تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

ولو سلّم صدق الاصرار على العزم على العود ايضا وان لم يعد فاللّازم هو الاقتصار على مورده وهو الاصرار على فعل المعصية الصّادرة ولا يتعدّى الى مورد البحث وهو الاصرار على النيّة المجرّدة وقد صرّح قدس‌سره فى آخر كلامه بقوله وامّا العزم المجرّد فالظّاهر عدم تحقّق الإصرار بمجرّده وان اصرّ عليه لانّ هذا اصرار على العزم لا على المعصية الّا اذا قلنا انّ العزم على المعصية معصية وللكلام فيه محلّ آخر انتهى ثمّ لا يخفى انّ القول بحرمة نيّة الخلاف فى الصّوم والصّلاة لا دخل لها بحرمة نيّة المعصية فانّها فيهما من حيث قيام الدّليل على وجوب استمرار النّية واين هذا من حرمة نيّة المعصية فإن قلت كيف يمكنكم القول بحرمة النيّة المجرّدة وثبوت العقاب والمؤاخذة عليها ولو بالنّسبة الى فرقة خاصّة من حيث الجمع باحد الوجوه السّابقة مع انّ النيّة ليست الّا القصد والإرادة والعقاب انّما يصحّ على الافعال الاختياريّة اى المسبوقة بالإرادة ونفس الإرادة والقصد لا يكون اختياريّا فلا يصحّ تعلّق الحرمة بها وهل يكون العقاب عليها الّا عقابا على ما ليس بالاختيار قلت اوّلا انّ الارادة وان لم يكن وجودها بارادة أخرى للزوم التّسلسل الّا انّها ليست غير اختياريّة فانّ اختياريّتها بذاتها واذا كانت بنفسها موجبة لاختياريّة الأفعال المنبعث عنها فنفسها اولى بكونها كذلك فكما انّ موجوديّة الأشياء بالوجود وهو موجود بذاته من دون افتقار الى وجود آخر فكذلك كون الافعال اختياريّة انّما هو بالإرادة فهى اولى واقوى بكونها اختياريّة وثانيا أنّها وان لم تكن اختياريّة بمعنى كونها مسبوقا بارادة اخرى الّا انّ فيها ملاك الاختيار فانّ المصحّح للمؤاخذة والعقاب انّما هو تمكّن المكلّف من الوجود والعدم وبه يصحّ انتساب الفعل اليه وهذا التمكّن هو ملاك الاختيار ولو لم يكن عن ارادة كنفس الإرادة حيث انّ للمكلّف ان يريد الفعل او التّرك ولو لم يكن تلك الإرادة بإرادة اخرى ولا ريب فى ذلك لانّه متمكّن من فسخ عزمه اذا تامّل فيما يترتّب عليه من تبعة العقوبة والمذمّة والمفسدة ومع تمكّنه من ذلك لا بأس فى ان يكون النيّة والقصد موجبا للعقوبة لكفاية هذا المقدار من التمكّن فى ترتّبها وكونها اختياريّة وان شئت قلت إنّ الإرادة وان لم تكن بالاختيار الّا انّ بعض مباديها يكون وجوده غالبا بالاختيار فانّ المقدّمات القلبيّة واحوالها ووارداتها قبل الفعل أربعة الأوّل الخاطر ويسمّى بحديث النّفس ايضا الثّانى هيجان الرّغبة وحركة الشّهوة المتولّد من الخاطر ويسمّى بميل الطّبع وكلتا المقدّمتين خارجة عن الاختيار الثّالث حكم القلب والتّصديق بانّ هذا ينبغى ان يفعل فانّ الطّبع اذا مال تهاجمت الدّواعى والصّوارف ولا تنبعث النيّة والإرادة الّا بعد تزاحمهما ووقوع الكسر والانكسار والتّصديق بعد دفع الصّوارف وترجيح الدّواعى عليها فانّه قد يمنعه عن العزم الحياء

٦١

او الخوف من الله تعالى او غيره والتّرجيح بين الدّواعى والصّوارف ربما يحتاج الى تامّل وعلى اىّ حال فهذا التّرجيح هو الحكم والتّصديق السّابق على الإرادة ولأجل ما ذكر كانت هذه المقدّمة اختياريّة غالبا وقد تكون غير اختياريّة وذلك عند حصول الميل وتهاجم الدّواعى مع الغفلة عن الصّوارف رأسا ولذا حكموا بمعذوريّة الجاهل القاصر الرّابع القصد والإرادة وثالثا أنّ ما ذكرتم منقوض بالمعصية الحقيقيّة فانّ نفس المخالفة بما هى مخالفة وهى الفعل الخارجى لا يوجب المذمّة والعقاب والّا لكان الفعل الصّادر عن الغافل والنّائم موجبا لذلك ومن ذلك يعلم انّ الموجب للمؤاخذة والعقاب هو الفعل الصّادر عن عمد ونيّة ويلزم حينئذ أن يكون غير اختيارى فانّ المركّب من الاختيارى وغيره غير اختيارىّ وما تتفصّون به هناك نتفصّى به فى النيّة المجرّدة فإن قلت إذا ثبت حرمة النيّة والقصد الى المعصية كان المحرّم مطلق القصد سواء اقترن بالفعل امر لا وما ورد فى النّصوص العفو عنه هو القصد المجرّد فيبقى الفعل الصّادر بقصد المعصية وهو المتجرّى به على الحرمة وقد انكرتم كونه حراما وموجبا للعقاب قلت قد عرفت فيما تقدّم بما لا مزيد عليه انّ المسلّم من لزوم القبح والمذمّة عند العقل وبناء العقلاء من نيّة المعصية او فعلها فى صورة الخطاء انّما هو القبح الفاعلى بمعنى انّ هذه النيّة او هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشّقاوة فى الشخص وسوء سريرته من دون حكمهم بقبح الفعل المتجرّى به او النيّة المتعلّقة به ولكن قضيّة طائفة من الأخبار وجملة من الآيات هو ثبوت الحرمة لنيّة المعصية ولا وجه للتّعدى عن موردها الى نيّة ما يعتقد كونه معصية وليس بمعصية حقيقة توضيح ذلك انّ النيّة قد يقترن بالفعل وقد تكون مجرّدة وعلى كلّ من التّقديرين امّا ان يكون متعلّق النيّة معصية حقيقيّة ام لا وغاية ما يدلّ عليه ادلّة حرمة نيّة المعصية وادلّة العفو عنها كما هو الظاهر لمن راجعها هى النيّة المتعلّقة بالمعصية الحقيقيّة لا النيّة المتعلّقة بما يعتقد كونه معصية فادلّة حرمة النيّة والعفو عنها لا تشمل نيّة التجرّى فإن قلت الظاهر انّ الحكم بحرمة نيّة المعصية ليس الّا من جهة كونها قبيحة والظّاهر ايضا عدم قبحها الّا من حيث كونها هتكا لحرمة المولى وقصد المخالفة فلا بدّ امّا من الحكم بالحرمة فى جميع صور التجرّى وامّا بعدمها مطلقا حتّى فى نيّة المعصية الحقيقيّة قلت ما ظهر من الدّليل الشرعى هو حرمة نيّة المعصية ولم يعلم كونها من جهة قبح التجرّى ولا وجه لدعوى الظّهور اصلا وثبوت مفسدة فى نيّة المعصية خفيّة على العقل توجب حكم الشّارع بالحرمة بمكان من الامكان فان قلت إذا كانت الحرمة مخصوصة بنيّة المعصية الحقيقيّة دون غيرها لزم اناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار فانّ مصادفة النيّة لنيّة المعصية الحقيقيّة وعدمها ليست اختياريّة قلت يعلم الجواب عن هذا ممّا تقدّم فى ردّه عند الاستدلال به لحرمة

٦٢

الفعل المتجرّى به فإن قلت إذا كان نيّة المعصية حراما شرعا ولا تكون كذلك الّا لمفسدة ملزمة فيها فكيف يمكن حكم الشّارع بالعفو عن استحقاق العقاب والاخبار عنه مع انّه خلاف قاعدة اللّطف وقد اتّفقوا على انّ ترك اللّطف بالوعد والوعيد قبيح على الحكيم تعالى فكيف بالاخبار بالعفو عنه وهذا الاشكال جار فى كلّ حرام ورد العفو عنه صريحا كما فى الظّهار حيث ورد العفو عنه بقوله تعالى فى آخر الآية (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) والمعصية فى الايّام الثّلاثة والذّنوب الصّغيرة ما لم تبلغ حدّ الإصرار وما عن الشّيخ قدس‌سره من انّ التّقليد فى اصول العقائد معصية امّا لو قلّد واصاب الواقع لم يعاقب عليه الى غير ذلك قلت كما انّ التّوبة يكفّر الذّنوب واجتناب الكبائر يكون كفّارة للصّغائر والحسنات يذهبن السّيئات ولا اشكال فى ذلك لانّ المصلحة القائمة فى ذلك اوجبت رفع المؤاخذة عمّا ذكر ومحوه عن صحيفة الأعمال ولا يكون الأخبار عن ذلك خلافا للّطف بل اللّطف يقتضى ذلك فكذلك اذا كان فى العفو او عدم الكتب مصلحة اقتضت ذلك واقتضت الاخبار عنه وان لم نعلمها تفصيلا لا يكون خلافا للّطف ولعلّ المصلحة هو عدم المؤاخذة على التّكليف الشّاق اذ لا ريب فى انّ نيّة السّوء والمعصية وان كان فيها مفسدة توجب النّهى عنها ولكنّها لا يخلو عنها غير المعصوم واذا كانت كاحدى المحرّمات فى استحقاق العقوبة اوجبت ان يرى الصّالحين وكافّة المتّقين انفسهم من الهالكين وفى زمرة المبعدين عن رحمة ربّ العالمين ولم لا يمكن ان يكون فى الأخبار عن كونها حراما ومعفوّا عنها لطف من قبله تعالى يوجب عدم نيّة المؤمن للمعصية واجتنابه عن خواطرها وتبعّده عن حمى الله مخافة ان يدخله بقدر الامكان وعدم يأسه عن رحمة الله بعد توارد النّيات بالاختيار او بلا اختيار كما هو المشاهد بالوجدان عند اهل الأيمان قوله (ولعلّه لتنقيح المناط لا بالدّلالة اللّفظية) لا بأس بتوضيح المقال ببيان امور على الإجمال الأوّل يحرم الإعانة على الإثم بالادلّة الأربعة امّا الكتاب فمنه قوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وامّا الأخبار فكثيرة بحيث يبلغ حدّ التّواتر منها ما فى رواية هند السّراج عن ابى جعفر عليه‌السلام فاذا كان الحرب بيننا فمن حمل الى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك ومنها ما فى وصيّة النّبى ص لعليّ ع يا على كفر بالله العظيم من هذه الامّة عشرة اصناف وعدّ منها بائع السّلاح من اهل الحرب ومنها خبر جابر سألت أبا عبد الله ع عن الرّجل يؤجر بيته فيباع فيه الخمر فقال حرام اجرته ومنها النّبوى ص من علّق سوطا بين يدى سلطان جائر جعلها الله حيّة طولها سبعون الف ذراع فيسلّط الله عليه فى نار جهنّم خالدا مخلّدا وعن كتاب الشّيخ ورّام بن ابى فراس قال ع من مشى الى ظالم ليعينه وهو يعلم انّه ظالم فقد خرج عن الإسلام قال وقال ع اذا كان يوم القيامة ينادى مناد اين الظّلمة اين اعوان الظّلمة اين اشباه الظّلمة حتّى من برى لهم قلما أو لاق لهم

