تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

قوله (والاخيرة مختصّة بموارد يحكم العقل بوجوب الاحتياط) لا يخفى انّ احتمال الهلكة الاخرويّة موجود ايضا فى الشبهة البدويّة قبل الفحص فلا وجه للتخصيص فى المقام.

قوله المطلوب فيها الفعل وهى الواجب والمندوب) من الواضح انّ الحكم عبارة عن الوجوب والندب والحرمة والكراهة باعتبار تعلّقها بفعل المكلّف والواجب والمندوب والحرام والمكروه انّما هى افعال المكلّفين الّتى تعلّق بها تلك الاحكام ففي عبارته رحمه‌الله مسامحة ظاهرة كما سامح ايضا فى اطلاق الحكم الوضعى على ذات السّبب والشرط والمانع الّتى هى موارد للحكم الوضعى والحكم الوضعى عبارة عن السببيّة والشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة وهكذا الّتى هى اوصاف قائمة بتلك الذّوات وهذه الاوصاف هى الّتى وقع الخلاف فى انّها متأصّلة فى الجعل ام لا والّا فمن البديهى انّ نفس الذوات غير قابلة للجعل الشرعى قوله (كالدلوك ونحوه ممّا لم يكن السّبب وقتا) اى للمحكوم عليه وكذا المراد من قوله ممّا يكون السّبب وقتا للحكم هو المحكوم عليه ويمكن ان يكون المراد فيهما نفس الحكم لكن باعتبار بقائه وعلى اىّ حال فالمقصود واضح فانّ الدلوك سبب للحكم من غير ان يكون ظرفا للمحكوم عليه بخلاف الكسوف فانّه سبب للحكم وظرف للمحكوم عليه قوله (ثمّ انّه لا بأس بصرف الكلام الى بيان انّ الحكم الوضعىّ الخ) تحقيق المقام يستدعى رسم أمور الأوّل انّه لا ريب فى مبانية الوضع مع التكليف بحسب المفهوم ومن البديهى مبانية الايجاب والاستحباب مع السببيّة والمانعيّة من جهة المفهوم الثانى لا شبهة فى صحّة اطلاق الحكم على الوضع كاطلاقه على التكليف ويشهد بذلك كثرة اطلاقه عليه فى كلماتهم ولا بدّ أن يلحظ ما هو المراد من الحكم عند النافى والمثبت فقد يكون المراد من الحكم خطاب الله المتعلّق بافعال المكلّفين وقد يكون المراد منه المحمول الشرعى الّذى لا سبيل لنا اليه قبل بيان الشّارع وانتسابه الى موضوعه فإن كان المراد هو المعنى الاوّل عند النّافى فهذا مسلّم عند المثبت فانّه يعترف بعدم صحّة اطلاقه بهذا المعنى على الوضع وان كان المراد هو المعنى الثانى عند المثبت فهذا لا ينكره المنكر ويسلّم صحّة اطلاقه بهذا المعنى على الوضع على وجه الحقيقة سواء كان قائلا بانّ الوضع من الامور الواقعيّة او قائلا بانّه من الامور الانتزاعيّة فانّ الوضع على هذين القولين ايضا محمول اخذ من الشارع فقول الشارع الماء طاهر يكشف عن هذا الامر الواقعى الّذى لا سبيل لنا اليه قبل اسناده الى الماء وحمله عليه فيكون محمولا شرعيّا وكذا يكشف عن جواز استعماله فيما يعتبر فيه الطّهور على القول بكون الطّهارة منتزعة من التكليف فيكون هذا الامر الانتزاعى محمولا شرعيّا غاية الامر اختلاف المحمولات بكونها تارة بالضّميمة واخرى خارج المحمول كقولنا السّماء فوقنا والارض تحتنا ومجرّد كون المحمول امرا اعتباريّا لا يوجب عدم صدق المحمول عليه مع كون الخارج المحمول ايضا من افراده ولذا يتطرّق اليه

٥٤١

الصدق والكذب ويقال انّ قول القائل السّماء تحتنا كذب والحاصل انّه ليس هذا الامر الانتزاعى على القول به كبعض الامور الاعتباريّة الّتى لا واقعيّة لها ولمنشئها بل له واقع ونفس امريّة ولذا يتّصف بالصّدق والكذب واذا كان من الامور الواقعيّة صحّ اطلاق الحكم عليه بهذا المعنى فانّه ايضا محمول شرعىّ من الخارج المحمول حيث انّه لا ينضمّ به شيء الى الموضوع فمجرّد عدم صحّة اطلاق خطاب الله المتعلّق بافعال المكلّفين الّذى هو احد معانى الحكم على الوضع لا يصير سببا لان يكون الوضع خارجا عن الاحكام ولئن لا يصحّ تقسيم الحكم الشرعى الى التكليف والوضع ونرى كثرة اطلاق الحكم عليه فى كلماتهم الثالث بعد ما عرفت من كون الوضع حكما فهل هو كالتكليف فى الجعل والاستقلال ام لا جعل الّا للتكليف والوضع منتزع منه فمحلّ الكلام هو انّ واقعيّة الوضع ونفس امريّته هل هو بانشائه كالتكليف حيث انّه بمجرّد انشائه يكون حكما وتكليفا بعد ما لم يكن فالشّيء الّذى لم يكن سببا ولا شرطا هل يكون كذلك بمجرّد انشاء الشارع السببيّة او الشرطيّة له بحيث يصدق بالحمل الشائع انّه سبب او شرط ام يتوقّف نفس امريّته على اختلاف افراده على جعل التكليف ومن الواضح أنّ محلّ الكلام هو جعله وصلاحيّته للانشاء ثبوتا لا اثباتا فلو قال الشارع مثلا دلوك الشمس سبب لوجوب الصّلاة والحيض مانع عنها وكان كلامه كناية عن وجوب الصّلاة فى هذا الحال وحرمتها فى حال الحيض لا اشكال فيه لبداهة ان لا ضير فى التعبير عن الوجوب والحرمة بالسّبب والمانع فما تراه فى بعض كلمات الشارع من التعبير بالفاظ الوضع لا ينافى النزاع فى جعله وإنشائه ثمّ إنّ الوضع الّذى هو محلّ الكلام فى انّه مجعول ام لا لا وقع للنّزاع فى انّه محصور فى امور مخصوصة ام لا ولا وجه لتخصيصه بل كلّما ليس بتكليف وله دخل فيه او فى متعلّقه وموضوعه او لم يكن له دخل فيه واطلقوا عليه الحكم داخل فيما هو محلّ البحث والمختار فى ذلك هو التفصيل وسنوضحه إن شاء الله الله تعالى بعد بيان ما هو مختار المصنّف قدس‌سره بما لا مزيد عليه قوله (والعجب ممّن ادّعى بداهة بطلان ما ذكرنا) هو السيّد محسن الاعرجى الكاظمى ره وحاصل كلامه انّه لا داعى لصرف ظاهر الخطاب الوضعى فى نحو قوله الدّلوك سبب لوجوب الصّلاة الى انّه الحكم بوجوب الصّلاة عنده وكون الوضعىّ مستتبعا للتكليفى فى خطابه لا يوجب ارجاعه اليه ولا كلام فى الفرق بينهما مفهوما واثرا ومغايرة الوضع للتكليف يقضى بالاخذ بالوضع ايضا حيث استفيد من الكلام ولو استتباعا فحيث كان الوضع من المفاهيم المستقلّة المغايرة للتكليف والحكم لا مانع من تعلّق الجعل به وحيث كان مستفادا من الخطاب لا وجه لارجاعه الى الحكم التكليفى من الوجوب او الحرمة واجاب المصنّف ره اوّلا بعدم الاحتياج الى جعل الوضع اذا فرض جعل التكليف وكان الوضع مفهوما انتزاعيّا وعدم دلالة الكلام الملقى الّا على انشاء التكليف وانّ مجرّد المغايرة مفهوما لا يقضى باستفادة الوضع من الخطاب سواء اريد انّ

٥٤٢

التكليف والوضع إنشاء بجعل واحد ام اريد انّهما إنشاءان بجعلين بل الخطاب لا يستفاد منه الّا التكليف سواء كان الخطاب بلفظ الانشاء كقوله اكرم زيدا ان جاءك فانّ المستفاد منه ليس الّا وجوب الاكرام عند مجيئه وانتزاع سببيّة المجيء للوجوب لا مدخليّة لدلالة الخطاب بتعلّق الجعل بها كانتزاع مسببيّة وجوب الإكرام حينئذ أو كان بلفظ الاخبار كقوله دلوك الشمس سبب لوجوب الصّلاة فانّ المستفاد منه ليس الّا الاخبار عن تحقّق الوجوب عند الدّلوك واستفادة المفهوم الانتزاعى عن الخطاب لا يوجب تغيّر الاوّل عمّا هو عليه وثانيا بأنّ الحكم الوضعى غير قابل للجعل والتقرّر والانشاء لا استقلالا ولا تبعا بقوله مضافا الى انّه لا معنى لكون السببيّة مجعولة فيما نحن فيه حتّى يتكلّم انّه بجعل مستقلّ او لا وتوضيح مرامه بحيث لا يشذّ عنه شيء ان لا كلام فى اختلاف الحكم التكليفى مع السببيّة والشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة مفهوما وكذا لا كلام فى انّها من المعانى الملحوظة عند جعل الحكم التكليفى لانّ الشرطيّة والجزئيّة ملحوظتان فى الامر بالمركّب والمشروط وكذلك الكلام فى السببيّة والمانعيّة وكذا لا كلام فى ارتباطها بالمامور به بمعنى انّ لها مدخليّة فى المصلحة الكامنة فيه بناء على تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد او لها مدخليّة فى الغرض وإنّما الكلام فى انّ الامور المذكورة هل هى مجعولة بالجعل الشرعىّ كالاحكام التكليفيّة سواء كان جعلها مستقلّا ام كان جعلها وجعل التكليف بجعل واحد او انّ المجعول الشرعىّ هو التكليف وهذه امور اعتباريّة انتزاعيّة محضة ويختار أنّ الحقّ انّها ليست الّا على الوجه الثانى فانّها امور لا قابليّة لها للجعل والانشاء مثل الموجودات الخارجيّة فكما لا يتعقّل فيها الجعل التشريعىّ لانّ المقصود من الجعل ان كان كينونتها على ما هى عليها فهى حاصلة ولا اثر للجعل فى ذلك اصلا وان كان كينونتها على غير ما هى عليها فهى محال وتبدّل الوجود بالوجود امر آخر ليس المحلّ قابلا لذلك كذلك لا يتعقّل ذلك فى السببيّة واخواتها ولا يتصوّر هذه الامور الّا ان تكون اعتباريّة محضة ولا وجود لها الّا بوجود منشإ انتزاعها كالمسببيّة والممنوعيّة وكالمطلوبيّة للمامور به ضرورة انّ الوجوب انّما يحصل من انشاء الطلب الالزامى وبعد تحقّق انشاء الطلب يتحقّق الوجوب وبذلك يحصل صفة المطلوبيّة للمامور به ويحصل العلم بانّه محبوب او مبغوض والسببيّة القائمة بالشّيء كالدّلوك بالنّسبة الى وجوب الصّلاة ليست من لوازم ذاته فليست هى معنى يوجب ايجاب الشارع للفعل عند حصوله اى ليست ممّا له تحقّق خارجىّ ولو فرض انّه كذلك لم يقبل الجعل لكونه بنفسه امرا واقعيّا حينئذ لا تناله يد الجعل اثباتا ونفيا وليست ايضا ناشئة من الوجوه والاعتبارات للشّيء حتّى يكون باعتبار الفصول او باعتبار الخصوصيّات من حيث الصّنف او الشخص اوجدها الشارع فى الشيء بان يكون من فعله التشريعى حتّى يكون كالتكليف فعلا للحاكم والمنشئ فليست الّا امورا انتزاعيّة صرفة لا حظّ لها من الوجود التكوينى والتشريعىّ ولكن لا يخفى انّ عدم ادراكنا لكون السببيّة

