كانتا متساويتين فيأتى حكم صورة المساواة ويؤيّد أنّ المناط هو الترجيح بمطلق المزيّة انّ الإمام ع لم يتعرّض لبيان حكم تلك الصورة فى الاخبار الغير المسبوقة بالسئوال مع تعرّضه للصّورتين الاخيرتين كما فى رواية الصّدوق عن ابى الحسن الرّضا عليه‌السلام ورواية القطب الرّاوندى عن الصّادق عليه‌السلام قوله (لم يكن وقع للسّؤال عن صورة عدم المزيّة فيهما) اى لم يكن وقع للاقتصار فى السّئوال عن صورة عدم المزيّة فيهما رأسا وقد يتخيّل انّ نفس السؤال عن صورة عدم المزيّة رأسا يناسب فهم السّائل اعتبار مطلق المزيّة ولكنّه فاسد لعدم توقّف السّئوال على ذلك اذ لا اشكال فى صحّة السؤال مع احتمال اعتبار مطلق المزيّة ايضا فالمعتمد فى الاستشهاد والتاييد هو ما ذكرنا من عدم سؤاله عن حكم صورة وجود بعض تلك المرجّحات المنصوصة وتخالفها فافهم قوله (حتّى يصير ممّا لا ريب فيه والّا لم يكن فرضهما مشهورين) لانّ الرواية لا تنفى منها الريب الّا بكونها قطعيّة من جميع الجهات يعنى من جهة المتن اى السند ومن جهة الدّلالة معا قوله (ولا الرجوع الى صفات الراوى قبل ملاحظة الشهرة) لانّ احد الخبرين المتعارضين اذا كان مشهورا بمعنى كونه قطعيّا من جميع الجهات فمن الواضح انّه لا يجوز

٦٨٦

تقديم غيره عليه ولو كان مشتملا على جميع المرجّحات اذ مع القطع المذكور لا يصلح غيره للمعارضة فهذه الصورة غير قابلة للسؤال ولا لبيان حكمها من الامام عليه‌السلام مع فرض عدم السؤال فلا يمكن حمل قوله ع خذ بما اشتهر على هذا المعنى قوله (وان لم يكن عليه امارة المطابقة كما يدلّ عليه) فى هذا الاستشهاد نظر فانّ قوله ع فان اشبههما فهو حقّ مساوق على الظاهر لقوله ع فى الحديث السّابق فانّ الرشد فى خلافهم سيّما بملاحظة قوله ع وان لم يشبههما فهو باطل فانّ الظّاهر انّه تاكيد لاثبات كون موافقة الكتاب والسنّة امارة للحقّ ولا وجه لنفى كون الموافقة والمشابهة لهما ممّا فيه امارة الحقّ والمطابقة ثمّ إنّ المشابهة لهما المذكورة فى الحديث يكون من احد وجهين الاوّل المشابهة من حيث الاسلوب والفصاحة والبلاغة والثانى المشابهة من حيث المعنى بان يكون معنى الرواية مطابقا للقواعد الكليّة المستنبطة من الكتاب والسنّة قوله (ومنها قوله ع دع ما يريبك الى ما لا يريبك) الظّاهر عدم استفادة المطلب من هذه الفقرة فانّ هذا الخبر من جملة اخبار الاحتياط ولا يمكن حمل شيء منها على الوجوب الشرعىّ لاستلزامه تخصيص الاكثر فلا بدّ من حملها على الارشاد ولا يمكن حملها على الارشاد الالزامى ايضا ضرورة عدم كون الدّاعى للاحتياط فى اكثر من موارد الشّبهة من المضارّ اللّازمة الدّفع فلا بدّ من حملها على الطّلب الارشادى المشترك بين الالزام والنّدب فيكون مفادها حينئذ مطلوبيّ الاحتياط فى الجملة على نحو الارشاد فى موارد الشّبهة بحسب ما يقتضيه كلّ مورد من الضّرر فان كانت المضرّة ممّا يجب دفعها عقلا يكون مطلوب الشارع الزاما من باب الارشاد التحرّز عنها بالاحتياط فى محتملاتها وان كانت ممّا يندب دفعها يكون مطلوبه الاحتياط ندبا من باب الإرشاد والحاصل انّ الخبر كغيره من اخبار الاحتياط لم يأت بشيء جديد من قبل الشارع ازيد ممّا استقلّ به العقل من مطلوبيّة الاحتياط ارشادا على حسب ما يقتضيه من المرتبة وبناء على هذا فلا بدّ من النظر فى المفسدة المحتملة فى الاخذ بالخبر الاقرب الى مخالفة الواقع بالنّسبة الى صاحبها من انّها تقتضى لزوم الاحتياط او ندبه ومن المعلوم انّ المفسدة الّتى تتوهّم فيه انّما هى مفسدة الوقوع فى خلاف الواقع ولا ريب انّها ليست ملزمة للاحتياط مط والّا لزم عدم العمل بالابعد عن مخالفة الواقع من الخبرين ايضا لكونه محتمل الخلاف ايضا بل انّما يلزمه اذا لم يكن المكلّف معذورا فيها ومن الواضح انّ الملزمة للاحتياط هى الهلكة الاخرويّة وبدونها فالعقل لا يحكم بلزوم الاحتياط وان كان يحكم بحسنه اذا عرفت ما ذكرنا فليس فى هذا الخبر دلالة على تقييد اخبار التخيير وكون الخبر دليلا على لزوم الترجيح بالابعديّة عن مخالفة الواقع فى المقام موقوف على كونه امرا شرعيّا حتّى يصلح لوروده على اخبار التخيير وتقييدها به قوله (وليس المراد نفى مطلق الرّيب كما لا يخفى) قد يدّعى ظهور النبوىّ فى نفى مطلق الريب وانّه لا داعى الى حمله على الرّيب الاضافى ولذا استدلّوا به فى الشبهة التحريميّة الحكميّة على وجوب الاحتياط الّذى هو الاخذ بما يتيقّن معه عدم العقاب وقد أجاب المصنّف ره هناك بحمله على الطلب القدر المشترك الارشادى كما اوضحناه آنفا او خصوص النّدبى من الارشادى.

قوله ما يكون داخليّا وهى كلّ مزيّة غير مستقلّة فى نفسه) اى من حيث الدليليّة على حكم على

