تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

كما بيّنه قدس‌سره فى المتن وهذا الوجه وان لم يخل عن مناقشة لانّه مبنىّ على حجيّة الاخبار من باب السببيّة والموضوعيّة وهذا ممنوع عند التحقيق الّا انّ مجرّد احتماله يصلح فارقا بين المقامين ولا يجوز التعدّى عن مورده إذا عرفت ما ذكرنا دريت انّ التعدّى من باب تنقيح المناط انّما يكون موقوفا على الوجه الاوّل واحتمال احد الوجهين الاخيرين يكون مانعا عن استفادته وبما ذكرنا يظهر عدم صحّة استفادة حكم المقام من اتّفاقهم على الحكم بتخيير المقلّد عند اختلاف المجتهدين وتساويهما فانّ الفتوى للمقلّد كالخبر للمجتهد وما ذكرنا يجرى فيه قوله (وما ذكره من التفريع اقوى شاهد على ارادة الخ) وذلك لانّ التّخيير الظاهرى انّما يكون عند الشّك ومع قيام الدّليل القطعى الموجب لاتّفاقهم على حكم يرتفع موضوع الحكم بالتّخيير الظاهرى فالتفريع يدلّ على ارادته التّخيير الواقعى وذلك واضح ولكن لاحتمال ان يكون غرضه هو التّخيير الظاهرى وقد غفل عن خطاء تفريعه مجال قوله (قول الامام ع من حيث العمل فتامّل) وجهه انّ كلماتهم ظاهرة فى لزوم طرح قول الامام عليه‌السلام وحكمه فى الواقعة من حيث هو لا من جهة الطرح من حيث العمل ولعلّ وجه الامر بالتامّل ما تقدّم منه فى فروع اعتبار القطع من انّ ظاهرهم فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والتحريم الاتّفاق على عدم الرّجوع الى الاباحة وان اختلفوا بين قائل بالتخيير وقائل بتعيين الاخذ بالحرمة ومن هنا يعلم انّ التوقّف الّذى يختاره اخيرا ليس الى زمانه قولا فى المسألة قوله (فى محتمل الحرمة تنصرف الى محتمل الحرمة وغير الوجوب) بعد ما اثبت جريان الاباحة فى المقام اراد ابطاله امّا الاباحة الشرعيّة فبانصراف ادلّتها اللفظيّة الى غير محلّ الكلام وامّا العقليّة فبانّ ادلّة نفى التكليف عمّا لا يعلم نوع التكليف فيه لا تفيد الّا عدم تعيين الحرمة او الوجوب وهذا لا ينافى وجوب الاخذ باحدهما او التوقّف ولمّا كان الدّليل على الاوّل مفقودا تعيّن الثانى ولا دليل على لزوم الالتزام بحكم ظاهرىّ اذا لم يحتج اليه فى العمل من جهة كونه توصليّا لا يحتاج الى قصد الامتثال كما فى دوران الامر بين الوجوب والاستحباب فى العبادة بناء على عدم اعتبار قصد الوجه وكفاية قصد التقرّب حيث انّه يكفى العلم بالرجحان فى قصد القربة ولا يلزم العلم بالخصوصيّة ثمّ انّ بعض افاضل المحشّين لمّا اخذ بظاهر عبارة المتن وهو انّ وجه عدم جريان البراءة العقليّة هو تجويز ورود الالتزام باحد الحكمين فى المقام ووجوب الاخذ باحدهما وان لم يساعده دليل من دون مدخليّة لتجويز التوقّف فى وجه المنع وانّما هو شيء اخذ به المصنّف بعد ذكر وجه المنع استشكل بانّ عدم قيام الدّليل على وجوب الالتزام باحد الحكمين عند العقل وان جوّز وروده كاف فى حكمه بالبراءة والّا لم يحكم بها فى مورد من الموارد وعلى ما قرّرنا من اخذ امكان التّوقف فى الحكم قسيما لوجوب الاخذ باحدهما وكون حكم العقل بالبراءة موقوفا على

٣٦١

عدمهما معا وان كان ما ذكرنا خلاف ظاهر العبارة فلا وقع للاشكال قوله (وقد مضى شطر من الكلام فى ذلك فى المقصد الاوّل) اعلم انّ ما ذكره هنا يخالف هناك من وجهين الاوّل انّه ابطل الاباحة هنا بما عرفت وابطله هناك بوجه آخر وهو انّ المخالفة العمليّة الّتى لا تلزم فى المقام من الحكم بالاباحة هى المخالفة دفعة فى واقعة عن قصد وعلم وامّا المخالفة تدريجا فى واقعتين فهى لازمة البتّة والعقل كما يحكم بقبح المخالفة فى الصورة الاولى كذلك يحكم به فى الثانية ثمّ صرّح بأنّ هذا الكلام لا يجرى فى الشبهة الواحدة الّتى لم يتعدّد فيه الواقعة حتّى يحصل المخالفة العمليّة تدريجا فالمانع فى الحقيقة هى المخالفة العمليّة القطعيّة ولو تدريجا مع عدم التعبّد بدليل ظاهرى انتهى الثانى انّ فى المقام اختار التوقّف وهناك بعد ابطال اطلاق الاباحة اختار التخيير والحقّ هو التوقّف بالمعنى الّذى ذكره وهو عدم العلم بالحكم الواقعى وعدم حكم ظاهرىّ للواقعة اصلا لا عدم علمنا به والوجه ما افاده فى المقام من ابطال التخيير لا يقال انّ الّذى ذكرتم عدم الدّليل عليه هو التّخيير الشرعى وامّا التّخيير العقلى فلا مانع عنه مع انّ المقام من الدوران بين المحذورين فانّه يقال انّ ذلك انّما هو فى مورد يتوقّف العمل على الالتزام باحدهما وامّا المقام فالمفروض عدم توقّف العمل عليه لكونهما توصّليّين فلا محذور فى التوقّف فى الحكم وكما انّ البراءة العقليّة يتوقّف على عدم وجوب التّخيير وعدم امكان التوقّف فى الحكم فكذلك التّخيير العقلى فى الحكم يتوقّف على عدم جريان الاباحة وعدم امكان التوقّف فيه ثمّ لا يخفى انّ اختيار التوقّف انّما هو مع قطع النظر عمّا صرّح به فى فروع اعتبار القطع من انّ ظاهرهم فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والتّحريم الاتّفاق على عدم الرجوع الى الاباحة وان اختلفوا بين قائل بالتّخيير وقائل بتعيين الاخذ بالحرمة ومع النظر اليه يكون القول بالتوقّف كالقول بالاباحة مخالفا لاجماعهم ولا ضير فى ذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب الالتزام بحكم ظاهرىّ فى المقام وعدم اقتضاء دليل وجوب تصديق الشارع والالتزام بما جاء به ذلك مضافا الى انّ اجماعهم انّما هو فى مسئلة اصوليّة فتامّل قوله (ثمّ على تقدير وجوب الأخذ هل يتعيّن الأخذ بالحرمة) وامّا تعيّن الاخذ بالوجوب فلم نجد قائلا به ولا حكى الّا ما يظهر من شارح الوافية حيث قال فى المسألة قد نقل عن بعض العلماء انّ بعضا يقول فعل الحرام اسهل علينا من ترك الواجب ولم يظهر وجهه لى انتهى قوله ويضعّف الاخير بمنع الغلبة لوضوح انّه يشترط فى اعتبارها على القول به كون المشكوك من الافراد النادرة كالزنجى المشكوك فى كونه اسود او ابيض ووجود هذا النّحو من الغلبة بل دونه فى المقام ممنوع جدّا على انّ غاية ما تفيده هو الظّن ولا يثمر الّا على القول بالظنّ المطلق

٣٦٢

الّا ان يقال بانّ المقام يقتضى تقديم ما يطابقه وان لم نقل بحجيّة مطلق الظّن لكونه مرجّحا وليس الحكم فى الامثلة المذكورة من اجل تغليب الحرام على الواجب او احتماله على احتماله فانّ ترك العبادة فى ايّام الاستظهار ليس على سبيل الوجوب عند المشهور ولو قيل بالوجوب كما ارتضاه جماعة فحرمة العبادة حينئذ إنّما هى من حيث التشريع فانّ صحّة العبادة محتاجة الى ثبوت ورود الامر بها من الشارع والمفروض عدم ثبوته فالامر فى الحقيقة دائر بين وجوب العبادة كما قبل الحيض وعدم وجوبها وعلى تقدير ان يكون النّهى عنها للحرمة التشريعيّة يكون اجنبيّا عمّا نحن فيه ولو قيل بكونها ذاتيّة فالنّهى ليس لاجل التغليب بل لاجل اصالة بقاء الحيض وحرمة العبادة والمبتدئة وان لم يجر فى حقّها استصحاب بقاء الحيض إلّا أنّه لو سلّم وجوب تركها بمجرّد الرؤية فهو لاطلاقات اخبار الاوصاف وقاعدة كلّما امكن فانّهما قاطعان لاستصحاب الطّهارة السابقة لا للتغليب مع احتمال ان يكون النّهى فيها ايضا من باب التشريع لا التحريم الذّاتى على انّ قاعدة التغليب على القول بها انّما تجرى فيما لا يوجد فيه ما يصحّ الاعتماد عليه والّا فلا مجرى للتغليب كان موافقا لما يصحّ الاعتماد عليه او مخالفا له وفى المقام مقتضى الاستصحاب بقاء الطّهارة السابقة ومع هذا الاصل اذا امر الشارع بترك العبادة علمنا انّه من صرف التعبّد لا من باب التغليب وامّا الحكم باهراق الإناءين المشتبهين فى الطّهارة وحرمة التوضّى منهما فامّا ان يكون تشريعيّا فيكون ارشادا من باب قاعدة الاشتغال وعدم العلم بابراء الذمّة عن الصّلاة الواجبة المشروطة بالطهارة ويكون ح أجنبيّا عما نحن فيه وامّا ان يكون ذاتيّا كحرمة شرب الخمر كما يظهر من جماعة فوجه ترك الوضوء ثبوت البدل له قوله (وامّا اولويّة دفع المفسدة فهى مسلّمة) والاولى ان يقال المقصود من المنفعة والمفسدة ان كان هو الثواب والعقاب والتقرّب الى الله والفوز بالجنّة والبعد عنه سبحانه واستحقاق النار فالامر والنهى مشتركان فى ذلك فانّ اطاعة كلّ منهما توجب الثواب ومخالفة كلّ منهما تقتضى العقاب اذ كما فى فعل الواجب ثواب ففى تركه عقاب وكما فى فعل الحرام عقاب ففى تركه ثواب وان كان هو المصالح والمفاسد الكامنة فى الأفعال المسبّبة لامر الشارع ونهيه ففيه إنّ العقلاء لا يلتفتون اليها اصلا ولا يهتمّون بالمنافع والمضارّ الّتى تكون ملاكات الاحكام والّا لحكموا بالخطر فى الدوران بين الحرمة والكراهة وبالوجوب فى الدوران بين الوجوب والاستحباب نعم ذلك مسلّم منهم فى منافعهم ومضارّهم الدنيويّة ولو سلّم ذلك منهم فى ملاكات الاحكام فمن الواضح انّ المصلحة الفائتة بترك الواجب ايضا مفسدة والّا لم يصلح للالزام الى آخر ما افاده فى المتن ومن كلامه هذا يظهر الجواب عن الاخبار المذكورة فانّ المراد من الحسنات فيها ما لا يكون تركها سيّئة وترك الواجب سيّئة فهى اجنبيّة عن المقام قوله فظاهرة فيما لا يحتمل الضّرر فى تركه كما لا يخفى) فهى اجنبيّة عن المقام وهو دوران الامر بين الواجب والحرام مضافا الى ما عرفت سابقا فى ردّ الاستدلال بها على وجوب الاحتياط

