تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

الى الوجودات المقابلة لها فكيف يمكن ان يكون العدمان المتغايران موجودين بوجود واحد قيل ما ذكر فى دفع عينيّة الترك المطلق مع تروك الافراد سفسطة من الكلام والحقّ انّ الترك المطلق ليس الّا عينها لوضوح ان لا ميز فى الاعدام فى ظرف تحقّقها اصلا وتمايزها بالاضافة الى الوجودات المقابلة انّما هو فى مقام المفهوم وامّا فى مقام تحقّقها فلا ميز لها حتّى يمنع عن اتّحادها مع الترك المطلق فان قيل اذا لم يكن تمايز بين العدم المطلق والعدم المضاف فكيف يجوز دعوى الاتّحاد بينهما قلت عدم الميز بين الاعدام لا يخلّ بدعوى الاتّحاد بل يؤكّد العينيّة كما لا يخفى وبالجملة الطبيعى عين الفرد سواء تعلّق النهى بالطبيعة على نحو صرف الوجود او على نحو الطبيعة السارية فاذا لوحظت على الوجه الاخير بحيث يكون كلّ فرد مطلوبا مستقلّا فلا اشكال فى الفرد المشكوك من حيث اجراء البراءة شرعا وعقلا فانّ المراد من البيان فى قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو الحجّة لا البيان الّذى هو وظيفة الشارع حتّى يدفع فى الشبهة الموضوعيّة بصدوره ووصوله والمراد من الحجّة هو عدم علم المكلّف بتنجّز الخطاب فى حقّه سواء لم يبيّنه الشارع او بيّنه ولم يصل اليه او وصل اليه ولم يعلم بتوجّهه اليه من جهة عدم العلم بوجود موضوعه لا تفصيلا ولا اجمالا والنتيجة تابعة للعلم بالمقدّمتين كما هو واضح واذا لوحظت على نحو صرف الوجود بان تكون حاكية للنهى عن الافراد على نحو وحدة المطلوب نظير الامر المتعلّق بالكلّ المجموعى كان المطلوب بالحمل الشائع بنحو فناء العنوان فى المعنون هو الترك الجامع بين التروك الخارجيّة بنهج الوحدة فى الكثرة وكان المطلوب صالحا للانطباق على القليل والكثير وكما يكون فى ظرف انطباقه على القليل عين القليل يكون فى ظرف انطباقه على الكثير عين الكثير وكان الشّك فى فرديّة المشكوك للطبيعة حينئذ ملزوما للشكّ فى اتّساع دائرة النهى بنحو يشمل هذا المشكوك وضيقه وكانت المسألة من الاقلّ والاكثر الارتباطى ومختار المصنّف وجماعة فيه البراءة ايضا فيحكم بانّه لم يكن الحكم الفعلى المنجّز الّا ما لا يسع هذا المشكوك ومثله ما لو قلنا بتعلّق الاحكام بالافراد لا بالطّبائع وكان التعلّق بها على نحو التركّب والانضمام كما اشرنا إليه وثالثا انّ الظاهر كون النواهى الشرعيّة باجمعها من قبيل الانحلال وان كان النهى على نحو عدم الانحلال ممكنا ايضا ومع الشّك فالاطلاق يفيد الانحلال لانّ الظاهر كون بناء العرف على نصب القرينة عند ارادة التّروك على نحو الارتباط والحقّ عدم دلالة صيغة النّهى على احد الوجهين وضعا لانّ المتبادر من الهيئة طلب التّرك ومن المادّة الهيئة وكيفيّة تعلّق الطلب خارج عن مدلوليهما مضافا الى انّه لو كانت موضوعة لاحدهما لزم التجوّز فى استعمالها فى الأخر وبطلانه ظاهر ومتى كانت مجرّدة عن القرائن الشخصيّة كان الاطلاق المذكور محكّما

٣٤١

لو تمّت مقدّماته والّا كان مجملا هذا تمام الكلام ومع ذلك فى النفس شيء ممّا فصّلناه فتدبّر جيّدا قوله (وما ذكر من التوهّم جار فيه ايضا الخ) فيه انّ هذا التقرير المذكور فى الموضوع الكلّى المشتبه يدخله فى المسألة الثانية وهو اجمال النصّ لانّ الموضوع فى حرمة الخبائث والفواحش يصير مفهوما مجملا وان كان له افراد معلومة ولا وجه لقياس المقام به فانّ المتوهّم فى المقام يدّعى انّ الشارع بيّن حكم الخمر موضوعا ومحمولا ووصل البيان الى المكلّف لكنّ الشّك فى كون الموجود من مصاديق الموضوع من جهة اشتباه الامور الخارجيّة واين هذا من اجمال النصّ وعدم تبيّن الموضوع فى كلام الشارع ويجرى فيه قبح التكليف بلا بيان ويمكن ان يقال انّ مقصود المصنّف هو فرض تبيّن مفهوم الخبيث وعدم الشّك فيه اصلا الّا انّ شرب التتن مثلا الّذى هو موضوع كلّى يشكّ فى صدق الخبيث عليه لا من حيث الشّك فى مفهوم الخبيث بل من جهة اشتباه الامور الخارجيّة وحينئذ فلا فرق بين الموضوع الجزئىّ الّذى هو المسمّى بالشبهة الموضوعيّة والموضوع الكلّى المشتبه من حيث تبيّن القضيّة الشرعيّة موضوعا ومحمولا ووصول البيان الى المكلّف ووقوع الشّك فى بعض المصاديق هذا ولكنّ الاشكال هو فى تصوير كون الاشتباه فى الموضوع الكلّى راجعا الى الامور الخارجيّة فانّ الموضوع الكلّى وهو شرب التتن لا يكون مشتبها حكمه الّا اذا كان الخبيث مجملا فى مفهومه قوله (قلنا ان اريد بالضّرر العقاب الخ) ما افاده هو الحقّ بناء على قاعدة قبح العقاب والمقصود من قوله وما يجرى مجراه المفاسد الاخرويّة الّتى تكون منشأ للحكم ولا شبهة انّ الغرض الاصلى من جعل الاحكام حفظ المكلّف عن تلك المفاسد الّتى لا تدركها العقول ومع عدم البيان يحكم العقل بعدم ترتّبها امّا باشتراط العلم فيها كالاحكام كما قيل او انّ الشارع يتداركها اذا لم يبيّنها والّا يلزم خلاف الفرض وامّا ما ذكره الشيخ من احتمال المصلحة فى عدم البيان لا ينافى ما ذكرنا من التدارك ونحوه كما لا يخفى مضافا الى انّ احتمال المصلحة فى عدم البيان لا ربط له بالشّبهة الموضوعيّة فانّ المفروض وقوع البيان من الشارع ووصوله الى المكلّف الّا انّه شكّ فى المصداق لاجل الامور الخارجيّة مع انّ هذا الكلام فى الشبهات الحكميّة ممنوع ايضا فانّ اكمال الدين وبيان جميع الاحكام من الشارع ممّا لا ينكر والشّك الواقع فى الشّبهات انّما هو لاجل عدم الوصول من جهة تقصير المقصّرين وتحصّل انّ قبح العقاب والضرر الاخروى من دون بيان كما يحكم به العقل فى الشبهة الحكميّة كذلك يحكم به فى الشبهة الموضوعيّة وتوهّم الفرق بينهما بانّ البيان فى الشبهة الموضوعيّة هو بمعنى علم المكلّف بالموضوع وهذا ليس من وظيفة الشارع فلا يمنع من العقاب ونحوه مدفوع بانّه وان لم يكن من وظيفته الّا انّه ممكن وليس بممتنع كما فى النظر فى المعجزة ومع الامكان وعدم البيان يحكم العقل بما ذكرنا مع انّ البيان بعنوان مشتبه الحكم

٣٤٢

من وظيفته كما لا يخفى قوله (كما تقدّم من الشيخ وجماعة لم يسلّم وجوبه شرعا) ربما يتوهّم انّ هذا الكلام صريح فى جواز انفكاك الحكم الشرعىّ عن الحكم العقلىّ وهو بديهىّ البطلان ويمكن دفعه أوّلا بأنّ حكم العقل بمنزلة المقتضى للحكم الشرعى على طبقه لا علّة تامّة ولذا تخلّف فى موارد كثيرة كما هو مذهب بعض المحقّقين وثانيا بأنّ اذن الشارع فى ادلّة البراءة رافع لصغرى قاعدة وجوب الدفع لانّ اذنه كاشف عن وجود مصلحة متداركة بها المفسدة.

