تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

فى الخارج ولا يلزم الاجتماع بينهما ولا بين لوازمهما وامّا صحّة وقوع التّسهيل حكمة وصلاحيّته لذلك فتوضيحه على نحو الاختصار انّه لو اراد الشارع من نوع المكلّفين مع تمكّنهم من امتثال التّكاليف الواقعيّة بالقطع واليقين امتثالها كذلك لكان مخالفة تلك التكاليف حينئذ أكثر منها على تقدير امرهم بامتثالها بالطّرق والأمارات والأصول فانّ البعض وان لم يكن حاله كذلك لكن حال اكثر المكلّفين كذلك وذلك لما نشاهد من صعوبة امتثال التّكاليف بالطّرق والأصول بحيث يخالفون مع نصبها كثيرا من التّكاليف الثابتة عليهم واذا كان الامر كذلك فكيف لو اراد امتثالها بطريق القطع فاللّطف يقتضى اختيار الشّارع لما يكون مخالفة الواقع وفوت المصالح الواقعيّة على تقديره اقلّ بل لعلّ هذا الوجه الاخير اظهر من الوجه المتقدّم فانّه نوع من التصويب لانّه اذا كان عنوان السّلوك متضمّنا لمصلحة مساوية لمصلحة الواقع على تقدير فوتها او مفسدته على تقدير وقوع المكلّف فيها بحيث يتدارك بسلوك الطّريق تلك المفسدة او المصلحة فلا يعقل ان يكون شيء منهما مقتضيا فعليّا لما كان يقتضيه لو لا اتّحاد مورده مع عنوان السّلوك ضرورة انّ المفسدة المتداركة فى قوّة المعدومة وكذا المصلحة المتداركة فى قوّة الحاصلة ومن البديهىّ انّ مع عدم المفسدة لا يعقل النّهى وكذا مع وجود البدل لمصلحة فعل لا يعقل الامر به تعيينا بل لا بدّ منه تخييرا ولازم ذلك انتفاء الخطاب المشترك بين العالم والجاهل والتّصويب وان لم ينحصر فى هذا فانّ منه ايضا القول بانتفاء المصلحة والمفسدة الواقعيّتين فى حقّ الجاهل رأسا الّذى وقع اتّفاق الاماميّة على خلافه الّا انّ هذا القسم ايضا لعلّه خلاف ما اتّفقوا عليه فانّ ظاهرهم وجود خطاب مشترك بين العالم والجاهل لا مجرّد ثبوت المصلحة والمفسدة ويضعّف الوجه المتقدّم ايضا انّ من الواضح دوران العقاب فى مخالفة الاوامر الظاهريّة مدار مصادفتها لمخالفة الواقع مع انّ لازم كون نفس عنوان السّلوك مشتملا على المصلحة وكون تلك المصلحة هى الداعية الى تلك الأوامر كون الفعل المأمور به بالامر الظّاهرىّ واجبا نفسيّا ولازم ذلك كون موافقته من حيث هو ولو لم يكن فى مورده امر واقعىّ امتثالا حقيقة ومنشأ لاستحقاق الثّواب عليها من حيث انّها موافقة له وكون مخالفته من حيث انّها مخالفة له معصية موجبة لاستحقاق العقاب عليها ولازم ذلك تعدّد الثّواب والعقاب فى صورة مصادفته للامر الواقعىّ من حيث موافقتهما او مخالفتهما ولا ينافى ما ذكرنا فى وجه التّضعيف ما اشتهر بينهم من انّ المصيب له اجران والمخطى له أجر واحد فانّ كلامهم ذلك انّما هو فى مقام الاجتهاد والكلام فى المقام فى خصوص العمل ولا اشكال عندهم فى انّ الأوامر الظاهريّة لا تكون مخالفتها معصية ولا موافقتها امتثالا واطاعة الّا من باب التجرّى والانقياد فلو كان هناك ثواب فانّما هو على مجرّد الانقياد او عقاب فانّما هو على مجرّد التجرّى ومن هنا تعلم انّه لا ينافى ايضا ما ذكرنا

١٨١

من دوران العقاب مدار مخالفة الواقع ما صرّح به بعضهم من ثبوت العقاب على مخالفة الطّرق فانّ الكلام فى المقام انّما هو بالنّظر الى مخالفة الاوامر الظّاهريّة من حيث كونها تكاليف شرعيّة مع قطع النّظر عن ملاحظة اتّحاد مخالفتها مع عنوان آخر وامّا عنوان التجرّى وثبوت العقاب على مخالفة الطّرق من حيث انّه تجرّى على المولى فهو غير ما نحن فيه وهو من المسائل الخلافيّة وعنوان التجرّى يجرى ايضا فى الطّرق العقليّة الصرفة كالقطع والظّن عند الانسداد ولا حكم من الشارع هناك حتّى يقتضى الامتثال فالكلام في المقام فى ثبوت العقاب وعدمه بعد الفراغ عن ورود امر من الشّارع فى مرحلة الظاهر وهذا غير ما هو محلّ للخلاف من ثبوت العقاب على عنوان التجرّى وعدمه لا يقال حاصل هذا الوجه الاخير انّ الامر على طبق الامارات والأصول والسّلوك على مقتضاها يكون لمصلحة فى الامر لا فى المأمور به فالأوامر الظاهريّة الّتى ليس فى مواردها امر واقعىّ يكون نظير الأوامر الابتلائيّة ولم يكن تلك الأوامر أوامر حقيقيّة حتّى يقصد منها امتثالها من حيث هى ومقتضى ذلك عدم علم المكلّف بكونه مكلّفا بشيء قامت الطرق او الأمارات على وجوبه او على حرمته اذا اقتضى الاصول ذلك وح فلا محرّك له نحو الامتثال والسّلوك على مقتضاها فانّ الامر الغير الحقيقىّ انّما يكون محرّكا اذا اعتقد المكلّف كونه واقعيّا وامّا مع اعتقاده بكونه غير حقيقىّ وغير مراد منه الامتثال حقيقة وانّه لا يلزم منه عقاب على العصيان لذلك وانّ تكليفه دائر مدار الواقع فلا يعقل ذلك واللازم باطل ضرورة علم كلّ احد بكونه مكلّفا بمجرّد قيام طريق او امارة او اصل على ثبوت تكليف فى حقّه فالملزوم مثله لانّا نقول غاية ما هنا هو انّ بمجرّد قيام شيء من الامور المذكورة على تكليف يتحرّك المكلّف نحو الفعل او التّرك اذا لم يكن بانيا على العصيان ولكنّ الشّأن فى انّ هذه الحركة لم يكن لاجل علمه بكونه تكليفا واقعيّا بل لاجل احتمال امتثاله التّكليف المحتمل ثبوته فى موارد تلك الامور المنجّز عليه على تقدير الثبوت فى الواقع فانّ تلك الامور وان لم يحدث فى حقّه تكليفا حقيقة لكنّها يوجب تماميّة الحجّة عليه فى التّكليف الثابت فى مواردها بحيث لا يكون المكلّف معها معذورا فى مخالفته فالمحرّك للمكلّف نحو الفعل او التّرك هو مجرّد احتمال العقاب وقد نقل أساتيدنا أنّ استاد المتاخّرين شيخنا المرتضى قدس‌سره كان مختارا اوّلا الوجه المتقدّم ثمّ رجع اخيرا الى الوجه الثّانى الرّابع ما تقدّم فى وجه توهّم المنافاة بين الاحكام الظاهريّة والواقعيّة انّما هو فى صورة وجود حكم ظاهرىّ وواقعىّ فيختصّ مورده بموارد الطّرق الشرعيّة وامّا الطّرق العقليّة فلا توجب حدوث حكم من الشّارع فى مرحلة الظاهر على طبق مؤدّاها حتّى يتوهّم منافاته للحكم الواقعىّ المخالف له ويبحث حينئذ في صحّته وعدمها بل غاية ما يترتّب عليها انّما هو مجرّد معذوريّة المكلّف ورفع العقاب الخامس اذا عرفت عدم