٦٨٧

تقدير اعتبارها شرعا فهى المزيّة الّتى لا تكون صالحة للطريقيّة الى حكم من الاحكام لعدم كشفها عن حكم حتّى يصلح لجعلها حجّة وطريقا اليه كصفات الرّاوى من الاعدليّة وغيرها وصفات الراوية من الفصاحة ونحوها فانّ شيئا منها لا يكشف عن حكم بنفسه بل الكاشف انّما هو مواردها وهى متون الروايات ومن هنا يعلم معنى المرجّح الخارجى وانّه المزيّة الّتى تكشف بذاتها عن حكم بحيث لو اعتبرها الشارع كانت بنفسها مبيّنة لحكم من الاحكام كالكتاب والاصل ويشكل ما أفاده رحمه‌الله بانّه ما من مزيّة من المزايا الّا وهى غير مستقلّة فى نفسها من حيث الدليليّة فلم يبق منها مصداق للمرجّح الخارجى اصلا فانّ ذات الاصل والكتاب ليس مرجّحا والمرجّح انّما هو موافقة الرّواية من حيث مضمونها لهما ومن الواضح انّ موافقة الرواية لهما مع قطع النّظر عن ذات الرّواية لا يفيد حكما بل هى كصفات الرّاوى ومخالفة العامّة وأمّا الشّهرة فهى بنفسها وان كانت مرجّحة الّا انّها ايضا كصفات الرّاوى من حيث عدم افادتها شيئا والاحسن ان يقال انّ المرجّح الدّاخلى هى المزيّة الراجعة امّا الى صفات الرّاوى او الى صفات لفظ الرواية كالفصاحة والافصحيّة وككونها منقولة باللّفظ والشهرة من حيث الرواية والخارجىّ بخلافه فيصدق على موافقة الكتاب والاصل والشّهرة الفتوائيّة فانّ كلّا من هذه انّما يكون من صفات معنى الرّواية قوله (او غير معتبر فى نفسه كالشهرة ونحوها) ويجيء من المصنّف عند ذكر المرجّحات الخارجيّة ما هو المراد من هذه الشهرة بقوله شهرة احد الخبرين امّا من حيث رواته بان اشتهر روايته بين الرواة بناء على كشفها عن الشهرة العمليّة او اشتهار الفتوى به ولو مع العلم بعدم استناد المفتين اليه قوله (وجعل المعتبر المستقلّ مط خصوصا ما لا يؤثّر فى الخبر) مراده من الجعل انّما هو تسميته العلماء باسم المرجّح لا جعل الشارع بمعنى حكمه بلزوم الأخذ به فانّه بهذا المعنى واقع فى الشريعة حقيقة ومن غير مسامحة ولا تسميته به لانّه لم يعبّر عنه ولا عن غيره من المرجّحات بلفظ المرجّح فى الاخبار المأثورة عن اهل بيت العصمة صلوات الله عليهم حتّى يقال انّه على وجه الحقيقة او المسامحة ووجه المسامحة في تسمية مطلق المعتبر المستقلّ من المرجّحات الخارجيّة بالمرجّح انّه قد عرفت انّ المرجّح الخارجى هو ما يكون مستقلّا بنفسه فى الدليليّة على تقدير اعتباره فى نفسه وما فرض اعتباره كذلك يكون بنفسه دليلا على الحكم الّذى يفيده احد الدليلين المتعارضين الموافق له ولا بدّ من العمل به سواء جعل مرجّحا لاحد الخبرين ام لا ولا يزيد تقدير الترجيح به على تقدير عدمه ففى الحقيقة هو مرجع لا مرجّح وأمّا وجه الخصوصيّة فيما لا يكون مؤثّرا فى الخبر هو انّ المرجّح حقيقة هو ما يحدث بسببه رجحان فى احد المتعارضين بالنّسبة الى ما يعارضه والمفروض عدم ايجاب القسم المذكور ذلك ولا يخفى انّ المسامحة المذكورة من الجهة الاولى انّما هى بناء على تعريف المرجّح الخارجى بما ذكره قدس‌سره وامّا بناء على ما ذكرنا فلا يوجد شيء من المرجّحات يكون مستقلّا بنفسه فى الدليليّة على تقدير اعتباره حتّى يلزم تلك المسامحة.

قوله (كالمنقول باللفظ بالنّسبة الى المنقول بالمعنى) لا يخفى انّ النقل باللّفظ وان كان موجبا لاقربيّة مضمون المنقول به الى الحقّ الّا انّه موجب لاقربيّة صدوره ايضا قوله (وكالترجيح بشهرة الرّواية ونحوها) والعجب من المصنّف حيث عدّ الشّهرة من حيث الرّواية من المرجّحات المضمونيّة مع انّها من المرجّحات الصدوريّة وكيف تكون من المرجّحات

٦٨٨

المضمونيّة مع انّ الرواية المشهورة قد تتحقّق شهرة الفتوى على خلافها الّا فى صورة كشفها عن الشهرة العمليّة فانّها تصير ذا جهتين الصدوريّة والمضمونيّة وحيث انّ المقرّر عند اجتماع الجهتين مراعات الجهة الاقوى كان اللّازم حينئذ مراعاة الجهة المضمونيّة ولكنّ المصنّف عدّ الشهرة بناء على كشفها عن الشهرة العمليّة من المرجّحات الخارجيّة وهذا عجب.

قوله (لو فرض صدورهما بل اقترانهما تحيّر السائل فيهما) وجه التقييد بالاقتران هو انّ العامّ والخاصّ الّذين هما اظهر موارد الجمع العرفى ربما يعدّ ان متنافيين متعارضين مع عدم فرض الاقتران بحيث يحصل التحيّر ومع اقترانهما يرفع ذلك التحيّر لعدم فهم التنافى ح عرفا فلا بدّ للعامل بالاخبار العلاجيّة فى مورد من فرض صدور كلا المتعارضين وفرض اقترانهما فان حصل له التحيّر ح على وجه يحتاج فى فهم مراد الشارع الى بيان آخر منه فله العمل بتلك الاخبار والّا فلا قوله (نعم قد يظهر من عبارة الشيخ فى الاستبصار خلاف ذلك) لا بأس باعادة الكلام فى حكم الخبرين المتعارضين على نحو الاجمال توضيحا لضعف مقالة من ذهب الى خلاف المذهب المنصور الّذى عليه الجمهور فاعلم أنّ الاقوال فى الخبرين المتعارضين من جهة العمل بالترجيح وعدمه ثلاثة أحدها ما يظهر من صاحب غوالى اللئالى من مراعات قاعدة الجمع المتقدّمة فيهما واهمال المرجّحات مهما امكن الجمع عقلا حتّى فيما اذا توقّف الجمع على التاويل فى كليهما ثانيها اعمال المرجّحات مط على تقدير وجودها حتّى فى العامّ والخاصّ كما هو ظاهر عبارة الاستبصار ثالثها ما هو المشهور وهو وجوب الاخذ بالمرجّحات فى غير النّص والظاهر والاظهر والظّاهر وفى غير هاتين الصورتين يجمع بينهما لنا على وجوب الاخذ بالمرجّحات فى الجملة فى قبال القول الاوّل ما مرّ سابقا من ظهور اخبار الترجيح فى ذلك مع عدم احتفافها بشيء يصلح لصرفها عنه وعلى اختصاص الترجيح بغير النّص والظاهر او الاظهر والظاهر ما مرّ ايضا من ظهور تلك الاخبار فى الاختصاص بما اذا كان المتعارضان فى نظر العرف على وجه يحصل التحيّر فى المراد منهما على تقدير صدورهما من متكلّم واحد واقترانهما والتحيّر على هذا الوجه لا يحصل الّا فى غير النّص والاظهر مع الظاهر والفارق بين الصورتين وغيرهما من صور التّعارض هو حكومة دليل اعتبار صدور النّص والاظهر على دليل اعتبار ظهور الظاهر بخلاف غيرهما لعدم حكومة لدليل اعتبار صدور واحد من المتعارضين الظاهرين على دليل اعتبار ظهور الآخر وتوضيحه أنّ دليل اعتبار صدور الخبر ليس مفاده وجوب الاعتقاد بصدوره لانّه غير معقول فانّ مجرّد التعبّد بالصدور لا يعقل تاثيره فى الاعتقاد ولم يقل احد بذلك بل مقتضى دليل اعتبار الخبر هو وجوب ترتيب الآثار الشرعيّة المترتّبة على صدوره واقعا عليه عند الشكّ ومن المعلوم انّ من آثار صدور النّص والاظهر كونهما قرينتين على صرف الظّاهر من غير عكس فانّه اذا قطع بصدورهما لا يشكّ احد فى كونهما كذلك وهذا فى النّص ظاهر وامّا الاظهر فهو وان لم يكن كالنّص فى عدم قابليّته للتاويل لكنّه لا يصحّ التّاويل فيه بمجرّد وجود الظاهر بل لا بدّ من قرينة اخرى وهذا بخلاف التاويل فى الظّاهر فانّه يصحّ الاعتماد فيه على مجرّد وجود الاظهر فهو مع عدم بيان آخر غير الظاهر كما هو المفروض يكون