٦٣

دواة فيجتمعون فى تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم فى جهنّم ومنها ما عن النّبى ص ايّاكم وابواب السّلطان وحواشيها فانّ اقربكم من ابواب السّلطان وحواشيها ابعدكم عن الله تعالى ومنها ما عن الصّادق ع ما اقترب عبد من سلطان الّا تباعد عن الله ومنها رواية محمّد بن عذافر عن ابيه قال قال لى ابو عبد الله ع يا عذافر بلغنى انّك تعامل أبا ايّوب وأبا الرّبيع فما حالك اذا نودى لك فى اعوان الظّلمة قال ففزع ابى فقال ابو عبد الله ع لمّا رأى ما اصابه اى عذافر انّما خوّفتك بما خوّفنى الله عزوجل به قال محمّد فقدم ابى فما زال مغموما مكروبا حتّى مات ومنها رواية سليمان الجعفرى المرويّة عن تفسير العيّاشى انّ الدّخول فى اعمالهم والعون لهم والسّعى فى حوائجهم عديل الكفر والنّظر اليهم على العمد من الكبائر الّتى تستحقّ بها النّار الى غير ذلك وامّا الاجماع فالظّاهر ثبوته بكلا قسميه ومن له ادنى تتّبع فى الفقه يعلم بتحقّق اجماعهم على حرمة الإعانة على المعصية واختلافهم فى بعض الموارد صغروىّ وامّا الكبرى فلا خلاف فيها ويكفيك فى ذلك ما عن المبسوط من الاستدلال على وجوب بذل الطّعام لمن يخاف تلفه بقوله ص من اعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيمة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله وما عن التذكرة من الاستدلال على حرمة بيع السّلاح من اعداء الدّين بانّ فيه اعانة على الظّلم وما عن المحقّق الثّانى من الاستدلال على حرمة بيع العصير المتنجّس ممّن يستحلّه بانّ فيه اعانة على الإثم وما عن المحقّق الاردبيلى من الاستدلال على حرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا ولو من دون قصد من البائع ان يعمله بانّ فيه اعانة على الإثم وقد قرّره على ذلك صاحب الحدائق فقال انّه جيّد فى حدّ ذاته لو سلّم من المعارضة باخبار الجواز وعن الرياض في هذه المسألة ايضا بعد ذكر الاخبار الدّالة على الجواز انّه قال وهذه النّصوص وان كثرت واشتهرت وظهرت دلالتها بل ربما كان بعضها صريحا لكن فى مقابلتها للأصول والنّصوص المعتضدة بالعقول اشكال انتهى قال شيخنا المصنّف ره والظّاهر انّ مراده بالاصول قاعدة حرمة الإعانة على الاثم ومن العقول حكم العقل بوجوب التوصّل الى دفع المنكر مهما امكن انتهى وأمّا العقل فليس الاستدلال به على حرمة الاعانة على الاثم من حيث حكمه بحرمة مقدّمة الحرام كى يقال انّ مقدّمة الحرام ليس حراما الّا اذا كان سببا يترتّب عليه فعل الحرام بل من جهة شهادة الوجدان بقبح الإعانة عليه وبناء العقلاء على تقبيح المعين مع صدق الإعانة الثّاني قد اضطرب كلمات الأصحاب فى موضوع الإعانة فمنهم من قال انّه يعتبر فى تحقّق مفهوم الإعانة امران الاوّل قصد المعين وقوع الفعل من المعان فهى فعل بعض مقدّمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا الثّانى وقوع المعان عليه فى الخارج بحيث لو لم يتحقّق الإثم لم يكن ايجاد المقدّمة حراما من جهة الإعانة وان حرم من جهة قصد الاعانة بناء على انّ نيّة المعصية معصية ومنهم من قال بكفاية نفس القصد الى وقوع

٦٤

الإثم من المعان وان لم يتحقّق منه ومنهم من قال بعدم اعتبار القصد وكفاية تحقّق الإثم من المعان ومنهم من قال بعدم اعتبار الأمرين رأسا وانّ بيع العنب ممّن يعلم انّه يعمله خمرا حرام لانّه إعانة على الاثم وان لم يعمله خمرا ولا قصد البائع ببيعه التّخمير من المشترى وعن المحقّق الاردبيلى فى آيات احكامه فى الكلام على الآية الظّاهر انّ المراد بالإعانة على المعاصى مع القصد او على الوجه الّذى يصدق انّها إعانة انتهى وقال المصنّف فى كتاب المتاجر بعد نقل هذه العبارة ولقد دقّق النّظر حيث لم يعلّق صدق الاعانة على القصد ولا اطلق القول لصدقه بدونه بل علّقه بالقصد وبالصّدق العرفى وان لم يكن قصد انتهى وهذا هو الصّواب فانّ ارتباط معصية العاصين وظلم الظّالمين باسباب وامور هى من افعال المكلّفين لا ريب فيه وكذا لا ريب فى انّه لا يصحّ صدق الإعانة على جميع ذلك والّا لزم ان يكون الحقّ تعالى معينا على الاثم والعدوان فانّ المقدّمات والآلات كلّها من الله تعالى وليس من العبد الّا القصد والعمل والأمور الّتي لها دخل فى صدور الفعل وتحقّقه على أقسام منها ما لا يعدّ من المقدّمات رأسا كتجارة التّاجر الّتى لو لاها لم يمكن للعشّار ان يأخذ عشرها فانّها فى الحقيقة بمنزلة الموضوع لتحقّق الإرادة التقديريّة المتعلّقة بالظّلم وأخذ العشر وهذا ليس من الإعانة ومنها ما يكون علّة تامّة لصدور الفعل عن المعان بلا اختيار وهذا ايضا خارج عن الإعانة ويكون من باب الأسباب ومنها ما يكون من المقدّمات القريبة بحيث لا يتوقّف فعل الإثم الّا على عمل المعين كتناول العصا لمن يريد ضرب المظلوم وبيع السّلاح من اعداء الدّين حين قيام الحرب واعطاء الكأس لمن اراد شرب الخمر وبيع العصير المتنجّس لمستحلّه وهذا من الاعانة وان لم يكن المعين قاصدا لذلك نظير صدق التّعظيم او الإهانة على بعض الأفعال وان لم يكن الفاعل قاصدا لهما ومنها ما يكون من المقدّمات الّتى لا تكفى حصولها فى تحقّق الاثم والعدوان بل يتوقّف على امور أخر ايضا كبيع العنب لمن يعمله خمرا فهذا ان وقع بقصد التوصّل الى فعل المعان صدق عليه الإعانة والّا فلا فكلّ من عمل عملا بقصد ترتّب الإثم عليه وكان من نيّته ذلك سواء كان بواسطة او وسائط كان معينا وصدق على فعله الاعانة وبالجملة ليست الإعانة من الموضوعات الشرعيّة حتّى تفتقر فى معناها الى النّص بل هى موضوع عرفىّ والضّابط فيها عرفا احد امرين احدهما القصد والنيّة وثانيهما تمحّض العمل لذلك وان لم يكن قاصدا وسواء كان على سبيل الانفراد او على الاشتراك ولو كان مجرّد العلم بمدخليّة العمل مط فى تحقّق فعل الإثم موجبا للحرمة وصدق الإعانة لزم ان يكون اكثر المعاملات حراما بحيث يكون تركه حرجا عظيما لوضوح العلم العادى بانّ بيع السّلاح من الأمر او الظّلمة وغير السّلاح فيه تقوية لهم وكذا فى اجارة الدّور والمساكن لهم فيها مدخليّة تامّة لعملهم

