تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

وقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) الخ) وجه الاستدلال هو انّ التنازع بمعنى التردّد والشّك لا مجرّد الاختلاف والجواب انّ العمل بالبراءة للادلّة المتقدّمة ردّ الى الله والرسول قوله (وامّا عمّا عدا آية التهلكة فنمنع منافات الارتكاب للتقوى) لانّ المراد من التقوى هو ما يذكر فى تعريف العدالة من انّها ملكة نفسانيّة باعثة على ملازمة التقوى والمروّة وهو فعل الواجب وترك الحرام المحقّقين المعلومين فلا ينافى ارتكاب ما لم يعلم حرمته لا ما يذكر عرفا وهو ترك المشتبهات الواقعيّة ولو كان كذلك كان الامر استحبابيّا لا وجوبيّا كما ياتى فى الاوامر الدّالة على الاحتياط مع انّه لو كان واجبا يلزم التخصيص المستهجن لخروج اكثر الشبهات الموضوعيّة مع انّ سياقه آب عن التخصيص اذ الحسن الداعى للأمر بالتّقوى ليس الّا ما يكون موجودا فى ذاتها من حيث هى لا باعتبار امر خارج فيكون جميع افرادها على نسق واحد لا يقال انّ تخصيص الاكثر يلزم اذا كان عموم العام افراديّا لكثرة افراد الشبهات الموضوعيّة مط بالنّسبة الى افراد الواجبات والمحرّمات المعلومتين والشبهات الحكميّة الوجوبيّة والتحريميّة فيكون المجاز مقدّما عليه وامّا اذا كان عمومه صنفيّا فلا يلزم ذلك لانّ الاصناف على ما ذكرنا خمسة والخارج عن تحته حينئذ الشبهات الموضوعيّة مطلقا وهو لا يلزم المحذور لأنّا نقول اوّلا انّ العامّ ظاهر فى العموم الأفرادي وثانيا أنّ التخصيص الصنفى لا يقدّم على غيره من انواع المجاز وثالثا أنّا قد اشرنا انّ التقوى بالمعنى العرفى لا يشمل الّا الشبهات وهى اصناف ثلاثة فيكون الخارج أكثر وأمّا عدم منافات الارتكاب للمجاهدة فلانّ الجهاد ظاهر فى الجهاد مع اعداء الدّين او الجهاد فى المعارف ولعلّه الظاهر من قوله تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) الخ سلّمنا شموله للجهاد مع النفس كما فى بعض الاخبار ولكن يكون الظاهر منه الجهاد فى الواجبات والمحرّمات وعلى فرض كون المراد منه ما يشمل الشبهات يكون غايتها الدّلالة على الرجحان كما تقدّم فى آية التقوى.

قوله (ارتكاب التخصيص فيها باخراج الشبهة الوجوبيّة والموضوعيّة) لا يخفى ان الوقوف حسبما استظهره قدس‌سره سابقا من كونه كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل يختصّ بالشبهة التحريميّة فلا يشمل الشبهة الوجوبيّة نعم يشمل الموضوعيّة من التحريميّة إلّا ان يقال انّه يعلم من كلامه هذا كون غرضه فى العبارة السابقة انّ الوقوف عند الشبهة كناية عن عدم ارتكاب الشبهة فعلا كان او تركا واختصاص العبارة بالثانى لانّه المقصود فى المقام ثمّ إنّ اولويّة الحمل على ما ذكره من التخصيص انّه لم يكن من تخصيص الاكثر لكون الاخبار المذكورة آبية عن التخصيص مضافا الى انّ بعضها وارد فى الشبهة الوجوبيّة الحكميّة وبعضها فى الشبهة الموضوعيّة والاستدلال بعموم التعليل فيها مع اخراج الشبهتين يوجب تخصيص المورد قوله ولاصالة عدم تحقّق مانع النكاح) لا يخفى انّ هذا بيان لكون الشبهة موضوعيّة

٣٢١

توضيح ذلك انّ الاصل فى المعاملات هو الفساد من دون اشكال وخلاف لا اصالة الصحّة والحليّة نعم لو كان هناك اصل موضوعى حاكم او وارد على اصالة الفساد لا بدّ ان يؤخذ به كما هو الشأن فى جميع الاصول السببيّة والمسببيّة سواء كان الاصلان متوافقين ام لا وهنا لمّا كان الشّك فى صحّة العقد وكان ذلك مسبّبا عن الشّك فى تحقّق مانع كالنسب والرضاع جرى اصالة عدم تحقّق المانع وحكمه بصحّة العقد قوله (وفيه انّ المراد بالتوقّف كما يشهد به سياق تلك الاخبار) انّما يرد هذا على ما ذكره المجيب من كون المراد من التوقّف هو التوقّف فى الفتوى والحكم وامّا اذا قيل انّ التوقّف بالمعنى الّذى ذكره المصنّف انّما يكون اذا لم يعلم بالحكم الظاهرى وهو الاباحة فلا يرد ذلك عليه قوله (وفى كلا الجوابين ما لا يخفى) فانّ من راجعها يعلم انّه لا مجال للتكلّم فى سندها لكثرتها بحيث ادّعى تواترها اجمالا مضافا الى وجود الصّحاح فيها وبعضها وان كان فى مقام المنع من العمل بالرأى والقياس ولكن بعضها الأخر يشمل جميع الشّبهات قوله (وما يبقى فان كان ظاهره الاختصاص بالشبهة الحكميّة) يعنى انّ فى اخبار التوقّف ما لا يكون قابلا لان يخصّص بالمرسلة ويكون النسبة بينهما تباينا وهو ما ورد فى الاخبار العلاجيّة ممّا يدلّ على التوقّف والاحتياط فى تعارض النصّين فالمورد الّذى ورد فيه نصّان يدلّ احدهما على الحظر والآخر على الاباحة يشمله تلك الاخبار ولا يشمله كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهى لانّ الظاهر من النّهى فيه هو النّهى بالمعنى الاعمّ من السليم عن المعارض واذا وجب التوقّف فى هذا المورد وجب فى غيره اعنى ما لا نصّ فيه بالاجماع المركّب فانّ الحكم فيهما واحد عند الكلّ وهو وجوب التوقّف عند الاخبارى وعدمه عند الاصولى وان كان الاصولى يقول بالتخيير فى الاوّل وبالاباحة فى الثانى والقول بالتفصيل خرق للاجماع المذكور ثمّ امر بالتامّل ووجهه ظاهرا منع قيام الاجماع على التلازم بين ما تعارض فيه النصّان وما لا نصّ فيه امّا عند المجتهد فظاهر وامّا عند الاخبارى فلاختلاف كلماتهم فى حكم ما تعارض فيه النصّان والتزامهم بالبراءة فى الشبهة الوجوبيّة وتعارض اخبار التوقّف فيما تعارض فيه النصّان باخبار التخيير فيه ويمكن ان يكون اشارة الى امكان القلب بان يقال اذا ثبت الترخيص والبراءة فيما لا نصّ فيه لاجل المرسلة ثبت فى صورة تعارض النصّين لاجل التلازم والاجماع المركّب ويمكن ان يكون إشارة إلى انّ ما يدلّ على التوقّف فى صورة تعارض النصّين من الاخبار العلاجيّة غير مختصّ بالشبهة التحريميّة بل يشمل غيرها ايضا والنّهى فى المرسلة ظاهر فى النّهى السليم عن المعارض ويكون النّسبة بينهما عموما من وجه لا تباينا ويمكن ح تخصيص اخبار التوقّف بالمرسلة ويحتمل ان يكون المراد من العبارة بيان

٣٢٢

النسبة بين المرسلة وجميع اخبار التوقّف لا خصوص ما ورد منها فى حكم ما تعارض فيه النصّان وتوضيحه انّ اخبار التوقّف يشمل صورة ما تعارض فيه النصّان والمرسلة لا تشمله لانّ النّهى فيه ظاهر فى الاعمّ كما عرفت واذا خصّص اخبار التوقّف بالمرسلة فى حكم ما لا نصّ فيه لزم عدم الحكم بالتوقّف فيما تعارض فيه النصّان للملازمة المذكورة فيلزم طرح اخبار التوقّف رأسا فبالنّظر الى الملازمة المذكورة لا يجوز تخصيص اخبار التوقّف بالمرسلة ويكونان من المتباينين حكما لا موضوعا ويكون غرضه من العموم المنفىّ هو العموم القابل للتخصيص لا اصل العموم وعلى هذا المعنى يمكن ان يكون الأمر بالتامّل اشارة الى انّ اخبار التوقّف لا يختصّ بما لا نصّ فيه من الشبهة التحريميّة وما تعارض فيه النصّان حتّى تكون النّسبة بالنظر الى الملازمة المذكورة من المتباينين حكما بل تشمل صورة العلم الاجمالى وما لا نصّ فيه مع عدم الفحص او التمكّن من تحصيل العلم والشبهة الوجوبيّة ولا تشملها المرسلة ولا محظور فى تخصيص اخبار التوقّف بالمرسلة فى الصورتين المتلازمتين لبقاء الصور الأخيرة تحت عموم اخبار التوقّف واذا كانت الغاية فى المرسلة ورود النّهى او الامر خرج الشبهة الوجوبيّة عن عموم اخبار التوقّف ولكن لا يلزم امتناع التخصيص ايضا ويمكن ان يكون اشارة الى منع الملازمة المذكورة كما عرفت قوله (مع انّ جميع موارد الشبهة الّتى امر فيها بالتوقّف الخ) هذا وجه آخر لنفى نسبة العموم والخصوص وكون المرسلة مع اخبار التوقّف من المتباينين توضيحه انّ فى جميع موارد الشبهة يوجد عنوان محتمل الحرمة امّا عملا فواضح فانّه هو الشبهة التحريميّة المصطلحة كشرب التتن وامّا حكما فمثل الشبهة فى الحكم بجواز الترك فى الشبهة الوجوبيّة سواء كانت حكميّة ام لا فانّ الحكم بجواز التّرك يحتمل ان يكون حراما فهو شيء يدخل فى عموم كل شيء مطلق الخ وامّا اعتقادا فكجواز الاعتقاد فى المسائل الاعتقاديّة بما يحتمل حرمته فيشمل كلّ شيء جميع موارد اخبار التوقّف ووجه التأمّل هو انّ فى الشبهة الوجوبيّة مثلا يكون الشّك فى الحكم بجواز الترك متفرّعا على اصل حكم الواقعة واذا جعل حكمها وجوب التوقّف نظرا الى شمول اخبار التوقّف وعدم شمول المرسلة لها كما هو المفروض يكون حكم الواقعة معلوما ظاهرا ولا شبهة فى الحكم بجواز الترك وبعبارة اخرى حكم اصل الشبهة فى الواقعة بالنّسبة الى حكم الشبهة الماخوذة عنها المتفرّعة عليها نسبة الدليل الى الاصل يكون واردا عليه قوله (فبعدم الدلالة لانّ المشار اليه فى قوله ع بمثل هذا الخ) لا يخفى انّ المشار اليه ان كان نفس واقعة الصّيد تكون الشبهة فيها وجوبيّة فتماميّة الاستدلال مبنيّة على جعل المماثلة هى المماثلة الجنسيّة لا الصنفيّة المختصّة بالكفّارات ولا النّوعيّة المختصّة بالشبهة الوجوبيّة ويكون المراد مثل هذه الشبهة الحكميّة سواء كانت وجوبيّة او تحريميّة غاية الامر خروج الوجوبيّة بالدليل