٦٨٩

كالنّص فى عدم قابليّته للتاويل عرفا وكونه قرينة على صرف الظّاهر عن ظهوره وهذا لا يحصل لواحد من الظاهرين على تقدير صدورهما من متكلّم واحد اذ لا يصلح واحد منهما لكونه صارفا عن ظهور الآخر ودليلا للتاويل فيه ويحصل التحيّر للعرف فى فهم المراد منهما ولا اولويّة عندهم ايضا لاحدهما فى كونه بيانا للآخر ولا يحكمون ايضا بكون ظهور كلّ منهما صارفا لظهور الآخر ليكون كلّ منهما فى نظرهم محتملا بل المتحقّق عندهم هو ظهور كلّ منهما فيما له الظهور الّا انّهم يتحيّرون لاجل تنافى الظّهورين فى انّ ايّا منهما هو مراد المتكلّم فالحاصل عندهم من صدورهما واقترانهما انّما هو الدوران بين ارادة مؤدّى هذا الظهور وارادة مؤدّى الآخر لا اجمال كلّ منهما فى مؤدّاه والدوران المذكور ليس من الآثار المجعولة منهم ايضا بل انّما هو من الآثار النّاشئة عن اجتماعهما وتنافيهما فمقتضى دليل صدور النصّ والاظهر ترتيب حكم صدورهما وهو كونهما متصرّفين فى دليل ظاهر فى مؤدّاه وصارفين له مع الشكّ فى صدورهما من غير عكس فيكون حاكما على دليل اعتبار ظهور الظاهر ومفسّرا له فمعنى التعبّد بصدورهما انّه يجب على الجاهل رفع اليد عن مقتضى الظاهر فى موردهما فى مرحلة الظاهر وامّا الدّليلان الظاهران فلمّا لم يكن من آثار صدور واحد منهما التصرّف فى صدور الآخر فلا حكومة لدليل اعتبار صدور واحد منهما على دليل اعتبار ظهور الآخر بل يقع التّنافى والتّدافع بين دليل صدور كلّ منهما ودليل ظهور الآخر من غير ترجيح لواحد منهما وقد مرّ سابقا انّ مقتضى دليل اعتبار صدورهما ليس الّا التعبّد بصدور واحد منهما لا بعينه وترتيب الآثار المجعولة شرعا الّتى يكشف هو عنها عليه لا التعبّد بصدور كليهما مع التوقّف فى مؤدّيهما وقد مرّ انّ نفى الثالث هو من آثار احدهما لا بعينه فالظّاهر أن لا وجه للتاويل فى احدهما وفيهما يحصل التحيّر الّذى هو مورد الاخبار العلاجيّة والحاصل انّ الصّورتين اى النّص او الاظهر مع الظّاهر خارجتان عن مورد اخبار العلاج وامّا غيرهما فلا ينبغى الاشكال فى شمولها له مضافا الى قيام الاجماع فى الجملة والسّيرة على عدم اعمال قاعدة الجمع على انّه لا يمكن قصر اخبار العلاج على النّصين بان يكون المراد منها هو الاخذ باحكام التعادل والترّجيح فيما اذا كان التحيّر الحاصل فى المتعارضين من جهة السّند فقط ولا تجرى فى الظاهرين لكون التحيّر فيهما من جهة الدلالة لاحتمال التاويل فى احدهما او كليهما لانّ القصر المذكور يستلزم قلّة مورد تلك الاخبار غاية القلّة ضرورة قلّة موارد تعارض النصّين ومع التعدّى فلا فرق بينما كان الظّاهر ان على وجه يكفى فى الجمع بينهما التّاويل فى احدهما لا بعينه وما كان متوقّفا على التاويل فى كليهما وبعدم الفرق فى القسم الاوّل بين العامّين من وجه وغيرهما من الظّاهرين المتباينين الّذين يكفى فى الجمع بينهما التّاويل فى احدهما كقوله اغتسل للجمعة وقوله ينبغى غسل الجمعة لا يقال سلّمنا وجوب الرّجوع الى اخبار العلاج فى الظاهرين لكن مقتضى القاعدة هو الرّجوع اليها ايضا فى النّص والظّاهر والاظهر والظّاهر وان كان من شأنهما على تقدير القطع بصدورهما التصرّف فى الظّاهر لكنّ التصرّف حينئذ هو من لوازم القطع بصدورهما فانّ كلّ قرينة تكون صالحة للصرف لا تكون صارفة الّا مع العلم بها ألا ترى انّ لفظ يرمى فى قولنا رأيت

٦٩٠

اسدا يرمى ما لم يحصل العلم بصدوره واقترانه بلفظ الأسد لا يكون صالحا لصرف الأسد عن ظاهره ومن المعلوم انّ دليل صدورهما انّما يفيد التعبّد بالصدور لا التعبّد بالقطع بصدورهما فلا يكون دليل التعبّد بالسّند حاكما على دليل اعتبار الظهور فالحال فى الصورتين كالحال فى الظاهرين من جهة حصول التحيّر فيهما فى فهم المراد الموجب لدخولهما فى اخبار العلاج لأنّا نقول انّ المتوقّف على العلم هو الحكم بالصرف والعمل بمقتضاه لا نفسه والصّرف بنفسه انّما هو من لوازم ذات القرينة فالعلم معتبر بعنوان الطريقيّة لا السببيّة فيقوم غيره مقامه فان قيل سلّمنا انّ الصّرف من لوازم صدور النّص والاظهر لكنّه من اللوازم العاديّة ولا يقتضى دليل صدورهما ترتّبه عليهما حال الشكّ فى الصّدور قلنا كونهما قرينتين وصارفتين للظّاهر من احكام المحاورة وهى وان لم تكن مجعولة من الشارع بل العرف منذ بنوا على كشف مقاصدهم بالمحاورة كانوا ملتزمين بها ولكنّ العرف بعد التزامهم بها وجعلها لها اتّخذها الشارع ايضا فى محاوراته وتبعهم فيها من غير ان يحدث فى محاوراته احكاما أخر وراء تلك الاحكام فهى من احكامه الّتى التزم بها فى الكلام الصادر عنه فيكون مقتضى دليل صدور ما يشكّ فى صدوره عنه ترتيب تلك الاحكام ايضا فإن قيل سلّمنا انّ ذلك من الاحكام الشّرعية المترتّبة على صدور النّص والاظهر بالتقرير لكن دليل صدورهما لا يقتضى الّا التعبّد بالاحكام الشرعيّة الّتى يكشفان عنها وامّا الاحكام الّتى تكون نفس الصادر موضوعا لها لا طريقا اليها فلا ومن المعلوم انّ النّص والاظهر موضوعان بنفسهما لذلك الحكم اعنى كونهما متصرّفين فى الظاهر وليسا طريقين اليه لعدم كشفهما عنه كشف الطريق عن مؤدّاه قلنا الظاهر بل المقطوع افادة ادلّة اعتبار الخبر الواحد التعبّد بجميع الاحكام المترتّبة على صدوره واقعا سواء كانت ممّا يكون ذات الخبر موضوعا لها او ممّا يكون هو طريقا اليها ويكشف عن ذلك وجوب ترتيب احكام الاعراب والبناء على الادعية المأثورة عن اهل بيت العصمة ع بطريق الآحاد مع انّها احكام لذوات تلك الادعية على تقدير صدورها وذلك لا يكون بمقتضى دليل خاصّ بل الحكم بترتيب تلك الاحكام ليس الّا بمقتضى دليل التعبّد بالصّدور تنبيه اذا كان احد المتعارضين نصّا او اظهر وعمل بقاعدة الجمع بجعل النّص والفرد الاظهر متصرّفين فى الظّاهر كان شأنهما شأن القرائن القطعيّة الصّدور القائمة على ارادة خلاف الظّاهر من الخطاب وهى امّا منفصلة او متّصلة كالشرط والغاية والوصف والاستثناء وشأن الاولى هو مجرّد افادة انّ المراد بالخطاب خلاف ظاهره من غير ان تكون مزيّة لظهوره الحاصل له بدونها ولا موجبة لاجماله ولا معيّنة للمراد بل يتوقّف التعيين على قرينة اخرى غيرها فغاية ما يترتّب على القرينة المنفصلة هو كونها دليلا على التاويل وانّ الخطاب معها من المؤوّلات وشأن الثانية أنّها مزيلة للظهور الحاصل للخطاب بدونها وموجبة لا جماله ايضا اذا لم يكن من العمومات او المطلقات بمعنى عدم ظهور القرينة فى المعنى المراد المخالف لظاهر الخطاب فيتوقّف تعيينه على قرينة اخرى كما فى المنفصلة فهى صارفة فقط وامّا اذا كان من احدهما فهى موجبة لظهوره فى تمام الباقى فتكون معيّنة ايضا ولمّا كان النّص والاظهر