٦٥

وكان بيع المطاعم من الكفّار فى نهار شهر رمضان مع العلم بأكلهم فيه وكذا بيع بساتين الكروم منهم مع العلم العادى بتخميرهم وبيع القرطاس منهم مع العلم بانّ منه ما يتّخذ لكتب الضّلال واشباه ذلك ممّا لا يحصى كثرة حراما الثّالث هل يشترط فى الإعانة المحرّمة ترتّب المعصية المقصودة على فعل المعين وتحقّقها فلو نوى الإعانة وفعل من دون ترتّب فعل المعان لعروض مانع عنه كمن اعطى سيفا لقتل مظلوم فلم يقتله الظّالم كان من الإعانة المحرّمة ام لا فيه خلاف وعن العوائد للنراقى انّه لو فعل فعلا بقصد تحقّق الاثم الفلانى من الغير فلم يتحقّق منه لم يحرم من جهة صدق الإعانة والحقّ عدم الاشتراط فانّ المتفاهم من حقيقة الإعانة على الشّىء هو الفعل بقصد حصول الشّىء او تمحّض العمل لذلك عرفا سواء حصل أم لا والشّىء قد يكون حراما بسبب كونه مقدّمة للحرام وقد اشرنا الى انّه لو كان علّة تامّة كان من باب الأسباب وهو خارج عن موضوع الإعانة وعليه فلا بدّ فى ترتّب الحكم عليه من ترتّب ذى المقدّمة عليه ولا يكون هناك الّا عقاب واحد وقد يكون حراما بسبب دخوله فى عنوان الإعانة على الإثم ولا يشترط فى هذا ترتّب المعان عليه ويعاقب المعين على نفس الإعانة ولذا يكون السّفر مع الظّلمة حراما ويجب اتمام الصّلاة فيه ولو لم يترتّب على سفرهم ظلم وليس هذا الّا من حيث صدق الإعانة المحرّمة على نفس السّفر معهم هذا مضافا الى انّ الإعانة لو كانت متوقّفة على ترتّب الحرام لزم توقّف الحرمة والعقاب على امر غير اختيارىّ فانّ ترتّب الفعل المعان عليه من الغير غير اختيارى للمعين وايضا لا اشكال فى انّ الإعانة اذا كانت على اثم الغير كان هناك عقابان احدهما لفعل المعين من حيث ارتكابه عنوانا محرّما والأخر للإثم واذا كان صدق الإعانة متوقّفا على ترتّب الإثم لزم ثبوت استحقاق عقابين اذا كان المعين والعامل واحدا وهو باطل لوضوح انّ شارب الخمر ليس له الّا عقاب واحد وان كانت لفعله مقدّمات عديدة الرّابع هل يشترط العلم او الظّن بترتّب المعصية فى مفهوم الإعانة اذ لا يتحقّق القصد اليها الّا بذلك الظّاهر العدم لصدق الاعانة فى صورة الشّك ايضا فانّ من اعطى السّيف للظّالم ليقتل زيدا به معين على المحرّم وان كان شاكّا فى انّه يقتله ام لا نعم مع العلم بالعدم لا يصدق عليه انّه إعانة ويشترط علم المعين او ظنّه او احتماله بمدخليّة فعله فى تحقّق المعصية فلو تيقّن بعدم مدخليّته فى ذلك ولو قصد من فعله تهيئة مقدّمات المعصية كمن خدم الظّالم بقصد ان يعينه على القتل مثلا مع العلم بانّه لا يترتّب على وجوده وخدمته شيء اصلا لا يصدق عليه المعين لتوقّف مفهوم الإعانة على مدخليّة عمله واحتماله لذلك الخامس اذا تحقّق موضوع الإعانة فلا يمكن تخصيص حكمها وهى الحرمة لوضوح انّها كالمعصية والظّلم تكون من العناوين الّتى لا تقبل التّخصيص مع تماميّة الموضوع فما عن الحدائق بعد ما حكى القول بالحرمة

٦٦

فى مسئلة بيع العنب لمن يعمله خمرا ولو لم يقصد البائع ذلك عن المحقّق الأردبيلى من انّه جيّد فى حدّ ذاته لو سلّم من المعارضة باخبار الجواز غير قابل للقبول والصّواب أن يقال انّ من اخبار الجواز نستكشف انّ البيع المذكور مع عدم القصد من البائع ليس اعانة لا انّه منها موضوعا وخرج حكما السّادس لا اشكال فى انّ مصداق الإعانة اذا كان من المعاملات كبيع العنب على ان يعمل خمرا لا يقتضى الفساد وان كان حراما من حيث الإعانة لانّ النّهى راجع الى امر خارج عن المعاملة وهو عنوان الإعانة على الإثم الحاصلة بالبيع ولا منافات بين الحرمة وترتّب الأثر مثل البيع وقت النّداء السّابع قد يقال بتعميم الإعانة الّتى عرفت الكلام فيها حكما وموضوعا لمن اشتغل ببعض مقدّمات الحرام الّذى قصده بنفسه من جهة شمول الادلّة المتقدّمة له امّا بالدّلالة اللفظيّة لصدق الاعانة على المعصية عليه كما يشهد له المرويّان فى الكافى عن أبي عبد الله ع ففى أحدهما قال قال رسول الله ص وسلّم من اكل الطّين فمات فقد اعان على نفسه وفى الآخر قال قيل لأمير المؤمنين ع فى رجل اكل الطّين فنهاه فقال لا تأكله فان أكلته ومتّ كنت قد اعنت على نفسك وامّا بتنقيح المناط فانّ الوجه فى نهى الشّارع عن اعانة الغير على الحرام هو مبغوضيّة التّسبيب لإيجاد الحرام فى الخارج وفى الوجهين نظر بل منع امّا الاوّل فمن الواضح انّ الظّاهر والمتبادر من الاعانة هو اعانة الغير وكون المعين غير المعان وليس فى الخبرين دلالة ولا ايماء الى إرادة الإعانة الّتى تكون حراما فالاعانة فى اخبار الحرمة غير الاعانة فى اخبار الطّين ولو سلّم كونها فى الروايتين بذلك المعنى فهو مجاز ولا يصحّ حمل ادلّة حرمة الإعانة على ما هو خلاف الظّاهر منها وهو إعانة النّفس واما الثّانى فبعد تسليم تماميّة المناط القابل للمنع انّ الظّاهر اتّفاق كلمتهم الّا ما ستسمعه من بعض على عدم حرمة مقدّمة الحرام فى غير السّبب وانّ الحرمة فى السبب او فى غيره من المقدّمات لو سلّمناها لا توجب عقابا زائدا على عقاب ذى المقدّمة ولو قلنا بحرمة المقدّمة من باب حرمة الاعانة لزم ان يكون فاعل المعصية مستحقّا لعقابات عديدة اذا كانت المقدّمات كذلك ولا اقلّ من عقابين اذا كانت المقدّمة واحدة وهذا خلاف ما اتّفقت عليه كلمتهم والقول بتداخل العقابات فى صورة اعانة النّفس خلاف الأصل الثّامن قد علم انّ ثبوت العقاب لفاعل بعض مقدّمات الحرام مستشهدا بدليل حرمة الاعانة لا وجه له فالجمع بين الطّائفتين بهذا الوجه لا شاهد له نعم يمكن ان يجعل الإجماع على العفو عن القصد المجرّد شاهدا لهذا الجمع ولعلّ الأحسن الجمع بما أسلفناه قوله (ثمّ انّ التجرّى على اقسام) اعلم انّ تحقّق التجرّى امّا بمخالفة الجهل المركّب اعنى مخالفة العلم التّفصيلى الغير المطابق للواقع وامّا بمخالفة الجهل البسيط اعنى مخالفة الاحتمال المسبّب عن العلم الإجمالي فالمراد بالاحتمال ان يكون ناشئا عن العلم الاجمالى والّا لم يتحقّق احتمال المعصية وان تحقّق احتمال المخالفة للحكم الواقعى ويرجع الامر فيه الى اصالة البراءة عن التّكليف واستصحابها ويخرج عن مصداق التجرّى و

٦٧

على الاوّل فالتجرّى امّا يكتفى بمجرد النيّة او يزيد عليه بالتلبّس بالمقدّمات من دون ارتكاب للفعل او يشتغل بالفعل ايضا وعلى الاوّلين امّا ان يكون الباعث على ترك الفعل هو رجوعه عنه اختيارا او عن اضطرار لمنع مانع عنه وعلى الثّانى فالارتكاب امّا مسبّب عن رجاء اصابة الحرام او مسبّب عن رجاء اصابة غيره او كان الباعث عليه مجرّد عدم المبالات والرّغبة الى نفس الفعل وذلك كما اذا اشتبه ماله بمال الغير وقصد اكله مع علمه بعدم رضاه فيمكن ان يكون اكله رجاء لكونه مال الغير لكراهته لاكل ماله بحيث لو اعتقد تفضيلا انّه مال الغير لاشتغل باكله ويمكن ان يكون رجاء لاكل مال نفسه لكراهيّته لاكل مال الغير ويمكن ان يكون لمجرّد ميله الى الأكل وعدم المبالات بكونه من أحدهما وحيث أنّه قدس‌سره افاد فيما سبق ما عنده من الكلام فى الأقسام المذكورة الّا الثّلاثة الأخيرة اراد الإشارة الى حكمها ثمّ انّ الظّاهر من فحاوى كلمات بعضهم فى الأصول والفقه هو ثبوت العقاب فى الصّور المذكورة باجمعها حتّى فى النيّة المجرّدة وسواء كان التجرّى مسبّبا عن العلم التّفصيلى او الإجمالي ولمّا حكموا بحرمة التجرّى ولو فى صورة الاحتمال فالتزموا في الشّبهة المحصورة اذا كان الارتكاب تدريجيّا بعقابات متعدّدة بعدد افراد الشّبهات معلّلين بانّ الحرمة الواقعيّة وان كانت واحدة لكن ارتكاب كلّ من الجزئيّات مع احتمال كونه الحرام الواقعى مستلزم للتجرّى بخلاف ما اذا كان الارتكاب دفعيّا فانّه لا يستلزم الّا عقابا واحدا ناشيا عن العلم بارتكاب الحرام الواقعى والتزموا أيضا فى بحث مقدّمة الواجب بوجوب مجموع المقدّمات شرعا بمعنى ترتّب العقاب على تركها من غير فرق بين المقدّمات العلميّة والمقدّمات الوجوديّة ومن غير فرق بين ما كان ذلك حقيقة او حكما والمراد بالمقدّمة العلميّة ما كان العلم بوجود الواجب موقوفا على الإتيان بها كالصّلاة الى اربع جهات عند اشتباه القبلة فانّ تحقّق الصّلاة واقعا ليس موقوفا عليها الّا انّه لا يحصل العلم بذلك الّا بالصّلاة الى جميع الجهات والمراد بالمقدّمة الوجوديّة ما يتوقّف وجود الواجب عليها كالسّير بالاضافة الى الحجّ فانّ تحقّق الواجب لا يحصل عادة الّا بتلك المقدّمة وتركها يفضى الى ترك الواجب امّا حقيقة كما اذا ترك الذّهاب مع الرفقة ولم يتّفق له بعد ذلك رفقة اخرى وفى هذا يكون تركه عين ترك الواجب بحيث يكتب عليه عقاب ترك الواجب حين تركه وامّا حكما بمعنى انّ من شأن المقدّمة ترك الواجب عند تركها عادة لكن اتّفق بعد ذلك جماعة اخرى من اهل بلده او من غيرهم من غير عادة فوافقهم وادّى الواجب ووجه اطلاقهم بالوجوب واستحقاق العقاب على التّرك امّا فى المقدّمات العلميّة فلأنّها وان لم يتوقّف عليها وجود الواجب لكن لمّا يحتمل ترك الواجب بتركها كان ترك كلّ واحد من الصّلوات الأربع حراما من باب حرمة التجرّى وامّا