٥٤٣

صفة اوجدها الشارع باعتبار الفصول او الخصوصيّات لا يكون دليلا على عدم معقوليّته وذلك لقصور العقول عن ادراك مناطات الاحكام اللاحقة للاشياء باعتبار الصّفات القائمة بها وعلى اىّ حال فمرجع كلامه المتقدّم الى انّ سببيّة شيء لشيء بمعنى ثبوت ذلك الشيء عند حصوله بتأثير حصوله فى ثبوته هل يتحقّق بانشائها التشريعى كما يتحقّق الوجوب بانشائه ففى قول الشارع مثلا دلوك الشمس سبب لوجوب الصّلاة يتحقّق سببيّته لوجوبها فيكون فعلا للشارع ام لا ونحن نقول انّ السببيّة اى تأثير شيء فى شيء ليست ممّا يتحقّق بنفس انشائها فانّ التأثير والتأثّر انّما هو من جهة خصوصيّة توجب الربط الخاصّ والمفروض عدمها والّا كان متحقّقا بدون الانشاء وما لا تحقّق له لا يتحقّق بالانشاء ايضا وحدوث تلك الخصوصيّة الموجبة للربط بنفس انشاء السببيّة غير معقول اذا عرفت هذا فنقول انّ التّحقيق حسب ما يؤدّى اليه النظر الدقيق انّ ما عدّ من الوضع على انحاء منها ما لا يقبل الجعل التأليفى التشريعى لا اصالة ولا تبعا وان كان قابلا للجعل البسيط بالعرض وبالتّبع ومنها ما لا يقبل الجعل التأليفى التشريعى الّا تبعا ومنها ما يمكن فيه الجعل بانشائه استقلالا كالتكليف وتبعا للتكليف بان يكون منشأ لانتزاعه فالاوّل هو ما كان علّة للتكليف او كان من اجزائها كالسببيّة والشرطيّة والمانعيّة والرافعيّة لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه فانّه غير قابل للجعل التشريعى التأليفى لا اصالة ولا تبعا أمّا الاوّل فلما عرفت من انّ جعل السببيّة ونحوها لما ليس بسبب ليس الّا كجعل الحلاوة لما ليس بحلو فكما لا يتحقّق الحلاوة فى الشيء بمجرّد قوله جعلته حلوا فكذلك لا يتحقّق السببيّة لشيء بمجرّد جعله سببا تشريعا فانّ هذا العنوان لا يكون الّا لاجل خصوصيّة فى الشيء مستدعية لهذا العنوان ولذا صار هذا الشيء مختصّا بهذا العنوان دون غيره والّا لم يكن وجه لتخصيصه بهذا العنوان دون غيره وتسمية الشيء الفلانى بالسّبب والآخر بالشرط لا تكون الّا لاجل خصوصيّة فى كلّ منهما مستدعية لذلك والّا لجاز ان يسمّى كلّ منهما باسم الآخر فما صار سببا لامتياز كلّ عن غيره وامتياز غيره عنه هو الخصوصيّة الموجودة فى كلّ منهما فما ليس فيه تلك الخصوصيّة الموجبة لذلك يكون مثل ما ليس فيه الحلاوة فكما انّ انشاء الحلاوة وجعلها تشريعا لا يكاد يؤثّر فى تحقّقها فكذلك جعل السببيّة لما ليس فيه تلك الخصوصيّة فمجرّد قول المولى هذا سبب انشاء بان يكون المقصود حصول معناه به لا يؤثّر فى حصوله وتحقّقه بل يكون الشّيء على ما كان عليه قبل الانشاء بلا تفاوت فان كان هذا الشيء قبل هذا الانشاء مشتملا على الخصوصيّة المستدعية لكونه سببا يكون على تلك الحال ويكون الانشاء لغوا لكونه تحصيلا للحاصل وان لم يكن قبله مشتملا عليها فلا فائدة فى هذا الإنشاء لا يقال انّ ايجاب ما لم يكن واجبا يكون ايضا لخصوصيّة ومصلحة مستدعية لايجابه ومع ذلك

٥٤٤

يتحقّق بمجرّد انشائه بعد ما لم يكن فليكن المفروض فى هذا القسم كذلك فانّه يقال انّ الايجاب كسائر الاحكام التكليفيّة وان كان تابعا لمصلحة كامنة فى الفعل او فى الامر به على القولين فى المسألة على مسلك العدليّة الّا انّه لا دخل له بما ذكرت فانّ النّهى عن الفحشاء مصلحة مقتضية لايجاب الصّلاة على المكلّف فى الاوقات الخمس والشّارع اذا لاحظه ورآه واجدة للخصوصيّة المستتبعة للامر بالصّلاة فيأمر بها وينشأ وجوبها واذا لم يكن فيها هذه الخصوصيّة لم يأمر بها واين هذا ممّا أوردت لا يقال مقتضى كون الشّارع قادرا على كلّ شيء هو كونه قادرا على جعل السببيّة لدلوك الشّمس بمجرّد إنشائه فإنّه يقال ليس محلّ الكلام هو الايجاد والتكوين وانّما هو فى الجعل والتشريع وانّ مجرّد قوله جعلت هذا سببا وقصد حصول معناه به هل يؤثّر فى حصوله وتحقّقه واذا قلنا بالعدم لا يلزم منه العجز الّذى هو من نقصان الوجود ومناف لمرتبة الموجود التامّ الّذى وجوده فوق الكمال والتّمام وتساوى القادر تعالى مع غيره فى هذا لا يكون نقصا عليه تعالى وبالجملة الكلام فى انّ السّبب الجعلىّ هل يؤثّر كالحقيقى بمجرّد جعله وانشائه سببا من دون ان يتغيّر عمّا هو عليه من الذاتيّات والصّفات فالدّلوك يؤثّر فى الوجوب بمجرّد انشاء السببيّة له مع انّه لم يكن كذلك قبله وهو الآن فى ذاته على ما كان عليه من قبل بلا تفاوت اصلا وهذا لا ربط له بقدرة الشّارع وعجزه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا فان قلت ما يصحّ الاخبار عنه يصحّ انشائه فاذا صحّ قول المولى جعلت الدلوك سببا اخبارا صحّ قوله جعلته سببا انشاء فانّ الانشاء قليل المئونة وليس الّا قصد حصول المعنى باللّفظ وشبهه كما انّ الاخبار به حكايته وبيان تحقّقه فى موطنه بهما قلت إنّ الانشاء وان كان قليل المئونة ومنطبقا مع الاخبار موردا الّا انّه لا يلزم ان يكون الانشاء ذا فائدة فى كلّ مورد كما انّ الاخبار ايضا لا يلزم ان يكون كذلك فالقول بانّ كلّما يصحّ الاخبار عنه يمكن انشائه مسلّم الّا انّه ربما يكون الانشاء كالاخبار لغوا لا يترتّب عليه اثر وكلامنا فى انّ انشاء السببيّة لما ليس بسبب لغو لا يترتّب عليه اثر كما انّ انشائها لما فيه الخصوصيّة المستتبعة لها لغو ايضا وكيف ما كان انشاء السببيّة لما ليس فيه ما يوجب ذلك من دون ان يغيّره عمّا هو عليه يكون لغوا وان غيّره رجع الى التكوين وهو غير مقام الجعل والتشريع والحاصل انّه لا يؤثّر شيء فى شيء من دون حصول ربط بينهما تكوينا والّا لزم ان يؤثّر كلّ شيء فى كلّ شيء وهذا الرّبط لا يتحقّق بمجرّد انشاء مفهومه وما يوجب حدوث ذلك الربط خارج عن مقام التشريع وامّا الثانى وهو عدم امكان جعله تبعا للتكليف فلانّ التكليف متأخّر عن هذه الامور بالطبع حدوثا وارتفاعا ولا يوجد قبل وجودها ولا يرتفع قبل ارتفاعها واذا كان كذلك فكيف يعقل ان يكون منشأ لانتزاعها وان شئت قلت هذه الامور علّة لحدوث التكليف وكيف يعقل ان يكون المعلول منشأ لانتزاعها ومن المستحيل تاخّر السبب عن المسبّب وتقدّم المعلول على العلّة فإن قلت ينتقض قولكم بعدم امكان جعل هذه الامور وعدم قابليّة هذا النّحو من الوضع لذلك