قوله (فى الشبهة الموضوعيّة المحكومة ب الإباحة ما اذا لم يكن هناك الخ) كما فى الشبهة الحكميّة وذلك لانّ البراءة والاحتياط انّما يلاحظان بعد الياس عمّا عداهما فلو وجد فى محلّ الابتلاء دليل آخر لكان هو المتّبع لحكومة سائر الاصول والادلّة مثل الاستصحاب واليد والبيّنة وغيرها من القواعد الكليّة عليهما من دون فرق بين كون ذلك الدليل موافقا ومؤكّدا لهما او مخالفا فانّ موضوعهما يرتفع بوجود دليل معتبر سواهما وذكر الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم فى خصوص الشبهة الموضوعيّة التحريميّة موارد اربعة وصرّحوا بخروجها عن محلّ الكلام لانقلاب الاصل فيها عموما بلحاظ اصل موضوعىّ اوّلها الاموال حيث يظهر منهم جعل الاصل فيها الحرمة وتفصيله أنّ الشبهة الماليّة امّا مسبوقة بحالة يقينيّة ام لا سواء علم لها حالة سابقة وقد انتقضت كما اذا علمنا بكون دار معيّنة ملكا لزيد ثمّ شككنا بعد موته فى نقلها الى عمرو او خالد مع العلم بانتقالها الى احدهما بالموت او لم يعلم لها حالة سابقة اصلا كما اذا وجد مال فى صندوق شخص ولم يعلم انّه ماله او مال الغير والصورة الاولى وهى الّتى مسبوقة بحالة يقينيّة إمّا ان تكون تلك الحالة عدم ثبوت الملكيّة لاحد اصلا كما اذا عثر على صبرة فى ارض غير مملوكة وشكّ فى انّها اجتمعت بعمل مسلم بقصد الحيازة حتّى تكون مملوكة ام لا بل انّما اجتمعت بسبب الرياح او عمل مسلم من دون قصد حيازتها حتّى يجوز للّذى عثر عليه التصرّف فيه وتملّكه وامّا ان تكون ثبوت الملكيّة للغير كما اذا علمنا بكون الشّيء مالا لشخص خاصّ ثمّ حدث امر وشكّ فى كونه سببا للانتقال وعدمه كالبيع بالفارسيّة مثلا لا اشكال فى جريان الاستصحاب فى الصورتين الاخيرتين فيحكم فى الاولى بالاباحة وجواز التصرّف بانحائه سواء كان التصرّف ممّا يترتّب على الملكيّة كالبيع ونحوه او كان ممّا يكفى فيه مجرّد الحليّة والاباحة من جانب الشارع ولو بحكم الاصل كالأكل والشّرب ونحوهما لاصالة عدم حدوث ملك للغير فيه وعدم ثبوت يد عليه وفى الثانية بالحرمة وعدم جواز شيء من التّصرفات لاصالة عدم الانتقال والملكيّة وعدم تأثير العقد وأمّا ما لا يعلم فيه الحالة السّابقة فبالنسبة الى التّصرفات المترتّبة على الملكيّة والماليّة كالبيع ونحوه فلا اشكال فى عدم جريان اصالة البراءة لانّها لا تؤثّر الّا فى نفى العقاب ولا تصلح لاحراز الملكيّة بخلاف الاستصحاب اذ يثبت به الاحكام مط تكليفيّة كانت ام وضعيّة وامّا

٣٤٣

بالنّسبة الى التّصرفات الغير المترتّبة فى الادلّة على مال المتصرّف وملكه كالاكل فهل يبنى على الاباحة ام لا وجهان مبنيّان على انّ موضوع حكم الحرمة المستفاد من الادلّة هل هو مال الغير حتّى يصحّ اجراء اصالة عدم كون المال مالا للغير والحكم بالاباحة بملاحظة الأصل او ان موضوع حكم الحليّة هو مال المتصرّف وملكه فلا يجرى الاباحة والبراءة لكون الموضوع امرا وجوديّا ويكون اباحة التصرّف حينئذ محتاجة الى السّبب فيحرم مع عدم احرازه ولو بالاصل الظاهر من اكثر الادلّة على اشكال هو الاوّل لقوله ع لا يحلّ مال امرئ الّا بطيب نفسه وقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وظاهر الأصحاب الثاني حيث حكموا فى باب اللقطة بوجوب الاخبار عمّا يوجد فى الصندوق ويشكّ فى كونه مال الغير وعدم جواز التصرّف فيه قبل الأعلام وقد يستظهر من قوله ع لا يحلّ مال الّا من حيث احلّه الله وثانيها الفروج فمثل المرأة المردّدة بين الزوجة المعقود عليها على الوجه الصحيح والاجنبيّة خارج عن مجرى البراءة والاباحة لانّ اصالة عدم علاقة الزوجيّة واستصحاب الحرمة حاكمة على اصالة الاباحة ولا يعارض باصالة عدم علاقة الزوجيّة وعدم وقوع العقد على الاخرى واستصحاب الحرمة فيها لانّ هذه محلّ الابتلاء دونها وثالثها النفوس وحكمها حكم الفروج فالنفس المردّدة بين المحترمة وغيرها لا يجوز قتلها لاصالة حرمته ولم يثبت خلافه ورابعها اللحم المشكوك فى حليّته وهو على قسمين الاوّل ان يردّد بين لحم الحيوان المأكول وغير الماكول بعد احراز قبوله التذكية كما لو قطعنا بذلك وبحصولها ولكن نشكّ فى كونه لحم غنم او سبع ولا اشكال فى جريان اصالة الاباحة والحليّة فى هذا الفرض الثاني ان يردّد بين المذكّى وغيره سواء فرض العلم بكونه من ماكول اللّحم ام لا والظّاهر عدم جريان اصالة الاباحة ولا الطّهارة اذا فرض عدم العلم بقبوله للتذكية لانّ استصحاب عدم التذكية المقتضى للحرمة والنّجاسة حاكم عليهما لاشتراط الاباحة والطّهارة بحصول التذكية ويكفى فى الحكم بالحرمة والنّجاسة مجرّد الشّك فى حصول التّذكية وكيف اذا كانت مسبوقة بالعدم وهذا هو المشهور بين الأصحاب وربما يتخيّل خلاف ذلك كما عن صاحبى المدارك والذّخيرة مستدلّين بما فى المتن مع ردّه قوله (ونحوها المال المردّد بين مال نفسه وملك الغير الخ) لا بدّ ان يعلم انّ ذلك كلّه مع قطع النظر عن ثبوت يده عليه فانّ الكلام فى المقام من حيث ما يقتضيه الاصل وامّا مع ثبوت اليد فلا اشكال فى الحكم بملكيّته واباحة جميع تصرّفاته وتقديم اليد على الاستصحاب سواء قلنا بكونها من الامارات المنصوبة دليلا على الملكيّة حتّى فى حقّ ذى اليد من حيث كون الغالب فى مواردها كون صاحب اليد مالكا او نائبا عنه والشارع اعتبرها وجعلها طريقا الى الملك فى زمان الشّك لاجل هذه

٣٤٤

الغلبة تسهيلا على العباد وحكومة ادلّة الامارات على دليل الاستصحاب واضحة مذكورة فى محلّها ويجيئك بعض الكلام فى خاتمة الاستصحاب إن شاء الله الله تعالى ام قلنا بانّها من الأصول نظير اصالة الطّهارة فانّ الغالب العلم بكون ما فى اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير والشارع اعتبرها فى مورد الاستصحاب فتقدّم عليه وان جعلناه من الامارات وهذا من موارد تقديم الاصل على الامارة. قوله (ويستفاد هذا القسم من احاديث) العبارة المحكيّة عن فوائده الطوسيّة هكذا وهذا التفسير يستفاد من احاديث الأئمّة ع ومن وجوه عقليّة مؤيّدة لتلك الاحاديث وياتى جملة منها ويبقى قسم آخر قوله (فهذا واشباهه صادق على الشبهة فى طريق الحكم) وبقيّة العبارة هكذا فى طريق الحكم الشرعى فانّ اللحم الّذى فيه حلال وهو المذكّى وحرام وهو الميتة قد اشتبهت افراده فى السّوق ونحوه وكالخبر الّذى هو ملك لبايعه او سرقة مغصوبة من مالكه وكذا ساير الاشياء داخلة فى هذه القاعدة الشريفة المنصوصة فاذا حصل الشّك الخ قوله (فحملها على الاستحباب اولى) اذا دار الامر بين كون اخبار الاحتياط للوجوب وخروج الشبهة الموضوعيّة بالتخصيص مع إباء سياق تلك الاخبار عنه وحملها على الاستحباب الشائع استعماله فى الاوامر الشرعيّة كان الثّانى اولى قوله (فيه مضافا الى ما ذكرنا من إباء سياق الخبر) فيه انّ بعد انطباق الرواية عنده على الشّبهة الحكميّة يكون خروج الشبهة الموضوعيّة من باب التخصّص لا التّخصيص حتّى يكون السّياق آبيا عنه قوله (فان كانت عامّة للشبهة الموضوعيّة ايضا صحّ الحصر) ولكن يصير حينئذ خروجها على مذهب الأخبارى بالتّخصيص وقد علم إباء السياق عنه قوله (كان ذلك اظهر فى الاختصاص الخ) وذلك لمكان قوله ع وامر مشكل يردّ حكمه الى الله ورسوله قوله اظهر من دلالة تلك الأخبار على وجوب الاجتناب) ومرّ ايضا انّ اللازم تقديم اخبار التخيير على اخبار الاحتياط والتوقّف قوله (مقتضى الأنصاف انّ حمل ادلّة الاحتياط الخ) وذلك لعموم العلّة فى اغلب اخبار الاحتياط وما ذكره من الحمل ينافى ظواهر كلتا الطّائفتين من الاخبار قوله (ما ذكره من الفرق لا مدخل له) وحقّ الجواب ان يقال انّ السّئوال عن نفس الموضوع ليس من وظيفته ع امّا السّئوال عن حكم الموضوع المشتبه كالسّؤال عن الحكم الكلّى المشتبه يكون المرجع فيهما الصّادعين للشّرع صلوات الله عليهم وقد سئلوا ع فى كلا المقامين قوله (الدليل المذكور اولى بالدلالة على وجوب الاجتناب من الشبهة فى طريق الحكم) ويرد عليه ايضا النقض بالشبهة الحكميّة الوجوبيّة وما هو المخرج لها عنده يكون مخرجا للشّبهة التحريميّة ايضا قوله (او امر

٣٤٥

وجوب اطاعة الاوامر والنواهى) واذا اراد من كلامه هذا الامر فيرد عليه ايضا انّ هذا الامر ليس الّا ارشاديّا لا يترتّب على موافقته ومخالفته عدا ما يترتّب على نفس الفعل المأمور به او المنهىّ عنه وتركهما ولا يثبت تكليفا زائدا حتّى يجرى فيه عنوان المقدميّة وغيره من احكام الخطابات المولويّة.