٦٨

فى المقدّمات الوجوديّة المفضى تركها الى ترك الواجب حقيقة فواضح فانّ ترك المقدّمة يكون تركا للواجب وامّا المفضى تركها الى ترك الواجب حكما فمن باب حرمة التجرّى لاعتقاد تاركها ترك الواجب معه او احتماله معه وقد عرفت آنفا انّ الالتزام بمقالتهم فى غاية الأشكال وهى خلاف ما اتّفق عليه ظاهر كلمات الأصحاب قوله (ما لم يتلبّس بها وهو ممّا ثبت فى الاخبار العفو عنه) لا تنافى بين كلاميه فانّ مراده من عدم التّاثير هو نفى التّاثير الفعلى بحيث يترتّب عليها الذّم والعقاب فعلا قوله (ويتصوّر محلّ النّظر فى صور منها) لا بدّ من بيان أمرين الاوّل انّهم اختلفوا فى انّ التجرّى هل يحصل بمخالفة الأصول والطّرق والأمارات المثبتة للتّكليف او ينحصر بمخالفة القطع بالواقع والقائلون بالسّببيّة فيها ذهبوا الى الثّانى وانّ مخالفتها معصية حقيقيّة فانّ الشّارع جعلها حجّة فى مقابل الواقع والقائلون بعدمها كما ستعرفه إن شاء الله الله تعالى عند البحث فى كيفيّة جعل الأمارات ذهبوا الى الاوّل وبتحقّق عنوان التجرّى فيها فالقائلون بقبح التجرّى واستحقاقه العقاب بناء على عدم السببيّة لا فرق عندهم بين مخالفة القطع او الطّرق والأصول لانّ المدار فى التجرّى على مخالفة التّكليف المنجّز علما كان او غيره ولا خصوصيّة للعلم فى ذلك لوضوح انّ غيره ايضا منجّز للواقع وبالجملة لا يعقل الفرق بين القطع والظّن المعتبر اذ مع اعتبار الظّن يقطع بتحقّق التجرّى بمخالفته وأمّا مخالفة الظّن الغير المعتبر فلا وجه لتحقّق التجرّى فيه وقد عرفت انّه يشترط فى صدق التجرّى فى الثلاثة الأخيرة من الاقسام الستّة عدم كون الجهل عذرا والّا لم يتحقّق احتمال المعصية وان تحقّق احتمال المخالفة الثّانى الظّاهر انّ الصّور الّتى ذكرها الشّهيد ره لا يكون موردا للتّجرى على وجه الإطلاق امّا الاولى وهى ما لو وجد امرأة فى منزل غيره فظنّها اجنبيّة فلا اشكال فى انّ الاصل فى الوطى هو الحرمة حتّى يثبت خلافه وهذا الموضوع مغاير للموضوعات الّتى يحكم بحليّتها عند الشّبهة فاصابة المرأة المذكورة محرّمة وان كان ظنّه بانّها اجنبيّة غير معتبر لمخالفة الاصل المذكور والاستصحاب فانّ حرمة وطيها كانت متيقّنة فى وقت فيستصحب ويكون المخالفة مخالفة للأصل المعتبر وكذا الكلام فى الصّورة الأخيرة فانّ الاصل فى القتل هو الحرمة وقد علم اهتمام الشّارع بالنّفوس والأعراض وامّا الصّورة الثانية فان كان عالما بسبقها بالطّهارة او اخبرت بانّها طاهرة فلا اشكال فى جواز وطيها والظّن بانّها حائض غير مؤثّر قطعا فانّ هذا الظّن لا اعتبار به فى الموضوعات مطلقا اتّفاقا وعنوان التجرّى ينحصر فيما كان عالما بسبقها بالحيض او اخبرت بانّها حائض وامّا الصّورة الثالثة فان كان الطّعام بيد غيره فلا اشكال فى حرمة اكله فانّ اليد دليل شرعى ويثبت عنوان التجرّى وان لم يكن كذلك فان قلنا بانّ حرمة الأكل مترتّب على العلم

٦٩

بكونه ما لا للغير يكون الحكم فى المشكوك الحليّة والاصل ايضا عدم كونه مالا للغير فان قلت انّ هذا الاصل معارض باصالة عدم كونه مالا له قلت لو سلّم اجراء المعارض كان الحكم التّساقط ويرجع الى اصالة الحلّ وان قلنا بانّ حليّة الطّعام مترتّب على العلم بكونه مالا له فالحكم حرمة الاكل والاصل ايضا عدم كونه مالا له ويثبت التجرّى وكذا الكلام في الصّورة الرابعة فانّ حلّية التصرّف فى الاموال وحرمته مع عدم اليد يتبعان كون الحرمة فى الادلّة الشرعيّة معلّقة على وجود سبب محرّم وهو كون المال لغيره او كون الحليّة معلّقة على وجود سبب محلّل وهو كونه له وتمام الكلام فى محلّه ثمّ انّ الشّهيد ره إن اراد من الظّن والرّغم فى كلامه خصوص العلم فلا يرد عليه شيء قوله (وكلاهما تحكّم وتحرّض على غيب) امّا حكمه بعقاب متوسّط بين الصّغيرة والكبيرة فواضح انّه تحرّض على الغيب فانّ كيفيّة العقاب على تقدير ثبوته بيد الله تعالى وامّا الحكم بكونه فاسقا فكونه تحكّما وتحرّضا مبنىّ على انّ الفسق هو الخروج عن طاعة الله بفعل الكبائر وامّا على القول بانّه عبارة عن نقيض العدالة وهى الملكة الرّادعة فلا اشكال فى كونه فاسقا سواء كان التجرّى حراما ام لا ثمّ انّه لا يبعدان يكون مراد الشّهيد ره من كلامه وكلاهما اصل العقاب وكونه متوسّطا فانّ كلام ذلك البعض كان ويعاقب فى الآخرة ما لم يتب عقابا متوسّطا فوجه التحرّض هو ظهوره فى فعليّة العقاب لا مجرّد الاستحقاق كما لا يبعد ان يقال انّ كلام ذلك البعض لمّا كان مركّبا من اتّصافه بمعصية خاصّة لا صغيرة ولا كبيرة بل امر بين الأمرين وبعقاب مخصوص فقال معترضا عليه وكلاهما اى الحكم بمعصية خاصّة وعقاب مخصوص تحكّم وتحرّض على غيب وعلى اىّ حال فانظاره قدس‌سره فى الاوّل يشعر بالتوقّف واعتراضه على هذا البعض فى الأخر كانّه يدلّ على اختياره عدم العصيان قوله (على كلام يحكى عن المحدّث الأسترآبادي فى فوائده المدنيّة) الظّاهر انّ محلّ كلام الأمين العقل الظنّى وانّ الأخباريّين أرادوا من الدليل الّذى نقله المصنّف عنهم قبل نقله لكلام الامين اثبات عدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة لا عدم جواز الركون بعد حصول القطع لانّ دعوى كثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها فالعمل بها مستلزم لتفويت الواقع كثيرا لا يجامع حصول القطع منها فانّ فى العلم بالخطاء او احتماله مع حصول القطع بالحكم جمعا بين النّقيضين وظاهر النّسبة يقتضى انّه لو حصل للمكلّف قطع بالحكم من دليل عقلى وكان فى الواقعة نصّ ظنّى على خلافه فلا بدّ من الرّجوع الى الظنّى مع وجود القطع على خلافه وان لم يكن نصّ كذلك فيرجع الى الأصول الّتى جعلت للجاهل بالحكم ولا يعمل بالقطع الحاصل له وهذا ممّا لا يتفوّه به عاقل لانّ القاطع بشيء لا يحتمل خلافه واذا لم يحتمله فلا يعقل ان يعمل به ولا يمكن للشّارع ايضا النّهى عن العمل بقطعه والأمر بالعمل بخلافه وكيف يعقل