٣٦٣

من انّها ارشاديّة قوله (فى المقام وهو بعيد) وذلك لانّ المفروض عدم امكان الاحتياط وابعد منه ما حكى عن صاحب الحدائق انّه قال فى باب الاحتياط ومن الاحتياط الواجب فى الحكم الشرعى لكن بالترك ما اذا تردّد الفعل بين كونه واجبا او محرّما فانّ المستفاد من الاخبار انّ الاحتياط هنا بالتّرك كما تدلّ موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث سأل عن اختلاف رجلين احدهما يأمر والأخر ينهى أجاب ع فارجه حتّى يلقى من يخبره فهو فى سعة حتّى يلقاه انتهى قوله (وامّا قاعدة الاحتياط عند الشّك فى التخيير والتعيين) توضيحه انّ قاعدة الاحتياط والبراءة والاستصحاب ونحوها تقتضى سبق جعل عليها بحيث لا يكون للعقل مدخل فى جعل اصل الحكم بمعنى انّه لو ثبت جعل للشارع يقينا فى حقّ المكلّف وعلم اشتغال ذمّته بذلك الحكم وكان مردّدا بين التخيير والتعيين كما فى بعض الخصال وكما اذا امرنا بكلّى وتردّد الامر بين ان يكون المراد منه فردا خاصّا او مطلق ما صدق عليه الكلّى كقوله اعتق رقبة وقوله اعتق رقبة مؤمنة حيث نشكّ انّ المطلوب هو مطلق العتق او خصوص المؤمنة فالعقل يحكم بتعيين الثانى لتحصيل اليقين بالامتثال والحكم الشرعى الواقعى فى المقام لا يكون مردّدا بين التّخيير والتّعيين بل هو معيّن امّا وجوبا وامّا تحريما فقاعدة الاحتياط عند الشّك فى التّخيير والتّعيين اجنبىّ عن المقام وأمّا الحكم العقلى فيما كان الحاكم هو العقل من غير سبق حكم آخر فلا يعقل اجراء قاعدة الاحتياط فيه لانّه لا يكون مردّدا فى حكمه لوضوح انّ الحاكم لا يعقل ان يكون مردّدا فى حكمه قوله (بمعارضة استصحاب التّخيير الحاكم عليه) فانّه لو تمّ كان من الاستصحاب فى المسألة الاصوليّة بخلاف استصحاب الحكم المختار فانّه يكون فى المسألة الفرعيّة وهو من قبيل المزيل والمزال قوله (فالاقوى هو التخيير الاستمراري) لابتناء المسألة على كون التكليف متعدّدا وان جمعه خطاب واحد او كونه واحدا فان كان الحكم فى كلّ واقعة تكليفا مستقلّا وان كان الخطاب واحدا كان الملاك فى حكم العقل بالتخيير فى الواقعة الاولى فقدان الترجيح لاحدهما وقبحه بلا مرجّح وهذا الملاك بعينه موجود فى الواقعة الثانية والثالثة ولا ربط لاطاعة التكليف وعصيانه فى واقعة بهما فى الواقعة الأخرى وان كان التكليف واحدا كان المتّجه هو التّخيير الابتدائي فانّ البناء على التخيير الاستمراري ح مخالفة عمليّة قطعيّة والظّاهر هو الاوّل وانّ التكليف فى كلّ واقعة غير التكليف فى الاخرى فانّ لكلّ واقعة اطاعة على حدة ومعصية كذلك وتعدّد الاطاعة والعصيان يكشف عن تعدّد التكليف فلو كان فى نهار شهر رمضان مثلا ودار الامر بين وجوب شيء وحرمته يحكم بالتخيير فى اليوم الاوّل وكذلك فى اليوم الثانى فتأمّل بقى امران الاوّل قد مرّ الاشارة الى انّ الوجوه المذكورة انّما هو فى الوجوب والحرمة التوصّليّين وامّا اذا كانا تعبّديين

٣٦٤

فلا بدّ من الالتزام باحدهما على سبيل التّخيير فرارا عن لزوم المخالفة العمليّة القطعيّة فانّ التوصّليّين لمّا كان الغرض منهما مجرّد الفعل او الترك وان لم يستشعر به المكلّف لم يلزم مخالفة قطعيّة فى العمل لفرض وقوع الفعل او عدمه فى الخارج بخلاف التعبّديّين فانّهما لم يتحقّقا الّا مع قصد القربة ولو احتمالا ومع عدمه يحصل المخالفة القطعيّة فللفرار عنها وتحصيل الموافقة ولو احتمالا يجب الالتزام باحدهما على سبيل التخيير ويحصل الموافقة ولو بالنّسبة الى أحدهما وقد ظهر لك كيفيّة الاتيان بمثل هذا العمل التعبّدى فى مسئلة جريان الاحتياط فى العبادة واذا كان احدهما تعبّديا ففيه تفصيل قد سبق فى صدر الكتاب نعم القائل بجواز المخالفة القطعيّة فيما لا يمكن الموافقة القطعيّة فهو فى سعة من جميع ذلك الثانى انّ القول بالتخيير انّما هو فيما اذا لم يكن ترجيح لاحدهما من جهة الاهميّة بان يكون على تقدير وجوبه من اهمّ الفرائض وعلى تقدير الحرمة فى اوّل مراتبها او بالعكس والّا فلا اشكال فى تعيين الاهمّ فانّ الوجوب او الحرمة مع الاهميّة يكون بمنزلة الوجوب المتعدّد او الحرمة كذلك ولا يكون الاحتمال الأخر الّا معارضا لاوّل مراتبه ويكون سائر المراتب بلا مزاحم وهذا نظير ما اذا دار الامر بين حفظ النّفس المحترمة والنّظر الى الاجنبيّة حيث لا اشكال انّ الاوّل فى اقصى مراتب الطّلب بخلاف النّظر اليها بل احتمال المزيّة ايضا يوجب ترجيح ذيها الّا ان يقال انّ فى المثال يكون الحكمان معلومين تفصيلا وانّما المزاحمة فى مقام الامتثال بخلاف المقام حيث لا علم باحدهما الّا مردّدا.

قوله (فالحكم فيه كما فى المسألة السّابقة) لاشتراكهما فى العلم الاجمالى بثبوت الحكم المردّد بين الاحتمالين الّذين لم يدلّ دليل معتبر على خصوص احدهما.

قوله (ويشكل بانّها مسوقة لبيان حكم المتحيّر فى اوّل الامر) كما هو الحال فى سائر العمومات والاطلاقات بدعوى انّ عمومها افرادىّ لا ازمانىّ فبعد اختيار المكلّف احد الخبرين ورفع تحيّره لا يصحّ له التّمسك بالإطلاق قوله (نعم يمكن هنا استصحاب التّخيير حيث انّه يثبت بحكم الشارع) فلا يرد انّه غير قابل للاستصحاب كما فى المسألة الاولى حيث عرفت انّه لا اهمال فى حكم العقل حتّى يشكّ فى بقائه قوله (الّا ان يدّعى انّ المستصحب او المتيقّن الخ) فانّ الموضوع لحكم التخيير والمأمور به شرعا هو المتحيّر الغير القابل للاستصحاب بعد زوال تحيّره ولا اقلّ من الشّك فى انّ الحكم مرتّب على خصوص موضوع المتحيّر او الشخص المتحيّر فى بدو الأمر ولو زال عنه وصف التحيّر والمتيقّن هو الاوّل ثمّ امر بالتامّل ووجهه انّ هذا بناء على اعتبار بقاء الموضوع بالدقّة ويتّضح فى باب الاستصحاب كفاية بقائه عرفا وعليه فاللّازم هو التّخيير الاستمراري لاستصحاب التخيير الحاكم على استصحاب ما اختاره ولكنّ الشّأن فى انّه لا يبعد دعوى كون الموضوع عند العرف هو الشخص المتحيّر فى بدو الأمر.