١٨٢

المنافاة بين الاحكام الظاهريّة والواقعيّة يظهر لك انّه لا تعارض بين الادلّة الاجتهاديّة الكاشفة عن الاحكام الواقعيّة والاصول العمليّة المقتضية لخلاف مؤدّاها وكلّ دليلين غير متعارضين ان لم يكن الحكم المدلول عليه باحدهما مرتّبا على الجهل بالحكم المدلول عليه بالآخر فالمكلّف مكلّف فى جميع الحالات بالعمل بمؤدّى كليهما وان كان الجهل باحد الحكمين مأخوذا فى موضوع الآخر فالمكلّف غير مكلّف فى شيء من الحالات الّا بالعمل بمقتضى احدهما الّذى علم به فانّه ح أن كان جاهلا بكليهما معا فهو غير مكلّف بشيء منهما وله حكم آخر وان كان عالما باحدهما فان كان ذلك هو الحكم الّذى اخذ الجهل به موضوعا للحكم الآخر فلا يبقى مورد للآخر اصلا لارتفاع موضوعه بالعلم وفى حكمه ما اذا دلّ دليل غير علمىّ معتبر على ثبوت ذلك الحكم فانّه وان كان لا يرفع موضوع الحكم الآخر الّا انّه رافع له من باب حكومة دليل اعتباره على الدّليل المثبت لذلك الحكم الآخر وان كان هو الحكم الّذى اخذ فى موضوعه الجهل فهو معذور فى الحكم الآخر وغير مكلّف به أصلا ومن هنا ظهر أنّ وجه ورود الادلّة على الأصول ان كانت علميّة وحكومتها عليها ان كانت ظنّية هو اخذ الجهل بالاحكام الواقعيّة الّتى هى مؤدّيات الادلّة فى موضوع الاصول ويكون ورودها او حكومتها عليها مترتّبا على ذلك السّادس لمّا كان المأخوذ فى موضوع الاصول العمليّة هو الجهل بحكم الواقعة فى الواقع امّا من جهة الشّبهة فى نفس الحكم الكلّى الواقعىّ وامّا من جهة الشّبهة فى الموضوع الخارجىّ فلازم ذلك انّه اذا قام طريق قطعىّ على نفس الحكم او على تعيين الموضوع يكون ذلك الطّريق واردا على الاصول الجارية فى المورد لو لاه لكونه بمجرّده رافعا لموضوعها حقيقة ولا يعقل التّعارض بينه وبينها بوجه وامّا اذا قام طريق ظنّى من دليل ظنّى او امارة كذلك امّا من جهة ظنّية دلالتهما او من جهة ظنّية السّند فى الأوّل او الصّدق فى الثّانى اعنى الأمارة ففى وروده او حكومته عليها او تعارضهما وجوه ولا بدّ لنا فى توضيح المقام من بيان ميزان الورود والحكومة اوّلا ثمّ بيان الوجوه المتصوّرة فى كيفيّة اعتبار ذلك الطريق الظنّى والوجوه المتصوّرة فى كيفيّة اعتبار الأصول الشرعيّة العمليّة فاعلم أنّ ميزان الورود ان يكون الطّريق الوارد بحيث يرفع موضوع المورود عليه ويخرج مورده حقيقة عن كونه مصدقا الموضوع المورود عليه ويكون الوارد بنفسه رافعا للشّك حقيقة وميزان الحكومة ان يكون الحاكم بنفسه مفسّرا للمراد من المحكوم ومبيّنا لكميّة مدلوله من دون ان يكون رافعا لموضوعه بل هو مع وجود الحاكم صادق ايضا على المورد لكنّ الحاكم اوجب رفع الحكم المعلّق عليه عن المورد والمراد من كونه مفسّرا له ان يكون بحيث لا يفهم التّنافى بينه وبين المحكوم ويكون عند العرف كالقرائن المتّصلة من حيث كونه موجبا لظهور المحكوم فى اختصاص الحكم الّذى تضمّنه بغير مورد الحاكم مع صدق موضوع المحكوم على ذلك المورد وذلك بان يكون الدّليل الحاكم بمنزلة قول المتكلّم اعنى غير هذا المورد ومن هنا يظهر الفرق بينها وبين التخصيص بالمنفصل فانّه ليس

١٨٣

بحيث يوجب ظهور العامّ فى اختصاص الحكم المتعلّق به بغير مورد التخصيص بل العام معه ظاهر ايضا فى شمول الحكم لذلك المورد وعمومه بالنّسبة اليه وانّما يقدّم الخاصّ لترجيح ظهوره على ظهور العامّ فالعامّ والخاصّ متعارضان الّا انّ التّرجيح للخاصّ فيقدّم عليه لذلك بخلاف الحاكم والمحكوم عليه فانّ المحكوم لا ظهور له فى عموم الحكم بالنّسبة الى مورد الحاكم حتّى يتعارضان بل ظاهر فى اختصاصه بغير ذلك المورد وتظهر الثمرة بينهما فى الدليلين الظّاهرين فانّه على تقدير كون احدهما حاكما على الآخر يقدّم عليه ولو كان من اضعف الظّنون المعتبرة ولا يقدّم عليه المحكوم ابدا الّا اذا عارض الحاكم قرينة اخرى غير المحكوم فيلاحظ حينئذ أحكام التّعارض بينه وبين ذلك الأمر لا بينه وبين المحكوم وهذا بخلاف المخصّص المنفصل فانّه لا يقدّم بمجرّده على العامّ بل يدور تقديمه مدار رجحان ظهوره على ظهور العامّ وربما يكون ظهور العامّ اقوى من ظهوره فينعكس الأمر فالحاكم من حيث هو مقدّم على المحكوم كذلك دائما بخلاف الخاصّ والعامّ فانّ مدار التقديم على رجحان ظهور احدهما على ظهور الآخر ووجهه انّ الحاكم مفسّر للمحكوم وموجب لظهوره فى اختصاص الحكم الّذى تضمّنه بغير مورده فالحاكم بظهوره يقدّم من دون توقّف على امر آخر بخلاف الخاصّ فانّه بمجرّد ظهوره لا يوجب صرف العامّ حتّى يكون بنفسه مقدّما عليه بل رجحان ظهوره يوجب تقديم ظهوره على ظهور الآخر وقد يتراءى من كلام المحقّق الأنصارى قدس‌سره فى تعيين ميزان الحكومة انّ اللازم كون الحاكم على وجه لو فرض عدم ورود المحكوم لكان لغوا خاليا عن الفائدة وغرضه كون الحاكم على وجه يصلح لان يكون بيانا ومفسّرا لدليل آخر على خلافه على تقدير ذلك الدّليل ولو كان الغرض منه غير تفسير ذلك الدّليل نعم اتّصافه فعلا بذلك العنوان يتوقّف على وجود ذلك الدّليل فما ذكره بظاهره غير مراد فانّ مختاره قدس‌سره انّ ادلّة اعتبار الادلّة الاجتهاديّة باسرها حاكمة على ادلّة اعتبار الاصول العمليّة الشرعيّة مع انّه ليس شيء منها بحيث لو فرض عدم دليل على اعتبار الاصول العمليّة لكان لغوا خاليا عن الفائدة بل لها فائدة اخرى غير بيان كميّة مدلول ادلّة اعتبار الأصول الشرعيّة العمليّة ايضا وهى ورودها على الاصول العقليّة المحكّمة فى المورد قبل الأصول الشرعيّة هذا أمّا الوجوه المتصوّرة فى كيفيّة اعتبار الطّرق والامارات الظنّية فأربعة الأوّل ان يكون اعتبارها على وجه السببيّة واقعا بان يراد من ادلّة اعتبارها عليّة قيامها للبناء على مقتضاها والعمل على طبقها الثّانى ان يكون اعتبارها على وجه السببيّة ظاهرا بان يراد من تلك الادلّة عليّتها فى مرحلة الظاهر لأحداث حكم بالعمل على طبقها والفرق بينه وبين الاوّل تحقّق الاطاعة والعصيان الواقعيّين بمجرّد ايقاع العمل على طبقها او عدم ايقاعه اذا كانت متضمّنة للتّكليف على الاوّل مطلقا وتحقّقهما فى صورة المصادفة للتّكليف الواقعىّ وموافقتها له لا مطلقا وليس فى صورة مخالفتها الّا مجرّد التجرّى على الثّانى الثالث أن يكون

١٨٤

اعتبارها على وجه الطريقيّة بالنّسبة الى نفى الاحتمال المخالف لها بحيث لا يراد من تلك الأدلّة الّا انّه لا يعبأ بالاحتمال المخالف لمؤدّيات الطّرق والأمارات فيكون الاحتمال الموافق لها مسكوتا عنه لعدم كونها دليلا عليه الرّابع ان يكون اعتبارها على وجه الطريقيّة فى تمام مؤدّيها وعلى وجه تنزيلها منزلة العلم بان يراد من تلك الادلّة جعل مؤدّيها بمنزلة المتيقّن وجعل الاحتمال المخالف لها بمنزلة العدم وامّا الوجوه المتصوّرة في كيفيّة اعتبار الأصول فهى ايضا اربعة بالنّظر الى الشّك الماخوذ فى موضوعها والى العلم الّذى جعل غاية لارتفاعها فى ادلّة اعتبارها الأوّل ان يكون المراد بالشّك هو الجهل المقابل للعلم ويكون المراد بالعلم هو صفة القطع الثّانى الوجه الأوّل بحاله بالنّظر الى الشّك مع كون المراد بالعلم فى ادلّة اعتبارها هو مطلق الطّريق الشّامل لغير العلم من الظّنون المعتبرة بان يكون المراد به هو مطلق الحجّة على خلاف الأصول الثّالث أن يكون المراد بالعلم صفة القطع والمراد بالشّك التحيّر فى مقام العمل الرّابع ان يكون المراد بالشّك عدم الحجّة وبالعلم مطلق الحجّة اذا عرفت هذا فاعلم انّه اذا كان اعتبار الطّرق والأمارات على الوجه الاوّل من الوجوه المتقدّمة فهى واردة على الأصول الشرعيّة العمليّة بجميع الوجوه المتاخّرة فانّ حكم الواقعة الّتى فرض الشّك فى حكمها وان لم يعلم بمجرّد قيام دليل او أمارة ظنّيين لكن قيامها يوجب حدوث تكليف آخر واقعىّ معلوم بايقاع العمل على طبقها ولا مجرى للأصول بالنّسبة الى هذا التّكليف اصلا بل يرتفع موضوعها وهو الشّك بكلا معنييه بمجرّد قيام الأمارة وان كان اعتبارها على الوجه الثّانى فيقع التّعارض بينها وبين الاصول بجميع الوجوه المتصوّرة فى اعتبارها اذ يقتضى كلّ منهما حينئذ حكما ظاهريّا مأخوذا فيه الجهل بالواقع ولا يوجب شيء منهما تبيّنه حتّى يكون واردا على الأخر ولا منزّلا منزلة العلم حتّى يكون حاكما عليه ولا بدّ حينئذ من ملاحظة التّرجيح بين ادلّة اعتبار الطّرق وادلّة اعتبار الأصول ومع فقده فالمرجع القواعد المقرّرة لصورة تكافؤ الدّليلين وان كان اعتبارها على احد الوجهين الاخيرين من الوجوه الأربعة المتقدّمة فإن كان اعتبار الأصول على الوجه الثانى من الوجوه الاربعة فيها يكون الطّرق والأمارات بمقتضى ادلّة اعتبارهما بالنّسبة الى نفى الاحتمال المخالف لهما الموافق للأصول حاكمين على الأصول لصدق موضوعها وهو عدم العلم على المورد والمنع عن جريانها لدخوله فى الغاية المأخوذة فى ادلّة اعتبارها وان كان اعتبارها على الوجه الثّالث والرّابع فالطّرق والأمارات واردتان عليها لانّ موضوعها وهو التحيّر فى العمل وعدم الحجّة يرتفع بمجرّد قيامهما اذ مع واحد منهما لا تحيّر فى مقام العمل وان كان اعتبارها على الوجه الاوّل فهما حاكمان عليها فانّهما وان لم يرفعا موضوع الأصول ح إلّا انّهما رافعان لحكمها بمقتضى ادلّة اعتبارهما فانّ حكم الشّارع بالبناء على عدم الاحتمال المخالف لمؤدّاهما معناه رفع الحكم الظاهرىّ المجعول منه على

