تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

الّذى ادّعاه السّيد) والجواب عنه بوجوه الاوّل انّه قد مرّ تضعيف الاعتماد على الاجماع المنقول على فرض حجيّة خبر الواحد فعلى تقدير عدم حجيّته كما هو المدّعى اولى بعدم الاعتبار فانّ حجيّته انّما هى من جهة اعتقاد شمول ادلّة خبر الواحد له فلو لم يكن خبر الواحد حجّة فلا دليل على حجيّة الاجماع المنقول الثّانى انّ هذا الاجماع على تقدير حجيّته معارض بالاجماع الّذى ادّعاه الشّيخ والسّيد رضى الدّين والعلّامة رحمهم‌الله تعالى على جواز العمل بخبر الواحد وستطّلع على عباراتهم فى المتن مع انّ الترجيح فى جانب اجماع الشّيخ لذهاب المعظم اليه ولسائر المؤيّدات الّتى يجيء الإشارة اليها ولما قيل فى حقّ السّيد ره من انّه لمّا كان من المراجعين الى علم الكلام والنّاظرين فيه وكان دأبهم الخوض فى العقليّات والارتياب فى النقليّات كان ذهنه غشيشا فى حجيّة اخبار الآحاد وكانّه ذهل عن بناء الاصحاب وكون مدار عملهم على الاخذ بها ويرجع دعواه الاجماع الى اعتقاد لياقة الاصحاب للمنع لا الاجماع الحاصل له من التتبّع ولصراحة كلام الشيخ فى انّ الاجماع على العمل بخبر الواحد ليس مبنيّا على طريقته من قاعدة اللّطف بل صريح فى دخول المعصوم فى المجمعين وانّه لا يجوز عليه الغلط والسّهو الثالث ذهاب المعظم الى الحجيّة وتحقّق الشّهرة عليها بين القدماء والمتاخّرين ونحن نرى الاصحاب لا يزالون يتمسّكون بأخبار الآحاد خلفا عن سلف ويجيء فى ادلّة المجوّزين ما يزيدك توضيحا.

قوله (او الرّد فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق وهو محال) لانّ فى التبيّن نحو اعتناء بالخبر وفى صورة الصّدق يعمل بخبره قوله (بل مستلزم لمزيّة كاملة للعادل على الفاسق فت) لمّا كان مفاد الآية بناء على الوجوب النّفسى اختصاص خبر الفاسق بوجوب التّفتيش عن صدقه وكذبه دون العادل من دون ان يستفاد منها شيء آخر كان فى هذا مزيّة للعادل وفضيلة له على الفاسق فانّ فى الفحص احتمال اذلاله لاحتمال تبيّن كذبه ولكن لا يخفى انّ فى التبيّن نحو اعتناء بالمخبر مضافا الى انّ المخبر بعد التبيّن وانكشاف صدقه يكون اقوى واعلى شأنا فى ترتّب الآثار من الّذى لا تبيّن فيه وان عمل بخبره ولعلّ الامر بالتامّل اشارة الى هذا قوله (انّ الاستدلال ان كان راجعا الى اعتبار مفهوم الوصف روى انّ النّبى ص أرسل وليد بن عتبة الى بنى المصطلق ليأخذ منهم صدقاتهم فلمّا قرب الى منازلهم خرجوا اليه ليتلقّوه تعظيما لحقّه فها بهم لما كان بينه وبينهم فى الجاهليّة من العداوة فهرب الى النّبى ص واخبره بتمانعهم من اداء الصّدقات وقد يروى أنّه اخبر بارتدادهم فنزلت الآية فى حقّه والقائلون بدليل الخطاب اى ثبوت مفهوم المخالفة استدلّوا بها فى المقام فبعض عملا بمفهوم الشرط وبعض بمفهوم الوصف أمّا التّمسك بمفهوم الوصف ففيه انّ المحقّق فى محلّه عدم اعتبار المفهوم فى الوصف وهذا التّعبير من باب المسامحة والّا فالمحقّق عدم ثبوت المفهوم لا عدم حجيّته واعتباره والعجب من القوانين حيث انّه مع اختياره عدم ثبوت مفهوم الوصف قال فى المقام فالاعتماد على مفهوم

٢٢١

الوصف فانّا وان لم نقل بحجيّته فى نفسه لكنّه قد يصير حجّة بانضمام قرينة المقام كما اشرنا اليه فى مباحث المفاهيم انتهى ونحن لا نرى فى المقام قرينة حاليّة او لفظيّة تدلّ على ثبوت المفهوم وما ذكره القوم فى نفى مفهوم الوصف من عدم انحصار الفائدة فى الاحتراز ولعلّ الغرض هو كون الوصف المذكور محلّ الحاجة جار فى المقام من دون خصوصيّة زائدة فيه بل يكون هنا خصوصيّة زائدة فى الدّلالة على عدم المفهوم لو قلنا به فى غير المقام وهو كون فائدة التعليق فى المقام التنبيه على فسق الوليد مضافا الى انّه لو سلّم ثبوت المفهوم للوصف وانحصار فائدة التعليق عليه فى الاحتراز فهو انّما يكون فى الوصف المعتمد على موصوف محقّق كما لو قلت ان جاءك رجل فاسق بنبإ ونحو ذلك ممّا يمكن ان يكون اعتباره فى الكلام لفائدة زائدة على فائدة بيان موضوع الحكم حتّى يقال بانّ ذكره لغو لو لم يكن الغرض منه الدلالة على مناط الحكم وفى المقام ليس كذلك بل من الوصف الغير المعتمد على موصوف فهو اشبه بمفهوم اللّقب وأمّا التّمسك بها باعتبار مفهوم الشّرط فقد افاد المصنّف انّ الميزان الّذى باعتباره يحكم بثبوت المفهوم للجملة الشرطيّة هو تبديل كلّ من الشّرط والجزاء المذكورين فى المنطوق بنقيضه فى جانب المفهوم مع ابقاء الموضوع وساير اجزاء القضيّة بحالها فاذا فعلنا ذلك فى قضيّة شرطيّة ورأينا للموضوع وجودا وثبوتا خارجيّا يحكم بالمفهوم كما فى قولك ان جاء زيد فاكرمه حيث يكون المفهوم نفى وجوب الاكرام عند عدم مجيء زيد ويكون للموضوع المحقّق وهو زيد حالتان مجيئه وعدم مجيئه واذا عملنا بذلك الميزان ولم نر موضوعا محقّقا له حالتان باعتبار وجود الشّرط وعدمه فتلك الجملة الشرطيّة ليس لها مفهوم بل تكون مسوقة لبيان تحقّق الموضوع كالامثلة المذكورة فى المتن وهذا هو الّذى اخذه القوم من العرف من لزوم وحدة الموضوع والمحمول شرطا وجزاء فى المنطوق والمفهوم والاختلاف فى الايجاب والسّلب والآية من قبيل الثانى فانّه لو بدّلنا طرفى القضيّة بالسّلب لحصل القضيّة الأخرى هكذا ان لم يجئكم فاسق بنبإ فلا تتبيّنوا ولا يوجد فيها موضوع محقّق مذكور فى القضيّة الأولى وخبر العادل لم يكن مذكورا فيها حتّى يحكم بنفى التبيّن عنه فى جانب المفهوم فكما انّ قولك ان جاء زيد فلا تكرمه لا يدلّ على نفى الاكرام عند مجيء عمر ولانّه لم يكن مذكورا فى المنطوق فكذلك فى المقام فان قلت إنّ عدم مجيء الفاسق بنبإ له فردان احدهما عدم مجيء احد بنبإ والثّانى مجيء العادل به ويصدق حينئذ عدم مجيء الفاسق بنبإ قلت من الواضح انّ الامر الوجودى لا يكون من افراد العدمى فمنطوق الآية لبيان موضوع الحكم واختصاصه بصورة وجود الشّرط من دون دلالة على قضيّة اخرى سالبة وظهر فساد ما قيل انّ جعل مدلول الآية عدم وجوب التبيّن فى خبر الفاسق لأجل عدمه يوجب حمل السّالبة على المنتفية بانتفاء الموضوع وهو خلاف الظّاهر وجه الفساد انّه اذا كانت قضيّة سالبة دار امرها بين الحمل على المنتفية بانتفاء الموضوع والحمل على سلب المحمول