٣٢٣

الّا انّ ذلك خلاف الظاهر منها اذ الظاهر خصوص الصنفيّة المختصّة بالكفّارات الدّائرة بين الاقلّ والاكثر والاحتياط فيها على تقدير لزومه فيها لا يوجب الاحتياط فى غيرها كما نبّه عليه المصنّف وان كان السؤال عن حكمها تكون الشبهة تحريميّة وهذا مع كونه خلاف الظاهر لا يدلّ على المقصود لانّه كما فى المتن ان اريد بالاحتياط فيه الافتاء بالاحتياط فمورد الرواية فيما يمكن من السؤال وتحصيل العلم فيه ولو نوعا وهذا لا يثبت وجوب الاحتياط مطلقا فلم ينفع فيما نحن فيه مضافا الى انّ هذا المعنى يوجب ارتكاب التخصيص ايضا بالشبهة الوجوبيّة ومساق الرواية آب عن التخصيص وان اريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها اصلا حتّى بالاحتياط فكذلك لم ينفع فيما نحن فيه لانّ موردها فيما يمكن من تحصيل العلم ولو لم يكن الظاهر منها انّ موردها كذلك فلا بدّ من الحمل عليه وفرض الواقعة فى غير محلّ الحاجة على هذا المعنى ثمّ لا يخفى انّ مبنى الاستدلال بالرواية على تقدير كون المشار اليه نفس الواقعة يكون على فرض كون المورد من الشّك فى التكليف وكون المماثلة هى المماثلة الجنسيّة وعلى تقدير كون المشار اليه هو السؤال عن حكم الواقعة يكون على التقدير الاوّل من الاحتمالين ويحتمل ان يكون المشار اليه بمثل هذا مطلق مجهول الحكم على ان يكون المراد بالمثل المماثلة فى الجهل ولكنّه خلاف الظاهر وهذا الوجه ايضا يمكن ان يكون مبنى الاستدلال ويردّ مباني الاستدلال مضافا الى ما عرفت انّه لا معيّن لهذه الاحتمالات مع وجود احتمالات اخرى وغاية الامر ثبوت الاجمال فى الرّواية قوله (مع انّ ظاهر الرواية التمكّن من استعلام حكم الواقعة) هذا وجه لثبوت الفرق سواء كان المورد من الشّك فى التكليف او من الشّك فى المكلّف به قوله (والظاهر انّ المراد بالاحتياط من حيث الشبهة الموضوعيّة) هذا بيان لكون الاحتياط فى الموثّقة للوجوب لانّ بيان الحكم الظاهرى فى القضيّة المسئول عنها يكون منافيا لمنصب الامامة للزوم تقرير الجاهل على جهله فالمسئول عنها لا بدّ وان يكون شبهة موضوعيّة مضافا الى انّ سياق الرّواية مع قطع النظر عن الوجه المذكور ظاهر فى الشّبهة الموضوعيّة ومن الواضح وجوب الاحتياط فى الشبهات الموضوعيّة الّتى تكون من قبيل مورد الرّواية وهى موارد الشّك فى براءة الذّمة عن المكلّف به ومقام السّقوط لقاعدة الشّغل ثمّ انّ استظهار الوجوب باللّحاظ المذكور لا ينافى الظّهور فى الاستحباب لمكان قوله ع أرى لك فانّ هذا الظّهور انّما يكون للّفظ مع قطع النّظر عن التّعليل المذكور فلا تغفل قوله (وكون الحمرة غير الحمرة المشرقيّة) بان يكون الحمرة الموجودة فوق الجبل مردّدة بين كونها من ضوء الشمس وبقائها فوق الافق بعد استتارها عن الأبصار وكونها من شعاع الحمرة المغربيّة قوله خبر واحد لا يعوّل بمثله فى الاصول) وبقيّة العبارة هكذا سلّمناه لكن الزام

٣٢٤

المكلّف بالاثقل مظنّة الريبة لانّه الزام مشقّة لم يدلّ الشرع عليها فيجب اطراحه بموجب الخبر انتهى قوله (فيه انّ الالزام من هذا الأمر فلا ريب فيه) وبعبارة اخرى هذا الزام مشقّة دلّ الشرع عليه فانّ المحقّق انّما اجاب بهذا بعد تسليم ظهور النبوىّ فى وجوب الاحتياط ثمّ إنّ مراد المصنّف من امكان دعوى تواتر النبوىّ هو التواتر المعنوىّ بمعنى انّ مضمونه وهو مطلوبيّة ترك الشبهة متواتر والظّاهر انّ هذه الدّعوى لا تكون جوابا عن المحقّق فانّ دعواه فى كون النبوىّ من اخبار الآحاد انّما هى بعد تسليم ظهوره فى الوجوب والمضمون الوجوبى على تقدير تسليمه لا يكون متواترا نعم لو كان متواترا لفظيّا كان الجواب فى محلّه.

قوله (لا انّ الشهرة يجعل الشاذّ ممّا لا ريب فى بطلانه) اراد بذلك منع كون الشّاذّ من بيّن الغىّ فى التّثليث الصّادر من الإمام واثبات انّه من الامر المشكل حتّى يتمّ وجه الدّلالة قوله (ودون هذا فى الظّهور النبوىّ المروىّ) هو رواية جميل المتقدّمة وامّا مرسلة الصّدوق عن امير المؤمنين عليه‌السلام فهو ما سيذكره فى الجواب فى الامر الثّالث من المؤيّدات انّه عليه‌السلام خطب وقال حلال بيّن وحرام بيّن الخ قوله واذا تبيّن لك انّ المقصود من الامر الخ) لمّا وجّه المستدلّ دلالة رواية التثليث على وجوب ترك الشّبهة بانّ الامام عليه‌السلام اوجب طرح الشّاذّ معلّلا بوجود ريب فيه لا يوجد فى مقابله وهو المشهور واستدلّ عليه‌السلام بالنّبوىّ ولا بدّ من مطابقة الدّليل للمدلول والشّاهد للمشهود له فمن ذلك يعلم ارادة وجوب الاجتناب عن الشّبهات فى النّبوىّ وان لم يكن بنفسه ظاهرا فى ذلك واجاب عنه المصنّف بانّ استدلال الامام عليه‌السلام فى هذا المقام ابداء للحكمة فانّ وجه منع رسول الله ص عن الشّبهة ولو على وجه الكراهة انّما كان هو الوقوع فى الحرام واذا كان الوقوع فى الحرام مع الجهالة منشأ للمنع فمع معلوميّة الحقّ المجمع عليه وثبوت الحجّة يكون الأخذ بالخبر الّذى فيه ريب اولى بالمنع واذا كان ذلك مكروها فهذا حرام وبعبارة اخرى النّبوىّ فيما تكافئ الاحتمالان والخبر الشّاذّ ليس كذلك بل هو فى قبال ما هو حجّة يقينا واقرب الى الحقّ ويكون هذا الاستدلال نظير الاستدلال بكراهة الصّلاة فى ثوب من لا يحترز عن النّجاسات على عدم جواز الصّلاة فى الثّوب النّجس أمر بالتأمّل ووجهه ظاهر فان سياق الاستدلال مع الاعتراف بارادة وجوب طرح الخبر الشّاذّ يأبى عن ذلك فالاولى فى الجواب ان يقال لا محيص عن ارتكاب خلاف الظّاهر لأجل المؤيّدات المذكورة فى المتن مضافا الى ظهور النّبوىّ بنفسه فى كونه للإرشاد قوله (مع انّه اخراج لأكثر الأفراد) لا يخفى انّ هذا اذا كان الإخراج بعناوين عديدة وامّا اذا كان بعنوان واحد كما هو مقتضى دليل جواز الارتكاب فى الشّبهة الموضوعيّة فلا يكون من تخصيص الاكثر ولو كان المخرج ذا افراد كثيرة.