١٨٥

طبق ذلك الاحتمال ويكون دليل اعتبارهما كقوله صدّق العادل او البيّنة مثلا تفسيرا لقوله لا تنقض اليقين بالشّك وكلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه ومبنى الحكومة على الوجه الاوّل هو فرض تنزيل الشّارع لهما مقام العلم من دون تصرّف فى ادلّة اعتبار الاصول أصلا وعلى الوجه الثّانى هو جعل تلك الادلّة قرينة صارفة عن حمل العلم المأخوذ غاية فى ادلّة اعتبار الأصول على القطع الى الاعمّ منه ومبنى الورود على الوجه الثّالث هو جعل تلك الادلّة قرينة صارفة لحمل الشّك المأخوذ فى ادلّة اعتبار الأصول الى الاخصّ من ظاهره حيث انّ ظاهره مطلق الجهل المقابل للعلم والشّك المقرون بالتحيّر فى مقام العمل قسم منه فانّه الشّك فيما يصنع فى حال الجهل وعلى الوجه الرّابع هو جعل تلك الادلّة صارفة للشّك الى الاخصّ وللعلم الى الأعمّ ومبنى الورود على الوجه الاوّل من وجوه اعتبار الطّرق والأمارات هو دعوى ظهور ادلّة اعتبارها فى السببيّة من غير تصرّف فى ادلّة اعتبار الأصول ثمّ التّحقيق انّ التّعارض والورود والحكومة انّما هو بين ادلّة اعتبار الطّرق والأمارات وادلّة اعتبار الأصول لا بين نفس الطّرق والأمارات ونفس الأصول امّا على تقدير الحكومة فلانّ المفسّر بالكسر والمفسّر بالفتح هو ادلّة اعتبارهما وامّا على تقدير الورود فلأنّ الرّافع للشّك حقيقة انّما هو ادلّة اعتبار الوارد لا نفسه كما لا يخفى ولا يصدق تعريف الوارد الّا عليها وامّا على تقدير التّعارض فلانّه لو فرض وجود طريق او امارة مع فرض عدم اعتباره او اصل كذلك فمن المعلوم عدم التّعارض بينه وبين الطّريق الأخر المفروض اعتباره فانّه بوجوده لا يمنع من العمل بالآخر بل انّما يمنع بواسطة اعتباره والمفروض انّ اعتبار كلّ من الطّرق والأمارات والأصول انّما هو بادلّة اعتبارها فالتّعارض حقيقة بين تلك الأدلّة فتقديم الطّرق والأمارات على الاصول بالورود او الحكومة او التّرجيح ليس الّا لأجل ورود ادلّة اعتبارها او حكومتها او ترجيحها على ادلّة اعتبار الأصول وتقديم تلك الأدلّة انّما هو بتقديم ما قامت هى على اعتبارها وذلك لانّ تقديم ادلّة اعتبارها باحد الوجوه على ادلّة اعتبار الأصول عبارة عن العمل على طبقها والأخذ بمؤدّيها وطرح مؤدّى ادلّة اعتبار الأصول والعمل على طبقها عنوان منطبق على العمل على طبق الطرق والأمارات الخاصّة فى الموارد المخصوصة فى قبال الأصول الجارية فيها لو لا تلك الطّرق والأمارات نعم قد يوجد من الادلّة والأمارات ما يكون هو بنفسه واردا على الاصل الجارى فى المورد لو لاه كجميع الادلّة والأمارات المفيدة للقطع وامّا الغير العلميّة منها فليس الوارد على تقدير الورود الّا دليل اعتبارها وكلامنا انّما هو فيها وقد يوجد منها ما يكون حاكما على الاصل كادلّة الشّكوك فى الصّلاة الرباعيّة الدّالة على البناء على الاكثر فى قبال الاستصحاب المقتضى للبناء على الاقلّ اذا فرض كون تلك الادلّة قطعيّة سندا ودلالة اذ لو فرض ظنّيتها من احدى الجهتين يكون الحاكم حينئذ حقيقة هو دليل اعتبار السّند او

١٨٦

او الدّلالة كما أنّه قد يكون بعض الادلّة الاجتهاديّة الظنّية حاكمة على بعض آخر كالادلّة النّافية لحكم الشّك مع كثرته او مع حفظ الامام او المأموم وغير ذلك من الادلّة الحاكمة على ادلّة الشكوك لكنّ الكلام فى المقام انّما هو فى كلّية ادلّة الطرق والأمارات الظنّية بالنّسبة الى كلّية الأصول وتوضيح الحال فيهما لا فى استيفاء جميع مصاديق الوارد والحاكم ويظهر من كلمات المحقّق الأنصارى قدس‌سره جعل الحكومة بين نفس الادلّة والأصول ولا وجه له نعم لو فرض الدّليل قطعيّا من جميع الجهات فجعل الورود بين انفسهما فى محلّة حيث انّ الادلّة القطعيّة بانفسها رافعة الشّك من غير حاجة الى دليل الاعتبار فانّ القطع منجعل فى نفسه ثمّ انّ الظاهر من ادلّة اعتبار الطّرق والأمارات هو اعتبارها على الوجه الرّابع ولا يظهر الثّمرة بين اعتبارها على هذا الوجه واعتبارها على الوجه الثّالث من حيث الورود والحكومة على الأصول فانّ الملحوظ فيهما انّما هو الاحتمال المخالف الموافق للأصول وانّما تظهر الثّمرة بين الوجهين من جهة اخرى وهى كون الطّرق والأمارات دليلا فى اثبات الاحتمال الموافق لها على وجه يعارض ما دلّ على نفى ذلك الاحتمال بناء على اعتبارها على الوجه الرّابع وعدم كونها دليلا صالحا لمعارضة ما يدلّ على نفى ذلك الاحتمال بناء على اعتبارها على الوجه الثّالث وامّا الأصول العمليّة فهى مختلفة فانّ الظاهر من أدلّة الاستصحاب هو اعتباره على الوجه الاوّل من الوجوه الأربعة المتصوّرة فى اعتبار الأصول وامّا اصالة البراءة فظاهر بعض ادلّتها وان كان هو اعتبارها على ذلك الوجه لكنّ المتامّل فى مجموع ادلّتها يقضى باعتبارها على الوجه الرّابع وامّا التخيير فهو من باب العقل والكلام فى الاصول الشرعيّة واعتباره عقلا انّما هو على الوجه الرّابع لانّ موضوعه عند العقل هو التحيّر وغايته رفعه فهو كاصالة البراءة من باب التعبّد بل ومن باب العقل ايضا نعم التّخيير فى الخبرين المتعارضين شرعىّ والظّاهر انّ اعتباره ايضا على الوجه الرّابع فيكون ادلّة التّراجيح واردة على ادلّتها مطلقا ويكون حال التّخيير بالنّسبة الى تلك الادلّة حال القرعة فى الموضوعات بالنّسبة الى الأمارات من حيث وجه الاعتبار وكونه مورودا عليه وامّا أصالة الاحتياط فالظاهر انّها ايضا كاصالة البراءة سواء كان مدركها الأخبار او العقل فانّ مدركها مطلقا انّما هو عدم الحجّة للمكلّف فى ترك الموافقة القطعيّة وبالجملة فقد علم انّ ادلّة اعتبار الطّرق والأمارات حاكمة على الاستصحاب وواردة على اصالتى البراءة والاحتياط فإن قيل لو كان ادلّة اعتبار الأصول قطعيّة الصّدور كان ادلّة اعتبار الطّرق والأمارات مفسّرة لها ورافعة لحكمها عن صورة قيام دليل او أمارة غير علميّين وامّا اذا كانت كالادلّة الاجتهاديّة ظنيّة فلا وجه لتقديمها على الاصول لانّ الأصول ح إنّما تثبت وتعتبر بمقتضى ادلّة اعتبار قول العادل فانّ قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشّك على تقدير ظنّية صدوره انّما يكون دليلا على اعتبار

