تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

الكلّ على وجوده فيعرضه الوجوب الغيرى وان يلحظ من حيث انضمامه مع بقيّة الاجزاء بعنوان كونه جزء كسائر الاجزاء الّتى ليس الكلّ الّا عبارة عن مجموعها وليس المجموع الّا عين الكلّ فيعرضه الوجوب النّفسى وأمّا من حيث العدم فعدم الجزء ليس الّا عين عدم الكلّ الّذى يكون معروضا للوجوب النّفسى وامّا المقدّمة الخارجيّة فلا يمكن فيها ملاحظة العينيّة اصلا فانّها من حيث الوجود شيء خارج عن وجود ذى المقدّمة فلا يمكن ان يلحظ وجوبه الّا غيريّا ومن حيث العدم فهو مستلزم لعدم ذى المقدّمة وليس عينه وعلى هذا فيمكن ان يقال انّ العقاب على ترك الجزء ايضا من حيث الوجوب النّفسى لما عرفت من انّ ترك الجزء عين ترك الكلّ قوله (وامّا لو عمّمناه لمطلق الآثار الخ) اى من الجزئيّة وفساد الصّلاة ووجوب الاعادة وغيرها من الآثار المجعولة شرعا لكن سيأتى ما فى ذلك من انّ هذه الآثار ليست من الآثار المجعولة شرعا بل هى من العاديّة والعقليّة قوله (كافية فى المطلب حاكمة على ذلك الدّليل العقلى) التعبير بالحكومة مسامحة لانّها واردة عليه وليست حاكمة وسيوضحه آنفا قوله (وقد توهّم بعض المعاصرين) هو صاحب الفصول ره في مسئلة الصّحيح والأعمّ قوله امّا اصل العدم فهو الجارى عندهم فى غير الاحكام الخ) وهو قد يكون من باب الاستصحاب وقد يكون من باب الظّن والظهور وبناء العرف واهل اللّسان كاصالة عدم القرينة وغيرها من الاحكام اللفظيّة وامّا عدم الدّليل دليل على العدم فالمستند فيه قد يكون حصول القطع منه وقد يكون حصول الظّن بناء على حجيّة مطلق الظّن قوله (منعا واضحا ليس هنا محلّ ذكره فافهم) فانّ حجيّة الادلّة الظنّية ليست من حيث احتمال العقاب حتّى تكون اخبار البراءة رافعة له بل من حيث كشفها عن الواقع ظنّا ولو بالنّوع وادلّة اعتبارها انّما دلّت على اعتبارها بهذه الحيثيّة وهى امّا رافعة لموضوع الأصول بناء على انّ المراد من العلم فى غاياتها هو الاعمّ من العلم الشرعىّ والعادى وامّا حاكمة عليه بناء على انّ المراد من العلم المأخوذ فى ادلّة الأصول هو خصوص ما لا يحتمل الخلاف قوله (ومنها اصالة عدم وجوب الشيء المشكوك فى جزئيّته) فانّه لم يكن واجبا ولا جزء من شيء قبل جعل المركّب المعلوم اجمالا تعلّق الامر به فيستصحب عدم كونه جزء وعدم تعلّق الأمر به وفيه انّ المراد بنفى الحكم عن المشكوك امّا نفى الحكم التّكليفى اعنى استصحاب عدم اتّصافه بالوجوب وعدم تعلّق الامر به وامّا نفى الحكم الوضعى اعنى استصحاب عدم صيرورته جزء للمركّب فانّه لم يكن جزء قبل جعل سائر الاجزاء فيستصحب وعلى الاوّل فالمراد من نفى الحكم إمّا نفي الوجوب المدلول عليه بالوجوب المتعلّق بالكلّ ضمنا مع عدم ملاحظته الّا بلحاظ الكلّ فى تعلّق الامر به مثل الوجوب المتعلّق بالنّاطق المستفاد من قولنا إيتنى بانسان الّذى يستلزم نفيه نفى وجوب الكلّ لعدم انفكاكه عن الكلّ فى مقام الطّلب لعدم امكان تصوّر تعلّق الحكم بالكلّ الّا بعد تصوّر تعلّقه به فى ضمنه كما فى سائر

٤٢١

المدلولات التضمّنيّة ففيه انّ هذا يرجع الى اصالة عدم وجوب الاكثر وقد عرفت سابقا حالها من إنّه إن كان المقصود نفى اثر الوجوب الّذى هو استحقاق العقاب فعدم استحقاق العقاب ليس من آثار عدم الوجوب والحرمة الواقعيّين حتّى يحتاج الى احرازهما بالاستصحاب بل يكفى فيه عدم العلم بهما وان كان المقصود نفى الآثار المترتّبة على الوجوب النّفسى المستقلّ فاصالة عدم هذا الوجوب معارضة باصالة عدمه فى الاقلّ وان كان المقصود نفى مطلق الوجوب الاعمّ من النّفسى والغيرىّ فهى وان كانت سليمة عن معارضة عدم وجوب الاقلّ لكونه معلوما بالتّفصيل الّا انّها قليلة الفائدة مضافا إلى انّه يكفى فى اثبات ذلك مجرّد الشّك من غير حاجة الى ملاحظة الحالة السّابقة وامّا نفى الوجوب التّبعى الغيرىّ اعنى الطّلب الغيرىّ المتعلّق به من باب المقدّمة امّا بانشاء الشّارع او بحكم العقل ففيه أنّه لا يجرى الّا على القول بالمثبت وعلى الثانى وهو نفى الحكم الوضعىّ واصالة عدم جزئيّة الشّيء المشكوك فان اريد منها التوقّف والمقدميّة لا المعنى الوضعىّ المعروف ففيه أنّ استصحاب عدم وجود الجزئيّة فى زمان عدم وجود جزء وكلّ لا ينفع فى اثبات عدمه بعد جعل الكلّ لوضوح انّ عدم الوصف باعتبار عدم الموصوف لا مورد لاستصحابه بعد وجود الموصوف وهذا هو مراد المصنّف من قوله ان جزئيّة الشّيء المشكوك كالسّورة للمركّب الواقعى وعدمها ليست امرا حادثا مسبوقا بالعدم وان أريد منها اصالة عدم صيرورة السّورة جزء للمركّب المأمور به ومرجعها الى اصالة عدم الأمر بما يكون هذا جزء منه ويكون المراد حينئذ من الجزئيّة المستصحب عدمها هو الحكم الوضعىّ المعروف ففيه أوّلا ان الجزئيّة كالكليّة والسببيّة ليست قابلة للجعل الشرعىّ ولا تصلح لان يتعلّق بها الانشاء ولو صحّ جعلها لكانت تابعة له وجودا وعدما كالوجوب والحرمة حيث انّهما يتبعان الجعل كذلك ويمتنع التبعيّة فى هذه الامور فانّه لو امرنا الشّارع بمركّب لا يصحّ منه المنع عن جزئيّة اجزائه للزوم التّناقض فانّ طلب الصّلاة مع السّورة يناقض قوله ليست السّورة جزء ولو لم يطلب المركّب ولم يأمر بايجاده فليس له القول بكون السّورة جزءا وثانيا أنّها من المثبت فانّ عدم جزئيّة المشكوك ليس اثره شرعا كون الواجب هو الاقلّ فانّه من المقارنات الاتّفاقيّة وان أريد منها اصالة عدم ملاحظة هذا المشكوك عند تصوّر الماهيّة بمعنى عدم دخله فى المركّب عند اختراعه الّذى هو عبارة عن ملاحظة عدّة اجزاء غير مرتبطة فى نفسها شيئا واحدا ومرجعها الى اصالة عدم ملاحظة هذا المشكوك مع المركّب شيئا واحدا ففيه أنّ اثبات كون الواجب هو الاقلّ بهذا الاصل مثبت مضافا الى انّ مجرّد الملاحظة المعلومة بالنّسبة الى بقيّة الاجزاء لا ينفع بل لا بدّ من ملاحظة غير المشكوك من تلك الاجزاء المعلومة شيئا واحدا وعليه فعدم ملاحظة الجزء المشكوك مع سائر الاجزاء المعلومة معارض باصالة عدم ملاحظة التّركيب واعتبار الوحدة فى سائر الأجزاء ومن هنا يندفع ما اورده المصنّف فى توجيه جريان

٤٢٢

الاصل بالمعنى الاخير من انّ تعيّن الماهيّة فى الاقلّ يحتاج الى جنس وجودىّ وهى الاجزاء المعلومة وفصل عدمىّ وهو عدم جزئيّة غيرها وعدم ملاحظته معها والجنس موجود بالفرض والفصل ثابت بالأصل وهذا بخلاف تعيّنها فى الاكثر فانّه يحتاج الى جنس وجودىّ وفصل وجودىّ ايضا والسّر فى ذلك انّ القلّة والكثرة من الامور الإضافيّة واقليّة الاقلّ ليست باعتبار اشتماله على اجزائه لوضوح انّه بهذا الاعتبار لا يوصف بكونه اقلّ بل انّما هى باعتبار عدم اشتماله على ما يشتمل عليه الاكثر وامّا اكثريّة الاكثر فهى باعتبار اشتماله على ما لا يشتمل عليه الاقلّ منه وبالجملة ليس المراد من هذا الاصل الّا احراز احد جزئى المركّب المحرز جزئه الآخر بالوجدان الترتيب ما هو الأثر الشرعىّ للمركّب فان الاقلّ ليس الّا لحاظ الاجزاء المعلومة وعدم لحاظ الجزء المشكوك فاثبات الاقلّ باحراز احد جزئيه بالاصل ليس من المثبت وجه الدّفع انّ تعيّن الماهيّة فى المقام وهو الشّك فى الاقلّ والاكثر الارتباطيّين فى احدهما ليس بمجرّد ملاحظة المشكوك فى الاكثر وعدم ملاحظته فى الاقلّ حتّى يجرى فيه ما هو المقرّر عندهم من الحكم ببقاء المركّب المحرز احد جزئيه بالوجدان والأخر بالاصل بل يحتاج التعيّن فى احدهما مضافا الى تلك الملاحظة وعدمها الى اعتبار الملحوظ على كلّ من التّقديرين شيئا واحدا فانّ المركّبات الاعتباريّة ليس جعلها واختراعها الّا جعل امور لا ارتباط بينها ظاهرا شيئا واحدا سواء كان الجاعل شارعا او غيره وعلى هذا فليس الفصل فى كلّ من الاقلّ والاكثر الّا وجوديّا قوله (ومنه يظهر عدم جواز التّمسك باصالة عدم التفات الأمر) والفرق بين هذا الوجه وسابقه انّه كان راجعا الى عدم وقوع المشكوك ملحوظا فكان للمشكوك فيه دخل بخلاف هذا الاصل فانّه ملحوظ بلحاظ حال الأمر والجاعل قوله (لحصول الالتفات فيه قطعا فتامّل) لعلّه اشارة الى انّ الحاصل قطعا فى الفرض هو الالتفات فى الجملة ولا ينافى ذلك نفى الالتفات الخاصّ وهو الالتفات بعنوان الوجوب ويمكن ان يكون اشارة الى المناقشة فى جميع ما تقدّم من دفع الوجوه المذكورة للتمسّك باصالة عدم الجزئيّة كدعوى عدم المثبتيّة بكون الواسطة خفيّة ومن الاصول الّتى ربما يتمسّك بها فى المقام هو استصحاب عدم البيان بتقريب انّه لا ريب فى حجيّة قاعدة عدم البيان للمشافهين وجواز بنائهم على البراءة عن المشكوك لقبح التكليف من غير بيان مع اقتضاء المقام له فانّ التّكليف من غير بيان يمكن القول به عند الاجمال الطارى لاحتمال ان يكون الشّارع قد بيّنه واختفى علينا بواسطة العوارض بخلافه اذا كان الاجمال ذاتيّا وعلى اىّ حال فقبح التّكليف من غير بيان بالنّسبة الى الحاضرين فى زمن الخطاب اوضح من قبحه بالنّسبة الينا فيستصحب عدم البيان بالنّسبة الى المشافهين وبه يثبت عدم وجوب الاكثر فى حقّهم ثمّ يثبت لنا بقاعدة التّشريك جواز الرّجوع الى البراءة وفيه انّ هذا اشبه شيء بالأكل من القفا لعدم اولويّة ذلك الزّمان من حيث جواز الرّجوع الى البراءة بالنّسبة الى زماننا هذا لاتّحاد المناط فلا حاجة الى الاستصحاب لأنّ