قوله (احدهما انّا نعلم اجمالا قبل مراجعة الأدلّة

٣٢٥

الشرعيّة الخ) وبعبارة اخرى يستقلّ العقل بلزوم الاحتياط فى اطراف الشّبهة المحصورة والمقام كذلك للعلم بوجود محرّمات فى الشّريعة فيجب فى كلّ شبهة الاحتياط بترك ما يحتمل حرمته تفريغا للذّمّة بعد اشتغالها والجواب عن ذلك بعد التّنبيه على نكتة يكون تارة بالنّقض واخرى بالحلّ امّا النّكتة فهى انّ الكلام بين الاصولىّ والاخبارىّ فى الشّبهة التّحريميّة الى الآن كان كبرويّا وفى هذا الدّليل يكون صغرويّا فانّ لزوم الاحتياط فى اطراف العلم الإجماليّ ممّا لا خلاف فيه عند معظم الأصحاب اذا كان العلم بين اطراف محصورة وانّما الكلام فى انّ المقام من هذا القبيل او من قبيل الأطراف فى الشّبهة الغير المحصورة او من الشّبهة البدويّة الغير المقرونة بالعلم الاجمالىّ والأخبارىّ يدّعى الاوّل والاصحاب كلّا يدّعون الباقى وامّا الجواب النّقضي فهو انّ العلم بوجود تكاليف بين المشتبهات لو كان منجّزا للتّكليف وموجبا للاحتياط فيها فما الفرق بين الشّبهة الوجوبيّة والتّحريميّة وما الّذى دعى الاخبارىّ الى القول بلزوم الاحتياط فى الثّانية دون الاولى مع كون الدّليل المذكور جاريا فى كليهما فما يقول به لعدم لزوم الاحتياط فى الأولى منهما جار فى الثّانية وامّا الجواب الحلّى فهو انّ العلم الاجمالىّ يوجب الاحتياط فى اطرافه اذا لم ينحلّ الى العلم التفصيلىّ والشّكّ البدوىّ ومع الانحلال فلا والامر فى المقام من مقولة الانحلال فانّ لنا فى المقام علمين احدهما العلم الاجمالىّ بوجود محرّمات فى المشتبهات وثانيهما العلم الاجمالىّ بثبوت طرق واصول معتبرة مثبتة للتّكاليف واذا ضمّ هذا المقدار المعلوم بالاجمال الى ما علمنا تفصيلا من التّكاليف لم يبق لنا العلم الاجمالىّ الاوّل بل يصير الأمر بالنّسبة الى سائر الاطراف من الشّكّ البدوىّ فلو لوحظ العلم الاوّل وحده لكان الأمر كما ذكر وامّا اذا لاحظنا العلمين معالم يبق معلوم بالاجمال لحصول العلم التفصيلىّ بمحرّمات فى الطّرف الّذى قام عليه الطّريق ويكون الباقى من الشّكّ البدوىّ وذلك لانطباق المعلوم بالتّفصيل ح على المعلوم بالاجمال وبالعكس وسرّه انّ المعلوم بالاجمال لم يكن له عنوان وعلامة وان كان هذا الطّرف ذا علامة وهى كون تلك التّكاليف ممّا ادّت اليها الطّرق الّا انّ المعلوم بالإجمال لمّا كان بلا علامة ينطبق على هذا المعلوم بالتّفصيل بحيث لو سئل عن هذا الشّخص بعد قيام طرق له هل لك علم بوجود تكليف فى غير ما قامت عليه من الطّرف الآخر للعلم الاجمالىّ يقول لا ونظيره فى الشّبهة الموضوعيّة ما لو علم بحرمة احد الإناءين اجمالا ثمّ علم تفصيلا بحرمة احدهما المعيّن فكما لا يبقى للعالم علم بحرمة الأخر لانطباق معلومه الاجمالىّ على ذاك المعلوم بالتّفصيل قهرا فكذلك فى المقام ولا نعنى بالانحلال الّا هذا فان قلت ليس مجرّد عدم بقاء العلم الاجمالىّ بعد العلم بحرمة بعض الاطراف يوجب ارتفاع أثره فانّ بعد تأثيره فى التّنجيز والاشتغال يوجب تحصيل الفراغ اليقينىّ عن

٣٢٦

جميع الاطراف ولا يعبأ ببقاء العلم وارتفاعه ولذا لو فقد بعض الأطراف او اضطرّ الى ارتكابه او خرج عن مورد الابتلاء بقى الباقى على ما كان عليه من وجوب مراعات جانب التّكليف المحتمل فيه قبل طروّ احد هذه الامور نعم لو كان طروّ احدها قبل العلم الاجمالىّ كان مانعا من تأثيره وبالجملة لمّا كان العلم الاجمالىّ بالمحرّمات قبل هذا العلم فلم يكد يؤثّر فى رفع أثره فانّ قيام الطريق كعروض الاضطرار الى بعض الأطراف بل المعلوم بالتّفصيل يكون مباينا للمعلوم بالاجمال فانّ المعلوم بالاجمال هو الحرام الفعلىّ الواقعىّ والمعلوم بالتّفصيل هو الحكم الفعلىّ الظّاهرىّ الّذى قام الطّريق عليه فيكون كما لو علم بعد العلم بنجاسة احد الإناءين بغصبيّة احدهما المعيّن فكما لا يوجب ذلك المعلوم بالتّفصيل ارتفاع أثر العلم الاجمالىّ فكذلك فى المقام هذا مضافا الى منع كون مؤدّيات الطّرق احكاما فعليّة كما فى موارد بعض الأصول فلا يكون بعد العلم الاجمالىّ علم تفصيلىّ باحكام حتّى يقال انّها مباينة ام غير مباينة قلت انّ الامر كما ذكر لو لم ينطبق ما علم تفصيلا على ما علم اجمالا وامّا اذا انطبق عليه انقلب العلم الاجمالىّ الى العلم التفصيلىّ والشّكّ البدويّ وذلك لانّ قيام الدّليل المعتبر على التّكليف الفعلىّ فى بعض الاطراف الظّاهر انّ حاله كما لو حصل بعد العلم الإجماليّ علم تفصيلىّ بالنّسبة الى بعض الاطراف فكما انّه اذا حصل العلم الإجماليّ بحرمة غنم من قطيع ثمّ علم تفصيلا بحرمة واحد معيّن وانّه ذلك المعلوم بالاجمال انقلب العلم الاجمالىّ الى التّفصيلىّ وانطبق عليه ويصير سائر الأطراف مشكوكا بالشّكّ البدوىّ فكذلك قيام الطّريق على بعض الاطراف يوجب الانحلال امّا بناء على الطّريقيّة الصّرفة فواضح وامّا بناء على مسلك المشهور من كون اداء الامارة الى وجوب صلاة الجمعة او حرمة شرب التّتن مثلا سببا لانشاء الايجاب او التّحريم فى مؤدّاها فلانّ هذا الطّرف الّذى قام عليه الطّريق يكون فعلا محكوما بهذا الحكم فيكون ممّا علم حكمه بالتّفصيل ولمّا كان المعلوم بالاجمال بلا عنوان وعلامة انطبق عليه قهرا فيكون بعض الاطراف ممّا علم حكمه تفصيلا ويكون الشّكّ بالنّسبة الى البقيّة بدويّا فلو سئل عن هذا العالم بانّه هل لك علم بوجود الواجب او الحرام فيها لقال لا نعم لو كان المعلوم بالاجمال هو الواجب او الحرام الّذى يكون غير مؤدّى هذه الطّرق لما كان له دخل بذلك المعلوم بالتّفصيل ولكنّك تعلم انّ المعلوم بالاجمال ليس الّا وجود واجبات ومحرّمات والمفروض انّه قد علمنا تفصيلا بواجبات ومحرّمات يحتمل كونها بمقدار المعلوم بالاجمال غاية الامر كون المعلوم بالتّفصيل يكون بعنوان كونه مؤدّى الطّريق ولا يضرّ هذا العنوان بالانطباق بعد ما كان المعلوم بالاجمال بلا عنوان وكون جعل الطّريق فى طول الواقع لا يوجب كون المعلوم بالتّفصيل من الحكم الحادث لبعض الاطراف فانّ الطّريق يرى انّ مؤدّاه الواقع ويكشف عن ثبوت ما ادّى

٣٢٧

اليه من الحكم فى الواقع من اوّل الامر لا انّه يحدث الحكم فى مورده من حين نهوضه عليه فاذا اخبر العادل بحرمة هذا الاناء بعد العلم الاجمالىّ بحرمة احد الإناءين يكشف اخباره عن كون الحرام المعلوم بالاجمال هو هذا وكونه الحرام الواقعىّ والموجب لارتفاع اثر العلم الاجمالىّ فيما لو علم تفصيلا بعده ببعض الاطراف هو استكشاف العلم التّفصيلىّ مسبوقيّته بالتّكليف فى بعض الاطراف وهذا بعينه موجود فيما نزّل منزلة العلم وكما انّ الانسان اذا علم اجمالا فى اللّيل بنجاسة احد الإناءين ويعلم حينئذ انّه اذا طلعت الشّمس او اخبر عدل بنجاسة احدهما المعيّن كان فى اللّيل تكليفه الاحتياط وامّا بعد وجود الضّوء وحصول العلم التفصيلىّ او اخبار العدل يكون هذا المعيّن نجسا فلا يجب عليه الاحتياط ولا يبقى للعلم الاجمالىّ أثر بالنّسبة الى الاناء الأخر لانّ الضّوء او قيام البيّنة يكشف عن كونه نجسا من قبل فكذلك العلم اجمالا بوجود واجبات ومحرّمات يكون مقارنا للعلم بانّه اذا جاء المميّز ارتفع الاجمال ومن الواضح انّ الاشتباه فى اطراف العلم الاجمالىّ بمنزلة الظّلام والطّرق المثبتة للتّكاليف بمنزلة ظهور الضّوء بعده وبالجملة قيام الامارة كاشف عن انّ المورد كان محكوما بهذا الحكم ودالّ عليه لا انّه يدلّ على حدوث هذا الحكم بقيامه وبهذا الكشف يصير الطّرف الأخر الّذى لم يقم عليه طريق مشكوكا بالشّكّ البدويّ ولا يقاس ذلك بما اذا علم تفصيلا بالغصبيّة بعد العلم الاجمالىّ بالنّجاسة او علم تفصيلا بحدوث النّجاسة فى احدهما المعيّن بعد العلم الاجمالىّ لما عرفت من انّ العلم الاجمالىّ لم يكن الّا بوجود خطابات من دون تقييد بكونها فى غير موارد الطّرق وبعد العلم التّفصيلىّ او قيام الطّرق يعلم بخطابات تفصيليّة فينطبق عليه قهرا وامّا بناء على انّ قضيّة اعتبارها هو صرف الحجيّة وترتيب ما للطّريق المعتبر عقلا عليها وهو تنجّز ما اصابه والعذر عمّا أخطأ عنه فكذلك حيث انّ بعض الاطراف ممّا نهض عليه الحجّة وقيامها على هذا البعض يوجب التّنجّز والعذر فى صورة الاصابة والخطاء فيكون لنا العلم التّفصيلىّ بانّ موارد الطّرق اذا عمل على طبقها يحصل المؤمّن من تبعات التكاليف الواقعيّة فينطبق المعلوم بالاجمال عليه قهرا ويكون الطّرف الأخر مجرى للأصل بلا معارض وان شئت قلت انّ مرجع العلمين لمّا كان الى العلم الاجمالىّ بثبوت التّكليف بين طرف يحتمل فيه التّكليف ويقطع بثبوته فعلا وتنجّزه على تقدير اصابة الطّريق وطرف لا يقطع بتنجّز التّكليف فيه لم يؤثّر هذا العلم الاجمالىّ فى شيء فانّ التّكليف فى مورد الامارات والطّريق فعلىّ منجّز على تقدير ثبوته ولا نعلم بتكليف غير ما هو فى موارد الطّرق فينطبق المعلوم بالاجمال عليه قهرا ويكون الأمر بالنّسبة الى غيرها من الشّكّ البدويّ والظّاهر أنّ ما ذكرنا يصحّ على جميع الاقوال فى كيفيّة جعل الأمارات هذا كلّه اذا لم يعلم بثبوت تكاليف واقعيّة فى موارد الطّرق والأمارات المثبتة بمقدار المعلوم