١٨٧

الاستصحاب بالنّظر الى شمول قوله صدّق العادل مثلا الّذى هو مستند اعتبار الاخبار الظنّية الصّدور المتضمّنة لبيان الاحكام الواقعيّة المخالفة لمقتضى الاستصحاب له فهو فى عرض تلك الاخبار وكيف يقدّم هى عليه فى مورد المخالفة فانّ معنى تصديق العادل فى قوله قال الصّادق عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشّك وجوب البناء على عدم احتمال عدم صدوره عنه عليه‌السلام وفرضه كمقطوع الصّدور كما انّ تصديق العادل فى قوله قال الصّادق عليه‌السلام مثلا يجب السّورة معناه ايضا ذلك فلا وجه لتقديم احدهما على الأخر لعدم اقتضاء دليل اعتبار صدورهما ذلك بل نسبته الى كلّ منهما كنسبته الى الأخر مع انّه يلزم على تقدير تقديم قوله عليه‌السلام مثلا يجب السّورة على قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشّك النّقض فى الصّدور اذ من المعلوم انّ من يقدّمه عليه انّما يقدّمه فى مورد مخالفته للادلّة الاجتهاديّة وامّا فى صورة عدم دليل اجتهادىّ فيعمل به وهو كما ترى قيل انّا لا نقول بتقديم صدور احدهما على صدور الأخر بل نحكم بمقتضى ادلّة الصّدور بصدور كليهما وفرضهما كمقطوعى الصّدور الّا انّا نقدّم احدهما على الأخر من حيث الدّلالة ودليل اعتبار دلالتهما وظهورهما وان كان واحدا الّا انّه يقتضى جعل كلّ ظهور طريقا الى مؤدّاه وجعل احتمال خلافه بمنزلة العدم فى عدم ترتّب الحكم المجعول له مع فقد ذلك الظهور عند وجوده ومن المعلوم انّ مقتضى قوله ع لا تنقض اليقين بالشّك ليس الّا جعل احتمال بقاء الحالة السّابقة حكما ظاهريّا وهو البناء على البقاء ومقتضى قوله يجب السّورة وجوبها واقعا واحتمال خلافه انّما هو عدم وجوبها الّذى هو مقتضى الاستصحاب وحكم الشّارع بحجيّة ظهوره هو عدم اعتنائه بذلك الاحتمال فيكون ذلك فى معنى انّى لا اريد ذلك الحكم الظاهرىّ المجعول له عند وجود ذلك الظهور فيكون نفس دليل اعتبار ظهوريهما مفسّرا للمراد من قوله ع لا تنقض اليقين بالشّك فالحكومة انّما هى بالنّظر الى دلالتهما والنّقض ايضا بالنسبة اليها لا بالنّسبة الى الصّدور ودليل اعتبار ذينك الظهورين يقتضى عدم اعتناء الشارع لأحتمال خلافهما بمعنى انّه لو فرض منه حكم مجعول لاحتمال خلافهما فهو منفىّ فى مورديهما ومن المعلوم انّ ظاهر قوله ع لا تنقض اليقين بالشّك انّه قد جعل للشّك فى احتمال البقاء والارتفاع حكما ظاهريّا وهو وجوب البناء على مقتضى الحالة السّابقة للمشكوك واحتمال خلاف ذلك الظهور عدم جعله للشّك ذلك الحكم لا عدم جعله للمورد حكما واقعا على خلاف حكمه السّابق حتّى يقع التّعارض بين قوله هذا وقوله مثلا يجب السّورة الّذى يفيد للسّورة حكما مخالفا لحكمها السّابق وهو عدم الوجوب ويكون احتمال وجوب السّورة هو احتمال خلاف قوله لا تنقض اليقين واحتمال خلاف قوله يجب السّورة عدم وجوبها الّذى هو الاحتمال الموافق لقوله لا تنقض فيقال إنّ دليل

١٨٨

اعتبار كلّ من الظهورين يقتضى القاء احتمال خلافه مع فرض انّ كلّا منهما هو احتمال خلاف الأخر فيلزم من شموله لكلّ منهما عدم حجيّة شيء منهما فى مؤدّاه فلا يثبت للمورد حكم احد الدليلين وبالجملة انّ احتمال خلاف ظاهر الدّليل الاجتهادىّ المتكفّل لبيان الحكم الواقعىّ انّما هو الاحتمال الموافق لمقتضى دليل اعتبار الأصل بخلاف العكس فمقتضى الحكم بالاخذ بالظهورين هو البناء على عدم احتمال خلافهما ومعنى ذلك انّه لم يرد الشارع ذلك الحكم الظاهرىّ فى مورد ظهور الدّليل الاجتهادىّ فيكون دليل اعتبارهما مفسّرا للمراد من قوله ع لا تنقض مثلا وحاكما عليه فافهم واغتنم والحمد لله ربّ العالمين قوله (ثمّ انّه ربما ينسب الى بعض ايجاب التعبّد بخبر الواحد) قد نسب السّيد المحقّق السّيد محسن فى المحصول ذلك الى بعض العامّة ومدركه أمران الاوّل انّ ترك العمل بخبر الواحد مظنّة للضّرر ودفع الضّرر المظنون واجب الثّاني انّه لو لم يجب العمل بخبر الواحد للزم خلوّ اكثر الوقائع عن الحكم واللازم قبيح فكذا المقدّم والقبيح محال على الحكيم تعالى والجواب امّا عن الاوّل فبانّه ان اراد ذلك مطلقا حتّى فى حال الانفتاح ففساده واضح وان اراد خصوص صورة الانسداد فمرجعه الى بعض الادلّة المذكورة لحجيّة الظّن فيها وسيأتى الكلام عليها. وامّا عن الثّانى فبما افاده فى المتن قوله (لا بدّ من تأسيس الاصل الّذى يكون عليه المعوّل) اعلم انّ كلامه طاب ثراه انّما هو فى تاسيس الأصل بالنّسبة الى الحكم التّكليفى والمهمّ إنّما هو تأسيس الاصل فى الحكم الوضعى اعنى حجيّة الظّن الّذى لم يثبت اعتباره وذلك لانّ الغرض الاصلىّ من اعتبار الامارة هو تنجّز التكليف الواقعى بها اذا صادفته وصحّة المؤاخذة على مخالفته وصحّة الاعتذار بها لدى مخالفتها إيّاه وبعبارة أخرى الغرض المهمّ من اثبات اعتبار الأمارة هو اثبات ما يكون حجّة من المولى على العبد وله على المولى بحيث يستحقّ بذلك المثوبة من المولى ولو من جهة انقياده ويصحّ منه المؤاخذة عنه ولو من جهة التجرّى فالغرض منها هو ترتيب آثار الواقع على مؤدّى الأمارة والغاء احتمال خلافها وامّا الالتزام بها وصحّة اسنادها اليه تعالى فليسا من المهمّ فى مقام اثبات اعتبارها وبعبارة ثالثة حال الأمارة ليس كحال اصالتى الإباحة والطّهارة ونحوهما من الأصول المجعولة فانّها احكام حقيقيّة شرعيّة فعليّة وامّا الأمارة فليس جعلها الّا باعتبار كونها ناظرة الى الواقع وليس الغرض المهمّ منها الّا تنجّز الواقع بها فى صورة الاصابة والمعذوريّة فى غيرها ولا اشكال فى انّ ما لم يعلم اعتباره وشكّ فى حجيّته وجعله فالاصل عدم حجيّته عقلا عقليّة كانت او شرعيّة فانّ العقل اذا لاحظ مثلا مقدّمات الانسداد وبقى شاكّا يقطع بمجرّد التحيّر بعدم حجيّة الظّن وهكذا فى الحجّة الشرعيّة فانّ ما شكّ فى اعتباره شرعا ولم يحرز جعله من قبله يحكم بعدم اعتباره قطعا وبعدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة على ما لم يحرز كذلك فلا يصحّ المؤاخذة على التّكليف او الاعتذار عن المخالفة بمجرّد

١٨٩

احتمال اعتباره ما لم يقطع به ولا يكون مخالفته تجرّيا فانّ التجرّى لا يصدق الّا على ترك الواجب او فعل الحرام وما لم يعلم كونه كذلك ليس فى مخالفته هتك للمولى وان كان موافقته برجاء اصابة الواقع انقيادا لانتفاء الموضوع مع عدم العلم فانّ الآثار المذكورة انّما هى للحجّة الفعليّة وما يشكّ فى حجيّته ليس بحجّة ولا موضوع كى يترتّب عليه الأثر وبالجملة ما شكّ فى حجيّته شرعا او عقلا فالعقل حاكم بعدم حجيّته وعدم ترتّب الأثر المرغوب منها عليه ولا فرق فى هذا بين ما كان فى العبادات او المعاملات وانّما لم يتعرّض المصنّف لهذا لوضوحه بضرورة العقل مضافا الى الإشارة اليه فى ردّ من تمسّك باصالة عدم الحجيّة وعدم وقوع التعبّد به وايجاب العمل به حيث يقول انّ الأصل وان كان ذلك الّا انّه لا يترتّب على مقتضاه شيء فانّ حرمة العمل بالظنّ يكفى فى موضوعها عدم العلم بورود التعبّد من غير حاجة الى احراز عدم ورود التعبّد به ليحتاج فى ذلك الى الأصل الخ فلاحظ ولا تغفل قوله (دلّ على انّ ما ليس باذن من الله من استناد الحكم الى الشّارع فهو افتراء) فانّ قرينة المقابلة مع حصر المقصود تقتضى حرمة كلّ ما لم يعلم فيه اذن شرعىّ لانّه افتراء والافتراء وان كان ظاهرا او حقيقة فى خصوص الكذب على الله عن عمد الّا انّ مقتضى القرينة المذكورة دخول ما شكّ فى كونه مأذونا فى الافتراء مضافا الى ما يظهر من بعض كتب اللّغة من عموم الافتراء لما شكّ فى كونه ماذونا ايضا على وجه الحقيقة ومن الكتاب أيضا قوله تعالى مخاطبا لنبيّه ص فى ردّ اليهود ولو مهم (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الخ وقوله تعالى (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) وقوله تعالى (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) الى غير ذلك من الآيات الذّامّة لمن يلتزم بشيء مع كونه شاكّا فيه جاهلا به قوله (بل يكفى فيها عدم العلم بالفراغ فافهم) اشارة الى دقّة المطلب ولزوم التفطّن بعدم الحاجة الى التّمسك باستصحاب الحكم المترتّب على نفس عدم العلم وكفاية الشّك فى ذلك وكون التّمسك بالاستصحاب حينئذ لغوا قوله (ومنها انّ الأمر فى المقام دائر بين الوجوب والتّحريم) والتّخيير امّا بالنّسبة الى الواقع بان يقال ما ادّى اليه الظّن فى الواقعة الخاصّة امّا واجب بمقتضى الظّن او حرام اذا كان على خلاف الواقع ومقتضى القاعدة فى دوران الأمر بين المحذورين يقتضى التخيير بين مؤدّى الأصل والظّن بمعنى انّ المكلّف مخيّر بين ان يقول حكمى فى المسألة هو الحرمة بالخصوص من الشّارع للأصل وان يقول هو الوجوب منه عملا بمقتضى الظّن وامّا بالنّسبة الى الحكم الظاهرىّ بان يقال انّ فى العمل بمقتضى الظّن قولين قول بالوجوب وقول بالحرمة ولا مناص عن التّخيير والجواب عن الوجه الاوّل بمنع دوران الامر بين المحذورين لانّ ادلّة الاصول ينفى احتمال خلاف الحرمة ولو فرضنا عدم وجود