٤٢٣

مناط جواز رجوع الحاضرين الى اصالة البراءة إمّا لزوم الإغراء بالجهل عند عدم بيان الاكثر مع ارادته واقعا ففيه المنع من ذلك مع وجود طريق موصل الى الواقع وهو الاحتياط أو تأخير البيان عن وقت الحاجة فقبحه ايضا ممنوع مع التمكّن من الاحتياط واحتمال وجود مصلحة مقتضية لترك البيان او مجرّد قبح التّكليف من غير بيان بمعنى المؤاخذة على ترك ما لم يعلم وجوبه من غير تقصير بحيث يكون هو العلّة التامّة فى البناء على البراءة عقلا فهو ايضا يجرى بالنّسبة الى الطّائفتين وبالجملة لا فرق فى التّمسك بالبراءة على فرض تماميّتها بين الزّمانين حتّى يحتاج الى التّمسك بالاستصحاب فى حقّهم ثمّ التّكلّف فى اثباتها بقاعدة التّشريك.

قوله (والاجمال قد يكون فى المعنى العرفى) الاشتباه فى هذه المسألة قد يكون فى الموضوعات اللغويّة والعرفيّة بان يكون الإجمال فى معنى اللّفظ الّذى تعلّق به الحكم من حيث معناه اللغوىّ او العرفىّ الّذى لا تصرّف فيه للشّارع الّا من حيث حكمه كما فى الامر المتعلّق بغسل ظاهر البدن لتحصيل الغسل الواجب مع الشّك فى شموله لبعض الاجزاء لتردّده بين كونه من الظّاهر او الباطن كباطن الأذن وبعض الأنف ومثل الامر المتعلّق بغسل الوجه المردّد بين شموله لا على الصّدغين او ما دار به الابهام والوسطى والامر بتخليل الشّعر الكثيف والامر المتعلّق بغسل الايدى مع المرافق ومسح الكعبين الى غير ذلك من موارد وقوع الاجمال فى الفاظ المعاملات بالمعنى الاعمّ فانّها وان كانت موضوعة للاعمّ لعدم الخلاف فى وضعها كذلك الّا انّها قد يتّفق الاجمال فيها ولو بالنّسبة الى بعض الأفراد النّادرة وقد يكون فى الماهيّات الشرعيّة المخترعة من الشّارع بان يكون الاجمال فى اللّفظ المستعمل فى المعنى الشّرعى امّا حقيقة بناء على ثبوت الحقيقة الشرعيّة او مجازا بنا على عدم ثبوتها كالاوامر المتعلّقة فى الكتاب والسنّة بالصّلاة والصّوم ونحوهما بناء على ارادة المعنى الصّحيح الجامع لجميع الاجزاء والشّرائط الواقعيّة لا يقال لزوم الاجمال فى المعنى الشرعىّ لا يكون مختصّا بثبوت الحقيقة الشرعيّة وكون الالفاظ موضوعة عند الشّارع للماهيّة الصّحيحة بل كما اشرتم اليه يكون مبنيّا على استعمال الشّارع فى الصّحيح ولو مجازا وقد قيّد المصنّف لزوم الاجمال فى المتن بالبناء على كون الالفاظ موضوعة للماهيّة الصّحيحة فانّه يقال الظّاهر انّ غرض المصنّف ره هو بيان مورد الاجمال فى المعنى الشرعىّ فى الجملة لا تخصيصه بما ذكره فلا ينافى ذلك لزوم الاجمال الشّرعى ايضا فى استعمال الشّارع فى الصّحيح مجازا مضافا الى امكان ان يكون غرضه من الوضع هو الاعمّ من الوضع النوعىّ حتّى يشمل المجازات بناء على ما هو المشهور من ثبوته فيها ثمّ انّ الكلام في هذه المسألة هو ما تقدّم فى المسألة السّابقة ومختار المصنّف ره فيهما هو البراءة وما يوهم الفرق أمران الاوّل انّ المقام المتقدّم لمّا لم يكن النّص موجودا فيه فلم يعلم كيفيّة الخطاب فيه فيحتمل كونه تدريجيّا بحيث يكون الامر بالمركّب منحلّا الى تكليفات واوامر متعدّدة بتعدّد الاجزاء والشّرائط بحيث كان كلّ

٤٢٤

خطاب مستقلّا فى كونه خطابا وتكليفا كما لو قال الشّارع مثلا قم فاغسل وجهك ويديك وامسح برأسك ورجليك وتوجّه الى القبلة ثمّ كبّر واقرأ الحمد واركع واسجد وتشهّد الى غير ذلك من خطابات عديدة تعلّق كلّ منها بجزء من اجزاء المركّب فلو شكّ مثلا فى وجوب السّورة صحّ الرّجوع فيها الى البراءة بحكم العقل والنّقل بقبح المؤاخذة على ترك المشكوك وهذا بخلاف المقام فانّ الخطاب امر واحد معلوم ولو اجمالا فالعلم بمسمّى الصّلاة الصّحيحة مثلا يكفى فى تنجّز الخطاب واذا تعلّق الامر بالصّلاة وجب الاتيان بجميع ما يحتمل كونه من مقوّمات مدلول لفظ الصّلاة حتّى يحصل القطع بفراغ الذّمة عن التّكليف المعلوم المتعلّق بالمجموع وقد أجاب المصنّف عنه بانّ المدار فى لزوم الاحتياط عدم جريان البراءة فى واحد معيّن من المحتملين لمعارضته بجريانها فى المحتمل الآخر فيخرج المسألة عن مورد البراءة ويجب الاحتياط فيها لاجل تردّد الواجب المستحقّ على تركه العقاب بين امرين لا معيّن لاحدهما وهذا غير جار فى المجمل المردّد بين الاقلّ والاكثر لانّ المتيقّن من مدلول هذا الخطاب وجوب الاقلّ المردّد بين النّفسى والغيرىّ فلا محيص عن الاتيان به لاستلزام تركه العقاب قطعا وامّا وجوب الاكثر فلم يعلم من هذا الخطاب ويكون مشكوكا ويجرى فيه ما تقدّم من حكم العقل والنّقل بالبراءة فانّ المدار فى تنجّز التّكليف على العلم ولا يجب الاتيان الّا بالقدر المعلوم من غير فرق بين حصول العلم من اللّفظ او غيره الثّاني انّ التّكليف المعلوم تفصيلا قد تعلّق بمفهوم المراد من اللّفظ المجمل فاذا قال مثلا أقم الصّلاة فقد حصل العلم بالتّكليف وبمتعلّقه وهو عنوان الصّلاة ومفهوم المراد منها الّذى ينطبق عليه هذا اللّفظ وحصل العلم بانّ مطلوب الشّارع الاتيان بما يكون مرادا من هذا اللّفظ فيجب الإتيان بجميع ما يحتمل كونه من مقوّمات المراد منها حتّى يحصل البراءة اليقينيّة عن التّكليف المعلوم المنجّز ويقطع بايجاد مسمّى الصّلاة الصّحيحة الّتى علم تعلّق الحكم الوجوبى بها وبالجملة انّ امر الشّارع قد تعلّق بما ينطبق عليه لفظ الصّلاة وهو مفهومها ومدلولها المراد منها وهو الصّلاة الواقعيّة الصّحيحة المقصودة منها فهو من التّكليف بالمفهوم المبيّن المشتبه مصداقه بين الاقلّ والاكثر فيجب الاحتياط فيه والاتيان بجميع محتملاته ومقوّماته للقطع بتحصيل المفهوم المبيّن المطلوب وان شئت قلت انّ هذا من قبيل الشّبهة الموضوعيّة فاذا قال مثلا صلّ الى القبلة الواقعيّة وعلمنا بهذا الخطاب واشتبه علينا مصداق القبلة وجب الاحتياط قطعا وكذلك فيما نحن فيه يجب ذلك ومع تركه توجّه استحقاق العقاب لعدم ما يوجب الاشتباه فى الطّلب من جانب الأمر وهذا هو الّذي سيجيء من تمسّك القائل بوضع الالفاظ للصّحيحة وهو انّه اذا كان اللّفظ فى العبادات موضوعا للصّحيح والصّحيح مردّد مصداقه بين الاقلّ والاكثر وجب الاحتياط وقد أجاب عنه بتوضيح منّا انّ هذا خلط بين المفهوم والمصداق فانّ للالفاظ بالنّسبة الى معاينها جهتين الاولى كونها طرقا الى مدلولاتها وحاكيات عنها والثانية كون المعنى المصداقى مطابقا لما علمنا بصدق اللّفظ عليه فإذا وقع