قوله (وقد مثّل بعضهم له باشتباه الحليلة) اذا علم اجمالا

٣٦٥

انّ واحدا من الفعل والترك واجب والأخر محرّم فهو الشبهة الموضوعيّة من الشّك فى التكليف الّذى هو مفروض المقام واذا علم انّ احد الفعلين واجب والأخر محرّم واشتبه احدهما بالآخر فهو الشبهة الموضوعيّة من الشّك فى المكلّف به ومن هذا تعلم انّ الامثلة المذكورة فى المقام كلّها مفروضة فى موضوع واحد كالمرأة الواحدة المردّدة والمائع الواحد المردّد وكذلك زيد المشتبه حاله من حيث الفسق والعدالة واذا فرضت الشبهة فى موضوعين كالابتلاء بمرأتين إحداهما واجبة الوطى والاخرى اجنبيّة واشتبهتا ام الابتلاء بما يعين احدهما الخلّ المحلوف على شربه والأخر خمر واشتبها ام الابتلاء بشخصين احدهما عادل يجب اكرامه والأخر فاسق يحرم اكرامه واشتبها كان من الشّك فى المكلّف به ثمّ انّ المثال الّذى ذكره المصنّف وهو اشتباه حال زيد من حيث الفسق والعدالة لا بدّ ان يفرض فيما لم يكن لزيد حالة سابقة متيقّنة من حيث احدهما والّا فيكون كالمثالين الاوّلين خارجا عن المقام لوجود اصل موضوعىّ حاكم رافع للشّبهة تعبّدا قوله واصالة عدم وجوب الوطى) ذكره على سبيل التاييد وقطع النظر عن اصالة عدم الزوجيّة والّا فمعها يثبت حرمة الوطى ويرتفع موضوع الوجوب ثمّ إنّ النكتة فى جريان اصالة الاباحة فى المثال الثانى دون الاوّل هى انّ اصالة عدم الحلف على شرب هذا المائع لا يثبت كونه خمرا ولا بدّ فى مقام الشّبهة من اجراء اصالة الإباحة بخلاف الاوّل فانّ اصالة عدم الزوجيّة يترتّب عليها حرمة الوطى وكونها اجنبيّة من دون ان يكون اصلا مثبتا.

قوله (لنا على ذلك وجود المقتضى للحرمة وعدم المانع عنها) ووجود المقتضى عبارة عن حكم العقل وبناء العقلاء فانّ الامر فى باب الاطاعة والعصيان منوط بنظرهم ولا ريب فى انّهم يعدّون المرتكب لكلا المشتبهين عاصيا ويذمّونه ويحكمون باستحقاقه العقاب واذا كان بناء العقلاء على استحقاق العقوبة بمخالفة العلم الاجمالى والمثوبة على موافقته كما هو الحال فى العلم التّفصيلى وراجعنا انفسنا وفهمنا من وجداننا عدم صحّة الاعتذار بمثل هذا الجهل فكيف يصحّ القول بجواز ارتكاب كلا المشتبهين قوله ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلا) قد يستدلّ لنفى المقتضى للحرمة بوضع الالفاظ للمعانى المعلومة او انصرافها بعد تسليم الوضع مط الى المعلومات انشاء واخبارا او انشاء فقط فمفاد قوله اجتنب عن الخمر وجوب الاجتناب عن الخمر المعلوم بعينه ولا يشمل الخمر المشتبه حتّى يجب الاجتناب عنه لانّ المقتضى وهو تعلّق نهى الشارع بالخمر المعلوم اجمالا مفقود وفيه المنع عن وضعها كذلك بل انّما وضعت بازاء المعانى النفس الأمريّة من حيث هى معرّاة عن ملاحظة تعلّق العلم بها وعدمه للتّبادر كيف ولو كانت موضوعة للمعانى المعلومة لزم حليّة العنوان المحرّم فى نفس الامر مع عدم علم المكلّف به بان يكون الخمر المشتبه حلالا فى الواقع لانّ المفروض

٣٦٦

عدم شمول دليل الحرمة له ولا اظنّ احدا يلتزم بذلك حتّى من يقول بكون الالفاظ اسامى للامور المعلومة فانّ غاية ما يدّعيه هى الاباحة الظاهريّة ومعناه ثبوت المقتضى والمانع لا عدم المقتضى مضافا الى انّه يخرج بذلك عن محلّ الكلام لانّ الكلام فى صحّة اجراء الاصل وعدمها فى مقام اشتباه الحكم الواقعى ولا اشتباه على هذا التقدير لعدم شمول الادلّة ح للمشتبهات وحكمها مع هذا الفرض معلوم تفصيلا وهو الاباحة واقعا ولو سلّم وضعها بازاء المعلومات فالظاهر ممّن يدّعى ذلك هو ارادة الاعمّ من المعلوم اجمالا وامّا دعوى الانصراف فهى خلاف الوجدان ودعوى بلا بيّنة ولا برهان قوله (وغير ذلك) كقوله ع النّاس فى سعة ما لا يعلمون ورفع عن امّتى تسعة وسائر اخبار البراءة الشاملة للشبهة الحكميّة والموضوعيّة فإن قلت ما السّبب لاختصاص الذّكر فى الكتاب بالحديثين دون غيرهما قلت السّبب فى ذلك هو لفظة بعينه المذكورة فيهما ولاجلها كان ادّعاء انّ المراد من المعرفة والعلم هو التّفصيلى اقوى من الادّعاء فى غيرهما قوله (ويؤيّده اطلاق الأمثلة المذكورة فى بعض هذه الروايات) ويدفعه ما ذكره المصنّف فى الشبهة الموضوعيّة التحريميّة من انّ الحلّ غير مستند الى اصالة الاباحة فى شيء من الامثلة الثلاثة قوله (ولكن هذه الأخبار وامثالها لا تصلح للمنع) امّا الاخبار العامّة الشاملة للشبهة الحكميّة والموضوعيّة كحديث الرفع والسّعة فبانّها تدلّ على حليّة المشتبه مع عدم العلم وقد عرفت انّه لا فرق فى العلم عند العرف والعقلاء بين العلم التّفصيلى والاجمالى وامّا الأمثلة المذكورة فى بعض الرّوايات فقد عرفت انّها خارجة عمّا نحن فيه والحلّ فيها غير مستند الى اصالة الإباحة وامّا الحديثان فقد يدّعى ظهورهما فى حليّة كلّ شيء مشتبه بالحرام ما لم يعلم حرمته تفصيلا والّا فلا فائدة فى ذكر قوله ع بعينه فيهما فانّ لفظة بعينه قيد للمعرفة والمؤدّى حينئذ فيهما اعتبار معرفة الحرام بشخصه ولا يتحقّق ذلك الّا اذا امكنت الاشارة الحسيّة اليه فاناء زيد المشتبه باناء عمرو مثلا مجهول باعتبار الامور المميّزة له فى الخارج عن اناء عمرو فليس معروفا بشخصه بحيث يصحّ الإشارة الحسّية اليه فهو محكوم بالحليّة والإنصاف أنّ الحديث الاوّل وهى رواية مسعدة بن صدقة كلّ شيء حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه لا يدلّ على ما ذكر ولا يفيد حليّة المشتبه اذا كان مقرونا بالعلم الاجمالى فانّ لفظ شيء وان كان باطلاقه شاملا لكلّ فرد مشكوك سواء كان الشّك بدويّا او مقرونا بالعلم الاجمالى الّا انّ لفظ تعرف ايضا مطلق ويشمل المعرفة التفصيليّة والإجماليّة والاطلاق الثانى لاظهريّته قرينة لارادة الشّك البدوى من لفظ شيء ويصير المعنى انّ كلّ شيء مشتبه بالشّبهة البدويّة فهو حلال حتّى تعلم حرمته تفصيلا او اجمالا ووجه الأظهريّة أنّ اطلاق الشيء احوالىّ بخلاف اطلاق الغاية فانّه من الاطلاق فى المادّة فان قلت إنّ الاطلاق الاوّل انّما هو بحسب المنطوق بخلاف الاطلاق فى الغاية الدّالة على ارتفاع حكم المغيّى فانّه بالمفهوم قلت قد بيّن فى محلّه انّ دلالة القضيّة على المفهوم لا يقصر عن

٣٦٧

دلالتها على المنطوق مط وانّما الفرق بالتبعيّة فى مقام الدّلالة ولو سلّم فتقديم المنطوق على المفهوم انّما هو فى غير مفهوم الغاية خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من انّ اطلاق الغاية انّما هو بحسب المادّة ولو سلّمنا شمول الرّواية للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى ودلالتها على حليّة كلّ فرد من اطراف الشبهة من حيث انّه مجهول الحرمة بالخصوص وان كانت حرمة احدهما لا بعينه فى الواقع معلومة فنقول انّ المغيّى كما تفيد حليّة كلّ مشتبه بدويّا ام مقرونا بالعلم الاجمالى فكذلك الغاية تفيد حرمة كلّ معلوم الحرمة تفصيلا او اجمالا وذلك لوضوح انّ مرجع الضمير المضاف اليه فى قوله بعينه ليس هو الحرام فيكون المعنى حتّى تعلم انّ الشّيء الحرام بعين الحرام اى حرام مشخّص معيّن كما هو كذلك فى الحديث الثانى وهو رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع بل مرجع الضّمير المضاف اليه فى هذه الرواية هو الشّيء وعليه فقوله حتّى تعلم انّه حرام يشمل العلم التّفصيلى والإجمالي لانّ كلّ شيء علم حرمته فقد علم حرمته بنفسه فاذا حكم بنجاسة اناء زيد وطهارة اناء عمرو واشتبه الإناءان فاناء زيد شيء علم حرمته بنفسه فلفظ بعينه فى هذه الرّواية تاكيد للضّمير الراجع الى الشيء جيء به للاهتمام فى اعتبار العلم كما يقال رايت زيدا بعينه لدفع توهّم وقوع الاشتباه فى الرؤية وتكون انّ مع اسمه وخبره مؤوّلة بالمصدر والمعنى كلّ شيء حلال ظاهرا ما لم تعلم حرمة هذا الشيء بعينه ولا اشكال فى صدق هذا المعنى على معلوم الحرمة بالاجمال كما عرفت ولاجل هذا الصّدق يكون بعينه تاكيدا لما ذكرنا لا تاكيدا للحرام كما فى الرواية الثانية حيث انّ الغاية فيها معرفة الفرد الحرام من الكلّى الّذى علم وجود الحلال والحرام فيه وبالجملة لا اشكال فى انّ بعينه قيد للمعرفة فى الحديثين ولكنّ الظاهر من الاوّل انّه قيد لمعرفة حرمة الشيء وتاكيد لها وتفيد حرمة ما علم حرمته ولو بالاجمال وامّا الحديث الثانى فالظّاهر منه ان بعينه قيد لمعرفة الفرد الحرام فتفيد حليّة كلّ من طرفى العلم الاجمالى وحرمة ما عرف حرمته تفصيلا وتكون فائدة التاكيد الاحتراز عمّا علم حرمته اجمالا والوجدان وفهم العرف اقوى شاهد على عدم صحّة جعل بعينه تاكيدا للضمير المجرور فيه إلّا انّ ابقائه على هذا الظّهور يوجب المنافاة لما دلّ على حرمة ذلك العنوان المشتبه مثل قوله اجتنب عن الخمر فانّ المستفاد من الكتاب والسنّة والاجماع ثبوت احكام واقعيّة يشترك فيها العالم والجاهل وانّ ادلّة الاحكام ناظرة الى المعانى النفس الأمريّة وعلى هذا يستحيل تقييدها بالمعلومات التفصيليّة فانّ مدلول قوله اجتنب عن الخمر مثلا هو وجوب الاجتناب عن كلّ خمر فى الواقع فالمقتضى له موجود مع وجود الخمر فان لم نعلم به مط لم يتنجّز ذلك التكليف فى حقّنا لعذر الجهل شرعا وعقلا وامّا مع فرض وجود العلم بالخمر فى محلّ الابتلاء وثبوت التكليف بالاجتناب من غير تقييد بالعلم التفصيلى لا اشكال فى تنجّز التكليف ويستحيل تقييده بالمعلوم التّفصيلى مع فرض ثبوته فى الواقع مط فثبوت التكليف