٦٩١

من القرائن المنفصلة لفرض كونهما كلاما مستقلّا حيث انّ البحث فى الخبرين المتعارضين والخبر لا يكون خبرا الّا اذا كان كلاما مستقلّا فلهما شأنها ومن هنا ظهر انّه لو عملنا فى الظّاهرين ايضا بقاعدة الجمع لا يلزم منه اجمال شيء منهما بل غاية ما يترتّب عليهما هو التزام التّاويل فى احدهما اذا حصل الجمع به وفى كليهما اذا توقّف عليه فدليل صدورهما قد يكون مقتضيا ودليلا لتاويل كليهما وقد يكون مقتضيا لتاويل احدهما لا بعينه وعلى الاوّل يحتاج كلّ منهما الى شاهد على تعيين المراد وعلى الثانى يكفى شاهد واحد لفرض كفاية التّاويل فى احدهما مع بقاء الآخر على ظاهره بمعنى الالتزام بكون المراد ظاهره نعم على الثانى لا بدّ من شاهد آخر لتعيين مورد التاويل منهما فيحتاج الجمع على الثانى ايضا الى شاهدين ونظر المصنّف فيما سيأتى منه فى البحث عن الظّاهرين الّذين يكفى فى الجمع بينهما التاويل فى احدهما لا بعينه حيث يقول فحكمهما حكم الظاهرين المحتاجين فى الجمع بينهما الى شاهدين انّما هو الى الشاهد على تعيين المراد وقد عرفت انّه فيما يحتاج الى تاويل احدهما واحد وفيما يحتاج الى تاويل كليهما اثنان ثمّ انّ الحاجة الى شاهد آخر لتعيين مورد التاويل فيما اذا احتاج الجمع الى تاويل احدهما لا بعينه انّما هى فيما لم يكن الشّاهد على تعيين المراد خطابا آخر يفيد كون المراد من خصوص احدهما خلاف ظاهره والّا فيغنى عن الشّاهد على تعيين مورد التاويل اذ لازمه تعيين مورده والشاهد حينئذ بحسب الذات واحد وان كان بحسب الاعتبار متعدّدا وكيف كان فلا يمكن استفادة مورد التّاويل من احد الظّاهرين او من كليهما فيما يحتاج الجمع الى تاويل احدهما لا بعينه وهذا بخلاف النّص والاظهر فانّ كلّا منهما دليل على اصل التاويل وعلى تعيين مورده وهو الظّاهر الّا انّ تعيين المراد يتوقّف على قرينة أخرى ثمّ ان القرينة على تعيين المراد بعد ثبوت اصل التّاويل وثبوت مورده اى القرينة المعيّنة للمراد بعد صرف اللّفظ عن ظاهره احد أمور الأوّل انحصار المعنى المخالف للظاهر الّذى يصحّ ارادته منه بعد عدم ارادة ظاهر اللفظ فى واحد الثّاني اقربيّة بعض المعانى المخالفة له استعمالا او اعتبارا اذا تعدّدت الثالث غلبة وجود بعضها ان اعتبرناها الرابع كون اللّفظ المأوّل على وجه يكون بنفسه ظاهرا كما فى العمومات المخصّصة فانّ الفاظ العموم بمنزلة قضايا جزئيّة متعدّدة بتعدّد افرادها بحيث تكون ظاهرة فى ارادة كلّ فرد فرد الى تمام الافراد على وجه اذا قامت قرينة على عدم ارادة بعض تلك الافراد فهى لا يرفع ظهورها فى ارادة غير الخارج منها الثّابت لها بدونها بل هى ظاهرة فى ارادة غير ذلك الفرد بالاقتضاء الاوّلى فانّ تلك القرينة رفعت قضيّة جزئيّة واحدة من القضايا الّتى وقع العامّ مقامها الخامس وجود خطاب مستقلّ جيء به لتفسير المراد السادس الخصوصيّات اللّاحقة لبعض الموارد الخاصّة ممّا لا يندرج تحت ضابط قوله (وقد يظهر ما فى العدّة من كلام بعض المحدّثين) هو صاحب الحدائق حيث قال فى الموضع السّادس من المقدّمة السّادسة قد اشتهر بين اكثر اصحابنا سيّما المتاخّرين عدّ الاستحباب والكراهة من جملة وجوه الجمع بين الاخبار بل الاقتصار عليهما دون تلك القواعد المنصوصة محض اجتهاد فى مقابلة النّصوص انتهى ملخّصا قوله (لمعارضته

٦٩٢

خبر الرّخصة) اى فى الترك او الفعل قوله (وامّا اذا تعبّدنا الشارع بصدور الخبر الجامع للشرائط) توضيحه انّ الترجيح بالمرجّحات فى خصوص مادّة الافتراق لا يلزم منه التبعيض فى صدور المرجوح فانّ اعتبار اخبار الآحاد فى الشرع انّما هو من باب التعبّد من غير ان يكون دائرا مدار الظّن كما هو الحال فى اعتبارها عند العرف نعم غلبة مصادفتها للواقع لوحظ فى اعتبارها على وجه الحكمة ومعنى التعبّد بها انّما هو وجوب ترتيب الآثار والاحكام الشرعيّة المترتّبة عليها على تقدير صدورها ومن الواضح انّ التعبّد ليس كالصّدور فى عدم قابليّته للتبعيض بل هو قابل له ويمكن ان يتعبّدنا الشارع بترتيب آثار صدق المرجوح فى مورد الافتراق مع تعبّده بترتيب آثار عدم صدوره فى مورد الاجتماع فاذا امكن ذلك والمفروض كونه جامعا لشرائط الحجيّة والاعتبار ولا مانع من ايجاب العمل به الّا معارضته بما هو اقوى منه والمقدّم عليه لاجل الترجيح فلا بدّ من رفع اليد عنه بمقدار ما يزاحمه المعارض وهو آثاره بالنّسبة الى مورد الاجتماع ولا ضير فى ترتيب آثاره عليه فى مورد الافتراق ووجوب ترجيح الراجح عليه ليس معناه التعبّد بعدم صدوره فى مورد الاجتماع بل معناه التعبّد بالرّاجح فيه الى التعبّد بآثاره فيه دون آثار المرجوح فمعنى وجوب الترجيح بالمرجّحات انّه لو فرض الدوران بين واجد المزيّة وفاقدها فى التعبّد بآثار صدورهما وجب التعبّد بآثار الواجد فى مورد الدوران والتعارض لا بآثار الفاقد والدّوران ينشأ من جهة التعبّد بآثارهما لا من جهة نفس صدورهما ضرورة امكان صدور النّصين المتعارضين فضلا عن الظّاهرين المبحوث عنهما بل وقوعه فى الجملة فى الشّريعة فإن قيل ما الفرق بين اعمال الترجيح فى العامّين من وجه على هذا النّحو والعمل فيهما بقاعدة الجمع فانّ مقتضاها ايضا هو الأخذ بمقتضى احدهما فى مورد الاجتماع حيث انّ الجمع بينهما يحصل بتاويل احدهما بان يخرج مورد الاجتماع عن احدهما ويدخل فى الآخر ويثبت له حكمه قيل الفرق بينهما فى غاية الوضوح فانّ المفروض كون المتعارضين العامّين من وجه ظاهرين وقد عرفت انّ معنى الجمع هو التعبّد بسندى المتعارضين والحكم بصدورهما ولازمه كونهما كالمجملين والتزام التاويل فى احدهما لا بعينه اذا لم يكن شاهد من الخارج على التعيين لعدم امكان الاخذ فيه بالمرجّحات السنديّة اذ معنى الاخذ بها انّما هو التعبّد بذيها خاصّة فى مورد التعارض والمفروض بمقتضى قاعدة الجمع التعبّد بصدور كليهما وما يمكن الاخذ به هى المرجّحات الراجعة الى قوّة الدلالة المفروضة العدم فى المقام او شاهد خارجىّ وهو غير مفروض فى السؤال عن الفرق مع انّه لا يلزم وجوده فى جميع الموارد بل قد يكون وقد لا يكون وهذا بخلاف ما اذا عملنا بالمرجّحات السنديّة إذ حينئذ يكون مورد الاجتماع محكوما بدخوله فى واجد الترجيح خاصّة فى مرحلة الظاهر من غير انتظار لشاهد خارجىّ هذا غاية ما يمكن ان يقال فى ردّ التفصيل المزبور ومع ذلك كلّه فالمسألة لا تخلو عن اشكال ويمكن ان يقال انّ المتكافئين من العامّين من وجه يشملهما ادلّة التخيير فانّه وان لم يجر