٥٤٥

استقلالا بالدلالة الحاصلة من الوضع وبالملكيّة المتحقّقة بالعقد وتقريب الاوّل انّه لو قال الواضع جعلت هذا اللفظ دالّا على هذا المعنى أثر وضعه وجعله فى الدلالة حيث انّه لم يكن دالّا عليه قبل الوضع والمؤثّر فى دلالته هو الوضع واذا امكن انشاء تاثير اللفظ بقوله جعلت اللّفظ للدلالة على هذا المعنى فليكن كذلك انشاء السببيّة وغيرها من اجزاء العلّة للتكليف وتقريب الثانى انّه قد جعل العقد وغيره من الاسباب كالموت سببا لاختراع الملكيّة ومنشأ لانتزاعها ولم تكن حاصلة قبل السبب المجعول فيكون المصحّح لاختراعها هو احد تلك الاسباب بمجرّد جعله وإنشائه قلت أمّا النقض بالدلالة الحاصلة من الوضع فالمراد من الدّلالة امّا ان يكون هو الدلالة التصوّرية وخطور المعنى فى الذهن بمجرّد احساس اللّفظ الدالّ بالسمع او بالبصر او بغير ذلك او التّصديقيّة بمعنى التصديق بكون الموضوع له مرادا عند اللّافظ فإن كان المراد من انّ المؤثّر فى الدلالة نفس الوضع هو انّه المؤثّر فى الاخطار فنمنع كون الوضع سببا له ولذا يخطر المعنى الى الذّهن عند نفى الوضع بمجرّد احساس اللّفظ فلو قال القائل ما وضعت هذا اللّفظ لهذا المعنى لكان سماعه من وراء الجدار موجبا لاخطار ذاك المعنى الى الذّهن ويكشف ذلك عن انّ المؤثّر فى الدلالة ليس نفس الوضع والجعل بل السّبب للدّلالة هو العلم بالمعنى الموضوع له والالتفات اليه نعم يكون له دخل فى تحقّق هذه الدلالة ولكن اين هذا من دعوى حصول الدلالة التصوّرية من الوضع فان قلت لو كان الامر كما ذكرت فلنا ان نمنع فى باب التكاليف تحقّقها بمجرّد انشائها فلا يكون المؤثّر فى حدوث الايجاب بعد كونه مسبوقا بالعدم انشائه بل المؤثّر هو العلم والالتفات اليه والغاية انّ للانشاء دخلا فى تحقّق الايجاب مع انّ المسلّم فى باب التكاليف تحقّقها بمجرّد إنشائها قلت العلم بالايجاب يكون موجبا لتنجّز التكليف ومتمّما للمرتبة الّتى يوجب ترتّب المثوبة على موافقة الايجاب والعقوبة على مخالفته ولا ريب فى انّ الايجاب يتحقّق بانشائه قبل العلم به ويكون لموافقته ومخالفته مع قطع النظر عن تعلّق العلم به آثار والغاية انّه لا يوجب مخالفته فى هذه المرتبة استحقاقا للعقوبة والذّم لوضوح كون ذلك من آثار تنجّزه وعدم ترتّب آثار المرتبة اللاحقة لا يقتضى نفى المرتبة السّابقة واصل التكليف فنفس انشاء الايجاب هو المؤثّر فى حصوله وتحقّقه وهذا بخلاف اخطار المعنى الموضوع له فى الذّهن حيث لا يخطر المعنى فى ذهن السّامع بمجرّد وضع اللّفظ دالّا على المعنى والّا لكان اللّازم اخطاره قهرا مع الغفلة عن الوضع والمعنى لانّ الفرض كونه مؤثّرا فى الدلالة التصوّرية فيكشف عدم اخطاره فى هذا الفرض عن عدم كون المؤثّر فى الدلالة مجرّد الوضع بل المؤثّر هو الالتفات إليه وبالجملة تحقّق الدّلالة التصوّرية بواسطة الالتفات الى المعنى الموضوع له غير حصولها وتحقّقها بمجرّد الوضع وان كان المراد انّ المؤثّر فى حصول العلم بارادة المعنى الموضوع له من اللّفظ او فى حصول الظّن بها هو

٥٤٦

نفس الوضع فهو ايضا ممنوع لانّ التصديق بكون مراد اللّافظ من هذا اللفظ هو المعنى الموضوع له لا يكون مترتّبا على الوضع بل التصديق المذكور مترتّب على أمور منها أن يكون عالما بالوضع وملتفتا إليه ومنها العلم بمتابعة اللّافظ فى هذا الاستعمال الواضع على النحو الخاصّ لا المتابعة بالمعنى الاعمّ بناء على كون ارادة المعانى المجازيّة من الالفاظ بمتابعة الواضع وترخيصه نوعا وبعبارة اخرى المجدى فى تحقّق هذه الدلالة هو العلم او الظّن بكون اللّافظ تابعا للواضع بالمعنى الاخصّ اى استعماله اللفظ فيما جعله الواضع دالّا عليه ومنها العلم او الظّن بانّ اللّافظ قد استعمله للتفهيم جدّا بمعنى انّ الارادة الجديّة تعلّقت بتفهيم المعنى الموضوع له وامّا اذا كان الاستعمال لينتقل منه الى غيره كما فى الكنايات او ليكون حجّة ما لم يقم قرينة على خلافه كما فى العمومات على مسلك التّحقيق فلا يكاد يجدى فى تحقّق هذه الدلالة وبعد احراز هذه المقدّمات يترتّب قهرا كون المعنى الموضوع له مرادا للّافظ وترتّب الدلالة التصديقيّة على العلم او الظّن بهذه الامور غير حصولها بمجرّد الوضع والجعل ولاجل عدم مدخليّة مجرّد الوضع فى ذلك ربما تحصل الدلالة التصديقيّة بارادة معنى غير الموضوع له لو علم انّ اللّافظ استعمل فى هذا المعنى غلطا او مجازا بناء على كون ارادة المعانى المجازيّة من جهة الاستحسان وملائمة الطّبع لا من جهة الوضع نوعا كى لا يكون من متابعة الواضع اصلا او استعمله من حيث ارادة الوضع بهذا الاستعمال وكان هو الواضع فانّه يحصل العلم بارادة المعنى فى هذه الصور المعلوم كون الدلالة فيها من غير جهة الوضع هذا كلّه بناء على كون الوضع هو جعل اللّفظ بازاء المعنى وامّا بناء على كونه نحو ربط بين اللّفظ والمعنى فلا يكاد يخفى على احد عدم مساسه بما هو المقصود أصلا وامّا النقض بالملكيّة الحاصلة بالعقد فيردّه انّ الشّارع هو مخترع الملكيّة وجاعلها عند احد الاسباب لا انّه جعل هذه الاسباب منشأ لاختراعها فالمنشأ هو نفس جعله واىّ منشأ اولى من جعل من له ملك السّماوات والأرض وأمّا وجه جعله لها عند هذه الاسباب فهو امر آخر لا دخل له بما هو محلّ البحث فالملكيّة لها نفس امريّة ويكفى فى منشأها جعل الله تعالى واعتباره ملكيّة شيء لأحد او ولاية احد لاحد ومن هنا ينقدح الكلام فى بناء العقلاء على اختراع الملكيّة عند احد اسبابها فانّ ذلك امّا من جهة جعل السّلطان الاختيارى او الاجبارى اعتبارها عند هذه الاسباب او من جهة بنائهم بانفسهم على ذلك فمنشأ اختراع الملكيّة واعتبارها امّا جعله تبارك وتعالى وامّا جعل الرئيس الاختيارى او الاجبارى او نفس بناء الجماعة على ذلك وليس العقد سببا بجعل الشّارع سببيّته لحصول الملكيّة وكذا بناء العقلاء على الملكيّة عند اسبابها ليس من جهة جعلهم هذه الاسباب منشأ لها وذلك لاستحالة صيرورتها منشأ لها بمجرّد جعلها منشأ فلا بدّ ان يكون اعتبارها عند وجود السّبب من حيث بناء الشرع والعقلاء على اختراعها واعتبارها عنده ومنشأ الاختراع هو جعل من له الجعل واقعا او بناء نعم جعل الملكيّة لا بدّ ان يكون عن