١٩٠

اصل فلا تخيير ايضا لانّه بحكم العقل ولا يحكم به الّا مع تساوى الطرفين وعدم رجحان احدهما على الآخر ومع فرض الظّن باحدهما يتعيّن العمل به عند العقل وعن الثّانى فبما افاده فى المتن من منع الدوران القيام الادلّة على حرمة العمل بالظنّ على وجه التديّن فلا يثبت الوجوب الّا بترخيص من الشّارع ومجرّد احتمال الحرمة كاف فى ثبوتها قوله (وثانيا انّ العمل بالظنّ فى مورد مخالفته للأصول والقواعد) وتقريره ببيان اوضح انّ العمل بالظنّ ان كان لرجاء ادراك الواقع ومن باب الاحتياط فهو حسن بلا اشكال وان كان على وجه التعبّد بوجوبه والتديّن به فلا اشكال فى حرمته ولا حاجة الى التّمسك بقاعدة الاشتغال وانّما تجرى فى مقام الشّك وان كان من دون تعبّد بمقتضاه ولم يكن برجاء أدراك الواقع فان كان العمل به على وجه يطابق مقتضى الأصول او الأمارة المعتبرة فلا معنى للاشتغال للعلم بادراك المصلحة وعدم استحقاق العقوبة وان كان فى مورد مخالفته للأصول والقواعد الّذى هو محل الكلام فالعمل بالظنّ ح مخالفة قطعيّة لحكم الشّارع بوجوب الأخذ بتلك الأصول فلا حاجة ايضا فى ردّه الى مخالفته لقاعدة الاشتغال الرّاجعة الى قدح المخالفة الاحتماليّة الى آخر ما افاده فى المتن فلا تغفل قوله من جهة الالتزام والتّشريع ومن جهة طرح الأصل) لا يخفى عليك انّ التديّن والالتزام بشيء باسناده الى الله تعالى وبقصد انّه من الدّين لا يمكن تصوّره فى حقّ من يعلم بعدم كونه من الدّين او يشكّ فى ذلك لانّ التديّن والقصد من الافعال الاختياريّة للقلب ومن لم يعلم بانّ الشيء من الدّين سواء قطع بخلافه او كان شاكّا لا يتحقّق منه القصد اختيارا نعم يمكنه أن يأتى لا بقصد انّه عبادة ثابتة بل يظهر للنّاس ذلك او يعمل عملا فى مرئى الغير مثل الواجب بحيث يتوهّم الغير بكونه واجبا فى اعتقاده كما هو حال اهالى البدع وهذا هو التشريع المحرّم والمراد ممّا تكرّر ذكره فى المتن من التديّن والالتزام بكونه حكم الله تعالى قوله (على ما هو التحقيق من انّ اعتبار الأصول لفظيّة كانت او عمليّة الخ) لمّا كان الأقوال فى اعتبار الأصول مختلفة منها انّه على نحو السببيّة المطلقة ومنها أنّه على نحو السببيّة المقيّدة بعدم الظّن على خلافها ومنها أنّه لأجل الظّن النوعى او الشّخصى كان حرمة العمل بالظنّ فى مقابل الاصول مقصورا على الوجه الاوّل وامّا على الوجوه الأخر فلا يكون حراما امّا على السّببيّة المقيّدة فواضح لأنّ حجيّة الاصل ح مقيّد بعدم الظّن على الخلاف والمفروض وجوده فالغاية تساويهما فى صورة انسداد باب العلم او يكون العمل بالظنّ راجحا لكونه اقرب الى الواقع وكذلك بناء على اعتبار الأصل من حيث الظّن الشّخصى وامّا بناء على اعتباره من حيث الظّن النوعى فلأنّ القائل بذلك يقيّده ايضا بعدم الظّن الشخصىّ على خلاف الاصل كالسببيّة المقيّدة والتّحقيق هو الوجه الاوّل وانّ حجيّة مطلق الأصول من باب التعبّد من دون فرق بين افادتها للظنّ وعدمها وبين وجود الظّن الغير المعتبر على خلافها وعدمه امّا الأصول اللّفظيّة

١٩١

فستطّلع على حجيّتها من دون فرق بما سيجيء فى المتن فى آخر البحث عن حجيّة ما يعمل لتشخيص مراد المتكلّم وامّا اصل البراءة فلأنّ مدركها امّا النّقل او العقل والاوّل صريح فى الحكم بالبراءة ما لم يحصل العلم بالتّكليف سواء حصل الظّن به او بعدمه ام لا مثل قوله تعالى لا يكلّف الله نفسا الّا ما آتيها والثّانى مستقلّ به ايضا من دون اشكال واذا راجعنا طريقة العقلاء وجدناهم لا يذمّون العبد التارك اذا لم يحصل له العلم بالتّكليف وامّا اصالة الاشتغال فمدركه العقل وهو حاكم بوجوب العمل بمقتضاه بعد العلم بالتّكليف مطلقا من غير فرق بين الظّن بحصول البراءة وعدمه وامّا الاستصحاب فانّهم وان ذكروا لمدركه وجوها الّا انّ العمدة فيه عندنا هو الاخبار ولا ريب فى انّها صريحة فى الدّلالة على ما ذكرنا مثل قوله ع لا تنقض اليقين بالشّك ولكن انقضه بيقين آخر فانّه جعل النّاقض لليقين يقينا مثله فان قلت روايات الباب لم تبلغ حدّ التواتر حتّى تفيد العلم فليست هى الّا ظنّية وما كان مدركه ظنّيا لا يفيد الّا الظّن فالظنّ الحاصل من الاستصحاب مثل الظّن الحاصل من الشهرة او الإجماع المنقول وما وجه ترجيح الاستصحاب على الشهرة عند التّعارض وليس هذا الّا ترجيحا بلا مرجّح قلت امّا ظنّية تلك الروايات بحسب الصّدور فممنوعة بل هى قطعيّة الصّدور فى الجملة لا من جهة كونها متواترات لفظا او معنى كسائر الأخبار المتواترة بل لمّا رأيناها متداولة بين الأصحاب ومذكورة فى جميع الكتب المعتبرة كالكافى والفقيه والتهذيب والاستبصار حصل لنا القطع بصدور بعضها ولو كان واحدا منها لا على التّعيين عن المعصوم ع وأمّا ظنيّتها من حيث الدّلالة فمسلّمة ولكن قولكم فالظنّ الحاصل من الاستصحاب مثل الظّن الحاصل من الشّهرة ممنوع لوجود المرجّح للظنّ الحاصل من تلك الاخبار لانّه من الظّنون اللفظيّة ومن الظّن الحاصل من ظواهر الالفاظ كاصالة الحقيقة ونحوها ولا اشكال فى حجيّتها بخلاف الظّن الحاصل من الشّهرة او الإجماع المنقول وامّا أصالة التخيير فيما اذا دار الامر بين المحذورين فان جعلنا الظّن الحاصل فى احد الطّرفين مرجّحا كما هو الصّواب لانّ الحاكم بالتّخيير هو العقل ولا ريب فى عدم حكمه به اذا كان احدهما مظنونا بل يحكم بالأخذ بالمظنون فيتّجه حينئذ القول بالجواز وان لم نجعله مرجّحا كما اختاره بعض فلا وجه للحكم بتعيين المظنون المنافى للتّخيير قوله (امّا مع عدم تيسّر العلم فى المسألة) كلمة امّا فى صحيح العبارة زائدة قوله (وامّا مع التمكّن من العلم فى المسألة فلأنّ) كلمة فلأنّ زائدة وصحيح العبارة هكذا فعدم جواز الخ وعلى هذا تكون وامّا مع التمكّن من العلم الخ جملة مستأنفة لا ما يتوهّم من انّها احد شقّى الكلام قوله (ثمّ انّه ربما يستدلّ على اصالة حرمة العمل بالظنّ بالآيات) الاستدلال بالآيات والاخبار النّاهية منسوب الى السّيد عبد الله الشبّر ره قوله (فلا مهمّ فى اطالة الكلام فى دلالة الآيات وعدمها) قد احطت خبرا بما

