تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

اندراجه تحت احدهما وهذا هو الفارق بين المقام والمخصّص المنفصل المجمل بحسب المفهوم ولست اقول فى المقام انّ المخصّص منوّع للخطاب العامّ حتّى يمنع عن ذلك بل المراد انّ الخطاب العامّ يكون بصدد بيان الحكم الواقعى للعالم الواقعى بجميع ما له من الافراد واستقرّ له الظهور فى ذلك بحيث عمّ لمثل زيد العالم المشتبه عدالته وفسقه ولكن بعد صدور المخصّص نقصت حجيّة الظهور المستقرّة بالنّسبة الى مدلول الخاصّ وصار المخصّص حجّة فى العالم الفاسق والعامّ حجّة فى العالم الغير الفاسق ويكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت احدى الحجّتين فلا محيص الّا بالرجوع الى الاصل هذا مضافا الى انّ التّمسك بعموم العامّ فى الشبهة الموضوعيّة يستلزم تقدّم الشيء وهو العامّ على نفسه وذلك لانّ الفرد المشتبه لا يخلو فى الواقع من ان يكون مندرجا تحت احدى الحجّتين لانّه فى الواقع امّا ان يكون من العالم الغير الفاسق او من العالم الفاسق وعلى اىّ تقدير يكون محكوما باحد الحكمين الثابتين ومع عروض الاشتباه عليه اذا كان محكوما ايضا بحكم العام كما هو المفروض لزم ان يكون العامّ مقدّما على الموضوع فانّه لو لم يكن ذلك العامّ فى البين لم يعقل ان يصير هذا الفرد مشتبها واذا صار مقدّما على الموضوع لزم تقدّم الشّيء على النفس بمرتبة او بمرتبتين حيث انّ مرتبة الحكم الظاهرى متأخّرة عن مرتبة الحكم الواقعى فلو كان الحكم الواقعى وجوب الاكرام المستفاد من العامّ وحرمة الاكرام المستفادة من الخاصّ لكان ذلك الخطاب مؤخّرا بمرتبتين والتّمسك به موجبا لتقدّمه على نفسه بهاتين المرتبتين ولو كان الحكم الواقعى هو الاوّل فقط لزم ان يكون ذلك الخطاب مؤخّرا بمرتبة واحدة والتّمسك به موجبا لتقدّمه على نفسه بمرتبة وبالجملة لازم التخصيص تضييق دائرة حجيّة العامّ وتخصيصه بغير عنوانه والّا لم يكن تخصيصا ويحصل ح حجّتان وكلّما يمكن ان يوجد من الافراد ومنه الفرد المشتبه لا يخلو من اندراجه فى الواقع تحت إحداهما ولا يكون المشتبه خارجا عنهما لعدم كونه فردا ثالثا واذا أردنا أن نثبت حكم العامّ لهذا الفرد المشتبه بعنوان كونه مشتبها نحتاج الى عناية وهى ان يدّعى انّ العامّ كما يكون متكفّلا لبيان الافراد كذلك يكون متكفّلا لبيان الاحوال وكما يدلّ على وجوب اكرام كلّ عالم عادل يدلّ على وجوب اكرام كلّ عالم عند اشتباه الحال من العدالة والفسق واثبات الحكم المذكور للفرد المشتبه يستلزم الدّور معلوميّة انّه ليس الّا خطاب واحد واثبات الحكم الظاهرى به يتوقّف على ان يكون نفس الخطاب بما فيه من لزوم التأخّر مقدّما على نفسه فانّ مرتبة الحكم الظاهرى متأخّر عن مرتبة الحكم الواقعى طبعا ومع كونه كذلك يلزم ان يكون مقدّما وبعبارة أخرى وجود الخطاب يتوقّف على وجود موضوعه ووجود موضوعه يتوقّف على وجوده بداهة انّه لو لا هذا الخطاب لما صار هذا الفرد مردّدا والقول بانّ الخطاب المذكور سيق على وجه القضيّة الطبيعيّة غير مفيد فإنّ الالتزام بذلك انّما يفيد فيما اذا توقّف وجود فرد على وجود الحكم المذكور فانّ القضيّة الطبيعيّة يشمل الفرد الّذى يوجد فى الزمان المتأخّر كما فى قولنا

٣٨١

صدّق العادل وكلّ خبرى صادق حيث انّ الحكم تعلّق بالطبيعة وبحكم العقل يسرى حكمها الى جميع ما يندرج تحتها ومنها نفس هذا الخبر وفى المقام لو كانت القضيّة طبيعيّة وفرض انّها موجبة لوجود عالم عادل كان محكوما بوجوب الاكرام ومن الواضح انّ وجه الاشكال غير مرتبط بهذا الكلام أصلا نعم يمكن ان يكون للمولى مع قطع النظر عن هذا العامّ فى الواقع حكمان مجعولان احدهما وجوب الاكرام للعالم العادل الواقعى والثانى وجوبه للعالم المشتبه عدالته ويتوصّل بخطاب آخر للكشف عن هذين الحكمين الثابتين بمعنى انّ الدّاعى الى انشائه هو التوصّل اليهما ويصحّ حينئذ أن يقال هذا الخطاب متكفّل لبيان وجوب اكرام الموضوع الواقعى والمشتبه ولكن مجرّد الامكان لا يثمر مع العلم وشهادة الوجدان بانّ هذا الخطاب العامّ لا يكون متكفّلا الّا لبيان الحكم الواقعى للعالم الواقعى وهذا وجه آخر لعدم صحّة التّمسك بالعامّ كما انّه يمكن انشاء الحكم الظاهرى قبل الحكم الواقعى بان ينشئ المولى حكما للجاهل بالموضوع او الحكم قبل انشاء الحكم الواقعى بان يصرّح بانّى اريد انشاء احكام وتكاليف واذا اشتبه عليك حكم منها ولم تعرفه بخصوصه او اشتبه موضوع من موضوعاتها فحكمك هكذا ثمّ ينشئ حكما بنحو العموم ويشتبه بعض افراده بالشبهة الموضوعيّة فانّ مقتضى الحكم الاوّلى هو الرجوع الى عموم الحكم الثانوى ولكنّ الامكان لا يثمر فى التّمسك بالعامّ للفرد المشتبه مع القطع بعدم انشاء حكم ظاهرىّ مستقلّ لا يقال انّ الدور وارد ايضا على التّمسك بالعموم فى الشبهة المفهوميّة فانّ الاكثر فى تلك الشبهة لا يخلو من ان يكون مندرجا تحت احدى الحجّتين واذا كان عند الاشتباه محكوما بحكم العامّ لزم الدّور فإنّه يقال الاكثر فى الشبهة المفهوميّة لا يكون مندرجا الّا تحت العامّ فانّ بواسطة الوضع او الاطلاق استقرّ له الظّهور فى العموم وبواسطة اصالة الوضع واصالة كون الكلام فى مقام الافادة فى بيان المراد صار حجّة فى العموم ومقتضى ذلك كونه دليلا وحجّة فى وجوب اكرام العالم الّذى يرتكب الصغائر وبعد ورود دليل المخصّص لم يقم حجّة اخرى تكون مخالفا لتلك الحجّة فى حقّ هذا العالم فانّ الخاصّ لم ينعقد له ظهور الّا بالنّسبة الى الاقلّ فقبل ورود المخصّص وبعده لا يكون حجّة فى حقّه الّا دليل العامّ فلا يكون امر الاكثر مردّدا بين ان يكون من افراد اىّ الحجّتين حتّى يلزم المحذور لا يقال انّ للمولى ان يلاحظ موضوع حكمه بجميع طواريه واحواله فيلاحظ العالم بجميع احواله ومنها حال تردّده بين العدالة والفسق ويحكم عليه بوجوب الاكرام فلا مانع من التعويل على العامّ فى الشبهة الموضوعيّة فانّه يقال لا مانع من ذلك واخذ الموضوع كذلك فى موضوعات الاحكام الواقعيّة بمكان من الامكان الّا انّه لا يدفع الاشكال الوارد على التّمسك بالعامّ فى الشبهة الموضوعيّة فانّ موضوع الحكم الظاهرى لا بدّ ان يلاحظ معه بعض احوال المكلّف كالجهل بالحكم الواقعى ونحوه فاذا اخذ العالم المردّد بين