٥٤٧

مصلحة او داع عقلائىّ او غير عقلائىّ ولكنّه قد اشرنا الى عدم دخله بما نحن فيه وهو بطلان حصول السببيّة لشيء بمجرّد انشائها له ما لم تكن فيه خصوصيّة مستدعية لذلك والّا فمن الواضح انّ الجعل حيث انّه من الافعال الاختياريّة لا بدّ له من علّة فلا يكون الّا عن مصلحة او داع يدعو الى جعله والحاصل ما كان بهذا النّحو من الوضع بان كان من اجزاء علّة التكليف فهو غير قابل لان يتعلّق به الجعل التأليفى بكلا قسميه فلا يصحّ انشاء السببيّة لما ليست فيه خصوصيّة مستتبعة للتأثير ولا انتزاعها من خطاب ايجاب الصلاة عند الدلوك لعدم اتّصاف الدلوك بها حقيقة والّا يلزم تاخير السّبب عن المسبّب نعم لا بأس باطلاق السبب على الدلوك مجازا من جهة كون السبب موجودا فى هذا الحال وكذا يصلح هذا النحو من الوضع لان يتعلّق به الجعل البسيط بالعرض وبالتبع فانّ ايجاد ذات السبب وتكوينه مستلزم لايجاد ما فيه من الخصوصيّة المستدعية لكونه سببا او شرطا ففى مقام الجعل التكوينى للماهيّات يصحّ ان يقال بكون لوازمها مجعولة بتعا وبالعرض وامّا القسم الثاني وهو ما لا يقبل الجعل التأليفى التشريعى الّا تبعا فهو كالجزئيّة والشرطيّة ونحوهما لما هو جزء للمامور به او شرط له وذلك لوضوح انّه لا يتّصف شيء بجزئيّته مثلا للمامور به الّا بعد تعلّق الامر بالمركّب الّذى يكون هذا جزء له فلا يصحّ تعلّق الجعل بالجزء الّا تبعا والسرّ في ذلك انّ الشيء ما لم يؤخذ على نحو خاصّ فى متعلّق الامر لا يتّصف بعنوان الجزئيّة او الشرطيّة او المانعيّة او القاطعيّة ولو انشاء له هذا العنوان ويتّصف بواحد منها اذا اخذ فى الجملة بوجوده او عدمه جزء او قيدا فاذا تعلّق امر بامور لوحظ فيها الاتّحاد والتقييدات الوجوديّة والعدميّة كان ذلك الامر منشأ لانتزاع الجزئيّة او الشرطيّة والمانعيّة لتلك الامور وبواسطة الامر المتعلّق بها يصحّ ان يقال هذا جزء للمامور به او شرط له واذا لم يتعلّق أمر بها ما اتّصف شيء منها بكونه جزء للمأمور به او شرطا له والأمر بالمركّب وان كان مسبوقا بتصوّر اجزائه وما له دخل فى المطلوب وجودا وعدما وتصوّر ما فيها من المصلحة الداعية الى الامر بالمجموع الّا انّ مجرّد هذا لا يكفى فى انتزاع الجزئيّة والشرطيّة ويستحيل تحقّق عنوان الجزئيّة للمأمور به وانتزاع هذا العنوان الّا بعد الامر بالمركّب وبعد لحاظ تعلّق الامر يتحقّق الجزئيّة والشرطيّة واذا كان تحقّق هذه العناوين حاصلا بعد تعلّق الامر بجملة امور اعتبرت بكيفيّة خاصّة فلا حاجة الى جعل تلك العناوين بل لو نهى عن كون شيء جزء للمأمور به بعد ما كان مأخوذا وملحوظا فيه لما كاد يفيد هذا النّهى فى رفع عنوان الجزئيّة ونفس امريّته الّا ان يكشف هذا النّهى عن عدم تعلّق الامر بالمركّب منه وقبل تعلّق الامر لا يحصل لهذه العناوين نفس امريّة ولو فرضنا محالا تعلّق الانشاء بها لما عرفت من عدم صلوحها للانشاء التشريعى قبل الامر وعدم الحاجة اليه بعده الّا ان يكشف انشائها عن تعلّق الامر بالمركّب المقيّد بها وامّا

٥٤٨

القسم الثالث فهو كالحجيّة والقضاوة والملكيّة وغيرها من الامور الاعتباريّة ذوات الآثار شرعا او عرفا ومن الممكن عقلا ان يكون لهذه الامور جعل استقلالا كجعل الولاية لشخص ممّن له الجعل وان ينتزع تبعا للتكليف على اختلافه من الايجاب والتحريم والاباحة وغيرها فيكون التكليف منشأ لانتزاعها وانّما الكلام فى تعيين واقعيّة هذه الامور وانّها على اىّ من الوجهين والتّحقيق انّها مجعولة بالاستقلال فانّ كلّ حكم من الاحكام لو لاحظناه نرى انّه فى اىّ مورد كان لا يكون منشأ لها مثلا نرى كون المعاطاة مفيدا للاباحة على مسلك المشهور واباحة التصرّف لكلّ واحد من المتعاطيين لا يصلح لانتزاع الملكيّة فى موردها وكذا من البديهى عدم صحّة انتزاع الزوجيّة من وجوب الانفاق وجواز النظر ففى غير مورد تكون هذه الاحكام ثابتة ولا ينتزع منها الزوجيّة كما فى وجوب الانفاق على الامّ وجواز النظر الى بدنها وكما فى جواز وطى الجارية بالتحليل وربما نرى ثبوت الملكيّة لشيء مع منع المالك من التصرّف فيه لكونه محجورا فذلك يشهد بعدم انتزاعها بتبع التكليف حيث لا تكليف فى المحجور يصلح لذلك مع ثبوت الاضافة الخاصّة بينه وبين الشيء فهذه الأمور معتبرة بمجرّد جعل من له الجعل سواء كان له ذلك بالذّات كالله تعالى وامنائه من الانبياء والاوصياء او كان له بالاعطاء كمن اعطى له الولاية فى المال ونحوه فصاحب الامر ومن بيده اختيار المال يجعل الشيء الفلانى ملكا لعمرو من دون نظر الى انتزاعه من التكليف اصلا ولو كانت الملكيّة بعد تمليك من بيده اختيار المال موقوفا على ثبوت حكم وانتزاعها منه لزم ان لا يقع ما قصد وان يقع ما لم يقصد فانّ المالك يقصد تحقّق الملكيّة بالعقد الواقع مع انّها لا تقع على القول بانتزاعها من التكليف بل على هذا القول ما يتحقّق من قبل العقد هو اباحة التصرّف للمشترى وهى غير مقصودة وبعد تحقّق الاباحة يخترع الملكيّة ويحصل اعتبارها بتبع اباحة التصرّف والمهمّ فيما نستند اليه فى كون هذه الامور متاصّلة فى الجعل والاعتبار هو كثرة التفكيك بينها وبين التكليف فربّ مورد يكون الحكم فيه اباحة التصرّف وجواز الوطى وجواز النّظر ولا يصحّ انتزاع الملكيّة او الزوجيّة وربّ مورد يكون الحكم فيه حرمة التصرّف او لا يكون فيه تكليف كالمحجور والصّبى ومع ذلك يصحّ اعتبار الملكيّة ونرى صحّة اعتبار الولاية بمجرّد جعلها ممّن له ذلك من دون ان يلحظ فيه حكم بل حيث انّها من الاعتبارات الّتى تكون لها آثار واحكام ينظر الى تلك الاحكام بعد جعلها ولا ينظر فى اعتبارها الى احكامها ويشهد لما ذكرنا ما ورد فى الشرع من القضايا الظاهرة فى جعل الحكم الوضعى كحديث من اتلف ومقبولة عمر بن حنظلة الّتى رواها المشايخ الثلاثة عن الحجّة ارواحنا فداه المشتملة على قوله ع فانّى قد جعلته عليكم حاكما وقوله ع الماء كلّه طاهر الى غير ذلك قوله هذا كلّه فى السّبب والشّرط) فيه نوع مسامحة لوضوح انّ المراد السببيّة والشرطيّة ونحوهما قوله (وامّا الصحّة والفساد فهما فى العبادات) اى على

٥٤٩

اصطلاح المتكلّمين ومن الواضح انّهما بهذا المعنى يكونان من الاوصاف الّتى لا دخل لها بالجعل الشرعىّ وامّا على اصطلاح الفقهاء فهما عبارتان عن اسقاط القضاء وعدمه وبهذا المعنى ايضا لا يكونان مجعولين فانّ القضاء انّما هو لتدارك ما فات ومع عدم الفوت لا قضاء ومعه لا اسقاط فعدم التدارك مع عدم الفوت كالتدارك وثبوت القضاء مع الفوت ليس امرا مجعولا بل التعبير بالقضاء ليس الّا لخروج وقت العبادة وفوت مصلحة الوقت وهو لا يتدارك فهما بكلا المعنيين ليسا بجعل جاعل وانّما يكونان انتزاعيّين وعلى ما سنذكره من انّ الظاهر كون الصحّة عند الكلّ بمعنى التماميّة فهما ايضا عنده من الامور الانتزاعيّة وامّا فى المعاملات فالفساد بمعنى عدم ترتّب الاثر ومرجعه الى امر عدمىّ موافق للاصل وامّا الصحّة بمعنى ترتّب الاثر فالاثر المترتّب ان كان من قبيل الاحكام التكليفيّة كإباحة التصرّفات فى البيع والصّلح والهبة فالكلام فيها حينئذ هو الكلام فى السببيّة للتكليف اذ يرجع صحّتها حينئذ إلى سببيّتها لآثارها وان كان من قبيل الملكيّة والزوجيّة والحريّة والطّهارة فهذه الامور بنفسها ليست احكاما شرعيّة مجعولة نعم الحكم بثبوتها اى الاخبار عنها والتّصديق بها من دون جعل شرعىّ وهى إمّا أن تكون منتزعة من الاحكام التكليفيّة ومعنى الملكيّة كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه والطّهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله فى الاكل والشرب فأسبابها حينئذ تكون كمسبباتها انتزاعيّة وتكون اسبابا للحكم التكليفى وإمّا أن تكون امورا واقعيّة كشف عنها الشارع فتكون اسبابها ايضا كذلك هذا ما أفاد في معنى الصحّة والفساد وغيرهما من الاحكام الوضعيّة وقد فصّلنا الكلام فى انّ الّذى اراه ويختاره النظر القاصر هو انّ ما ذكره قدس‌سره حقّ لا محيص عنه فى السببيّة والشرطيّة وغيرهما ممّا كان علّة للتكليف او كان من اجزائها فانّها مفاهيم انتزاعيّة ولا يتصوّر فيها الجعل التشريعى لا اصالة ولا تبعا وامّا الجزئيّة والشرطيّة لما هو جزء للمأمور به او شرط له فهى تقبل الجعل تبعا وامّا الملكيّة والزوجيّة والحريّة والطّهارة والنجاسة والحجيّة والقضاوة والولاية والوكالة والضّمان وغيرها ممّا يعدّ من الاحكام الوضعيّة فهى مجعولة بالاصالة وتكون امورا اعتباريّة ذوات آثار شرعا وعرفا والموجود الاعتبارى متاصّل فى عالم الاعتبار ولا مانع من تحقّق امر بوجوده الاعتبارى بنفس اعتبار المعتبر اذا كان شرائط اعتباره موجودة وامّا الصحّة والفساد فيصحّ ان يقال ان الصحّة فى العبادات والمعاملات جميعا عند الكلّ بمعنى واحد وهو التماميّة كما هى معناها لغة وعرفا ولكن يختلف ما هو المطلوب فى بابهما من الآثار الّتى بالقياس اليها يتّصف العمل بالتماميّة وعدمها فالصحّة فى العبادة والمعاملة بمعنى واحد والاختلاف بين الفقيه والمتكلّم انّما هو لاجل الاختلاف فيما هو المهمّ من الآثار عند كلّ من الطّائفتين وعلى هذا فيمكن ان يكون شيء واحد صحيحا عند كلّ من الفقيه والمتكلّم وان يكون صحيحا عند احدهما وفاسدا عند آخر وذلك لانّ الامر فى