قوله (قال المحدّث الحرّ العاملى فى باب القضاء الخ) وذلك فى ذيل حديث ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم قوله (وجزاء واحد للصّيد او اثنين) الظاهر خروج الجزاء عن المعلوم بالاجمال المردّد بين الفردين الموجب للاحتياط قوله (لاستلزام التّكليف بدون الدّليل الحرج) لا يخفى عليك انّه لو تمّ هذا لجرى فى الشبهة التحريميّة ايضا قوله (او لكون ذلك الفرد مشكوكا فى اندراجه) مقتضى كلامه انّه اراد بذلك الشبهة الموضوعيّة وقد اطبق الكلّ على عدم وجوب الاحتياط فيها ثمّ قوله او نحو ذلك لا فرض له كما لا يخفى قوله (ولا يستحبّ له الاحتياط) فيه منع واضح وقد تقدّم من المصنّف ما يدلّ على حسن الاحتياط فيه ايضا والنّهى فى الاخبار المستفيضة لا ينافيه كما تقدّم وجهه من المصنّف قوله (وكذا لو ورد رواية ضعيفة بوجوب شيء) هذا الكلام من المحدّث المذكور كالصّريح فى البراءة فيما لا نصّ فيه ولم يتقدّم منه ما يدلّ على لزوم الاحتياط فيه ودعوى عطفه على قوله عند تساوى احتمالى الامر مدفوعة بملاحظة سابقه ولا حقه كما لا يخفى نعم يدلّ على لزومه فيما اشتبه حكمه لاجمال النّص وامّا كلام المحدّث المتقدّم فلا يدلّ على لزومه فى مسئلتنا الّا على نحو الاطلاق الممكن تقييده بما ذكره فى مواضع أخر من عدم وجوبه فى الشبهة الوجوبيّة قوله (لكن لم يعرف القائل به بعينه) فى العبارة اشعار باحتمال وجود الخلاف بين المجتهدين والّا كان القائل من الاخباريّين معلوما عنده حسب ما بيّنه آنفا ولعلّ الاحتمال المذكور نشاء من كلام المعارج ومحكّى المعالم وامّا الشّيخ والسيّد ان فتمسّكهم احيانا بالاحتياط فى الشبهة الوجوبيّة يحمل على التأييد لا الاستدلال لأنّ مذهبهم يعلم من تصريحاتهم فى اكثر المسائل فان قيل انّ استظهار كون المسألة خلافيّة ينافى الاستدلال بالادلّة الاربعة واحدها الاجماع قيل لعلّ الوجه عدم الاعتناء بالخلاف مع عدم معرفة المخالف بعينه وامّا دعوى الاجماع المركّب فبان يقال كلّ من قال بالبراءة فى الشبهة الحكميّة التحريميّة قال بها فى الشبهة الوجوبيّة ايضا وان لم يكن الامر فى العكس كذلك.

قوله (الثّانى انّه لا اشكال فى رجحان الاحتياط) حسن الاحتياط فى الشّبهة البدويّة سواء كانت تحريميّة او وجوبيّة ممّا لا ينكر عقلا ونقلا من غير فرق فى ذلك بين المعاملات والعبادات فهو حسن مطلقا امّا فى المعاملات لو احتمل وجوب شيء واتى به فان كان

٣٤٦

فى الواقع مطلوبا كما احتمله فقد اطاع وان لم يكن فى الواقع كذلك فقد انقاد وكذلك لو احتمل حرمة شيء فتركه فان كان فى الواقع مطلوب الترك فقد أتى به والّا كان منقادا وكيف ما كان فالاحتياط بالفعل والترك فى باب المعاملات بالمعنى الاعمّ ممّا لا ريب فيه لانّ المطلوب فيها لو كان ليس الّا حصول الفعل فى الخارج او استمرار العدم السابق فيوجده او يستمرّه وامّا فى العبادات فيشكل بعدم امكان تحقّق موضوع الاحتياط فيها فانّ العبادة لا تكون الّا ما يؤتى بها متقرّبا بها الى الله تعالى او بداعى كونها محبوبة له تعالى فمع عدم احراز الامر بها للشكّ فى الوجوب لا يكون الفعل الّذى يريد اتيانه عبادة حتّى يكون احتياطا فيها ومع احراز احدهما بواسطة العلم بالوجوب وامر الشارع بالفعل تفصيلا او اجمالا يؤتى به بداعى حسنه ووجوبه ويكون كسائر ما علم كذلك واجيب عن الأشكال بوجوه منها انّ حسن الاحتياط عقلا يستتبع الامر به شرعا بحكم الملازمة فيؤتى بالفعل بداعى ذلك الأمر واجاب عنه في المتن بانّ الامر الشرعى بهذا النّحو من الانقياد كامره بالانقياد الحقيقى والاطاعة الواقعيّة فى معلوم التكليف ارشادىّ محض لا يترتّب على مخالفته وموافقته ازيد ممّا يترتّب على نفس وجود المأمور به وعدمه ولا ينفع فى جعل الشّيء عبادة ومنها انّ ترتّب الثّواب على هذا الفعل يوجب تعلّق الامر به ويستكشف بنحو الإنّ انّ الفعل المأتيّ به ممّا امر به والّا لما ترتّب الثواب عليه لانّه من آثار اطاعة الأمر واجاب عنه في المتن بانّ ترتّب الثواب على الفعل المأتيّ به احتياطا لا يوجب تعلّق الامر به ولا يكشف عن ذلك فانّ الثواب ليس ملازما للاطاعة الحقيقيّة بل هو لاجل كونه انقيادا للشارع والعبد معه فى حكم المطيع بل لا يسمّى ذلك ثوابا ولو كشف الثواب الموعود عن تعلّق الامر به لخرج عن موضوع الاحتياط وكان ممّا علم وجوبه او استحبابه ومن هنا يعلم أنّه لو استظهرنا من اخبار من بلغه شيء من الثواب استحباب العمل الّذى بلغ عليه الثواب لما كان يجدى فى جريان الاحتياط فيما اذا كان منشأ احتمال الوجوب او الاستحباب خبرا ضعيفا ومنها انّ المراد من الاحتياط فى العبادة هو الاتيان بما يعتبر فيها من الشرائط والاجزاء عدا قصد القربة فاوامر الاحتياط يتعلّق بهذا الفعل وح فيقصد المكلّف التقرّب باطاعة هذا الأمر وفيه أنّه التزام بالاشكال فانّ مرجعه الى انكار كونه من الاحتياط فى العبادة ولا دليل على هذا الوجه ولا على حسنه لا عقلا ولا نقلا فانّ العقل لا يستقلّ الّا بحسن الاحتياط والاخبار لا تدلّ الّا على رجحان الاحتياط والوجه المفروض ليس من موضوع حكم العقل ولا النقل نعم لو دلّ دليل بالخصوص على الاحتياط فى باب العبادة كان يقول الشارع احتط فى العبادة لكان هذا الوجه حسنا فانّ المراد بهذا الامر لو كان هو الاحتياط المتوقّف على العلم بامر الشارع بالعبادة لزم منه التّكليف بما لا يطاق ولزم ان يكون هذا الامر لغوا وللخروج عن اللغويّة وعدم لزوم القبح على الحكيم تعالى لا بدّ ان يقال انّ المراد هو الاحتياط باتيان الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة ويقصد

٣٤٧

المكلّف التقرّب باطاعة هذا الأمر ومن المعلوم عدم قيام دليل كذلك فى باب العبادات ومنها انّ الاشكال مبنىّ على كون قصد القربة مأخوذا فى العبادة شرطا او شطرا فانّ على الشّرطية يكون كاشتراط الصّلاة بالطهارة واستقبال القبلة ومن المعلوم انّ غير المتمكّن من الطّهارة بكلا قسميها لا يكون متمكّنا من الاتيان بالمأمور به وكذلك العبادة الّتى لم يعلم الامر بها واذا اراد المكلّف ان يأتى بها على هذا الوجه احتياطا فهو غير متمكّن منه وكذلك الكلام على الشطريّة وامّا لو قلنا بعدم اندراج قصد القربة فى متعلّق الامر وكون المأمور به هو نفس الفعل وتكون قصد القربة من وجوه الطّاعة وكيفيّات العبادة ولتحصيل غرض المولى فلا اشكال فى امكان تحقّق الاحتياط فى العبادة فانّ المكلّف ياتى بالفعل بداعى احتمال الامر فانّه من شدّة الاهتمام بما هو المطلوب يأتى بما يحتمل ان يكون متعلّقا للامر فاذا كان فى الواقع مامورا به كما احتمله فقداتى به بداعى امره والّا كان عند العقل منقادا فانّ باب الاطاعة وطريق الامتثال انّما هو بيد العقل والعقل يعدّ هذا الشخص منقادا بل من المطيعين الكاملين والى هذا الوجه أشار فى المتن بقوله ويحتمل الجريان الخ هذا كلّه على تقدير تقرير الاشكال بما ذكرنا من انّ العبادة تتوقّف على قصد القربة وقصد القربة لا تتأتّى الّا مع العلم بامر الشارع تفصيلا او اجمالا واخذ العلم ليس الّا من جهة الطريقيّة واحراز الامر الّذى يكون منشأ لتأتّى قصد القربة الّتى يتوقّف عليها العبادة وقد يقرّر الاشكال من جهة اعتبار الجزم من حيث توهّم كون العلم مأخوذا على وجه الموضوعيّة ويقال انّ الاحتياط فى العبادة غير ممكن لانّه يعتبر فيها الجزم بالنيّة وحيث لا علم بالامر فلا جزم بها وفيه ان المقام لا دخل له بمسألة اعتبار الجزم فى النيّة فانّ المقصود فى تلك المسألة هو لزوم ان يكون المكلّف بانيا على اتيان الفعل وايجاده ولم يكن متردّدا فيه ولا دليل على اعتبار القطع بثبوت الامر فى النيّة أصلا ويشهد لذلك ثبوت الظّن بالامر فى حال الانسداد وتقدير الحكومة وكفاية هذا الظّن فى وقوع الفعل قربيّا فمع عدم العلم والظّن به يكفى فى وقوع الفعل قربيّا اتيانه باحتمال الامر او باحتمال حسنه وكونه مطلوبا او كون تركه مبغوضا بل يكفى فى ذلك حسن الفعل ولو لم يتعلّق به امر من جهة المزاحمة او من جهة أخرى لا يقال انّ الاحتياط فى العبادة لا بدّ وان يكون مثل الاحتياط فى المعاملة فكما انّ فى باب المعاملة يكون الاتيان بالفعل المحتمل الوجوب احتياطا على جميع التقادير فكذلك فى العبادة لا بدّ ان يكون الاتيان بالفعل احتياطا على جميع التقادير مع انّه لو لم يكن فى البين امر لما كان احتياطا فإنّه يقال هذا التزام بما ليس بلازم لعدم نزول آية ولا قيام رواية عليه والّذى يستقلّ العقل به هو الاحتياط بحيث لو كان فى الواقع امر نفعه وليس الباعث الّا شدّة الاهتمام على الاقدام بمطلوبات الشّارع وكيف ينكر حسن هذا الاحتياط