٣٨٢

كونه فاسقا او عادلا بلحاظ كونه مشتبه الحكم الواقعى فلا يعقل ان يؤخذ معه بلحاظ آخر وهو ثبوت الحكم الواقعى والمفروض وجود خطاب واحد وهو العامّ ولا يعقل ان يكون ملحوظا بلحاظين كما هو المقصود واذا اخذ العالم بجميع احواله فلا يكون الخطاب الّا بيانا للحكم الواقعى ولا يكون متكفّلا للحكم الظاهرى الّا اذا لوحظ فى الخطاب بعنوان كونه مشتبه الحكم والتعويل على العامّ فى مفروض المقام مرجعه الى كون الموضوع فى الخطاب ملحوظا بلحاظين وبالجملة اذا لوحظ موضوع الحكم العالم بجميع احواله كان الحكم واقعيّا واذا لوحظ بعنوان انّه مشتبه الحكم كان حكما ظاهريّا ومع وحدة الخطاب يستحيل تكفّله لبيان الحكمين لانّه جمع بين اللّحاظين ثمّ انّ هذا كلّه فيما كان للمقيّد او الخاصّ لفظ وعنوان قيّد به المطلق او خصّص به العامّ وامّا اذا كان لبيّا بان ورد عامّ او مطلق وعلم التّخصيص او التّقييد بحكم العقل او العرف وتردّد امر فرد بين ان يكون مندرجا تحت العامّ او المخصّص اللبّى من جهة عدم الاحاطة بحقيقته العرفيّة فربما قيل بكونه من المقيّد والمخصّص المتّصل فيوجب الاجمال فى العامّ والمطلق ويجب الرّجوع الى اصل البراءة ولكنّ الحقّ كما عليه جمع من المحقّقين منهم المصنّف قدّس الله اسرارهم حجيّة العامّ والمطلق بالنّسبة الى الفرد المشكوك وهو الظاهر من قوله فى المقام فى تقريب الاصل اللفظىّ الّا انّ هذا ليس باولى من ان يقال انّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة الى آخر ما أفاده رحمه‌الله ووجه الفرق بين المخصّص اللفظى المتّصل والمخصّص اللّبى انّ المخصّص اللّفظى ينقص حجيّة العامّ بالنّسبة الى مدلوله ويكون ظهور الخاصّ كظهور العامّ فى الحجيّة واسراء حكم العامّ او الخاصّ للفرد المشتبه ترجيح بلا مرجّح وهذا بخلاف المخصّص اللّبى فانّ الملقى اليه ليس الّا حجّة واحدة ويكون هذه الحجّة متّبعة بمقتضى ديدن العقلاء واهل العرف ما لم يقم حجّة اقوى على خلافه فاذا قال المولى اكرم جيرانى وقطعنا بانّه لا يريد اكرام من كان منهم عدوّا له كان ظاهر كلامه اكرام كلّ فرد من جيرانه حتّى العدوّ ولا بدّ من الاخذ بهذا الظهور حتّى يعلم خلافه واذا شكّ فى فرد انّه عدوّ له ام لا كان مقتضى هذا الظهور وجوب اكرامه الّا مع القطع بكونه عدوّا ولا مجال لتوهّم انّ بعد قيام المخصّص اللّبى يكون القائم ايضا حجّتين واجراء حكم العامّ بالنّسبة الى المشتبه ترجيح بلا مرجّح لانّ الشّك فى هذا الفرد ليس الّا من جهة اتّصافه بما يعاند حكم العامّ فى الواقع ومجرّد احتمال المعاندة لا يقتضى رفع اليد عن العموم كما لا ريب فى صحّة التّمسك بالعامّ اذا شكّ فى اصل التخصيص وبالجملة اذا القى الحكيم كلاما على وفق غرضه ومرامه فلا بدّ من اتّباع ظاهر كلامه بمقتضى ديدن العرف والعقلاء الّا مع القطع بالخلاف ويشهد بذلك صحّة مؤاخذة المولى لو لم يكرم العبد واحدا من جيرانه بمجرّد هذا الاحتمال ولا يصحّ اعتذاره بمجرّد الشّك ولا يصحّ المؤاخذة اذا كان المخصّص لفظا متّصلا والسّر فى ذلك انّ المتكلّم لو ابرز العموم على نحو يشمل المشكوك والمقطوع من الافراد المعاندة لحكم العامّ كان ابراز العموم

٣٨٣

لبيان حكم الافراد المشكوكة عند اهل المحاورة والّا كان عليه ان يضيّق دائرة كلامه مع كونه فى مقام البيان فمن تركه التعرّض لذلك نستكشف انّ غير المقطوع من المعاند محكوم بحكم العامّ نعم إذا كان المخصّص اللّبى معنونا بعنوان كما اذا قام الاجماع على قاعدة وعنوان كان حاله كحال المخصّص اللّفظى المنفصل فى كون العامّ حجّة فى غير معقد الاجماع وما قام عليه الاجماع حجّة اخرى والفرد المشتبه يكون مردّدا فى اندراجه تحت إحداهما وامّا إذا لم يكن المخصّص اللّبى ذا عنوان كما اذا قام الاجماع او سيرة العقلاء على عمل ينافى حكم العامّ من حيث التخصيص كعدم اكرام العدوّ من الجيران فاللّازم هو التّمسك بالعامّ فى الفرد المشتبه كما عرفت بل يمكن ان يدّعى كما اشرنا اليه انّ ابراز الحكم على وجه العموم يستدعى شموله للفرد المشتبه وخروجه عن المخصّص فيقال فى مثل لعن الله بنى اميّة قاطبة انّ فلانا وان شكّ فى ايمانه يجوز لعنه لكون الدّليل مقتضيا لجواز اللّعن على كلّ من كان من بنى اميّة فما لم يعلم ايمانه يجوز لعنه ومن جاز لعنه فليس بمؤمن وقد يقال انّ تخصيص لعنهم بغير المؤمن منهم انّما هو تخصيص عقلىّ محض والعقل الحاكم بالتخصيص لا يشكّ فى موضوع حكمه فمع العلم بالايمان يحكم بعدم جواز اللّعن ومع عدمه يحكم بالجواز عملا بالعامّ واذا احطت خبرا بما ذكرنا فخلاصة الكلام انّه لو كان ارتكاب الواحد المعيّن او تركه ممكنا عقلا وكان المكلّف اجنبيّا عنه وغير مبتلى به بحسب حاله المتعارف لم يكن التكليف منجّزا عليه فى هذا المورد ويكون علما بمجرّد الخطاب من دون ثبوت حكم فعلىّ والسّر فى ذلك انّ النّهى عن الشّيء او الامر به انّما هو لاجل ان يصير داعيا الى تركه او فعله لو لم يكن له داع آخر نحو تركه او فعله فكما أنّه اذا كان المكلّف مبتلى بحسب حاله بفعل شدّة الابتلاء بحيث لا يمكنه تركه وكان الفعل موافقا لغرض المولى من حيث التعبّدية او التوصّلية لما كان فى الامر به فائدة لكونه من طلب الحاصل فكذلك اذا كان المكلّف بحسب حاله غير مبتلى بما هو مطلوب التّرك يكون بنفس عدم ابتلائه به تارك له وهذا بخلاف ما اذا كان المكلّف مبتلى به وكان غير موافق لغرض المولى فانّه يصحّ حينئذ طلب تركه منه لاجل ان يصير داعيا الى تركه وحيث أنّ اعتبار الابتلاء ممّا لا بدّ منه فى تنجّز التكليف بكلا قسميه من الايجاب والتحريم ففى المقام وهو القطع بالتكليف مع تردّد المكلّف به بين المتباينين سواء كان التكليف تحريما او ايجابا لا بدّ ان يكون اطراف المكلّف به المعلوم بالاجمال محلّا لابتلاء المكلّف بها حتّى يكون الطلب الايجابى فى صورة حصول الدّاعى الى التّرك المخالف لغرض المولى سببا لحصول الداعى الى الفعل او الطلب التّحريمى فى صورة العكس سببا لحصول الداعى الى الفعل ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محلّ الابتلاء لما صحّ التكليف الفعلى بما هو مردّد بينها وبالجملة المدار فى تنجّز التكليف المعلوم بين المتباينين هو ان يكون كلّ منهما محلّ ابتلائه ومعنى الابتلاء بشيء ان

٣٨٤

يكون المكلّف بحسب العادة على الوجه المتعارف مبتلى به وان امكن من باب الاتّفاق خروجه عن محلّ ابتلائه من جهة خلاف العادة وهذا الشرط ليس راجعا الى اشتراط القدرة الثابتة فى عامّة التكاليف كما قد يتوهّم فانّ اعتبار الابتلاء بالمعنى الّذى عرفت انّما هو بعد الفراغ عن اعتبار القدرة وكونه متمكّنا من الفعل والتّرك فالأمر أو النّهى الفعلى لا يصحّ الّا بما يكون على الوجه المتعارف من محلّ الابتلاء والّا كان مستهجنا وقبيحا نعم لو كان الطلب مقيّدا بصورة الابتلاء كان صحيحا فالطلب على وجه الإطلاق انّما هو فى مورد الابتلاء وفى غيره لا يصحّ الّا مع التقييد وبعد ما اتّضح معنى الابتلاء وسرّ اشتراطه فاعلم انّه قد يشكّ فى بعض الاطراف من حيث انّه لا يبعد ابتلاء المكلّف به وان لم يكن ممّا يحتاج اليه فعلا ومن الواضح ان تقييد المطلقات الواردة فى باب التكاليف الشرعيّة بصورة الابتلاء تقييد لبىّ عرفىّ ويكون بمنزلة التقييدات العقليّة ومقتضى القاعدة كما قوّيناه هو الرجوع ح إلى اطلاق الدّليل كما فى سائر موارد التخصيص اللبّى فى الشبهة الموضوعيّة لا الى اصالة البراءة ولكن فى خصوص المقام لا يبعد ان يكون المرجع هو اصالة البراءة وذلك للاشكال الّذى اورده المحقّق صاحب الكفاية هنا فى التّمسك بالاطلاق وهو انّ مرتبة التقييد فى متعلّق التكليف بعد صحّة التكليف على الاطلاق فى مرتبة اصل التّكليف وتقييد التكليف بمورد الابتلاء ليس من هذا القبيل لانّ التكليف لم يصحّ ان يكون منجّزا فعليّا فى غيره فليس ممّا يجوز للشارع فيه الاطلاق فلا يجوز التقييد منه فمرجع الشّك فى المقام الى صحّة الاطلاق وعدمها لما عرفت من انّ الطلب المطلق لا يصحّ الّا مع الابتلاء وفى غيره لا يصحّ الّا معلّقا والشّك هنا فى انّه هل يصحّ الاطلاق من الشارع ام لا فكيف يتمسّك بالاطلاق لتحقّق القيد وبعبارة أخرى الرجوع الى الاطلاق انّما هو فيما احرز صحّته وشكّ فى مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشّك فى التقييد وعدمه لا فيما يشكّ فى صحّته وعدمها اللهمّ إلّا ان يقال انّ المراد من التّمسك بالاطلاق هنا ليس التّمسك على النحو المتعارف فى سائر المطلقات بل المراد انّه لمّا صار المولى بصدد البعث الى ما يحسن البعث اليه او الزجر عمّا يحسن الزجر عنه ولم يقيّده بصورة الابتلاء كان ذلك الاطلاق موجبا لتنجّز التكليف بين الاطراف فانّ المولى الحكيم العالم بعواقب الامور وبموارد ابتلائه نهاه عن ذلك او امره به على وجه الاطلاق من غير تقييد ونستكشف من ذلك انّ الحكم ايضا فعلىّ فى مورد الشّك فمعنى التّمسك بالاطلاق فى المقام هو وجود الملاك الّذى به يتمسّك فى الاطلاقات المتعارفة فانّ التكليف فى هذا المورد لو لم يكن فعليّا كان ترك التقييد مستهجنا كما انّ ترك الاطلاق فى موارده كذلك فبواسطة عدم لزوم القبح

٣٨٥

والاستهجان نحكم بصحّة الاطلاق وفعليّة الحكم لمكان الإطلاق فتدبّر قوله (فيصير الاصل فى المسألة وجوب الاجتناب) لما علمت بما لا مزيد عليه فى تقرير التّمسك بالاطلاق انّ الخطاب بالاجتناب مطلق ولا وجه لتقييده ورفع اليد عن اطلاقه الّا فيما علم خروجه عنه وهو ما علم تقبيح العرف ارادته من المطلق فما ثبت عدم كونه محل الابتلاء يقيّد الاطلاق بالنسبة اليه وما لم يثبت يجب الاجتناب بمقتضى الاطلاق الّا أنّه قد عرفت الاشكال فى التّمسك بالاطلاق بنحو المتعارف فى المسألة قوله (لاجل النصّ فافهم) الظّاهر انّه اشارة الى انّ الصّحيحة تصلح ان تكون ضابطة لتمييز موارد الشّك شرعا الّا انّها موجبة لرفع الاشتباه فى غالب الموارد لا فى جميعها فانّها تدلّ على الحكم بعدم الابتلاء فيما كان مساويا لموردها وما كان اجلى منه من حيث عدم الابتلاء وامّا ما كان اخفى منه من حيثيّة الابتلاء وعدمه فالصّحيحة ساكتة عن تشخيصه.