٣٦٨

كذلك لا يجامع عند العقل ترخيص الشارع فى الارتكاب وكيف يمكن التّمسك بظاهر خبر يخالف حكم العقل والإجماع فان قلت بعد ورود الترخيص من قبل الشارع لا مانع من رفع الاطلاق بمعنى رفع فعليّة الاطلاق قلت رفع الاطلاق امّا برفع المقتضى وهو موقوف على دعوى وضع الالفاظ للمعانى المعلومة او انصرافها اليه وقد عرفت فسادها وامّا بتقييد الاطلاقات بهذا الخبر مع تسليم وجوب حملها على المعانى النفس الأمريّة وهو محال اذ المفروض دلالة الدليل على وجوب الاجتناب عن الخمر من حيث كونه خمرا من غير تقييد وعلمنا بوجوده فى محلّ الابتلاء فبعد علمنا بالموضوع الواقعى وحكمه الواقعى الثابت بدليله لا يمكن ترخيص الشارع فى الارتكاب وامّا بدعوى نسخ الاحكام الواقعيّة بهذا الخبر وهو كما ترى مع انّه بنفسه يدلّ على ثبوت الحرمة الواقعيّة للأمر المشتبه فإن قلت سلّمنا الاطلاق ولكن مجرّد اطلاق الادلّة وثبوت الاحكام لموضوعاتها فى الواقع لا يوجب تنجّز التكليف كذلك فانّ العذر قد يكون عقليّا وقد يكون شرعيّا فكما انّ الشّك البدوى فى اصل التكليف يمنع عن تنجّز التكليف عقلا مع بقاء الحرام على صفة الحرمة فى الواقع فكذلك فيما نحن فيه لا يكون العلم الاجمالى بثبوت الحكم الواقعى لموضوعه الواقعى مؤثّرا فى تنجّز التكليف لجعل الشارع عدم العلم التّفصيلى عذرا كما هو مدلول هذا الخبر والفرق بين هذا الوجه وسابقه انّ الاوّل تصرّف فى موضوع الحكم والدّليل وهذا تصرّف فى طريق الاطاعة والمخالفة مع تسليم بقاء الموضوع على إطلاقه قلت مع تسليم اطلاق الحكم الواقعى ووجود الحرام كذلك كما هو صريح الخبر المذكور وانّ حكم الشارع بالحرمة ووجوب الاجتناب موجود فى الواقعة فعلمنا بذلك وبمبغوضيّة ارتكابه عنده يناقض دعوى ترخيصه فى ذلك ضرورة استحالة كون الشّيء حراما ومبغوضا ويكون مرخّصا فيه ولا يحسن من الشارع الحكيم بل ولا يمكن اذنه فى فعل ما يوجب مخالفته فبعد تسليم ثبوت الطّلب منه فى الواقع وعلمنا به لا شيء يصلح عذرا لترك امتثال الطّلب المعلوم قوله كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم اجمالا) فيكون الغاية قرينة على اختصاص الصدر بغير صورة العلم الاجمالى قوله (فان قلت انّ غاية الحرام معرفة الحرام بشخصه) هذا ما اعترض به صاحب المدارك على العلّامة قوله (وهو ممّا يشهد الاتّفاق والنصّ على خلافه) لا يتوهّم انّ المراد من النصّ هو دليل الحكم الواقعى كقوله اجتنب عن الخمر لانّ بعد تسليم ظهور الصحيحة فى الحليّة الظّاهريّة وجواز ارتكاب كلا المشتبهين تكون حاكمة عليه بل المراد هو الادلّة الدّالة على ثبوت احكام واقعيّة يشترك فيها العالم والجاهل غير الادلّة المثبتة لتلك الاحكام كما أوضحناه ويؤيّده ما ذكره بقوله حتّى نفس هذه الأخبار ومن ذلك يظهر انّ غرضه قدس‌سره ممّا ذكره فى وجه عدم ابقاء الصحيحة على ظهوره هو التنافى بين

٣٦٩

الحكمين بحكم العقل واستقلاله بقبح تجويز الشّارع المخالفة بل استحالته مع علم المكلّف بقوله اجتنب عن الخمر لا انّ نفس قوله اجتنب عن الخمر يدلّ على خلاف ما دلّ عليه الصحيحة ويكون منافيا لها بمدلوله الّا ان يقال انّ المراد من النصّ الدالّ على خلاف الصحيحة هو نفس قوله اجتنب عن الخمر لكن بضميمة حكم العقل بالمنافاة ولكنّه بعيد عن ظاهر العبارة ثمّ أنّ الوجه فيما ذكرنا من حكومة الصحيحة على ادلّة الاحكام الواقعيّة بالنّظر الى انفسهما هو انّه لو لا الاتّفاق وثبوت الادلّة على ثبوت احكام يشترك فيها العالم والجاهل كانت الصّحيحة مقيّدة لها وموجبة لاختصاص قوله اجتنب عن الخمر مثلا بالعالم به ولا يكون اجتنب عن الخمر بمدلوله مخالفا لها فتامّل قوله (فان قلت مخالفة الحكم الظاهرىّ للحكم الواقعىّ الخ) توضيحه انّ التّنافى المذكور انّما يستقيم مع دعوى حليّة المشتبه بين الشّيئين فى الواقع فانّ كون الشّيء حراما ومرخّصا فيه لا يمكن مع كون كلّ من الحكمين واقعيّا كما هو كذلك فى صورة العلم التّفصيلى وهذا ليس بمراد بل غاية ما سلّمنا هو كون المشتبه حراما واقعا ولا يابى ذلك عن الحكم بحليّته فى الظاهر اى حال تردّد الحرام بين الشيئين واذا اختلف الموضوعان امكن ان يختلف الحكمان ضرورة عدم استحالة اتّصاف الموضوعين المختلفين بحكمين متنافيين كما هو الحال فى الشبهات البدويّة وفى جميع الاحكام الظاهريّة كالبيّنة ونحوها والجواب أنّ الحكم الظاهرى امّا مجرد العذر ونفى العقاب كما فى الشبهات البدويّة مع عدم التمكّن من تحصيل العلم او مجعول ثانوىّ للشّارع بدلا عن الواقع او طريقا إليه فإن أريد بالحكم الظاهرى فى المقام ثبوت العذر للجهل بالحكم فقد عرفت انّ العقل بعد العلم الاجمالى بوجود الحرام فى محلّ الابتلاء لا يعذر المكلّف ويرى لزوم الاطاعة كالعلم التفصيلى وليس للشارع ايضا ان يجعله عذرا مع فرض اطلاق حكمه فى الواقع لانّ طريق الاطاعة والعصيان منوط بنظر العقلاء ولا يمكن ان يكون مجعولا له فمع اخذهم لمثل هذا العلم طريقا ليس للشّارع ان يتصرّف فيه نعم له ان يتصرّف فى حكمه المجعول ومتعلّقاته بتقييده بغير صورة العلم الاجمالى وهو خلاف الفرض ومنه يعلم الامتناع ايضا ان اريد بالحكم الظاهرى فى المقام كونه طريقا وان أريد به ما يكون بدلا عن الواقع ففيه انّ تصوير البدليّة انّما هو قبل حصول العلم مط تفصيلا او اجمالا وسواء تمكّن المكلّف من تحصيله ام لا كالبيّنة واليمين واليد وفعل المسلم ونحوها من الامارات الشرعيّة القائمة مقام العلم مط والقائمة مؤدّياتها مقام الواقع وهذا خارج عمّا نحن فيه لانّ المفروض انّما هو بعد العلم وأمّا بعد حصول العلم فمع العلم التّفصيلى لا يتصوّر جعل البدل لما تقدّم فى صدر الكتاب من انّه تناقض فانّ المفروض معاينة الواقع وامّا مع العلم الاجمالى فيمكن ذلك لبقاء الاشتباه فى الجملة ويكون البدل على فرض فوت الواقع تداركا له والمفروض فى المقام هو المخالفة القطعيّة وعدم الالتزام بالبدل والبدليّة فى المقام انّما هى