٤٢٥

الاشتباه من الحيثيّة الاولى ودار الامر بين الاقلّ والاكثر كان المرجع بالنّسبة الى الاكثر هو البراءة ولا فرق فى ذلك بين ما كان الاشتباه حاصلا من اللّفظ او من غيره لانّ المدار فى تنجّز التّكليف واستحقاق العقاب بتركه وعدمه على العلم به وعدمه سواء كان الطّريق لفظا او غيره غاية الامر كون الطّريق فى المخاطبات الى العلم بالتّكليف هو اللّفظ لكن انّما يجب متابعة الخطاب اللّفظى بمقدار ما يستفاد منه ويكون طريقا بنحو العلم او ما هو بمنزلته امّا الزائد عليه فلا لانّا لم نكلّف بالواقع من حيث هو بل بمؤدّى الأمارات بحسب ما يستفاد منها انّه الواقع لا انّ الالفاظ موضوعة للمعانى المعلومة او منصرفة اليها بل لقبح التّكليف من غير بيان وعدم نصب ما يصلح طريقا إليه فما علمنا من اللّفظ انّه مطلوب للشّارع وجب الاتيان به تفصيلا او بنحو الاحتياط لو اشتبه مصداقه وامّا ما لا يعلم دلالة اللّفظ عليه ولم يظنّ كونه مفهوما من اللّفظ فهو من الشّك البدوىّ من حيث الموضوع المستنبط ويرجع فيه الى اصالة البراءة بحكم العقل والنّقل فانّ حال اللّفظ من حيث كونه طريقا الى مفهومه ودليلا على مدلوله كحال سائر الطّرق المجعولة لاستنباط الاحكام والطّرق المنجعلة لذلك ممّا يوجب العلم كالاجماع مثلا فكما كان التّكليف فى مقام فقدان النّص رأسا دائرا مدار العلم وفى الزّائد يرجع الى الاصل فكذلك فى المقام لان الزّائد عمّا علم صدق اللّفظ عليه بمنزلة ما لا يكون نصّ عليه رأسا والغاية انّ سبب العلم بوجوب الاقلّ فى المقام المتقدّم هو الاجماع ونحوه وفى المقام هو اللّفظ واذا وقع الاشتباه من الحيثيّة الاخرى بان علم صدق اللّفظ على شيء ووقع الاشتباه فى مصاديق ذلك الشّيء من الموضوعات الخارجيّة وجب الاحتياط وان دار الامر بين الاقلّ والاكثر كما سيجيء لانّ ما من شأن الشّارع هو بيان الموضوع مع الحكم الكلّى واذا تحقّقا تنجّز التّكليف فان كان متعلّقه معلوما بالتفصيل فهو والّا يجب الاحتياط حتّى يقطع بالخروج عن عهدة التّكليف المنجّز اليقينىّ ومعلوم ان هذا فى الألفاظ بعد احراز جهة طريقيّتها فما علم كونه مصداقا للمراد من اللّفظ وجب الاتيان به بالتفصيل او بالاجمال والمتوهّم خلط بين الحيثيّتين والكلام فى الاولى لا فى الثّانية وبالجملة الكلام فيما امرنا بالصّلاة ولم نعلم انّها مع السّورة او بدونها والمشتبه هو الموضوع الكلّى المستنبط وهذا نظير ما لو امرنا مثلا بالصّلاة الى القبلة الواقعيّة ولم نعلم انّها خصوص عين الكعبة او جهتها للمتمكّن من عينها وكذا لو شكّ فى كلّ موضوع مستنبط وكلام المتوهّم انّما يتمّ فيما اذا امرنا بالصّلاة وحصل لنا العلم بانّها مع السّورة مثلا ثمّ اشتبه الامر فى مصداق من مصاديق هذا المفهوم الكلّى المبيّن كما لو كانت السّورة فاقدة للبسملة او اتى العبد بواحدة من سورة والضّحى او الفيل وهو متردّد فى صدق السّورة الواجبة على المأتيّ به وعدمه فانّ الحكم فى ذلك لزوم الاحتياط فقول المتوهّم انّه تنجّز التّكليف بمراد الشّارع من اللّفظ مغالطة لمنع ثبوت التّكليف بالنّسبة

٤٢٦

الى ما هو المراد من الصّلاة وما هو صلاة فى الواقع بل المكلّف به كما اشرنا اليه هو ما حصل العلم به للمكلّف لا ما تعلّق به الحكم فى الواقع ثمّ إنّك قد عرفت فى المسألة الاولى انّ الانصاف عدم جريان البراءة العقليّة فى الاقلّ والاكثر الارتباطيّين لمكان العلم الاجمالى قوله (والحاصل انّ مناط وجوب الاحتياط) الظّاهر من هذه العبارة كون المناط عنده فى وجوب الاحتياط فى مورد العلم الاجمالى تعارض الأصلين وتساقطهما والرّجوع الى اصالة الاحتياط فاخبار البراءة شاملة للعلم الاجمالى الّا انّ مقتضى التامّل فيها كون المناط عنده عدم شمولها لكلّ من المشتبهين من جهة عدم المعيّن وعدم المرجّح للحكم بشمولها لأحدهما وشمولها لكليهما مستلزم لطرح الحكم الواقعى المعلوم قوله (من غير فرق فى ذلك بين وجود خطاب) فانّ المناط المذكور للحكم بوجوب الاحتياط وعدمه لا يرتفع بوجود خطاب تفصيلىّ ام خطاب مردّد كما لا فرق فى وجوب الاحتياط فى المتباينين بين تفصيل الخطاب وتردّده بين خطابين يكون متعلّق كلّ منهما على تقدير ثبوته غير متعلّق الأخر قوله (قلت التّكليف ليس متعلّقا بمفهوم المراد من اللّفظ) حاصله انّ الموضوع له الّذى تعلّق به التّكليف هو احد المصداقين المعلوم اجمالا والتعبير بذلك العنوان العامّ تعبير بما يصدق على الموضوع له فاذا كان الموضوع له فى الواقع هو الاقلّ يصدق عليه جميع العناوين من المراد والصّحيح والجامع لجميع الاجزاء الواقعيّة وكذا اذا كان الموضوع له هو الاكثر فاتّصاف الموضوع له بكونه المراد او الجامع لجميع الاجزاء الواقعيّة انّما هو بعد الوضع فنفس متعلّق التّكليف مردّد بين الاقلّ والاكثر للشكّ فى انّ الموضوع له ايّهما والمعترض توهّم انّ متعلّق التّكليف هو المفهوم المبيّن وهو المراد مثلا والشّك فى تحقّق المكلّف به بالإتيان بالاقلّ وقد اوضحنا فساد هذا التوهّم قوله (ونظير هذا التوهّم انّه اذا كان اللّفظ فى العبادات الخ) قد وقع الخلط بين وضع الفاظ العبادات للمفهوم والمصداق فى مواضع منها ما عرفت من الاستدلال على وجوب الاحتياط فى المقام ومنها ما قيل ايضا من انّ اللّفظ فى العبادات اذا كان موضوعا للصّحيح او كان مرادا منه مجازا كان الموضوع له او المراد هو مفهوم الصّحيح اى الماهيّة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط فمع الشّك فى الاقلّ والاكثر متعلّق التّكليف مفهوم مبيّن وانّما الشّك فى مصداقه ولذا فرّعوا على القول بوضع الالفاظ للصّحيح الرّجوع الى اصالة الاشتغال فى مورد دوران الأمر بين الاقل والاكثر وعدم جواز الرّجوع الى البراءة وذكروا انّ الثّمرة بين الصّحيح والاعمّ هى لزوم الاحتياط على الاوّل دون الثّانى ويندفع اوّلا بانّ الموضوع له على قول الصّحيحى ليس هو ذلك المفهوم المبيّن بل مصداقه المردّد بين الاقلّ والاكثر والّا لزم ترادف لفظ الصّلاة مثلا ولفظ الصّحيح بل ترادف جميع الفاظ العبادات مع لفظه وعدم اجمال فيه كعدمه فى لفظ الصّحيح وثانيا بأنّ تفريع الثّمرة المذكورة وهى وجوب الاحتياط عند الشّك فى ماهيّة العبادات على القول بوضع الفاظها للصّحيح ان أريد من الكلّ حتّى ممّن يقول بالبراءة عند اجمال النّص ودوران

٤٢٧

العبادة بين الاقلّ والاكثر ففساده واضح وان أريد من القائلين بالاشتغال عند اجمال النّص ففيه انّه لا يدلّ على كون الموضوع له عندهم مفهوما مبيّنا كما هو المدّعى مضافا الى انّ هذا شيء ذكره الوحيد البهبهانى فى فوائده وتبعه جماعة وما ذكره محمول كما افاده المصنّف على انّ مختاره لمّا كان هو الاحتياط فى ماهيّات العبادات المردّدة اراد تاييده بانّ القول بوضع الالفاظ للصّحيح ينفع القائل بالاحتياط لا انّ على القول به لا بدّ من الاشتغال كيف والمشهور مع قولهم بوضع الالفاظ للصّحيح ذهبوا الى اصالة البراءة عند الشّك فى الجزئيّة والشرطيّة وهذا الحمل وان كان بعيدا عن ظاهر كلامهم الّا انّه لا مناص عنه وثالثا أنّ التّحقيق عدم ترتّب الثّمرة المذكورة على القولين رأسا نعم الاجمال لازم القول بالصّحيح دون الاعمّ لامكان البيان عليه كما ستقف على شرحه ومنها ما ستقف عليه ايضا من توهّم وجوب الاحتياط على الاعمّ لانّ الفاسد لمّا لا يمكن ان يكون مأمورا به ضرورة انّه ما خالف المأمور به فقد ثبت تقييد الصّلاة مثلا دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لجميع الاجزاء والشّك فى جزئيّة شيء راجع الى الشّك فى تحقّق العنوان المقيّد المأمور به فوجب الاحتياط لاحراز العنوان المقيّد وفيه انّ الصّلاة لم تقيّد بمفهوم الصّحيحة وهو الجامع لجميع الاجزاء بل بما علم من الادلّة الخارجيّة اعتباره فالعلم بعدم ارادة الفاسدة يراد به العلم بعدم ارادة هذه المصاديق الفاقدة لما ثبت التّقييد به لا انّ مفهوم الفاسدة خرج عن المطلق وبقى مفهوم الصّحيحة حتّى يجب الاحتياط.