٦٩٣

فيهما جميع تلك الادلّة للزوم التبعيض فى الصّدور ولكن يجرى فيهما بعضها كقوله ع بايّهما اخذت من باب التسليم وسعك فانّه ليس فى مقام الحكم بالصّدور وليس فيه امر بترك الآخر بل مفاده هو مجرّد التعبّد بالاخذ والعمل باحدهما وامّا غير المتكافئين منهما فيؤخذ بالمرجّحات المنصوصة وغير المنصوصة فى مقام العمل ولا يؤخذ بها فى مقام الفتوى والمرجّحات المنصوصة وان لم يكن بعض ادلّتها امر بترك الآخر حتّى يلزم منه التبعيض فى الصّدور وليس مفادها جعل الراجح بمنزلة مقطوع الصّدور حتّى ينافيه التبعيض ايضا الّا انّ شمولها للعامّين من وجه مع امكان دعوى انصرافها عنهما فى غاية الاشكال فتامّل قوله (الظاهرين المحتاجين فى الجمع بينهما الى شاهدين) قد مرّ انّه لو عملنا فى الظاهرين الّذين لا بدّ فى الجمع بينهما من تاويل كليهما بقاعدة الجمع لزم ذلك شاهدين ولاجل ذلك عبّر عن التّاويلين بالشّاهدين تنبيها على توقّف التاويل فيما اذا لم يكن احد الخبرين بنفسه قرينة على التاويل فى الآخر على ورود شاهد من الشّارع عليه من غير فرق بين ما كان التّاويل فى احدهما ام فى كليهما وقد مرّ انّ غاية ما يتخيّل كونه شاهدا عليه فى الظاهرين هو دليل اعتبار صدورهما وانّه لا وجه له لعدم حكومة دليل اعتبار صدورهما على دليل ظهورهما بل هما متعارضان قوله (فينحصر الترجيح بحسب الدلالة فى تعارض الظاهر والاظهر) اعلم انّ الفرق بين النّص والظاهر والظاهر والاظهر بخروج الاوّل عن التعارض ومسئلة الترجيح بحسب الدلالة دون الثانى غير معلوم فانّه قد تقدّم منه قدس‌سره قريبا انّ دليل حجيّة النّص وكذا الاظهر يجعله قرينة صارفة عن ارادة الظّاهر فرفع اليد عن اصالة الظهور فى الظاهر اذا كان لقرينيّة الاظهر فليس من ترجيح الاظهر بل من قبيل النّص والظّاهر خارج عن التّعارض نعم الفرق بينهما باحتمال الخلاف فى الاظهر دون النّص يجعل الاوّل حاكما على الظاهر مثل النّص الظنّى السّند بخلاف الثّانى فانّه يكون واردا صحيح ولكن هذا لا يوجب الفرق المذكور فانّ فى الاخذ بالاظهر لكونه قرينة صارفة ليس طرح لظهور الظاهر لانّ اصالة الظّهور تعليقيّة بالنّسبة الى القرينة وتعارض كلّ من النّص والاظهر مع الظاهر صورىّ بدوىّ نظير تعاند قرينة المجاز مع ارادة المعنى الحقيقى قوله (وتبعه بعض متاخّرى المتاخّرين) وممّن سلك هذا المسلك الفريد البهبهانى ره في تعليقاته على المدارك حيث رجّح العمومات على الاخبار الخاصّة بمخالفتها للشّهرة وموافقتها للعامّة وهو منه بعيد الّا ان يكون المراد من هذا الكلام هو انّ الاخبار الخاصّة موهونة باعراض المشهور عنها فالعمومات سليمة عن المعارض وح لا ضير فى تكثير وهنها بموافقة العامّة وكيف ما كان فقد ردّه النراقى ره في مستنده بانّ التّعارض انّما هو بالعموم والخصوص المطلقين وتلك الاخبار اخصّ مطلقا وليس بناؤهم حينئذ على الرّجوع الى المرجّحات لانّ الخاصّ قرينة معيّنة لمعنى العامّ فلا يفيد مخالفة احدهما للعامّة او موافقته للشّهرة الى آخر كلامه قوله (اقول ما ذكرنا من الدّليل الدّال على وجوب الجمع) اشتمل كلامه قدس‌سره على اجوبة ثلاثة الاوّل قوله ما ذكرنا من الدّليل الدال

٦٩٤

الثانى قوله مع انّ حمل ظاهر الخ الثالث قوله وليت شعرى ما الّذى أراد ويمكن ان يقال لمّا كان التّرجيح بحسب الدّلالة منوطا بالقوّة والضّعف فيها بان يكون احد الخبرين اقوى دلالة فى مدلوله من الآخر أراد هذا البعض منع ذلك فى المثال المذكور بان لا يكون الدّليل الدّال على عدم وجوب الوضوء اقوى من الدليل الآخر لقوّة دلالته ايضا على الوجوب ولا يكون الاوّل كافيا فى التصرّف فيه ويؤيّده قوله الّا اذا فهم من الخارج ارادته وعليه فخلافه صغروىّ قوله (فليس هو الّا طرح السّند لاجل الفرار عن تاويله) فانّه لو لم يقع الحاجة الى التّاويل لكان متعبّدا بصدوره ولكنّ الحاجة اليه اوجب ترك التعبّد بصدوره وهذا غير معقول قوله وبالجملة انّ الخبر الظنّى اذا دار الامر بين طرح سنده) لا ينافى ما ذكره هنا منعه عن الاخذ بقاعدة الجمع فى الظّاهرين ومنعه من العمل بها فى النّص او الاظهر مع الظّاهر اذا انحصر وجه الجمع فى النسخ فانّ كلامه فى المقام مفروض فى صورة الدّوران ومن المعلوم انّ تحقّق الدّوران انّما هو فى صورة امكان كلّ من الأمرين على نحو امكان الآخر ومنعه من الأخذ بقاعدة الجمع فى الموردين المشار اليهما انّما هو لعدّه الجمع فيهما ممتنعا عرفا وكيف يصحّ الدوران بين امرين يمتنع احدهما فلا دوران عنده بين الجمع والطّرح فيهما فالظّاهر ان والنّص او الاظهر مع الظّاهر فى الصّورة المذكورة ليسا من صغريات هذه الكبرى قوله (ومرجعها الى ترجيح الاظهر على الظاهر) الوجه فى تخصيصه طاب ثراه مورد الترجيح بالظّاهر والاظهر هو ما تقدّم منه من انّ الترجيح بين الدّليلين فرع تعارضهما ولا يصلح ظهور الظّاهر للمعارضة لنصوصيّة النّص لعدم امكان التّاويل فى النّص بخلاف الاظهر فانّه يمكن فيه التّاويل ويحتمل فيه ارادة خلاف ظاهره فيعارض الظّاهر غاية الامر ترجيح الاظهر لقوّته قوله والاظهريّة قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين) الوجه فى عدم دخول القرائن الشخصيّة تحت ضابطة هو اختلافها باختلاف الموارد والاشخاص امّا الاوّل فواضح وامّا الثانى فلأنّ بعض القرائن الشخصيّة يتوقّف فهمها على ذوق وفطانة فلا تكون قرينة الّا بعد التفطّن وايضا قد يكون بين المتكلّم والمخاطب عهد يوجب ذلك اظهريّة اللّفظ فى المعنى المعهود لذلك الشخص دون غيره ثمّ إنّه إذا دار الامر بين الاخذ بمقتضى القرائن الشخصيّة والاخذ بمقتضى الصنفيّة والنوعيّة تعيّن الاوّل ضرورة ظهور اللفظ معه فيما يقتضيه بحيث لا أثر حينئذ لغيرها من القرائن واذا دار الامر بين الاخذ بمقتضى الصنفيّة والنوعيّة تعيّن الاوّل لما ذكر قوله (وقد يكون بملاحظة نوع المتعارضين) وعقدوا له بابا وسمّوه بباب تعارض الاحوال وليس له اختصاص بالتعارض المبحوث فى المقام اى التّعارض بين الدليلين واكثر بل يجرى فى الدّليل الواحد ايضا كتعارض التخصيص والنسخ المذكور آنفا فى المسألة الاولى فانّه من تعارض الاحتمالين لا الدليلين اذا كان الخاصّ المشكوك بعد ورود العامّ قوله (كأن يكون احدهما ظاهرا فى العموم والآخر جملة شرطيّة) وذلك كتعارض مفهوم قوله ع الماء اذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء وعموم منطوق قوله ص خلق الله الماء طهورا قوله (فى بعض افراد العامّ