٣٤٨

مع انّه اقوى شاهد على القيام برسوم العبوديّة وقد علم ممّا ذكرنا انّ فى الحكم باستحباب الفعل فيما كان على وجه العبادة بعد نفى الوجوب بالاصل فى دوران الامر بين كون الفعل واجبا حتّى يكون عبادة او مباحا حتّى يكون غيرها وجهين بل قولين من احتمال كون الفعل واجبا فى الواقع فالعقل يحسّن الاحتياط فيه بالاتيان رجاء للوصول الى المصلحة الواقعيّة والشرع يقرّره بقاعدة الملازمة ولخصوص عمومات حسن التقوى وادلّة الاحتياط ومن أنّه يشترط فى صحّة العبادة قصد التقرّب فيه والحسن النّاشى من الاحتياط ارشادا لا يصحّحه لانّ صحّة قصد التقرّب فى الشىء موقوفة على تعلّق الامر المولوىّ به وصيرورته متعلّقا للطلب والطلب الارشادىّ غير طلب الفعل بنفسه وكذلك عمومات التقوى والاحتياط فانّها ناظرة الى الحكم العقلى الإرشادي وعلى هذا فلا دليل عقلا ولا شرعا على حسن ذلك الفعل فى نفسه حتّى يصحّ قصد التقرّب فيه ولا يقاس المقام بسائر موارد الاحتياط ممّا علم بوجود امر فى الواقع امّا تفصيلا او اجمالا كما فى الصلوات الاربع عند اشتباه القبلة او اتيان الصّلاة المشتملة على الواجب او المستحبّ فانّهما لمّا كانا مسبوقين بامر وطلب علمنا ثبوته فى الجملة وان لم نعلم بكونه للوجوب او الاستحباب فيصحّ قصد التقرّب لامتثال ذلك الامر المعلوم اجمالا بخلاف المقام فانّ المفروض عدم العلم بورود امر على الفعل لا تفصيلا ولا اجمالا والأقوى هو الوجه الاوّل لكفاية مجرّد احتمال الوجوب فى قصد القربة وحصول الانقياد وكون الفعل مقرّبا فانّ المتقرّب به قد يكون مامورا به تفصيلا وقد يكون كذلك اجمالا او احتمالا وحسن الفعل ثابت فى الجميع غاية الامر اقتضاء القسم الاوّل حسن نفس الفعل المعلوم تفصيلا فى الواقع واقتضاء الثانى حسنه اجمالا والثالث حسنه ظاهرا بل واقعا ما دام الحكم النفس الامرى مجهولا عند المكلّف ولظاهر العمومات الآمرة بالتقوى والاحتياط الدّالة بظاهرها على حسن الفعل واقعا وانّه مطلوب بالطلب الندبى من المكلّف ما دام الواقع مشتبها عليه ولا داعى الى صرفها عن ظاهرها فإنّه إذا صدق على المكلّف الآتي بالفعل المامور به الاحتمالى انّه المتّقى والمحتاط عقلا وعرفا شمله العمومات والاصل فى الاوامر الوجوبيّة والندبيّة باجمعها ان يحمل على الطلب التكليفى دون الارشادى الّا لمانع يدعو اليه ولا مانع من حمل هذه الاوامر على التكليفى ويقال انّا علمنا من ظاهر هذه الاوامر انّ مقصود الشارع وهو العالم انّ المكلّف اذا اشتبه عليه الحكم الواقعى فاطلب منه لا على وجه اللزوم ما دام صادقا عليه هذا الموضوع التقوى ويكون التقوى حينئذ بذلك مطلوبا واقعيّا للشارع فى هذا الموضوع كالعبادات الواقعة على وجه التقيّة فانّها وان كانت مترتّبة على الاحكام الواقعيّة ومتاخّرة عنها لكنّها فى موضوعها احكام مجعولة واقعيّة ايضا واذا ظهر لك هذا دريت الوجه فى عدم تعرّض الاصحاب للارشاد فى اوامر الاحتياط والتقوى والفتوى بالاستحباب قوله (ويحتمل الجريان بناء على انّ

٣٤٩

هذا المقدار الخ) هذا هو المشهور واستدلّ عليه فى المتن بوجوه ثلاثة الاوّل كفاية الحسن العقلى فى العبادة من دون توقّف على امر شرعىّ أصلا الثاني منع توقّفها على العلم بورود امر فيها وكفاية امتثال الامر الاحتمالى الثالث سيرة العلماء والصلحاء وان كانت السيرة كاشفة عن احد الوجهين قوله (ان قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة الخ) فانّه على تقدير القول بذلك لا يحتاج فى صحّة العبادة الى التّمسك بالآيات المذكورة واوامر الاحتياط وذلك لوجود احتمال الامر الواقعى مع قطع النظر عنها وامّا على تقدير عدم كفاية الاحتمال فالآيات والاوامر المذكورة لا تجدى للزوم الدّور وتقريره انّ الامر بالاحتياط موقوف على موضوع الاحتياط الموقوف على قصد القرية الموقوف على الامر بالاحتياط والحقّ ما قدّمناه قوله (بعد النقض بورود هذا الايراد فى الاوامر الواقعيّة بالعبادات) لا يخفى انّ نيّة القربة ليست فى مرتبة سائر الاجزاء والشرائط بل مرتبتها متاخّرة عنها لانّ معنى قصد القربة هو موافقة الامر واطاعته فهو موقوف على تحقّق الامر ولو توقّف الامر عليه باخذه فى المأمور به ومتعلّق الامر لزم الدور وهذا اشكال معروف وغاية ما قيل او يمكن ان يقال فى التفصّى عنه وجوه منها أنّ التكليف موقوف على التمكّن من قصد القربة فى زمان ايجاد الفعل لا على فعليّته فى زمان التكليف وقصد القربة فعلا موقوف على فعليّة الأمر توضيح ذلك انّ اخذ القصد المذكور لا محذور فيه فانّ الموضوع لا بدّ من وجوده ذهنا قبل الحكم لا خارجا وهو متعلّق بالموضوع المتصوّر فى الذهن واخذه مفهوما فى الموضوع لا يحتاج الى تحقّق الامر وحصوله ويتمكّن المكلّف من الإتيان بالفعل بهذا الداعى بعد تعلّق الامر كذلك فانّ القدرة المعتبرة عقلا فى صحّة الامر هى القدرة حال الامتثال لا حال الامر فالموضوع موجود فى الذّهن قبل انشاء الحكم وقد تعلّق به الامر وفى حال الامتثال ياتى المكلّف بالمأمور به وهو الصّلاة بداعى الأمر ويردّه أانّ انشاء الحكم كذلك لا محذور فيه من ناحية التكليف وتصوّر المكلّف به وانّما المحذور انّ المكلّف لا يتمكّن من امتثاله لعدم تمكّنه من الاتيان بالصّلاة بداعى امرها بداهة عدم تعلّق الامر بالصّلاة وحدها والامر حسب الفرض تعلّق بها مقيّدة بداعى الامر والامر انّما يدعو الى ما تعلّق به لا الى غيره ومنها انّ اعتبار النيّة ليس لاجل الامر حتّى يلزم الدور بل لاجل دليل خارجىّ كالاجماع ويردّه أانّ الدليل الخارجىّ اذا كان مبيّنا للمأمور به عاد الاشكال واذا كان واجبا مستقلّا فاللازم هو سقوط الغرض من الامر الاوّل بايجاد الفعل خاليا عن قصد القربة وهو خلاف الفرض مضافا الى انّه لو سقط الامر الاوّل سقط الثّانى ايضا وذلك لعدم امكان موافقته حينئذ لارتفاع موضوعه الّذى هو الامر الاوّل ومنها انّ المتكلّمين اتّفقوا على اعتبار قصد الوجه فى العبادات وتبعهم فى ذلك جماعة من الفقهاء ودليلهم