٣٢٨

بالاحمال وامّا اذا علم بانّ فى موارد الطّرق احكاما واقعيّة بمقداره فلا اشكال فى الانحلال غاية الامر انّه لا يعلم بعد موارد الطّرق ولم تتميّز عن غيرها فبواسطة اختلاط تلك الموارد يجب الاحتياط فى جميع الاطراف وبعد الفحص والتمييز يكون الحكم فى غير موارد الطّرق هو الإباحة فتدبّر جيّدا ثمّ لا يخفى انّ ما اجاب به المصنّف اوّلا من منع تعلّق تكليف غير القادر على تحصيل العلم الّا بما ادّى اليه الطّرق الغير العلميّة المنصوبة له الخ فهو راجع الى ما افاده فى الفصول لاثبات حجيّة الظّن فى خصوص الطّريق والفرق انّ صاحب الفصول قال انّ مرجع القطعين الى القطع بانّ تكليفنا بالفعل هو العمل بمؤدّيات الطّرق والمصنّف جعله اخصّ من هذا حيث قال فهو مكلّف بالواقع بحسب تادية هذه الطّرق لا بالواقع من حيث هو ولا بمؤدّى هذه الطّرق من حيث هو هو على اىّ حال فهذا الجواب غير مرضىّ عند المصنّف كما عرفته ممّا افاده ومرّ عليك مفصّلا فى الامر الاوّل من تنبيهات دليل الانسداد وكانّه ذكره فى المقام وجها للجواب عن مقالتهم بناء على مذهب القائلين باختصاص حجيّة الظّن فى الطّريق وامّا بناء على ما هو الصّواب من كون المكلّف به هو الواقع من حيث هو واقع فالجواب ما افاده ثانيا من الانطباق ويمكن ان يريد المصنّف من الجواب الاوّل دعوى العلم بمصادفة بعض الامارات للواقع بقدر المعلوم بالاجمال من الاحكام الواقعيّة وان كان هذا خلاف ظاهر العبارة قوله سواء كان ذلك الدّليل سابقا على العلم الاجمالى) ليس الغرض من هذا الكلام انّ اجراء الاصل من آثار وجود الدّليل السّابق او اللّاحق ومن خواصّه بحيث لا يمكن اجرائه فى غير هذا المورد لوضوح انّ العلم الاجمالىّ لو حصل بعد تلف احد الإناءين مثلا لا يلزم الاجتناب عن الآخر بخلاف ما لو كان التّلف بعد العلم الاجمالىّ بل الظّاهر أنّ مراده التّنبيه على عدم تفاوت سبق الدّليل ولحوقه فى جريان اصالة الحلّ قوله (وامّا نفس الاحتياط فلا يبعد التزام ترتّب الثّواب عليه) ذكر قدس‌سره فى بحث التجرّى انّ قبحه الكشف عن خبث الفاعل لكونه جريئا وعازما على العصيان لا على كون الفعل مبغوضا للمولى والتّجرّى لا يجدى فى كون الفعل محرّما شرعيّا ولا يوجب استحقاق المتجرّى العقاب على الفعل المتجرّى به وهذا ينافى ظاهرا ما اختاره فى المقام من انّ الاحتياط والانقياد لا يختصّ بالمدح الفاعلى من حيث كشفه عن صفة السّعادة فقط بل هى اطاعة حكميّة توجب استحقاق الأجر والثواب على الفعل وسيصرّح فى آخر الامر الرّابع انّه لا يلزم من تسليم استحقاق الثّواب على الانقياد بفعل الاحتياط استحقاق العقاب بترك الاحتياط والتّجرّى بالاقدام على ما يحتمل كونه مبغوضا وهذا الفرق مع فرض كون اوامر الاحتياط للارشاد لم نعلم له وجها فتدبّر قوله (والاظهر انّ التّوقّف اعمّ بحسب المورد) وذلك لشموله ما لا يمكن فيه الاحتياط كالموارد المذكورة والاحتياط اعمّ من موارد

٣٢٩

احتمال التّحريم فالتّوقّف الّذى هو اعمّ من الاحتياط يكون اعمّ من موارد احتمال التّحريم ايضا.

قوله (الأذن والتّرخيص فتامّل) اشارة الى ما تسالموا عليه من عدم التّنافى بين الحكمين المتضادّين اذا كان احدهما ظاهريّا والآخر واقعيّا وان اختلفوا فى وجهه قوله (ولعلّ هذا القائل اعتمد فى ذلك الخ) وكانّ هذا الكلام منه ره ينافي ما ذكره سابقا من اتّفاق الاخباريّين على قبح المؤاخذة على مجرّد مخالفة الحرمة الواقعيّة واعترافهم بذلك فلاحظ ما ذكره فى ذيل الجواب عن اخبار التّوقّف.

قوله (الخامس انّ اصالة الاباحة فى مشتبه الحكم الخ) لا اشكال فى انّ جريان اصالة البراءة والاباحة فى الشّبهة البدويّة انّما هو فيما لا يكون اصل موضوعىّ ينقّح الموضوع ويخرج المشكوك عن الاشتباه ويدرجه فى موضوع الحرام فى الشّبهة التّحريميّة وفى موضوع الواجب فى الشّبهة الوجوبيّة كما هو الشّأن فى جميع ما يكون الشّكّ فى الحكم مسبّبا عن الشّكّ فى الموضوع فانّ اصل البراءة ان كان من جهة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فالاصل الموضوعى وارد عليه لانّه نعم البيان ويوجب ارتفاع موضوع حكم العقل وان كان من جهة الاباحة المستفادة من حديث الرّفع وقوله ع كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر فالاصل المذكور حاكم عليه فلو قطعنا بقابليّة حيوان للتّذكية وشككنا فى حليّة لحمه وحرمته كان اصل الاباحة جاريا لانّ الحكم بنفسه مشكوك وليس فى البين اصل موضوعىّ فانّ المذكّى من الحيوان على قسمين معلوم الحرمة ومعلوم الحليّة وهذا الفرد المذكّى مشكوك حليّته فيكون مقتضى حديث الرّفع وقبح العقاب بلا بيان حليّته ومقتضى كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر طهارته وامّا لو شكّ فى حليّة حيوان للشّكّ فى قبوله للتّذكية يكون المرجع اصالة عدم التّذكية ويدرج المشتبه فى موضوع الحرام فانّ غير المذكّى يكون كالميتة اجماعا فيشمله دليلها ولا مجال لان يقال انّ الاصل الجارى مثبت حيث انّه لا يترتّب عليه الّا كونه ميتة وهو ليس من الآثار الشّرعيّة المترتّبة عليه لانّ غير المذكّى حكمه فى الشّرع كالميتة وبمجرّد اجراء الاصل يحكم عليه بالحرمة من دون توسيط كونه ميتة كما أنّه لا مجال للقول بعدم وجود المتيقّن فى السّابق لانّ التّذكية عبارة عن فرى الاوداج مع التّسمية واستقبال القبلة وغيرها من الشرائط مع خصوصيّة فى المحلّ ولذا لو وقعت هذه الامور على الكلب ونحوه لا توجب طهارته فمن ذلك نستكشف انّ التّذكية ليست عبارة عن خصوص هذه الامور بل هى امر حاصل من خصوصيّة المحلّ معها واذا لم يعلم بوجوده فالاصل عدمه ويكفى فيه العدم الأزليّ السّابق وقد يكون المورد مجرى لاصالة الاباحة مع وجود اصل موضوعىّ كما اذا كان هذا الاصل مسبوقا باصل موضوعىّ آخر حاكم عليه كما اذا شكّ فى حليّة امرأة بالعقد عليها لاجل احتمال نسب او رضاع موجب للحرمة فباصالة عدم تحقّقهما يحرز كونها ممّن يؤثّر العقد عليها حليّة الوطى او شكّ فى انّ الجلل من الحيوان اهل يرفع قابليّته للتّذكية