٢٢٢

كان حملها على الاوّل خلاف الظاهر وامّا فى المقام فقد علمت ان ليس قضيّة سالبة اصلا واذا كانت لم تكن قابلة الغير السّالبة بانتفاء الموضوع لا يقال يتمّ عدم ثبوت المفهوم اذا كان الموضوع هو الفاسق وامّا اذا كان الموضوع هو النّبإ صحّ ان يكون له حالتان التبيّن والأخذ بلا تبيّن ويكون الحكم بالتبيّن معلّقا بكون الجائى به هو الفاسق وصحّ ثبوت المفهوم فانّ الموضوع ح وهو النبأ له تحقّق ووجود ويكون قابلا لتعلّق الحكم به نفيا واثباتا مع قطع النّظر عن الشّرط لأنّا نقول انّ النبأ ليس له وجود مع قطع النّظر عمّن جاء به بل هو من الاعراض القائمة بالمعروض فنبأ الفاسق اذا جاء به غير نباء العادل اذا جاء به ويكونان من المتباينين والنّبإ المذكور فى الآية هو النبأ القائم بالفاسق وكيف يؤخذ هذا موضوعا فى المفهوم لحكم آخر فليست الآية الّا من السّالبة بانتفاء الموضوع ولا يخفى انّ مع هذا كلّه للتّأمّل مجال واسع قوله (من الاطمينان الّذى هو مقابل الجهالة) فانّ الظاهر من الجهالة هو الجهالة العرفيّة اى عدم الاعتقاد لا علما ولا ظنّا اطمينانيّا ولا يخفى انّ هذا مشكل من وجوه الاوّل انّ الجهل لغة هو عدم العلم فلم لا يجعل الجهالة قرينة على انّ المراد بالتبيّن هو الظهور العلمى الّا ان يقال بالفرق بين الجهل والجهالة وهو كما ترى الثّانى انّ اللازم حينئذ تقسيم الأخبار كلّها من عادل وغيره الى ما يحصل منه الاطمينان والوثوق فيعمل به والى غيره فلا يقبل جميع اخبار العدل ولا يطرح كلّها وكذلك لا يطرح جميع اخبار الفاسق ولا يقبل كلّها وكذا ما بينهما من الموثّقات والحسان فانّ مناط الاعتبار حينئذ هو الاطمينان بنفس الرّواية وذلك يختلف باختلاف الموارد فربما خبر ضعيف يحصل منه الاطمينان والوثوق به بملاحظة انجباره بالشّهرة وخبر لعادل لا يطمئنّ به النّفس لمخالفته لها او لوجود معارض ونحو ذلك وهكذا فى الحسن والموثّق كما جرى عليه عادة القدماء ولعلّ العلّامة ره أيضا بنى عليه فى بعض المواضع من كتابه خلاصة الرجال فانّ كلّا من حسن بن فضّال وابنه علىّ بن حسن بن فضّال من الموثّقين باصطلاحه حيث انّهما عاميّان قد صرّحوا بوثاقتهما وقد ضعّف هو ره روايات الأب مع تجويده روايات ابنه واعترض عليه بعضهم كصاحب المعالم وغيره بانّه لا وجه للتّفريق لانّا ان قلنا باعتبار الاخبار الموثّقة لزم قبول رواياتهما معا وان قلنا بعدمه لزم طرحهما كذلك وأنت بعد الخبرة بما ذكرنا تعلم انّه لا وقع لهذا الاعتراض لانّ هذا التفريق يكشف عن اختياره مذهب القدماء فى النبإ على الظّن الاطميناني وكان وثوقه بعلىّ بن حسن اكثر من ابيه الثّالث انّ مادّة التبيّن آبية عن الحمل على غير العلمى لأنّه مأخوذ من البيان وهو الوضوح والجلاء والظّهور يقال كلام بيّن اى واضح جليّ لا غشاوة عليه والى هذا اشار المصنّف ره بقوله كما هو مقتضى اشتقاقه بل هو معنى فوق العلم وليس من الظّهور الاصطلاحى بمعنى الراجح المحتمل للخلاف وقد علمت أيضا انّ الجهالة فى مقابل العلم الشامل لجميع ما عداه من الظّن والشّك والوهم فحمل التبيّن والجهالة على الظهور العرفى وعدمه موجب لصرفهما عن ظاهرهما من

٢٢٣

دون نصب قرينة الرّابع انّ حمل التبيّن على هذا المعنى يستلزم تخصيص المفهوم بالأخبار عن الاحكام لاشتراط تحصيل العلم فى الموضوعات وعدم كفاية الاطمينان ولو من قول العدل الواحد بالاتّفاق فان قلت لا ضير فى الالتزام بالتّخصيص اذا ثبت بالادلّة القطعيّة قلت يلزم من تخصيص الآية خروج المورد وهو الاخبار بالارتداد فانّ من المقطوع اعتبار البيّنة فى ثبوت الارتداد ولا يكفى فيه الظّن الاطمينانى وسيشير اليه المصنّف فيما بعد الخامس انّ اللازم حينئذ هو كفاية الظّن الاطمينانى مط حتّى مع التمكّن من تحصيل العلم السّادس ما ذكره المصنّف من انّ اللازم حينئذ اعتبار مرتبة خاصّة من مطلق الظّن ويكون الاستدلال بالمفهوم على حجيّة خبر العادل المفيد للاطمئنان غير محتاج اليه قوله اذا المنطوق على هذا التقرير الخ) اى منطوق التّعليل الّا ان يقال عدم الحاجة لا ينافى الاستدلال غاية الامر انّه يدلّ على حجيّة خبر العادل موضعان من الآية مفهوم الصدر والتعليل المذكور فى الذيل قوله (لا مقابل العلم بدليل قوله تعالى) وجه الدلالة انّ النّدامة انّما تترتّب على الفعل الاختيارى الناشى عن عدم المبالات لا على مجرّد صفة الجهل والغلط فى الاعتقاد قوله (وقد يكون لأجل مصلحة ادراك الواقع) كما فى الطّرق والامارات التعبّدية قوله (الزائل بعد الدقّة والتأمّل فتامّل) الظاهر انّه اشارة الى بعض ما تقدّم من المناقشات ومع الغضّ عنها فحمل التبيّن على تحصيل الاطمينان مجرّد احتمال ولا يكاد يفيد فى اثبات المفهوم الّا اذا كان قطعيّا وانّى لأحد دعوى القطع والكلام إذا احتفّ بامر لا يكون على بعض الوجوه صارفا عن ارادة السّببية المنحصرة لا ينعقد له ظهور اصلا لانّ اجمال القرينة يوجب اجمال ذى القرينة فانّه لا يصحّ للعبد الاعتذار بالظهور والاطلاق فى هذه الصّورة ويصحّ للمولى مؤاخذته فى صورة المخالفة واذا كان الأمر كذلك فلا مجال لدعوى دلالة الآية على المفهوم وافادة السّببية المنحصرة وانتفاء سنخ الحكم عن غير مورد الشرط سواء قلنا بكون القضيّة مسوقة لبيان تحقّق الموضوع او لبيان تعليق الحكم واثباته على تقدير بداهة كون الامر الّذى احتفّ به الكلام صالحا لصرفه عن ظهوره على بعض وجوهه ومع وجوده واتّصاله بالكلام لا ينعقد له ظهور فى المطلوب قوله (ومنه يظهر الجواب عمّا ربما يقال) وجه الظّهور انّ الاطمينان الحاصل من خبر الفاسق بدوىّ يزول بادنى تامّل والتفات بخلاف الحاصل من خبر العادل قوله (وامّا ما اورد على الآية بما هو قابل للذّب عنه فكثير) ومرجع الكلّ الى الايراد عليها من احدى الجهات الثلاث الاولى من حيث عدم صلوحها للحجيّة بذاتها الثانية من حيث عدم دلالتها على المدّعى على تقدير تسليم حجيّتها الثالثة وجود المعارض على تقدير تسليم الاوليين ومن الواضح أنّ كل مورد اذا اراد احد ابطال دليل فلا بدّ له من الايراد امّا فى ذات الدليل او فى دلالته او لوجود معارض له والمدّعى لا

٢٢٤

يمكنه اثبات دعوه الّا مع اجتماع هذه الامور ومع انتفاء احدها لا يمكن له الاثبات قوله (معارضة مفهوم الآية بالآيات النّاهية عن العمل بغير العلم) واللازم تقديم العمومات فى مورد التعارض لتظافرها ولا يقاومها مفهوم واحد ضعيف ولو سلّم عدم الترجيح فالمرجع بعد تساقطهما الى الأصل الاوّلى وهو اصالة عدم الحجيّة وحرمة العمل بما وراء العلم كما مرّ بيانه وامّا كون النّسبة عموما من وجه فلانّ الادلّة النّاهية اعمّ من ان يكون المظنون خبرا او غيره كالشهرة والقياس ومفهوم الآية اعمّ من ان يكون خبر العادل مفيدا للعلم او الظّن فيفترق عموم الآيات عن المفهوم فى الظّن الحاصل من غير الخبر ويفترق المفهوم عنها فيما افاد قول العادل العلم ويتصادقان فى خبر العدل المفيد للظنّ وقد يقرّر وجه النّسبة بانّ مفهوم الآية شامل لأصل السنّة المقطوع صدورها عن المعصوم ع اذا كان مخبرا عن الحكم ولغيره وعمومات الادلّة شاملة للخبر وغيره فيتفارقان فى خبر المعصوم وفى مثل الشهرة ويتصادقان فى خبر غير المعصوم ع ويجاب بمنع شمول المفهوم للخبر المفيد العلم لانّ شموله له فرع دخوله فى المنطوق وهو ممنوع لانّ الآية غير منساقة لبيان حكم العلم فانّه ممّا يدلّ عليه حكم العقل فالمفهوم اخصّ مط من تلك الآيات ولو سلّم شمول المنطوق للخبر المفيد للعلم بالنّظر الى الجمود على اللّفظ لكنّ المفيد للعلم لمّا لم يكن مقصودا الّا بتبعيّة غير المفيد له كان دلالة الآية على المفيد للظن اظهر من دلالتها على المفيد للعلم وكذلك المفهوم فدلالة المفهوم على قبول خبر العادل المفيد للظنّ بمنزلة النصّ لانّه اظهر الفردين ودلالة العمومات على النّهى عنه بمنزلة الظّاهر ولا ريب فى تقديم النصّ على الظّاهر عند التعارض ويكون بمنزلة العموم والخصوص مط لعدم الاعتناء بالفرد الخفىّ وان كان اصل النّسبة عموما من وجه هذا كلّه مع ما تقرّر فى محلّه من انّ ظهور الجملة الشرطيّة فى المفهوم اقوى من دلالة العامّ على العموم ولو سلّم المساواة فى الدّلالة والشمول لكن لمّا كان المفهوم اقلّ افرادا من عمومات الادلّة وجب تقديمه عليها لمكان التّرجيح ويجاب عن التقرير الثّانى ايضا بمثل ما ذكرنا قوله (فالمفهوم اخصّ مط من تلك الآيات) بيان النّسبة المنطقيّة لبيان اشتباه المورد من هذه الجهة والّا فدليل حجيّة غير العلم يقدّم على الآيات النّاهية حكومة او ورودا وان كانت النّسبة بينهما عموما من وجه قوله (للآيات النّاهية جهة خصوص) فيصيران من باب العموم من وجه والمرجع الى اصالة عدم الحجيّة لفقد المرجّح قوله وامّا من جهة اختصاصها بغير البيّنة) هذا بناء على شمول المفهوم للموضوعات حتّى يكون له العموم من هذه الجهة قوله (بانّه يكفى المستدلّ كون الخبر حجّة بالخصوص الخ) فانّ بناء على اختصاص الآيات النّاهية بصورة التمكّن من العلم وعموم المفهوم لها ولصورة الانسداد يكون مورد الاجتماع والتّعارض هو خبر العدل فى صورة التمكّن من العلم وحجيّة خبر العادل فى صورة الانسداد يكون مادّة افتراق المفهوم من دون معارض وهذا يكفى المستدل بالمفهوم