٥٥٠

الشريعة قد يكون واقعيّا وقد يكون ظاهريّا والانظار فى الثانى من حيث الاجزاء وعدمه مختلفة ويكون موافقته مفيدة للاجزاء عن الامر الواقعى ومسقطا للاعادة والقضاء عند فقيه فتكون العبادة صحيحة عنده وغير مفيدة عند آخر وغير مسقط لهما فتكون فاسدة وعلى هذا لو كان المراد من الامر عند المتكلّم فى تفسير الصحّة هو خصوص الامر الواقعى فموافقته موجبة لاتّصاف العبادة بالصحّة عند الفقيه والمتكلّم وامّا الامر الظاهرى فالعبادة الموافقة له لا تكون صحيحة عند المتكلّم وتكون صحيحة عند الفقيه القائل بالاجزاء وذلك لانّ على هذا التقدير لا يعدّ امتثال الامر الظاهرى عند المتكلّم اطاعة بحيث يترتّب عليها الثواب استحقاقا ومجازاة بل مقتضاه كون العبد فى مقام الانقياد ويستحقّ المثوبة تفضّلا والمدار فى الموافقة الّتى يترتّب عليها المثوبة بعنوان الجزاء هو الاتيان بما يكون محصّلا لتمام الغرض ومتضمّنا للمصلحة التامّة ولو كان المراد به فى تفسيرها عند المتكلّم ما يعمّ الامر الظاهرى فالعبادة الموافقة للامر الظاهرى تكون صحيحة عندهما بناء على الاجزاء وغير صحيحة عند الفقيه بناء على عدم الإجزاء إذا تقدّم هذا فنقول ظاهر عبائر الاكثر كونهما من الامور الاعتباريّة الصرفة المنتزعة ويدور تحقّقهما مدار تحقّق منشإ انتزاعهما والحقّ فى المقام هو التفصيل وبيانه ان الصحّة والفساد بناء على تفسير المتكلّم تكونان من لوازم الماهيّة المجعولة فينتزعان من تصوّر الطبيعة المامور بها اذا لوحظت موافقته لما امر به بمعنى انّه متى وجدت الطبيعة المامور بها فى الذّهن او الخارج ولوحظت مطابقتها لما امر به او عدمها انتزعت منها الصحّة والفساد نظير انتزاع الزوجيّة من الاربعة والفوقيّة من الفوق فكما تكون الزوجيّة للاربعة والفوقيّة للفوق ملازمة لذاتهما بحيث لا يتوقّف انتزاعهما على جعل ولا تنفكّان عن تصوّر ماهيّتهما فى الذهن او وجودهما فى الخارج فكذلك الصحّة والفساد على تفسير المتكلّم ينتزعان من مطابقة المتصوّر او المأتيّ به مع المامور به وعدمها من دون توقّف على تحقّق الفعل فى الخارج موافقا او مخالفا وليس لهما وجود آخر غير نفس المطابقة وعدمها فاذا لوحظت الطبيعة فى الذهن او مصداقها فى الخارج موافقة او مخالفة ترتّب عليهما الصحّة والفساد لكونهما من لوازمهما بل يكون وجودهما عين المطابقة والمخالفة وبالجملة تكون الصحّة والفساد على تفسير المتكلّم وصفين اعتباريّين منتزعين من مطابقة المأتيّ به مع المامور به وعدمها وامّا على تفسير الفقيه فالظاهر انّ الصحّة فى الاتيان بالعبادة الموافقة للمأمور به الواقعى تكون من لوازم وجود ماهيّة المأمور به فانّ العقل يحكم بالبداهة بكون هذا المأتيّ به مسقطا للاعادة والقضاء ولا يتصوّر معه ثبوتهما فالصحّة بهذا المعنى عند العقل بالنّسبة الى هذا الامر من لوازم وجود المأتيّ به كلزوم ضوء الشمس لها والاحراق للنار فكما انّ وجود الضوء والاحراق لا ينفكّ عن وجود الشمس والنّار ويكونان من لوازم وجودهما

٥٥١

وان كان وجود الضوء والاحراق غير وجودهما فكذلك الصحّة بهذا المعنى فاذا اتى بالعبادة موافقة لهذا الامر من دون اخلال بما اعتبر فيها ترتّب على المأتيّ به سقوطهما بحيث لا يعقل ثبوتهما معه وليس السقوط هنا من لوازم الماهيّة المامور بها ومن قبيل الزوجيّة بالنّسبة الى الاربعة بداهة انّه اذا وجدت الاربعة فى الذّهن او الخارج فالزوجيّة غير قابلة للرفع والانكار وهذا بخلاف المقام فانّ السقوط وان كان مترتّبا على الاتيان لا محالة الّا انّ ترتّبه عليه انّما يكون بعد وجوده فى الخارج مضافا الى انّه ربما يقبل الانكار كما نقل عن عبد الجبّار فى مسئلة الاجزاء انّه قال يمكن ثبوت الاعادة والقضاء مع الاتيان بالمأمور به الواقعى من قبل الامر الواقعى بحيث يكون بنفسه مقتضيا لثبوتهما فمن انكاره لاقتضاء الاتيان بالمأمور به الواقعى سقوطهما يستكشف انّه ليس فى البداهة من قبيل الزوجيّة للاربعة وان كان كلامه فى غاية السقوط وممّا ذكرنا يظهر لك الفرق بين معنى الصحّة عند المتكلّم ومعناها عند الفقيه فى المقام وان كانتا مشتركتين فى عدم تطرّق الجعل اليهما اصالة ولا تبعا وعدم كونهما انتزاعيّتين وأمّا الإتيان بالعبادة الموافقة للامر الظاهرى فيمكن ان يقال انّ الصحّة والفساد اى سقوط الاعادة والقضاء وعدمه يكونان مجعولين شرعا وكان الحكم بالسّقوط تخفيفا ومنّة على العباد مع تمكّنهم من تدارك المصلحة الفائتة وثبوت المقتضى للفساد هذا فى الحكم بالصحّة ويكون للشارع الحكم بالفساد وثبوت الاعادة والقضاء فإن قلت إنّ الحكم بالفساد حكم بعدم السّقوط وهو غير قابل للجعل قلت المراد من جعل الفساد هو استمرار المقتضى لعدم السقوط حيث كان له استمرار هذا العدم او تبديله بنقيضه فاذا استمرّه ولم يرفعه بالحكم بنقيضه فقد جعله واثبته وهذا هو المراد فى كلّ مورد تعلّق الحكم بالعدم وان شئت قلت انّ العدم مجعول كما فى باب الاستصحاب ويمكن ان يقال سقوط الاعادة والقضاء فى العبادة الموافقة للامر الظاهرى ليس الّا كسقوطهما فى العبادة الموافقة للامر الواقعى وتكون الصحّة من لوازم الاتيان بالمأمور به وتفصيله يطلب فى مبحث الإجزاء هذا كلّه فى الصحّة والفساد على التفسيرين بالنّسبة الى طبيعة العبادة المأمور بها وامّا الصحّة والفساد فى الموارد الخاصّة والمصاديق الخارجيّة فلا يكونان مجعولين بل هما وصفان ينتزعان من مجرّد انطباق المأتيّ به للمأمور به فى القسمين على كلا القولين ووجهه واضح فانّ بعد حكم العقل بالصحّة والفساد بواحد من المعنيين او حكم الشرع بترتّبهما على الطبيعة فمع انطباق الفرد والمصداق مع الطبيعة ينتزع الصحّة ومع عدم الانطباق ينتزع الفساد فيكون الصحّة والفساد من اللوازم المترتّبة على الفرد بحيث لا يمكن انفكاكهما عنه ولا يخفى عليك انّ التّفريق فى تفسير الطائفتين للصحّة والفساد انّما هو على مسلك المشهور من عدم وجود الجامع بين التفسيرين وامّا على ما قدّمناه من تفسير الصحّة بالتماميّة فلا ريب فى أنّها ح غير مجعولة وتكون نظير الزوجيّة للاربعة