١٩٢

افاده من وجود تأسيس الاصل فى العمل بالظنّ ولا بأس بتوضيح الكلام فى هذا المقام لتكون على بصيرة فيما للظنّ من الأقسام فنقول انّ من الظّن ما علم حجيّته كظواهر الألفاظ وغيرها من الظّنون الخاصّة ومنه ما علم عدمها كالقياس والاستحسان ومنه ما يشكّ فى حجيّته كالشهرة والإجماع المنقول والغلبة ونحوها وتأسيس الاصل انّما يثمر فى محلّ الشّك وله موارد الاوّل فى زمان الانفتاح الكلّى او الغالبى كعصر المعصومين ع الثانى فى حال الانسداد الغالبى بالنّسبة الى الموارد النّادرة الّتى لم ينسدّ فيها باب العلم الثالث فيما اذا شكّ فى الانسداد وعدمه ولم يعلم الانفتاح ويمكن تحصيل الفائدة فى مقامات أخر ايضا الاوّل فى حال الانسداد ولكن عند من لم يعتبر بدليل الانسداد ولا بالاجماع المدّعى على حجيّة مطلق الظّن فى حال الانسداد على ما ياتيك تفصيله الثّانى والثّالث والرّابع فى حال الانسداد وعند من قطع بحجيّة الظّن فى تلك الحال ورأى تماميّة الدليل وثبوت الإجماع لكن فى الجملة وعلى وجه الاهمال لا مطلقا وذلك أمّا بالنّسبة الى الاسباب لتفاوت الظّن فى الاعتبار وعدمه بالإضافة إليها وامّا بالنّسبة الى مراتبه كالظنّ الاقوى والاطميناني بالنّسبة الى غيره فانّ بعضهم وان سلّم الدليل الرّابع وتحقّق موضوع الانسداد ولكن يقول انّه لا يدلّ الّا على اعتبار ما يقرب من العلم والظّن الأقوى والاطميناني منه وباقى الظّنون مشكوكة الاعتبار ويثمر الاصل بالنّسبة إليها وامّا بالنّسبة الى موارده ومتعلّقاته كالظنّ بالمسائل الأصوليّة العمليّة فانّ غاية ما يثبت بدليل الانسداد والاتّفاق على جواز العمل به هو الظّن بالفروع الفقهيّة دونها ويكون ذلك مشكوكا فيكون موردا للأصل المؤسّس فى المسألة ثمّ انّ العمل بالظنّ كما عرفت على وجوه الأوّل ما كان العمل بعنوان الاحتياط ورجاء ادراك الواقع كالمثال المتقدّم فى المتن ومثل ما لو دلّ دليل ظنّى على حرمة شرب التتن مع كونه مباحا بمقتضى الاصل والتزم بتركه رجاء وفى اطلاق العمل بالظنّ على هذا مسامحة الثانى ما كان العمل بعنوان التديّن به الثالث ما اذا التزم بالتديّن بالعمل به ولكن لم يتّفق العمل وكان عزما صرفا والتزاما مجرّدا الرّابع عكس الثالث وهو ما كان العمل به من دون التزام وتديّن به أمّا الاوّل فلا ريب فى جوازه وحسنه وامّا الثانى فقد عرفت انّه ضرورىّ التحريم وأمّا الثالث ففيه تامّل لعدم صدق الافتراء والتشريع على مجرّد البناء والعزم الّا ان يقال بثبوت العقاب على نيّة المعصية او يقال انّ العقد القلبى والالتزام بكونه مشروعا عمل محرّم ايضا غاية الامر كونه من الأفعال القلبيّة وأمّا الرّابع فيتبع حكمه الحكم الثّابت له ويختلف بملاحظة المطابقة وعدمها فإن كان العمل بالظنّ مطابقا للواقع وللأصل المعتبر فلا ريب فى جوازه وان كان مخالفا لهما فلا ريب فى كونه محرّما وان كان مخالفا للواقع وموافقا للاصل فيحرم ايضا على اشكال فيه لانّ المكلّف قد كان مكلّفا بالحكم الواقعى فى حال التمكّن من تحصيل العلم به وبما يقوم مقامه من مقتضى الاصل مع عدم التمكّن منه والمفروض انّه لم يأت بالمكلّف به الواقعىّ ولا بما يجبره ويتداركه فانّ العمل بمؤدّى الأصل انّما يقوم مقام

١٩٣

الواقع اذا كان على وجه الالتزام به والاستناد اليه والمفروض خلافه وهو وقوع العمل من حيث كونه مظنونا لا من حيث كونه مطابقا للاصل الواجب العمل وان كان موافقا للواقع ومخالفا للأصل فهذا ممّا لا يتعقّل فى العبادات لتوقّفها على قصد التقرّب الموقوف على علم المكلّف واعتقاده مطلوبيّة ذلك العمل عند الشّارع بحسب الواقع او فى مرحلة الظاهر ولو جهلا مركّبا ولا يجامع احتمال الخلاف والظّن او الشّك بكونه مطلوبا بل والعلم بكونه مخالفا للدليل الظاهرى وأمّا في المعاملات اى فيما لا يحتاج صحّته على قصد الاطاعة والتقرّب فإن كان المخالفة للأصل على نحو يباين مقتضاه ويكون موجبا لطرحه كما فى العقود والإيقاعات الّتى كان الاصل الاوّلى فيها الفساد وكذا الذّبائح حيث انّ الأصل فيها عدم التّذكية فهو ايضا حرام لاستلزام العمل بالظنّ طرح الاصل اللّازم العمل والّا كما فى الأكل والشّرب ممّا كان الاصل الاوّلى فيه الجواز فلا دليل على حرمته لعدم لزوم طرح الواقع لانّه المفروض ولا الدليل الظاهرى لانّ غاية ما افاده هو الجواز لا الإلزام بما ينافى العمل بمقتضى الظّن حتّى يلزم من العمل بالظنّ طرحه ثمّ انّ ما ذكرنا انّما هو حكم العمل بالظنّ وامّا محلّ النّزاع المؤسّس له الأصل هو ما كان العمل به على وجه التديّن به لا مجرّد العمل به الّا انّه يظهر من كلام جماعة فى مقام تأسيس الأصل انّه من محلّ النّزاع ايضا حيث استدلّوا على انّ الأصل فيه الحرمة باستلزامه مخالفة الاصول ولو كان مورد النّزاع عندهم هو خصوص ما لو كان على وجه التديّن به لم يحتج الى هذا الاستدلال لكونه افتراء وتشريعا وهذا كاف فى الحكم بالحرمة من غير حاجة الى استلزامه لمخالفة الاصول فالاستدلال المذكور يكشف امّا عن اختصاص النزاع بما لم يكن على وجه التعبّد او عن تعميمه للعمل به مطلقا.

قوله (بيان ما خرج او قيل بخروجه عن هذا الاصل) لا يخفى انّ حجيّة ظواهر الالفاظ ليست من حيث حصول الظّن بل من جهة بناء العقلاء والظهور العرفى وستسمع فى المتن انّه لا فرق بين افادتها الظّن بالمراد وعدمها ولا بين وجود الظّن الغير المعتبر على خلافها وعدمه فلا وجه لاخراج الاصول اللفظيّة عن تحت قاعدة اصالة حرمة العمل بالظنّ الّا ان يقال انّ بناء العقلاء والظهور العرفى مسبّب عن الظّن النوعى.

قوله (منها الامارات المعمولة فى استنباط الاحكام الخ والغرض هو الاشارة الى انّ المقصود البحث عن الفاظ الكتاب والسّنّة والامارات اللفظيّة المعمولة فى استنباط الاحكام الشرعيّة وليس الغرض الاحتراز عن الامارات اللفظيّة الغير المتعلّقة باستنباط الاحكام لوضوح عدم الفرق بينهما قوله (وكالقرائن المقاميّة الّتى يعتمدها اهل اللّسان) لا مطلق ما دلّ على المراد حتّى القرائن الخارجيّة بحيث لم يكن للّفظ مدخل فيه اصلا كالشّهرة وفهم الاصحاب فلو حصل الظّن بالمراد من جهة انعقاد الشهرة او الاجماع على حكم مطابق لأحد المعنيين المردّد بينهما اللّفظ او على انّ هذا المعنى هو المراد من اللّفظ لم يكن ظنّا مستندا الى نفس اللفظ او الى ما يكتنف به من القرائن المعتبرة فى المحاورات العرفيّة ومن هنا يتّضح بطلان ما تمسّك به بعض

١٩٤

لثبوت الحقيقة الشرعيّة بانّه المشهور والشهرة تفيد الظّن بالدّلالة وانّ مراد الشّارع من هذه الالفاظ هو الماهيّات الشرعيّة اذا وردت فى كلام بلا قرينة والظّن الدلالى حجّة.

قوله (وحاصل هذا الوجه يرجع الى انّ منع الشّارع عن ذلك الخ) فيرجع الى رفع المقتضى للعمل بتلك الظواهر لمنع الشّارع عن العمل بها وانّ مقصوده ليس تفهيم مطالب الكتاب لكلّ احد فليس من قبيل المحاورات العرفيّة حتّى يجرى حكمها عليه قوله (اذ التّفسير كشف القناع) فالعمل بمقتضى ظاهر الكتاب سيّما بعد الفحص عن خلافه فى الأخبار ليس تفسيرا وبعض الاخبار المتقدّمة الغير المشتملة على لفظ التّفسير كالنّبوى ص من قال فى القرآن بغير علم ظاهر ايضا فى ارادة غير الاخذ بالظّاهر والمعنى المتفاهم العرفى سيّما بعد الفحص عن ارادة خلاف ظاهره فى الأخبار قوله (ثمّ لو سلّم كون مطلق حمل اللّفظ على معناه تفسيرا) هذا جواب ثان ولكن لا يجرى فى بعض الاخبار المتقدّمة الغير المشتملة على لفظ الرأى والأمر سهل بعد القطع بكون المراد من تلك الاخبار واحدا مضافا الى انّ ما كان منها غير مشتمل على لفظ الرأى بعضها مرسل وبعضها ضعيف السّند قوله (كيف ولو دلّت على المنع من العمل على هذا الوجه) هذا جواب ثالث والغرض النقض بظواهر السنّة الّتى اتّفق الاخباريّون على حجيّتها قوله (مع معارضة الاخبار المذكورة باكثر منها) هذا جواب رابع ويستفاد من مجموع ما افاده فى الجواب عن الخلافين انّ الدّليل على حجيّة الظواهر مط من دون احد التّفصيلين وجوه الاوّل بناء اهل اللّسان والعرف على حجيّة مطلق ظواهر الألفاظ ومنها الكتاب والوجدان قاض بانّ الله تعالى بعث رسوله ص وانزل اليه الكتاب بلسان قومه مشتملا على اوامر ونواهى ودلائل لمعرفته وتوحيده وقصصا عمّن خلا ووعدا ووعيدا واخبارا بما سيجيء وما كان ذلك الّا للفهم والاعتبار وما جعل القرآن من باب اللغز والمعمّى وهذا واضح بالضّرورة ومرجع هذا الوجه الى امرين الاوّل انّ الشّارع فى مقام افادة مراداته ليس له طريق مستحدث بل طريقه طريق اهل المحاورة وليس فى ذلك الّا كواحد منهم والغاية انّه اوحى اليه ما لا بدّ من ابرازها على الطريقة المألوفة الثّانى السّيرة المستمرّة بين العقلاء فى اتّباع الظّهورات فى تعيين المرادات. الثّانى الاجماع قولا وعملا فانّ الصّحابة والتّابعين وعلماء المسلمين من المتقدّمين والمتاخّرين قد استمرّ ديدنهم على الرّجوع فى الاحكام وغيرها الى الكتاب الكريم واستدلالهم بظواهر الآيات واذعان الخصم بعد انتهاء الامر الى الكتاب ممّا لا ريب فيه ولعلّ القول بعدم حجيّة الكتاب حدث فى الازمنة المتاخّرة من بعض جهّال الاخباريّين ولا يظنّ بجميعهم ذهابهم إلى ذلك ولعلّ هذا البعض ايضا اراد من عدم الحجيّة معنى آخر كما يحتمل ان يكون مراده انّ خطابات الكتاب لم يقصد بها استفادة المراد من انفسها بل بضميمة تفسير اهل الذّكر ع او دعوى انّها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابه. الثّالث تقرير المعصوم ع لعمل الاصحاب بتلك الظّواهر وعدم ردعهم عن ذلك