٣٣٠

فباصالة قبولها للتّذكية يحكم بحليّته بعد تحقّق الفرى وسائر الشّرائط هذا ولكن لا بدّ ان يعلم انّ ما ذكرنا من الرّجوع الى اصالة عدم التّذكية فيما لو كان الشّكّ من جهة قبول التّذكية انّما هو مع عدم قيام عموم او اطلاق من الكتاب والسّنّة يقتضى قابليّة كلّ حيوان للتّذكية الّا ما خرج فانّ مع الدّليل المذكور لا يبقى شكّ بحكم الشّارع فى القابليّة حتّى يرجع الى الاصل المذكور وتمسّك جماعة لأصالة القبول بالآيات الواردة فى حليّة ما امسك الكلاب وما ذكر اسم الله عليه وبالاخبار الواردة فى الاصطياد بالسّهم والسّيف والكلاب ونحوها لكنّه فى محلّ المنع لوضوح انّ تلك الآيات والاخبار واردة لبيان امر آخر فلا يصحّ التّمسّك باطلاقهما للمقام والإنصاف صحّة التّمسّك لها بما دلّ عموما على حليّة كلّ حيوان مثل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ومثل قوله ع الحرام ما حرّم الله فى كتابه لوضوح انّ حليّة كلّ حيوان يلازم قبوله للتّذكية قوله (وكيف كان فلا يعرف وجه لرفع اليد عن اصالة الحلّ) صريح العبارة تقويته ره لما حكاه عن بعض وانّ مختاره هو اصالة قبول التّذكية وهذا هو الّذى دعاه الى نقل كلام المحقّق والشّهيد وردّه وكيفما كان فانّ قولهما للأصل فيهما مجمل غير ظاهر المراد ويحتمل فيه وجوه لأنّه أمّا ان يراد انّ مقتضى الاصل فى خصوص صنف الحيوان المتولّد من الحيوانين مع طهارة احدهما ونجاسة الآخر هو الحكم بحرمة لحمه او طهارته أو انّ مقتضى الاصل فى ذلك من حيث دخوله فى الشّبهة الموضوعيّة وانّ الحكم فى اللّحوم فى الشّبهة الموضوعيّة لزوم الاجتناب او انّ مقتضى الاصل فى نوع اللّحوم الحكم بالحرمة من حيث الشّبهة الحكميّة وعلى الاوّل فما يحتمل ان يستند اليه امران أحدهما فحوى الاخبار الدّالة على حرمة الغنم المرتضع من الخنزيرة واولاده نسلا بعد نسل الى يوم القيمة فانّها كما تدلّ على حرمة ما ذكر بالمطابقة كذلك تدلّ على حرمة لحم المتولّد منها بالفحوى لانّ الرّضاع مع طهارة النّطفة وعدمان النّسب اذا أثر فى الحرمة فالنّطفة والنّسب بطريق اولى وفيه أوّلا منع اتّحاد المناط لعدم قدر جامع بين النّسب والرّضاع ويمكن دفعه بوجود القدر الجامع اليقينىّ وهو الخباثة الحاصلة فى اللّبن والنّطفة إلّا أنّه يشكل باعترافهما بانّه لو تابع حيوانا ثالثا فى الاسم لمماثلته له يتبعه فى الحكم ولو كان طيّبا وحلال اللّحم فلو كان خبث النّطفة علّة تامّة للحكم بالحرمة لكان اللّازم عدم تبعيّته للنّوع الثّالث فى الحكم مطلقا ويمكن التّفصّى عنه بانّ خبث النّطفة ليس علّة تامّة للحكم بالحرمة بل هو مقتض لذلك فيقبل المانع ومماثلته وتبعيّته للنّوع الثّالث فى الاسم مانع عن تأثير المقتضى فكما انّ خبث النّطفة مقتض لذلك شرعا كذلك المماثلة مانعة عن تأثيره كذلك وثانيا أنّ هذه الاخبار صريحة فى عكس المدّعى حيث يستفاد منها انّ العبرة بالرّضاع لا بالنّسب والنّطفة وتبعيّة الابوين والّا فلا معنى لجعل الرّضاع قاطعا للنّسب والحكم بحرمة لحم المتولّد من الغنم وثالثا لا معنى للتّفكيك بين الحرمة والنّجاسة فانّ الاخبار المدّعى دلالتها بالفحوى

٣٣١

دالّة على نجاسة الغنم المرتضع ايضا وثانيهما استظهار دعوى الاجماع من كلام بعض المشايخ المتاخّرين حيث قال كما عن كشف الغطاء بعد بيان حكم الطّهارة والنّجاسة وامّا حكم الاباحة والتّحريم فان ثبت اجماع على حرمة كلّ متفرّع عن الحرام تبع الفرع اصله والّا فحكمه كالسّابق انتهى فيستظهر منه الاجماع على حرمة لحمه والمتتبّع فى كلماته يجد انّ مراده ثبوت الاجماع منجّزا لا مردّدا فانّه قال ايضا فى مسئلة جواز قضاوة المقلّد وتصدّيه للتّرافع بتقليد مجتهده انّ مقتضى القاعدة الجواز ان لم يثبت الاجماع على العدم وقد علمنا ثبوت الإجماع عليه من الخارج ودأبه فى دعوى الاجماع ذلك وفيه اوّلا منع دعوى الاجماع جزما وثانيا عدم القول بالفصل على تقدير ثبوته بين الحرمة والنّجاسة ولا وجه للحكم بالحرمة والطّهارة مع فرض كون الحرمة من حيث التّبعيّة وعلى الثّانى وكون الشّبهة موضوعيّة فوجهه انّ الشّبهة مقرونة بالعلم الاجمالىّ حيث انّا نعلم اجمالا بعدم خروج المتولّد من طاهر ونجس من حكم احدهما وانّه امّا من النّوع الطّاهر او النّجس غاية الأمر اشتباه الأمر فى تشخيص ذلك وتعيين انّه فى الواقع من ايّهما نظير الخنثى المشكل فلو كان فى الواقع داخلا تحت نوع الغنم كان قابلا للتّذكية ولو كان داخلا تحت نوع الكلب والخنزير لم يكن قابلا لها وقد علمنا بدخوله فى احدهما فيجب الاحتياط والاجتناب عنه لاصالة عدم التّذكية كما فى سائر الشّبهات الموضوعيّة من اللّحوم المتّفق على لزوم الاجتناب عنها بمقتضى الاصل المذكور فكما انّ الاجتناب لازم من كلّ لحم او جلد لم يكن عليه امارات الحليّة كيد المسلم وسوقه ونحوهما لاصالة عدم التّذكية فكذلك فيما نحن فيه للتّرديد فى انّه قابل للتّذكية الشّرعيّة ام لا حيث انّه لا نعلم بكونه من اىّ النّوعين وفيه أوّلا منع العلم الاجمالى اذ يحتمل دخوله فى الواقع تحت نوع آخر او صيرورته نوعا مستقلّا متمايزا كما اعترفا به لا يقال انّ المراد من العلم الاجمالى هو العلم بالمقتضى مع الشّكّ فى المانع دون العلّة التّامّة كما مرّ فانّ النّطفة والنّسب يقتضى عدم الخروج عن احد النّوعين الّا اذا ثبت المانع وهو العلم بدخوله فى نوع ثالث او صيرورته نوعا متمايزا للصّدق العرفى فما لم يثبت المانع يقينا ينبغى الحكم بتبعيّته لاحدهما وهو غير معلوم فيجب الاجتناب لانّه يقال النّطفة من حيث هى ليست مقتضية للتبعيّة ومؤثّرة فيها بل هى مع وصف تربيتها فى رحم الأمّ المجانس للأب فاذا تغاير الأب والأمّ فى الجنس لا يبقى المقتضى بحاله ويمكن بقاء النّطفة على صفة صاحبها ويمكن انقلابها فى الوصف الى صفة ذى الرّحم او الى صفة غيرهما سواء كان نوعا متمايزا عن سائر الانواع او كان من أحدهما وثانيا الملازمة بين الحرمة والنّجاسة ثابتة اذ على تقدير عدم التّذكية لا ينفكّ عن كونه ميتة الّا اذا كان المقصود الطّهارة الذاتيّة الثّابتة للحيوان قبل الذّبح فى مقابل نجاسته كذلك فلا ينافى الحكم بنجاسته لو حكم بحرمة اكل لحمه من جهة الشّك فى التّذكية والحكم بعدمها و