٢٢٥

لانّ الكلام فى حجيّة الخبر فى الجملة مقابل السّلب الكلّى قوله (فلا مجال لتوهّم تخصيص العامّ بالخاصّ الاوّل) والحاصل انّا نمنع كون النّسبة عموما من وجه بل ليست الّا العموم والخصوص مط لأنّ الآيات تدلّ على حرمة العمل بما وراء العلم خبرا كان او غيره والمفهوم يدل على وجوب العمل بخبر العدل الغير المفيد للعلم فيخصّص تلك الآيات بالمفهوم تقديما للخاصّ على العامّ وقد يعترض على اصل الإيراد من دون فرق بين التقريرين بمنع كون النّسبة عموما من وجه بل هى التباين فكما انّ الحكمين بنفسهما متباينان فكذلك موضوعهما ولا دخل لاحدهما بالآخر لعدم شمول الآيات النّاهية لخبر العادل لانّ بعد قيام الدليل على حجيّته يكون علما شرعيّا فيكون كالبيّنة فى الخروج عن تلك الادلّة خروجا موضوعيّا لاختصاص حرمة العمل فيها بغير العلم وخبر العادل بعد دلالة مفهوم الآية على حجيّتها يكون علما شرعيّا ويكون كالبيّنة فى الخروج عن تلك الأدلّة خروجا موضوعيّا ولكنّه غير سديد فإنّ اطلاق العلم على مثل هذا الظّن لم يثبت عرفا ولا شرعا فالخروج الحكمى فى المقام اولى من الموضوعى على تقدير وجود الدّليل وان كان فى بعض المقامات بالعكس على انّ هذا موقوف على اثبات ترجيح المفهوم وتقديمه على تلك الآيات حتّى يصير الظّن الحاصل من خبر العادل علما شرعيّا وهو عند المورد اوّل الكلام قوله (الّا انّه يعلم انّ الحكم ثابت لهذا الفرد) فيكون من باب تنقيح المناط القطعى قوله (من النّافين لحجيّة الخبر ومن المثبتين فتامّل) لا يبعد ان يكون اشارة الى انّ النّافى لا يعمل به لانّه خبر واحد والمثبت لا يعمل به لوجود المانع فالجهة مختلفة مضافا الى انّه لا يتمّ هذا الوجه الّا بعد بطلان الوجه السّابق عليه فلا ينهض للجواب مستقلّا نعم اذا كان الوجه السّابق غير تامّ امكن ورود هذا الاعتراض قوله (وقد أجاب بعض من لا تحصيل له وبطلانه واضح لانّ حجيّة الاجماع المنقول اذا ثبت بهذا المفهوم صار مقطوع الاعتبار بظاهر الكتاب الّذى فرض القطع باعتباره قوله (فلا يعمّ الروايات المأثورة عن الائمّة عليهم‌السلام) دعوى ظهور لفظ النبإ فى الخبر بلا واسطة فالآية على تقدير تسليم دلالتها غير نافعة فى حجيّة الروايات المأثورة امّا لتوهّم التبادر منه عند الاطلاق وإمّا لتوهّم انّ فرده الغالب هو ما كان بلا واسطة والمطلق ينصرف الى فرد الغالب ويحمل عليه عند الاطلاق والجواب عن الاوّل فبانّه تبادر اطلاقىّ بدوىّ لا يصحّ الاعتماد عليه ويدلّ عليه عدم صحّة السلب عن الخبر مع الواسطة وعن الثّانى فبمنع صيرورة هذه الغلبة بعد تسليمها بحيث يكون سببا للانصراف ويشهد بذلك فهم العرف حيث لم يفرّقوا فى صدق النبأ والخبر بين النوعين هذا مضافا الى ما افاده فى المتن من انّه لم يوجد فى الرّوايات المأثورة عن الائمّة عليهم‌السلام ما يكون خبرا بالواسطة لوضوح انّ كلّ واسطة انّما يخبر خبرا بلا واسطة لا يقال كيف تنكرون الواسطة فى الاخبار المرويّة مع انّ وجود الواسطة بيننا وبين

٢٢٦

ائمّتنا الأطهار ع فى الاخبار الموجودة فى كتب اصحابنا الاخيار لا يقبل الإنكار فإنّه يقال نعم ولكنّ الكلام فى آية النبإ ولفظ النبإ فيها غير مقيّد بكونه عن الامام ولا منصرف اليه والنبأ والخبر عبارة عمّا يقوله الراوى والمخبر ولا فرق فى الخبريّة بين ان يقول المخبر الصّلاة واجبة وان يقول حدّثنى المفيد مثلا بانّ الصّلاة واجبة فإن قلت إنّ النبأ فى الآية ظاهر فى الخبر الحقيقى لا الخبر التعبّدى على المعنى الّذى سنشير اليه إن شاء الله الله تعالى قلت معنى وجوب العمل بخبر العادل ترتيب الآثار الشرعيّة على المخبر به وهذا المعنى موجود فى كلّ خبر له آثار سواء كان حقيقيّا او تعبّديا وليس هناك انصراف الى الاوّل قوله (ولكن قد يشكل الامر بانّ ما يحكيه الشيخ عن المفيد) المنقول هنا عن المصنّف عبارتان الاولى ويشكل بانّ الآية انّما تدلّ على وجوب تصديق كلّ مخبر ومعنى وجوب تصديقه ليس الّا ترتيب الآثار الشرعيّة المترتّبة على صدقه عليه فاذا قال المخبر انّ زيدا عدل فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار الشرعيّة المترتّبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به وقبول شهادته واذا قال المخبر اخبرنى عمرو انّ زيدا عادل فمعنى تصديق المخبر على ما عرفت وجوب ترتيب الآثار الشرعيّة المترتّبة على اخبار عمرو بعدالة زيد ومن الآثار الشرعيّة المترتّبة على اخبار عمرو بعدالة زيد اذا كان عادلا وان كان هو وجوب تصديقه فى عدالة زيد الّا انّ هذا الحكم الشرعىّ لأخبار عمرو انّما ثبت بهذه الآية وليس من الآثار الشرعيّة الثابتة للمخبر به مع قطع النّظر عن الآية حتّى يحكم بمقتضى الآية بترتيبه على اخبار عمرو به والحاصل انّ الآية تدلّ على ترتيب الآثار الشرعيّة الثابتة للمخبر به الواقعى على اخبار العادل ومن المعلوم انّ المراد من الآثار غير هذا الاثر الشرعىّ الثابت بنفس الآية فاللّازم على هذا دلالة الآية على ترتيب جميع آثار المخبر به على الخبر الّا الأثر الشرعىّ الثابت بهذه الآية للمخبر به اذا كان خبرا وبعبارة أخرى الآية لا تدلّ على وجوب قبول الخبر الّذى لم يثبت موضوع الخبريّة له الّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر لانّ الحكم لا يشمل الفرد الّذى يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر ومن هنا يتّجه ان يقال انّ ادلّة قبول الشّهادة لا تشمل الشّهادة على الشّهادة لانّ الأصل لا يدخل فى موضوع الشاهد الّا بعد قبول شهادة الفرع لكن يضعّف هذا الاشكال انتهى الثانية ولكن قد يشكل الامر بانّ ما يحكيه الشّيخ عن المفيد اذا صار خبر للمفيد بحكم وجوب التّصديق فكيف يصير موضوعا لوجوب التّصديق الّذى لم يثبت موضوع الخبريّة الّا به انتهى وحاصل العبارتين اشكالان احدهما من حيث شمول الآية لخبر من يخبرنا عن الواسطة كخبر الشيخ فى مثال الكتاب نظر الى انّ معنى حجيّة الخبر ووجوب تصديقه هو ترتيب ما كان مترتّبا على المخبر به على تقدير ثبوته من المحمولات الشرعيّة الواقعيّة فى مرحلة الظّاهر كما هو معنى حجيّة غيره من الامارات المعتبرة ومن المعلوم انّ المراد من الأثر الشرعىّ للمخبر به