١٩٥

وفعله وتقريره حجّة الرّابع الاخبار الكثيرة الدّالة على المطلب قولا وفعلا وتقريرا منها خبر الثقلين لا يقال انّه لا يدلّ على كون القرآن حجّة بالاستقلال بل مع الانضمام الى التّمسك بالعترة وهذا معنى عدم جواز التّمسك به الّا بتفسير منهم ع لانّا نقول لو كان كذلك لزم والعياذ بالله ان لا يكون العترة ايضا حجّة الّا بالانضمام الى الكتاب والمراد كما هو الظّاهر منه انّ كلّا منهما حجّة بالاستقلال يجب التّمسك به وعدم الضلال موقوف على الأخذ بهما بحيث كلّما فسّره العترة ع يتمسّك به وكلّما لم يفسّروه يتمسّك بظاهره وبعبارة أخرى المراد منه انّ شرط قبول العمل بالكتاب بعد فهم المراد من ظاهره هو التّمسك بولايتهم ع كما ورد بهذا المضمون اخبار كثيرة. ومنها الاخبار الدّالة على الامر بالعمل بالكتاب ووجوب التّمسك به من غير ان يذكر فيها العترة وهى كثيرة خارجة عن حدّ الاحصاء مثل ما ورد عن امير المؤمنين ع فى نهج البلاغة انّ القرآن آمر زاجر وصامت ناطق حجّة الله على الخلق اخذ عليهم ميثاقه وانّه نور ودليل وهاد وسبيل وعنه ع ايضا فى وصاياه لابنه محمّد بن الحنفيّة عليك بتلاوة القرآن واخذ موافقه وطرح مخالفه ولزوم فرائضه وشرائعه وحرامه وامره ونهيه ومثل ما ورد عن رسول الله ص فى جواب ابن الزبعرى حين سمع قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقال والملائكة فقال ص ما اجهلك بلسان قومك اما علمت انّ ما لما لا يعقل فقرّره على فهم العموم ودلّه على خطائه فى فهمه ولم يقل له مالك والتّمسك بالكتاب ومثل ما ورد فى ارسال امير المؤمنين ع الى مكّة لقراءة سورة البراءة فذهب بها وقرأها على اهلها وخوّفهم بها ومنها الاخبار المدّعى تواترها الدّالة على عرض الاخبار على الكتاب فى حال تعارضها ومنها الاخبار الدّالة على العرض عليه مط ومنها الأخبار الواردة فى لزوم ردّ الشرط المخالف للكتاب فى ابواب العقود والايقاعات كالنّبوى المروىّ صحيحا عن أبي عبد الله ع من اشترط شرطا سوى كتاب الله عزوجل فلا يجوز ذلك له ومنها الأخبار الكثيرة الواردة فى الموارد المتفرّقة المذكور بعضها فى المتن الخامس الآيات الكثيرة الدّالة على حجيّة ظواهر الكتاب العزيز كقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وقوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فلو لم يكن ظواهر الكتاب حجّة لما كان لتوبيخهم على عدم التدبّر فيه وجه وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) حيث مدح التّمسك به من غير اشتراط ان يكون ذلك بواسطة الحجّة وقوله تعالى (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) وقوله تعالى (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) وقوله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وقوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) الى غير ذلك من الآيات الكريمة فإن قيل انّ التّمسك بهذه الآيات موجب للدّور لانّها ظواهر فحجيّة ظواهر الكتاب موقوفة على حجيّة هذه الظواهر وحجيّتها موقوفة على حجيّة ظواهر الكتاب قيل انّ هذه الآيات يحصل منها القطع بحجيّة ظواهر

١٩٦

الكتاب فيئول الامر الى اثبات حجيّتها بالقطع الحاصل من هذه الآيات ولك ان تستدلّ بوجه سادس وهو انّ اصل الدّين واثباته موقوف على ذلك اذ النبوّة انّما تثبت بالمعجزة ولا ريب انّ من اظهر معجزات نبيّنا ص واجلّها واتقنها وأبقاها هو القرآن الكريم واعجازه وان كان من وجوه الّا انّ أقواها هو بلاغته ومن الواضح انّ البلاغة هو موافقة الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهو لا يعلم الّا بمعرفة المعانى والقول بانّ العرب كانت تتوقّف فى فهم المعانى على بيان النّبى ص وحصول العلم بالبلاغة كان بعد ذلك شطط من الكلام وهذا الوجه ذكره الفاضل القمىّ ره وهو كلام متين لكنّه كما يكون ردّا على الاخبارى يكون جوابا عن تفصيله ايضا وكذا الادلّة المتقدّمة ويظهر ذلك بالتّامّل فيها وقد يجاب عن الاخبارى بانّه لو لم يكن ظاهر الكتاب حجّة لزم الاغراء بالجهل على تقدير ارادة خلافه وهو قبيح على الحكيم سبحانه وفيه انّه لا يسلّم الظهور بعد منع الشّارع عن العمل به وانّه لم يقصد بخطابات الكتاب استفادة المراد من انفسها بل بضميمة تفسير اهل الذّكر عليهم‌السلام وبعبارة أوضح لا بدّ فى احراز المراد من كلام كلّ متكلّم والأخذ بظاهره من احراز مقدّمات ثلث الاولى اصالة قصده فى كلامه وعدم السّهو والنّسيان واللّغو الثانية قصد التّفهيم بكلامه الثالث قبح ارادة غير الظّاهر لانّه اغراء والأخبارى ينكر الثانية واللّازم فى ردّه اثباتها ولا معنى للاعتراض عليه بالثّالثة قوله (ولو بحكم اصالة الإطلاق فى باقى الرّوايات) اراد انّه اذا كان المراد من التفسير فى الرّواية المشتملة عليه ما هو معناه المعهود لزم كثرة التّقييد فيه لانّ التفسير لا يتمّ الّا بذكر تمام خصوصيّات الآية وتفسير كلّ كلمة له وامّا اذا كان المراد منه هو بيان الترخيص وعدم المنافاة لوجوب تعيّن القصر فقط لا غير ذلك من تفسير تمام خصوصيّات الآية كان اللّازم قلّة التّقييد فالامر دائر بين كثرة التقييد وقلّته وبحكم اصالة الاطلاق فى باقى الروايات يحمل على معنى فيه قلّة التقييد ويكون تلك الإطلاقات قرينة على انّ المراد من التفسير هو خصوص بيان ارادة تعيّن القصر من الآية فلا تغفل.

قوله (ربما توهّم بعض انّ الخلاف الخ) هو النّراقى ره حيث قال فى المناهج فى آخر المسألة الظّاهر انّ هذه المسألة قليلة الجدوى قوله (ولعلّه قصّر نظره الى الآيات الواردة فى العبادات) هذا مضافا الى انّه يثمر لمن لم يعمل بخبر الواحد ولم يره ظنّا خاصّا ولمن لم يعمل بغير الخبر الصحيح الاعلائى وعند تعارض الاخبار للقائل بحجيّة خبر الواحد وعند عدم التعارض اذا استلزم تخصيصا فى الكتاب لمكان الخلاف فى جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد وعند عدم التعارض اذا استلزم تخصيصا فى الكتاب لمكان الخلاف فى جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد وعدمه.

قوله (لا بدّ من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النّص او على الاظهر) كما فى المثال المذكور فانّ التطهّر ظاهر فى الاغتسال والطّهارة ظاهرة فى النّظافة والنّقاوة والاوّل ان لم يكن نصّا فهو اظهر من الثّانى مضافا الى ما يقال من انّ المنع المستفاد من المقاربة قبل الغسل على قراءة التّشديد يكون بالمنطوق والجواز المستفاد على التخفيف من جهة مفهوم الغاية والمنطوق مط اقوى دلالة من المفهوم نوعا وان كان

١٩٧

المفهوم فى بعض الموارد الخاصّة اقوى دلالة من المنطوق وقد يقال بوجود الترجيح لقراءة التخفيف لأنّ قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) فى مقام التّاكيد لقوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) ولا اشكال فى ظهوره فى وجوب الاعتزال فى زمان الدّم وفيه ما لا يخفى بل هذا من وجوه الترجيح للحمل على ما يستفاد من قراءة التشديد لوضوح انّ التأسيس اولى من التأكيد ومع التكافؤ لا بدّ من الرّجوع الى الاصول والقواعد ومع الفقدان يحكم العقل بالتخيير كما فى كلّ دليلين متعارضين والعلاج الوارد فى تعارض الاخبار غير جار هنا لاختصاصه بها ولذا لم نقل بالتخيير الشرعىّ.

قوله (مع انّه لو كان من قبيل الشّبهة المحصورة امكن القول الخ) لانّ على القول بالتّحريف لو كان التحريف المعلوم بالاجمال واقعا فى الظواهر المتعلّقة بالاحكام امكن القول بالإخلال بحجيّتها ولكنّ المعلوم على القول به هو وقوعه فى ظواهر الكتاب من غير فرق بين ظواهر القصص والمعارف والاحكام وعليه تكون اصالة الظهور فى آيات الاحكام حجّة بلا معارض لعدم كون سائر الظواهر محلّا للابتلاء باجمعها حتّى يكون الاصل المذكور معارضا بالمثل فهذا العلم بعد تسليمه نظير العلم بوقوع التحريف فى ظواهر القرآن وظواهر سائر الكتب المنزلة فكما لا يكون هذا العلم مخلّا بالظّهور فيما هو حجّة لنا فكذلك فى مفروض المقام.