٣٣٢

انّه ميتة وعلى الثالث فما يمكن ان يستند اليه امور ذكرها فى الكتاب الأوّل انّ حليّة اللحم بمقتضى قوله تعالى (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) مشروطة بقابليّته للتذكية فلا بدّ فى الحكم بها من احراز شرطها والاصل يقتضى عدمه فيحكم بحرمته وفيه انّ هذا فيما لم يكن اصل لفظىّ يقتضى الحليّة والّا فمقتضى الاصل الثّانوى كون كلّ حيوان قابلا للتذكية الّا ما خرج هذا مضافا الى ما عرفته من الملازمة بين حرمة اللّحم والنّجاسة الثانى استصحاب حال الحياة فانّ كلّ حيوان حرام لحمه فى حال الحياة وطاهر بمقتضى اصالة الطّهارة واذا لم نعلم بتحقّق التذكية الشرعيّة فيه وجب استصحاب الحالة السابقة وهى حرمة الا كل والطّهارة وفيه انّه يعتبر فى الاستصحاب بقاء الموضوع وان حصل التّغيير فى وصف من اوصافه بحيث يحصل معه الشّك فى بقاء الحكم السّابق واذا تغيّر الموضوع بحسب الذات والحقيقة فلا مجال للاستصحاب كما فى الاستحالة نحوها والموت وان لم يوجب تغييرا فى ذات الحيوان الّا انّ الحياة اذا اخذت موضوعا للحكم من حيث هى حيوة فلا يصحّ استصحاب احكامها حالة الموت ونحن قاطعون بانّ طهارته حال الحياة لم تستند الى ما يعمّ الموت لعلمنا بانّ الشارع جعل الموت قاطعا لها الّا مع التذكية فالنّجاسة مترتّبة على الموت والتذكية سبب لطهارته فالطّهارة فى حال الحياة مستندة الى ذات الشّيء والطّهارة فى حال الموت مستندة الى التذكية ولا يحكم بالطّهارة بعد الموت الّا مع احراز الموضوع الثانى وهو التذكية ومع اصالة عدمها لا يحكم بطهارته كما انّه يحكم بحرمة اللّحم لانّ الحرمة مترتّبة على كونه ميتة وهى سواء فى حال حيوة الحيوان ومماته الّا بعد العلم بالتذكية واذا شكّ فيها فالاصل عدمها فيحكم بالحرمة لكنّ الحكم بها لمّا لم يستند الّا الى كونه ميتة لاصالة عدم التذكية فهو يستلزم الحكم بالنجاسة ايضا شرعا ولا معنى للتّفكيك فاستصحاب الحرمة حاكم على استصحاب الطّهارة على تقدير صحّة جريانه وعلى اىّ حال فقد عرفت انّ مقتضى الاصل اللّفظى قابليّة كلّ حيوان للتذكية فلا مجرى لاصالة عدمها الثّالث ما نقله المصنّف عن شارح الروضة يعنى الفاضل الهندى فى المناهج السّوية من انّ المراد بالاصل هنا القاعدة وذلك لانّ المرسوم شرعا وعرفا فى الاشياء الموافقة للاصل عدم تعدادها بالخصوص بعد شمول العامّ اعنى مدرك الاصل الكلّى لها ويكون مدرك الاصل بالنّسبة اليها كالعامّ بالنّسبة الى افرادها فكما انّه لو قال اكرم العدول لا حاجة بعد ذلك الى ذكر خصوص الافراد ويكون لغوا فكذلك لو صرّح باهانة افراد خاصّة نعلم انّ الحكم الكلّى عدم الإهانة ولاجل عدم لزوم اللغويّة فى كلام الحكيم لمّا صرّح بحليّة اشياء مخصوصة من اللحوم فى الكتاب والسنّة علمنا انّ حكمها الكلّى هو التحريم وكذا علمنا من بيان الشارع وذكره للنجاسات بالخصوص انّ الاصل فى الاشياء الطّهارة وفيه انّ الحصر متّجه بالنّسبة الى النجاسات وامّا بالنسبة الى المحلّل من الحيوانات فيمكن منعه لانّ غاية الامر انّ بعض الحيوانات لمّا كان محلّ ابتلاء للنّاس سألوا الائمّة عليهم‌السلام عنها فاجابوهم بالحليّة فى بعض والحرمة فى بعض آخر ولا حصر فى شيء منها بل يمكن دعوى الحصر فى المحرّم منها والعقل والنّقل دلّ

٣٣٣

على اباحة ما لم يعلم حرمته الرابع انّ حليّة كلّ شيء موقوف على كونه طيّبا للحصر المستفاد من قوله تعالى مخاطبا لنبيّه ص (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) والطيّب امر وجودى لا يحرز بالاصل ومع الشّك يكون مجرّد الشّك كافيا فى الحكم بالحرمة فانّ الحليّة اذا كانت محصورة فى الطيّب لزم احراز كون هذا الشيء طيّبا ومع عدمه يحكم بالحرمة فانّ مع الشّك فى صدق الموضوع يشكّ فى ارادته من الكلام وفيه انّ الظاهر عدم كون الطيّب امرا وجوديّا بل هو امر عدمىّ لانّه عبارة عن عدم الخباثة كما يشهد به معناه اللغوى وهو عدم الاستقذار الّذى هو امر وجودىّ فاذا شكّ فى اتّصاف شيء به يدفع بالاصل ولزوم احراز الشرط يكون مانعا عن اجراء الاصل الموافق لعدم الحاجة اليه لا عن اجراء الاصل الموضوعى المحرز للشّرط نظير ما قاله بعض فى الطهارة والحدث من انّ الاخير امر وجودىّ وهو مقتضى تفسيرهم له بانّه حالة مانعة عن الصّلاة والطهارة الّتى هى شرط للصّلاة عبارة عن عدم تلك الحالة وان كان هذا القول فى المقيس عليه فى غاية الاشكال لوقوع التعبير عن الاحداث فى النّصوص والفتاوى بالنواقض ومقتضاها كون المنقوض امرا وجوديّا هذا مع انّه يمكن فرض كون الحيوان ممّا ثبت كونه طيّبا مضافا إلى انّ الحكم بحرمة اللحم وخباثته لا ينفكّ عن لزوم الالتزام بنجاسته ولكن للكلام تتمّة قوله (المفيد للحصر فى مقام الجواب عن الاستفهام) حيث يكون قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَ) لهم استفهاما عمّا يكون حلالا ويكون قوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) جوابا عنه واستفادة الحصر فى ما يكون من هذا القبيل مسلّم ألا ترى انّ استفادته من قولنا زيد بعد سؤال من فى الدار مسلّم لا يقبل الانكار وليس دعوى الحصر من حيث مفهوم الوصف حتّى يمنع قوله (ومع تعارض الاصلين يرجع الى اصالة الاباحة) ولقائل دعوى منع ذلك أوّلا بأنّ مجرّد تحريم الخبائث فى الكتاب العزيز مع عدم دلالة القضيّة على الحصر لا يفيد شيئا فانّ تحريمها من حيث كونها من افراد المفهوم وثانيا بأنّ الخباثة اذا كانت امرا وجوديّا لا يكون لها حالة سابقة فلا مجرى للاصل فيها وانّما ينحصر مجراه فى عدمها وذلك لانّ موضوع الحرمة والحلّ ح هى الخباثة وعدمها ومع الشّك فى اتّصاف شيء باحدهما يثبت عدمها بالاصل وهو موضوع الحلّ ومع عدم المعارض لهذا الاصل الموضوعىّ لا معنى للرّجوع الى الاصل الحكمى وهو اصالة الإباحة وثالثا بأنّه لو سلّمنا تعارض الاصلين فهو انّما يكون بناء على ان يكون التقابل بينهما تقابل الايجاب والسّلب وامّا لو كانتا وجوديّتين وكان التّقابل بينهما تقابل التضادّ كما يستفاد من بعض اهل اللّغة فالحصر المستفاد من قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) حرمة المشكوك فيه وامّا الحرمة المحمولة على الخبائث لا يقتضى حليّة المشكوك لانّ الحمل فى المقام لا يقتضى الحصر ولم يثبت كونهما ضدّين لا ثالث لهما بل الامور الّتى لا يستلذّ منها النفس ولا يستكرهها فى غاية الكثرة

٣٣٤

ولا منافات بين حرمة الخبائث وما عداها ممّا ليس من الطيّبات فكيف يمكن تعارض الاصلين حتّى يكون المرجع اصالة الاباحة قوله (مع انّه يمكن فرض كون الحيوان الخ) هذا جواب آخر لما قيل قوله بل الطيّب ما لا يستقذر فهو امر عدمىّ) ولقائل ان يقول انّ الطيّب وان كان عبارة عمّا لا يستقذر الّا انّه من الامور الوجدانيّة الّتى لا يتصوّر الشّك فيها فلا مجرى للاصل فيها بل لو فرضنا الشّك فلا يجرى ايضا لانّه ان اريد من اصالة عدم الاستقذار الاستصحاب على نحو ليس الناقصة وهو استصحاب عدم استقذار الحيوان المشكوك حليّته فليس له حالة سابقة متيقّنة وان اريد منها العدم الازلى المطلق على نحو ليس التامّة فهو من المثبت بناء على ما هو الصّواب من حجيّة الاستصحاب من حيث التعبّد لانّه من استصحاب الكلّى وتطبيقه على بعض افراده الخارجيّة.

قوله (كان ذلك داخلا فى الشبهة فى طريق الحكم) اى الشبهة الموضوعيّة وتسمّى عند الاخباريّين بالشبهة فى طريق الحكم ولا يقولون بوجوب الاحتياط فيها بل حكموا بالاباحة وفساد التوهّم المذكور لأجل انّ الاشتباه فى هذه الموارد انّما هو فى الحكم الكلّى بالنّسبة الى مورد الاجمال لاجل اجمال الخطاب وعدم تبيّن القضيّة الكليّة الشرعيّة واجمال القضيّة يكون بواسطة اجمال الموضوع او المحمول او هما معا ولا يكون الاشتباه فى هذه الموارد اشتباها فى المصداق بعد تبيّن خطاب الشارع وهذا هو المعيار فى الفرق بين الشبهتين وتوهّم هذا الاخبارى انّما نشأ من زعم عدم الفرق بين الاشتباه فى الموضوع الكلّى والموضوع الجزئىّ.

قوله (وهذه الرواية وان كانت اخصّ من اخبار التخيير) وذلك لانّ اخبار التخيير مطلقة من حيث امكان الاحتياط وعدمه ولم يذكر فيها ذلك سواء ما حكم منها بالتخيير ابتداء وما حكم به مع فقد المرجّحات وهذه الرّواية يكون التخيير فيها مذكورا بعد الاحتياط الّا انّها ضعيفة فلا تقاوم اخبار التخيير فإن قلت إنّ الحكم فى مقبولة عمر بن حنظلة بعد فقد المرجّحات هو التوقّف والارجاء وقد رواها المشايخ الثلاثة فهى تكفى فى تقديم الاحتياط على التخيير قلت إنّ المقبولة واردة فى حكم حال التمكّن من ازالة الشبهة نوعا بالرجوع الى الإمام ع ولا ضير فى تقديم الاحتياط على التخيير فى تلك الصّورة وامّا فى حال عدم التمكّن كما هو المفروض فلا دليل على خلاف مطلقات التخيير قوله (ويمكن ان يقال انّ مرادهم من الاصل فى مسئلة النّاقل الخ) لكنّه خلاف الظاهر فانّ مقتضى ادلّتهم المذكورة فى مسئلة الناقل والمقرّر انّ الاصل المذكور هناك اعمّ من اصالة الاباحة واصالة البراءة من الوجوب فمنع الوفاق فى المسألة الثانية ونسبة الخطاء الى مدّعى عدم الخلاف اولى من هذا التوجيه قوله (لكن هذا الوجه قد يأباه مقتضى ادلّتهم فلاحظ وتامّل) فانّ الظاهر من بعضها انّ التخيير او الرجوع الى اصالة الاحتياط او البراءة انّما هو مقتضى الاصل الاوّلى بعد التعارض لا ان

٣٣٥

يكون الالتزام باحدها لاجل الاخبار الواردة.