٣٥٠

على ذلك انّ عروض الاحكام الشرعيّة لافعال المكلّفين على مذهب العدليّة انّما هو من جهة انطباق عناوين عليها مجهولة لنا وهى الموضوع الاوّلى للاحكام المعروضة للحسن والقبح اذ ليس المعروض لهما الافعال من حيث انّها افعال وهذا معنى ما قالوا انّ الواجبات السمعيّة انّما وجبت لكونها الطافا فى الواجبات العقليّة وحينئذ فحصول الاطاعة المتوقّفة على الاختيار متوقّف على قصد ذاك العنوان امّا تفصيلا فيما علم ذلك وامّا اجمالا بقصد ما هو حاك عنه ومرآة وعنوان له اذ هو الموضوع الحقيقى واذا قصد الفعل بذلك العنوان باحد الوجهين يكون الفعل المأمور به فى القضيّة اللفظيّة الشرعيّة مثلا اختياريّا ذاتا وصفة لانّ مع قصد ذلك العنوان يكون ترتّبه على الفعل اختياريّا والّا كان الترتّب قهريّا ولا يتّصف الفعل ح بالحسن والقبح ولمّا كان اللازم فيما لم يعلم ذلك العنوان تفصيلا قصده اجمالا لصيرورة الفعل المأمور به اختياريّا فليقصد الوجوب او الندب فانّه يكون مشيرا اليه وعنوانا له وحاصل هذا الوجه انّ ذلك العنوان وان ترتّب على الفعل المأمور به عند ايجاده الّا انّ مع عدم قصده باحد الوجهين لا يكون ذلك الترتّب اختياريّا وقد يستدلّ بانّ العنوان المنطبق على الافعال المعروضة للحكم الشرعى والعقلى لا يعلم تحقّقه بدون قصد الفعل بذلك العنوان فانّ كثيرا من العناوين يكون ترتّبها على الافعال موقوفا على قصدها كما هو واضح فاذا لا بدّ من قصدها باحد الوجهين حتّى يعلم تحقّقها وحاصل هذا الوجه عدم العلم بتحقّق العنوان بدون القصد ولو بالوجه اذا عرفت ذلك فاعلم انّ جماعة منهم ذكروا فى المقام نظير الوجه الثانى وقالوا انّ وجوب ايجاد الفعل بقصد الاطاعة والامتثال فى العبادات لا يكون من جهة دخله فى المأمور به شطرا او شرطا بل من جهة الجهل بعنوان الواجب فى العبادات وعدم العلم بتحقّقه عند ايجاد الفعل على الاطلاق فيحكم بلزوم ايجاده بداعى الامتثال لحصول العلم بتحقّقه فانّ المكلّف اذا قصد الاطاعة والامتثال عند ايجاد الفعل فقد قصد ذلك العنوان ويردّه أانّ الحكم بوجوب الاطاعة وقصد الامتثال فرع بقاء الوجوب وعدم سقوط الامر باتيان ذات الواجب وهنا مبنىّ على كون الاطاعة من حيث هى مقصودة للأمر فى اوامره وهذا هو الدّور فإن قلت إنّا حكمنا بوجوب الاطاعة توصّلا الى اسقاط التكليف بايجاد المكلّف به على نحو تعلّق به غرض الأمر قلت المفروض عدم دخل القصد فى المادّة ولا فى الهيئة للزوم الدّور فالخطاب لا يدلّ الّا على وجوب المادّة واذا شككنا فى اعتبار القصد فى قوام ماهيّة الواجب الواقعىّ الّذى تعلّق غرض الأمر بتحقّقه فى الخارج جرى اصالة براءة الذمّة من وجوب اتيان الواجب بهذا العنوان كغيره من الشرائط والأجزاء الّتى يشكّ فى اعتبارها فى الواجب لانّ المناط فى جريان اصالة البراءة هو الشّك فى ايجاب الشارع امرا يكون بيانه وظيفة له فالعقاب عليه من دون بيان غرضه قبيح وكما يقبح العقاب على التّكاليف الّا بعد بيانها كذلك يقبح العقاب على

٣٥١

تفويت الغرض الباعث على التكليف فإن قلت إنّ العقل يحكم بالاطاعة والاطاعة عبارة عن اتيان المأمور به على وجه تعلّق به غرض المولى بحيث يقطع بحصول غرضه فالاطاعة حقيقة تحصيل غرض المولى ولذا نرى فى الاوامر العرفيّة انّهم لا يكتفون فى مقام الاطاعة بمجرّد ايجاد ذات المأمور به بل يحكمون بتحصيل الغرض الّا اذا علم انّه لا يكون شيء وراء ذات المأمور به والحاصل انّ القطع بحصول الغرض من وجوه الاطاعة وهذا ممّا يرجع فيه الى حكم العقل قلت إذا كان هذا مع القطع بكون الغرض ايجاد المأمور به بقصد الاطاعة والامتثال فهو كلام آخر يذكر فى الوجه التالى وامّا اذا كان مع الشّك وكان القول بقصد الامتثال من جهة الجهل بعنوان الواجب الحقيقى والمحبوب النفس الامرىّ فى العبادات والحكم بلزوم قصد الامتثال امّا للزوم تحصيل القطع بحصول الغرض والعنوان وامّا للزوم تحصيل القطع بالاطاعة المعلوم وجوبها عقلا فنقول انّ الاطاعة والمعصية من الموضوعات الّتى يستفاد حكمها من العقل اذ هو الحاكم فى باب الاطاعة وحينئذ فلا بدّ من ان يؤخذ الموضوع من نفس الحاكم فكلّ من يحكم عقله بوجوب الاطاعة لا بدّ من ان يكون موضوع حكمه معلوما عنده ولا يعقل الاجمال فى نفس الموضوع حتّى يقال انّ احتمال كون معنى الاطاعة كذا كاف فى وجوب الاحتياط فالعقل انّما يحكم بلزوم ايجاد الفعل الّذى الزمه المولى بفعله بشرط علم العبد الزامه به لا بدونه فانّ العلم بالحكم مأخوذ فى موضوع حكم العقل وهذا هو الاطاعة عرفا وحكمه الوجوب عقلا فكلّما يفرض قيدا للاطاعة ممّا يحتمل اعتباره شرعا او عرفا لا بدّ وان يرجع الى تقييد الواجب اذ لا يحكم العقل فى باب الاطاعة الّا بوجوب ايجاد ما اوجبه المولى فاذا شككنا فى شيء من جهة الجهل بعنوان الواجب الواقعى كان المرجع البراءة كما تقدّم فكما أنّ الشّك فى تقييد المأمور به فى القضيّة الظاهريّة والخطاب الوارد بشيء شطرا او شرطا يدفع بالاصل كذلك الشّك فى اعتبار شيء قيدا للواجب الواقعى والمحبوب النّفس الامرى يدفع بالاصل وعدم امكان تقييد المأمور به به لا يدفعه والسّر فيه ما عرفت من انّ العقاب على تفويت غرضه من دون بيان قبيح نعم بينهما فرق من حيث امكان التّمسك بالاطلاق لنفى الشرطيّة والجزئيّة فيما يصلح كونه تقييدا للمأمور به وعدم امكانه فيما لا يمكن اخذه قيدا فى الخطاب لانّ التّمسك باطلاق الكلام فرع صلاحيّته للتّقييد حتّى يكون ترك القيد دليلا على عدم ارادته ومن هنا تعلم ايضا عدم امكان التّمسك بالاطلاق لنفى اعتبار الوجه بل يدفع ايضا اعتباره بما ذكرنا فى المقام فتدبّر وامّا ما ذكر من انّ العرف لا يكتفى فى مقام الاطاعة بمجرّد ايجاد ذات المأمور به بل يحكمون بتحصيل الغرض فهو ممنوع جدّا نعم اذا علموا بكون الغرض امرا آخر غير ذات المأمور به التزموا بتحصيله وامّا الاحتياط فى ذلك بالعلم بتحصيله فلا وكثيرا ما يشتبه على العبيد اغراض مواليهم بل

٣٥٢

لا يلتفتون الى ذلك ويكتفون بايجاد المأمور به ومنها إنّ الواجبات الشرعيّة على قسمين الاوّل ما يسمّى توصّليّا وهو ما علمنا بحصول الغرض بمجرّد الموافقة بل حصوله بتحقّق الفعل ولو من غير المكلّف والثانى ما يسمّى عبادة وهو ما علمنا بعدم حصول الغرض بمجرّد الموافقة بل لا بدّ فى حصول الغرض من قصد الامتثال فكما انّ فى القسم الاوّل يكون الغرض والداعى اعمّ من الفعل المأمور به مع قصور الامر عن التعلّق به لاستحالة تعلّق الامر بالعنوان الاعمّ من الفعل الاختيارى وغيره ومع ذلك يسقط الامر المتعلّق بالفعل اذا وجد من دون قصد ام وجد بفعل الغير ويوجد مثل هذا فى العبادات ايضا كما فى عبادة الناسى لما حكم بسقوط الامر مع نسيانه من الاجزاء والشرائط والتارك جهلا لما حكم بسقوطه معه كذلك يكون فى القسم الثانى الغرض اخصّ من المأمور به وما له دخل فى حصول الغرض لا يمكن اخذه قيدا للمأمور به فإن قلت إنّ هذا خلاف ظاهر القضيّة اللّفظيّة المشتملة على الهيئة والمادّة قلت قد علمنا ذلك فى العبادات من الخارج ومع العلم بانّ الغرض اخصّ من المأمور به بحكم العقل فى مقام الاطاعة بوجوب تحصيل الغرض وقد علمنا عدم حصوله فى العبادات الّا باتيانها امتثالا للأمر وح لا يعقل ان يسقط الامر بمجرّد الموافقة للزوم تخلّف العلّة عن معلولها والحاصل انّ المنصف يرى انّ حال الاوامر التعبّديّة ليس الّا كحال الاوامر التوصّليّة فكما انّ فى الثانى يكون الغرض اعمّ فكذلك يكون الغرض فى الاوّل اخصّ والعقل يرى فى مقام اطاعته وثبوت المثوبة له ورفع العقوبة عليه من لزوم حصول كيفيّة زائدة على المامور به لعلمه من الخارج بعدم سقوط غرض المولى والحاكم فى اصل الاطاعة وكيفيّاته هو العقل فان قلت إذا كان الغرض فى العبادات لا يحصل بمجرّد الموافقة واتيان المأمور به مطلقا فكيف يطلب المولى ما لا يوافق غرضه ويحرّك العبد نحوه قلت إنّ المامور به غرض وتعلّق الامر به للتوسّل الى الغرض الاصلىّ وهو الاتيان بقصد الاطاعة والامتثال ولا ضير فى ان يكون المأمور به اوسع من دائرة الغرض الاصلى لاستحالة تعلّق الامر به كما يكون الحال فى التوصّليّات على العكس ومنها إنّ قصد القربة المعتبرة فى العبادات بالاجماع والضّرورة من الدّين انّما يتصوّر على وجوه الأوّل ان يكون الاتيان بالفعل بداعى وجهه تبارك وتعالى فانّه غاية الغايات ولا يحصل الغرض الّا اذا اتى بالفعل خالصا لوجه الله تعالى سواء كان ذلك لمجرّد اظهار العبوديّة واهليّته تعالى للعبادة او كان لطلب الرفعة عنده تعالى او نيل ثوابه او الخلاص من عقابه او غيرها من الاغراض وان كانت دنيويّة ممّا لا يتوصّل اليها الّا باتيان الفعل لله تعالى الثانى ان يكون بداعى حسنه الّذى دعى الشارع الى طلبه او بداعى كونه ذا مصلحة موجبة للامر به الثالث أن يكون الاتيان بالفعل بداعى كونه ذا عنوان محجوب عن عقولنا ثابت فى علمه تعالى معروف لنا بلازمه وهو الخضوع والخشوع الرّابع ان يكون