٢٢٧

غير ما ثبت بنفس الآية اذ لا معنى لارادة الاعمّ منه والمفروض انّه لا يترتّب شرعا على خبر الواسطة الّذى اخبرنا العادل به الّا وجوب التصديق المجعول بنفس الآية ثانيهما من حيث شمولها لخبر الواسطة نظرا الى انّ طريق اثباته نفس الآية فكيف يشمله حيث انّ الموضوع لا بدّ ان يكون مفروغ الثّبوت مع قطع النّظر عن المحمول واذا فرض ثبوته بالمحمول المتأخّر عنه فلا يمكن شموله له والاشكال الاوّل راجع الى عدم امكان صيرورة الآية واسطة لاثبات خبر الواسطة والاشكال الثّانى راجع الى عدم امكان شمول الآية لخبر الواسطة بعد فرض ثبوته بالآية ومن الواضح أنّه لا مجال للاشكال الثّانى بعد تقرير الاوّل فانّ لزوم تأخّر الموضوع عن الحكم انّما يكون بعد فرض شمول الآية لخبر الشّيخ ومقتضى الاشكال الاوّل وهو لزوم اتّحاد الحكم والموضوع عدم شمولها لخبره فما يحكيه الشّيخ عن المفيد بمقتضى الاشكال الاوّل لم يحرز كونه خبرا ولم يثبت خبريّته حتّى يتوجّه الأشكال الثّانى نعم بعد دفع الاوّل والجواب عنه قد يتوهّم الاشكال على الآية بلزوم تاخّر الموضوع عن الحكم وانتظر لتمام الكلام ويمكن الذّب عن الاوّل بوجوه ثلاثة الاوّل انّه يلزم اتّحاد الحكم والموضوع اذا لم يكن القضيّة طبيعيّة فانّ الموضوع ان كان هو خصوص الآثار الثابتة والاحكام المحقّقة لزم فيما اذا لم يكن للخبر اثر شرعىّ غير ذلك الأثر المحذور المذكور وامّا لو كان الموضوع هو الطّبيعة من دون لحاظ اشخاص الافراد وخصوصيّات الآثار فلا فانّ معنى صدّق العادل على مسلك المشهور رتّب الأثر على قوله والموضوع فيه وهو الأثر نفس الطّبيعة من دون لحاظ افراد الآثار والحكم هو وجوب الترتيب لهذا الطبيعى فكلّما وجد ما ينطبق عليه هذا الطبيعى يحكم عليه بوجوب الترتيب فكلّما هو اثر شرعىّ للخبر يترتّب عليه ولو كان نفس هذا الحكم فالحكم بوجوب التصديق يسرى الى خبر الشيخ ايضا سراية حكم الطبيعة الى افرادها فاذا كان المخبر به خبر عدل كان الخبر ذا اثر شرعا بلحاظ هذه القضيّة وهو وجوب التصديق والترتيب فيشمله ما دلّ على حجيّة الخبر فانّ الموضوع هو الطبيعة والحكم هو التصديق والترتيب ونظيره ما يقال فى كلّ خبرى صادق فانّ الخبر اذا كان طبيعيّا لا مانع من شمول الحكم لمورد نفسه فانّ الحكم اذا كان على الطبيعة يدور معها حيثما دارت ويترتّب عليها اينما تحقّقت الثانى امكان دعوى تنقيح المناط فى ترتيب خصوص هذا الأثر ودعوى القطع بانّ ما هو الموجب لوجوب ترتيب الآثار الثابتة على خبر العدل هو بعينه موجب لترتيب هذا الاثر الثّابت له بنفس الدليل المذكور ولا يلزمنا المعرفة بالمناط تفصيلا بل يكفى فى تنقيحه العلم بوجوده فى كليهما الثّالث دعوى الإجماع على ترتيب هذا الأثر كسائر الآثار وانّ عدم الفصل بينه وبينها فى وجوب الترتيب يقتضى وجوب ترتيبه على المخبر به اذا كان من الموضوعات الّتى لا اثر لها شرعا سواه لا يقال

٢٢٨

انّ ترتّب خصوص هذا الأثر لو كان غير معقول فكيف يكون موردا للإجماع وما هذا الّا دعوى الاجماع على امر غير معقول فانّه يقال انّ الاجماع قائم على كون التصديق من آثار الخبر اذا كان المخبر به خبر عدل فيشمله ما دلّ على حجيّة الخبر بلحاظ هذا الحكم الّذى قام الاجماع على كونه من احكام الخبر ويجاب عن الاشكال الثانى بوجوه الاوّل النقض بورود مثله فى الاقرار بالاقرار واخبار العادل بعدالة مخبر فانّ وجود الاقرار الاوّل مرتّب على شمول قوله ع اقرار العقلاء على انفسهم جائز للاقرار الثانى بل قد يقال بانّ المقام اولى بالثبوت حيث انّ الحكم فيه مترتّب على نفس الخبر من غير اعتبار امر آخر وفى باب الاقرار مترتّب على الاقرار على النّفس لا على مجرّد الاقرار والإقرار بالاقرار ليس اقرارا بالحقّ حتّى يكون اقرارا على النّفس ومشمولا لقوله ع اقرار العقلاء على انفسهم جائز وفى جعله كذلك من حيث كونه طريقا للاقرار بالحقّ دور واضح وكذا الكلام فى المثال الثانى فانّ الآية اذا لم تكن واسطة لاثبات النبأ فى المشكوك ووجوب تصديق خبره فلا تكون واسطة ايضا لاثبات الحكم فيما ثبت عدالة مخبره بنفس الآية مع انّ شمول الآية للتعديلات والاخبار بالعدالة مسلّم عندهم وكذا الكلام فى المزيل والمزال من الشّك السببى والمسبّبى فانّه اذا لاقى ثوب مستصحب النجاسة ثوبا مستصحب الطهارة مع الرطوبة فكلّ منهما مشمول لقوله ع لا تنقض اليقين بالشّك الّا انّ تعلّق الحكم بعدم جواز نقض اليقين بالشّك بالثوب المتيقّن النجاسة سابقا يجعل الشّك فى الثوب المعلوم الطّهارة سابقا بمنزلة العلم بنجاسته ويخرجه من عموم لا تنقض اليقين بالشّك لارتفاع اليقين بالطهارة السابقة بصيرورة الشّك فيها بمنزلة العلم بالنجاسة ولا فرق بينه وبين المقام الّا انّ المقصود فى الاصل السببى والمسبّبى نفى اليقين السّابق بالشّك المنزّل منزلة اليقين والحكومة تقتضى اخراج الاصل المسبّبى عن عموم قوله ع لا تنقض اليقين بالشّك وفى المقام اثبات وجوب التصديق للخبر المجعول المتولّد وحكومة دليل الاعتبار يقتضى ادخال فرد فى دليل الاعتبار فانّ وجوب تصديق الشيخ فى اخباره عن المفيد يقتضى وجوب تصديق المفيد فى اخباره عن الصّدوق فوجوب تصديق الشيخ يدخل فردا تحت عموم وجوب التصديق بحيث لو لاه لما كان داخلا فيه وكذا الكلام فى الظّن المانع والممنوع الثّانى انّ استحالة تقدّم الحكم على وجود موضوعه وعدم معقوليّته انّما هو فيما كان الحكم مثبتا لموضوع شخصه لا مثبتا لموضوع حكم آخر والمقام من القسم الثّانى فانّ المستفاد من الآية حكم كلّى اعنى وجوب التّصديق لموضوع كلّى وهو خبر العادل وينحلّ القضيّة الى موضوعات واحكام متعدّدة ومن الموضوعات ما لها وجودات واقعيّة وهى الاخبار الّتى تكون بلا واسطة ومنها ما يكون وجوده تنزيليّا

٢٢٩

وهى الاخبار الّتى توجد من وجوب تصديق الاخبار بلا واسطة وتترتّب عليها والحكم يتعلّق بكلّ من الفرد الواقعى والتنزيلىّ وان كان تعلّقه بالفرد التنزيلىّ بعد تعلّقه بالفرد الواقعى فوجوب تصديق الشيخ فى اخباره عن المفيد المحرز بالوجدان يثبت خبر المفيد وانّه قد اخبر الشيخ كما لو سمعنا انّه اخبره بقوله حدّثنى الصدوق واذا ثبت خبر المفيد يحكم عليه بوجوب التصديق فيثبت خبر الصدوق ويعرض عليه الحكم المذكور وهكذا الى ان ينتهى الى اوّل سلسلة الوسائط والحكم المنشإ قد تكفّل لحكم كلّ من الفرد الواقعى والتنزيلى ولا يلزم فى جميع ذلك ايجاد حكم لموضوع شخصه الثالث انّ الممتنع هو توقّف فرديّة بعض افراد العامّ على ثبوت الحكم لبعض آخر كما فى المثال المذكور فى المتن من قول القائل كلّ خبرى صادق او كاذب فانّ بعد عروض صادق او كاذب على خبرى يحدث لنفس هذه القضيّة عنوان الخبريّة ويمتنع تعلّق المحمول على نفسها ولا يمتنع ان يكون بعض افراد العام واسطة لاثبات بعض آخر وكان استكشاف وجود فرد متوقّفا على ثبوت الحكم لفرد آخر كما فى المقام حيث انّ الاستكشاف عن خبر المفيد موقوف على شمول قول الشّارع صدّق العادل لخبر الشيخ فانّ شموله له كاشف عن وجود خبر المفيد وامّا اصل وجود خبر المفيد فى نفس الامر لا يتوقّف على اخبار الشيخ فضلا عن توقّفه على اعتباره وما يقال من انّ خبر المفيد لو كان ثابتا فى الواقع وكان تعلّق الحكم بخبر الشيخ كاشفا عنه حقيقة كان لهذا الجواب وجه ومن الواضح انّ صدّق العادل من الأمارات ووجوب التّصديق لا يلازم ثبوته واقعا حتّى يكون خبر الشيخ كاشفا عنه حقيقة واضح الضّعف لما عرفت من انّ خبر الشيخ ليس واسطة لثبوت خبر المفيد فى الواقع وليس وجوده الواقعى موقوفا على اخبار الشيخ والغرض انّه واسطة فى الاثبات والاستكشاف ولو تعبّدا وبالتنزيل الرّابع العلم بتنقيح المناط الخامس كون القضيّة طبيعيّة السّادس وهو المعتمد ولا محيص عنه انّه لا يبقى مجال للاشكال الثانى بعد دفع الاشكال الاوّل بالوجوه السابقة ولا يلزم تاخّر الموضوع عن الحكم فانّ من بركة دفع الاشكال الاوّل يصير المخبر به فى الوسائط ذا اثر شرعىّ حقيقة بحكم الآية ويجب ترتيب اثره عليه عند اخبار العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات كما انّ بعد توجّه الاشكال الاوّل من عدم شمول ادلّة الحجيّة لمثل خبر الشيخ لم يحرز بواسطة دليل الاعتبار كون ما يحكيه الشيخ عن المفيد خبر او معه فلا مجال لدعوى لزوم توقّف تحقّق الموضوع على وجود الحكم الّذى يقتضى وجود موضوعه قبله ولا يكون الأجوبة الخمسة مجديا فى شيء اصلا فانّ تلك الأجوبة انّما تثمر بعد احراز الخبر وثبوته والمفروض بناء على توجّه الاشكال الاوّل عدم وجود فرد من الخبر أصلا فإن قلت