٦٩٥

والخاصّ) وهو الخاصّ المتقدّم مع العامّ المتأخّر فانّه يدور الامر فيهما بين ان يكون العامّ ناسخا للخاصّ وان يكون الخاصّ مخصّصا وبياناً وأمّا العكس وهو صورة تاخّر الخاصّ فقد عرفت انّه من تعارض الاحتمالين ثمّ لا يخفى انّ التعارض والترديد سواء كان بين الدّليلين او الاحتمالين انّما هو فيما لو جهل زمان ورود الثانى ودار الامر بين ان يكون وروده بعد حضور وقت العمل بالاوّل حتّى يكون ناسخا او قبله حتّى لم يكن كذلك والّا فلو علم باحدهما فلا اشكال فالخاصّ المتاخّر ان كان صادرا قبل حضور وقت العمل تعيّن كونه مخصّصا اذ يشترط فى النسخ صدور النّاسخ بعده وان كان صادرا بعده تعيّن كونه ناسخا لانّ المخصّص بيان للعامّ ولا يجوز تاخيره عن وقت الحاجة وكذلك الكلام فى العامّ المتأخّر قوله (بانّ غلبة هذا النحو من التخصيصات يابى عن حملها) اى حمل هذه التخصيصات على ذلك اى على النّسخ والغرض انّ النّسخ فى الشريعة بل فى جميع الشرائع قليل فى الغاية وهذه التخصيصات كثيرة وذلك يبعّد جعلها ناسخة نعم ورود النّسخ على جميع الشرائع الّا الشريعة الختميّة مسلّم ولكن ذلك امر آخر قوله (فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات) لا اشكال فى انّ النّبى ص لم يبيّن جميع الاحكام الواقعيّة فى اوّل البعثة بل بيّنها على التّدريج ويظهر هذا من الاخبار المأثورة مع انّ الموجودين فى عصره ص كانوا مشاركين لغيرهم فى تلك الاحكام وقد جعل احكامهم فى مرحلة الظّاهر قبل بيان تلك التّكاليف بمقتضى اصالة البراءة العقليّة وذلك لاجل مصلحة من التّسهيل عليهم او غيره من المصالح ورفع ذلك المقتضى عنهم بالنّسبة الى كلّ مورد ببيان التّكليف الواقعىّ الثابت لذلك المورد واقعا فإذا جاز بل ثبت وقوعه جاز ايضا ان يكون حكمهم فى مرحلة الظّاهر فى موارد الخطابات العامّة او المطلقة هو مقتضى العموم والاطلاق لاجل مصلحة مع كون الحكم الواقعى الثّابت لهم هو الخاصّ فانّ مع عدم فرض المصلحة لا يصحّ ايقاع المكلّف فى خلاف الواقع مطلقا ومعها لا فرق ايضا فإن قلت إنّ غاية ما فى المقيس عليه هو عدم بيان الاحكام الواقعيّة وهو لا يستلزم قبحا لعدم استناد فوت الواقع عن المكلّف الى الشارع لمكان امكان الاحتياط فى موارد اصالة البراءة بخلاف المقيس فانّ ببيانه المتقدّم الّذى هو مقتضى العموم مع انّ الواقع خلافه يكون الفوت مستندا إليه قلت أوّلا مفاد العامّ ايضا ليس قطعيّا واحتمال الخلاف وثبوت التخصيص قائم فيه فليس فوت الواقع ايضا مستندا اليه وغاية ما يترتّب على تجويز الشارع العمل بمقتضى العموم هو عدم العقاب لقبح ثبوته مع تجويزه العمل بالعامّ المؤدّى الى المخالفة كقبح ثبوته فى المقيس عليه فانّه لمّا كان البيان على الشّارع ولا طريق للمكلّف فى معرفة احكامه سوى بيانه فيكون سكوته بمنزلة بيانه للعدم فيصحّ استناد فوت الواقع اليه فيهما وعدمه كذلك من دون فرق وثانيا انّ الغرض هو ثبوت الامكان والتجويز مع المصلحة فمع وجود المصلحة لا قبح فى بيانه للعدم كما انّ معها لا قبح لسكوته عن البيان ومع انتفاعها يقبح كلّ منهما لأنّ اخفاء المصالح والمفاسد على المكلّف وايقاعه فى خلاف الواقع سواء كان بالسّكوت عن البيان رأسا او ببيان العدم قبيح اذا لم يكن مصلحة تقتضيه ومعها فلا قبح مطلقا قوله (بل يجوز ان يكون مضمون العموم والاطلاق هو الحكم

٦٩٦

الالزامى) هذا جواب ثالث عن الدعوى وحاصله انّ ما ادّعيته انّما يجرى اذا كان مضمون القرينة المختفية حكما الزاميّا ومضمون العموم والاطلاق نفيه امّا اذا كان الامر بالعكس فلا مفسدة فى الالزام بشيء غير لازم ويكون المصلحة حينئذ فى نفس التكليف لا فى المكلّف به كما لا يخفى قوله (فان قلت اللّازم من ذلك) والغرض انّ جواز تاخير المخصّص عن وقت العمل بالخطاب مستلزم لعدم جواز الاستناد فى تأسيس اصالة الحقيقة باصالة عدم القرينة فانّها لا تزيد على العلم بانتفاء القرينة وقد التزمتم بعدم لزوم قبح على ارادة خلاف الظاهر على هذا الوجه مع القطع بانتفاء القرينة فكيف بالاصل وعليه ينسدّ باب التّمسك بالظّواهر وتكون الالفاظ محكومة بالاجمال قوله ومنها تعارض الاطلاق والعموم) كقوله اكرم كلّ عالم وان ضربك رجل فلا تكرمه وضرب المخاطب عالم فالامر دائر بين ان يكون المراد اكرم كلّ عالم الّا الضّارب وان يكون ان ضربك رجل فلا تكرمه ان لم يكن عالما قوله (لانّ الحكم بالاطلاق من حيث عدم البيان) لا يخفى انّ هذا يتمّ فيما كان العامّ المعارض مقارنا لورود المطلق ام متقدّما عليه وامّا اذا كان متاخّرا عنه فالظاهر أنّهما ح يكونان من المنجّزين وذلك لانّ عدم البيان الّذى هو جزء من المقتضى لظهور المطلق فى الاطلاق انّما هو عدم البيان فى مقام البيان لا عدمه الى آخر الابد فاذا احرز كونه فى مقام البيان مع عدم وروده الى ذلك المقام يتنجّز الحكم بالاطلاق وينعقد ظهور المطلق فيه لحصول ما علّق عليه ولا يكون ظهوره معلّقا على عدم ورود العامّ متاخّرا حتّى يدور الامر بين المعلّق والمنجّز ولكن الّذى يهوّن الامر فى تقديم العامّ على المطلق وتقييده به ولو كان افادة كليهما بالوضع وكان المطلق فى افادته الاطلاق منجّز الاحراز المقتضى هو اقوائيّة دلالة العامّ من دلالة المطلق والوجه فى ذلك هو ضعف ظهور المطلق فى الاطلاق من اصله فانّ الشرط فى ذلك امران الاوّل كون المتكلّم فى مقام البيان فى حال التكلّم والثانى عدم ورود البيان وإحراز الشرط الاوّل فى غاية الاشكال اذ لا يجب عقلا على المتكلّم بيان تمام مقصوده حال التكلّم بل له تاخيره الى اوّل وقت العمل وعدم صلاحيّة شيء آخر لكونه مدركا ودليلا على ذلك سوى دعوى الغلبة وهى بعد تسليمها لا يكون دليلا حتّى يحرز بها كونه فى مقام بيان تمام مقصوده ومن هنا يظهر ضعف ما فى دعوى بعضهم من انّ الاصل كون المتكلّم فى مقام البيان ولكن مع ذلك كلّه فالظّاهر من العرف انّهم اذا علموا من احد كونه فى مقام الاهمال حال التكلّم يسألونه عن الدّاعى اليه بخلاف ما اذا عملوا منه كونه فى مقام البيان فى تلك الحال مع انّ البيان ايضا كالاجمال يحتاج الى داع فالاصل عندهم هو البيان فى تلك الحال بحيث يعدّ الاجمال فيها فى نظرهم مخالفا للاصل قوله (كونه اغلب من التخصيص وفيه تامّل) وجهه انّ الكلام فى التّقييد المنفصل وكونه اغلب ممنوع والحقّ فى وجه تقديم التّقييد انّ دلالة العامّ على العموم الشمولى اقوى من دلالة المطلق على العموم البدلى كما عرفت قوله (نعم اذا استفيد العموم الشمولى فى المقام) اى يكون ح كالمطلق تعليقيّا فيتعارضان ولا بدّ من ملاحظة الترجيح بينهما والظّاهر حينئذ ترجيح التخصيص لغلبة التخصيص بالمنفصل على التّقييد كذلك قوله (وممّا ذكرنا يظهر حال التقييد مع سائر المجازات)