قوله (الّا ان يقال انّها لا تشمل انفسها فت) لعلّ وجهه انّ كون هذا الموضوع لا يوجد الّا بعد ثبوت الحكم لا يضرّ اذا علم المناط الملحوظ فى حكم العامّ بل يمكن ان يكون المحمول فى القضيّة وصف لازم لطبيعة الموضوع والقضيّة تكون طبيعيّة قوله (وفيه ما لا يخفى) لانّ وجود القاطع على حجيّة ظنّ لا يخرجه عن وصف الظّن.

قوله (وامّا التفصيل الأخر فهو الّذى يظهر من صاحب القوانين) وقد يؤجّه بانّ جواز العمل بظواهر الكتاب والاخبار لغير المشافهين مشروط بالفحص عن المعارض والمخصّص والمقيّد بلا اشكال والظّن الحاصل بعده ليس ظنّا مستندا الى اللّفظ بل انّما هو ظنّ حاصل من اجماع او شهرة او غير ذلك فيكون مركّبا من الدّاخل والخارج ولا يصحّ استناده الى اللّفظ فقط والحاصل انّ العلم الاجمالى بوجود المعارض يخرج اللّفظ عن الظهور فلا يبقى المقتضى له حتّى يصحّ التّمسك به فلو حصل ظنّ بعد الفحص كان حاصلا من دليل آخر او منه ومن اللّفظ معا ولا دليل على حجيّته الّا ما دلّ على حجيّة مطلق الظّن وفيه أوّلا انّ العلم الاجمالى بوجود المعارض لا يخرج اللّفظ عن ظاهره وانّما يكون سببا لوجوب الفحص فهو من شرائط جواز العمل بالظّاهر فكما انّه لو صرّح الشّارع بحجيّة تلك الظواهر مط او كان المتمسّك من المشافهين كانت حجّة قطعيّة لاهل اللّسان وامّا لغيره فحجيّتها مشروطة بالاطّلاع على العلوم العربيّة وامكان استفادة الحكم منها على الوجه الصّحيح فكذلك حجيّتها لغير المشافهين مشروطة بالفحص عن المعارض وثانيا لو سلّمنا عدم الظهور للعلم الاجمالى فلا نسلّم كونه رافعا للمقتضى بل هو مانع عن تاثيره واذا تفحّصنا ولم نجد ما يصلح للمعارضة

١٩٨

يرتفع هذا المانع ويؤثّر المقتضى اثره ويكون الظّن ح مستندا الى اللّفظ قوله (مسئلة الاجتهاد والتّقليد) وفى مسئلة حجيّة الإجماع المنقول حيث قال وامّا الإجماع على ما ادّعاه الشّيخ وغيره كما سيجيء فهو لا يدلّ على حجيّة خبر الواحد ايضا الى آخر كلامه قوله (ومن هنا ظهر انّ ما ذكرنا سابقا) لم يذكر سابقا شيئا ممّا ذكر هنا إلّا ان يكون اشارة الى ما ذكره فى ردّ كلام السّيد الصّدر من انّ عمل اصحاب الأئمّة ع بظواهر الاخبار لم يكن لدليل خاصّ شرعى وصل اليهم من ائمّتهم وانّما كان امرا مركوزا فى اذهانهم بالنّسبة الى مطلق الكلام الخ أو يقال انّ هذا لازم ما ذكره فى اوّل التّوجيه من اتّفاق العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة ولازمه العمل بظواهر الكلام فى الدعاوى والأقارير ونحوهما وهذا لا ينفع فى ردّ هذا التّفصيل لانّ السّامع فى مجلس التّخاطب فى حكم المخاطب من حيث انّه ليس عنده الّا احتمال غفلة المتكلّم والاجماع على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال لا يوجب الاجماع على عدم الاعتناء بسائر الاحتمالات الّا ان يقال انّ اصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد واثباته فى غاية الأشكال وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قال صاحب الفصول فى ردّ هذا التّفصيل حيث قال انّ الإجماع منعقد على حجيّة ظواهر الألفاظ السّالمة عن المعارض والاعتماد عليها فى الكشف بها عن مراد المتكلّم من غير فرق فى ذلك بين المخاطب وغيره بدليل انّ السامع يشهد على ظاهر الإقرار والوصيّة والعقد والايقاع وغير ذلك وان لم يكن مخاطبا بها انتهى وجه الضّعف أنّ السّامع فى مجلس الخطاب حكمه حكم المخاطب من جهة انحصار احتمال الخلاف باحتمال غفلة المتكلّم وهو غير معتنى به فتدبّر قوله (ويدلّ على ذلك ايضا سيرة اصحاب الائمّة ع فانّهم الخ) فان قلت إنّها غير معلوم الوجه ويحتمل ان يكون عملهم بالظّواهر فيما لم يكونوا مخاطبين لأجل الاضطرار وانسداد باب العلم فيكون من باب الظّن المطلق قلت لا يمكن ان يكون عملهم بهذه الظّواهر من باب حكم العقل بالحجيّة عند التعذّر فانّ باب العلم بنفس الاحكام الشرعيّة جميعا وان كان متعذّرا لغالبهم لكن باب العلم بالسّئوال عن الإمام ع فى المسألة اى السّئوال عن الطّريق الى معرفة الاحكام واستفادتها عند تعذّر العلم بنفس الحكم كان مفتوحا ممكنا قطعا وعند ذلك لا يحكم العقل بالأخذ بمطلق الظّن ضرورة انّ من مقدّمات دليل الانسداد وحكم العقل بالحجيّة انسداد باب العلم والظّن الخاصّ معا وقد كان باب الظّن الخاصّ وتعيين طريق الأخذ والعمل مفتوحا لهم وقد كانوا يعملون بالظّواهر فيعلم انّ جهة عملهم بها ليس هو الاضطرار والانسداد وهذا معنى كون الظاهر مط من الظّنون الخاصّة قوله (ما لفظه لا يقال انّ الحكم المستفاد الخ) الظّاهر انّ مراده انّ ظواهر الكتاب قطعيّة المراد بالنّسبة الى المشافهين بواسطة تلك المقدّمة الخارجيّة وبعد ان قلنا بعدم شمول الخطابات للمعدومين لم تجر تلك المقدّمة بالنّسبة اليهم لجواز ان يكون بعض تلك الظّواهر مقترنا بما يدلّ على ارادة

١٩٩

خلافها كما وقع فى مواضع ومع هذا الاحتمال ينتفى القطع بالحكم المستفاد من تلك الظواهر ولا يصحّ الفرق بين الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب بانّه قطعىّ والحكم المستفاد من غيره من سائر الأمارات بانّه ظنّى وعلى هذا فاستفادة التفصيل الّذى ذكره المصنّف من كلام المعالم مشكل ولعلّه لما ذكرنا لم يجزم بارادته التفصيل المتقدّم قوله (ولظهور اختصاص الإجماع والضّرورة) الظاهر انّه عطف على قوله لابتناء الفرق ويكون الغرض اثبات تساوى ظاهر الكتاب وغيره بالنّسبة الى افادة الظّن ودفع كون ظاهر الكتاب ظنّا مخصوصا فهو من قبيل الشّهادة ويحتمل ان يكون هذا الكلام دفع اعتراض آخر وهو انّا سلّمنا انّ الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب فى زماننا ظنّى الّا انّ قاعدة الاشتراك الثابت بالاجماع والضّرورة مقتضية لصيرورة الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب قطعيّا بالنّسبة الينا ايضا وحاصل الدّفع دعوى اختصاص ادلّة الاشتراك بغير صورة معارضة الكتاب بالخبر الجامع للشّرائط قوله (كما يظهر من حواشيه مواقع للنظر والتأمّل) منها إنّ اثبات حجيّة خبر الواحد من باب الظّن المطلق ليس مبنيّا على انسداد باب العلم والعلمى فى جميع الاحكام بل يكفى الانسداد فى مقدار كثير نعلم اجمالا ثبوته فالاشكال بقطعيّة ظاهر الكتاب او بانّه ظنّ مخصوص فى غير محلّه فانّ ذلك لا يوجب انفتاح باب العلم مطلقا غايته عدم حجيّة الظّن المطلق فى مورد وجود ظاهر الكتاب كما هو كذلك فى الحكم الضرورىّ ووجود السنّة المتواترة ومنها انّ قطعيّة ظاهر الكتاب فى حقّ المشافهين سواء قلنا باختصاصهم بالموجودين فى زمن الخطاب او بالتّعميم كما يظهر من كلامه ممنوعة امّا بالنّسبة الى الموجودين فى زمن الخطاب فلقيام احتمال الغفلة من المخاطب فى الالتفات الى ما احتفّ به الكلام من القرائن الصارفة وامّا بالنّسبة الى غيرهم فلقيام احتمال اختفاء القرينة الصارفة بعد ثبوتها فى زمان الخطاب ومنها أنّه كيف يكون احكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة مع ظهور كثير من الآيات فى غير ذلك كقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) قوله ثمّ انّك قد عرفت انّ مناط الحجيّة والاعتبار فى دلالة الالفاظ الخ) لا اشكال فى انّ الاصل فى الاستعمال بعد العلم بالوضع عند الدوران بين ارادة المعنى الحقيقى او المجازى هو حمل اللّفظ على معناه الحقيقى وحمله على ارادة المعنى المجازى عند اقتران اللّفظ بالقرينة وكذلك الكلام فى اصالة العموم والاطلاق وغير ذلك ممّا تقدّم فى صدر البحث وبالجملة جميع الامور المعتبرة عند اهل اللّسان فى محاوراتهم بحيث لو اراد المتكلّم القاصد للتفهيم خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة عدّ ذلك منه قبيحا يكون حجّة وهذا هو المراد من عنوان البحث فى حجيّة الظّواهر لتشخيص مراد المتكلّم عند احتمال ارادته خلاف ذلك ولا اشكال فى انّ مرجع الكلّ الى اصالة عدم القرينة ولم يخالف فيما ذكرنا احد الّا الاخبارى بالنّسبة الى ظواهر الكتاب والمحقّق القمىّ بالنّسبة

٢٠٠