قوله (وهل يحكم بتنجّس ملاقيه وجهان) اعلم انّ القائلين بتنجّز التكليف الواقعى فى الشبهة المحصورة لا اشكال عندهم فى وجوب الاجتناب عن نفس المشتبهين من باب المقدّمة العلميّة وكذا لا اشكال فى عدم ثبوت الاحكام الّتى تترتّب على فعل متعلّق بالحرام او النّجس كوجوب اقامة الحدّ على شارب الخمر على احد المشتبهين لعدم جريان المقدميّة والحكم بتنجّس ملاقى النّجس لو كان معلوما انّه من هذا القبيل لم يكن فيه اشكال ايضا ولكنّ الاشكال فى الصغرى وانّه هل هو من باب دليل خاصّ دلّ على انّ ملاقى النّجس يجب الاجتناب عنه كما انّ شارب الخمر يجب اقامة الحدّ عليه فملاقى احد المشتبهين لا يجب الاجتناب عنه لعدم جريان المقدّمة العلميّة فيه كما تقدّم او انّ نفس الدّليل الدالّ على الاجتناب عن الشّيء يدلّ على الاجتناب عن ملاقيه باحدى الدّلالات فيجب الاجتناب عن ملاقى احد المشتبهين ايضا لثبوت الدليل عقلا ونقلا على وجوب الاجتناب عن الشبهة فمدّعى الاجتناب عن ملاقى الشبهة لا يقول به من جهة الدليل الدالّ على تنجّس ملاقى النّجس حتّى يتوجّه عليه عدم الفرق بين هذا الاثر ووجوب الحدّ فى عدم جريان المقدّمية فلا تغفل قوله (وهذا معنى ما استدلّ به العلّامة قدس‌سره فى المنتهى) قال فى المنتهى لو استعمل احد الإناءين وصلّى به لم يصحّ صلاته ووجب عليه غسل ما اصاب المشتبه بماء النّجس انتهى وهو صريح فى وجوب غسل الملاقى لاحدهما ولا دلالة فيه على كون المشتبهين بحكم النّجس فى جميع الآثار حتّى فى وجوب الحدّ عند كون احدهما خمرا حتّى يقال انّ ذلك ليس معنى كلامه لانّه لم يقل به احد قوله امّا اوّلا فلما ذكر وحاصله منع ما فى الغنية) وحقّ الجواب عنها ان يقال اوّلا انّ الرّجز مجمل لانّه يطلق على القذر والعذاب والشرك وعبادة الاوثان وثانيا منع الملازمة

٣٨٦

لوضوح انّ الاجتناب عن الشّيء يدلّ بالاجتناب عن عينه فى الافعال المقصودة ولا يدلّ على حكم ملاقيه اثباتا ونفيا باحدى الدّلالات وثالثا منع كون احد المشتبهين من الرّجز الّذى بمعنى النجاسة حتّى يجب الهجر عنه قوله (تقديم الظاهر على الاصل فحكم بكون الخارج بولا) كما استفيد من عموم قوله ع فى رواية محمّد بن مسلم فان خرج بعد ذلك اى بعد الاستبراء فليس من البول ولكنّه من الحبائل وهى عروق الظهر قوله (فهو نظير ما اذا قسّم احد المشتبهين قسمين) كانّه دفع لتوهّم انّ طرف الشّبهة ما كان العلم الاجمالى متقوّما به بحيث لو فرض ارتفاعه ارتفع العلم الاجمالى والملاقى بالكسر ليس كذلك لبقاء العلم الاجمالى مع فرض ارتفاعه والدّفع انّ هذا ليس شرطا فى تنجّز العلم الاجمالى كما هو كذلك فى تقسيم احد المشتبهين قوله (لانّ اصالة الطهارة والحلّ فى الملاقى بالكسر الخ) لا يخفى انّ ما افاده فى المقام انّما هو على مسلك التعارض والتساقط والرّجوع الى قاعدة الاحتياط فى مسئلة العلم الاجمالى وامّا على المسلك الّذى اختاره المصنّف فى الرّجوع الى قاعدة الاحتياط فى العلم الاجمالى وهو عدم جريان اصالة الحلّ والطهارة فى المشتبهين لاجل انّ الغاية فيهما اعمّ من العلم التفصيلى والاجمالى فكذلك لا يلتفت الى قول هذا القائل والوجه انّ الاصل ح لا يجرى فى اطراف المعلوم بالاجمال والملاقى بالكسر ليس من أطرافه فإن قلت سلّمنا عدم كون الملاقى من اطراف الشبهة المعلومة اجمالا المتقوّمة بالملاقى بالفتح وصاحبه لكن لنا علما اجماليّا آخرا متقوّما بالملاقى بالكسر وصاحب الملاقى بالفتح وهو العلم بوجود خطاب منجّز مردّد بين عنوانين وهو قوله اجتنب عن النّجس او قوله اجتنب عن المتنجّس وقد افاد المصنّف فى آخر البحث عن حرمة المخالفة القطعيّة فى العلم الاجمالى بعدم الفرق بين كون المعلوم خطابا واحدا او مردّدا بين خطابين قلت لمّا كان الملاقى بالفتح موجودا لا اثر لهذا العلم الثانى بمعنى انّه ليس هناك علم آخر بحدوث خطاب بل هو من آثار العلم الاجمالى الاوّلى المتعلّق بالملاقى بالفتح وصاحبه وهو العلم بالخطاب التفصيلى المتقوّم بهما فانّه لمّا علمنا بثبوت خطاب اجتنب بينهما ولاقى شيء احدهما بعد هذا العلم حدث احتمال توجّه خطاب اجتنب عن المتنجّس بالنسبة الى الملاقى بالكسر وحدوث هذا الاحتمال من الشّك البدوى لا انّه حدوث علم آخر يوجب التنجّز والاحتياط ومع وجود الملاقى بالفتح الّذى هو من اطراف العلم لا يمكن صرف النظر عنه وجعل صاحبه مع الملاقى بالكسر متعلّقا للعلم فانّ هذا ليس علما حادثا آخرا بل هو من توابع العلم المتقوّم بالملاقى بالفتح وصاحبه والحاصل انّ نجاسة الملاقى بالكسر احتمال حدث من العلم المتقوّم بالمشتبهين لا انّ وراء ذلك العلم يكون علم آخر حادث والوجه أنّ ملاقاة النّجس وان كانت موجبة للتنجيس الّا انّ من المعلوم انّ بالملاقاة يحدث فرد آخر للنجس ويوضح ذلك الملاقاة المعلومة بالتّفصيل

٣٨٧

فانّ ملاقاة شيء طاهر لنجس معلوم يوجب حدوث فرد آخر لخطاب الاجتناب غير الخطاب المحقّق فى الملاقى بالفتح ويكون كلّ منهما متعلّقا لخطاب مستقلّ بالاجتناب واطاعة احد الخطابين لا يرتبط بالاخرى ففى المقام نجاسة الملاقى بالكسر احتمال حادث ولا دخل له فى حصول العلم بالفراغ عن الخطاب المعلوم بالاجمال ووجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح انّما كان لاجل المقدّمة العلميّة بتحصيل القطع بالفراغ وموافقة الخطاب المعلوم بالاجمال وقد عرفت انّ الاجتناب عن الملاقى بالكسر ليس له مدخليّة فى تحصيل القطع المذكور وليس فيه ملاك مقدميّة له فما لم يعلم بثبوت خطاب الاجتناب عن الملاقى بالكسر استقلالا ولم يكن الاجتناب عنه مقدّمة لحصول العلم بالفراغ عن الخطاب المعلوم لم يكن وجه لوجوب الاجتناب عنه مع وجود استصحاب طهارته وعدم نجاسته والعلم باتّحاد حكم الملاقى بالكسر وحكم الملاقى بالفتح فى الواقع لا يضرّ بعد ما عرفت من عدم جريان وجه الاجتناب عن الملاقى بالفتح فى ملاقيه فتدبّر ولا بأس بالاشارة الى صور آخر فى المسألة فنقول الاولى ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى مع بقاء الملاقى بالفتح وحكمها كالسّابق من عدم لزوم الاجتناب عن الملاقى بالكسر وقد ذهب بعض المعاصرين فى هذه الصّورة بوجوب الاجتناب عن كلّ واحد من الملاقى والملاقى وطرفه زعما منه بتعلّق الخطاب المعلوم بالاجتناب امّا بالملاقى وملاقيه وامّا بالطرف الأخر فنعلم اجمالا امّا بنجاسة هذين او نجاسة ذاك فيجب الاجتناب عن الثلاثة مقدّمة للفراغ عن الخطاب المعلوم وهذا توهّم فاسد لأنّ كون الملاقاة قبل العلم او بعده لا يؤثّر فى الخطاب المعلوم المنجّز فى البين فكما انّ الملاقاة بعد العلم انّما يوجب احتمالا مسبّبا عن الخطاب المعلوم المتعلّق بالمشتبهين فكذلك الملاقاة قبل العلم لا يوجب كون الملاقى بالكسر من متعلّقات نفس الخطاب المعلوم بل الخطاب المعلوم انّما تعلّق باحد المشتبهين واحتمال نجاسة الملاقى بالكسر انّما ينشئ ويتسبّب من احتمال تعلّق ذاك الخطاب بالملاقى بالفتح لا انّه من متعلّقات نفس ذاك الخطاب كيف والخطاب المتعلّق بملاقى النّجس اذا كان انّما هو بعنوان يخالف عنوان الخطاب المتعلّق بنفس النّجس نعم لو لم يكن الخطاب بالاجتناب عن ملاقى النّجس بالتعبّد والدليل الخاصّ بل كان بنفس الخطاب المتعلّق بالاجتناب عن النّجس كان لهذا الكلام وجه ولكنّك عرفت فساده فى الجواب عن الغنية الثانية ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى مع فقد الملاقى بالفتح قبل العلم وحكمها لزوم الاجتناب عن الملاقى بالكسر لما اشار اليه فى المتن ومن الواضح كما اشرنا اليه انّ ما افاده انّما هو بناء على مسلك التعارض وامّا على مسلك عدم جريان الاصل فى العلم الاجمالى لكون الغاية اعمّ واللازم هو الرّجوع الى الاحتياط فى الخطاب المنجّز فكذلك يجب الاجتناب عن الملاقى لانّه فى هذه الصّورة قام مقام المفقود فهو