٣٧٠

الاجتناب عن احد الإناءين عند ارتكاب الآخر كى يكون الباقى بدلا عن الحرام الواقعى على تقدير ارتكابه وهو خلاف الفرض ومع ارتكاب الكلّ لا بدل ويفوت الواقع بلا مانع عقلى ولا شرعى وليس هذا الّا مخالفة بيّنة لحكم معلوم والبدليّة انّما يستقيم مع ارتكاب احدهما وابقاء الآخر على سبيل الموافقة الاحتماليّة قوله (وكذا يجوز للثالث ان يأخذ المال من يد زيد وقيمته من يد عمرو) بل ربما يؤدّى الامر بالنسبة الى الثالث الى العلم التّفصيلى مثل ما لو اجتمع عنده العين والقيمة واشترى بهما امة واراد التمتّع بها قوله (ومنه يظهر انّ الزام القائل بالجواز الخ) لا يخفى انّ ما ذكره بعض الافاضل فى الزام القائل بالجواز من الجمع بين الحلال والحرام خارج عن محلّ الكلام يقينا لانّ الخطاب المتعلّق بالامر المعلوم كان منجّزا قبل ايجاد الاشتباه ومحلّ الكلام هو انّ العلم الاجمالى الغير المسبوق بخطاب تفصيلى منجّز ام لا لا انّ التكليف المنجّز بالاشتباه يرتفع ام لا وامّا ما ذكره المصنّف ره من الخصوصيّة فى صورة ارتكاب المشتبهين للتوصّل الى الحرام فمحلّ نظر لانّ القصد المذكور ليس له مدخل فيما هو محلّ الكلام من تنجّز الخطاب فى العلم الاجمالى الغير المسبوق بالتّفصيلى وعدمه وبعبارة اخرى شمول ادلّة حلّ ما لم يعرف كونه حراما للمشتبهين فى المقام وعدمه لا مساس له ظاهرا بالقصد المذكور قوله (ويظهر من صاحب الحدائق التّفصيل) وقد يؤجّه بانّ الخطاب من دون العلم بتعلّقه بعنوان معلوم يكون كالعدم ويكون العقاب عليه عقابا بلا بيان فانّ الخطابات يتبع العناوين واذا لم يعلم العنوان لا يجدى العلم بمجرّد الخطاب ويكون كلّ من الخطابين بلحاظ اشتباه العنوان مشكوكا بالشّك البدوى فانّ الخطاب اذا لم يتبيّن لم يتنجّز ولا يجب امتثاله ويرجع فيه الى اصالة البراءة لا يقال الحرمة المستفادة من احد الخطابين معلوم تفصيلا ولا يصحّ الرجوع الى الاصل فى مقابل العلم التّفصيلى بالحرمة وان كانت مردّدة فانّه يقال انّ جعل المتعلّق معلوما باعتبار انّه احد الخطابين انّما هو امر ينتزعه العقل وهو مغاير لخطاب الشارع قطعا وليس الّا امرا اعتباريّا محضا واشكل من ذلك ما لو كان الخطابان مختلفين سنخا بأن يكون احدهما ايجابا والآخر تحريما وتعلّقا بعنوانين ليس بينهما جامع قريب يصحّ انتزاعه عنهما الّا مطلق الإلزام والجواب انّه ان اريد عدم وجوب الاحتياط فيه فسيجيء ما فيه وان اريد جواز المخالفة القطعيّة فمن الواضح انّ طريق الاطاعة والمخالفة منوط بنظر العقل والعقلاء ولا يفرّقون فى عدم جوازها بين كون الخطاب معلوما بالتّفصيل او معلوما بالاجمال وما تقدّم من الدليل جار هنا ولذا لو كان اناء واحد مردّدا بين الخمر والغصبيّة لا يجوّزون ارتكابه مع انّه لا يلزم منه الّا مخالفة احد الخطابين لا بعينه وكذا نرى أنّ العرف والعقلاء لا يفرّقون فى الخطاب المردّد بين الخطابين بين ما لو كانا متّحدين فى السّنخ او مختلفين فيما امكن الامتثال.

قوله (لنا على ما ذكرنا انّه اذا ثبت الخ) يستدلّ على وجوب الموافقة القطعيّة مضافا الى دعوى الاجماع والاخبار الكثيرة الآتية الدّالة على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين

٣٧١

بما تقدّم فى حرمة المخالفة القطعيّة تفصيلا من حكم العقل بتنجّز التكليف المعلوم والاجتناب عن كلا المشتبهين والمنشأ هو قاعدة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل الأخروىّ وهى بما اتّفقوا عليه ظاهرا خلافا لبعض المتاخّرين حيث خصّ الحكم بالضّرر المقطوع او المظنون وأمّا من جوّز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام فى المقام فهو ايضا يعترف بالحكم المذكور لكنّه يدّعى دلالة الاخبار على مدّعاه الكاشفة عن عدم احتمال الضرر فى ارتكاب البعض وتقرير دعواه أنّ اصالة الحلّ فى كلّ من المشتبهين جارية فى نفسها ومعتبرة لو لا المعارض لشمول قوله ع كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر وقوله ع كلّ شيء حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه لهما معا ولو لا وقوع المعارضة صحّ اجراء الاصل فى كلّ منهما بمقتضى العموم لكن لمّا علمنا اجمالا بكون احدهما لا بعينه حراما فهذا العلم الاجمالى يمنع عن العمل بالاصل فى كليهما وحيث انّ التّمانع انّما هو فى صورة اجراء الاصلين فالعقل يحكم بالتخيير لكفاية ذلك فى رفع التعارض ولا وجه لطرح كليهما ويجاب كما فى المتن بوجهين الاوّل حكومة قاعدة الاشتغال على قاعدة البراءة والثانى لزوم تساقط الأصلين بعد التّعارض وأورد بعض الفضلاء فى المقام بانّ قاعدة الاشتغال وحكم العقل بلزوم الاحتياط معلّق على عدم ورود الدليل على جواز ارتكاب البعض فاذن الشّارع وارد على حكم العقل المذكور وكيف يكون هذا الحكم مانعا عن اذن الشارع وهذا امر مفروغ عنه وقد ابتنى عليه المصنّف فى موارد والجواب أنّ عدم جريان اصالة الحلّ فى المقام ليس لمجرّد حكم العقل بالاحتياط بل لما أفاده رحمه‌الله في المقام الاوّل من انّ اذن الشّارع فى ارتكاب احد المشتبهين فى العلم الاجمالى انّما يجوز مع جعل الآخر بدلا عن الواقع وسيتّضح هذا فى جوابه عن التّمسك بالاخبار لجواز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام والمنع عنه ويصرّح بانّ الاخبار امّا ان لا يشمل شيئا من المشتبهين وامّا ان يشملهما جميعا وبالجملة انّ اطراف الكلام بيان للمرام قوله (فان قلت قوله كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام) لمّا كان الجواب الثانى عن السؤال السابق انّ مقتضى الاصل فى تعارض الاصلين هو الحكم بالتساقط لا التّخيير كانّه اراد ان يقول لا حاجة الى اثبات التّخيير من الخارج حتّى يمنع ويقال مرجع تعارض الأصلين هو التساقط لا التخيير بل نفس الحديث يدلّ بالالتزام على جواز البناء على التخيير والحكم بحليّة احد المشتبهين اذ لمّا بنينا على كون المشتبه هو الموضوع المحلّل يجوز البناء على كون جميع الشبهات البدويّة حلالا اذ احتمل خمريّتها بخلاف الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى فانّ البناء على حليّة احدهما المستلزم للبناء على كونه خلّا ينافى البناء على كون الآخر ايضا خلّا بل لا بدّ حين البناء على كون احد المشتبهين موضوع الحلّ البناء على كون الآخر موضوع الحرمة وهذا معنى التّخيير الدالّ عليه الخبر التزاما والحاصل انّه اراد اثبات امرين الاوّل انّ هذا التّخيير يستفاد من نفس الحديث والثانى انّ هذه الدلالة انّما هى بالالتزام العقلى لا من جهة استعمال اللفظ فى التخيير حتّى يكون لفظ الحلال مستعملا فى معنيين التعيين والتخيير.

٣٧٢

قوله (لا وجوب البناء على كونه هو الموضوع المحلّل) وذلك لانّ الاصول انّما هى لتشخيص الحكم الفرعى الظاهرى وليست من الادلّة الاجتهاديّة الحاكية عن الواقع حتّى يثبت معها موضوعاتها ولو كانت الاصول مثبتة لموضوعاتها لكانت مثبتة ايضا للوازمها وملزوماتها وملازماتها وليس كذلك ألا ترى انّهم يحكمون بطهارة الملاقى لاحد المشتبهين بالنّجس مع الحكم بلزوم الاجتناب عنهما وسرّه انّ الظاهر من الاخبار المذكورة فى ادلّة الاصول هو مجرّد البناء العملى ولو سلّم ثبوت موضوعاتها ايضا كما فى حمل فعل المسلم على الصّحة فذلك لا يدلّ على ثبوت اللوازم مط فالبناء على كون احد المشتبهين خلّا لا يثبت كون الآخر خمرا فانّه من اللوازم العقليّة لوضوح انّ مع وحدة الشّك فى الشبهة المحصورة اذا حكم بحليّة احد المشتبهين والبناء على كونه خلّا فلازمه عقلا البناء على كون الآخر هو الخمر والحاصل انّ المقتضى للاحتياط موجود فانّ الدليل المثبت للحكم الواقعى بعمومه شامل للعنوان المشتبه ومع شموله فالعقل يحتمل ان يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعى وبقاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل يحكم بالاجتناب عن كلّ واحد منهما ولا مانع من تأثير المقتضى اذ ليس فى الاخبار لاجل عدم دلالتها الّا على جواز البناء على حليّة محتمل التحريم ما يصلح للمنع عن تأثير المقتضى لانّ الامر دائر بين المخالفة القطعيّة والتخيير بمعنى البناء على حليّة احد المشتبهين لا بعينه والبناء على حليّة احدهما المعيّن ووجوب الاجتناب عن الكلّ اى الموافقة القطعيّة أمّا الوجه الأوّل فالكلام بعد تسليم بطلانه كما تبيّن بما لا مزيد عليه فى المقام الاوّل وامّا الثانى فقد عرفت انّ الامر بالبناء بحليّة احد المشتبهين ليس امرا بالبناء على كون الآخر هو الحرام وامّا الثالث وان كان لدلالتها عليه وجه الّا انّ التّعيين بعد الاشتباه يحتاج الى الدليل وبدونه يلزم الترجيح من غير مرجّح فلم يبق الّا الوجه الرّابع فان قلت يمكن اثبات التخيير بانضمام دليل الحرمة واصالة الحليّة اى العلم الاجمالى مع الخبرين المتقدّمين فانّهما دلّا بظاهرهما على جواز ارتكاب الجميع لكن لمّا علمنا بعدم تجويز الشارع له بواسطة دليل الحرمة الواقعيّة والعلم الاجمالى بالبيان المتقدّم فلا بدّ فى صرف الخبرين عن ظاهرهما ورفع اليد عن عموم الرّخصة فيهما بمقدار ما يوجب رفع العلم الاجمالى ويكفى فى ذلك ابقاء احد المشتبهين وارتكاب الأخر فالتّخيير وان لم يكن مدلولا للرواية الّا انّه مقتضى الجمع بين الدّليلين قلت بعد فرض تسليم ما ذكرت فى الرّواية الأولى انّ هذا انّما يستقيم مع عدم احتمال آخر غير التخيير بعد الفرار عن المخالفة القطعيّة وليس كذلك لامكان الجمع بالقرعة او البناء على وجوب الاحتياط مع قيام المقتضى له وصرف الروايتين الى غير مورد العلم الاجمالى وبالجملة مجرّد حرمة المخالفة القطعيّة لا يثبت التّخيير لقيام احتمالين آخرين.