٦٩٧

غير التخصيص فانّه ان كان مخالفا لظهور اللفظ وضعا فلا يصار اليه بل يلتزم بتقييد المطلق فانّ ذلك الظّهور منجّز فيقدّم على ظهور المطلق التعليقى كتقدّم ظهور العامّ وضعا عليه وان كان مخالفا للظهور الناشى من دليل الحكم فالدّوران بينه وبين التقييد من دوران الامر بين التعليقيّين ولا بدّ من ملاحظة التّرجيح قوله (ولم نقل ذلك فى العامّ المخصّص فتامّل) وجه التامّل هو انّ شيوع استعمال الامر فى الندب نوعا لا يجدى بالنّسبة الى الامر الّذى وقع فى حيّز العامّ على ما هو محلّ الكلام فانّ كثرة التخصيص فى العامّ ايضا يكون على وجه قيل ما من عامّ الّا وقد خصّ فإن قلت ليس معنى قولهم ما من عامّ الّا وقد خصّ انّ كلّ واحد من العمومات غلب فيه التخصيص بل معناه انّه لا يوجد شيء من العمومات اريد منه العموم بل كلّ واحد منها قد خصّص ولو بمخصّص عقلىّ ولو سلّمنا غلبة التخصيص فى كلّ واحد منها فانّما هى بملاحظة مجموع مراتب الخصوص لا بالنّسبة الى كلّ واحدة منها مع عدم امكان ذلك فى نفسه ولا بالنّسبة الى مرتبة خاصّة بخلاف صيغة الامر فانّ غلبة الاستعمال المجازى فيها انّما هى بالنّسبة الى خصوص بعض معاينها المجازيّة وهو الاستحباب ومن المعلوم تعيّن الاخذ بالغلبة الشخصيّة فى مقام الترجيح قلت إنّ الغلبة الشخصيّة انّما يجدى فى تعيين المراد بين المعانى المجازيّة من لفظ واحد بعد ثبوت عدم ارادة الحقيقة مثلا اذا ورد اكرم العالم وعلم انّه ليس المراد اكرام مطلق الطّبيعة بل شخص خاصّ منها وتردّد ذلك الخاصّ بين زيد الّذى هو من النّحويين وعمرو الّذى هو من الفقهاء وفرضنا انّ استعمال العالم فى خصوص زيد اكثر منه فى خصوص عمرو مع تحقّق كثرة استعماله فى مجموع آحاد الفقهاء بحيث يساوى كثرة استعماله فى زيد فيكون حمله على عمرو مقتضى الغلبة فى نوع الفقهاء وحمله على زيد مقتضى الغلبة الشخصيّة المختصّة به فيقدّم الثانى لكنّ المفروض فى المقام عدم ثبوت المجازيّة فى خصوص شيء من العامّ والامر مع العلم بارادة خلاف الظاهر من احدهما اجمالا الدّاعى الى الالتزام بالتاويل فى احدهما فالامر دائر بين الاخذ بظهور العامّ والتاويل فى الامر وعكسه ومن المعلوم انّ المرجّح حينئذ إنّما هو ما يوجب اظهريّة دلالة العامّ على العموم من دلالة الامر على الوجوب او العكس ومن المعلوم ايضا انّ الاظهريّة انّما هى بواسطة قلّة تقدّم جهة الوضع بالاستعمال المجازى فكلّما قلّ استعماله فى خلاف ما وضع له بالاضافة الى الآخر فهو اظهر من غير فرق بين ان يكون كثرة الاستعمال المجازى المصادمة لجهة وضع الظاهر متحقّقة فى معنى خاصّ من المعانى المجازيّة او فى ضمن مجموعها فانّ ضعف دلالته على ارادة الموضوع له انّما هو ناش عن كثرة ارادة خلاف الموضوع له لا عن كثرة ارادة معنى خاصّ من المعانى المخالفة له فلا يقدح كثرة استعمال الامر فى الندب فى اضعفيّة ظهوره من ظهور العامّ الّا اذا كانت اقوى من كثرة التخصيص فى ذلك العامّ المتحقّقة فى جميع مراتب استعماله المجازى من مراتب الخصوص وبالجملة محلّ الكلام انّما هو فى تشخيص الاظهر من اللّفظين لتعيين مورد التاويل المعلوم اجمالا لا فى تشخيص ارادة المعنى المجازى فالمرجّح انّما هو قلّة تقدّم مقتضى الوضع بكثرة الاستعمال المجازى من غير فرق بين تحقّقها فى معنى خاصّ وتحقّقها فى مجموع معان مجازيّة فالحكم باظهريّة العام فى العموم يتوقّف على احراز اكثريّة استعمال الامر فى خلاف معناه الموضوع له من استعمال العامّ فى خلاف ما وضع له وهو الخصوص ولا يجدى اكثريّة استعمال الامر فى خصوص الاستحباب من استعمال العامّ فى خصوص مرتبة من