٣٨٨

احد المشتبهين فان قلت كيف تقول انّه قام مقام المفقود مع انّ الملاقى بالفتح لو كان موجودا كان العلم الاجمالى متعلّقا بالخطاب المفصّل المنجّز وامّا فى الفرض فالعلم الاجمالى متعلّق بالخطاب المردّد المنجّز وذلك للعلم بتنجّز احد الخطابين امّا اجتنب عن النّجس وامّا اجتنب عن المتنجّس قلت لا ضير فى هذا وقد علمت سابقا وجوب الاحتياط وتنجّز الخطاب سواء كان المعلوم عنوانا واحدا مردّدا بين امرين او كان مردّدا بين عنوانين الثالثة ما لو كانت الملاقاة قبل العلم الاجمالى وكان فقد الملاقى بالفتح وحصول العلم متقارنين وحكمها كالثانية فى وجوب الاجتناب لانّه لمّا كان الفقد مقارنا لحصول العلم لم يكن العلم مؤثّرا فى المفقود وكان الملاقى قائما مقامه فى تقوّم العلم به الرابعة ما لو كانت الملاقاة بعد العلم الاجمالى وفقد الملاقى بالفتح بعده وحكمها كما فى المتن طهارة الملاقى بالكسر ووجوب الاجتناب عن صاحب الملاقى بالفتح ووجهه انّ المفروض فقد الملاقى بعد العلم الاجمالى واذا حكم بتساقط الاصلين للمعارضة فلا معنى للرجوع الى الاصل فى زمان آخر بالنسبة الى احد المشتبهين وهو الطرف الباقى والّا لجاز اتلاف احد المشتبهين فى الشبهة المحصورة ثمّ اجراء الاصل فى الآخر الباقى وهو كما ترى الخامسة ما لو كانت الملاقاة بعد العلم الاجمالى مع فقد صاحب الملاقى بالفتح بعده وحكمها ايضا طهارة الملاقى بالكسر ووجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح قوله (عند تتميم الماء النّجس كرّا بطاهر) لا يخفى انّ هذا بناء على عدم جعل ملاقات النّجس مقتضيا للنجاسة مطلقا والكريّة عاصمة ويسمّونه التنويع وامّا بناء على عدمه وجعل الملاقاة مقتضيا مطلقا وكون الكريّة عاصمة فاذا كان سبق الكريّة على الملاقاة شرطا فى اعتصامها كان الظاهر هو الحكم بالنّجاسة نعم اذا لم يكن سبقها شرطا وان قلنا بعدم التنويع كان الحكم كالصورة الاولى من تعارض الاستصحابين فى المتمّم بالكسر والمتمّم بالفتح والرجوع الى قاعدة الطهارة قوله (وعند الغسل بماءين مشتبهين بالنّجس) كما هو مذهب جماعة وفى المسألة قولان آخران أحدهما الحكم بنجاسة الثوب النّجس المغسول بكلّ من الإناءين المشتبهين على التعاقب من حيث جريان استصحاب النجاسة على نحو الكلّى الغير المعلوم الزوال وان علم بارتفاع بعض خصوصيّاته ثانيهما الحكم بطهارته من حيث جريان استصحاب الطهارة الحاصلة عقيب زوال النجاسة الاوليّة قطعا وهذا معنى الاخذ بضدّ الحالة السّابقة فى امثال المقام ويوجّه ما فى المتن بانّ الحكم بطهارته للقطع بالانتقال عن حال نجاسة السابقة بملاقاة الماء الطاهر الى ضدّها من الطهارة ومع الشّك فى الانتقال عنها الى ضدّ الضدّ وهو النجاسة لاحتمال كون الملاقى له اوّلا من الماءين هو النّجس ولا يؤثّر تنجيسا فالطّهارة مستصحبة معارض بالاستصحاب الآخر المقتضى للنجاسة لانّا نقطع ايضا بنجاسة

٣٨٩

الثّوب حال ملاقاته الماء النّجس امّا للنّجاسة السّابقة او النّاشئة من ملاقات ذلك الماء ولا يعلم ارتفاعها لاحتمال كون الملاقى له اوّلا من الماءين هو الطاهر فالنجاسة مستصحبة بناء على ما اشير اليه من صحّة استصحاب الكلّى المردّد بين فردين واذا تعارض الاستصحابان المتخالفان فى اقتضاء الطهارة والنجاسة يبقى الثوب لا يعلم الآن طهارته ونجاسته فيرجع الى قاعدة الطّهارة ويشمله عموم كلّ شيء طاهر لعدم كونها فى مرتبة الاصلين ومثله فى الحكم ما لو لاقى الثوب الطاهر بكلّ منهما لانّ غاية الأمر حينئذ انقطاع الطّهارة السّابقة لكنّه ورد عليه مطهّر ومنجّس لا يعلم تقدّم ايّهما فى الملاقاة على الأخر فهو الآن غير معلوم الطّهارة والنجاسة فيرجع الى قاعدة الطّهارة ولكن لا يخفى انّ هذا الكلام انّما هو فى الخبث وامّا اذا تيقّن الحدث والطّهارة وشكّ فى المتقدّم والمتاخّر فاللازم هو الحكم بوجوب التّطهير من الحدث سواء احرز الحالة السّابقة عليهما من حدث او طهارة ام لا امّا مع الاحراز فلتيقّن انتقال الحالة السّابقة ومعارضة استصحابها باستصحاب الحالة الّتى هى ضدّ السّابقة المعلوم طروّها وبعد معارضتها فهو شاكّ الآن فى انّه متطهّر او محدث ولم يرد هنا عموم طهارة كما فى الطّهارة الخبثيّة والعقل قاض بوجوب القطع بتفريغ الذمّة من التكاليف المشروطة بالطّهارة ومع عدم الاحراز فوجوب التطهير لكلّ ما كان الطّهارة شرطا فيه واضح فالشكّ فى الطهارة من الخبث شكّ فى اصل التكليف ومن الحدث شكّ فى المكلّف به وفى منظومة السيّد الطّباطبائى طاب ثراه وان تعاقبا على رفع الحدث لم يرتفع وليس هكذا الخبث ولا فرق فى ذلك بين القول بكون الطهارة الحدثيّة شرطا للغايات المشروطة بها وكون الحدث مانعا وذلك لاستقلال العقل بوجوب القطع بتفريغ الذمّة من التكاليف المعلومة فكما انّ الشّك فى الشرط مانع من الجزم بحصول المشروط فكذلك الشّك فى اقتران المأتيّ به بالمانع مانع عن التيقّن بحصول الامتثال وكما انّ صحّة الفعل متوقّف على وجود الشرط فكذلك متوقّف على عدم المانع فكما يجب احراز الاوّل يجب احراز الثانى نعم بالنّسبة الى الاحكام الثابتة للمحدث من حيث هو كحرمة الدخول فى المساجد او قراءة العزائم الّتى ليست من التكاليف المنجّزة على المكلّف المشروطة بازالة الحدث يكون الشّك فى الحدث من الشّك فى التّكليف ويجرى فيه اصالة البراءة والاستصحاب لو لا الابتلاء بالمعارض وتمام الكلام فى الفقه قوله ولا يخفى وجهه فتامّل) يمكن ان يكون الامر بالتأمّل اشارة الى دقّة ما ذكر من اختلاف الحكم فى صور المسألة ويمكن ان يكون اشارة الى انّ ما ذكر من انّ الاصل فى الشّك السّببى حاكم على الاصل فى الشّك المسبّبى قد خالف فيه جماعة كما يظهر من المحقّق القمىّ فى بعض كلماته ومن المحقّق قدس‌سره فانّه عارض استصحاب الطّهارة باستصحاب اشتغال ذمّة المصلّى بالصّلاة ويمكن ان يكون اشارة الى انّ ما ذكر من الحكم بوجوب الاجتناب فى الصّورة الثانية انّما يتمّ بناء على

٣٩٠

مسلك التعارض وامّا بناء على انّ الوجه فى الاحتياط هو ثبوت العلم الاجمالى فجريانه مبنىّ على تنجّز الخطاب المردّد وهذا وان كان هو المختار عند المصنّف ولكن قد خالف فيه جماعة وذكر المصنّف فى التنبيه الرابع من تنبيهات القطع انّ فيه وجوها فراجع ومنه يظهر الكلام فى الصّورة الثالثة ايضا.