قوله (وامّا لما ذكره بعضهم) هو النراقى فى المناهج.

قوله (والجواب عن هذا الخبر انّ ظاهره جواز التصرّف فى الجميع) اقول انّ ظهوره فى جواز التصرّف فى الجميع ممنوع لانّ محلّ السؤال والجواب هو الإنفاق والتقلّب فى المال وامّا

٣٧٣

التصرّف بالامساك فهو مسكوت عنه فلا داعى للمستدلّ الى صرف الخبر عن ظاهره فانّ مدّعاه جواز التصرّف فى البعض والخبر بظاهره دالّ عليه غاية الامر لا يفيد تمام مراده وهو المنع عن مقدار الحرام ويمكن له التّتميم بالاجماع المركّب والمنع عن خصوص مقدار الحرام لاستقلال العقل بقبح الأذن فى المخالفة القطعيّة لكونه اذنا فى ارتكاب الحرام الواقعى مع انّ حمل الحرام فى الخبر على الربا بعيد لانّ ظاهر اخبار حليّة الرّبا المأخوذ جهلا قبل سماع آية التحريم حليّته ولو لم يحصل الخلط كما هو واضح لمن راجع إليها إلّا ان يقال انّ مراده قدس‌سره ليس الحمل على نفس الربا بل المراد حمله على حرام آخر كالرّبا وكما يكون الاخبار الواردة فى حليّة الربا المأخوذ جهلا كاشفة عن اخذ العلم التّفصيلى فى موضوع الحرمة واقعا ويعلم منها انّ معروض الحرمة الرّبا المعلوم تفصيلا فكذلك يجعل هذا الخبر كاشفا عن انّ الحرام المفروض فيه كان ممّا يعذر فيه الجاهل بالمعنى المذكور قوله (امّا من الاخذ به وتجويز المخالفة القطعيّة) والمفروض بطلانه عند الطرفين والكلام فى المقام الثانى الّا اذا حمل على حرام خاصّ يعذر فيه الجاهل فلا تغفل قوله (فالخروج بهذه الاصناف من الأخبار عن القاعدة الخ) قد تقدّم انّ حكم الشارع بجواز ارتكاب ما هو مظنون الضّرر او محتمله ليس تخصيصا فى حكم العقل بل اذن الشارع يرفع صغرى حكم العقل بوجوب الدفع لانّ اذنه كاشف عن مصلحة يتدارك بها الضّرر او يرجع الى بدليّة الحكم الظّاهرى عن الواقع فعدم رفع اليد عن حكم العقل بهذه الاخبار ليس من جهة لزوم التخصيص فى حكمه وهو غير جائز بل لاجل عدم دلالة الأخبار مع انّ المدرك للزوم الاجتناب عن كلا المشتبهين هو حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل لا انّ دفع الضرر المقطوع به متوقّف على الاجتناب عن كليهما وعبارة المتن فى افادة الأمرين لا تخلو عن مسامحة قوله (لكنّه معارض بمثل خبر التثليث وبالنبويّين) الظاهر انّ المراد منهما المرسل وما قبله من قوله ص ما اجتمع الحلال والحرام الخ قوله لو فرض عمومه للشّبهة الابتدائيّة فيسلم تلك الادلّة فتامّل) وفى بعض النّسخ المصحّحة تعقيب هذا الكلام بقوله فتامّل ويكون اشارة الى جملة من المناقشات الواردة على ما ذكر منها إنّ خبر التثليث على فرض دلالته يكون من قبيل حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل وما دلّ على البدليّة رافع لاحتمال الضّرر فهو وارد على خبر التثليث لا معارض له ومنها إنّ دليل البدليّة لا يكون حاكما على الادلّة الدّالة على الاجتناب عن عنوان المحرّم الواقعى فانّه ان اراد من تلك الادلّة ما دلّ على تحريم العنوان الواقعى فمن الواضح انّه لا يدلّ على وجوب الاحتياط حتّى يصير دليل البدليّة حاكما عليه ضرورة انّ وجوب الاطاعة بالاحتياط لا يعقل ان يراد من دليل تحريم الشّيء فانّه حكم عقلىّ متفرّع على وجود الامر والنهى من الشّارع كما هو الشّأن فى جميع ادلّة مراتب الإطاعة وان اراد منها حكم العقل بوجوب الاحتياط فما دلّ على البدليّة ليس حاكما عليه بل وارد عليه لانّ حكمه بوجوب

٣٧٤

الاحتياط انّما هو من جهة احتمال الضرر فى كلّ مشتبه ومن ذلك يظهر عدم الحكومة ايضا لو اراد من تلك الادلّة ما دلّ على حرمة العنوان الواقعى بملاحظة حكم العقل بوجوب الاحتياط فما جعله محكوما بالنّسبة الى ما دلّ على البدليّة لا دلالة فيه على وجوب الاحتياط اصلا وما يدلّ عليه يكون مورودا بالنّسبة إليه ومنها أنّه كيف حكم بانّ خبر التثليث مخصّص لما دلّ على البدليّة مع انّه ان كان هو الاخبار العامّة الدّالة على الحليّة مط كان خبر التثليث معارضا لها بالتّعارض التّباينى لو سلّم التعارض بينهما وانّه لا يفيد الطلب القدر المشترك وذلك لشمول خبر التثليث للشبهة الحكميّة ايضا وان كان هو الاخبار الخاصّة مثل ما ورد فى الربوا ونحوه فلا اشكال فى كونها اخصّ مط من خبر التثليث ومنه يظهر أنّه ان كان المراد تخصيص ما دلّ على البدليّة بخصوص النبويّين كان الاشكال واردا ايضا لانّ الاخبار الواردة فى الموارد الخاصّة اخصّ مط منهما فانّهما واردين فى مورد العلم الإجمالي مطلقا من غير اختصاص بمورد خاصّ وتلك الاخبار واردة فى موارد خاصّة فتدبّر قوله منها ما ورد فى الماءين المشتبهين) وهو موثّقة سماعة وعمّار عن رجل معه إناءان وقع فى احدهما قذر ولا يدرى ايّهما هو ولم يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما ويتيمّم وقد افتى الاصحاب على وجوب الاجتناب عن استعمالها فى رفع الحدث والخبث وعليك بمراجعة المسألة فى الفقه حتّى تطّلع على الحكم المذكور فى الموثّقة قوله (وقد يستانس له بما ورد من وجوب القرعة) والعجب من بعض افاضل المحشّين حيث اعترض على المصنّف بانّ الاستيناس به لوجوب الاحتياط عن جميع الغنم قبل القرعة معارض بالاستيناس به لقول الخصم لانّه يدلّ على جواز الارتكاب فى الجملة فالحقّ انّه لا دخل له باحد القولين مع انّ جواز الارتكاب انّما هو بعد القرعة والكلام فى اطراف الشّبهة بنفسها مع قطع النظر عن دليل آخر نعم هنا كلام اعترف به المصنّف وهو عدم حجيّة القرعة فى المقام لاعراض المشهور عن الرواية ومن المقرّر فى محلّه انّ عمومات القرعة من جهة كثرة ورود التخصيص عليها موهونة وانّما يعمل بها فى كلّ مورد انجبر وهنها بعمل جمع من الأصحاب.

قوله (كما يدلّ عليه تاويلهم لصحيحة علىّ بن جعفر) وهى ما عن رجل امتخط فصار الدم قطعا صغارا فاصاب انائه هل يصلح الوضوء منه فقال ان لم يكن شيء يستبين فى الماء فلا بأس حيث استدلّ به الشّيخ على عدم تنجيس ما لا يدركه الطرف من النجاسة مطلقا كما عن المبسوط او خصوص الدم كما عن الاستبصار وأوّله الاصحاب بانّ المراد بعدم الاستبانة فى الماء عدم العلم باصابته للماء لا عدم ادراك الطّرف ويعلم من ذلك انّ ما حكاه صاحب المدارك عن الاصحاب فيما لو تعلّق الشّك بوقوع النجاسة فى الإناء وخارجه من جواز استعماله ليس مختصّا بغير المحصور ولا ينافى قولهم بوجوب الاحتياط فى المحصور مطلقا سواء كان المشتبهان مندرجين تحت حقيقة واحدة ام لا لانّ مسئلة الاناء على تاويلهم خارجة عن الفرض فانّ الشرط فى ايجاب العلم الاجمالى للاحتياط كون جميع اطرافه محلّا للابتلاء فلو خرج بعضها عن محلّ الابتلاء لم يؤثّر العلم المذكور كما فى المثال لانّ خارج الاناء خارج عن محلّ الابتلاء كما لا يخفى.