قوله (وقد ذكر موانع أخر لسقوط اطلاقات العبادات) منها عدم انصرافها الى بعض الافراد وبعبارة اخرى انتفاء القدر المتيقّن فى مقام التخاطب بحيث لو القى هذا الكلام الى من ليس عنده شواهد خارجيّة فهم منه التّساوى بين الافراد وانّ نسبة الكلام اليها على السّواء كما لو قال المولى اكرم العالم وفهم العبد وجوب اكرام العالم النّحوى والصّرفى والاصولى على حدّ سواء ولو سبق الى ذهنه ثبوت الحكم لخصوص فرد بشواهد خارجيّة فهو غير مضرّ بالاطلاق فانّ الحجّة هو ما يظهر من خطابه بما له من الظّهور ولو سبق الى ذهنه خصوص فرد متيقّنا من ظاهر كلامه لغلبة وجوده او لكثرة الاستعمال بحيث يوجب الانصراف وظهور اللّفظ فيه فهو مضرّ بالاطلاق ومنها عدم تطرّق التقييد فيها بما يوجب الوهن فى الاطلاق ومنها عدم اقترانها بما يصلح ان يكون مقيّدا لها ومنها عدم تقييدها بقيد مجمل ومنها عدم ورودها لبيان حكم آخر الى غير ذلك من الشّرائط المذكورة فى محلّها للتمسّك بالإطلاق.

قوله (ومنه ما اذا وجب صوم شهر هلالى الخ) وذلك اذا تعلّق الوجوب بالشّهر على وجه الاجتماع بحيث اذا اخلّ بيوم منه لم يكن ممتثلا للواجب وهذا الفرض لم يكن فى الشّريعة الّا اذا اوجبه المكلّف على نفسه بالنّذر والوجه فى اختصاص مفروض المسألة بهذا القسم واضح فانّ فى غيره ينحلّ زمان الصّوم الواجب وهو الشّهر الى الاقلّ والاكثر الاستقلاليّين قوله

٤٢٨

(ومثل ما لو امر بالطّهور لأجل الصّلاة) قد عرفت فيما تقدّم انّ الشّبهة الحكميّة ما كان الاشتباه فى المسألة فى الحكم الكلّى اى فيما صدر عن الشّارع والشّبهة الموضوعيّة ما كان الاشتباه فيها مستند الى الامور الخارجيّة والمثال ليس من هذا القبيل لانّه بناء على انّ المأمور به وما هو المقدّمة للصّلاة عنوان الطّهور اعنى الفعل الرّافع للحدث او المبيح للصّلاة وان صار الواجب مفهوما مبيّنا الّا انّ الشّك فى حصوله فى الخارج للشكّ فى جزئيّة شيء للوضوء او الغسل ليس مستندا الى الاشتباه فى الأمور الخارجيّة وبعبارة اخرى ليس شكّا فى الحكم الجزئى الّذى هو مناط الاشتباه فى الشّبهة الموضوعيّة بل كان شكّا فى الحكم الكلّى ومنشائه عدم العلم بما جعله الشّارع مصداقا للطّهور فنحن وان سلّمنا انّ الشّك فى المصداق الشّرعى لما هو مفهوم مبيّن يجب فيه الاحتياط لكنّه ليس من الشّبهة الموضوعيّة وينبغى التنبيه على امرين الاوّل اذا كان الطّهور اسما للوضوء والغسل والتيمّم فلا اشكال فى انّ صورة الشّك فى جزئيّة شيء لها يكون من المسألة الثّانية وهى كون الواجب مفهوما مجملا واذا كان المراد منه الاثر الشرعىّ الحاصل من الأفعال الثلاثة اعنى النّظافة المعنويّة الموجبة لاباحة الصّلاة وتكون الأفعال اسبابا ومحصّلات لها كما هو الظّاهر فلا اشكال فى وجوب الاحتياط وتوهّم جريان اصالة البراءة نظرا الى انّ الشّك فى حصول الطّهور مسبّب عن الشّك فى جزئيّة الشّيء الفلانى للوضوء وعدم المعرفة بتمام ماهيّته ودورانه بين الاقلّ والاكثر ومع جريان البراءة وتعيين ماهيّة الوضوء فى الاقلّ بحكم الاصل ارتفع الشّك ظاهرا عن حصول الطّهور فاسد لأنّ المفروض كون الوجوب متعلّقا بعنوان الطّهور لا بالوضوء واذا كان المراد منه الفعل الرّافع للحدث كما هو صريح المتن فى المقام ففى الحكم بالبراءة او الاحتياط اشكال من انّه يكون مفهوما مبيّنا مشكوك المصداق ومن انّه ليس لهذا المفهوم وجود آخر غير وجود الوضوء فتامّل الثّانى انّ ما ذكره المصنّف مثالا فى المسألة الثّانية من الشّك فى كون الجزء الفلانى كباطن الاذن او عكرة البطن من الظّاهر او الباطن مع وجوب غسل ظاهر البدن فى الغسل مبنىّ على كون الواجب هو نفس عناوين الوضوء والغسل وما ذكره هنا مبنىّ على كون الواجب عنوان الطّهور فلا تنافى بين المثالين.

قوله (وامّا القسم الثّانى وهو الشّك فى كون الشّيء قيدا للمامور به) اعلم انّ هنا امورا ثلاثة الاوّل ان يكون الشّرط منتزعا ممّا امر به فى الخارج فمنشأ انتزاع الشرطيّة امر مباين للمشروط فى الوجود كالطّهارة فى الصّلاة الثّاني ان يكون المنشأ امرا متّحدا مع المشروط فى الوجود كالايمان فى الرّقبة وتردّد الامر بين تعلّق الحكم بمطلق الرّقبة وذكر الايمان فى دليل التّقييد من باب الافضليّة او من باب ذكر احد الافراد او تعلّقه بخصوص المؤمنة فلا يجزى عتق الكافرة الثّالث أن يكون من قبيل الجنس والنّوع بان يكون متعلّق التكليف او موضوعه مردّدا بينهما كالحيوان والإنسان او مردّدا بين الكلّى والفرد كالإنسان وزيد واهمل المصنّف ذكر القسم الثالث لانّه على التّحقيق ملحق بالقسم الثّانى والكلام في انّ الامر فى هذه الاقسام كدوران الامر بين

٤٢٩

الاقلّ والاكثر فى الانحلال الّذى توهّم فيه لو سلّم ذلك او يكون الامر فيها هو الاحتياط ولو قلنا بالانحلال فى الاقلّ والأكثر فقد يقال انّ اللّازم فى المقام هو الاحتياط فانّ فى الاقلّ والاكثر يمكن ان يقال بوجوب الاقلّ لكونه مقدّمة لوجود المركّب حيث انّه وجود يتوقّف على وجود اجزائه بخلاف المقام باقسامه فانّ المطلق امّا ان يوجد فى ضمن ما هو المطلوب فهو عين المطلوب وامّا ان يوجد فى غيره فهو غيره ومباين له ولم يأت بما هو مأمور به أصلا والسّر فى ذلك ما ذكروه فى باب المقدّمة من انّ الّذى يتّصف بالوجوب الغيرى او العرضى هو المقدّمات الوجوديّة بان يكون وجود ووجود يتوقّف على وجوده وامّا غيره من الاجزاء الذهنيّة فهو لا يتّصف باحدهما فكيف يمكن دعوى الانحلال فى المقام فالفرق هو انّ فى الاقلّ والاكثر يمكن ان يقال بكون الاقلّ متيقّنا وجوبه على كلّ حال وقابلا لأن يتألّف منه المركّب لو لم يمنع مانع عن ايتلافه ولو حصل المانع كان مانعا عن ايتلافه لا عن جزئيّة الاقلّ فانّ الاقل ليس الّا نفس الرّكوع والسّجود وغيرهما وهذا بخلاف المقام فانّه لا يأتلف المركّب من الفاقد للشّرط بعد وجوده ومن هنا يظهر الكلام ايضا فى العامّ والخاصّ المنطقى وهو الجنس والنّوع فانّ المطلوب لو كان هو العامّ فيكفى فى امتثاله الاتيان بكلّ فرد من افراده فانّ الطّبيعى عين اشخاصه بخلاف ما لو كان المطلوب هو الخاصّ فانّ الاتيان بخاصّ آخر مباين للمأمور به وان كان من مصاديق العامّ فإن قلت إنّ الكلام فى المقامين انّما هو فى الارتباطى وفى الشّك فى الجزئيّة مع الاتيان بالاقلّ دون الاكثر يقال ايضا انّه لو كان المطلوب هو الاكثر يكون الاقلّ مباينا له فلا فرق بينهما فانّه ان كان هو مبانية الموجود للمطلوب فهى حاصلة فى المقامين وان كان هو الانحلال والعلم التفصيلىّ باحد الطّرفين فهو ايضا حاصل فى كليهما قلت منشأ الاشتباه هو عدم الالتفات الى معنى الارتباطى وبيانه انّ ارتباط الاكثر بالاقلّ ليس بمعنى اشتراطه به حتّى يتّحد مع المقام بل هو بمعنى كون الامر بالمركّب لمصلحة قائمة بالكلّ بحيث لو اخلّ بجزء لم يأت بالمأمور به اصلا فى مقابل الاستقلاليّ حيث انّ كلّ درهم دين وفيه مصلحة خاصّة وتكليف خاصّ غير ما هو ثابت فى الأخر فلو ادّى درهما من دينه ولم يات بالبقيّة فقد استوفى مصلحته وفرغت ذمّته بمقداره بخلاف الاكثر الارتباطي حيث انّ الدّاعى على الامر به ليس الّا غرض واحد قائم بالمجموع وليس هناك الّا تكليف واحد متعلّق به وعلى هذا فيمكن ان يقال اذا شكّ فى جزئيّة شيء لهذا المركّب يكون الاقلّ معلوما وجوبه بالتفصيل والاكثر مشكوك بالشكّ البدوىّ فانّ المركّب ليس الّا عين اجزائه ولو كان بعض الاجزاء معلوم الوجوب على كلّ تقدير صدق الانحلال وهذا بخلاف ما اذا شكّ فى شرطيّة شيء فانّ المأمور به على هذا وجود خاصّ نعم لو رجع الشّك فى الجزئيّة الى اعتبار شرط فى الجزء كوجوب الترتيب وعدمه مثلا كان من الشّك فى الشّرطيّة ولكن دعوى الفرق انّما هى فيما اذا كان الشّك فى الجزء من حيث انّه جزء كما لو شكّ فى اعتبار التّسليم فى آخر الصّلاة وعلم بباقى الاجزاء من التكبيرة والقراءة والرّكوع والسجود فلو