٦٩٨

مراتب الخصوص نعم إذا كان استعماله فى خصوص الاستحباب اكثر من استعمال العامّ بالنّسبة الى جميع مراتب الخصوص كان مجديا من جهة كون الأكثريّة حينئذ محقّقة لعنوان اكثريّة تقدّم جهة الوضع الّذى هو المناط فى اضعفيّة الظّهور ولا يبعد دعوى اكثريّة استعمال كلّ من الفاظ العموم فى غير العموم بالنسبة الى جميع مراتب التخصيص من استعمال الامر فى غير الوجوب مطلقا فكيف باستعماله فى خصوص الاستحباب قوله (والظاهر تقديم الجملة الغائيّة على الشرطيّة الخ) وذلك لانّ دلالة الغائيّة على المفهوم اقوى واظهر من دلالة الشرطيّة وهى اقوى من الوصفيّة مع أنّه يمكن ان يقال انّ دلالة الجملة الغائيّة على المفهوم وانتفاء حكم ما قبل الغاية عمّا بعدها بالوضع بخلاف الشرطيّة قوله (وقد يستدلّ على ذلك بقولهم ع حلال محمّد ص) تقريب الاستدلال انّه ليس المراد استدامة خصوص المباح والحرام الاصطلاحيّين بل مطلق الاحكام المجعولة شرعا فيفيد الخبر اصلا كلّيا وهو عموم الاستمرار بالنسبة الى كلّ ما صدر عن الشّرع لانّه بعمومه حينئذ يكون مفسّرا للدّليل المقتضى بظاهره لنسخ الحكم الثابت بالدّليل الآخر الظّاهر فى الاستمرار وحاكما عليه فانّ معنى الخبر حينئذ أنّ الشارع لم يعتن باحتمال النسخ وحكم بعدمه ومقتضاه من جهة عمومه الحكم بعدم النّسخ المحتمل فى مورد الفرض فهذا الخبر مفسّر بعمومه بعدم ارادة بيان انتهاء الحكم الثابت بالدليل الظّاهر فى الاستمرار من هذا الدليل الظاهر فى انتهاء امده فهو بنفسه كاف فى البناء على عدم كون ذلك الدليل ناسخا وتاويله الى غير ما هو الظّاهر فيه ولو مع عدم ظهور الدّليل الآخر فى استمرار حكمه وقد يقال فى وجه الاستدلال انّ المفروض ظهور الدّليل الآخر فى استمرار حكمه مع ظهور هذا الحديث ايضا بعمومه فى ذلك فلو بنى على النسخ اخذا بظهور الدليل الظّاهر فيه لزم طرح ظهورين وارتكاب الوجوه المخالفة للاصل فى موردين ويقتضى تخصيص عموم هذا الحديث بالنّسبة الى مورد الفرض وتاويل الدّليل الظاهر فى الاستمرار بخلاف ما اذا بنى على عدم النسخ فانّه يلزم مخالفة الاصل فى دليل واحد وفيه ما عرفت فى التقريب الاوّل من انّ حديث حلال محمّد ص على هذا المعنى يكون حاكما على الدّليل الظّاهر فى النّسخ ومن المعلوم عدم المعارضة بين الحاكم والمحكوم عليه حتّى يلاحظ الدّوران بينهما فالمحكوم ساقط عن الاعتبار مع وجود الحاكم لا انّه معارض له وعلى اىّ حال فالجواب عن الاستدلال هو انكار ظهوره فى المعنى المذكور كما افاده المصنّف ره قوله فلا وجه لملاحظة الاصول العمليّة فى هذا المقام) لوضوح سقوطها فى مرتبة الادلّة الاجتهاديّة مطلقا موافقة كانت ام مخالفة وسواء كان العمل بالاصول بعنوان كونها مرجعا او مرجّحا فانّها غير صالحة لافادة الظّن حتّى يقوى بها الظهور الموافق لها مع انّها على فرض افادتها له لا يجدى فانّ الظّن الحاصل منها انّما هو ظنّ بالواقع لا بارادة المظنون من الخطاب فيكون ظنّا خارجيّا غير صالح للترجيح به لانّ المدار فيه على قوّة احد الظهورين بالاضافة الى الآخر هذا مضافا الى عدم جريان استصحاب عدم النّسخ فى نفسه فى صورة تاخّر الخاصّ عن العامّ وتردّده بين ان يكون ناسخا او مخصّصا اذ على تقدير كونه مخصّصا يكشف عن عدم ثبوت العموم من اوّل الامر فمع احتمال التخصيص لا قطع بثبوت الحكم العامّ من اوّل الامر حتّى يكون موردا للاصل قوله ثمّ انّ هذا التعارض انّما هو مع عدم ظهور الخاصّ) والوجه فى ذلك انّه اذا كان

٦٩٩

الخاصّ المتاخّر ظاهرا فى ثبوت حكمه ابتداء كان ظهوره هذا حاكما على ظهور العامّ فى ثبوت الحكم بالنّسبة الى الخاصّ بمعنى أنّه ح يكون قرينة على عدم ارادته من اوّل الامر ومعه فيكون رافعا لاحتمال ثبوت حكم العامّ له من حين صدور العامّ الى حين صدوره المستلزم للنّسخ وان شئت قلت انّ للعامّ المفروض ظهورين الاوّل ظهوره فى ثبوت الحكم لكلّ فرد من افراده الّتى منها الخاصّ فى الجملة والثانى ظهوره فى استمرار ذلك الحكم لموضوعه من حين ثبوته الى الابد ومن المعلوم انّه لا تعارض اوّلا وبالذّات بين هذين الظهورين وانّما جاء الدّوران والتعارض من جهة التعبّد بالخاصّ المتاخّر الّذى هو نصّ فى عدم ثبوت حكم العامّ له من حين صدور الخاصّ ويدور الامر فى الزّمان الفاصل بين صدور العامّ وصدور الخاصّ بين الاخذ بظهور العامّ فى ثبوت حكمه لكلّ فرد فى الجملة ليثبت حكمه للخاصّ فى ذلك الزّمان ولازمه طرح الظهور الآخر وهو ظهور العامّ فى الاستمرار الّذى هو معنى النّسخ والاخذ بظهور العامّ فى الاستمرار ولازمه عدم ثبوت حكمه للخاصّ اصلا وخروجه منه من اوّل الامر الّذى هو معنى التخصيص فإذا فرض ظهور الخاصّ المتاخّر فى ثبوت حكمه من اوّل الشّريعة وخروجه عن حكم العامّ كذلك فلا بدّ حينئذ من رفع اليد عن ظهور العامّ فى ثبوت حكمه لكلّ فرد بالنّسبة اليه وعليه فلا مجال لاحتمال النّسخ قوله (نعم لا يجرى فى مثل العامّ المتاخّر عن الخاصّ) والوجه فى ذلك انّ الظهور فى عموم الحكم لكلّ فرد المستدعى للنّسخ انّما هو فى العامّ والظهور فى استمرار الحكم المقتضى للتخصيص انّما هو فى الخاصّ المتقدّم ويكون الظّهوران المتعارضان فى كلامين قوله ومنها ظهور اللّفظ فى المعنى الحقيقى) وذلك كقول القائل رأيت اسدا يرمى مع قوله ما رأيت اليوم انسانا.

قوله (وتنقلب بعد تلك الملاحظة الى العموم المطلق) كما اذا ورد اكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ويستحبّ اكرام العدول فانّ النّسبة بين الاوّل والثانى عموم وخصوص مطلق وبينه وبين الثالث عموم من وجه ولا تعارض بين الثانى والثالث فاذا خصّص الاوّل بالثانى بقى تحت الاوّل وجوب اكرام العدول من العلماء فيتعارض الثّالث بالعموم والخصوص المطلقين وانقلب النّسبة بين الاوّل والثّالث مع كونهما فى حدّ ذاتهما بالعموم من وجه بعد التّخصيص الى العموم المطلق واللّازم حينئذ تخصيص الثالث بالاوّل وسيجيء هذا المثال فى الكتاب قوله (فنقول توضيحا لذلك انّ النّسبة بين المتعارضات) لا اشكال فى انّ حكم المتعارضات هو ما تقدّم من حكم المتعارضين من دون فرق اصلا وهو تقديم النّص او الاظهر على الظّاهر ومع عدم التّرجيح فى الدّلالة يرجع الى اخبار العلاج الّا انّه لاجل صعوبة تشخيص موضوعى النّص والاظهر فى المتعارضات فقد يتوهّم فيها نصوصيّة بعضها واظهريّته بالنّسبة الى ما عداه مع انّه فى الحقيقة من الظّاهر وقد يتوهّم فى بعضها انّه من الظاهر مع انّه فى الحقيقة نصّ او اظهر تعرّض لحكم المتعارضات لتشخيص الصّغريات وما يقع فيه الاشتباه قوله (فان كانت النّسبة العموم من وجه وجب الرّجوع) لما مرّ فى المتعارضين من انّ العامّين من وجه يكونان من الظاهرين وليس فيهما ترجيح بحسب الدّلالة نعم قد يكون احدهما اظهر من الآخر من جهات أخر ككونه اقلّ فردا من الآخر او كون مورد الاجتماع اظهر افراده او اغلب

٧٠٠