قوله (لانّ العلم حاصل بحرمة واحد من امور الخ) قد علمت فى الامر الثالث انّ ملاك تنجّز التكليف فى مورد العلم الاجمالى انّما هو كون واحد من اطراف الشّبهة بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف منجّزا بالاجتناب عنه وهذا الملاك حاصل فى صورة الاضطرار الى واحد غير معيّن وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى اذ لو فرض علمه تفصيلا بكون الحرام الواقعى هو هذا بالخصوص او ذاك لا يمنع الاضطرار المفروض عن الامر بالاجتناب عن المعلوم منجّزا وهذا ظاهر وقد خالف المحقّق المولى الخراسانى ما افاده المصنّف حيث قال فى الكفاية انّ الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعليّة التكليف لو كان الى واحد معيّن كذلك يكون مانعا لو كان الى غير معيّن ضرورة انّه مطلقا موجب لجواز ارتكاب احد الاطراف او تركه تعيينا او تخييرا وهو ينافى العلم بحرمة المعلوم او بوجوبه بينهما فعلا انتهى وفيه ما عرفت من ملاك تنجّز التكليف وانّه حاصل فى صورة الاضطرار الى واحد غير معيّن وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى وقد أوضح ما ذكرناه بعض الأعلام رحمه‌الله في حاشيته على الكفاية انكارا عليها بقوله لا ينبغى التامّل فى انّ الاضطرار الى المباح لا يجيء من قبله حكم شرعىّ بعنوان ثانوى فهو فى حدّ ذاته يجوز ارتكابه فلا يحتاج بالاضطرار العارض له الى حكم آخر وراء جواز الارتكاب الثابت له شرعا نعم اذا كان الشّيء حراما ذاتا فاضطرّ اليه يكون طريان الاضطرار عليه موجبا للحكم بالجواز شرعا فاذا كان ماء آن احدهما نجس تفصيلا والأخر طاهر فاضطرّ الى شرب احدهما لا يكون هنا حكم شرعىّ لهذا الاضطرار لانّه ليس إلا اضطرارا الى الحرام حتّى يحتاج الى ترخيص شرعى بل الحرام باق على الحرمة والأخر على الاباحة فلو ارتكب الحرام عوقب عليه وان كان يرتفع به الاضطرار وهذا واضح فمجرّد رفع الاضطرار بالحرام لا يصير مضطرّا اليه حتّى يرتفع حكمه فحينئذ لو اشتبه أحدهما بالآخر وكان مضطرّا الى احدهما لا يكون ذلك الاضطرار سببا لترخيص الشارع فيما هو الحرام واقعا لعدم الاضطرار اليه على ما عرفت وليس يجيء من جهة عنوانه حكم شرعىّ فى البين بل العقل لمّا علم بالحرام الواقعى وبالمباح اللازم ارتكابه من جهة الاضطرار اليه واقعا لا يحكم بلزوم امتثال الواقع المحرّم بالعلم التفصيلى بالاحتياط لانّه غير ممكن فى صورة الاضطرار فيحكم حينئذ بالامتثال الاحتمالى او الظنّى كما هو الشّأن فيما لو علم بعدم وجوب الاحتياط للمعلوم بالاجمال بغير هذا النحو فهو حاكم بصحّة العقوبة على الواقع فيما لو ارتكب الأخر بعد ارتكاب احدهما وصادف انتهى والحاصل انّ ما ذهب اليه فى الكفاية هو الّذى اورده المصنّف على كلامه بقوله فان قلت واجاب عنه وملخّص الجواب مضافا الى ما عرفت فأوّلا النقض بموارد الامارات المعتبرة والاصول الشرعيّة المقتضية للاقتصار على بعض محتملات الواقع كالامارات القائمة على تعيين

٣٩١

المكلّف به والاستصحابات الموضوعيّة والحكميّة المقتضية لذلك كاستصحاب التمام او القصر فانّ العلم بحرمة المعلوم او وجوبه بين الاطراف فعلا ينافى القناعة ببعض المحتملات وجواز ارتكاب احد الاطراف او تركه وثانيا أنّ من الواضح عدم كون التكليف الفعلى وتنجّزه حكما مجعولا من الشارع فى قبال جعله الحكم الواقعى بل ليس الفعليّة الّا بملاحظة حكم العقل بوجوب اطاعة الحكم الواقعى الصّادر من الشارع وحكمه بحسن المؤاخذة على مخالفته فالحاكم بوجوب الاحتياط الكلّى فى مورد وكفاية غيره فى مورد آخر فى اطاعة الاحكام الشرعيّة هو العقل ومن الواضح انّ له طرقا متعدّدة فى ذلك كالعلم التّفصيلى والظّن المعتبر والاحتياط الكلّى والجزئىّ والامتثال الظنّى والاحتمالى ولكلّ منها عند العقل مورد لا يجوز تركه رأسا ففعليّة المعلوم حرمته او وجوبه إن اريد منها ثبوت التكليف بالواقع بحيث يعاقب على مخالفته مط فهو فى حيّز المنع وان أريد منها ثبوته بحيث يعاقب على مخالفته اذا اتّفقت فى ضمن غير ما رخّص فى تركه فهو بمكان من الامكان ولا ينافى الرخصة فى بعض الاطراف كما هو الحال فى جميع موارد الامارات المعتبرة هذا وخالف أيضا فى الكفاية ما افاده المصنّف بقوله بعد العبارة المتقدّمة وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم او لا حقا وذلك لانّ التكليف المعلوم بينها من اوّل الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار الى متعلّقه فلو عرض على بعض اطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال ان يكون هو المضطرّ اليه فيما كان الاضطرار الى المعيّن او يكون هو المختار فيما كان الى بعض الاطراف بلا تعيين انتهى ثمّ المنقول عن صاحب الكفاية نفسه ره إنّه كتب فى الحاشية ما هذا لفظه ولا يخفى انّ ذلك انّما يتمّ فيما كان الاضطرار الى احدهما لا بعينه وامّا لو كان الى احدهما المعيّن فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجّز لعدم منعه عن العلم بفعليّة التكليف المعلوم اجمالا المردّد بين ان يكون التكليف المحدود فى هذا الطرف او المطلق فى الطرف الأخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعليّة مثل هذا المعلوم اصلا وعروض الاضطرار انّما يمنع عن فعليّة التكليف اذا كان فى طرف معروضه بعد عروضه لا عن فعليّة المعلوم بالاجمال المردّد بين التكليف المحدود فى اطراف المعروض والمطلق فى الأخر بعد العروض وهذا بخلاف ما اذا عرض الاضطرار الى احدهما لا بعينه فانّه يمنع عن فعليّة التكليف فى البين مطلقا فافهم وتامّل انتهى وحاصل كلامه متنا وهامشا انّ الاضطرار الحاصل بعد العلم الاجمالى ان كان الى احدهما لا بعينه يكون الشّك فى الطرف الأخر شكّا فى التكليف ولا يبقى علم بفعليّة التكليف وذلك لانّ الاضطرار من حدود التّكليف فالتّكليف المعلوم مردّد بين المطلق والمحدود وقبل عروض الاضطرار لا اشكال فى ثبوت العلم بالتكليف وفعليّته على كلّ تقدير وامّا بعد عروضه يشكّ فى انّ التكليف الثابت بالعلم به هل كان محدودا او مطلقا ومن المحتمل ان يكون هو المحدود المرتفع بالاضطرار فلا علم بالتكليف على هذا التقدير والعلم بالتكليف المردّد بين المحدود والمطلق لا يقتضى الفعليّة

٣٩٢

الّا فى القدر المعلوم على كلا التقديرين وان كان الى احدهما المعيّن فالعلم الاجمالى باق على فعليّة وتنجّزه وان كان التكليف المعلوم ايضا مردّدا بينهما وذلك لانّ التكليف كان فعليّا ويشكّ فى ارتفاعه بالاضطرار لانّ احتمال عروضه لمتعلّق التكليف يساوى عروضه للطرف الأخر والاستصحاب يحكم ببقاء التكليف وفيه أوّلا انّ الآيات الواردة فى رفع الحكم الالزامى بالاضطرار ليس فيها ما يدلّ على كون الاضطرار غاية للحكم بل المستفاد منها اثبات حكم مخالف للالزام لانّ آيات الاضطرار المشتملة على حكمه كلّها من قبيل التخصيص بالمنفصل لوقوعه فى كلام مستقلّ كما فى الآية السّادسة من سورة المائدة وفى الآية التاسعة والستّين بعد المائة من سورة البقرة وفى الآية السّابعة والاربعين بعد المائة من سورة الأنعام وان وقع مع ذكر بعض المحرّمات فى آية واحدة فى الأخيرتين وفى الآية العشرين والمائة من سورة الانعام وان وقع الاضطرار على نحو الاستثناء المتّصل الّا انّ ما فصّل من المحرّم لم يذكر فى الآية نفسها وبالجملة المستفاد من الآيات والروايات كقوله ع ما من شيء الّا وقد احلّه الله لمن اضطرّ اليه انّ ادلّة اباحة ما اضطرّ اليه تقتضى حكومتها على عمومات الخطابات المتكفّلة لبيان الاحكام الالزاميّة لا تقييدها وتحديدها بحيث يكون من حدود الحكم الاوّلى الالزامى وثانيا لو سلّمنا انّ المعلوم بالاجمال يكون ح مردّدا بين المطلق والمحدود الّا انّ تأثير العلم الاجمالى فى تنجّز التكليف ولزوم الخروج عن عهدته لا فرق فيه بين ان يكون متعلّقا بالتكليف المطلق او المردّد بينه وبين المحدود كما اذا علم اجمالا بوجوب صلاة الظهر او الجمعة فبعد انقضاء ساعة من الزوال هل يتوهّم سقوط العلم الاجمالى عن تأثيره فى الاتيان بصلاة الظهر مضافا الى انّه لا مانع من استصحاب بقاء اصل الوجوب المقتضى لوجوب الاجتناب عن الطرف الأخر بعد الاضطرار الى احدهما وليس الوجوب المستصحب من المردّد بين الاقلّ والاكثر كما هو الحال فيما كان متعلّق العلم الاجمالى شيئا واحدا كما لو علم بوجوب اكرام زيد وتردّد بين اليوم واليومين فانّه ان قلنا بانحلاله الى تكاليف متعدّدة يجرى البراءة عن وجوب الاكرام فى اليوم الثانى وان قلنا بكونه تكليفا واحدا جرى الاستصحاب بل المقام على تقدير كون الوجوب مردّدا بين المطلق والمحدود يكون من قبيل استصحاب الحيوان المردّد بين ما هو باق جزما وما هو مرتفع كذلك واستشكل بعض محشّى الكفاية تأييدا لما فيها على هذا الاستصحاب بما هذا لفظه انّ المجعول من ناحية الشارع ليس الّا الطلب الحتمى مطلقا او مشروطا والمفهوم الكلّى من سنخ المعنى الاسمى المنتزع منه لم يتعلّق الجعل به الّا بالواسطة وعلى تقدير تعلّق الجعل به فى مورد الاستصحاب لا يكون مجعولا الّا المفهوم المشترك بين المشروط والمطلق وهذا ليس موضوعا لحكم العقل بلزوم الاطاعة كالقدر المشترك بين الندب والوجوب فى قوله ع اغتسل للجمعة والجنابة فانّ العقل لا يحكم بلزوم الاطاعة للطلب المشترك بين الحتمىّ وغيره انتهى وفيه انّ هذا راجع الى انكار استصحاب القسم الثانى من استصحاب الكلّى وقد