قوله (والظاهر عدم الخلاف فى انّ مقتضى الاصل فيه الاباحة للأخبار الكثيرة) الاخبار المستدلّ بها على البراءة عند الشّك فى التكليف بعضها يختصّ بالشّبهة الحكميّة وقد تقدّم ذكرها وبعضها يعمّ الشبهتين الحكميّة والموضوعيّة وهذا على قسمين منه ما يعمّ الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة ايضا كحديث الرفع والسّعة ومنه ما يختصّ بالشبهة التحريميّة مثل قوله ع كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام وقوله ع كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال قوله (ان لوحظ فيها اصل عدم تحقّق النسب او الرضاع الخ) هذا ان قلنا بانّ موضوع الحليّة فى الزوجة امر عدمىّ وهو عدم كونها امّا او اختا نسبيّا او رضاعيّا كما هو الظاهر من قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) بعد قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) الآية فإنّ المستفاد منها انّ موضوع الحرمة امر وجودىّ وهو كون المرأة امّا او اختا وموضوع الحليّة هو عدم كونها كذلك وامّا ان قلنا بانّ موضوع الحليّة فيها امر وجودىّ وهو كونها اجنبيّة كما اختاره بعض الفقهاء فلا يجرى اصالة الاباحة قطعا لعدم كفاية مجرد عدم ثبوت النّسب او الرضاع فى اثبات ذلك الّا على القول بحجيّة المثبت مع انّها معارضة بالمثل ح للعلم الاجمالى بولادتها او رضاعها من امرأة مردّدة بين الامّ والأجنبيّة قوله (وتوهّم عدم جريان قبح التكليف الخ) الظاهر انّ هذا التوهّم محض المناقشة والّا لم يحك قائل بوجوب الاحتياط فى الشبهة التحريميّة الموضوعيّة قوله (مدفوع بانّ النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة) والمقصود انّ تنجّز الحرمة على المكلّف لا يكون الّا بالنسبة الى الافراد المعلومة له تفصيلا او اجمالا لا مطلقا والّا فالحرمة ثابتة للافراد الواقعيّة اذ لو كانت ثابتة للافراد المعلومة لزم ان لا يكون الفرد الغير المعلوم حراما واقعا والمفروض انّ الشارع رتّب الحرمة على نفس الخمر لا على الخمر المعلوم ولكن تنجّزها لا يكون الّا بالعلم لانّ عند حصول العلم يحصل للمكلّف صغرى وكبرى اعنى قوله هذا خمر والخمر حرام ومن المعلوم انّ العلم بالنّتيجة يتبع العلم بالمقدّمتين ثمّ اعلم انّه قد استشكل فى كفاية الاصول فى الامر الثالث من الامور الّتى ذكرها بعد بيان حكم الشبهة التحريميّة والوجوبيّة على ما افاده الشيخ ره فى المقام ونحن نذكره مع توضيح منّا ثمّ نعقّبه بدفعه وتقوية ما فى المتن فنقول انّه لا اشكال فى انّه اذا تعلّق الطلب الايجابى بالطبيعة المحدودة بحدودها من الزمان والمكان والاجزاء والشرائط وجب على المكلّف ان يدور حول هذه الطبيعة ويصرف همّه فى ايجاد فرد ينطبق الطبيعة عليه بحيث لو اقتصر على الفرد المشكوك من دون رجوع الى اصل موضوعىّ ينقّح موضوع الامر لم يكن آتيا بالطبيعة المأمور بها واذا كان هذا حال الامر فكذلك فى الطلب

٣٣٦

التحريمى يجب عليه ان يدور حول هذه الطبيعة الّتى امر بتركها بحيث كان اللازم الاجتناب عن الافراد المشكوكة فى مقام الامتثال من غير رجوع الى اصل موضوعىّ ولا يكون فى نظر العقل تفاوت فى طريق امتثال الامر والنهى فكما لا يكتفى العقل فى مقام امتثال الطبيعة الّتى امر بايجادها بالاتيان بالفرد المشكوك فكذلك فى النهى فانّه يستدعى الخروج عن عهدته على وجه العلم او العلمى والسّر فى ذلك انّه لا فرق بين الطلبين من حيث وجوب الاطاعة الّا من جهة كون المطلوب فى احدهما الايجاد وفى الآخر الترك وكما لا بدّ فى مقام الاطاعة من احراز الفعل فى الاوّل فكذلك لا بدّ من احراز الترك فى الثانى وترك الطبيعة لا يكون الّا بترك جميع أفرادها نعم لمّا كان بين الطلبين فرق من جهة كون الطلب الايجادى مسبوقا بالعدم بخلاف الآخر فانّه مسبوق بالترك كان اللّازم في الاوّل عدم الاكتفاء بالفرد المشكوك لتحصيل الفراغ اليقينى والاستصحاب ايضا يقضى بذلك الّا انّه لا حاجة اليه فانّ نفس الشّك كاف فى تحصيل الفراغ اليقينى وكان اللّازم في الثانى ايضا ترك الفرد المشكوك لتحصيل الفراغ ايضا لانّ الشّك ليس فى التكليف والتكليف وارد على المفهوم المحصّل معلوما ويكون الشّك فى انّ ارتكاب ذلك الخارجى المشتبه معصية للنهى ام لا وشغل الذمّة اليقينى يستدعى الفراغ اليقينى الّا أنّه لمّا كان مسبوقا بالتّرك كان الترك معلوما فيستصحب عند الاتيان بالفرد المشكوك ويحكم بانّه ليس من مصاديق الطبيعة المنهىّ عنها فإن قلت إنّ هذا الاصل مثبت لانّ المستصحب غير مجعول وليس له اثر مجعول لانّ حليّة الفرد المشكوك ليس اثرا شرعيّا للترك والأثر المترتّب عليه هو حصول الامتثال وهو اثر عقلىّ قلت الأثر المجعول بقاء الطلب لانّ المفروض تعلّق الطلب بالترك وثبوت حصول الاطاعة من جهة ترتّبها على الطلب نظير سائر الآثار العقليّة المترتّبة على الأثر الشرعى المترتّب على موضوع مستصحب كما فى استصحاب الخمر الثابت به وجوب الخروج عن عهدة حرمتها واذا احرز اطاعة النهى وعدم مخالفته بالاصل وانّه لم يأت بشيء يوجب ايجاد الطبيعة فى ضمنه كان الفرد المشكوك لتردّده بين الحلال والحرام محكوما بالحليّة باصالة الاباحة والبراءة وانّما يصحّ للمولى ان يؤاخذ العبد بانّه لم عصيتنى وخالفتنى فيما نهيتك عنه لو لم يكن اصل موضوعىّ ينقّح الموضوع وامّا معه فلا حجّة للمولى على المؤاخذة والمكلّف يحرز اوّلا الخروج عن عهدة الطبيعة الّتى طلب منه تركها ثمّ يحكم فى الفرد المشتبه بالحليّة لمكان ادلّة البراءة والإباحة بل يمكن ان يقال بعد احراز الامن من العقوبة لا احتياج الى اصالة البراءة نعم ربما يكون عدم وجوب المشكوك او اباحته موضوعا لاثر شرعىّ بالنذر وشبهه فيحتاج إليها وبالجملة اللازم على المكلّف فى طرف النهى احراز التّرك بالمرّة ولو بالاصل ولا يجوز الاتيان بشيء يشكّ معه فى حصول الترك الّا اذا كان مسبوقا به فيستصحب مع الاتيان به نعم لو كان متعلّق الطلب هو الافراد بان يكون المرجع