٣٧٥

قوله (فيه وجهان بل قولان أقواهما الاوّل) اعلم انّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر حتّى فى مقطوعه سواء كان دنيويّا او اخرويّا حكم ارشادىّ لا يؤثّر مخالفته فى استحقاق العقوبة وامّا حكم الشرع به فاذا كان الضرر اخرويّا كان الحكم بوجوب الدفع ارشاديّا وامّا اذا كان دنيويّا كان الحكم المذكور مولويّا وان كان مستكشفا من حكم العقل الارشادى فى مورده والسرّ أنّ الحكم المولوى ما يستحقّ تاركه العقاب لمجرّد مخالفته وهذا ثابت فى حكم الشّارع بحرمة الضّرر الدّنيوى والنّهى عنه وامّا حكمه بالاجتناب عن العقاب والضّرر الأخروىّ فلا يوجب لتاركه عقابا آخر والّا لتسلسل فان قلت سلّمنا انّ حكم العقل فى باب الضّرر مط وحكم الشرع فى الضّرر الاخروىّ ارشادىّ ويترتّب عليه عدم العقاب على ارتكاب الشبهة الّا على تقدير مصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعى لكن ما الوجه فى حكم الاصحاب باستحقاق العقاب على ترك دفع الضّرر الدنيوىّ المظنون شرعا كما يظهر ذلك من حكمهم بالاتمام فى السفر المظنون الخطر قلت أجاب المصنّف عن هذا بانّ الاحكام الظاهريّة والطرق المعتبرة ليست احكاما ارشاديّة وكما انّ العقاب ثابت على مخالفة الاحكام الواقعيّة كذلك يكون ثابتا على مخالفة الاحكام الظاهريّة والعقاب فى المثال المذكور لاجل انّ الضّرر الدنيوى حرام شرعا وقام الدليل على حجيّة الظّن المتعلّق به وكونه طريقا شرعيّا اليه كسائر الطّرق والامارات المعتبرة شرعا والظّن بالضّرر يكون كالعلم به الّا انّ العلم طريق ذاتىّ والظّن طريق جعلىّ فالضّرر الدنيوىّ مبغوض عند الشّارع وحرام بالحرمة النفسيّة وموضوع لانشائه حكم الحرمة عليه كسائر الموضوعات المحكومة شرعا بالحرمة وكما انّ الشارع جعل طرقا اليها ويستحقّ المكلّف العقوبة بترك العمل بها كخبر الواحد والبيّنة واليد وسوق المسلم وحمل فعله على الصّحة من الامارات المجعولة بدلا عن الواقع فى صورة عدم العلم به كذلك جعل الظّن بالضّرر طريقا اليه بحيث يعاقب على ترك العمل بمقتضاه فالمقدم على الضّرر المظنون كالمقدم على الضرر المقطوع كما لو ظنّ سائر المحرّمات بالامارات المنصوبة لها من الظّنون المعتبرة لانّ مطلق الظّن طريق مجعول فى باب الضّرر الدّنيوى وهذا بخلاف الضّرر الاخروىّ فانّه على تقدير ثبوته لا يترتّب على ترك دفعه الّا نفسه حتّى انّه لو قطع به ولم يدفعه واتّفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه الّا من باب التجرّى على القول به والحاصل انّ ثبوت العقاب فى المثال لاجل مخالفة الحكم الظاهرى أقول لو ثبت انّ الاقدام على مظنون الضرر حرام شرعا واقعا كما استدلّ له بعض بآية التهلكة صحّ ما ذكروه والّا فما افاده المصنّف فيه أوّلا أنّ للمنع عن ثبوت استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الظاهرى مطلقا مجالا ولو سلّم فهو فيما يكون له جهة موضوعيّة لا فيما لم يلاحظ فيه الّا الطريقيّة والملازمة بين استحقاق العقاب والطلب الشرعى المولوى مطلقا ممنوعة نعم يتمّ هذا بناء على استحقاق العقاب للتجرّى ولكنّ المصنّف لا يقول به وثانيا أنّ هذا يوجب كون الظّن المعتبر اقوى فى استحقاق العقاب من العلم فانّ مخالفة القطع الطريقى لا يؤثّر فى استحقاق

٣٧٦

العقوبة على تقدير عدم المصادفة الّا على القول بحرمة التجرّى وثالثا أنّ هذا يوجب تعدّد العقاب على تقدير مصادفة الطريق للواقع لتعدّد السبب وهو الطلب الواقعى الشرعى المولوى والطلب الظاهرى كذلك ورابعا أنّ اعتبار الظّن بالضّرر الدنيوى لم نعثر فيه على دليل نقلىّ بالخصوص نعم قد اتّفقت عليه كلمة الفقهاء وذكر المصنّف فى الامر الرابع من تنبيهات دليل الانسداد انّه لا يبعد اجراء نظير دليل الانسداد فى موضوع الضرر الدنيوىّ فالامر بسلوكه حينئذ إنّما هو من حيث الارشاد وادراك الواقع ولا معنى للحكم باستحقاق العقاب على مخالفته ولو على تقدير الكشف فتامّل قوله (نعم لو شكّ فى هذا الضّرر يرجع الى اصالة الإباحة) هذا فرق آخر بين الضرر الدنيوى والاخروى فانّ الضّرر الدنيوى ممّا يصلح لترخيص الشارع بالأقدام عليه وان كان مقطوعا اذا فرض فيه مصلحة أخرويّة كقتل النّفس فى طريق الجهاد او بذل المال للزيارة مثلا فانّه ح يكون كالكذب النّافع صالحا لتبدّل الحكم بواسطة عروض عنوان آخر فلو شكّ فيه يرجع الى اصالة الاباحة وعدم وجوب دفعه لعدم استحالة ترخيص الشارع بالاقدام عليه لمصلحة غالبة عليه ولو كانت تسهيل الامر على المكلّف بخلاف الضرر الاخروىّ فانّه على تقدير ثبوته لا يحسن من الشارع التّرخيص فيه نعم للشارع ان يتصرّف فى سببه برفع اليد عن الواقع او جعل بدل له وهو معدوم بالفرض فيما نحن فيه قوله (فان قلت قد ذكر العدليّة فى الاستدلال على وجوب الخ) حاصله انّ قولكم الضّرر الاخروى لا يترتّب على ترك دفعه الّا نفسه وتابع لواقعه لا يثبت بمجرّد احتماله يخالف ما ذهب اليه العدليّة فى مسئلة وجوب شكر المنعم والجواب أنّ حكمهم بذلك انّما هو لاجل مصادفة الاحتمال للواقع فى هذه المسألة واعلم أنّ الاشاعرة والعدليّة من الاماميّة والمعتزلة بعد اتّفاقهم على وجوب المعرفة اختلفوا فى انّ الحاكم به هو العقل او الشرع خاصّة وانكرت الاشاعرة حكم العقل بوجوبها امّا لانّ العقل لا يدرك شيئا اصلا من الحسن والقبح حتّى فى الظلم وردّ الوديعة ونحوهما وامّا لانّه لا حكم له فى خصوص هذه المسألة وانّه لا يحكم بوجوب اللّطف على الله تعالى بحيث يقبح تركه ولا يحكم بوجوب الشكر على العبد بحيث يستحقّ العقاب على تركه وذهبوا إلى انّه لو ثبت عقاب على ترك الشكر كان لاجل مخالفة حكم الشّرع بذلك واستدلّ العدليّة على وجوب المعرفة باستقلال العقل بوجوب شكر المنعم المتوقّف على معرفته بحيث يستحقّ تاركه الذّم والعقاب والجميع معترفون باستحقاق تارك الشكر للعقاب بمجرّد الالتفات والاحتمال بمعنى انّه اذا قطع بعدم وجوب الشكر او لم يلتفت اليه اصلا فهو معذور غير مكلّف بشيء لا عقلا ولا شرعا امّا مع الالتفات وعدم القطع بالخلاف فمكلّف بالشكر ولا يتمّ الّا بالمعرفة الّا انّ الخلاف فيما عرفت من انّ الحاكم هو العقل او الشرع وبالجملة انّ القول بعدم استحقاق العقوبة والمؤاخذة على مجرّد المخالفة لحكم العقل الارشادى لا ينافى جعل العدليّة ثمرة حكومة العقل بوجوب شكر المنعم استحقاق العقوبة على ترك الشكر المفضى الى ترك المعرفة فانّ القول المذكور

٣٧٧

انّما هو مع قطع النظر عن الواقع فى مورده لا على مخالفة الواقع فيما صادفة الحكم العقلى الارشادى ونظير هذا القول من العدليّة فى وجوب المعرفة ما قيل فى وجوب النظر فى معجزة من يدّعى النبوّة مع ثبوتها فى الواقع فانّ ثمرة حكم العقل بوجوب النظر من جهة حكمه ارشادا بوجوب دفع الضرر المحتمل هو استحقاق تارك النظر للعقوبة مع بلوغ دعوة النّبى اليه واحتمال صدقه فى دعواه من حيث تماميّة الحجّة فى حقّه قوله (وقد يتمسّك لاثبات الحرمة فى المقام بكونه تجرّيا) وقد يتوهّم ثبوت العقاب بارتكاب احدهما ولو لم يصادف الحرام بالتّمسك بوجه آخر ويلزم قبل توضيحه من بيان امر وهو انّه سيجيء فى خاتمه البحث عن البراءة والاشتغال انّ الاخذ بالبراءة مع ترك الفحص يستحقّ العقاب والجاهل المقصّر فى التعلّم غير معذور والمشهور على انّ استحقاق العقاب انّما هو على مخالفة الواقع لو اتّفقت وخالف فيما ذكرنا صاحب ك تبعا لشيخه المحقّق الاردبيلى وتبعهما جماعة حيث جعلوا عقاب الجاهل على ترك التعلّم لقبح تكليف الغافل وقد يستظهر من عبائرهم انّ العلم بالاحكام واجب نفسىّ والعقوبة على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه الى المعصية وبعد ذلك فاعلم انّه قد يقال انّ من قال بوجوب تعلّم الجاهل للاحكام الشرعيّة وجوبا نفسيّا مستقلّا يلزمه القول بوجوب تحصيل العلم عند امتثال تلك الاحكام وتفريغ الذمّة عنها بعد العلم بثبوتها فى نفس الامر وجوبا شرعيّا مولويّا فيكون الاجتناب عن كلّ من المشتبهين واجبا نفسيّا بحيث يكون المرتكب لكلّ منهما مرتكبا لحرام شرعىّ يعاقب عليه والجواب أنّ العلم لا يصلح للجعل والاتّصاف بالوجوب الشرعى الّا اذا اخذ على وجه الموضوعيّة ووجوب تعلّم الاحكام نفسيّا على المكلّف عند القائل به من هذا القبيل كالشّك والنسيان اذا جعلا موضوعين لحكم شرعىّ وما نحن فيه ليس من هذا القبيل قطعا لعدم تعلّق جعل لا من الشرع ولا من العقل بهما كذلك والاخبار الدّالة على وجوب تحصيل العلم بالاحكام ظاهرة فى كونه واجبا غيريّا مضافا إلى اخبار دالّة على مؤاخذة الجهّال بفعل المعاصى المجهولة الظاهرة فى استحقاق العقاب على نفس مخالفة الواقع ولو سلّم فلا تدلّ على المقام باحدى الدّلالات والامر العقلى بلزوم الاجتناب عن جميع اطراف الشبهة وكذلك اخبار الاحتياط ليس الّا ارشاديّا واضعف من الجميع التّمسك بالاستصحاب وسيجيء إن شاء الله الله تعالى بيانه والجواب عنه فى الشبهة الوجوبيّة قوله (كما افتى به فى التذكرة) قال فيما لو ظنّ ضيق الوقت عصى لو اخّر ان استمرّ الظّن وان انكشف خلافه فالوجه عدم العصيان انتهى.