٢٣٠

وجوب ترتيب الأثر على الوسائط انّما هو بعد احراز كونها خبرا معلوميّة كون طبيعة الاثر للخبر لا لغيره ولا يحرز الخبريّة الّا بعد شمول الآية لمثل خبر الشيخ وبعد شموله يتوجّه الاشكال الثّانى قلت لا نحتاج فى الوسائط الى اثبات الخبريّة حتّى يلزم ما ذكر فانّ الاخبار بهذه الموضوعات الواقعة فى سلسلة الرّواية ليس الّا كالاخبار بالجدار او العدالة واذا صحّ التعبّد بالموضوع الخارجى بلحاظ الاثر الطبيعى فليس معناه الّا ترتيب هذا الاثر عليه من دون توقّف على تحقّق الموضوع الجعلى فيه والحاصل لو كنّا محتاجين فى ترتّب هذا الحكم اعنى وجوب التصديق على هذه الموضوعات الى اثبات الموضوع التنزيلى لكان الأشكال فى محلّه ولكن مقتضى ما عرفت فى دفع الاشكال الاوّل من شمول مثل الآية للخبر الحاكى للخبر بنحو القضيّة الطبيعيّة وبشمول الحكم فيها له مناطا وان لم يشمله لفظا او لعدم القول بالفصل هو كون خبر العدل ذا اثر شرعا حقيقة بحكم الآية كسائر ذوات الآثار من الموضوعات وكما انّ اخبار العادل بها يوجب ترتيب آثارها على ما اخبر به من دون بناء على تحقّقه بتنزيله فكذلك فى المقام فانّ المفروض ثبوت الاثر الشرعى للخبر فاذا أخبر الشيخ بخبر المفيد وجب تصديقه وترتيب آثار خبر العدل الواقعى عليه من دون حاجة الى البناء على تحقّقه وجعله ففى كلّ واحد من الوسائط يترتّب عليه آثار الواقع فيترتّب آثار خبر العدل الواقعى على المشكوك منه ولا يبتنى فيها اوّلا على تحقّق خبر العدل التنزيلى ثمّ ترتيب آثار خبر العدل الواقعى عليه غاية الامر انّه ينتزع منه خبر تعبّدى فإذا أخبر العادل ببناء الجدار فاثره تصديقه بلحاظ القضيّة الطبيعيّة والتعبّد بخبره انّما هو من جهة ثبوت هذا الأثر فيترتّب عليه بعد شمول دليل الحجيّة وكذلك الحال لو اخبر العادل بخبر العدل كما فى حكاية الشيخ عن المفيد فانّه يجب تصديقه لانّه من آثار خبر العدل الواقعى وقضيّة تصديقه فى هذا الخبر هى انّ المفيد اخبر عن الصدوق وخبر الصدوق الواقعى له اثر شرعا يجب ترتيبه على هذا المشكوك وقضيّة ذلك ايضا هى انّ الصدوق اخبر عن الصّفار وهكذا الى ان يصل الى حكم الامام عليه‌السلام وبالجملة توجيه عبارة المتن مع كثرة اغتشاشها بانّه طاب ثراه رام تقرير الأشكال من الجهة الاولى كى يكون الاشكال بالنّسبة الى الخبر الاوّل وبعد الغضّ عنه وتسليم شمول الدليل له رام الى تقرير الاشكال فى الوسائط غير سديد لما عرفت من انّ بعد ورود الاوّل لا يبقى مجال للثانى وبعد التفصّى عنه يندفع الثّانى نعم لو كان الأشكال منحصرا بالثانى كان ذكره وحلّه متّجها بل لنا انكار ذلك ايضا لانّ اندفاع محذور تقدّم الحكم على الموضوع لا يكاد يجدى فيما هو المهمّ من التعبّد بالخبر فانّ المقصود اثبات التعبّد به من جهة ترتيب الآثار والمفروض

٢٣١

انّه لا اثر للواسطة بعد حلّ الاشكال ايضا فيبقى التعبّد به فلا فائدة وهذا بخلاف الاشكال الاوّل فانّ بعد اندفاعه يثمر التعبّد به ولا يبقى مجال لتوهّم اشكال آخر فتدبّر وينبغى بيان امور الاوّل انّ الاشكال الاوّل لا اختصاص له بالقول بالموضوعيّة فى جعل الطرق والامارات بل يجرى على القول بكون مفاد ادلّة الاعتبار هو جعل الحجيّة توضيح ذلك انّ الحجيّة وان كانت من الاحكام الوضعيّة المستقلّة كالملكيّة الّا انّ جعلها لا يمكن الّا بلحاظ آثارها العقليّة الثّابتة لها من تنجّز الواقع واستحقاق العقوبة ونحوها واذا كان مؤدّى الخبر حكما او موضوعا ذا اثر صحّ جعل الحجيّة له وامّا اذا لم يكن كذلك كما فى مفروض المقام فلا يصحّ جعله حجّة لانّ خبر العدل ليس له اثر وحكم سوى هذا الحكم الوضعى الثابت بدليل الاعتبار ولا يصحّ جعله حجّة بلحاظ هذا الحكم الوضعى ويدفع بانّه انّما يلزم ذلك لو كان جعل الحجيّة بلحاظ اشخاص الآثار وامّا اذا جعل قول العادل حجّة بلحاظ طبيعة الآثار وكان من مصاديق الطبيعة نفس الحجيّة فلا بأس فى شموله لها فكما انّ طبيعة الاثر مصحّحة لجعل الحكم فكذلك تكون مصحّحة لجعل الحجيّة وكذا لو علمنا بالمناط وانّه لا تفاوت عند الشارع بين هذا الأثر وغيره نعم بناء على انّ المجعول فى الطرق والامارات هو نفس الطريقيّة والكاشفيّة فلا اشكال ولا يلزم شيء ممّا ذكر لانّ المجعول فى جميع السلسلة هو الطريقيّة الى ما تؤدّى اليه ويكون قول الشيخ طريقا الى قول المفيد وقوله طريقا الى قول الصّدوق وهكذا الى ان تنتهى الى الحاكى لقول الامام عليه‌السلام ولا يحتاج فى جعل الطريقيّة الى ثبوت اثر شرعىّ فى مؤدّى الطريق بل يكفى الانتهاء الى الاثر ولو بوسائط الثّانى لا فرق فيما مرّ عليك من الاشكال والحلّ بين كون المخبر به خبر العدل او عدالة المخبر فلو اخبر زرارة عن الإمام ع بوجوب السّورة مثلا ولم تحرز عدالته مع تحقّق خبره بالوجدان احتاج الى اثبات العدالة ومن طرقه اخبار عادل بعدالته فلو اخبر العادل الوجدانى بعدالة زرارة لم يكن للتعبّد به معنى الّا بلحاظ الحكم الثابت بنفس الآية ويكون المهمّ فى التعبّد به هو ذاك الاثر لا سائر الآثار كجواز الاقتداء وجواز ايقاع الطلاق عنده ويقرّر الاشكال بانّ التعبّد به بلحاظ نفس هذا الاثر غير معقول وبالجملة لا اختصاص للاشكال بما اذا كان العدالة معلومة وكان الشّك فى الخبر بل يعمّ ما اذا كان الخبر معلوما وكان الشّك فى العدالة وما اذا كان كلّ واحد منهما مشكوكا فانّ الاثر المهمّ فى جميع هذه الصّور هو التصديق وهذا الاثر انّما يترتّب بنفس وجوب التصديق فيتّحد الحكم والموضوع ويتفصّى عنه بالوجوه المتقدّمة الثالث قد يقرّر الاشكال على الآية وغيرها من ادلّة

٢٣٢

حجيّة خبر الواحد بانّ الوسائط الحاكية لقول الإمام ع موضوعات لوضوح انّ المخبر به فى كلّ واسطة ليس الّا موضوعا فحجيّتها لا يكون الّا ان يترتّب عليها اثر شرعىّ ولا يترتّب على خبر الوسائط اثر كذلك يصحّ التعبّد به فانّ المخبر به بخبر الشيخ هو قول المفيد والمخبر به بخبر المفيد هو قول الصّدوق ولا اثر لقولهم وخبرهم بحيث يصحّ باعتباره التعبّد باخبارهم ودفعه انّه يكفى فى صحّة التعبّد وتعلّق الجعل بالموضوع كونه جزء لما هو الموضوع للاثر الشرعى ويكفى كون المتعبّد به ممّا له دخل فى موضوع الحكم كما يصحّ تعلّقه بما هو تمام الموضوع مثلا اذا كان الموضوع لحكم النجاسة الماء وتغيّره صحّ الاستصحاب بالنّسبة الى الماء وبالنّسبة الى التغيّر وبالنّسبة الى المجموع ويجرى ما ذكرنا فى القيد ايضا اذا كان الاثر الشرعىّ للمقيّد ولا فرق فى ذلك بين ما كانت اجزاء الموضوع فى عرض واحد او كانت مترتّبة بحيث يكون كلّ واحد منها معدّ الجزء آخر فانّ الاثر الشرعى المترتّب على الجزء الأخير يكفى فى التّنزيل والجعل ولا اشكال فى انّ كلّ واحد من الوسائط له دخل فى ثبوت قول العسكرى عليه‌السلام لانّه واقع فى طريق اثبات قوله ع وهذا المقدار من الأثر يكفى فى صحّة التعبّد به الرّابع لا يختصّ الاشكالات المذكورة بمفهوم آية النّبإ فقط بل تجرى فى جميع ادلّة حجيّة خبر الواحد بالنّسبة الى شمولها للاخبار الحاكية لقول الإمام ع بواسطة او بوسائط كما هو واضح قوله (لو سلّمت مط ليست من هذه الجهة) بل لأجل استفادة ذلك من دليل اعتبار الشّهادة فانّه ظاهر فى اعتبار اقامة الشهادة على الحقّ عند الحاكم واستفادة ذلك منه على الاطلاق ممنوع بل هو فى صورة الامكان ولو تعذّر حضور الاصل لمانع فلا مانع من قبول الفرع قوله (فهو مثل ما لو اخبر زيد بعض عبيد المولى) هذا متعلّق بما ذكره قبل قوله بل لا قصور فى العبارة من تسليم القصور فيها والتعدّى بواسطة العلم بالمناط وانّ المتكلّم لم يلاحظ موضوعا دون آخر قوله (وفيه انّ وجوب التفحّص عن المعارض الخ) وبعبارة اخرى التبيّن هو الفحص عن الصّدق والكذب والفحص عن المعارض هو الفحص عن المانع بعد البناء على الصدق فمقام كلّ يغاير مقام الآخر قوله (وهذا ليس من اخراج المورد المستهجن) لوضوح انّ المستهجن من اخراج المورد اخراجه رأسا لا تقييده بشيء فى طرف المفهوم قوله (والظّن الّذى لا يتمسّك به فى الأصول مطلقا) هذا بناء على مختاره وهو المشهور من عدم تماميّة دليل الانسداد قوله (كما اذا علم منه التوبة من الذنب السّابق) وكذلك المكلّف فى اوّل بلوغه قبل تلبّسه بشيء من المعصية ثمّ انّ من جملة ما اورد على الآية انّها لا تدلّ على حجيّة خبر العدل مط وان سلّمنا الاطلاق والعموم فى المنطوق ولا يكون المفهوم فيها الّا عدم وجوب التبيّن فى خبر العدل فى الجملة ويتعيّن البعض بما قام الاجماع على اعتباره او ما ثبت بادلّة أخرى والظّاهر أنّ هذا