٤٣٠

أتى بها أتى بالواجب على كلّ تقدير والغاية انّه يجب الحاق التّسليم بها لو كان فى الواقع جزء فالاجزاء وان كان الامر المتعلّق بها واحدا والمصلحة القائمة بها واحدة الّا انّها وجودات متعدّدة وهذا بخلاف ما اذا شكّ فى الشرطيّة فانّ المطلوب هو الوجود الخاصّ وعلى تقدير وجوب الشّرط لم يكن الفعل الفاقد له مطلوبا اصلا وكان مباينا له وإذا علمت انّ الواجد للشرط مع الفاقد له متباينان وليس المأمور به الّا وجود واحد تعلم انّه لا مجال لدعوى كون المطلق مطلوبا على كلّ تقدير كما فى الاقلّ وذلك لانّ المراد من المطلق امّا هو الطبيعة المبهمة فهى لا تكاد تتّصف بالمطلوبيّة والمبغوضيّة ولو سئل عنها صحّ ان يجاب بطرفى النّقيض بانّها لا مطلوبة ولا لا مطلوبة وامّا الطّبيعة فى ضمن افرادها فهى يمكن ان تكون فى آن واحد متّصفة بالمطلوبيّة وعدمها بان تكون فى ضمن فرد مطلوبة وفى ضمن فرد آخر غير مطلوبة فالمطلق لم يعلم مطلوبيّته الّا فى ضمن فرد خاصّ وبالجملة الصّلاة الفاقدة للسّاتر الطّاهر مباين لما هو واجد له فلو شككنا فى شرطيّة الطّهارة للسّاتر وكان المطلوب والمامور به ما هو الواجد له وأتى بغيره كان مباينا له رأسا ولا يصحّ الانحلال حتّى يمكن الرّجوع من جهته الى البراءة هذا غاية ما يمكن ان يقال فى الفرق بين الشّك فى الجزء والشّرط وعدم امكان اجراء البراءة فى الثّانى ولكنّ الأنصاف كما فى المتن اتّحاد حكمهما ومن يتمسّك بالبراءة فى دفع الجزء المشكوك يتمسّك بها فى مقام الشّك فى الشّرط والقيد باقسامه الثلاثة بتقريب انّ الخصوصيّة المفقودة الموجبة لترك المامور به فى الخارج مشكوكة ويكون المؤاخذة عليها بلا بيان والعقاب بلا برهان بخلاف ذات المشروط فانّه معلوم الوجوب فيصحّ العقوبة على تركه للعلم بوجوبه تفصيلا ولا يصحّ العقوبة على تركه لاجل ترك الخصوصيّة بعد الاتيان بذات المشروط لانّها مشكوكة ويكون العقاب حينئذ على ما لم يعلم ولا فرق عند التامّل بين عتق الرّقبة الكافرة واتيان الصّلاة بدون الوضوء وهكذا فى القسم الثّالث فى انّ الشّرط والقيد مغاير للمشروط وخصوصيّة زائدة عليه ذهنا فهما مختلفان مفهوما وان اتّحدا فى الوجود الخارجىّ وما قيل من تغاير وجود منشإ الشّرط مع وجود المشروط فى الوضوء واتّحادهما فى الرّقبة المؤمنة كلام ظاهرى افاد وجهه فى المتن وهو ان الامر بالوضوء انّما يجيء من قبل الخصوصيّة المأخوذة فى الصّلاة كما فى قوله صلّ مع الطّهارة الّا انّه قد يعلم الشّرطيّة من الأمر بالوضوء واحتياج تحصيل تلك الخصوصيّة الى ايجاد امر او عدم ايجاده لا دخل له فيما نحن فيه فانّ وجوب ايجاد الوضوء امر يتّفق بالنّسبة الى فاقد الطّهارة ونظيره قد يتّفق فى الرّقبة المؤمنة ايضا حيث انّه قد يجب بعض المقدّمات لتحصيلها فى الخارج والحاصل انّ الميزان فى الانحلال ليس هو تعدّد الوجود فى الخارج بحيث يكون هناك وجود معلوم الوجوب ووجود مشكوك الوجوب بل هو ان يكون متعلّق الوجوب منه ما يكون معلوما تفصيلا ومنه ما يكون مشكوكا وذلك لانّ الوجوب والطّلب انّما يعرضان للماهيّة فى ظرف تصوّره وفى تلك المرحلة يكون المتعلّق

٤٣١

متعدّدا فانّ ذات المشروط بما هو هو اى اللّابشرط المقسمى معلوم وجوبه تفصيلا وان لم ينفكّ فى اعتبار ايجاده عن كونه لا بشرط قسمىّ او بشرط شيء فمعلوم الوجوب هو المنقسم إليهما وممّا ذكرنا يظهر النّظر فيما تقدّم فى تقريب الفرق بين الشّك فى الجزء والشّرط من القول بانّ الّذى يتّصف بالوجوب الغيرىّ او العرضىّ هو المقدّمات الوجوديّة بان يكون وجود ووجود لما عرفت من انّ متعلّق الوجوب ليس هو الوجود الخارجى بل انّما هى الماهيّة الملحوظة فى الذّهن باعتبار ايجادها فى الخارج فالوجوب المتعلّق بالماهيّة بشرط شيء ينحل عند لحاظه وفى مقام تصوّره الى نفس الماهيّة اعنى الجنس ويعرضها الطّلب الغيرىّ والى الخصوصيّة المأخوذة فيها زائدة على نفسها والاوّل معلوم وجوبه والآخر مشكوك وجوبه بعين ما مرّ فى الجزء والوجود الخارجىّ انّما هو ظرف للاطاعة والامتثال وليس متعلّقا للحكم ضرورة انّ ثبوت الحكم وتعلّقه بموضوعه انّما هو قبل مقام الاطاعة والايجاد وبالوجود الخارجى يسقط الطّلب وليس معروضا له والفرد الواجد للخصوصيّة والفاقد لها وان كانا وجودين متباينين فى الخارج الّا انّ اللّابشرط المقسمى موجود فى كليهما باعتبار المفهوم هذا كلّه بالنّظر الى الانحلال المدّعى فى الشّك فى الجزء ومع الغضّ عنه فلا مانع من التّمسك فى المقام ايضا بالبراءة الشرعيّة لظهور الاخبار بل صراحتها فى رفع عموم المشكوك سواء كان له وجود زائد فى الخارج بحيث يصحّ الاشارة اليه بالاشارة الحسيّة ام كان الزّيادة فى الوجود الذّهنى لوضوح انّها ناظرة الى ما تناله يد الوضع والرّفع الشرعى ولو بوضع منشإ انتزاعه ورفعه وكان فى رفعه منّة وتوسعة على العباد فلا فرق بين الشّك فى الاجزاء والشّرائط باقسامها ثمّ انّ الاستاد النّائينى غفر له ذهب الى جريان البراءة الشرعيّة فيما كان منشأ انتزاع الشرطيّة امرا متّحدا مع المشروط كالايمان فى الرّقبة او مباينا له فى الوجود كالطّهارة فى الصّلاة وعدم جريانها فيما كان الاقلّ والاكثر من قبيل الجنس والنّوع وحكم بوجوب الاحتياط بدعوى انّ التّرديد بين الجنس والنّوع وان كان يرجع بالتحليل العقلى الى الأقلّ والاكثر الّا انّه خارجا بنظر العرف يكون من التّرديد بين المتباينين لانّ الإنسان بما له من المعنى المرتكز فى الذّهن مباين للحيوان عرفا فلو علم اجمالا بوجوب اطعام الانسان او الحيوان فاللّازم هو الاحتياط باطعام خصوص الانسان لانّ نسبة حديث الرّفع الى كلّ من وجوب اطعام الانسان والحيوان على حدّ سواء واصالة البراءة فى كلّ منهما تجرى وتسقط بالمعارضة مع الأخرى فيبقى العلم الاجمالى على حاله ولا بدّ من العلم بالخروج عن عهدة التّكليف وقال كما تراه فى تقريرات بحثه نعم بناء على مختار الشّيخ قدس‌سره من جريان البراءة العقليّة فى الأقلّ والاكثر وانحلال العلم الإجمالي بالعلم التّفصيلى بوجوب الاقلّ ينبغى ان لا يفرّق فى ذلك بين ما كان الاقلّ والاكثر من قبيل الجزء والكلّ او من قبيل الجنس والنّوع لانّ النّوع فى التحليل العقلىّ مركّب من الجنس والفصل فينحلّ العلم الاجمالىّ فى نظر العقل لانّ نظره هو المتّبع فى الانحلال وفيه انّ هذا التّفصيل ينافى مع ما افاده فى صدر البحث عن دوران الأمر بين الاقلّ والاكثر فى باب الشّروط والموانع حيث قال انّ

٤٣٢

المناط فى جريان البراءة هو ان يكون المشكوك فيه ممّا تناله يد الوضع والرّفع الشرعى ولو بوضع منشإ الانتزاع ورفعه وان يكون فى رفعه منّة وتوسعة على المكلّفين فانّ بعد الاعتراف بهذا المناط فى جريان البراءة الشرعيّة لا يبقى ريب فى انّ التّكليف بنوع خاصّ مشتمل على كلفة زائدة والزام زائد على ما فى التكليف بالجنس ولا مساس لهذا المناط مع كون الإنسان بماله من المعنى المرتكز فى الذّهن مبانيا للحيوان مع انّ هذه المبانية العرفيّة على فرض تسليمها وانّ لها معنى محصّلا لو كانت مانعة عن جريان البراءة الشرعيّة لكانت مانعة ايضا فى دوران الامر بين الرّقبة المؤمنة ومطلق الرّقبة وبالجملة فالتّحقيق انّ حكم الشّرط والقيد بجميع اقسامه واحد سواء الحقناه بالجزء ام بالمتباينين وهى ملحقة بالجزء قوله وردّ ما اعترض عليه بعدم العلم بالشغل) والمعترض هو سلطان العلماء ره قوله (وانحصر الواجب فى العتق) دون غيره من الخصال قوله (وعدم خروج الأجزاء السّابقة عن قابليّة صيرورتها الخ) اى صلوحها لضمّ الاجزاء اللّاحقة فى تحقّق المكلّف به قوله (ثمّ انّ الشّك فى الشرطيّة والجزئيّة الخ) الانصاف انّ هذه العبارة مجملة ويحتمل فيها معنيان الاوّل ولا بدّ من ذكر مقدّمة وهى انّ الشّرط على قسمين الاوّل ما يؤخذ شرطا فى المأمور به ويكون المشروط نفس المأمور به كالطّهارة والسّتر للصّلاة والثانى ما يؤخذ فى مقام امتثال المأمور به ويكون المشروط امتثال المأمور به لا نفسه كإباحة المكان واللّباس لها حيث استفيد هذا الشّرط من النّهى المتعلّق بالغصب فانّه اذا كان منهيّا عنه واتّحد وجودا مع العبادة منع من حصول امتثال الأمر المتعلّق بها بناء على الامتناع وتغليب جانب النّهى فى مسئلة اجتماع الأمر والنّهى ويكون الشّك فى اباحة المكان واللّباس من الشّبهة الموضوعيّة ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يجعل الاباحة شرطا او الغصب مانعا فانّ مجرّد النّهى الواقعى ليس مانعا من امتثال المأمور به بل النّهى المنجّز ولا يخفى انّ القسمين وان كان وجوبهما بالنّسبة الى المشروط غيريّا الّا انّ الفرق هو انّ الاوّل نشأ وتسبّب عن امر غيرىّ وهو الامر المتعلّق بوجوب الشّرط ودخله فى ماهيّة المأمور به ومن الواضح انّ الأمر المتعلّق بالجزء والشّرط من حيث انّهما كذلك يمتنع ان يكون نفسيّا لانّه خلاف الفرض وطلب الشّيء نفسيّا ينافى طلبه مقدّمة للغير فلا يكون الامر المتعلّق بهما من حيث انّهما كذلك الّا غيريّا وان استكشف من الامر النّفسى المتعلّق بالمشروط والثّانى نشاء وتسبّب عن حكم تكليفىّ نفسىّ وهو النّهى المتعلّق بالغصب مثلا المتّحد وجودا مع الصّلاة واذا عرفت هذه فاعلم انّ ما ذكر من الاختلاف فى جريان البراءة او الاحتياط فى الشّك فى الشرطيّة انّما هو فى القسم الاوّل وامّا الثّانى فالمتعيّن هو الرّجوع الى الاصل الجارى فى السّبب وذلك لانّه حاكم على الأصل الجارى فى المسبّب سواء كان الاصلان متوافقين او متخالفين وسواء كان الحكم فى الشّك فى الشرطيّة فى القسم الاوّل هو البراءة او الاحتياط وفى تقريرات بحث الاستاد النائينى طاب ثراه اعتراض على ما فى المتن فى هذا المقام حيث فصّل فى القسم الثّانى وقال