قوله (كما يوضح ذلك النّبويان السّابقان) وهما قوله صلوات الله عليه اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس وقوله من ارتكب الشبهات وقع فى المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم قوله (وكذا لو كان ارتكاب الواجد المعيّن ممكنا عقلا) وهذا الثالث اسّسه المصنّف ظاهرا اذ لم يوجد فى ظواهر كلماتهم فى باب شرائط

٣٧٨

التكليف ذلك وما ذكره قدس‌سره حقّ لا محيص عنه وعدم ذكرهم له لا يدلّ على منعهم مع ما نرى من مسائل كثيرة غير معنونة فى كلماتهم ويشهد له الموارد الّتى علمنا بحكمهم بعدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة ومن الواضح عدم كونها خارجة بالدليل الخاصّ والحكم العقلى بقبح المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة فى الشبهة المحصورة لا يقبل التخصيص والدليل على اشتراطه ما افاده بقوله والحاصل قوله (الّا انّ تشخيص ذلك مشكل جدّا نعم يمكن ان يقال) اعلم انّه لمّا كان تشخيص المعيار المذكور مشكلا فالصّواب تأسيس اصل يرجع اليه عند اضطراب العرف فى الحكم وتشخيص محلّ الابتلاء فنقول قد يعلم بوقوع كلّ منهما محلّا للابتلاء وقد يعلم بعدم وقوع احدهما محلّا للابتلاء بحيث يقبّح العرف توجيه التكليف من غير تعليق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطّعام النجس الموضوع قدّام امير البلد مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلّف به وان لم يكن محالا عقلا وقد لا يعلم الابتلاء وعدمه فيشكّ فى قبح التّنجيز وعدمه كما فى مثال الثوب والارض مع عدم استبعاد ابتلاء المكلّف به فى السّجود والتيمّم وان لم يحتجّ اليه فعلا وهذا محلّ تامّل ففى الصّورة الأولى يجب الاجتناب قطعا وفى الثانية لا يجب قطعا وفى الثالثة وجهان من انّ التكليف قد ثبت اشتراط تعلّقه بالمكلّف وتوجيهه اليه بكون موضوعه محلّا لابتلائه ولمّا علم التقييد بهذا القيد فلو تحقّق القيد حكم بتنجّز التكليف والّا يرجع الى اصالة البراءة عن وجوب الاجتناب لعدم تحقّق التكليف لانّ الشّك فى الشرط يوجب الشّك فى المشروط ويكون الشّك فى تحقّق الابتلاء عين الشّك فى توجّه التكليف ومن انّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء فى موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلّق بالابتلاء فما ثبت عدم كونه محلّا للابتلاء يقيّد الاطلاق به وما لم يثبت يجب الاجتناب عنه عملا بمقتضى الاطلاق وتحقيق الحال يبتنى على توضيح المقال فاقول وعلى الله الاتّكال إنّه لا اشكال عند الشّك فى اصل تخصيص العامّ وتقييد المطلق فى الرجوع الى عموم العامّ واطلاق المطلق عند احراز مقدّمات التّمسك به واذا علم بالتخصيص والتقييد وحصل الشّك بالشبهة المفهوميّة بان كان الخاصّ والقيد مجملا من جهة المفهوم وعدم العلم بالمراد من لفظ التخصيص والتقييد وكان اجمال المفهوم من جهة تردّده بين الاقلّ والاكثر كما هو الغالب فإن كان منفصلا صحّ التّمسك بالعام والمطلق لعدم سراية اجماله الى العام لا حقيقة ولا حكما فانّ العامّ بواسطة الوضع والمطلق بواسطة المقدّمات استقرّ له الظّهور فى الشمول وهذا الظهور لا يرتفع الّا ان يقوم على خلافه ما هو اقوى منه ظهورا فيقدّم عليه وان كان متّصلا لم يصحّ ويسرى الاجمال الى العامّ والمطلق فانّ المتكلّم ما لم ينته كلامه لم يثبت له ظهور ولم يتمّ له دلالة ومع احتفافه بما يتردّد بين الاقلّ والاكثر لا يكون له ظهور بالنّسبة الى الاكثر وإذا كان اجمال المفهوم من جهة تردّده بين المتباينين فامّا ان يكون المخصّص والمقيّد متّصلا وامّا ان يكون منفصلا وفى الاوّل يسرى الاجمال حقيقة لما اشرنا إليه وفى الثانى كذلك امّا حكما لا

٣٧٩

حقيقة فانّ المفروض استقرار الظهور للعامّ والمطلق لكن هذا الظهور قد خصّص باحد المتباينين ولا يعلم انّه ايّهما والتّمسك به بالنسبة الى احدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح فلو قال اكرم النحاة ثمّ قال لا تكرم الزّيدين وشكّ فى انّ المراد به هل هو المسمّى بالزّيدين او الفرد ان المسمّى كلّ واحد منهما بزيد فلا وجه للتمسّك بعموم الباقى فى احدهما فانّ الخاصّ حجّة قائمة على هذا المفهوم المردّد واذا حصل الشّك بالشبهة الموضوعيّة وكان الخاصّ مجملا بحسب المصداق سواء كان الشّك فى وجود المخصّص او القيد ام فى كون الموجود من الخاصّ او من الباقى تحت العامّ فإن كان متّصلا بالعام فلا يصحّ الرّجوع الى العامّ والمطلق وذلك لوضوح عدم تعلّق الشّك بالمراد من اللفظ كى يتمسّك باطلاقه او عمومه ويرجع فى الصورتين الى الاصول العمليّة وان اقتضت وجود القيد والشرط كما اذا كان مسبوقا بالوجود وان كان منفصلا فالمنسوب الى المشهور جواز التّمسك بالعام والمطلق فلو قال اكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم الفسّاق منهم وفرضنا انّ الفسق مبيّن من جهة المفهوم وشككنا من جهة الامور الخارجيّة فى زيد هل هو فاسق حتّى يكون من افراد الخاصّ ام غير فاسق حتّى يكون من افراد العامّ صحّ التّمسك بالعام والحكم بانّه من افراده الباقية وغاية ما يمكن ان يستدلّ به لهم هى انّه اذا صدر العامّ او المطلق عن المولى استقرّ له الظهور فى العموم والخاصّ لم يكن له ظهور بالنّسبة الى هذا الفرد المشتبه فلا يعارض العامّ فى شموله لهذا الفرد وبالجملة اذا كان البناء فى الخاصّ المنفصل المجمل مفهوما على العمل بالعامّ بالنّسبة الى الاكثر فليكن فى الخاصّ المنفصل المجمل مصداقا كذلك فانّ فى مقام الاثبات يشمل خطاب اكرم العلماء لزيد المردّد بين الفاسق والعادل وخطاب لا تكرم الفسّاق منهم لا يشمله فيكون العامّ بمقتضى اصالة الظهور حجّة بالنّسبة الى الفرد المشتبه ولا يكاد يرفع اليد عن هذا الظهور الّا بعد قيام الحجّة على خلافه والمفروض عدمها نظير ما يقال فى التّخصيص بالمنفصل من الشبهة المفهوميّة هذا وبطلانه واضح فانّ ملاك حجيّة اصالة الظهور هو حكم اهل المحاورة بلزوم اتّباعها وبالرّجوع اليهم نرى انّهم لا يحكمون بلزوم متابعة هذا الظهور فانّهم بعد الظفر بالمخصّص يرون انّ المحكوم بوجوب الاكرام هو العالم الغير الفاسق والمحكوم بحرمة الاكرام هو العالم الفاسق والفرد المشتبه لم يعلم اندراجه تحت العامّ بل هو مردّد بين كونه مندرجا تحته او تحت الخاصّ وهذا بخلاف ما هو ديدنهم فى الخاصّ المنفصل المجمل مفهوما حيث لم يكن له ظهور عندهم الّا بالنسبة الى الاقلّ وما قامت الحجّة فيه الّا على هذا المقدار ويكون الاكثر بمقتضى فهم اهل المحاورة مندرجا تحت ما ينطبق عليه العامّ ويكون العامّ حجّة بالنّسبة اليه بلا مزاحم والمخصّص المنفصل فى الشبهة الموضوعيّة انعقد له الظهور فى تمام متعلّقه المبيّن بحسب المفهوم وصار سببا لرفع حجيّة ظهور العامّ بالنّسبة الى مدلوله فقام هناك حجّتان مبيّنتان وتردّد امر زيد فى

٣٨٠