٥٥٢

وامّا الصحّة فى المعاملات بالمعنى الاعمّ على وجه يشمل الواجبات التوصليّة الّتى يكون الغرض حصولها فى الخارج كيف ما اتّفق فلا يبعد كونها مجعولة وان قلنا بعدم معقوليّة جعل الاسباب فى مقام التشريع توضيح ذلك ان حكم الشارع بترتّب الملكيّة والزوجيّة والحريّة وغير ذلك من الامور الاعتباريّة على العقد الكذائى دون غيره يكشف عن جعله لهذه الآثار عند حصول العقد الكذائى ابتداء او امضاء لوضوح انّه لو لا جعله لما كانت الامور المذكورة تترتّب عليه لاصالة الفساد واذا كانت الصحّة وهو ترتّب الاثر على العقد او سبب آخر بيد الشارع وكان بيانه من شأنه ولو على وجه الامضاء كان ذلك اقوى شاهد على مجعوليّة الصحّة فى المعاملة وان كان حكمه بترتّب الاثر على مذهب العدليّة كاشفا عن اقتضاء مصلحة موجبة لهذا الحكم وحكمه بالفساد وهو عدم الترتّب ايضا كاشفا عن عدم المصلحة والقول بانّ الحكم بعدم ترتّب الاثر مطابق للعدم الأزليّ المستمرّ وهو غير قابل للجعل يدفعه ما عرفت من انّ الجعل ح هو ابقاء العدم بحاله حيث انّ له تبديله بالوجود ومع عدم تبديله وابقائه على حاله بالارادة صحّ كون العدم محكوما بالبقاء بجعله كما انّ القول بانّ الآثار المترتّبة على المعاملات من الامور الانتزاعيّة والاختراعيّة الّتى لا تتخلّف عن منشأ انتزاعها متى تحقّق فواقعيّتها انّما هى بوجود المنشإ لها واذا وجد المنشأ ترتّب عليه الآثار المذكورة قهرا وان لم يوجد فلا وجود لها غاية الامر انّ الشّارع العالم بحقايق الاشياء لمّا يرى العقد الكذائى مؤثّرا ومنشأ لانتزاع الاثر دون العقد الآخر يكشف الواقع لنا ويخبرنا به واين هذا من الجعل يدفعه أنّ الامور الانتزاعيّة على قسمين أحدهما ما لا يكون انتزاعه من منشائه منوطا بمصلحة كالفوقيّة والتحتيّة والامر فيه كما ذكر وثانيهما ما يكون اختراعه وانتزاعه من منشائه دائرا مدار وجود المصلحة وما هو منوط بها وبوجود الدّاعى لا يكون ترتّبه قهريّا والدّاعى وان كان يوجب احداثا فى النفس لترتّب الاثر الّا انّه لا يلزم من ذلك خروج ترتّب الاثر عن الاختيار وعن كونه مجعولا ويدلّك على هذا انّ مع وجود الدّاعى لو كان المولى مجازفا كان له ان يختار خلافه جزافا ويشهد على ما ذكرنا ايضا انّ الاحكام التكليفيّة باسرها تابعة للمصالح والمفاسد وتبعيّتها لهما لا يوجب دائما ان يكون الحكم بايجاد الفعل او تركه الموافق للحكمة خارجا عن الاختيار والّا لزم نفى الإرادة بل القدرة عن الشارع تعالى عن ذلك علوّا كبيرا فانّ ذاته الاقدس يأمر من جهة المصلحة اختيار او ينهى من جهة المفسدة مريدا كما هو واضح بل يلزم أن يكون افعال العباد المبتنية على المصالح والاغراض صادرة عنهم قهرا وبلا اختيار ولذا ترى اختصاص بعض الاحكام ببعض الاوقات والاحوال مع انّ المصلحة الملزمة لاثباته او نفيه غير مختصّة بذلك فقس عليها الاحكام الوضعيّة فكما أنّ فى جعل الاحكام التكليفيّة يلاحظ الشّارع الشّيء بحدوده وقيوده من الزمان والاشخاص والاحوال وغير ذلك من الجهات وينشأ الحكم ويجعله وربما يكون الشيء الواحد متعلّقا لاحكام مختلفة باختلاف الازمان والشرائع فكذا

٥٥٣

فى الاحكام الوضعيّة حيث انّه يلاحظ ما هو المنشأ لانتزاع بعض الامور الاعتباريّة بجهاته الواقعيّة وبما فيها من المصلحة والمفسدة وبما لها من الحدود والقيود ويجعله سببا او شرطا او مانعا وقديرى فيه مع كونه مشتملا على المصلحة نقصا ومفسدة ايضا من بعض الجهات فيجعله غير سبب كالبيع الربوى وعدم كون الشارع مجازفا وخارجا عمّا يقتضيه الحكمة لا يوجب كونه مقهورا فى حكمه بما يوافق المصلحة ويكفى فى كونه مختارا عدم حكمه بخلاف ما يقتضيه الحكمة فى الامضائيّات من المعاملات فان له الرّدع عنه جزافا ويؤيّد ما ذكرنا انّ الاحكام الوضعيّة كالتكليفيّة فى جواز طروّ النسخ عليها واذا لم يكن وضعها ورفعها بالمعنى المذكور بيد الشارع لا تكون قابلة للنسخ نعم الصحّة فى المصاديق الخارجيّة والمعاملات الشخصيّة لا تكون مجعولة لما عرفت فى الصحّة فى افراد العبادات وبالجملة ما يقوى فى النظر فى معنى الصحّة فى المعاملة هو كونها مجعولة وانّ ترتّب الاثر على المعاملة الكذائيّة انّما هو بجعل الشارع واعتباره الملكيّة وغيرها من الامور الاعتباريّة عند حصول اسبابها ابتداء او امضاء ولا وجه لما افاده قدس‌سره فتدبّر ولا يخفى انّ بناء على القول بكون الاحكام الوضعيّة احكاما مجعولة مستقلّة يجرى الاستصحاب فى نفس الحكم الوضعىّ فكما يحرم نقض اليقين بالوجوب او الحرمة بالشكّ فيهما فكذلك يحرم نقض اليقين بالطّهارة والنجاسة بالشكّ فيهما وعلى القول بكونها منتزعة من التكاليف والطّهارة مثلا منتزعة من جواز استعمال الشيء فيما يعتبر فيه الطّهارة والنّجاسة منتزعة من عدم جواز استعماله فى الاكل والشرب فجريان الاستصحاب فى التكليف يغنى عن الوضع وكان مقتضى استصحاب جواز الدّخول فى الصّلاة مصاحبا للشّيء المشكوك فى طهارته ونجاسته او استصحاب جواز اكله هو الحكم ببقاء طهارته تعبّدا باعتبار ابقاء منشأ انتزاعه وعلى القول بكونها من الامور الواقعيّة الّتى كشف عنها الشّارع كان استصحاب الوضع من استصحاب الموضوع وتكون الطّهارة والنّجاسة الشرعيّة كسائر الموضوعات ولا اشكال فى حجيّته فيها بمقتضى الاخبار اذا كانت لها آثار شرعيّة وعلى المختار ففى القسم الاوّل من انحاء الوضع وهو كلّما له دخل فى تحقّق التكليف فلا يجرى فيه الاستصحاب لانّ المستصحب لا بدّ ان يكون امّا من الاحكام او من الموضوعات ذوات الآثار شرعا والسببيّة وامثالها لا تكون من احدهما امّا عدم كونها من الاولى فواضح وامّا عدم كونها من الثانية فلمعلوميّة عدم ترتّب اثر شرعىّ عليها من قبل الشّارع وان كانت داعية الى الايجاب وسببا للحكم الّا انّ الدّاعى الى الحكم ليس من موضوع ذاك الحكم وهل ترى فى امرك ونهيك مع وجود ما يدعوك اليه ان يكون امرك اثر او حكما للدّاعى فقس عليه الحال فى الامر الشرعىّ غاية الامر كون المرتّب بالفتح شرعيّا ولكنّ الترتيب عقلىّ وهو غير ان يكون الترتيب شرعيّا والسرّ في ذلك انّ الاستصحاب يصير سببا للتوسعة ويوسّع دائرة الحكم الشرعىّ اى ما يكون

٥٥٤

وضعه ورفعه فى مقام التشريع بيد الشارع فاذا كان المستصحب هو نفس الحكم فالامر واضح واذا كان موضوعا فمن جهة اثره المترتّب عليه شرعا وهو الحكم يكون فيه التوسعة وامّا اذا لم يكن حكما ولا موضوعا ذا حكم كان استصحابه مثبتا لما عرفت من عدم ترتّب الحكم الّا بعد حكم العقل بانّ الحكم ثابت وفى القسم الثاني وهو ما يقبل الجعل تبعا للتكليف كالجزئيّة للمأمور به يجرى الاستصحاب فى سببه ومنشأ انتزاعه فانّ الشكّ فيه ناش من الشكّ فى الامر بما يشتمل على هذا الجزء واذا جرى الاصل فى السّبب وهو التكليف بالكلّ لم يبق مجال لجريانه فى المسبّب نعم لو فرض عدم جريانه فى السّبب كما لو كان معارضا باصل آخر جرى فى المسبّب كما هو الشأن فى كلّ ما كان من السّبب والمسبّب وقد عرفت انّ الجزئيّة امر مجعول من قبل الشّارع ويكون وضعها ورفعها بيده ولو بتبع منشأ انتزاعها فيترتّب على استصحابها ما لها من الآثار الشرعيّة وفى القسم الثالث لا اشكال فى جريان الاستصحاب فيه ويترتّب عليه آثاره ويكون على عكس القسم الثانى حيث انّ الشكّ فى الحكم التكليفى هنا ناش عن الشكّ فى تحقّق الملكيّة واذا كان لها وجود فى السّابق يقينا كان استصحابها حاكما على استصحاب التكليف وكذا الكلام فى الولاية وغيرها الّا انّ فى استصحاب الحجيّة وعدمها كلام ياتيك فى تنبيهات الاستصحاب بقي امران لا بأس بذكرهما والتّنبيه عليهما الأوّل قال الشهيد الثّانى قدس‌سره فى تمهيد القواعد الحكم الشرعىّ خطاب الله تعالى او مدلول خطابه المتعلّق بافعال المكلّفين بالاقتضاء او التخيير وزاد بعضهم او الوضع ليدخل جعل الشيء سببا او شرطا او مانعا كجعل الله تعالى زوال الشمس موجبا للظّهر وجعل الطهارة شرطا لصحّة الصلاة والنّجاسة مانعا من صحّتها فانّ الجعل المذكور حكم شرعىّ لاستفادته من الشرع ولا طلب فيه ولا تخيير اذ ليس من افعالنا حتّى يطلب منّا او نخيّر فيه وتكلّف المقتصر على الاوّل بمنع كونها احكاما بل هى اعلام له او بعودها اليها اذ لا معنى للسببيّة الّا ايجاب الله تعالى الفعل عنده وللشرطيّة كذلك ونحوه عنده وللمانعيّة الّا التّحريم وهكذا وهو تكلّف بعيد ومع ذلك فيختلف كثيرا فى افعال غير المكلّفين كما ستقف عليه إذا تقرّر ذلك فمن فروع كون الحكم الشرعىّ لا بدّ من تعلّقه بافعال المكلّفين وذكر فروعا الى ان قال ومنها ما لو اتلف الصبىّ او المجنون ما لا فعلى مغايرة الحكم الوضعى للشرعىّ لا اشكال فيتعلّق بهما الضّمان لانّ اتلاف مال الغير المحترم سبب فى ضمانه والحكم الوضعى لا يعتبر فى متعلّقه التكليف ولكن لا يجب عليهما اداؤه ما داما ناقصين لانّ الوجوب حكم شرعىّ نعم يجب على وليّهما دفعه من مالهما ولا فرق بين ان يكون لهما مال حال الاتلاف وعدمه ومنها ما لو اودعا ففرّطا فانّه لا ضمان لانّ حفظ الوديعة غير واجب عليهما لانّه من باب خطاب الشرع ولو تعدّيا فيها فاتلفاها او بعضها ضمنا لما ذكرناه وفى هذين خلاف مشهور بين الاصحاب والموافق منه للقاعدة ما قرّرناه ومنها ما لو جامع