٤٣٣

منشأ انتزاع الشرطيّة ان كان هو التّكليف النّفسى فتارة يكون منشأ الانتزاع هو التكليف الواصل الى المكلّف كما هو اقوى الوجهين فى باب الغصب فانّ اشتراط عدمه فى الصّلاة انّما هو لاجل وقوع المزاحمة بين حرمة الغصب ووجوب الصّلاة وتغليب جانب النّهى ومن المعلوم انّ تقديم احد المتزاحمين على الآخر انّما هو فى صورة تنجّز التكليف بالمتزاحمين وأخرى يكون منشأ الانتزاع هو التكليف النّفسى بوجوده الواقعى وان لم يتنجّز ولم يصل الى المكلّف فعلى الوجه الأوّل تدور الشّرطيّة مدار تنجّز التكليف ووصوله الى المكلّف بالعلم وما يقوم مقامه ومع عدم العلم به لا شرطيّة واقعا لعدم تحقّق منشإ انتزاعها فعند الشّك فى التّكليف النّفسى يرتفع موضوع الشّرط ويقطع بعدمه وجدانا ولا تصل النّوبة الى جريان البراءة عن الشرطيّة وامّا على الوجه الثانى فالشكّ فى التّكليف النّفسى يلازم الشّك فى الشّرطيّة لانّه يحتمل ثبوت التّكليف واقعا والمفروض كون الشرطيّة تتبع وجوده الواقعى وحينئذ لا بدّ من علاج الشّك فى الشرطيّة فقد يكون الاصل الجارى فى طرف التّكليف بنفسه رافعا للشكّ فى الشرطيّة وذلك فيما اذا كان الاصل الجارى لنفى التّكليف من الاصول التنزيليّة المحرزة كالاستصحاب وان كان من الاصول الغير المحرزة كاصالة الحلّ والبراءة فالاصل الجارى فى طرف التّكليف لا يغنى عن جريان الاصل فى طرف الشرطيّة بل لا بدّ من جريان الاصل فيها مستقلّا فانّ اصالة الحلّ والبراءة لا تتكفّل رفع التكليف الواقعى ليلزمه رفع الشرطيّة بل اقصى ما تقتضيه اصالة الحلّ والبراءة هو التّرخيص فى الفعل والتّرك فيبقى الشّك فى الشرطيّة على حاله وعلاجه منحصر بجريان الاصل فيها فما افاده الشيخ قدس‌سره من انّ الاصل الجارى لنفى التّكليف يغنى عن جريانه فى طرف الشرطيّة على اطلاقه ممنوع هو الظّاهر أنّ هذا التّفصيل فى القسم الثّانى وهو ما كان الشّك فى الشرطيّة ناشئا من الشّك فى التّكليف النّفسى فى غير محلّه اذ ليس لنا مورد يكون الشّك فى الشرطيّة كذلك الّا ما يؤخذ فى مقام امتثال المامور به كشرطيّة اباحة المكان واللّباس للصّلاة وما كان مأخوذا كذلك لا ينتزع الّا من التّكليف الواصل ولا يكون مورد يكون الشّرط منتزعا عن التّكليف النّفسى بوجوده الواقعى ضرورة انّ اعتبار الشّرط فى العبادة يكون بالفرض معلولا للتّكليف النّفسى فيحكم باختصاص اعتباره بمورد وجود التكليف النّفسى لاقتضاء التبعيّة ذلك والطّلب النّفسى المتعلّق بفعل لا يمكن ان يستكشف منه كون متعلّقه مربوطا بالعبادة ومعتبرا فيها ولا يمكن ان يكون بوجوده الواقعى منشأ لانتزاع الشرطيّة واعتبار الشرط فى العبادة منتزعا من التّكليف النّفسى انّما هو من اجل انّه اذا تعلّق النّهى النّفسى بعنوان قد يجتمع مصداقا مع افعال العبادة كالغصب المجامع لافعال الصّلاة او الطّهارات فلا محالة يمنع من امتثال الامر المتعلّق بالعبادة المتوقّف على قصد التقرّب بالفعل ضرورة امتناع التقرّب بالمبغوض ومع انتفاء التّكليف النّفسى بالاباحة الظاهريّة وانتفاء تنجّز النّهى لا مانع من قصد التقرّب بفعل العبادة ويتاتّى معه امتثال الأمر وان كان حراما فى نفس الأمر وبالجملة

٤٣٤

الشرطيّة المستفادة من التكليف النّفسى تختصّ بما اذا اجتمع العنوان المنهىّ عنه مع المأمور به مصداقا واذا انتفى ذلك ولو فى الظّاهر فلا معنى للحكم بفساد العبادة بالنّظر الى النّهى النّفسى او الشّك فى فسادها ومن هنا حكموا بصحّة الصّلاة فى لباس الشّهرة وصحّة صلاة كلّ من الرّجل والمرأة فيما يختصّ بالآخر الى غير ذلك وامّا الحكم ببطلان الصّلاة فى الحرير المحض والذّهب للرّجال فليس من جهة النّهى النّفسى المتعلّق بلبسهما بل من جهة النّهى الغيرىّ المتعلّق بهما الكاشف عن اعتبار متعلّقه فى اصل الماهيّة واين هذا ممّا كانت الشرطيّة من جهة النّهى النّفسى الغير المجامع للأمر مصداقا نعم يجري هذا التّفصيل فى الشّك السببىّ والمسبّبىّ الحاصل فى غير المقام وفى ذلك ايضا لا يكون الاصل السّببي اذا كان من الاصول الغير المحرزة حاكما على الاصل المسبّبى اذا لم يكن رافعا للشكّ المسبّبى وامّا اذا كان رافعا للشكّ المسبّبى فلا اشكال فى حكومته عليه وان كان من الاصول الغير المحرزة وتمام الكلام فى محلّه فلا تغفل وامّا المعنى الثّانى وهو الظّاهر فهو انّه قد يشكّ فى وجوب شيء مركّب ونقطع بانّه اذا كان واجبا كان الأمر الفلانى جزء له او شرطا يجب بوجوبه فالشكّ فى وجوب مشكوك الجزئيّة او الشرطيّة مسبّب عن الشّك فى وجوب اصل الشّيء وهو الكلّ او المشروط واصالة البراءة فى ذلك الحكم التّكليفى النّفسى حاكمة على الاصل فى الجزئيّة والشرطيّة فيخرج عن موضوع مسئلة البراءة او الاحتياط فى الجزء والشّرط لانّ موضوعه فيما اذا لم يكن فى البين اصل حاكم وبعد احراز وجوب الكلّ والمشروط او عدمه بالاصل يرتفع الشّك عن وجوبهما ثمّ لا يخفى انّ على المعنى الاخير صحّ عطف الجزئيّة على الشرطيّة وعلى المعنى الاوّل لم يصحّ لعدم جريان القسمين المذكورين فى الجزء والتّكليف النفسى لا يستفاد منه الجزئيّة لتكليف آخر ابدا وذلك واضح ولو لا ثبوت العطف المذكور فى غالب نسخ الكتاب لكان الظّاهر هو المعنى الاوّل ومعه لا بدّ من ارادة المعنى الثّانى فتدبّر.

قوله (فنقول انّ الركن فى اللّغة والعرف معروف) هو فى اللّغة بمعنى الاعتماد وفى العرف يطلق على ما به قوام الشّيء كالحائط بالنّسبة الى السّقف وامّا عند الفقهاء فالرّكن عبارة عمّا يبطل الصّلاة بنقصه سهوا وقال بعضهم هو ما اوجب نقصه سهوا او زيادته كذلك بطلان العمل وعلى اىّ حال فالكلام هنا فى انّ نقص جزء سهوا من اجزاء الماهيّة المركّبة بعد العلم بجزئيّته او زيادته كذلك اذا اوجب الاخلال بمهيّة العمل المأمور به وبطلانه يسمّى ذلك الجزء ركنا واذا لم يوجب ذلك فهو غير ركن والنّسبة بين الركنيّة بهذا المعنى والركنيّة بالمعنى المبحوث عنه فى مسئلة الصّحيح والاعمّ عموم من وجه لانّ الكلام هنا فى مطلق ما علم من الشّارع جزئيّته او شرطيّته فى الجملة ولم يعلم بالدّليل العامّ او الخاصّ انّ المطلوب مع ترك هذا الجزء او زيادته سهوا يتحقّق فى نظر الشّارع مع الصّدق العرفى او بدونه وسواء ثبت جزئيّة المتروك بلفظ او غيره والركنيّة فى مسئلة الصّحيح والاعمّ موكولة الى العرف فى مقام تشخيص معانى الالفاظ سواء علم كون الاركان العرفيّة اركانا عند الشّارع ايضا ام لا وبالجملة فرق بين الركنيّة فى تشخيص الموضوع من حيث الصّدق العرفىّ والركنيّة فى المطلوبيّة بعد العلم

٤٣٥

بالموضوع فى الجملة والكلام هنا فى الثّانى وعلى هذا فالرّكن المبحوث عنه يعمّ الاجزاء والشّرائط كلّها بخلاف الرّكن المبحوث عنه ثمّة وليس للرّكن عنوان فى الادلّة الشرعيّة ولا ما يميّزه عن غيره وانّما هو اصطلاح خاصّ للفقهاء اخذوه من الاحكام الواردة على الاجزاء من بطلان العبادة بنقص جزء او زيادته عمدا او سهوا فالمهمّ ملاحظة الادلّة وكيفيّة استفادة احكام الجزء منها ولا اشكال فى انّ نقص الجزء عمدا يوجب البطلان وانّما الكلام فى المسائل الثّلث.