٣٥٣

الاتيان بداعى امره وقصد امتثاله والقربة على غير الوجه الاخير يمكن اخذه واعتباره فى المأمور به شطرا او شرطا ويكون دائرة المامور به بمقدار دائرة ما هو المحصّل للغرض ومتعلّق الطلب هو الفعل الّذى يؤتى به لله تعالى او بداعى حسنه او داعى كونه ذا مصلحة او الفعل المأتيّ به خضوعا وخشوعا لله تعالى من دون لزوم محذور فى تعلّق الامر بالفعل بهذا النّحو ولا دليل ولا علم على وجوب قصد القربة زائدا عن هذه الوجوه ومنها أنّه قد قام فى الواجب التعبّدى ما يقتضى بمدخليّة حصول عنوان الاطاعة والامتثال فى سقوط الامر المتعلّق بذات الفعل مجرّدا عن اعتبار قصد القربة فيه ويعلم انّ هناك جهة توجبه عند الشارع وان لم نعلمها بعينها ولا يتوقّف قصد التقرّب فى اتيان الواجب على العلم التفصيلى بما اوجب اعتباره فى سقوط الامر المتعلّق به وهذا مطّرد فى جميع الموارد حتّى فى مسئلة نسيان ما لا يوجب بطلان العبادة او الاخلال بما لا يوجبه جهلا لانّ قصد الاطاعة مفروض من النّاسى والجاهل مع غفلتهما عن مخالفة المأتيّ به للمامور به وفى مسئلة سقوط المباشرة فى الطّهارة الحدثيّة عن العاجز حيث انّ الفعل لا يخلو عن قصد الامتثال عن المكلّف او عن المباشر او هما معا على الخلاف وهكذا فى سائر ما توهّم الصّحة مع عدم القصد ومنها أنّه يمكن اخذ قصد الامتثال فى المأمور به على نحو القضيّة الطبيعيّة الّتى يسرى الحكم فيها الى جميع الافراد اذ لم يقم دليل من اجماع او غيره على اعتبار قصد الامتثال بالخصوص فى العبادات بل ما قام الدّليل عليه ونعلم به هو اعتبار القربة فى العبادة فالمأمور به هو الفعل المتقرّب به على نحو القضيّة الطبيعيّة وله افراد منها الفعل المأتيّ به لداعى حسنه او للمصلحة الكامنة فيه ومنها الفعل المشتمل على الخشوع ومنها الفعل المأتيّ به بداعى الامر وقصد الامتثال فالمأمور به هو الطبيعة اعنى الفعل المتقرّب به لا خصوص المأتيّ به بداعى الامتثال والمكلّف قادر على ايجاد الطبيعة المأمور بها فى ضمن هذا الفرد اى المأتيّ بقصد الامتثال من دون لزوم الدّور وتوقّف وجود الموضوع على الحكم ويردّه أانّ غاية ما هناك هو تصحيح الفعل العبادى اذا اتى به بقصد الامتثال لا حصر القربة فى قصد الامتثال والفرق بينهما واضح قوله (انّ المراد من الاحتياط والاتّقاء الخ) فالمراد من عنوانهما المنطبق على العبادة المحتملة هو الفعل المحتمل للوجوب المشتمل بجميع ما له دخل فيه عدا نيّة القربة والامر الندبى تعلّق بهذا العنوان ويؤتى بالفعل بداعى امتثال هذا الامر الندبى وهذا كما يقال فى العبادة المحقّقة من انّ المراد من الصّلاة مثلا المتعلّقة بها الامر هو الفعل الجامع لجميع الاجزاء والشرائط دون قصد القربة وبعد قيام الدليل على كونها عبادة يحكم العقل فى مقام

٣٥٤

الاطاعة بوجوب ايجادها بقصد امتثال الامر المتوقّف على ثبوت الامر المفروض تعلّقه بها ولو كان مجرّدا عن قصد التقرّب ولا يخفى عليك انّ جريان هذا الكلام فى اوامر الاحتياط مبنىّ على كون الامر به شرعيّا مولويّا كما تقدّم منّا بعض الكلام فى ذلك والّا فمع البناء على كونه ارشاديّا فمن الواضح انّ اطاعته من حيث هو لا يوجب تقرّبا قوله (وثالثة بظهورها فيما بلغ فيه الثّواب المحض) وهو الندب لا الثواب الّذى يوجب تركه العقاب فلا تشمل ما اذا كان المحتمل هو الوجوب لانّه ليس موجبا للثواب المحض قوله (وامّا الايراد الاوّل فالانصاف انّه لا يخلو من وجه) فانّ مفاد فاء التفريع سببيّة ما قبلها لما بعدها فقوله (ع) من بلغه عن النّبى (ص) شيء من الثواب فعمله يدلّ على انّ العلّة لحسن الاتيان هى البلوغ الاحتمالى وان لم يكن مطابقا للواقع مضافا الى العلّة المذكورة فى بعض تلك الاخبار حيث دلّت على انّ حسن الاحتياط انّما هو لاجل الرجاء والالتماس ومجرّد الاحتمال ومع ذلك فليس ببعيد ثبوت استحباب الفعل بصحيحة هشام بن سالم وكون ترتّب الاجر على هذا العمل كاشفا عن كونه مستحبّا وتكون الصحيحة موازنة لقوله (ع) من سرّح لحيته فله كذا فانّ البلوغ يعطى وجهة وعنوانا يوجب ترتّب الاجر عليه وصيرورته مستحبّا بهذا العنوان ولا وجه لتقييد العمل فى هذه الصحيحة بما ورد فى سائر الاخبار من كون العمل لطلب قول النّبى (ص) ولرجاء ادراك الواقع فانّ التقييد لا يصار اليه الّا بعد احراز التنافى بين الدليلين ولا منافاة بينهما فانّ الظّاهر من سائر الاخبار هو اثبات الثّواب والظّاهر من صحيحة هشام هو كون البلوغ موجبا لترتّب الثواب على العمل وبالجملة ان سلّم ظهور الصحيحة فى كون البلوغ يكون عنوانا يوجب الاستحباب لم يكن وجه للتقييد قوله (ولا يترتّب عليه رفع الحدث فتامّل) اشارة الى منع الصّغرى وكون كلّ وضوء مأمور به رافعا للحدث ولا ملازمة شرعا بين استحباب الوضوء ورفع الحدث وقد تخلّف فى كثير من الموارد كوضوء الجنب والحائض نعم بناء على مذهب جماعة ذهبوا الى ثبوت الكليّة والملازمة المذكورة نظرا الى ظواهر بعض الاخبار تكون المسألة من صغريات الثّمرة قوله (وان قلنا بصيرورته مستحبّا شرعيّا) فانّ استحباب غسله لا يوجب دخوله فى الوجه حتّى يكون من مواضع الوضوء والجائز هو اخذ البلل للمسح من مواضع الوضوء.