٥٥٥

الصبىّ او المجنون فانّه لا يجب عليهما ح الغسل لانّه من باب خطاب الشرع ايضا ولكنّ الجماع من قبيل الاسباب الّتى يشترك فيها المكلّف وغيره فيجب عند التكليف عليهما الغسل بذلك السبب السّابق اعمالا للسببيّة ولا يقدح فيه تخلّف المسبّب عنه لفقد الشرط كما لا يقدح تخلّفه عنه لوجود المانع فاذا وجد الشرط او زال المانع على السبب عمله ومثله القول فى وجوب الوضوء بالحدث الاصغر الواقع قبل التكليف لو حضر وقت عبادة مشروطة به بعده قبل وقوع حدث موجب له حينئذ ونظائر ذلك من الاحكام كثيرة الى ان قال ثمّ الاحكام بالنّسبة الى خطاب التكليف والوضع ينقسم أقساما فمنها ما يجتمع فيه الامران وهو كثير كالجماع وغيره من الاحداث فانّها يوصف بالاباحة فى بعض الاحيان وسبب فى وجوب الطهارة ويوصف بالتحريم مع بقاء السّبب وكذا فروض الكفايات فانّها مع الفرض سبب فى سقوط التكليف بها عن الباقين واصول العبادات واجبة وسبب فى عصمة دم غير المستحلّ لتركها والمعاملات توصف بالاحكام مع سببيّتها لما يترتّب عليها ومنها ما هو خطاب التكليف ولا وضع فيه ومثّل بجميع التطوّعات فانّها تكليف محض ولا سببيّة فيها ولا شرطيّة ولا مانعيّة ويشكل بانّها سبب لكراهة المبطل كالصّلاة المندوبة او لتحريمه كما فى الحجّ لوجوبه بالشروع ومنها ما هو خطاب وضع لا تكليف فيه كالاحداث الّتى ليست من فعل العبد من الحيض واخويه وكاوقات العبادة الموقّتة فانّها موانع واسباب محضة ومنها ما هو خطاب الوضع بعد وقوعه ومن خطاب التكليف قبله كسائر العقود فانّها قبل الوقوع يوصف بالاحكام الخمسة وبعد الوقوع يترتّب عليها احكامها انتهى كلامه رفع مقامه الثانى قد يذكر فى ثمرة الاختلاف وجوه آخر منها أنّه لو تبدّل رأى المجتهد بان ظنّ صحّة العقد بالفارسيّة ثمّ ظنّ خلافها فعلى القول بكون الاحكام الوضعيّة متاصّلة فى الجعل او فى الوجود كسائر الاوصاف الخارجيّة يستصحب بقاء الملكيّة ويترتّب عليها آثارها لانّ المفروض ثبوت الحكم الوضعى قبل ذلك ولا دخل له بالحكم التكليفى القابل للتبدّل والاحكام الوضعيّة على الفرض امور واقعيّة مجعولة ولا معنى لتبدّلها بالعلم والجهل فاذا تحقّق الملكيّة باعتقاد صحّة العقد بالفارسيّة لا تزول بزوال الاعتقاد ومحكومة بالبقاء وعلى القول بكونها منتزعة من التكليف فهى تابعة له واذا اختلف الحكم باختلاف الراى فلا جرم يختلف ما ينتزع عنه ويحكم بعدم الملكيّة ويندفع بانّ الحكم الوضعى على تقدير كونه مجعولا ليس الّا كالحكم التكليفى فكما انّ الحكم التكليفى الواقعى غير قابل للتبديل والظاهرىّ منه تابع لظنّ المجتهد فكذلك الوضع ما كان منه واقعيّا فهو ثابت على كلّ حال والظاهرىّ منه يتبدّل بتبدّل الرأى والفرق بين الحكمين بما ذكر فى غاية السقوط ومنها أنّه على القول بالجعل يصحّ نسبة الرفع اليها ويشملها حديث الرّفع وعلى القول بكونها منتزعة لا يصحّ ذلك ويندفع بانّ على القول بعدم الجعل يسند الرفع الى منشأ الانتزاع ويلزمه رفع الوضع المنتزع عنه فلا فرق الّا من حيث الرفع بالذّات او بالتّبع

٥٥٦

ومنها أنّه اذا شكّ فى شرطيّة شيء لوجوب شيء كالشكّ فى اشتراط الاستطاعة لوجوب الحجّ ممّا يرجع الشكّ فيه الى نفس التكليف او الشكّ فى شرطيّة شيء لواجب مامور به او جزئيّته له بعد ثبوت كونه واجبا كالشكّ فى شرطيّة طهارة الستر فى الصّلاة عند التعذّر حتّى يسقط بدونها وعدمها حتّى تبقى على وجوبها والشكّ فى انّ عدم الزيادة شرط فيها ام لا والشكّ فى انّ السّورة جزء لها ام لا كلّ ذلك من دون ان يكون هناك دليل لفظىّ مبيّن يتمسّك باطلاقه فعلى القول بانّ الاحكام الوضعيّة مجعولة او متاصّلة بالوجود كسائر الاوصاف الخارجيّة يحكم بعدم الاشتراط وعدم الجزئيّة لاحتياجهما الى الجعل والاصل عدمه ففى الشكّ فى الشرطية للتكليف اى فيما احتمل اشتراط الوجوب بشيء يحكم بكون الواجب مطلقا لا مشروطا ويجب تحصيل مقدّماته على المكلّف وفى الشكّ فى الشرطية للمأمور به اى فيما احتمل اشتراط الواجب بشيء بعد احراز اصل الوجوب يحكم بعدم تقييد الواجب به فيؤدّى بدونه وعلى القول بكونها انتزاعيّة من التكليف فلا يجرى اصالة عدم الجعل ولا بدّ من الرّجوع فى المثال الاوّل الى الاصل المقرّر فى دوران الامر بين الواجب المطلق والمشروط ومقتضى الاصل ثمّة كون الواجب مشروطا لكون الشكّ ح فى اصل التكليف وفى المثال الثانى الى البراءة او الاشتغال على الخلاف فى مسئلة الشكّ فى الاجزاء والشرائط ويندفع بانّ الحكم بكون الواجب مطلقا لا مشروطا فى المثال الاوّل والحكم بانّ الواجب غير مقيّد بالشرط او انّه الغير المشتمل على الجزء المشكوك فى المثال الثانى بناء على الجعل انّما هو من المثبت لانّ كون الواجب مطلقا او مشروطا ليس اثرا شرعيّا لعدم الجعل بل هو من لوازمه العقليّة او العرفيّة بسبب العلم الاجمالى من الخارج وقد مرّ الكلام فى ذلك مفصّلا فى الاقلّ والاكثر الارتباطيّين فراجع ومنها أنّهم اختلفوا بعد اتّفاقهم على وجوب ثلاثة اغسال على المستحاضة بالاستحاضة الكثيرة فى انّ الواجب عليها الوضوء لكلّ صلاة حتّى يجب عليها خمسة او يجوز لها الاكتفاء بكلّ من الوضوء والغسل ثلاثا فعند الشكّ فى ذلك يحكم بوجوب الاكثر على القول بجعل الوضع لوجود الاصل الموضوعى وهو بقائها على الحالة الحدثيّة وكونها محدثة فانّ برؤية الدّم يتحقّق حدثان اكبر واصغر والاوّل يرتفع بالاغسال الثلاثة وامّا الثانى فمشكوك ويستصحب الى ان يجيء الرافع يقينا وهو الوضوء لكلّ صلاة بخلاف القول بعدم الجعل فانّه يرجع ح إلى مسئلة البراءة والاشتغال عند دوران الامر بين الاقلّ والأكثر وكذا اختلفوا فيما ولغ فيه الكلب او الخنزير فى انّ الواجب غسله ثلاث مرّات او سبع فمع الشكّ على القول بجعل الوضع او كون الطهارة والنّجاسة من الاوصاف يحكم بوجوب السبع وعلى القول بعدم الجعل فبالنّسبة الى الاحكام الغيريّة كوجوب احراز الطّهارة لاجل الصّلاة متلبّسا بما ولغ فيه الكلب يرجع الى البراءة او الاشتغال على الخلاف وبالنّسبة الى الاحكام النفسيّة كجواز الشّرب وسائر الاستعمالات يرجع الى البراءة بالاتّفاق والعجب من المحقّق القمّى ره حيث اعترف بانّ