٢٣٣

الايراد مبنىّ على اختيار انّ المفهوم المخالف هو النقيض المنطقى للمنطوق لا انّه عبارة عن رفع الحكم المذكور على نحو ثبوته واذا كان المنطوق وجوب التبيّن عن خبر الفاسق على الوجه الكلّى فيكفى فى رفعه السّلب الجزئى والجواب أنّه قد تقرّر فى بحث المفهوم اشتراط اتّحاده مع المنطوق فيما عدا الايجاب والسلب ولزوم توافقهما كمّا وليس المفهوم الاصولى نقيضا منطقيّا اذا المنطقى حيث ينظر الى البراهين لاخذ الضوابط الكليّة اخذ نقيض السالبة الكليّة موجبة جزئيّة ونقيض الموجبة الكليّة سالبة جزئيّة اخذا بالمتيقّن لئلّا ينثلم قاعدة النقيض وامّا الاصولى فنظره الى ظواهر الالفاظ والنّسبة بينهما عموم من وجه ولا اشكال عند الاصولى فى لزوم اخذ المفهوم مطابقا لما كان المنطوق ظاهرا فيه واذا كان الاطلاق فى المنطوق مفيدا للعموم الاستغراقى ثبت ذلك فى جانب المفهوم ايضا لاتّحاد الموضوع وهو النبأ مضافا إلى انّ الشرط علّة منحصرة لعروض الحكم على افراد الموضوع فى جانب المنطوق فينتفى الحكم بانتفاء علّته المنحصرة والّا يخرج السّبب عن كونه سببا فى بعض الأفراد وبالجملة بعد ما استفيد من المنطوق انّ المعلّق على الشرط هو الحكم العامّ وانّ العموم استغراقىّ كان المنتفى عند انتفاء الشرط هو ذاك الحكم العامّ الشامل لكلّ فرد فرد لا عموم الحكم وشموله حتّى يكون المنتفى عند انتفاء الشرط عموم الحكم الصادق بالسلب الجزئىّ.

قوله (لكنّ الأنصاف عدم جواز الاستدلال بها من وجوه) ما قيل او يمكن ان يقال فى المنع عن التّمسك بها وجوه :

احدها انّ منطوق آية النبإ ناطق بعدم حجيّة خبر الفاسق خاصّة سواء كان فى الاحكام او الموضوعات مع سكوتها عن حال خبر العادل ومنطوق هذه الآية يدلّ على حجيّة الخبر فى الاحكام الكليّة دون الموضوعات كما هو الظاهر من النفر والتّفقه والانذار والحذر مع شمولها لخبر العادل ايضا فيفترق تلك الآية عن هذه فى خبر الفاسق المتعلّق بالموضوعات وهذه الآية عنها فى خبر العادل المتعلّق بالاحكام ويجتمعان فى خبر الفاسق عن الاحكام الكليّة ويتعارضان حيث انّ تلك الآية ينفى حجيّته وهذه تثبتها والترجيح لأية النبإ لكونها منصوصة العلّة بخلاف هذه الآية فيقدّم على هذه الآية بتخصيصها بغير خبر الفاسق واختصاصها بحجيّة خبر العدل وحده فى الاحكام وكذلك لو قلنا بتعارضهما وعدم ترجيح لاحدهما على الاخرى وما ذكرنا انّما هو بالنّسبة الى منطوق الآيتين مع قطع النّظر عن مفهوم آية النبإ بناء على عدمه فيها وبالجملة ما يثبت حجيّته بهذه الآية ليس الّا خبر العادل ولمّا كان المراد بالعادل هو العادل الواقعى وكان معرفته موقوفة على العلم به والعلم بعدالة الراوى فى امثال زماننا فى غاية الصعوبة ان لم نقل بامتناعه فلا يجدينا مجرّد حجيّة خبر العادل فى معرفة الاحكام لعدم كفاية اخبار معلومى العدالة والعلم بثبوت احكام

٢٣٤

زيادة على ما اخبر به العدل المعلوم العدالة وكذلك لو عمّمنا طريق تحصيلها الى الشّياع والاستفاضة ونحوهما من الأمارات المنصوبة فانّ العدل الكذائى ايضا غير كثير ولا يكفى كلّ ذلك فى معرفة الاحكام المعلومة ثبوتها بالاجمال فسبيل العلم بعدالة المخبر فى جميع ما يحتاج اليه من الاحكام منسدّ لنا الّا ان يتمسّك فى معرفة عدالة المخبرين بالظنّ والمفروض عدم قيام دليل خاصّ على اعتبار هذا الظّن ولا مناص حينئذ إلّا التّمسك بدليل الانسداد نظير التّمسك به فى الوقوف على اصل الاحكام الواقعيّة وهذا يرجع الى اعتبار مطلق الظّن ويخرج عمّا نحن بصدده لانّ الكلام فى اثبات حجيّة خبر الواحد بالخصوص بالآية لا يقال فرق بين اعمال دليل الانسداد هنا والانسداد الآتي فانّ الانسداد المعروف يتمسّك به فى تحصيل الاحكام الواقعيّة وينتج اثبات الحكم باىّ امارة كانت من شهرة او اجماع منقول او عدم ظهور خلاف او قول فقيه او خبر ضعيف ونحوها من الامارات الغير المعتبرة مع قطع النظر عن دليل الانسداد ولا يختصّ بخبر الواحد بخلاف المقام فانّ الآية تدلّ على حجيّة ما انذر به العادل واخبر به وحجيّته والظّن يقع فى طريق تحصيل هذه الحجّة الثابت حجيّتها بالآية فيؤخذ الكبرى من الآية والصغرى من دليل الانسداد ولا يثبت به الّا احراز خبر العدل المعلوم حجيّته وانّه عدل فانّه يقال لو كان الثابت بالآية كبرى حجيّة خبر العدل من دون حاجة الى احراز الصغرى بالانسداد لكان الفرق متّجها ولكنّ الكلام فى منع ثبوت حجيّة خبر العدل مع الجهالة ومنع دلالة الآية على وجوب الحذر عمّا جاء به المنذر ولو لم يعلم كونه عادلا ورجوع الامر لا محالة الى اشتغال الذّمة بالاحكام الواقعيّة المعلومة بالاجمال كما هو كذلك مع قطع النظر عن الآية ولو تمسّكنا بالدليل العقلى لوجب التّمسك به فى تحصيل الاحكام مط وكما يتحقّق الظّن بالحكم من خبر الواحد فكذلك قد يحصل من الشهرة وغيرها ويكون خبر الواحد كغيره من الظنون المطلقة فى عرض واحد فتأمل الّا ان يقال انّ تمسّكهم بآية النّفر انّما هو فى قبال المرتضى ره المنكر لحجيّة خبر الواحد مطلقا ولو مع العلم بعدالة المخبر لا فى قبال القائل بحجيّة مطلق الظّن.

ثانيها انّ ذكر التفقّه فى الآية يدلّ على انّ المراد بالانذار ما يكون من قبيل الفتوى لانّ معنى التفقّه عرفا واصطلاحا هو طلب الفهم عن دليل ولا يصدق على من سمع رواية عن المعصوم او غيره بمجرّد ذلك انّه متفقّه ومن الواضح انّ خبر الواحد فى مقام الفتوى وهو قول الفقيه لمقلّديه حجّة ولكن يضعّف هذا بانّه موقوف على ثبوت المعنى العرفى للتفقّه فى زمن الرّسول ص وهو مشكل ومعناه اللغوىّ مطلق الفهم والقاعدة تقتضى الحمل عليه لاصالة عدم النقل على انّ المراد منه إن كان هو المعنى الاصطلاحى او تردّد اللفظ بين الاحتمالين فهو انّما يوجب الاشكال بناء على ان يكون الانذار غاية للتفقّه والظاهر من الآية كون كلّ منهما غاية مستقلّة للنّفر وعن الجوهرى انّ الانذار هو الابلاغ فيكون

٢٣٥

المعنى على هذا فلو لا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا باخذ المسائل عن دليل ومعرفة كاملة ولابلاغ ما سمعوه من المعصوم ع الى الباقين من غير نظر الى تفقّههم فانّه معنى كون الانذار غاية للغاية بل من جهة مجرّد سماعهم عنه ع الّا ان يقال انّ بناء على كون التفقّه والانذار غايتين للنفر فاللّازم وقوع الانذار والابلاغ لما سمع عن المعصوم مقرونا بكونه عمّن تفقّه ولا يدلّ على وقوع كلّ منهما غاية مستقلّة بدون لحاظ الآخر حتّى يدلّ على وجوب القبول لخبر غير المتفقّه.