قوله (امّا لو شكّ فى الوجوب التّخييرى والإباحة فلا تجرى فيه ادلّة البراءة) فالمسألة من دوران الامر بين التخيير والتّعيين لكن مفروض البحث فى المقام من حيث جريان البراءة فى نفى التخيير فاذا كان اصل الوجوب معلوما وتعلّقه بفرد معلوما ايضا الّا انّ الشّك فى تعلّقه بفرد آخر ايضا على نحو التخيير فهذا الفرد الآخر مشكوك حكمه من حيث الوجوب التخييرى والإباحة ولا تجرى البراءة فى نفى الوجوب التخييرى المفروض أمّا البراءة العقليّة فلأنّ موردها ما

٣٥٥

اذا احتمل العقاب لانّ دليلها هو قبح العقاب بلا بيان وفى الفرض لا يحتمل العقاب فى ترك هذا الفرد المشكوك اصلا سواء كان مباحا او فردا للواجب التخييرى مع اتيانه بالفرد الآخر ومع تركه يقطع بالعقاب كذلك نعم إذا تعيّن لاجل الانحصار جرى اصل البراءة لانّه شكّ فى الوجوب التّعيينى كما اشار اليه المصنّف وامّا البراءة الشرعيّة فمساق بعض ادلّتها هو مساق حكم العقل المذكور وما كان مساقه فى مقام الامتنان للسّعة على المكلّفين ورفع الضيق فيما كان ثبوت التّكليف المجهول ضيقا عليهم فعدم جريانه فى المقام واضح ايضا لانّ ثبوت هذا الوجوب التخييرى لا يوجب ضيقا اذا لم يوجب السّعة على المكلّف قوله (وفى جريان اصالة عدم الوجوب تفصيل) وذلك لانّ الشّك فى الوجوب التخييرى المذكور يتصوّر على قسمين الاوّل ما علم انّ هنا خطاب واحد بالوجوب لكن شكّ فى تعلّقه بالكلّى المشترك بين الفردين وتعلّقه بذاك الفرد المعيّن والأقوى فيه عدم جريان اصالة عدم الوجوب اذ ليس الّا وجوب واحد مردّد بين الكلّى والفرد واصالة عدم وجوب احدهما معارض باصالة عدم وجوب الأخر مع العلم الاجمالى بوجوب أحدهما هذا إذا اردت مجرّد نفى وجوب احدهما واذا اردت باصالة عدم وجوب احدهما اثبات تعلّقه بالآخر يكون مثبتا ايضا فإن قلت إذا جعلنا المعارض لاصالة عدم تعلّق الوجوب بالكلّى اصالة عدم تعلّق الوجوب بالفرد تعيينا صحّ ما ذكرت وامّا اذا جعلنا المعارض نفس عدم وجوب الفرد فلا فانّ ذاك الفرد متيقّن وجوبه على كلّ حال ويصحّ ح أصالة عدم وجوب الكلّى لاحراز عدم وجوب الفرد المشكوك لانّه مسبّب عنه بل عينه على وجه فانّ تعلّق الطّلب بالكلّى والطبيعة عين تعلّقه بالافراد من دون ان يكون بينهما ترتّب العليّة والمعلوليّة ولا يعارضها اصالة عدم وجوب الفرد الآخر فانّه واجب يقينا سواء كان وجوبه بنحو التّخيير او التّعيين قلت الإنصاف انّ مجرّد هذا التقرير لا يكفى فى نفى المعارضة فانّ المفروض ثبوت خطاب واحد مشكوك التعلّق بالكلّى او الفرد ويكون تعلّقه بالكلّى فى مرتبة تعلّقه بالفرد ولا يكون هناك قدر متيقّن من حيث المتعلّق فانّ المفروض دوران الامر بين تعلّقه بالكلّى بما هو كلّى وتعلّقه بالفرد بما هو فرد الّذى هو معنى الوجوب التعيينى ويقال ح إنّ اصالة عدم احدهما معارض باصالة عدم الأخر فتدبّر فانّه دقيق لا محيص عنه واذا لم يجر اصالة عدم الوجوب فصريح المتن تعيّن الرجوع الى اصالة عدم سقوط ذلك الفرد المتيقّن الوجوب بفعل هذا المشكوك وهذا معنى استصحاب الاشتغال وفيه انّ نفس الشّك فى سقوط التكليف المعلوم بفعل المشكوك كاف عند العقل فى الحكم بعدم السّقوط وهذا معنى قاعدة الاشتغال من دون حاجة الى اجراء الاصل الّذى هو حكم ظاهرىّ مترتّب على المشكوك فانّ احراز ما هو محرز بالوجدان بالاصل قبيح الثاني ما علم تعلّق امر بالفرد المعلوم وجوبه ويشكّ فى تعلّق امر بالخصوص بهذا الفرد المشكوك بحيث نعلم انّه لو كان متعلّقا كان على نحو التخيير ومن الواضح جريان اصالة عدم الوجوب

٣٥٦

من دون معارضة وكذلك جريان حكم العقل بعدم سقوط الفرد المعلوم وجوبه باتيان هذا الفرد المشكوك قوله (ثمّ انّ الكلام فى الشكّ فى الوجوب الكفائى الخ) امّا عدم جريان اصالة عدم الوجوب على وجه وجريانها على الوجه الأخر وكذلك جريان حكم العقل بعدم السقوط عن غيره ممّن علم بتوجّه الخطاب اليه فواضح وامّا البراءة فمع اتيان غيره ممّن تعلّق به الوجوب يقينا بالفعل لا يحتمل العقاب فلا يجرى البراءة ومع عدم اتيان غيره بالفعل يحتمل العقاب على تركه وتجرى البراءة الّا انّه يكون ح من الشكّ فى الوجوب العينى كتعذّر الفرد الأخر فى الوجوب التّخييرى حيث كان من الشكّ فى الوجوب التّعيينى.

قوله فيما اشتبه حكمه الشّرعى من جهة اجمال اللّفظ) وذلك امّا من جهة الوضع وما يتبعه كالاجمال النّاشى من جهة الاشتراك وكاجمال آية (يَطْهُرْنَ) المردّدة بين الضمّ والتخفيف والفتح والتشديد وامّا من جهة تعذّر الحمل على الحقيقة ودوران الامر بين مجازين لا رجحان لاحدهما ونحو ذلك قوله وان رجع اليها بدعوى حصول الظنّ الخ) بان يكون مرجّحية البراءة للاستحباب لاجل دعوى انّ بملاحظتها يظنّ فى الدّوران بين الوجوب والاستحباب بانّ الحكم الواقعى هو الثّانى واين هذا من حديث التبعيّة نعم إذا ادّعى انّ موافقة البراءة هو المناط فى كون الحكم الواقعى هو الاستحباب كان رجما بالغيب ومن الواضح انّ احدا لم يتفوّه بهذا مضافا إلى انّ اصل جعل البراءة مرجّحة للاستحباب فى المقام لم يعثر على قائل به.

قوله (فانّ الحديث الثّانى وان كان اخصّ الخ) اعلم انّ فى التّمسك بالتوقيع المذكور إشكالات الأوّل انّ الحديث الثانى اخصّ من الاوّل واللازم حينئذ هو تخصيص الاوّل بالثانى وحمل العامّ على غير مورد الخاصّ لا اعمال قاعدة التعارض والحكم بالتخيير والجواب ما افاده المصنّف من انّه يعلم من حكم الامام (ع) بالتخيير انّ الحديث الاوّل منقول بالمعنى ويكون اصل الحديث عنده (ع) نصّا فى ارادة جميع الافراد بحيث لا يكون قابلا للحمل على غير هذا الفرد ويكون نسبته ح مع الحديث الثانى هو التّباين الثانى انّ وظيفة الامام عليه‌السلام المنصوب لحفظ الاحكام وبيان ما جاء به النّبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحكام هى ازالة الشّبهة عن المكلّفين ببيان الحكم الواقعى المنزل لا الارجاع الى الحكم الظاهرى والجواب ما افاده ايضا بانّه لا ضير فى ذلك اذا اقتضت المصلحة بيان الحكم الظاهرى ولعلّ الامام عليه‌السلام راى انّ مصلحة تعليم طريق العمل عند التعارض كليّة اقوى من مصلحة بيان الحكم الواقعى مع عدم ايجابه تفويت الواقع لعدم وجوب التكبير عنده فى الواقع الثالث أنّ الحكم بالتخيير يوجب الاغراء بالجهل من حيث قصد الوجوب فانّه اذا كان التكبير واجبا فى الواقع فمع الاخذ بالحديث الثانى يلزم الغاء قصد الوجوب فى الواجب واذا لم يكن واجبا فمع الاخذ بالاوّل يوجب قصد الوجوب فيما ليس بواجب والجواب ما افاده ايضا من كفاية قصد القربة فى العمل وعدم وجوب قصد الوجه الرابع انّ عدم وجوب قصد الوجه انّما يمنع لزوم القصد لا جوازه ولم

٣٥٧

يمنع عنه احد قطعا فمع الأخذ بالحديث الاوّل اذا قصد وجوب التكبير مع عدم وجوبه فى الواقع فقد قصد الخلاف وهو مبطل عند الاكثر وان لم يكن قصد الوجه واجبا عندهم فالحكم بالتخيير يوجب المحذور المذكور وهو اغراء بالجهل والجواب بعد النقض بقصد الوجوب فى مورد الامارات المجعولة حتّى فى حال الانفتاح مع احتمال ان تكون الامارة القائمة غير مطابقة الواقع انّ مع الأخذ بالحديث الاوّل اذا قصد الوجوب الواقعى فهو غير جائز قطعا الّا على وجه الرجاء والاحتمال واذا قصد الوجوب الظاهرى كما هو كذلك فى مورد الامارات فليس فيه اغراء بالجهل قوله (ثمّ انّ جماعة من الاصوليّين ذكروا فى باب التّراجيح الخ) فى المقام اشكالان أحدهما أنّ اتّفاق الاصحاب هنا على التخيير عند التّعارض وفقد المرجّح وجعلهم اصل البراءة مرجعا ينافى ذهاب المشهور فى مسئلة المقرّر والنّاقل الى كون مطابقة الاصل مرجّحا ومخالفته وهنا وحكمهم بوجوب اخذ ما يوافق الاصل معيّنا وطرح ما يخالفه من الخبرين فانّ القول بالتخيير لا يناسب القول بالتّعيين وثانيهما أنّ اتّفاقهم هنا على التخيير مط لا يجامع ذهاب المعظم او بعضهم فى مسئلة تعارض الاحوال الى وجوب تقديم الخبر المتضمّن للحظر اذا دار الامر بينه وبين الاباحة او الاستحباب ضرورة عدم اجتماع الاتّفاق على التخيير مط وحكم البعض بالتعيين ولو فى بعض المقامات ويمكن الجواب عنهما معا أوّلا بأنّ هذا فى المقامين من مذهب العامّة واراد اصحابنا هناك ابداء العنوان على طريقتهم وان لم يكن من معتقدهم فى شيء وثانيا بأنّ اتّفاقهم هنا انّما هو على التخيير الشرعى بمقتضى الاخبار الواردة وهناك فى التّخيير العقلى ومعلوم انّ العقل لا يحكم بالتّخيير مع رجحان احد الجانبين لقبح التسوية بين الراجح والمرجوح وظاهر انّ الموافق للاصل راجح على ما يخالفه والمتضمّن للخطر مقدّم على المتضمّن للاباحة او النّدب ذاتا فتعيّن لانّ العقل يلزم الاخذ بالاثقل فالأثقل مع عدم التّساوي وعن الأوّل خاصّة بانّ اتّفاقهم هنا انّما هو فى الكبرى اعنى التّخيير مع فقد المرجّح رأسا والنزاع هناك فى موضوع المرجّح بمعنى اختلافهم فى انّ موافقة الاصل هل هى من المرجّحات حتّى اذا وافقه احدهما خرج عن محلّ الكلام هنا او لا ويحكم بالتخيير مط فى صورة موافقة احدهما للاصل وعدمها فمن جعل مطابقة الاصل مرجّحا لم يحكم بالتخيير عند تعارض النصّين لفرض وجود المرجّح ومن لم يجعله مرجّحا يحكم بالتخيير لفرض التّعارض وفقد المرجّح وقد سبق بعض الكلام فى ذلك فى المتن فراجع.