قوله (امّا الاولى فالاقوى فيها اصالة بطلان العبادة) الكلام فى هذه المسألة يقع من جهات ثلاث الجهة الاولى انّه هل يمكن ثبوتا التكليف بما عدا الجزء المنسىّ من سائر الاجزاء ام لا فنقول لا اشكال فى انّ الاصل الاوّلى فى الاخلال بما هو جزء او شرط فى الواقع وجوب الاعادة على المكلّف عند الالتفات فى الوقت لعدم الاتيان بالمأمور به ولا السّلوك من الطّريق الشرعىّ حتّى يتكلّم فى اقتضاء الامر الظّاهرى للاجزاء فى حقّه وان توهّم بعض ثبوته فى حقّه من جهة الأمر العقلىّ ولكنّه باطل ووجوب القضاء فى خارج الوقت وان قلنا بانّه بامر جديد لانّه تابع لوجود ما يقتضى الامر به فى الوقت وان لم يتعلّق بالمكلّف فى ذاك الوقت لا شأنا ولا فعلا سواء ادرك مصلحة الواقع ام لا وبالجملة بقاء نفس الامر المتوجّه الى المكلّف قبل الغفلة بعد كشف الفساد بالذكر يقتضى وجوب الاعادة والقضاء وان كان التّكليف بالسّورة مثلا فى حقّ الغافل حين الغفلة محالا وطلب الصّلاة بلا سورة فهو مع هذا العنوان اى عنوان النّاسى غير معقول ايضا وامّا ان استفيد من الدّليل عدم الاعادة فيمكن ان يقال انّ ذلك يدلّ على انّ المنسىّ يكون جزء او شرطا علميّا ويحمل ما دلّ على الشرطيّة او الجزئيّة على ذلك فانّه يستكشف من نفى الشارع الاعادة والقضاء كون المنسىّ مختصّا بصورة العلم اذ لا معنى لكونه شرطا او جزءا واقعيّا ولا يوجب الاخلال به اعادة الصّلاة ويستكشف من هذا الدّليل الامر بالصّلاة المأتيّ بها وكونها مشتملة على ما فات من مصلحة الصّلاة الواجدة للمنسىّ وما قيل فى امكان تعلّق الامر بها ثبوتا وجوه الأوّل ان يؤمر بالصّلاة ويقال له صلّ بلا قيد وذكر خصوصيّة كالسّورة مثلا ويكون مطلوب الشّارع منه هو المأتيّ به وانّما خاطبه بهذه العبارة لانّه يعلم انّ هذا النّاسى يأتى بالصّلاة بدون السّورة فالشارع يعلم انّ النّاسى للسّورة انّما يأتى بالصّلاة بدونها وهى المطلوبة منه لا غير الّا انّه لامتناع مخاطبته بما هو مطلوبه بخطاب يدلّ عليه خاطبه بعبارة تستلزم الاتيان بما هو مطلوبه وبالجملة يجعل قول الشّارع لمن نسي السورة بعد الذكر وانكشاف الخلاف بانّه لا اعادة عليك كاشفا عن كونه مكلّفا فى تلك الحال بالصّلاة مجرّدة عن كونها مع السّورة او بدونها بحيث يكون العذر العقلىّ حكمة لرفع اليد عن الصّلاة مع السّورة وانّ المراد بالصّلاة فى قوله صلّ هو الصّلاة لا بشرط هذه الخصوصيّة غاية الامر انّه ثبت تقييد الصّلاة فى حقّ غير المعذور بالسّورة فلفظ الصّلاة المأمور بها فى قوله مثلا

٤٣٦

اقيموا الصّلاة مستعمل فى الصّلاة لا بشرط كونها مع السّورة وانّما المراد منه فى حقّ غير المعذور الصّلاة مع السّورة وفى حقّ المعذور باق على حاله نظير تقييد المطلقات حيث يقتصر فيه على القدر المعلوم فلفظ الصّلاة بعد ما كان حقيقة فى الواجد للسّورة ولفاقدها من جهة وجود المناط فيها فى حقّ المعذور فهو نظير المطلق فمتى اطلق يكون المستعمل فيه هو الصّلاة مع قطع النظر عن كونها مع السّورة او بلا سورة واذا ثبت عدم الاكتفاء بالفاقد فى حقّ غير المعذور يكون المراد منه فى حقّه هو الواجد للسورة واذا ثبت الاكتفاء بالفاقد فى حقّ المعذور ثبت انّه باق على ما كان من كونه لا بشرط ومن الواضح أنّ هذا المصلّى المعذور ملتفت الى الصّلاة فى ضمن ما اعتقد انّ الصّلاة مع السورة فهو ملتفت الى المطلوب مع شيء زائد ملغى فى نظر الشّارع ولا يقدح ذلك فى الامتثال بعد فرض كون المكلّف به هو الصّلاة لا بقيد الخصوصيّة فاعتقاد كون المأمور به هو الصّلاة مع هذه الخصوصيّة لا يقدح فى صدق امتثال الامر بمطلق الصّلاة لا مع الخصوصيّة فقوله لا اعادة مبيّن لكون المراد من الصّلاة المأمور بها فى الخطابات الواقعيّة فى حقّ هذا المعذور هو الصّلاة لا بشرط الخصوصيّة لا انّه يكشف عن امر آخر بالصّلاة بلا سورة متعلّق بالنّاسى لها فانّه غافل عن هذا العنوان ومع الالتفات اليه ينقلب عنه لا محالة والمفروض انّه معتقد لعدم امر آخر سوى الامر المتعلّق بجميع المكلّفين وانّه مكلّف بهذا التّكليف لا غير ونظير ما ذكرنا فى حقّ النّاسى ما اذا علم المولى من حال العبد انّه يعتقد انّ الرّقبة الّتى يقصد فى كلامه هى الرّقبة المؤمنة خاصّة ولا يحتمل ارادة صنف آخر وكان غرضه ان يعتق له رقبة مؤمنة ايضا فحينئذ يمكن للمولى ان يخاطبه بقوله اعتق رقبة بلا قيد وما نحن فيه كذلك فانّ الشّارع يعلم انّ النّاسى للسّورة انّما يأتى بالصّلاة بلا سورة وهى المطلوبة منه وان لم يكن بهذا العنوان وبهذا الوجه يمكن ايضا تصحيح صلاة الجاهل بالجهر والإخفات والقصر والاتمام فنقول قوله عليه‌السلام فى الصّحيح لا شيء عليه وانّه قد تمّت صلاته يكشف عن انّ الصّلاة فى حقّه بعد ما صار عاجزا بترك السّئوال باقية على حالها من كونها مطلوبة مع قطع النّظر عن الجهر والاخفات فالصّلاة فى قوله يجب الصّلاة مستعملة فى الصّلاة لا بشرط الّا انّه ثبت فى حقّ غير العاجز والملتفت العالم انّ المراد منها هو الصّلاة مع الجهر خاصّة او مع الاخفات كذلك وثبت فى حقّ العاجز ولو مع التقصير انّها باقية على حالها فلفظ الصّلاة مستعمل فى المركّب الّذى هو لا بشرط من هذه الجهة الّا انّ المراد منه بالارادة الجديّة فى حقّ غير العاجز هو المركّب مع الخصوصيّة من الجهر او الاخفات وفى حقّ العاجز هو المركّب لا بشرط الخصوصيّة وهذا لا ينافى كون غير العاجز منهيّا عن جعل نفسه عاجزا حتّى يكون مكلّفا بالصّلاة لا بشرط الخصوصيّة فهذا العاجز معاقب على جعل نفسه عاجزا عن الاتيان بالخصوصيّة المطلوبة منه قبل ان يصير عاجزا فلا ضير فى عقوبته على تفويت ما كان

٤٣٧

قادرا عليه ومكلّفا به وجعل نفسه مندرجة تحت عنوان العاجز المكلّف بشيء آخر فالصّلاة المأتيّ بها حسن فى حقّه وصحيحة مطابقة لما امر به ومع ذلك معاقب على جعل نفسه كذلك نظير من اراق الماء بعد دخول الوقت فصار عاجزا عن الطّهارة المائيّة فكلّف بالترابيّة فاذا صلّى بالترابيّة صحّت صلاته ولا اعادة عليه ومع ذلك معاقب على تفويت الصّلاة مع المائيّة الّتى كان قادرا عليها بعد الوقت والى هذا الوجه اشار فى المتن بقوله ويمكن دعوى القاعدة الثّانية فى خصوص الصّلاة من جهة قوله ع لا تعاد الصّلاة الّا من خمسة الخ الثّانى ان يؤخذ النّاسي عنوانا للمكلّف ويجعل ما عدا الجزء المنسىّ مامورا به فى حقّه بتقريب انّ المانع من ذلك ليس الّا انّ النّاسى لا يلتفت الى نسيانه فى تلك الحال فلا يمكنه امتثال الامر المتوجّه اليه لانّ امتثال الامر فرع الالتفات الى ما اخذ عنوانا للمكلّف ولكن يضعّف ذلك بانّ امتثال الامر لا يتوقّف على ان يكون المكلّف ملتفتا الى ما اخذ عنوانا له بخصوصه بل يمكن الامتثال بالالتفات الى ما ينطبق عليه من العنوان وان كان من باب الخطأ فى التّطبيق فيقصد الامر المتوجّه اليه بالعنوان الّذى يعتقد انّه واجد له وان أخطأ فى اعتقاده والنّاسى للجزء حيث لم يلتفت الى نسيانه بل يرى نفسه ذاكرا فيقصد الامر المتوجّه اليه بتخيّل انّه امر الذّاكر فيئول الى الخطأ فى التّطبيق نظير قصد الامر بالاداء والقضاء فى مكان الآخر فاخذ النّاسى عنوانا للمكلّف امر بمكان من الامكان ولا مانع عنه لا فى عالم الجعل والثّبوت ولا فى مرحلة الطّاعة والامتثال وضعّفه بعض اساتيدنا قدس‌سره بانّه يعتبر فى صحّة البعث والطّلب ان يكون قابلا للانبعاث عنه بحيث يكون داعيا لانقداح الارادة نحو ما امر به ولو فى الجملة وامّا التّكليف الّذى لا يصلح لان يصير داعيا فى وقت من الاوقات فهو قبيح ومستهجن ومن الواضح انّ التّكليف بعنوان النّاسى غير قابل لان يصير داعيا لانقداح الارادة فيلزم ان يكون التّكليف بما يكون امتثاله دائما من باب الخطاء فى التّطبيق وهو كما ترى والقياس بمسألة الاداء والقضاء فى غير محلّه فانّ التّكليف بهما قابل لان يصير داعيا للتّحريك نحوهما ويمكن امتثال كلّ منهما بما لهما من العنوان وان اتّفق نادرا الخطاء فى التّطبيق بخلاف النّاسى فانّه لا يلتفت الى نسيانه وان التفت خرج من هذا العنوان فما ذكر فى تصحيح اخذ النّاسى عنوانا غير مجد ويمتنع توجيه التكليف والطّلب نحو النّاسى بامر يخصّه فانّ حقيقة الطّلب كالخطاب هى توجيه الطّلب الى الغير ليتوجّه اليه ويلتفت فكما انّ الخطاب امر ربطىّ لا يحصل بوجود المخاطب بالكسر فقط بل لا بدّ من وجود من يخاطب به ايضا فكذلك الطّلب بما هو طلب بالحمل الشّائع الصّناعى لا يكاد يحصل الّا مع وجود المكلّف بالفتح والتفاته الى التّكليف ومن اجل هذا ذهبوا الى ثبوت التكاليف بالنّسبة الى الغائبين والمعدومين بدليل الاشتراك الثالث ما ذكره فى كفاية الاصول وهو انّ اختصاص النّاسى بخطاب يخصّه بما عدا الجزء المنسىّ لا يلازم ثبوتا اخذ