٧٠

ارجاعه من القطع الى النّص الظنّى وهو مقطوع الانتفاء عنده او الى الاصول مع انّها مجعولة للجاهل والمكلّف يرى نفسه عالما فعلى فرض ظهور كلامهم فى النّسبة لا بدّ من توجيه كلماتهم بما ذكرنا من عدم حصول القطع بالاحكام الشرعيّة من الادلّة العقليّة لانّ الاحكام الشرعيّة موقوفة على المصالح والمفاسد النّفس الأمريّة ولا يدركها العقول الجزئيّة القاصرة البشريّة كما يدلّ عليه رواية أبان الآتية والاخبار الكثيرة الواردة بمضمون انّ دين الله لا يصاب بالعقول وانّه لا شيء ابعد عن دين الله من عقول النّاس ويشهد لما ذكرنا من مرادهم جملة من كلماتهم منها مواضع من كلام المحدّث الأسترآبادي فمنه ما قال فى الدّليل الرّابع وهو انّ كلّ مسلك غير ذلك المسلك انّما يعتبر من حيث افادته الظّن بحكم الله تعالى وقد اثبتنا سابقا انّه لا اعتماد على الظّن المتعلّق باحكام الله تعالى او نفيها انتهى وهذا صريح بعدم حصول القطع بالاحكام من غير الأخبار ومنه ما قال فى مقام ذكر اصناف الخطأ فى مادّة البرهان الثالث جعل الاعتقاديّات والحدسيّات والتجربيّات النّاقصة والظّنيّات والوهميّات ممّا ليس بقطعىّ كالقطعى واجرائها مجراه وذلك كثير ومنه ما قال فى مبحث الاجماع والجواب انّ اجماع الفلاسفة على قدم العالم عن نظر عقلىّ وتعارض الشبه واشتباه الصحيح بالفاسد فيه كثير وامّا فى الشّرعيات فالفرق بين القطعى والظنّى مبيّن لا شبهة على اهل المعرفة والتّمييز انتهى وهذه الكلمات صريحة فى عدم حصول القطع من الادلّة العقليّة ولو حصل منها قطع فهو شبه قطع لا قطع حقيقة ومنه ما هو المنقول عنه فى المتن ان تمسّكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطأ وان تمسّكنا بغيره لم نعصم عنه ومنه ما ذكره فى ردّ العمل بالقياس حيث قال الرّابع الوجوه المذكورة سابقا لابطال التمسّك بالاستنباطات الظنيّة فى نفس احكامه تعالى او نفيها وهذا ايضا صريح فى انّ منع العمل لعدم حصول القطع منه ومنها ما ذكره السّيد المحدّث الجزائرى قدس‌سره فى الأنوار النّعمانيّة حيث قال بعد ردّ من تمسّك بالادلّة العقليّة فى الشرعيّات إن اردتم ما كان مقبولا عند عامّة العقول فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلىّ وذلك كما تحقّقت انّ العقول مختلفة فى مراتب الإدراك وليس لها حدّ يقف عنده فمن ثمّ ترى كلّا من اللّاحقين يتكلّم على دلائل السّابقين وينقضها ويأتى بدلائل اخرى على ما ذهب اليه ولذلك لا ترى دليلا واحدا مقبولا عند عامّة العقلاء والأفاضل وان كان المطلوب متّحدا فانّ جماعة من المحقّقين قد اعترفوا بانّه لم يتمّ دليل من الدلائل على اثبات الواجب وذلك انّ الدلائل الّتى ذكروها مبنيّة على بطلان التّسلسل ولم يقم دليل على بطلانه فاذا لم يتمّ دليل على هذا المطلب الجليل الّذى توجّهت الى الاستدلالات عليه كافّة الخلائق فكيف يتمّ على غيره ممّا توجّهت اليه آحاد المحقّقين انتهى وهذا الكلام

٧١

صريح ايضا فى انّ العقل قاصر عن الحكم والّا ليحكم على اثبات الواجب مع كثرة الدواعى ولم يحصل الاختلاف وانّ العقل لا يحكم على شيء حكما بتيّا مقبولا عند عامّة العقلاء ولو حكم بشيء يكون بدويّا يزول بأدنى تامّل وشبهة فلم يحصل من الدّلائل العقليّة القطع بشيء خصوصا فى الاحكام الشرعيّة المبنيّة غالبا على تفريق المجتمعات وجمع المتفرّقات ومنها ما فى المتن حكاية عن السّيد الجزائرى قدس‌سره فى اوائل شرح التّهذيب فانّ كلامه يدلّ على انّه لا يحصل من العقل القطع بالحكم الشّرعى والّا فلا معنى لنفى الشّك فى تقديم النّقلى عليه عند التّعارض ومنها ما سننقله لك عنه ايضا فى الأنوار النعمانيّة فى مسئلة الاحباط فانّ كلامه قدس‌سره صريح فيما ذكرنا فانّه ينفى حصول الظّن من العقل فضلا عن القطع ومنها ما ذكره صاحب الحدائق قدّس الله تعالى سرّه حيث قال بعد كلام طويل ولا ريب انّ الأحكام الفقهيّة من عبادات وغيرها كلّها توقيفيّة تحتاج الى السّماع عن حافظ الشّريعة وبهذا قد استفاضت الاخبار كما مرّت الإشارة الى شطر منها فى المقدّمة الثالثة الدّالة على النّهى عن القول فى الاحكام الشرعيّة الّا عنهم وحكم صادر عنهم ووجوب التوقّف والاحتياط مع عدم تيسّر العلم ووجوب الردّ اليهم عليهم‌السلام فى جملة منها وما ذلك الّا لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع على اغوارها واحجامه عن التلجّج فى لجج بحارها بل لو تمّ للعقل استقلال بذلك لبطل ارسال الرّسل وانزال الكتب ومن ثمّ تواتر الاخبار ناعية على اصحاب القياس بذلك انتهى وهذا اصرح من الكلّ فى الدّلالة على ما ذكرنا من مقصودهم وهذا ما تيسّر لى من نقل كلماتهم الدّالة على ذلك ولا بأس فى المقام بنقل ما افاده الفخر الرازى حيث قال هذه الاشياء المسمّاة بالبراهين لو كانت براهين لكان كلّ من سمعها ووقف عليها وجب ان يقبلها ولا ينكرها اصلا وحيث نرى انّ الّذى يسمّيه احد الخصمين برهانا فانّ الخصم الثّانى يسمعه ويعرفه ولا يفيده ظنّا ضعيفا علمنا إنّ هذه الاشياء ليست فى انفسها براهين بل هى مقدّمات ضعيفة اضافت العصبيّة والحميّة اليها فيتخيّل بعضهم كونها برهانا مع انّ الامر فى نفسه ليس كذلك الى ان قال انّا نرى الدلائل القويّة فى بعض المسائل العقليّة متعارضة مثل مسئلة الجوهر الفرد فانّا نقول كلّ متحيّز منقسم فانّ يمينه غير يساره وكلّ ما كان كذلك فهو منقسم ينتج انّ كلّ متحيّز منقسم ثمّ نقول وجود الحركة فى المسافة معلوم والموجود منها هو الحاضر لا غير وهو غير منقسم والّا لم يكن تمامه حاضرا بل بعضه فاذا كان غير منقسم كان عدمه فى آن آخر متّصل بآن وجوده فيلزم تتالى الآنات ويلزم منه كون الجسم مركّبا من اجزاء لا يتجزّى فهذان الدّليلان متعارضان ولا نعلم جوابا شافيا عن احدهما فنعلم انّ احد الكلامين مشتمل على مقدّمات باطلة وقد جزم العقل بصحّتها ابتداء فصار العقل مطعونا انتهى فالعقل النّظرى وما لا يكون من الفطرى والبديهى قاصر عن الإدراكات بحيث يقطع بالاحكام وكيف يحصل من الدّلائل العقليّة بعد ملاحظة مطعونيّتها بهذه

٧٢

التّناقضات والاختلافات فى مداليلها القطع بشيء خصوصا فى الاحكام الشرعيّة ومع ذلك كلّه فلا يخفى انّه لا يمكن انكار حصول القطع من العقل لوقوعه بالضّرورة والبداهة فانّا نقطع بعدم جواز تصريح الشّارع بجواز ترك مقدّمة الواجب وبانّ اجتماع الامر والنّهى فى شيء واحد شخصىّ من جهة واحدة محال وبعدم جواز اطلاق اللّفظ وارادة خلاف الظّاهر منه فى مقام الافادة والاستفادة الى غير ذلك ممّا لا يحصى ثمّ إنّه يجرى فى مرادهم احتمالات أخرى الاوّل انّهم اراد واعدم جواز الخوض فى المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعيّة لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها وفيه انّه منقوض بالظّنيات المجعولة للشّارع المعتبرة لدى الفريقين واحتمال التّخلف عن الواقع فيها ليس باقلّ من القطع اضف اليه الاختلافات الواقعة فيها من حيث فهم المرادات منها بل اعتبار الشارع للظنّ لكونه اقرب الى القطع فيدلّ على اعتبار القطع بالفحوى ولكن هذا اذا اذعن الخصم بكون اعتبار الأمارات الظنيّة من باب الطريقيّة وامّا اذا جعلها موضوعات فلا يأتى عليه هذا الكلام والإنصاف كما افاده فى المتن التفصيل والقول بعدم جواز الخوض فى المطالب العقليّة والركون اليها وحدها فيما يتعلّق بادراك مناطات الاحكام الشرعيّة كما يدلّ عليه رواية أبان وغيرها وان كان حكمه بعد حصول القطع به حجّة لا يصحّ التّكليف بخلافه وامّا القطع الحاصل منها فيما يتعلّق بامور واقعة فى معلولات الاحكام ولواحقها فلا مانع منه ولا مناص عن العمل بادراكات العقل فى ذلك اللهمّ إلّا ان يقال لا اشكال فى انّ القطع مط حجّة ذاتيّة ولا مناص عن العمل بادراكات العقل وترتيب الآثار عليها سواء حصلت بطريق اللم أو الإنّ ويؤيّد ذلك بوجهين الأوّل اتّفاق العلماء كافّة سوى ظاهر الأشاعرة على انّ الأوامر والنّواهى الشرعيّة تابعة للحسن والقبح وهى باسرها معلولات لهما وانّ العقل قد يدركهما فيرتّب حينئذ عليهما حكمهما وليس هذا الّا ادراك المعلول بواسطة ادراك العلّة الثّانى ورود الآيات والاخبار الكثيرة على حجيّة العقل وترغيب العمل بمقتضاه والذّم على مخالفته مثل قوله تعالى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) وغيره من الآيات الكريمة ومثل قولهم عليهم‌السلام انّ لله حجّتين حجّة فى الظّاهر وهى الأنبياء والرّسل واوصيائهم وحجّة فى الباطن وهو العقل وانّ العقل ما عبد به الرّحمن واكتسب به الجنان وانّه تعالى قال مخاطبا للعقل بك اثيب وبك اعاقب الى غير ذلك وإذا عوضدت تلك الآيات والأخبار مع تظافرها بعمل الاصحاب فلا يقاومها الاخبار المانعة ويلزم الجمع بينهما بحمل الاخيرة على العمل بالقياسات الظنيّة دون ما كان مفيدا للقطع ولا ضير فى هذا بالنّسبة الى ما عدا رواية أبان لصلوحه لذلك وهى وان كانت ظاهرة فى توبيخ العمل بالقياس القطعى ولكن ارتكاب خلاف الظّاهر فيها احسن من طرحها رأسا لأجل الآيات والاخبار المشار إليها فتأمل الثّانى انّهم ارادوا انّ العقل وان