٣٩٣

ثبت حجيّته فى محلّه ومتى ثبت اصل الوجوب فالعقل حاكم بلزوم الاطاعة والقياس المذكور فى غير محلّه لوضوح انّ استصحاب الطلب المشترك بين الوجوب والندب لا يقتضى وجوب الاطاعة بخلاف استصحاب اصل الوجوب وثالثا أنّ ما ذكره من عدم مانعيّة الاضطرار عن العلم بفعليّة التكليف المعلوم فيما لو كان الاضطرار الى احدهما المعيّن من حيث احتمال كون ذلك المعيّن غير متعلّق الحكم المعلوم جار ايضا فيما لو كان الاضطرار الى احدهما لا بعينه فانّ ما يختاره فى حال الاضطرار يحتمل ان يكون غير ما هو متعلّق التكليف بل الحكم ببقاء الفعليّة للحكم المعلوم بالاجمال فى الصّورة الاخيرة بالتقريب المذكور اولى منه فى صورة الاضطرار الى احدهما المعيّن وذلك لامكان جعل الاضطرار غاية للحكم المعلوم بالاجمال فى الصّورة الثانية ويكون من حدود التّكليف وامّا اذا كان الاضطرار الى احدهما مخيّرا فهذا الاضطرار لم يكن غاية للحكم المعلوم فى البين والحكم المعلوم بالاجمال يعلم بعدم عروض الاضطرار بالنّسبة الى متعلّقه المعيّن فى الواقع ضرورة انّه غير مضطرّ اليه مع وجود الحلال فليس الحكم بنفسه مردّدا بين المطلق والمحدود وباختياره لاحدهما المعيّن ان صادف الحرام الواقعى لا يصير سببا لان يكون التكليف محدودا نعم لمّا اضطرّ الى احدهما يحدث احتمال ان يكون المختار هو المتعلّق للحكم المعلوم وبالجملة لم يكن الحكم بنفسه مردّدا ولم يكن الاضطرار كذلك قيدا للحكم وبعد الاضطرار وحدوث احتمال ان يكون المضطرّ اليه هو المتعلّق للحكم المعلوم يكون الحكم بالنسبة الى الطّرف الأخر من الشّك فى التّكليف الّا انّه من حيث كونه بعد العلم ليس حاله الّا كحال فقد بعض الاطراف فكما لا اشكال فى لزوم رعاية الاحتياط فى الباقى مع الفقدان كذلك يلزم رعايته مع الاضطرار ودعوى أنّ الفقدان ليس من حدود التّكليف بخلاف الاضطرار غير مسموعة لما عرفت من انّ عدم الاضطرار لم يؤخذ قيدا فى الخطابات الواقعيّة وهو ملحق بالتّلف والفقدان فى جميع المقامات لانّ المضطرّ اليه كالمعدوم وان كان سقوط التكليف فى المضطرّ اليه باذن الشارع وترخيصه ثمّ انّ هذا كلّه انّما هو من حيث كون التّرخيص فى صورة الاضطرار مجرّد الأذن امّا فى المقامات الّتى يكون التّرخيص بنحو الطريقيّة والبدليّة بنصب امارة كاشفة عن الواقع وبتنزيل مؤدّاها منزلته كالامارات الشرعيّة من البيّنة واليد وسوق المسلم واصالة حمل فعل المسلم على الصّحة وخبر الواحد ونحوها فلا اشكال لانقلاب العلم الاجمالى الى العلم التّفصيلى ولو حكما فلو قامت البيّنة على نجاسة احد الإناءين المشتبهين على نحو التعيين سقط وجوب الاجتناب عن الأخر ولو قامت على طهارته وحليّة استعماله حرم الأخر ومن الواضح انّ هذا فيما اذا قال العدلان هذا هو النّجس الواقعى او الطّاهر الواقعى دون الآخر ومن هنا ظهر الفرق بين ما اذا خرج احد اطراف الشبهة بسبب امارة شرعيّة كيد المسلم وغيرها ممّا جعله الشّارع حجّة وما اذا تلف احدها او خرج عن محلّ الابتلاء او رخّص فى ارتكابه من دون قيام امارة على

٣٩٤

تعيين الحرام مثلا فانّ مجرّد الأذن فى البعض لا يوجب رفع وجوب الاحتياط عن الباقى ومن هنا تبيّن صحّة ما افاده المصنّف من انّ مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم التفصيلى بالاحكام الشرعيّة وعدم وجوب تحصيل العلم الاجمالى فيها بالاحتياط لمكان الحرج او قيام الاجماع على عدم وجوبه والاكتفاء بالمظنونات هو الرّجوع فى غيرها الى الاحتياط لكون الاحكام الواقعيّة بمنزلة الشبهة المحصورة واذا لم يجب الاحتياط الكلّى وجب بقدر الامكان مع انّ الموارد المشكوكة فى غاية القلّة وبالجملة بناء على العمل بالظنّ المطلق لا وجه للرجوع فى غير موارده الى الاصول وهذا بخلاف القول بالظنّ الخاصّ فانّ الظنون الخاصّة جعل الشارع مؤدّاها بدلا عن الواقع فاذا احرز بها كثير من الاحكام رجع العلم الاجمالى الى الشّك وصحّ الرّجوع فيه الى الاصل قوله (اعنى موارد الظّن مط او فى الجملة) لا يخفى انّ المراد الظّن القائم على خلاف التكليف مط او خصوص الاطمينانىّ منه فانّه المرخّص فى ترك الاحتياط فى مواردها وهذا هو المراد ايضا من كلامه عقيب هذا ووجوب العمل بالظنّ مط او فى الجملة وامّا مظنونات التكليف فلا اشكال فى لزوم الأخذ بالظّن فيها لانّها من اطراف العلم الاجمالى الكلّى قوله (على الرّجوع فى غير موارد الظّن المعتبر) اى المعتبر بدليل الانسداد لا ما هو المعتبر بالظنّ الخاصّ من حيث قيام الدّليل على اعتباره بالخصوص قوله (نعم لو قام بعد ابطال وجوب الاحتياط) اى ابطال وجوبه على الوجه الكلّى وفى جميع اطراف المعلوم اجمالا من حيث لزوم العسر وقيام الاجماع.

قوله (السّادس لو كان المشتبهان ممّا يوجد تدريجا) اعلم انّ المتيقّن من الشبهة المحصورة اللّازمة الاجتناب موضوعا وحكما هو ما كان كلّ من طرفى الاشتباه محلّا لابتلاء المكلّف فعلا بحيث يقدر على الجمع بينهما فى زمان واحد وارتكابهما دفعة واحدة او يمكن ارتكاب كلّ واحد منهما على سبيل البدليّة والتخيير كوطى الامرأتين وهل يجري حكم ذلك فيما كان الابتلاء بالنسبة الى الفعلين تدريجيّا بحيث لا يمكن الجمع بينهما او اختيار احدهما على البدليّة فى زمان واحد لتخالفهما فى الزمان وعدم صيرورة احدهما محلّا للابتلاء الّا بعد زمان الأخر سواء كانا متقاربين او متباعدين فيه قولان ذهب بعض فى مسئلة ناسية الوقت وان حفظت العدد كامرأة علمت ايّام حيضها عددا انها ثلاثة ايّام مثلا ونسيت وقته انّه اوّل الشهر او وسطه او آخره بوجوب الاحتياط عليها بان تترك العبادات فى مجموع الاوقات الثّلاثة وترتّب ساير آثار الحيض عليها من عدم دخول المساجد وعدم مسّ كتابة القرآن وعدم قراءة العزائم ونحو ذلك ثمّ تقضى الصّوم مطلقا ان كان من شهر الصّيام والصّلاة بمقدار ما يزيد عن عدد حيضها وكذا يحتاط زوجها فى الامور المتعلّقة بحيضها فيعتزل عنها فى مجموع الاوقات المشتبهة ويكفّر ان لامسها لانّ الحيض المشتبه بين تلك الاوقات المتدرّجة كما انّه شبهة محصورة بالنّسبة اليها فى الاحكام المتعلّقة بنفسها كذلك