٤٣٨

النّاسى عنوانا للمكلّف حتّى يكون ممتنعا بل يمكن توجيه الخطاب كذلك بعنوان آخر عامّ او خاصّ يمكن الالتفات اليه يلازم عنوان النّاسى وفيه أوّلا أنّ النّاسى فى حال نسيانه لا يلتفت الى خطاب وتكليف غير ما اعتقده والتفت اليه اوّلا الّذى كان معه بعنوان الذّاكر وعلى هذا يمتنع التكليف ايضا بعنوان يلازم عنوان النّاسى لانّه غير ملتفت اليه ويجرى فيه حينئذ ما ذكرنا من امتناع توجيه التكليف بعنوان غير ملتفت إليه وثانيا أنّ هذا مجرّد فرض لا واقع له لوضوح عدم وجود عنوان يلازم نسيان الجزء دائما وثالثا أنّ العنوان المأخوذ كذلك لا بدّ وان يكون من حيث كونه معرّفا لعنوان النّاسى لا من حيث كونه موضوعا للحكم حقيقة ومع فرض لزوم التفات المكلّف الى عنوانه فاللازم الالتفات الى ما هو عنوان الحكم حقيقة لا الى ما هو المعرّف له وقد يقال انّ الدّليل القائم على عدم وجوب الاعادة لا يكشف عن ثبوت الامر بالنّسبة الى المأتيّ به بل يكشف عن ثبوت المصلحة الواقعيّة فى المأتيّ به وان لم يكن مأمورا به اصلا ولا مانع من ان يكون الشّيء مشتملا على مصلحة ما هو المطلوب وان لم يكن هو مطلوبا وهذا نظير الحكم بشرعيّة عبادات الصّبىّ حتّى الواجبات مثل الفرائض اليوميّة وصوم شهر رمضان وذلك لانّ مقتضى رفع القلم عدم الالزام فالفرائض اليوميّة ليست واجبة عليه بمعنى انّها ليست مطلوبة طلبا الزاميّا وارتفاع الوجوب فى حقّه معناه رفع فصل الوجوب خاصّة وامّا اصل محبوبيّتها ثابتة فى حقّه ويجوز له الاتيان بها بداعى القربة ولا يتوقّف على خصوص الطلب بل يكفى فى صحّة العبادة ثبوت منشإ الطّلب وهى المحبوبيّة الواقعيّة الجهة الثّانية أنّه بعد امكان التّكليف بما عدا الجزء المنسىّ ثبوتا فهل فى مقام الاثبات ما يقتضى التّكليف بالمأتىّ به فى حال نسيان الجزء من دليل اجتهادىّ او اصل عملىّ ام لا وبعبارة اخرى الكلام فى المقام هو انّه اذا تعلّق تكليف واحد بجملة من الاجزاء ونسي المكلّف بعضها فهل الاصل الاوّلى مع قطع النظر عن دليل خارج خاصّ او عامّ قائم على الصحّة هو كون الجزء من الاجزاء الواقعيّة الّتى تسمّى اركانا ام من الاجزاء المعلومة بحيث كان الالتفات جزء موضوع فيه ومن الواضح أنّه ان كان لدليل الجزء اطلاق يشمل صورة النّسيان فمقتضى الاطلاق هو سقوط التّكليف المتعلّق بجملة الاجزاء ووجوب الاعادة والقضاء بعد الذكر لعدم تكليف آخر متعلّق ببقيّة الاجزاء وان لم يكن لدليل الجزء اطلاق واحتمل ان يكون جزئيّة المنسىّ مخصوصة بحال الذّكر فقد يقال انّ المرجع ح عند الشّك هو اصالة البراءة او الاشتغال على الخلاف المتقدّم فى الدّوران بين الاقلّ والاكثر الارتباطيّين والاشكال الآتي بلفظ فان قلت عموم جزئيّة الجزء لحال النّسيان يتمّ إلخ مبنيّ على هذا المبنى والأقوى هو عموم الجزئيّة لحال النّسيان بمعنى انّ ما علم جزئيّة فى حال العمد يحكم بكونه جزء فى حال النّسيان وذلك لوجوه الاوّل استصحاب عدم سقوط الأمر بالمركّب الّا بعد الاتيان بتمام الاجزاء فانّا اذا شككنا فى سقوطه عند الإتيان بالبعض وترك

٤٣٩

البعض الأخر للغفلة كانت اصالة بقاء الامر مقتضية لوجوب الاعادة والقضاء ويمكن المناقشة فيه بانّ التكليف لم يثبت فى السّابق الّا فى حقّ الذاكر الملتفت واستصحابه فى حقّ النّاسى غير معقول لاختلاف الموضوعين فانّ موضوع التكليف اليقينىّ والجزئيّة المقطوع بها هو الذّاكر وموضوع الشاكّ هو الغافل النّاسى وثبوت الجزئيّة حال النّسيان لم يثبت من اوّل الامر فاستصحاب حكم الجزئيّة استصحاب فى الحقيقة لاصل الموضوع نعم لو كان مدار الاستصحاب على المسامحات العرفيّة بحيث يكون الموضوع هو ذات المكلّف مع القاء وصفى الذّكر والنّسيان عنه كان لاجراء هذا الاصل وجه ولكنّ الظاهر عدم وحدة الموضوع عرفا فى هذا المقام فلو فرض واقعا الشّك فى عموم الجزئيّة لحال النّسيان لا مانع من الرّجوع الى البراءة الاصليّة واستصحاب عدم الجزئيّة الّذى لم يخرج منه الّا جزئيّة الشّيء الفلانى حال الالتفات ولكنّ الأمر في ذلك سهل لانّ التّمسك باستصحاب بقاء الامر انّما هو مع قطع النّظر عن الدّليل الرّابع والّا فاصالة الاشتغال الحاكمة بعدم سقوط الامر ووجوب الإعادة والقضاء مع الشّك فى السّقوط واقعا كاف فى المطلب الثّانى بناء العقلاء على الالتزام بجزئيّة ما ثبت جزئيّته فى حال الالتفات فى حال النّسيان وترتيب آثار الجزئيّة عليه مط حتّى يقوم دليل على خلافه ويتّضح هذا بمراجعة الاوامر العرفيّة المتعلّقة بالمركّبات الخارجيّة سواء كانت ارشاديّة كاوامر الاطبّاء او غيرها الثّالث الاجماع على كون النّسيان عذرا ومانعا بمعنى انّ المقتضى وهو مطلوبيّة الجزء المنسىّ موجود الّا انّ النّسيان كالجهل مانع عن تعلّق الطّلب فعلا وتنجّزه فيبقى الطّلب شأنا لا انّه مبدّل للموضوع الواقعى كما فى الحضر والسّفر فاذا زال المانع وهو النّسيان وكان الوقت باقيا تنجّز التّكليف بجملة الاجزاء فى حقّ المكلّف كما اذا كان جاهلا فى اوّل الوقت وعلم به فى ثانى الحال او كان نائما فتنبّه من نومه او كان غافلا عن وجوب الكلّ فتذكّر الى غير ذلك وكذا يجب القضاء اذا تذكّر بعد الوقت فانّ النّسيان لا يوجب تبدّل الموضوع او الحكم او سقوطه فى حالة اخرى فهو صرف عذر عن تنجّز التّكليف الرّابع حكم العقل بالعموم بعد ثبوت الحكم حال الذّكر وعدم ثبوت خلافه حال النّسيان وتقريره أن النّاسى للجزء امّا لم يكلّف بشيء اصلا لا بالكلّ ولا بالبعض لا واقعا وشأنا ولا فعلا وظاهرا بان يكون حين النّسيان كالبهائم والمجانين فهذا لم يقل به احد ومخالف للضّرورة او كلّف بشيء وعليه فلا يخلو امّا ان كلّف بالكلّ او بما عدا المنسىّ وعلى الاوّل فالتّكليف امّا منجّز او غير منجّز والمنجّز لا قائل به لكونه تكليفا بالمحال لغفلة المكلّف عن الجزء المنسىّ وامّا غير المنجّز فهو المدّعى من كون النّسيان مانعا عن تنجّز الامر عليه حال النّسيان واذا زال المانع تنجّز التّكليف ومقتضاه وجوب الاعادة والقضاء لفرض عدم موافقة المأتيّ به للمأمور به بل لعدم وجود امر حين الاشتغال بالفعل وعلى الثّانى فامّا ان يكون التكليف بما عدا المنسىّ واقعيّا بحيث اخذ الذكر والنّسيان جزء الموضوع فى التّكليف بالبعض والكلّ وتبدّل الحكم

٤٤٠