٣٣٧

فى النهى الواحد النواهى المتعدّدة بان يكون كلّ فرد متعلّقا للطلب على حدة فلا بدّ فى تنجّز التكليف من احراز الكبرى والصغرى ولا يكاد يتنجّز بمجرّد العلم بالكبرى لوضوح انّه اذا قال المولى اجتنب عن كلّ فرد من افراد الخمر توقّف وجوب الاجتناب الى العلم واحراز انّ هذا خمر واذا شكّ فيه كان شكّا فى التكليف ولكنّ الحقّ كما قرّر فى محلّه انّ متعلّق الصّيغ ليس الّا الطبائع ويؤتى بالفرد مقدّمة لايجادها فاللازم ما عرفت من لزوم الاجتناب عن الافراد المشكوكة امّا مقدّمة لحصول الترك المطلق وامّا للشّك فى فراغ الذمّة عند ارتكاب المشتبه واليقين بالفراغ لا يحصل الّا بتركه الّا اذا كان هناك اصل موضوعى يحرز معه ترك الطبيعة حتّى مع الاتيان بهذا الفرد المشكوك ولذلك لو كان الترك المطلوب مسبوقا بالوجود والايجاد المطلوب مسبوقا بالعدم انقلب الامر كما لو نهى عن الحركة فى زمان مع وجودها قبل النهى وفعل بعد ذلك فعلا يشكّ معه فى ترك الحركة كان الاصل عدم تركها هذا ولك ان تقرّر الاشكال هكذا وهو انّ تعلّق الطلب بالترك امّا ان يكون بالطبيعة او الأفراد وعلى الاوّل فلا ريب انّ الطبيعة تكون موضوعا للامر والنهى بلحاظ انّها حاكية عن الوجود الخارجى بحيث لا ترى الّا خارجيّة ولحاظها كذلك قد يكون لحاظا لصرف الطّبيعة وهو المسمّى بصرف الوجود وقد يكون لحاظا لكلّ حصّة منها وهو المسمّى بالطبيعة السّارية ولازم الاوّل ان لو كانت موضوعا للنهى كانت له طاعة واحدة حاصلة بترك جميع افرادها ومعصية واحدة حاصلة بفعل بعض افرادها ولو مع ترك الباقى ولازم الثانى ح أن تكون لها طاعات متعدّدة ومعصية كذلك بتعدّد حصص الطبيعة كما هو الحال فيما لو كان النهى متعلّقا بالافراد فاذا ارتكب فردا وترك الآخر عصى فى الاوّل واطاع فى الثانى فالمشكوك فرديّته يجب فيه الاحتياط على الاوّل ولا يجب على الاخيرين ووجه الفرق ما عرفت وحاصل ما ظهر لك فى تقرير الاشكال هو انّ ما افاده المصنّف ره من انّ النهى عن الخمر يوجب حرمة الافراد المعلومة تفصيلا والمعلومة اجمالا بين محصور وامّا ما احتمل كونه خمرا من دون علم اجمالى فلم يعلم من النهى تحريمه إنّما يتمّ لو قلنا بكون المتعلّق هو الافراد او قلنا بانّه الطبيعة لكن كان التعلّق بلحاظ الطبيعة السارية وامّا على القول بانّه الطبيعة وكان التعلّق بلحاظ صرف الوجود فيوجب النهى عن الخمر حرمة الافراد المشكوكة ولزوم الاجتناب عنها كالافراد المعلومة نعم على الاخير ايضا اذا كان مسبوقا بالترك كان استصحاب بقاء الحالة السابقة مجديا ايضا فى احراز ترك الطبيعة ويرد على الاشكال اوّلا انّ تعلّق الطلب بالترك يتصوّر على نحوين أحدهما أن يكون كلّ عدم من اعدام الطبيعة على القول بتعلّق النهى بها او من اعدام الفرد على القول بتعلّق النهى بالافراد مطلوبا مستقلّا وثانيهما ان تكون تلك الاعدام مطلوبة بطلب واحد بحيث يكون كلّ واحد جزء من المطلوب وهذا

٣٣٨

التقسيم هو الّذى يثمر فى مسئلتنا لانّ المؤثّر والّذى يهمّنا فى المسألة هو تعيين كون تعلّق طلب الترك هل هو على نحو الانحلال او على التركّب سواء تعلّق الطلب بالطبيعة او بالافراد فعلى الانحلال لا اشكال فى جريان البراءة عقلا ونقلا وعلى تقدير عدمه ففيه الخلاف وامّا تقسيم تعلّق الطلب بالترك باعتبار انّه يكون متعلّقا بالطبيعة او الافراد وعلى الاوّل فتعلّقها بالطبيعة على نحو صرف الوجود او على نحو الطبيعة السارية فالظاهر انّه ليس بشيء وتأثيره انّما هو فى امر خارج عمّا نحن فيه وذلك لانّ الكلام فى مسئلة تعلّق الطلب بالطبيعة او الافراد انّما هو فى انّ المطلوب هل هو ايجاد الوجودات المحدودة من غير مدخليّة لحدودها فيه او ايجاد الوجودات المحدودة بحيث يكون لحدودها مدخليّة فى المطلوب من غير فرق بين اصالة الوجود واصالة الماهيّة أمّا على اصالة الوجود فلما حقّق فى محلّه من انّ الوجودات تتعدّد باختلاف افرادها وبتعدّد اشخاصها وان كانت بحسب اللّب والحقيقة متّحدات حيث انّه لا شيء الّا الوجود وفى حال تعدّدها يكون تمايزها بعين مشتركاتها ويكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز بداهة انّ جهة اشتراكها هى وجود كلّ منها وهذه الجهة لانتهائها الى امر عدمىّ يكون حدّا له تكون جهة لتمايزها بداهة انّ لكلّ واحد منها حدّا محدودا حسب الفرض حيث انّه لم يبلغ بمرتبة الواجب فيكون وجود المحدود بشخصه علّة للاشتراك والامتياز وبهذا الحدّ يصير معروضا للعوارض التسعة على سبيل الاجمال والكليّة فانّ العوارض لا تزال تتغيّر وتتبدّل ومع ذلك كيف يصحّ ان يكون معروضا لها على سبيل التعيين فيكون النزاع فى انّ المطلوب بالاوامر هل هو هذه الوجودات بحدودها فيكون ما به الامتياز من مقوّمات المطلوب ام هذه الوجودات المحدودة من غير مدخليّة لحدودها فيه وان كانت الخصوصيّات ممّا يستحيل انفكاكها عنه فان قلنا بأنّ المطلوب هو الوجود السعى لهذه الوجودات فهو معنى قولهم انّ متعلّق الامر والنهى هو الطبيعة وان قلنا بانّ المطلوب هو الوجودات المحدودة بالحدود فهو معنى قولهم انّ متعلّقهما هو الافراد دون الطبائع وبعبارة أخرى كما انّ الاعراض الطارية على سبيل الابهام خارجة عن المطلوب لعدم استقرارها وحدوثها آنا فآنا فهل حدود الوجودات الّتى بها يمتاز كلّ عن غيره خارجة عن المطلوب ايضا ام لا مثلا للصوم وجودات بالنّسبة الى شخص واحد كصوم حاله ومستقبله وماضيه وكذلك بالنسبة الى اشخاص متعدّدين ولكلّ من هذه الوجودات حدود يمتاز بها عن صوم آخر ويكون بهذه الحدود معروضا للزمان والجدة ونحوهما فإن كان المطلوب هو هذه الوجودات المقيّدة بالقيود الّتى بها تكون موافقة للغرض من غير مدخليّة للحدود فى مطلوبيّته فلا محيص من ان يكون متعلّق الطلب هو ايجاد هذه الوجودات بوجودها السعى وان كان المطلوب هذه الوجودات مع حدودها فلا محيص من ان يكون متعلّق الطلب هو ايجادها مع حدودها بحيث لو فرض

٣٣٩

محالا انفكاكها عنها لما كانت مطلوبة وامّا بناء على اصالة الماهيّة فالصادر من الفاعل نفس الماهيّة ولا شبهة ايضا فى انّ الماهيّة تتعدّد بتعدّد الافراد بالنسبة الى شخص واحد فضلا عن اشخاص متعدّدين وفى حال التعدّد تمتاز كلّ ماهيّة عن غيرها بما تمتاز به على ما بيّن فى محلّه فيقال انّ المطلوب هل هو تلك الماهيّة مع ما تمتاز به عن غيره ام تلك الماهيّة الخارجيّة من دون مدخليّة لحدودها الّتى بها تمتاز عن غيرها فى مطلوبيّتها وعلى الاوّل يكون متعلّقهما الافراد بخلافه على الثانى وثانيا انّ عدم الطبيعة على كلّ من الوجهين اى صرف الوجود والطبيعة السارية عين عدم الافراد كما انّ وجودها فى كلّ من القسمين عين وجودها ولا تحقّق لها غير تحقّق الافراد وليس المطلوب من عدم الطبيعة او وجودها الّا الأعدام والوجودات الخارجيّة والطبيعى والفرد لا يكونان الّا شيئا واحدا معلوميّة انّ الفرد لو لم يكن عين الكلّى لم يكن فردا له فتكون وجودات الافراد واعدامها هى بعينها وجود الطّبيعى وعدمه والافراد لا تكون الّا تعيّن الطّبيعى فى موطنه الخارجى حيث انّه فى هذا الموطن يكون جزئيّا كما انّه فى موطن الذّهن كان كلّيا وقد شرحنا ذلك فى رسالتنا الّتى نقلناها سابقا المعمولة للجمع بين الحكم الظّاهرى والواقعى والفرد لا يكون من مقدّمات وجود الطبيعى كيف وقضيّة المقدميّة الاثنينيّة وليس الفرد الّا الطبيعى الموجود فى الخارج بنحو خاصّ ونسبته الى الافراد نسبة الآباء الى الابناء لا نسبة أب واحد اليها والطبيعة الملحوظة المنهىّ عنها ليست الّا آلة لجمع شتات المنهيّات ويسرى الامر والنهى المتعلّق بالطبيعة اليها بالانطباق فاذا كان المعروض للحسن او القبح عند العقل هو الفعل الشأنىّ للمكلّف وكان تعلّق الطّلب بالطبيعة مع وحدتها تعلّقا بالافراد لوضوح انّ الطّبيعة لا توجد الّا بايجاد الفرد لزم فى مقام الاطاعة ان لا يكون التكليف منجّزا الّا بالنّسبة الى الافراد المعلومة كونها فردا للطّبيعة من دون فرق بين الامر والنّهى نعم لو كانت الافراد مقدّمة ومحصّلة للطبيعة المأمور بها والمنهىّ عنها وكانتا متغايرتين ذاتا وجب الاحتياط فإن قيل سلّمنا الاتّحاد فى مقام الوجود وامّا فى مقام العدم فهو ممنوع لانّ نقيض الطبيعة باعتبار صرف الوجود مغاير لنقيض كلّ واحد من وجودات الأفراد بيانه أنّ الاتّحاد بينهما امّا اتّحاد مفهومىّ بالحمل الاوّلى وامّا اتّحاد بالحمل الشائع والاوّل باطل جدّا والّا يلزم ان يكون نقيض الواحد متعدّد او فساده ظاهر والثانى يتوقّف على تغايرهما فى موطن واتّحادهما فى موطن آخر كما هو قضيّة الاتّحاد بين الشيئين بالحمل الشائع ومن البيّن انّ ملاك الاتّحاد كذلك انّما هو الوجود الحقيقى الّذى هو ما به الاتّحاد بين المفاهيم لوضوح انّ المفاهيم باسرها بما هى متباينات فى حدّ نفسها وليس ما به الاتّحاد بينها الّا ما هو خارج عن سنخ المفاهيم ومن المعلوم انّ العدم مقابل للوجود وانّما يكون تمايز الاعدام بالاضافة

٣٤٠