٣٩٥

شبهة محصورة بالنسبة اليه فى احكامه المرتبطة بها والمعروف بين الاصحاب وجوب رجوعها الى التمييز المقرّر للمضطربة او الى الروايات وعدم وجوب الاحتياط عليها ولا على زوجها ويستدلّ للاوّل بانّ العلم الاجمالى بوجود الحيض فى مجموع هذه الوقائع موجود والمفروض وقوع الكلّ محلّا للابتلاء ولو تدريجا فعموم الخطاب موجود مع العلم به وصيرورته محلّ الابتلاء ولا مانع من تنجّزه عقلا وشرعا فينقطع الاصل بالعلم الاجمالى ولا يبقى سوى وجوب الاحتياط لاجل احراز الواقع المشتبه ولا فرق بين المقام وما تقدّم من الشبهة المحصورة عدى اختلاف الواقعتين بحسب الزمان وهذا غير مضرّ فى تنجّز الخطاب وتعلّقه بالمكلّف بالفعل غاية الامر تقدّم زمان الخطاب على زمان العمل ونظير ذلك فى الشرع كثير فى الغاية كالامر بالحجّ قبل حضور وقت العمل بمقدار طىّ المسافة الواجبة والامر بالصّوم فى ليلة شهر رمضان والامر بالوضوء قبل حضور وقت الصّلاة اذا اراد سفرا يحتمل عدم تمكّنه من الماء كما عن جماعة الى غير ذلك فلا ضير فى تنجّز الخطاب والعلم به وان لم يحضر زمان العمل ويستدلّ للثّانى بانّه يشترط فى فعليّة التكليف وتنجّزه العلم بوجود الخطاب فى محلّ الابتلاء حين الارتكاب وهذا معدوم فى الفرض لانّ تعاقب الزمانين يخرج الفعلين عن العلم بوجود الخطاب حين ارتكابهما فانّ المكلّف حين اشتغاله بالاوّل لا يعلم بخطاب من الشارع متوجّه اليه لمكان احتمال تعلّق الخطاب بالآخر الّذى ليس محلّ ابتلائه فعلا واذا اشتغل بالثّانى لا يعلم ايضا بالخطاب لاحتمال تعلّقه بالاوّل فيكون توجّه الخطاب بالنّسبة الى كلّ من الفعلين عند الابتلاء به مشكوكا بالشّك البدوىّ ويدفع بالاصل ففى المثال اذا رأت الدّم فى اوّل الشهر فهى غير عالمة بكونه دم حيض لاحتمال كون الحيض ما تراه فى وسطه او آخره وتدفع الخطاب المشكوك بالاصل ثمّ اذا رأته فى وسطه فكذلك لاحتمال ان يكون الحيض هو ما مضى او يجيء وهكذا فى آخره والاصل فى مجموع الوقائع الثلاث سالم عن المعارضة بالعلم الاجمالى ولا علم حتّى يمنع عن اجرائه فى حقّها لانّ الاصل يتمسّك به لمحض تشخيص العمل فى محلّ الابتلاء واذا لم يكن عند الحاجة علم اجمالى فلا مانع من اجرائه بخلاف ما تقدّم من الشبهة المحصورة فانّ العلم الاجمالى الموجود يكون مانعا عن اجراء الاصل ومجرّد العلم بارتكاب الحرام الواقعى ووقوع الوطى فى ايّام الحيض بعد انقضاء الشهر لا يؤثّر فى وجوب الاجتناب واستحقاق العقاب اذ لا دليل على حرمة حصول العلم بالمخالفة للواقع والمسلّم من حكم العقل هو قبح المخالفة اذا كان الفاعل ملتفتا حال العمل او قبله الى كون العمل مخالفا للتكليف وامثلة ذلك كثيرة ذكر المصنّف بعضها وقد يقال بالفرق بين الموارد ففيما كان الخطاب تابعا لحضور وقت العمل بحيث متى لم يحضر زمان العمل لم يصحّ الخطاب للتنجّز والفعليّة ولو عند العلم به تفصيلا لا يجب الاحتياط لما ذكر وجها للقول الاوّل والفرض تقيّد الخطاب بزمان مخصوص وموضوع خاصّ واذا تردّد بين زمانين فلا علم للمكلّف فى شيء منهما بالخطاب الفعلىّ لاحتمال ان يكون الخطاب واردا على الموضوع المقيّد بزمان خارج عن محلّ الابتلاء

٣٩٦

فلا علم بتنجّز التكليف عليه وتوجّه خطاب فعلىّ اليه ولا يزيد صورة الاشتباه على صورة العلم التفصيلى وهذا كما فى مسئلة الحيض فانّ خطاب دعى الصّلاة مقيّد بايّام الاقراء وهكذا سائر الخطابات المتعلّقة بها من حيث حيضها فهى قبل زمان حيضها لم تخاطب بخطاب واذا اشتبه عليها موضوع الخطاب فعلمه الاجمالى بمجرّد الخطاب لا يثمر تنجّز التكليف ووجوب الاحتياط لعدم علمها بخطاب فعلىّ فى شيء من الاوقات الثلاثة وكذلك زوجها فانّه انّما خوطب بالاعتزال فى المحيض فوجوب الاعتزال انّما يتعلّق به عند تحقّق الحيض واذا لم يعلم بحيضيّة زوجته فى اوّل الشهر لم يعلم بتوجيه خطاب فعلىّ اليه ولو اجمالا وهكذا فى وسطه وآخره ويكون الشّك فى المجموع شكّا بدويّا لمكان الشّك فى موضوع الخطاب ويدفع بالاصل وفيما لم يتبع الخطاب حضور وقت العمل بل يصلح للتقدّم عليه كالخطاب بالحجّ فانّه يتعلّق بالمكلّف بعد حصول الاستطاعة منجّزا ولو لم يحضر زمان الحجّ ولذا يحكمون بوجوب الحجّ عليه ولو قبل زمانه بحسب تمكّنه من طىّ المسافة بشهر او شهور او ازيد وكالخطاب بالصّوم فى اللّيل ونحو ذلك يجب الاحتياط ويكون كالشبهة المحصورة موضوعا وحكما لفرض عدم توقّف تعلّق الخطاب على دخول وقت العمل فلا وجه لاجراء الاصل فى مقابل العلم بالتكليف الفعلىّ وهذا كما فى مسئلة الحلف والنذر على وجه وعلم التاجر اجمالا بابتلائه بمعاملة ربويّة او غيرها من المعاملات الفاسدة وبالجملة انّ القسمين وان اشتركا فى عدم تحقّق الابتلاء دفعة فانّ فى زمان وجود السّابق لا يتحقّق الابتلاء باللّاحق وفى زمان وجود اللّاحق لا يتحقّق الابتلاء بالسّابق الّا انّ سبب الفرق كون الزمان فى مسئلة النذر ظرفا بخلاف الحيض فانّه شرط وقيد وهذا ليس تفصيلا فى المسألة حقيقة بل هو كلام راجع الى الصغرى من حيث احراز موضوع التكليف ومحلّ الابتلاء والى هذا التفصيل يرجع ما افاده المصنّف فى المتن ولكنّ الانصاف وجوب الاحتياط مط امّا فى القسم الثانى فواضح وامّا فى القسم الاوّل فاوّلا لكفاية مجرّد العلم بالخطاب فى تنجّزه على المكلّف بحسب حال ذلك الخطاب عقلا فانّ العقل لا يقبح المؤاخذة والعقاب على تارك امتثال الخطاب المعلوم المردّد بين الزمان الحاضر والمستقبل فاذا علم المكلّف بعدم رضاء مولاه بصدور احد الفعلين عنه وهما فى محلّ ابتلائه استقلّ العقل بوجوب تركه وكانت المخالفة مع العلم بها ولو قبلها والاختيار قبيحة عقلا والعلم السّابق كاف فى تنجّز الخطاب والحاصل انّ مجرّد دوران الخطاب بين الزمانين المعلوم صدور متعلّقه فى احدهما والعلم بانّ للمولى حكما الزاميّا ذا مصلحة يوجب تنجّزه عليه عقلا فانّ الحاكم بالبراءة هو العقل وهو لا يعذر المكلّف فى ترك امتثال هذا الخطاب المعلوم ويأمره بعدم تفويت الغرض من الامر بلا مانع وكذا الكلام فى المقدّمات المفوّتة حيث انّ العقل يستقلّ بحفظ القدرة عليها فى زمان عدم تحقّق الخطاب وان كان المقام اولى منها لانّه يحتمل ان يكون زمان وقوع الوطى فى كلّ من الاوقات الثلاثة هو زمان تحقّق الخطاب وثانيا لبناء العقلاء واهل العرف عليه وعدم فرقهم بين الموجودات

٣٩٧

التدريجيّة والدفعيّة وكما يرون لزوم الاحتياط فى الإناءين الموجودين فى زمان واحد كذلك نريهم ملتزمين برعاية الاحتياط فى الإناءين المتدرّجين ويمكن التّمسك بقاعدة دفع الضرر المحتمل بل المقطوع فكما يحترز العقلاء عن الإناءين الموجودين مع العلم بوقوع السّم فى احدهما كذلك يحترزون عن الإناءين المتدرّجين ومثله الضّرر العقابى وقاعدة عدم البيان غير جارية هنا نعم لو شكّ فى جريانها لم يجر قاعدة الضرر وحيث قلنا بعدم وجوب الاحتياط فى المقام فالظّاهر جواز المخالفة القطعيّة كما فى المتن ويرجع فى كلّ مشتبه الى الاصل الجارى فى خصوص ذلك المشتبه اباحة وتحريما استصحابا او غيره ففي مثال الحائض ترجع الى استصحاب الطهر الى ان يبقى مقدار الحيض فينقطع الاستصحاب للعلم التفصيلى ح بالحيض ويرجع فى الباقى الى اصالة الاباحة والبراءة فتصلّى فى مجموع المدّة وتصوم ثم تقضى الصّوم بعد مضىّ جميع مدّة الاشتباه للعلم التّفصيلى بوجوب القضاء عليها وفى حكم الصّلاة دخولها فى المساجد ومسّها كتابة القرآن وغير ذلك وليس عليها الاحتياط الّا ان ترجع الى التمييز وفى مثال التجارة الى اصالة الاباحة والفساد فيبنى الجاهل فى كلّ معاملة يشكّ فى كونه ربا على عدم استحقاق العقاب على ايقاع عقدها وعدم ترتّب الاثر عليها فانّ لكلّ معاملة حكم وضعىّ وحكم تكليفىّ ومثلها العبادات فانّ فيها حكما تكليفيّا ويتبعه الثواب والعقاب والاطاعة والمعصية وحكما وضعيّا منتزعا من الحكم التكليفى وعدمه من الصحّة والفساد بمعنى موافقتها للامر وعدمها ولمّا كان مجموع تلك الاحكام مرجعها الى جعل الشارع وتصرّفه فيها بنحو خاصّ وكان مسبوقا بالعدم فاذا شكّ فى شيء من الامور التكليفيّة فيها يرجع الى استصحاب عدم التكليف واصالة البراءة عن العقاب واذا شكّ فى الامور الوضعيّة كالصحّة والفساد يحكم بالفساد لانّ الصحّة محتاجة الى الجعل بخلاف الفساد فالاصل الاوّلى بحسب الحكم الوضعىّ فى العبادات والمعاملات هو الفساد حتّى يثبت خلافه من دليل شرعىّ فالشاكّ فى صحّة المعاملة مع تجويز المخالفة القطعيّة له بحسب حكمه التكليفى يبنى على البراءة عن العقاب فى ايقاع العقد وعلى الفساد بالنظر الى آثاره لاستصحاب عدم تحقّق سبب النّقل واصالة بقاء المال على ملك مالكه وعدم تاثير العقد وعدم جواز التصرّف فى مال الغير ويحرم عليه التصرّف فيما يشتريه ويحرم التصرّف فى ثمن المبيع حرمة شرعيّة مستفادة من الدليل الشّرعى الظاهرىّ وهو الاستصحاب لانّ مؤدّى الاستصحاب تكليفه واقعا فى مرحلة الظاهر فيجب عليه متابعته كوجوب متابعة الواقع الاوّلى فاكله للمال اكل بالباطل حتّى ينكشف له الحال سواء كان العقد مؤثّرا فى الواقع فى نقل المال اليه ام لا وما قرع به سمعك من قولهم انّ الجاهل المقصّر معذور فى المعاملات وان لم يكن معذورا فى العبادات فالمراد منه انّه معذور فى ترتيب الآثار على المعاملات بعد انكشاف الواقع وظهور صحّتها فى نفس الامر لا قبل الانكشاف بخلاف العبادات لانّ الصحّة فى المعاملات حكم وضعىّ مستقلّ متميّز من احكامها التكليفيّة من حيث