ثالثها انّ الانذار هو التخويف ولا تخويف الّا على ما يوجب الذّم والعقاب من ترك الواجب وفعل الحرام وما يراد من حجيّته هو الخبر مطلقا الشّامل للمندوب والمكروه والمباح ودفعه أنّه اذا ثبت وجوب القبول فى الواجب والحرام مع كثرة الاهتمام بهما وعدم جواز اهمالهما ثبت فى غيرهما امّا بالاولويّة وامّا بعدم القول بالفصل.

رابعها انّ الآية من قبيل الخطابات الشفاهيّة ويختصّ وجوب القبول بالموجودين فى زمن الحضور والاجماع على الاشتراك لا يجرى فى المقام لاختلاف الموضوع وعدم كون المشافهين والغائبين صنفا واحدا فانّ المشافهين اذا سمعوا اخبار الآحاد لم يكونوا عالمين بوجود المعارض لها فى الواقع وكانوا يبنون على اصالة عدمه فيعملون بالاخبار المسموعة وهذا بخلاف ما نحن عليه من الحال لعلمنا بطروّ المعارض لها واحتمال عروض السّقط فى بعضها وبذلك يصير مجموع الاخبار الواصلة مجملة من قبيل الشبهة المحصورة ولا يرتفع الاجمال الّا بالقطع بعدم المعارض بعد التتبّع والفحص التامّ وعدم السّقط ولا سبيل الى القطع بالعدم والفحص الظنّى لا يرتفع به العلم الاجمالى لوضوح عدم ارتفاع العلم الّا بالعلم الّا ان يتمسّك بدليل الانسداد وهو كما ترى خارج عن محلّ الكلام وفيه اوّلا صحّة التّمسك بها فى قبال السّيد ره ومن يقول بمقالته من المنكرين لحجيّة الخبر حتّى فى زمان المشافهة وثانيا لا اشكال فى وجود اخبار كثيرة من الآحاد يقطع بعدم معارض لها وثالثا نلتزم بوجوب الفحص التامّ ونمنع بعده بقاء العلم الاجمالى فانّ المعارضات الّتى نعلم بها اجمالا انّما نعلم بوجودها كذلك فيما بايدينا من الكتب المعتبرة وبعد الفحص التامّ وعدم العثور على المعارض فى هذه الكتب يحصل لنا العلم بعدم المعارض ومدّعى عدم امكان حصول العلم بعدم المعارض فيها مجازف ولو سلّم الشّك يكون بدويّا ويكون حالنا حينئذ كحال المشافهين ولنا العمل بالاصل وتمام الكلام فى هذا موكول الى بحث العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص.

خامسها لا اشكال فى انّ الاستدلال بالآية بالتقريب المذكور فى المتن موقوف على مقدّمتين الاولى دلالة لعلّهم يحذرون على وجوب الحذر والثانية دلالة صدر الآية على وجوب التفقّه والانذار ولنا منع كلّ منهما بعد تسليم دلالة كلمة لو لا على وجوب النفر لانّها من حروف التحضيض واذا دخلت على الماضى افادت التوبيخ والذّم على ترك الفعل واذا دخلت على الاستقبال

٢٣٦

افادت ترغيب المخاطب فى الاشتغال بالفعل فلا اشكال فى انّها فى الآية تفيد التوبيخ وليس هو الّا كناية عن وجوب النفر وحرمة تركه أمّا منع الاولى فيظهر بابطال كلّ من الوجوه الّتى اقاموها للدلالة على ذلك امّا ما اورده فى المعالم من انّه لا معنى لجواز الحذر او ندبه لانّه ان حصل المقتضى له وجب والّا لم يحسن فالطّلب لم يقع الّا على وجه الإيجاب فيدفع بانّ هذا مسلّم ان اراد بحصول المقتضى حصوله جزما او ظنّا وان اراد حصول المقتضى ولو احتمالا فلا نسلّم انّه لو حصل لوجب اذ ربما كان الحذر حسنا لمجرّد احتمال المقتضى ويكون طلبه ندبا من باب حكم العقل بحسن الاحتياط كما هو الشّأن فى الشّبهة البدويّة من التحريميّة والوجوبيّة مع استقلال العقل بقبح العقاب على التكليف الغير المعلوم وكترك الوضوء بالماء المشمّس ندبا لاحتمال حدوث البرص وكذلك فيما نحن فيه فانّ المخبر اذا اخبرنا بشيء ولم نعلم صدقه وكذبه واحتملنا الصدق او ظنّنا به ظنّا لا دليل على اعتباره بالخصوص فاقتضاؤه للحذر يكون احتماليّا فيستحبّ وقد يفرّق فى صورة احتمال المقتضى بين ان يكون المحذور من الامور الاخرويّة فيجب او من الامور الدنيويّة فلا يجب وعليه فلا يستقيم الدفع ولكنّه فى غاية الضّعف وامّا ما ذكره القمىّ ره من انّا لو سلّمنا امكان اتّصاف الحذر بالنّدب فى نفسه فلا نسلّمه فيما نحن فيه لدوران الأمر بين اتّصاف الشّيء الواحد بالوجوب والنّدب وانّه محال ففيه أنّ ذلك مسلّم اذا اوجب الانذار العلم بوجوب ذلك الشّيء فى الواقع بان حصل من قول المخبر بانّ الإمام ع قال السورة واجبة مثلا العلم بوجوبها فى الواقع فانّ العلم بوجوبها ينافى استحباب العمل به للزوم التناقض وما نحن فيه ليس كذلك فانّ الكلام فى مطلوبيّة العمل بالخبر المتضمّن للوجوب اذا لم يحصل العلم بصدوره عن الإمام ع ولم يقم ظنّ معتبر غير هذا الخبر عليه ويشكّ فى صدوره ولا ضير فى اتّصاف الواجب الكذائى بكونه مندوبا ولا يابى عنه العقل والسّر فيه أنّ وجوب ذلك الشّيء فى الواقع لمّا لم يكن ثابتا عند المنذر بالفتح ويحتمل ان يكون واجبا كذلك ومطلوبا الزاميّا عند الشارع بحيث لا يرضى بتركه يحكم العقل بحسن البناء على العمل بقول المخبر وعدم تركه فى مقام العمل رجاء كونه واجبا فى الواقع وليس المعنى انّه يستحبّ الاعتقاد بكونه واجبا فى الواقع ولا ضير فى الفتوى كذلك ايضا لانّ الفتوى انّما هو بالنظر الى العمل لا بالنّظر الى حكم الله الواقعىّ نظير افتائهم باستحباب العمل بالاخبار الضعاف الدّالة على الوجوب ويكون الفتوى باستحباب العمل امّا بملاحظة الاحتياط وحسنه عقلا وشرعا او بملاحظة جواز التسامح فى ادلّة السنن وبما ذكرنا يندفع الاشكال فى الحكم باستحباب العمل بالاخبار الضعاف اذا تضمّنت الوجوب بانّ ذلك مناف لاصل الخبر كما عن صاحب المدارك وكذا الكلام فيما لو كان مفاد الخبر الحرمة وامّا الاجماع المركّب الّذى ادّعاه السلطان فى حاشية المعالم وصاحب الفصول وذكره المصنّف رضى الله عنهم من انّ كلّ من اجاز العمل بخبر الواحد فقد اوجبه فيمكن المناقشة

٢٣٧

فيه اوّلا بانّه مسلّم لو دلّت الآية على جواز العمل بالخبر بمعنى جواز اخذه دليلا ومتّبعا والالتزام بكونه حجّة كما هو محلّ الكلام وهو فى محلّ المنع فانّ غاية ما يستفاد من الآية جواز العمل بمضمون الخبر فى مقام العمل لا الجواز بالمعنى المذكور وبعبارة اخرى تدلّ الآية على مطلوبيّة العمل بمقتضى الخبر لا على مطلوبيّة الاعتقاد بانّه صادر عن الشارع كما مرّ فى الوجه السابق وعلى هذا فلا وجه للتمسّك بعدم القول بالفصل لما تقرّر فى محلّه من اشتراط حجيّته بان يكون القولان نوعين من جنس واحد او فردين من نوع واحد فاذا دلّت الآية على جواز الاخذ فى مقام العمل لا يمكن اثبات الجواز بمعنى الاعتقاد بها حتّى يثبت الوجوب بهذا المعنى ومن الواضح انّ تصوير عدم الفصل هاهنا انّما هو بين الجواز بمعنى الاعتقاد والوجوب كذلك لا بين الجواز بمعنى العمل والوجوب الكذائى ولو سلّم تردّد الآية بين المعنيين لكفى ايضا لبطلان الاستدلال بقيام الاحتمال وثانيا بانّ الثابت فى المقام هو عدم الفصل لا القول بعدم الفصل ويشهد له ما ذكرنا من حسن التحذّر والاحتياط فى الشبهة البدويّة وكونه من المسلّمات عندهم من دون نكير وامّا دعوى انّ كلمة لعلّ بعد انسلاخها عن معناها الاصلى وهو التّرجى تكون ظاهرة فى الايجاب عرفا واعتبارا ففيه اوّلا انّ التحقيق كون لعلّ كسائر الصيغ الانشائيّة وادواتها من التمنّى والاستفهام موضوعة لمعانيها الايقاعيّة الانشائيّة الّتى ينشئها المتكلّم بهذه الصيغ وفى جميع موارد استعمالاتها يستعمل فى انشاء معنى الاستفهام والتمنّى والترجّى لا لمعانيها الواقعيّة الّتى تكون من الصفات والحالات القائمة بالنّفس وينشئ المعنى الاوّل بدواعى عديدة من التهكّم والتقرير والتعجّب وغيرها واختلاف الدواعى لا يوجب تكثّرا فى المعنى والمعنى الموضوع له فى جميعها مفهوم واحد وفى المقام لا يعقل ان يكون الداعى هو الترجّى الحقيقى لاستحالته عليه تعالى فلا بدّ ان يكون الداعى هو محبوبيّة الحذر المجامع مع الندب لمشابهة محبوبيّة الحذر والقبول للترجّى تمام المشابهة من جهة حصوله تارة وعدمه أخرى وغاية ما يمكن ان يقال انّ استعمالها فى غير داعى الترجّى الحقيقى يكون استعمالا على خلاف الوضع لانّها موضوعة لتستعمل فى مورد يكون الداعى هو الترجّى الحقيقى وان لم يكن مجازا اصطلاحيّا بمعنى استعمال اللّفظ فى غير ما وضع له وهذا مع كونه فى حيّز المنع لا يجدى فى دعوى تعدّد المعنى وانسلاخ اللّفظ من معناه الحقيقى وثانيا انّ مع استحالة ارادة الترجّى الحقيقى لا وجه لظهورها فى الايجاب امّا عرفا فلعدم انفهام شيء منها بعد الانسلاخ عرفا الّا مطلق الطلب لظهورها فيه وامّا اعتبارا فلانّه قياس فى اللّغة ومن الواضح بطلانه وامّا منع المقدّمة الثانية فبوجهين الاوّل انّا لو سلّمنا كون التفقّه غاية لوجوب النّفر لا نسلّم استلزام ذلك لوجوب الانذار وكونه غاية اخرى لوجوب النفر حتّى يثبت به وجوب الحذر