٥٥٧

الطهارة والنّجاسة من الاوصاف ومع هذا رجع فى المثال الى مقتضى البراءة مع انّ الاستصحاب حاكم عليها وكذا تمسّك جماعة من القائلين باشتراط نيّة الوجه فى الوضوء بانّ تحقّق الحدث معلوم وزواله بالوضوء بغير نيّة الوجه مشكوك فيستصحب الحدث الى ان يتحقّق الرافع يقينا وهو الوضوء المشتمل على نيّة الوجه فعلى القول بجعل الوضع كان لهذا الاستصحاب مع الشكّ وجه وعلى القول بعدم الجعل فلا وجه له اصلا لكون الشرطيّة حينئذ أمرا منتزعا من الخطابات الشرعيّة تابعة لها ولا بدّ من الرّجوع الى تلك الخطابات ليعلم انّها تفيد معنى ينتزع منه الشرطيّة ام لا وحيث لم تفد الخطابات الّا وجوب الاتيان بالوضوء بنيّة القربة ويقطع بعدم وجوب شيء زائد على ما هو المعلوم ومع الشكّ يرجع الى البراءة او الاشتغال على الخلاف وعليك بالتامّل فى هذه المسائل ونظائرها قوله (وعلى الثّانى يكون اسبابها كنفس المسبّبات) لا يخفى ما فيه من المسامحة كما مرّ اذ ليس المراد ذوات الأسباب بل هى باعتبار وصف السببيّة فكانّه اراد سببيّة تلك الأسباب ثمّ إنّ الوجه فى كون سببيّة تلك الاسباب على الوجه الثانى كنفس المسبّبات امورا واقعيّة واضح وهو انّه لو لم يكن كذلك لاثّر الموجود الجعلى فى الموجود الواقعى وهو محال لعدم المشاكلة قوله واورد عليه تارة بانّ الشكّ الخ) والايراد من المحقّق القمّى ره قوله (وامّا الشكّ فى تحقّق المانع كالمرض المبيح) يمكن ان يقال انّ المرض ليس عبارة عن امر عدمىّ وهو عدم السلامة حتّى يرجع الى شرطيّة السّلامة بمعنى الصحّة واراد المورد انّ المرض بعنوانه رافع لا مانع فلا ينحصر مجرى الاستصحاب فى ذات السّبب والشرط والمانع قوله اللهمّ الّا ان يقال انّه يكفى فى الاستصحاب) هذا توجيه لاستصحاب التكليف المعلّق على الوقت بدعوى انّ بعد حصول الوقت الموجب لتنجّز الحكم يكون الشكّ الحاصل شكّا فى ارتفاع الحكم عرفا ويكون عرفا ح من قبيل الشكّ فى الرافع لانّ الشكّ فى الوقت من حيث انّه قيد فيرد على الفاضل انّه لم يستوف الأقسام ولا يخفى انّ هذا التوجيه مبنىّ على كفاية المسامحة العرفيّة فى القضيّة الشرطيّة وانّ العرف يجعلون ارتفاع الشرط موجبا للحكم بارتفاع الشرطيّة والشكّ فيه موجبا للشكّ فيه قوله (كذهاب الحمرة واستتار القرص) والسرّ في ذلك انّ الاستصحاب مثبت فانّ استصحاب الوقت فى المقام لاثبات انّ الغاية هى ذهاب الحمرة وذلك نظير اثبات احد الحادثين بالأصل قوله (فى اجراء استصحاب التكليف فتامّل) وجهه انّ الشكّ فى الشّيء اذا كان مسبّبا عن الشكّ فى الموضوع كما فيما نحن فيه لا يجرى الاستصحاب فى ذلك الشيء سواء امكن الاستصحاب فى الموضوع ام لا لانّ احراز الموضوع وبقائه شرط فى جريانه الّا ان يقال انّ بقاء الموضوع مبنىّ على المسامحة العرفيّة

٥٥٨

فلا مانع من جريانه فيما يساعده العرف قوله (الّا اذا فرض انتفاء استصحاب الامر الوضعىّ) بناء على المسامحة العرفيّة فى بقاء الموضوع والّا فقد عرفت آنفا فى وجه التامّل انّ احراز الموضوع شرط فى جريان الاستصحاب قوله (وهذا الايراد لا يندفع بما ذكره قدس‌سره) وهو انّ ثبوت الحكم فى كلّ جزء من اجزاء الوقت بذلك الامر لا بالاستصحاب وبعد الوقت لا يجرى الاستصحاب ايضا لخروج الوقت ووجه عدم الدفع فى المقام بذلك واضح اذ فى الحكم بالعدد الزائد لا يمكن التّمسك بنفس الامر الاوّل قوله (وقد يورد عليه النقض بما عرفت حاله) اى بالاوّل والثانى ممّا اورده المحقّق القمّى قوله (وبه يندفع ما يقال له انّه كما يمكن الخ) حاصله انّ ما ذكره من انّ الشكّ فى الحكم الشرعى اذا كان موضوعه فعل المكلّف فلا يكون الّا من جهة الشكّ فى بقاء موضوعه لقائل ان يقول انّ الشكّ ربما يكون فى الحكم الشرعى مع القطع ببقاء موضوعه فاذا قيل فى زمان الصّيف التبريد مطلوب لم يكن الشكّ فى مطلوبيّة التبريد فى الشّتاء من الشكّ فى بقاء موضوعه لانّ الزمان لم يجعل قيدا للموضوع والمطلوب بل جعل قيدا للطلب ويدفع بانّ قيود الطّلب راجع الى المطلوب ضرورة انّ الطالب اذا اخذ شيئا فى طلبه وحكمه فلا بدّ من مدخليّته فى حصول مطلوبه كما هو واضح.

قوله (بل قال انا ناف ولا دليل على النافى) اى انا ناف لكون الموجود رافعا.

قوله (بالرافع لوجود المقتضى بالفتح) كلمة لوجود متعلّق بالكفاية قوله (والاولى الاستدلال له بما استظهرناه) قد مرّ انّ مورد جملة من الروايات هو الشكّ فى المقتضى ولا داعى الى تاويل ظواهرها بما ذكره فى معنى النقض فانّ المراد من عدم النقض هو البناء على طبق الحالة السّابقة وانّ البناء على خلافها نقض لها عملا وذلك لانّ باعتبار تعلّق الشكّ بما تعلّق به اليقين يصحّ ان يكون عدم البناء عليه نقضا له وصحّ النهى عنه فالمراد من النقض هنا هو الاعتناء باحتمال ارتفاع ما هو محتمل البقاء ممّا تعلّق به اليقين سواء كان الشكّ واحتمال عدم البقاء من الشكّ فى المقتضى ام من الشكّ فى الرافع وسواء كان الاشتباه فى نفس المقتضى او فى مقدار استعداده وسواء كان الشكّ فى وجود الرافع او فى رافعيّة شيء باعتبار الشكّ فى حكمه الشرعى مستقلّا او باعتبار الشكّ فى معنى الشيء الرافع من جهة اجماله مفهوما او باعتبار الشكّ فى كونه مصداقا للرّافع المبيّن مفهوما وبما ذكرنا من انّ المنهىّ هو نقض البناء عملا وانّ النّهى هنا واقع نحو موقع الغيريّة يظهر انّ ما ذكره من عدم تعقّل النهى عن نقض اليقين لانتقاضه بغير اختيار المكلّف وكذا عن احكامه من حيث هو وصف من الاوصاف لا وجه له مضافا الى ما مرّ من انّ احكام المتيقّن ايضا ليس ارتفاعها باختيار المكلّف حتّى يمكن تعلّق النهى بها قوله (ولا يبعد تحقّقه فتامّل) وجه التامّل عدم تصوّر المقتضى والرافع فى الاعدام قوله مبنىّ على انّ مراده من دليل الحكم فى كلامه هو المقتضى) اى

٥٥٩

المقتضى لاصل الوجود وهو الّذى قابل للرفع بان يكون دالّا على اقتضاء المستصحب للبقاء ما لم يوجد الرافع عنه فينطبق على مختاره لا المقتضى للعلم وهو الدليل بان يكون مقتضيا للحكم فى الزمان الثانى باطلاقه قوله (لكن فى كلا الوجهين نظر) اى فى الوجهين الدّالين على انّ حكم الشكّ فى وجود الرّافع حكم الشكّ فى رافعيّة الشّيء وهما دلالة دليله المذكور ودعوى عدم الفصل امّا الامر الاوّل وهو انّ مراده من دليل الحكم هو المقتضى للوجود ودلالة الدليل هو دلالته على كون المستصحب مقتضيا للدّوام لو لا الرافع فلم يتعرّض لاثباته المصنّف قدس‌سره الّا بقوله بقرينة تمثيله بعقد النّكاح فى المثال المذكور فانّ كلامه وان أوهم فى بادى النظر المعنى الأخر ولكن بعد التامّل لا ينبغى ريب فى ارادته ذلك كما ينادى به المثال المذكور وكذا قوله لا يقال انّ المقتضى هو العقد الى آخر جوابه وقد تقدّم الكلام فيما يمكن ان يراد من كلام المحقّق فى ضمن ما ذكره المصنّف دليلا على مختاره فراجع قوله ثمّ انّ ظاهر عبارة المحقّق وان أوهم) والظاهر الموهم هو عبارته الأخيرة لانّا نقول وقوع العقد اقتضى حلّ الوطى لا مقيّدا إلخ قوله (حتّى جعل بعض هذا من وجوه الفرق) هو صاحب الفصول بقى شيء ينبغي التنبيه عليه وهو انّه يرد على القائل باعتبار الاستصحاب فى الشكّ فى الرافع دون المقتضى لزوم عدم الجريان فى العدميّات وهذا مضافا الى دعوى الاجماع على جريانه واعتباره فيها لا يلتزم المفصّل به وما ذكرناه فى غاية الوضوح فانّ احتمال الوجود ح يرجع الى الشكّ فى المقتضى فانّ من الظاهر عدم كون الوجود رافعا للعدم بل تحقّقه يكشف عن عدم استعداد علّة العدم الّا بهذا المقدار مثلا وقوع عقد النّكاح يقال انّه موجب للحلّ ومقتض له ولا يقال انّه مانع عن عدمه وهو حرمة الوطى وسائر التمتّعات فاذا شكّ فى وقوع العقد وبنى على عدمه كان ذلك استصحابا لعدم المقتضى لا لعدم الرافع ولعلّ المفصّل يقول برجوع العدميّات الى الرافع نظرا الى اقتضاء الوجود قطع الهيئة الاتّصاليّة للعدم وهو كما ترى فانّ المانع عرّفوه بما يلزم من وجوده العدم اى من وجوده انقلاب الوجود الى العدم لا ما يلزم من وجوده انقلاب العدم الى الوجود وما ذكرنا جار فى جميع موارد العدميّات وان اختلفت ظهور او خفاء فمن الامثلة استصحاب عدم النوم فى حقّ من سهر ليالى وايّاما متواليات مع عدم اعتياده بالسهر كذلك فانّ الشكّ فى نومه وعدمه شكّ فى استعداد موجب النوم وكذا فى استصحاب عدم الجوع فى حقّ من لم يطعم فى يوم وليلة مع اعتياده بالجوع عند ترك الطعام فانّ استصحاب عدم الجوع يكون من الشكّ فى المقتضى وكذا استصحاب عدم الحدث بعد الطهارة بعد مضىّ زمان لم يكن الشخص غالبا باقيا فى مثله على الطهارة الى غير ذلك.

قوله (ويرد عليه اوّلا الخ) اجاب المصنّف ره عن دليل هذا القول بوجوه ثلاثة الاوّل انّ المراد باليقين والشكّ فى صدر الصحيحة المذكورة فى قوله ع لانّك كنت على يقين

٥٦٠