قوله (وربما يظهر عن بعض المحقّقين) هو الوحيد البهبهانى قدس‌سره فى حاشية المدارك وغرضه من الحكومة والتفصيل ان كان هو الاحتياط فى صورة العلم بالمقدار سابقا وعروض النّسيان والبراءة فى غيرها كما هو ظاهر كلامه اوّلا فهو خارج عن مورد النّزاع وكلام الاصحاب ظاهرا فانّه لا اشكال فى الاحتياط وجريان قاعدة الاشتغال فى هذه الصّورة ومورد الكلام غيرها كما انّ النّزاع

٣٥٨

مبنىّ على كون القضاء بامر جديد قوله (وربما يؤجّه الحكم فيما نحن فيه بانّ الاصل الخ) والجواب عن هذا الوجه هو الجواب الثانى والثالث عن توجيه قاعدة الاشتغال فان قلت إنّ الجواب الثالث لا يكون نقضا على هذا الوجه فى المقام فانّ فى قضاء الولىّ عن الميّت لا يجرى اصالة عدم الاتيان لكونه مثبتا فانّ اصالة عدم الاتيان يثبت التكليف على الميّت ولاجل ثبوت التكليف عليه بالاصل يحكم بالوجوب على الولىّ مضافا الى انّ الاصل المذكور لا يجرى من رأس لانّ المكلّف باجرائه لا بدّ ان يكون هو نفس الشّاك لا غيره للاثبات عليه قلت إنّ المكلّف باتيان ما فات عن الميّت هو الولىّ فعدم اتيان الميّت بالصّلاة موضوع حكم الولىّ بالقضاء والشّاك فى تحقّق موضوع حكمه هو الولىّ ويجرى الاصل لترتّب الحكم الشرعى عليه من دون محذور اصلا قوله (فتوضيحه انّ القضاء وان كان بامر جديد الخ) فكما انّ تعدّد المطلوب يعنى اصل الصّلاة مطلوب وكونه فى الوقت مطلوب آخر من دون ان يكون تقييدا للامر الاوّل يمكن ان يدلّ عليه الامر الاوّل فكذلك يمكن ان يكون الدالّ عليه هو الامر الجديد ومع ظهوره فى هذه الدّلالة يكون مقتضى القاعدة الاشتغال ولا فرق ح بين القول بكون القضاء بامر جديد او بالامر الاوّل الّا فى الدالّ على مطلوبيّة الطّبيعة المطلقة المشتركة فى الوقت وخارجه قوله (وامّا ثانيا فلأنّ منع عموم ما دلّ على انّ الشّك الخ) وتوهّم انّ الدليل المذكور انّما يدلّ على عدم الاعتداد فى صورة الشّك والمقام انّما هو فى صورة العلم بالفوت فهذا علّة الانصراف مدفوع بانّ المفروض هو انحلال العلم الى الاقلّ المتيقّن والاكثر المشكوك وما وجه انصراف الدليل المذكور عن هذا المشكوك قوله (بناء على انّ ذلك طريق لتدارك ما فات الخ) وبناء على انّ قوله عليه‌السلام فيكون قد قضى بقدر علمه بمنزلة العلّة كما فى رواية ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) اخبرنى عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرتها كيف يصنع قال فليصلّ حتّى لا يدرى كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك وفيه انّ استظهار الطريقيّة مطلقا حتّى فى الفرائض والعليّة كذلك ممنوعة وذلك واضح وامّا دعوى الأولويّة فان اريد بها اولويّة مجرّد الاتيان بالاكثر فى الفرائض كما هو كذلك فى النّوافل فذلك حقّ لا محيص عنه ونحن لا ننكره لحسن الاحتياط مطلقا ولكنّ المشهور ذهبوا الى وجوب الاتيان بالاكثر وعليه فالاولويّة ممنوعة فانّ الحكم باستحباب الاتيان بالاكثر فى النافلة لا يوجب مشقّة بخلاف الحكم بوجوب الاتيان بالاكثر فى الفريضة.

قوله (فقد يقال فى محلّ الكلام بالإباحة ظاهرا) ويستدلّ له مضافا الى الاخبار المذكورة بالآيات ايضا كقوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فانّه كناية عن عدم العذاب قبل ابلاغ الحكم المنجّز على المكلّف وهو الحكم المعلوم بالصنف وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) فانّ الاتيان بالجنس المردّد بين المتناقضين لا يعدّ اتيانا للحكم المتعلّق بالمكلّف وبالاجماعات القائمة على اصل

٣٥٩

قاعدة البراءة وبحكم العقل بقبح المؤاخذة وليس العلم بجنس التكليف المردّد بين نوعى الوجوب والحرمة كالعلم بنوع التكليف المتعلّق بامر مردّد كما هو الحال فى الشبهة المحصورة وان اشتركا فى اصل العلم بالتكليف اجمالا لعدم اقتضاء العلم الاجمالى فيما نحن فيه تنجّز التكليف الواقعى على المكلّف لدوران الامر فى المعلوم هاهنا بين المتناقضين فلا تاثير لهذا العلم الاجمالى ولا دليل على حجيّة مطلق العلم فانّه مرآة لملاحظة حال الغير وحجيّة العلم وعدمها تابعة للزوم متابعة المعلوم وعدمه وظاهر انّ جنس التكليف المردّد بين المتناقضين لا يمكن امتثاله لدوران الامر بين المحذورين والتكليف الّذى بثبوته والعلم به لا مسرّح فيه لادلّة البراءة هو التكليف المنجّز الّذى يمكن امتثاله ويعاقب على تركه والعلم فى المقام لا يؤثّر فى ثبوت هذا النحو من التكليف اصلا قوله (ولا ينافى ذلك التديّن ح باباحته ظاهرا) ولا عجب فى ذلك فانّ الاحكام الظاهريّة كلّها من هذا القبيل لاختلاف موضوع الواقع مع موضوع الظاهر فيمكن جعل الشارع حكما فى الواقع وحكما منافيا له ولو تفصيلا فى مرحلة الظاهر كما فى مسئلة اقرار المرأة بالزوجيّة وانكار الزّوج حيث يحكم بعدم جواز ترويجها وعدم وجوب الانفاق عليه مع العلم بمخالفة احد الحكمين فى هذه الواقعة وفى مسئلة الماء المشتبه حيث يحكم بطهارة ملاقيه وعدم صحّة التوضّى منه مع عدم انفكاك الطّهارة عن صحّة الوضوء وعدمها عن النجاسة الى غير ذلك من الموارد ففيما نحن فيه إذا لم نعلم بخصوص نوع التكليف علما موجبا لتنجّز التكليف الواقعى كانت الاباحة بمقتضى ادلّة البراءة حكما ظاهريّا مجعولا فى مقابل الواقع فى مرحلة الظّاهر وان علم مخالفتها له لاختلاف الموضوع وعدم تنجّز الحكم الواقعى وهذا مع الاعتقاد بالحكم الواقعى على ما هو عليه فى الواقع بل وهكذا الامر فى دوران الامر بين الحرمة وغير الوجوب والوجوب وغير الحرمة فانّ البناء على البراءة فيهما انّما هو مع الالتزام بالحكم الواقعى اجمالا على ما هو عليه وان كان هو الوجوب او الحرمة او غيرهما قوله فانّه يمكن ان يقال انّ الوجه فى حكم الشارع الخ) اعلم انّ حكم الشارع بالتخيير بين الخبرين المتعارضين الجامعين لشرائط الحجيّة يحتمل فيه وجوه الأوّل ان يكون من جهة توافقهما على نفى الثالث بالدّلالة الالتزاميّة وعليه فالمناط هو وجوب الاخذ باحد الحكمين وان لم يكن على كلّ واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر كما فى المقام الثانى ان يكون من جهة التعبّد الظاهرى ووجود المصلحة الّتى لا يدركها عقولنا فى هذا الحكم وعليه فالحكم بالتخيير يختصّ بمورده الثالث ان يكون من جهة رعاية التكليف الشرعى فى المسألة الاصوليّة فانّه لمّا اوجب الشارع بدليل حجيّة الخبر الاخذ بكلّ واحد منهما ولم يمكن الأخذ بهما معا فلا بدّ من الاخذ باحدهما كما هو حكم العقل فى كلّ واجبين متزاحمين ويشير الى هذا الوجه بعض الاخبار

٣٦٠