٧٣

ادرك حسن الشّىء وقبحه ويحكم باستحقاق فاعله المدح فى الاوّل والذّم فى الثّانى الّا انّه لا يحكم بالوجوب والحرمة الشرعيّين لانّ استحقاق المدح والذّم لا يلازمهما بل هو اعمّ منهما وفيه انّ هذا خلاف ظاهر ما عرفت من كلماتهم وانكار لقاعدة الملازمة نعم صرّح بعضهم بانكار الملازمة ومجمل الكلام فى ذلك انّه كيف يمكن الانكار بعد ثبوت مقدّمتين الاولى تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد الثانية ادراك العقل ولو موجبة جزئيّة لتلك المصالح والمفاسد وما يقال من انّ العقل الفطرى وان كان مدركا للمصالح والمفاسد والجهات المحسّنة والمقبّحة الّا انّه من الممكن ان تكون لتلك الجهات موانع ومزاحمات فى الواقع وكان العقل قاصرا عن ادراكها كما يظهر من قوله ع انّ الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فيدفعه أنّ الحكم بالملازمة انّما هو فى المستقلّات العقليّة والعقل لا يستقلّ بحسن شيء او قبحه الّا بعد ادراكه لجميع الجهات الواقعيّة وانكار المستقلّات العقليّة بنحو السّلب الكلّى باطل قطعا وكيف يمكن انكار استقلال العقل بوجوب مقدّمة الواجب المطلق وقبح الفعل المتحقّق فيه مفهوم الظلم الخالى عن المصلحة وغير ذلك ونحن لا ننكر احتمال وجود الموانع لبعض المصالح الواقعيّة المانعة عن الحكم بالوجوب شرعا الّا انّه عند قيام هذا الاحتمال لا حكم للعقل قطعا ودعوى الملازمة انّما هى عند ادراكه لجميع الجهات ولا خلاف لاحد فيها بعد احراز الصغرى ومن انكرها فهو باللّسان وقلبه مطمئنّ بالأيمان الثّالث أنّهم ارادوا انكار الحكم الفعلى من العقل وانّ حكمه لا يكون الّا شأنيّا وبعبارة اخرى العقل يحكم بالحسن والوجوب معا فى الواجب الّا انّه لا يحكم بوجوب امتثاله ما لم يكن الحجّة واسطة فى تبليغه ويشهد لذلك الأخبار الّتى نقلها المصنّف قدس‌سره بقوله فان قلت لعلّ نظر هؤلاء فى ذلك الى ما يستفاد من الاخبار مثل قولهم عليهم‌السلام حرام عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا وفيه انّه إن أريد أنّ العقل لا يستكشف الّا حكما مشروطا بالتّبليغ والسّماع عن الحجّة فهذا خلاف الفرض وان أريد أنّه يحكم بالوجوب مثلا ويكون وجوبه مطلقا ومع ذلك لا يكون واجبا علينا الّا بامر من الشارع فهذا معنى اشتراط الوجوب والفرض إطلاقه وان أريد أنّ الحكم المنكشف بغير واسطة الحجّة وان كان تامّا بحسب العقل الّا انّه ملغى فى نظر الشّارع بالنّظر الى الاخبار المذكورة ويكون القطع الحاصل من الدّليل النّقلى وبواسطة الحجّة جزء للموضوع فى الاحكام الشرعيّة ولا يكون الواقع بنفسه تمام الموضوع لها فنحن مكلّفون بالواقع المبيّن بكلام الرسول المختار أو أحد من الائمّة الاطهار صلوات الله عليهم ما بقى اللّيل والنّهار ومقتضى الاخبار المذكورة عدم جواز اسناد الحكم الى الله تعالى بدون ذلك حتّى فى المستقلّات العقليّة فنمنع مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة فى وجوب اطاعة حكم الله سبحانه فانّ الخبرين المشتملين على لفظ السّماع لا يؤخذ بظاهرهما قطعا لعدم تحقّق معنى السّماع حقيقة

٧٤

عند الكلّ فلا بدّ من القول بكونه كناية عن العلم وهو يعمّ العلم الحاصل من الدّليل النقلى والعقلى وامّا الخبر الأخر فيحتمل وجوها الأوّل ان يكون فى مقام بيان اشتراط مجرّد الولاية فى صحّة الاعمال كما يدلّ عليه صدره وهو بنى الاسلام على خمسة اشياء الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية ويدلّ على هذا ايضا اخبار متظافرة كخبر فضيل عن ابى جعفر عليه‌السلام قال بنى الاسلام على خمس الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية ولم يناد بشيء كما نودى بالولاية فاخذ النّاس باربع وتركوا هذه يعنى الولاية وح يكون قوله ع فيكون اعماله بدلالته من باب ورود المطلق مورد الغالب لانّ من يعرف ولاية ولىّ الله يكون اعماله غالبا وذلك فيما لم يستقلّ به العقل بدلالة الولىّ فيكون المراد حبط ثواب التصدّق من اجل عدم المعرفة لولىّ الله الثّاني ان يكون بيانا لاشتراط خصوص دلالته الى الاحكام فى صحّتها فيكون قوله ع ولم يعرف ولاية ولىّ الله مذكورا تبعا لما هو المقصود بالاصالة فانّ الدّلالة لا تحصل بدون المعرفة الثّالث أن يكون فى مقام بيان اشتراط الأمرين بحيث لو فقد احدهما لم يكن الأعمال صحيحة والظّاهر من سياق الخبر بملاحظة صدره والأخبار المتظافرة الأخر هو الوجه الاوّل وهو لا يدلّ على مرادهم ومع الغضّ عن الظّهور فلا اقلّ من الاحتمال وبه يسقط عن الاستدلال وعلى فرض تسليم مدخليّة توسيط الحجّة يكون الإطاعة بواسطة الحجّة بالتقريب الّذى فى المتن وان اريد انّ العقل يحكم بالحكم الشّرعى من الوجوب والحرمة وغيرهما ولكنّ الحكم بترتيب آثاره من الثّواب والعقاب موقوف على تبليغ الحجّة كما يظهر ذلك من كلام السّيد الصدر شارح الوافية حيث قال فى جملة كلام طويل له بعد ما مهّد مقدّمتين إنّا إذا ادركنا العلّة التّامة للحكم العقلى بوجوب شيء او حرمته مثلا يصحّ ان يحكم عليه بانّ الشّارع حكم ايضا بمثل الحكم العقلى عليه لما مرّ فى المقدّمة الأولى ولمّا فرضنا عدم بلوغ التّكليف الينا لا يترتّب عليه الثّواب وان ترتّب على نفس الفعل شيء من قرب او بعد فلا يكون واجبا او حراما شرعيّا إلى ان قال وبالجملة وجود الاضافة الّتى يعبّر عنها بالخطاب معتبر فى تحقّق حقيقة الحكم وليس مجرّد العلم التّصديقى من الشارع بانّ شيئا خاصّا ممّا يحسن فعله او تركه وكذا ارادته من المكلّف ان يفعل او يترك ورضاه من فعل ومقته لآخر حكما شرعيّا من دون تصيير المكلّف مخاطبا بالفعل وكذا اخبار الشرع بانّ هذا الشّىء واجب او حرام او طلبه قبل بلوغ الخطاب ليس حكما فعلى هذا يكون كلّ الاوامر والنواهى قبل علم المكلّف بها خطابات بالقوّة لا يترتّب عليها آثارها من الثّواب والعقاب ثمّ انّه أورد بعد ذلك على نفسه بانّه بعد حكم العقل بالحكم الواقعى لا مجال لإنكار كونه حكم الله وهو المطلوب واجاب عنه بانّ التّعدى بمثل هذا الشّيء محلّ نظر لانّ المعلوم انّه يجب فعل شيء او لا يجب اذا حصل الظّن او القطع بوجوبه او حرمته او غيرهما من جهة نقل قول المعصوم ع او فعله او تقريره لا انّه يجب فعله او تركه او لا يجب