٣٩٨

كون المعاملة مباحة او مستحبّة او مكروهة الى غير ذلك بخلاف العبادات فانّ الصحّة فيها ليست الّا منتزعة من الامر التكليفى بمعنى انّها تابعة لثبوت الامر وقصد الامتثال فالصحّة فى العبادة لمّا كانت متوقّفة على قصد القربة وهو على العلم بالامر فلا يتعقّل ذلك من الجاهل بالخطاب اصلا ويحكم بفساد عبادته فى الواقع ولا عبادة واقعيّة حتّى تثمر فى صورة الانكشاف ويجب الاعادة او القضاء لكنّ المعاملة يمكن ان تقع صحيحة فى الواقع ومؤثّرة فى النقل والانتقال وان كان محكوما بالعدم فى الظاهر بحكم الاستصحاب فيثمر فى صورة الانكشاف فتدبّر جيّدا قوله (ولكنّ الأظهر هنا وجوب الاحتياط) وقد يقال فى جهة الفرق انّ متعلّق النّذر كان معلوما وانّما طرأ الاشتباه لعارض ومقتضى الانعقاد الاحتياط بخلاف مسئلة الحيض وقد عرفت انّ الاقوى وجوب الاحتياط فيهما قوله (ولذا يفسد فى حقّ القاصر بالجهل والنّسيان والصّغر على وجه) اى على القول بصحّة معاملاته فى الجملة والغرض انّ فساد المعاملة الرّبوية لا يلازم الحكم بالحرمة كما هو كذلك فى هذه الأمثلة فإن قلت سلّمنا عدم الملازمة كليّة ولكنّه لا يمنع من الملازمة فى حقّ المكلّف الجامع لشرائط التكليف ونحن ندّعى ذلك فى حقّه قلت إنّ الحكم بالفساد انّما كان لاجل اصالة الفساد الجارية فى كلّ عقد او ايقاع شكّ فى صحّته وفساده والاصل المذكور لا يثبت انّ المعاملة ربويّة الّا بناء على القول بالاصل المثبت كما انّ اصالة الاباحة لا يثبت كونها غير ربويّة والحاصل انّ الملازمة الواقعيّة لا تؤثّر فى مجارى الاصول قوله (لكنّ الظاهر الفرق بين الاصول اللفظيّة والعمليّة فتامّل) يمكن ان يكون الامر بالتامّل اشارة الى وجه الفرق وهو انّ مبنى اعتبار الاصول اللفظيّة هو الظّن والظّهور من جهة بناء العرف واهل اللّسان فلو علم اجمالا خروج بعض الافراد عن العامّ وكان مردّدا بين افراد يسقط العامّ عن الظهور بالنّسبة الى كلّ فرد يحتمل ان يكون هو المخرج ومن ذلك يعلم عدم جواز الرّجوع الى العموم اذا لم يكن له ظهور ولو لم يكن هناك علم اجمالى بالخلاف كما هو كذلك فى جميع الشبهات المصداقيّة مثل انّه لو علمنا بحرمة معاملة خاصّة وخروجها عن العامّ وشككنا فى مورد انّه هو ذاك المحرّم ام لا فعدم جواز الرّجوع الى العامّ فى المقام ليس من جهة العلم الاجمالى بل من جهة عدم الظهور الّذى هو ملاك اعتباره وهذا بخلاف الاصول العمليّة فانّ وجه اعتبارها هو قول الشارع بالعمل بها تعبّدا ويمكن ان يكون اشارة الى ما يقال من انّ حال الاصول اللفظيّة من حيث اعتبارها تعبّدا او وصفا كحال الاصول العمليّة لانّ الاقوال فى مناط اعتبار الاصول فى كلا المقامين مختلفة ويمكن ان يكون اشارة الى منع سقوط العامّ عن الظهور فى الفرض فانّا نرى بناء العرف على التّمسك بالعموم فيما لم يكن بعض اطراف الشبهة فى مورد العلم الاجمالى محلّا للابتلاء والتّحقيق ما افاده من عدم صحّة التّمسك هنا بعموم صحّة العقود امّا أوّلا فلما عرفت من عدم جواز التّمسك بالعامّ فى الشبهات المصداقيّة وامّا ثانيا فلأنّه لو سلّمنا جواز ذلك فى نفسه فجوازه فى المقام ممنوع للفرق الواضح بين المقام وسائر

٣٩٩

الشبهات المصداقيّة فانّ العلم الاجمالى فيها اوجب تردّد المشكوك بين دخوله فى افراد العامّ او خروجه عنه ودخوله فى المخصّص فكان الشّبهة بالنّسبة الى العامّ بدويّة وامكن رفع الاشتباه بدعوى ظهور العامّ واحراز الموضوع بعموم الحكم لعدم مصادمة مجرّد الشّك مع ظهور العامّ فى العموم فاذا تردّدت الخنثى بين دخولها فى الذكر او الانثى امكن اثبات وجوب قتلها عند الارتداد بعموم من ارتدّ يجب قتله لانّ العلم الاجمالى لم يتعلّق بالمخصّص بل به وبالعامّ فكان دخول الخنثى فى العموم مشكوكا بالشكّ البدوى لانّه احد طرفى الشبهة والطّرف الآخر هو المخصّص اى الأنثى وهكذا سائر الأمثلة وهذا بخلاف ما نحن فيه لوجود العلم الاجمالى بدخول ما خرج عن العامّ يقينا وهو البيع الربوى بين البيوع الواقعة وكيف يمكن التّمسك بالعموم مع العلم بالخلاف واصالة العموم انّما اعتبرت من حيث كشفها عن مراد الشارع وهذا ينافى العلم بالخلاف ولو اجمالا وان شئت قلت إنّ اعتبار الظواهر انّما هو من باب الظهور العرفى والعرف لا يستظهر منها شيئا عند العلم الاجمالى بالخلاف ولا يعدّها طرقا حاكية عن المراد فاذا علمنا اجمالا بوجود البيع الربوىّ بين البيوع الواقعة كيف يصحّ التّمسك بالعامّ لصحّة الجميع فلا اشكال فى سقوطه عن الاعتبار مع العلم الاجمالى بالخلاف لعدم تحقّق ملاكه وهو الكشف والطريقيّة من جهة الظّهور.

قوله (الثامن انّ ظاهر كلام الاصحاب التسوية بين كون الاصل الخ) مقتضى ما تقدّم عدم جريان البراءة فى مقابل اصالة الاحتياط بحدوث العلم الاجمالى سواء كان الوجه فى ذلك هو التّساقط ام الغاية الّتى يؤخذ العلم فيها اعمّ من التّفصيلى والإجمالي وكان الكلام مختصّا به وهو الظاهر من امثلتهم غالبا مثل الخمر والخلّ وظاهر الاخبار المشتملة على ذكر الجبن والسمن بل صريح بعضها كموثّقة سماعة ونحوها وان كان الاختصاص يأباه عموم العنوان وكيف كان فلو صحب الاحتياط اصل موضوعى كاستصحاب عدم الزوجيّة وعدم كون الاسير محقون الدّم وعدم الملكيّة فى كلّ من المرأتين المشتبهتين او الاسيرين او المالين فهل يجوز اجراء الاصلين الموضوعيّين مع العلم الاجمالى بمخالفة احدهما للواقع لفرض القطع بزوجيّة احدى المرأتين وبكون احد الاسيرين محقون الدم وبانّ احد المالين غير حرام فى الواقع ام لا فيه وجهان من انّ كلّا من الاصلين يقتضى احراز موضوع حكم الحرمة باثبات عدم الزوجيّة وهكذا فيترتّب عليه الحكم الظاهرى المجعول ومن انّ الظاهر التّسوية بين كون الاصل فى كلّ واحد من طرفى الشبهة هو الحلّ او الحرمة لاتّحاد المناط فى المقامين وهو عدم جريان الاصل فيهما لمكان العلم الاجمالى او للتّعارض والتساقط وحقّ الكلام أن يقال انّ على القول بوجوب الاحتياط فى المقام السّابق فلا اشكال لانّ اصل البراءة وما فى معناه من الاصول النّافية للتكليف غير جار كما هو مبنى القول بوجوب الاحتياط وان ثبت اصل موضوعى يؤكّده فلا بأس والّا فيكتفى به إلّا أنّه إذا كان الحكم بالاحتياط من جهة اجراء الاصل كان اللازم ترتيب جميع آثار الحرام

٤٠٠