٢٣٨

لجواز ان يكون غاية النفر بالاصالة هو التفقّه خاصّة ويكون الانذار مستحبّا مؤكّدا لا غاية اخرى له بحيث لو قطع النظر عن التفقّه يكون الانذار واجبا مستقلّا فانّ ذلك غير مستفاد من الآية والاحتمال كاف فى المنع ونظير ذلك كثير فى الشرع ومقبول عند العرف وذلك مثل ان يقال اغتسل للجنابة والجمعة والزيارة او توضّأ للصلاة الواجبة ولقراءة القرآن الى غير ذلك من الامثلة الّتى ذكرت فيها غاية للوجوب ثمّ اتبع بما يؤكّده من المندوبات فلا مانع من كون التفقّه واجبا مع استحباب الانذار والسّر في ذلك انّ الغاية الاولى اذا كانت واجبة كفى وجوبها لوجوب المغيّى ويمكن الجواب عنه بوجهين احدهما انّ المستدلّ لو ادّعى امتناع كون الغاية الثانية اعنى الانذار غاية لوجوب النفر مع كونها مندوبة عقلا لكان لما ذكر وجه ولكنّه ليس كذلك بل يدّعى ظهور الآية عرفا وبحسب قانون اللفظ فى استقلال الغايتين لمكان الواو وتكرار الجارّ ولانّ الاصل فى الغاية ان تكون للوجوب سيّما بملاحظة ترادفها للغاية المتقدّمة المعلوم وجوبها نعم اذا قام قرينة على عدم استقلال احدى الغايتين فلا كلام والظاهر من الامثلة المذكورة ايضا الاستقلال لما ذكرنا الّا انّه علمنا خلافه من الخارج ثانيهما دعوى انّ الظاهر من الآية كون التفقّه غاية للنفر الواجب وكون الانذار غاية للتفقّه دون النفر فيكون غاية للغاية فلا يكون الّا واجبا وبه يثبت وجوب الحذر ايضا ووجهه أنّ التفقّه العلمى قد يكون واجبا نفسيّا عينيّا وهو ما اذا لوحظ بالنظر الى عمل نفس شخص المتفقّه وقد يكون واجبا غيريّا كفائيّا اذا لوحظ بالنّظر الى عمل الغير فانّ معرفة الاحكام واجبة على كلّ احد من جهة نفسه وان كان كفائيّا باعتبار حال الغير فكون الاوّل واجبا على كلّ من المكلّفين معلوم بخلاف الثانى حيث لم يعلم كونه غاية لاصل النفر حتّى يدّعى كونه مندوبا مضافا إلى امكان ان يقال انّ معنى استقلال الغايتين تاثير كلّ منهما فى وجوب المغيّى على تقدير عدم الآخر وعلى هذا لا وجه لامكان ندبيّة الانذار حيث قيّد النفر بنفر الطوائف وهو كاشف عن انّ المراد بوجوب التفقّه هو الوجوب الغيرى الكفائى دون الاصلى والّا فلا معنى للتقييد ضرورة انّ المراد لو كان هو الوجوب العينى لوجب النفر على كلّ احد مع انّ الآية خصّصه بالطوائف فلأجل هذا التخصيص نعلم انّ المراد بوجوب التفقّه هو الوجوب الكفائى ومع ارادة هذا المعنى يجب ان يكون الانذار واجبا ايضا واذا ثبت وجوب الانذار ثبت وجوب الحذر فيكون الانذار على هذا غاية للغاية وهى التفقّه بملاحظة حال الغير لا غاية مستقلّة فى مقابل الغاية الاولى الثانى منع كون التفقّه غاية للنفر الواجب فانّ المراد بالنفر النفر الى الجهاد كما يظهر من صدر الآية نعم ربما يترتّب التفقّه والانذار فهما من قبيل الفائدة لا الغاية حتّى يجب بوجوب ذيها واجيب عنه بوجوه اربعة مذكورة فى المتن رابعها استشهاد الإمام ع بالآية على وجوب التفقّه والانذار فى اخبار كثيرة ويزيد على ما ذكرنا الوجوه الثلاثة المذكورة فى المتن قوله (لكن ليس فيها اطلاق وجوب الحذر)

٢٣٩

فان قلت لا وجه لانكار الاطلاق مع حصوله فى قوله سبحانه (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وعدم تقييده بصورة العلم قلت إنّ المطلوبيّة مستفادة من كلمة الترجّى لا محالة وليس فيها اطلاق لانّه أمر لبّى والاطلاق من اوصاف الالفاظ مضافا الى انّها من الحروف نعم لو قال الشارع احذروا عند الانذار لكان دعوى الاطلاق بملاحظة الجملة بمكان من الامكان قوله (فانحصر وجوب الحذر فيما اذا علم المنذر) التقييد بصورة علم المنذر ليس بالدلالة اللفظيّة من الآية بل مراده هو انّه لمّا كان الموضوع للتفقّه والانذار والحذر فى الآية هو الامور الواقعيّة كان تنجّزها على المنذر بالفتح بحكم العقل مشروطا بحصول العلم كسائر التكاليف المتوجّهة الى المكلّفين المتعلّقة بالواقع فانّ الشّك فى وجود موضوعها يوجب الشّك فى ثبوتها قوله (وكانّ فيه اشارة الى ضعف الاستدلال) لا يخفى انّ هذا الكلام من الشيخ لا اشارة فيه الى ضعف الاستدلال بالآية لانّ مختاره حجيّة اخبار الآحاد مستدلّا بظواهر الآيات الّتى منها هذه الآية كما صرّح به فى الزبدة فهو ره بتلك المقالة يريد تقوية دلالة رواية الحفظ على المدّعى لا تضعيف دلالة الآية عليه وضعف الاستدلال بالرواية عند المصنّف ره لا يوجب توهّم الاشارة المذكورة منه ثمّ لا يخفى انّ دعوى كون الغالب تعدّد من يخرج الى الحجّ من كلّ صقع بحيث يكون الغالب حصول العلم من اخبارهم ممنوعة فى الامصار الكبيرة فضلا عن القرى والبوادى سيّما بالنّسبة الى صدر الاسلام وحين نزول الآية.

قوله (من انّ حرمة الكتمان يستلزم وجوب القبول) تقريب الاستدلال انّ الآية تدلّ على حرمة كتمان المنزل من قبله سبحانه المبيّن فى الكتاب ويتناول الروايات الماثورة ايضا فانّهم عليهم‌السلام ما ينطقون الّا بما نطق به الكتاب ومعنى حرمة الكتمان وجوب الاظهار ولا معنى لوجوب الاظهار الّا وجوب قبول ما يظهره المظهر من القول والّا لكان لغوا ولانّه المتبادر عرفا كما فى وجوب الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر فانّه لا معنى لوجوب الامر بشيء الّا لزوم الايتمار ولا لوجوب النّهى عنه الّا وجوب الانتهاء عنه.

ويرد عليه ما ذكره المصنّف ره من الايرادين الاوّلين فى آية النّفر وتوضيحه أوّلا انّه اذا امر احد بشيء فامّا ان نعلم من الخارج او من ظاهر اللّفظ انّ الامر فى مقام جعل التكليف لنفس المامور ولم يقصد من الخطاب تكليفا آخرا متوجّها الى غير المخاطب ايضا وامّا ان نعلم من الخارج او من اللفظ انه كما قصد جعل التكليف بهذا الخطاب للمخاطب كذلك قصد منه جعل تكليف آخر لآخر بان اخذهما متلازمين لما بينهما من الارتباط بحيث ينحلّ الخطاب الملفوظ الى خطابين كما فى آية الشهادة والكتمان فانّ امر الشارع باقامة الشهادة وتحريمه كتمان ما فى الارحام على النّساء مع انّ قول الشاهد والمرأة لا يفيد العلم غالبا بل وربما لا يحصل من قولهما الظّن يكون قرينة على انّ غرضه منهما جعلهما طريقا الى الواقع تعبّد او الامر

٢٤٠