٧٥

مع حصولهما من اىّ طريق كان كالفتوى فانّه لا يجوز الفتيا بقول المعصوم المسموع منه فى المنام انتهى ففيه أنّه راجع ايضا الى ما سبق من انكار الحكم الفعلى الشّرعى وانّ القطع الحاصل من تبليغ الحجّة جزء للموضوع ويظهر ضعفه ممّا افاده المصنّف واشرنا إليه مضافا إلى النّقض بالاجماع الكاشف عن الرضا فانّ مخالفته توجب العقاب والحكم المنكشف عنه فعلىّ فى حقّ المكلّف ويقدّم على الاخبار لو وردت على خلافه وموجب لطرحها او تاويلها مع انّه ليس دليلا نقليّا وو التّفكيك بين حكم العقل والشّرع بتسليم الرّضا والمقت ومنع الثّواب والعقاب فى الاوّل وتسليم الكلّ فى الثّانى تحكّم محض لانّ الاحكام الّتى يقول بثبوتها المخطّئة هى الإرادة والكراهة الثّابتتان فى الواقع وهما حاصلتان فى حكم العقل بالوجوب والحرمة ومدار الثّواب والعقاب عليهما والوجدان اقوى شاهد على عدم الفرق فى استحقاق العقاب على مخالفة الكراهة الملزمة بين الحاصلة من العقل او من النّهى اللفظى فان قلت الدّليل على عدم حجيّة القطع الحاصل من الدّليل العقلى إنّه إن اريد منه ما اتّفق عليه عقول جميع النّاس فنمنع الصغرى لعدم وقوعه وان امكن وجوده فانّ الأليق بهذا هو القطع بوجود الصّانع وتوحيده وترى اختلافهم فيه وتفرّقهم الى مسالك متباينة وان اريد منه القطع الحاصل لآحاد العباد ولو خالف كلّ قطع صاحبه فنمنع الكبرى لاستلزام حجيّة القطع عدم جواز الحكم باستحقاق اولى العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة للعقاب فانّ كلّ طائفة منهم قد بنوا مذهبهم على دليل قطعىّ عندهم وقد حصل لهم الجزم بذلك وان كان فاسدا عند مخالفيهم واللّازم باطل بالاتّفاق لدلالة الآيات والاخبار الخارجة عن حدّ الإحصاء على عذابهم وخلودهم فى النّار قلت نختار حجيّة القطع بكلا قسميه ونمنع ما ذكر من الاستلزام وبطلان اللّازم فانّ اشخاص القاطعين على صنفين قاصر ومقصّر ومن الاوّل ضعفاء العقول بحيث لا يمكنهم الاجتهاد فى تحصيل المقدّمات القطعيّة الموصلة الى الواقع والغافلون رأسا بحيث لم يتّفق لهم الالتفات الى تلك المقدّمات فاخذوا بمقدّمات مفضية الى القطع بخلاف الواقع اضطرارا ولم يلتفتوا الى ما يخالفها ومن الثّانى اشدّاء العقول ومن هو قوىّ الادراك بحيث يتمكّن من الاجتهاد والاستسعاء الى تحصيل المقدّمات الموجبة لحصول القطع واليقين بالحقّ وقد تفطّن والتفت اليها ولكنّه اختار مع ذلك بسبب شقاوته او عناده المقدّمات المفضية الى القطع بالباطل وترك المقدّمات الهادية الى الحقّ باليقين بسوء اختياره وميله والقاصر معذور عند الله سبحانه ولم يتوجّه اليه خطاب ولا عقاب والاستلزام المذكور ثابت فى حقّه بخلاف المقصّر فانّه قدر على تحصيل المقدّمات الحقّة وتفطّن اليها واشتغل عنها بما افضى الى الباطل قهرا ويرجع الأمر الى

٧٦

انّ الامتناع بالاختيار هل ينافى الاختيار ام لا وفيه اقوال ثلاثة الأوّل عدم المنافاة لا خطابا ولا عقابا الثّانى المنافاة خطابا وعقابا الثّالث وهو المختار المنافاة خطابا لا عقابا وما ذكرنا إنّما هو بحسب الحصر العقلى وإلّا فيمكن دعوى انّ مقدّمات اصول الدّين كلّها من الأمور الواضحة الجليّة ولا ينفكّ عن القطع بالواقع بحيث كلّ من التفت اليها وتذكّرها يحصل له القطع بالحقّ الواقع ولا يعرض له الخطأ فى فهمه الّا ان يعرض عنها ويتمسّك بغيرها بسوء اختياره نعم لو كان مخالفا للحقّ فى اصول الدّين وكان فى الحقيقة قاصرا محضا كان لم يسمع بالحقّ اصلا او سمع ولم يحتمل بحسب ادراكه كونه حقّا او احتمل واجتهد وسعى فى تحصيل المعرفة الحقّة وادّى اعتقاده بسبب قصور فهمه الى الباطل كان معذورا ونمنع بطلان اللّازم فى حقّه وقد يدّعى انّ الغالب كون المخالف للحقّ مقصّرا ولو بسبب التفاته الى المقدّمات آنا ما وعلى اىّ حال فمقدّمات الفروع الفقهيّة لمّا لم تكن فى الوضوح مثل مقدّمات اصول الدّين كانت صالحة للتقصير فيها والقصور ولا اشكال فى عدم جواز تكليف القاطع مط بالعمل بخلاف قطعه ولو كان معاقبا فى بعض الأحيان للتّقصير قوله (قلت انّما نشاء ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة) لا اشكال فى فساد هذا الجواب فانّ اغلب الاختلافات الواقعة فى الفروع الفقهيّة ليس بواسطة ضمّ مقدّمة عقليّة والدّليل على ذلك كثرة الاختلافات بين الاخباريّين مع انّهم لا يعبئون بالمقدّمات العقليّة بل الاختلاف فى الفروع انّما ينشأ غالبا من الاختلاف فى المرادات ومعانى الاخبار ومن كثرة وقوع التعارض بينها قوله (اقول لا يحضرنى شرح يب حتّى ألاحظ ما فرّع على ذلك) قد عثرنا على مسألتين منها فى الانوار النعمانيّة الأولى ما ذكره فى الاحباط حيث قال بعد الردّ على الاصوليّين على انّهم قد طرحوا الدّليل النّقلى حيث تعارض الدّليل العقلى والنّقلى ومن هنا تريهم فى مسائل الاصول يذهبون الى اشياء كثيرة قد قامت الدّلائل النقليّة على خلافها لوجود ما تخيّلوا انّه دليل عقلىّ كقولهم بنفى الاحباط فى العمل تعويلا على ما ذكروه فى محلّه من مقدّمات لا يفيد ظنّا فضلا عن العلم ونذكرها إن شاء الله الله تعالى فى انوار القيمة مع وجود الدلائل من الكتاب والسنّة على انّ الاحباط الّذى هو الموازنة بين الأعمال واسقاط المتقابلين وابقاء الرّاجح حقّ لا شكّ فيه ولا ريب يعتريه انتهى الثّانية ما ذكره ايضا بقوله منها قولهم انّ النّبى ص لم يحصل له الإسهاء من الله تعالى فى صلاة قطّ تعويلا على ما قالوه من انّه لو جاز السّهو عليه ص فى الصّلاة لجاز عليه فى الاحكام مع وجود الدلائل الكثيرة من الأحاديث الصّحاح والحسان والموثّقات والضّعاف والمجاهيل على حصول مثل هذا الاسهاء وعلّل فى تلك الرّوايات بانّه رحمة للأمّة لئلّا يعير النّاس بعضهم بعضا انتهى ثمّ انّى عثرت بعد هذا على المحكىّ من كلامه فى شرح يب في حاشية الآشتيانى قدّس

٧٧

سرّه وقد ذكر من المسائل الّتى تخيّل ابتناؤها على ما مهّده من الاصل أربعة الأوّل والثّاني ما ذكرناه والثالث ما ذكره بقوله ومنها مسئلة الارادة فانّ المتكلّمين من اصحابنا قد اقاموا البراهين العقليّة على كونها عين الذّات وقد وردت فى الأخبار المستفيضة انّها زائدة عليها وانّها من صفات الأفعال وذهب اليه شيخنا الكلينى وقد عنون بابا فى اصول الكافى فى زيادة الارادة على الذّات والرّابع ما ذكره ايضا بقوله ومنها تعيين اوّل الواجبات ثمّ ذكر الاقوال فى هذه المسئلة إلى ان قال والحاصل انّهم اقاموا الادلّة العقليّة على انّ اوّل الواجبات هو المعرفة بالله تعالى وعليه اكثر المحقّقين من الإماميّة وأمّا الأخبار فقد استفاضت بل تواترت بانّ معرفة الله تعالى المجملة وهى انّه خالق للعالم وانّه قادر وحكيم ونحوها من الامور الفطريّة الّتى وقعت فى القلوب بالهام فطرىّ الهى وذلك نظير قول الحكماء انّ الطفل معلّق على ثدى امّه بالهام فطرىّ الهى فلم يتعلّق بالمكلّف وجوب الّا بعد بلوغ خطاب الشارع ومعرفة الله قد حصلت لهم بعد بلوغ الخطاب بطريق الالهام فاوّل الواجبات هذا الاقرار اللّسانى بالشّهادتين على ما فى الروايات انتهى ملخّصا ثمّ تصدّى فى الحاشية بعد نقل هذه المسائل عن شرح التّهذيب الى دفع كلماته وبيان انّ حكم العقل فيها معاضد بالنّقل وانّ النّقل لا يدلّ على ما زعمه ولقد اتى شريكنا المحقّق قدس‌سره بما لا مزيد عليه فراجع الى تلك التعليقة قوله (كيف يجوز حصول القطع او الظّن من الدّليل العقلى على خلافه وعلى فرض امكان حصول الظّن من الدّليل النّقلى على خلافه فاىّ دليل يدلّ على ترجيح الظنّى على القطعى مع انّ اعتبار الظّن فيما كان معتبرا انّما هو باعتبار أقربيّته الى القطع قوله (بالنّسبة الى ما لا يتوقّف على التّوقيف) وذلك كالاخلاقيّات وبعض الاعتقاديّات الغير المتوقّفة على بيان الشارع قوله (والعجب ممّا ذكره فى التّرجيح) وهنا فى بعض نسخ الكتاب زيادات مخلّة بالمقصود والنّسخة المصحّحة بعد انتهاء كلام المحدّث البحرانى هكذا والعجب ممّا ذكره فى الترجيح عند تعارض العقل والنقل كيف يتصوّر التّرجيح فى القطعيّين واىّ دليل على الترجيح المذكور واعجب من ذلك الاستشكال فى تقديم العقلىّ الفطرىّ الخالى عن شوائب الاوهام على الدليل النّقلى مع انّ العلم بوجود الصّانع جلّ ذكره امّا ان يحصل من هذا العقل الفطرىّ او ممّا دونه من العقليّات البديهيّة بل النظريّات المنتهية الى البداهة انتهى فلا تغفل ثمّ إنّه قال ايضا وهؤلاء يعني المجتهدين اخذوا العقل وتركوا الشّرع حيث حكموا بواسطة حكم العقل بقبح تاخير البيان عن وقت الحاجة ورتّبوا عليه احكاما كثيرة مع ورود الأخبار على خلافه مثل ما ورد فى تفسير قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) حيث سئل عنه ع فقال عليكم السّؤال وليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا وان شئنا أمسكنا وايضا قد شاع بينهم البناء

٧٨

على الاستصحاب واصل البراءة بمقتضى ما حكم به عقولهم مع ورود الموثّق والضّعاف على خلافه الخ والجواب عن الاوّل منع معارضة الاخبار مع العقل لتغاير موردهما فانّ العقل انّما حكم بقبح تاخير بيان التّكليف الفعلىّ وما دلّ من الأخبار على عدم لزوم البيان عليهم صلوات الله عليهم انّما هو فى الاحكام الواقعيّة والتّكاليف الشأنيّة لعدم لزوم بيانها على الحجّة الّا فى زمان فعليّتها ومن ذلك ما كان المقام مقتضيا للتقيّة وعن الثانى منع حجيّة تلك الاخبار على ما فصّل فى محلّه والّا فلا يبقى مورد لأصل البراءة وهو انّما يكون حجّة من جهة عدم البيان ولو كانت الأخبار المخالفة معتبرة كانت بيانا وهذا واضح قوله (فلا بدّ من تأويله ان لم يمكن طرحه) يعنى اذا امكن الطّرح لا يتعيّن التأويل بل يلاحظ فى دليل الصّدور والدّلالة وقد يقتضى المقام التّاويل ايضا قوله (ما كان له على الله ثواب) وفى آخر الرّواية ولا كان من اهل الأيمان كذا فى الفصول فى باب الاجتهاد والتّقليد فى مبحث احكام الجاهل قوله (عدم المعرفة لولىّ الله تعالى او على غير ذلك) مثل انّ الغرض من نفى الثّواب هو نفيه عن العامل لا نفى الثّواب رأسا فيكون ثواب عمله للمؤمنين كما هو مدلول بعض الأخبار او يقال انّ نفى استحقاق الثّواب لا يدلّ على نفى الصّحة بمعنى اسقاط القضاء والملازمة بينهما ممنوعة او يقال انّ نفى الاستحقاق فى حقّ من لم يوال ولىّ الله ولم يكن عمله بدلالته والظّاهر من اللّفظ اعتبار الأمرين معا وهو لا يقتضى نفى الثّواب فى الموالى الّذى لا يكون عمله بدلالة ولىّ الله قوله نجزم من ذلك بانّ ما استكشفناه بعقولنا) ووجه حصول الجزم انّ الشّىء لا يتّصف بحكمين مختلفين من جهة واحدة واذا استقلّ العقل بانّ حكم هذا الشّىء مثلا الوجوب فى الواقع مع علمه بانّ حكمه قد صدر من الشّارع وانّه مبيّنه فحينئذ لا بدّ امّا ان يقال باتّصاف هذا الشّىء بحكمين مختلفين احدهما من قبل الشّارع والأخر من العقل وهو باطل جزما وامّا ان يقال باتّصافه بحكم واحد كما هو الشّأن وعليه فلا يخلو امّا ان يكون العقل خاطئا او يكون حكمه موافقا والاوّل خلاف الفرض والثّانى هو المطلوب قوله (انّ المرأة تعاقل الرّجل) اى توازنه قوله (قد اشتهر فى السنة المعاصرين انّ قطع القطّاع لا اعتبار به) قد مرّ انّ القطع الطّريقى لا يفرّق فيه بين خصوصيّاته من حيث القاطع وغير ذلك الّا انّه نسب الى بعض المتاخّرين انّ قطع القطّاع وظنّ الظنّان اى كثير القطع والظّن لا اعتبار بهما نظير شكّ الشّكاك والمراد بهما من يحصل له القطع او الظّن من مقدّمات ليس من شأنها ذلك لمتعارف النّاس سواء كان ذلك من اسباب غير متعارفة كقطعه الحاصل من خبر الواحد او قطعه بحجيّة خبر الواحد او من اسباب معروفة لكن بطريق غير معروف لم يجر عليه العادة ولم يحصل بالنّظر اليه قطع لمتعارف النّاس كما اذا حصل له القطع من الكتاب لكن لم يكن طريق فهمه على طبق فهم العرف واللّغة وممّا

٧٩

ذكرنا يعلم انّ قطعه الحاصل من مقدّمات يحصل لمتعارف النّاس بالنّظر اليها خارج عن محلّ الكلام وما ذكروه لا اشكال فيه بالاضافة الى ظنّ الظنّان لانّ الظّن كما مرّ لا يكون الّا مجعولا وادلّة اعتباره لا ينصرف الّا الى الظّنون المتعارفة وأمّا بالإضافة الى قطع القطّاع فهو على اطلاقه غير مستقيم فان أرادوا عدم الاعتبار به اذا كان طريقا وانّه مكلّف بخلاف قطعه فهو تكليف بما لا يطاق لكونه غافلا عنه والتّكليف فرع الالتفات مضافا الى لزوم اجتماع النّقيضين لو كان الواقع مطلوبا والخروج عن الفرض لو قلنا بعدم مطلوبيّة الواقع من ذلك الطّريق لأنّ المفروض كون القطع طريقا وان اراد واعدم الاعتبار به اذا كان موضوعا او جزء موضوع كقبول شهادته او فتواه فهو حسن ولا اعتبار بقوله ولا يجب على الغير قبول قوله مط حتّى فى اخباره ضرورة انّ ادلّة اعتبار القطع فى هذه المقامات منصرفة الى القطع المتعارف ولذا قالوا لا عبرة باخبار الوسواسىّ بالنّجاسة وهذا جار فى جميع الاوصاف الّتى تؤخذ عنوانا فى الموضوع فالشّك المأخوذ فى عدد الرّكعات وغيره ينصرف الى ما هو المتعارف ولا يشمل شكّ كثير الشّك ولا عبرة به وكذا الظّن الّذى اخذ موضوعا فى عدد الرّكعات الرباعيّة فانّه لا يشمل كثير الظّن ويلحقه حكم الشّك وبالجملة لكلامهم فى القطع الموضوعى وجه ولكنّ الظّاهر انّ مرادهم انّما هو فيما كان القطع طريقا لا موضوعا لانّ صاحب كشف الغطاء الّذى هو الاصل فى هذا الكلام ذكر ذلك فى باب الصّلاة فى مقام لا يقبل القطع الموضوعىّ وان ارادوا انّه بعد انكشاف الواقع لا يجزى ما اتى به على طبق قطعه فان كان ذلك فى القطع الطّريقى فهو حقّ الّا انّه لا فرق فى ذلك بين القطّاع وغيره وان كان فى القطع الموضوعى فقد عرفت انّ قضيّته كفاية القطع المتعارف لا قطع القطّاع فلا عبرة به سواء انكشف مخالفته للواقع ام لا فهو قبل انكشاف الواقع ايضا لا اعتبار به وان أرادوا أنّه يجب على غيره ردعه عن اعتقاده وارشاده الى الحقّ مع وصف كونه طريقا بان يلقى اليه من الادلّة والتّشكيكات ما يخرجه عن كونه قاطعا فله وجه الّا انّه ان كان وجوب الرّدع من باب ارشاد الجاهل حيث انّ المراد منه اعمّ من الجاهل البسيط والمركّب فلا خصوصيّة فى ذلك بالقطّاع اذ لا فرق فى باب وجوب ارشاد الجاهل بين القطّاع وغيره مضافا الى أنّه لا يثبت تمام الدّعوى لانّ ادلّة الإرشاد انّما يجرى فى الاحكام الكليّة وفى الموضوعات الّتى يكون فى العمل بالقطع مفسدة نعلم انّ الشّارع لا يريد اصل وقوعها فى الخارج كما اذا اراد القاطع قتل رجل باعتقاد انّه قاتل ابيه او انّه كافر حربىّ او اراد المواقعة على امرأة قطع بانّها زوجته او اراد أكل مال الغير باعتقاد انّه ماله فانّا نعلم انّ للشّارع اهتماما عظيما فى امر النّفوس والانساب بل الاموال فى الجملة ولم يجعل للعلم والجهل مدخلا فيها وامّا الموضوعات الّتى تتعلّق بحقوق الله سبحانه فلا دليل

٨٠