تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

بترتيب آثار الواقع عليهما ولو مع التخلّف لعدم امكان تصوّر فائدة اخرى من حصول العلم ونحوه وامّا ان نشكّ فى ذلك والشّك اذا كان بملاحظة امر خارج عن اللّفظ فيتمسّك بظهور اللفظ الموجب لحصول الظّن بخطاب واحد ولو لم يرتفع الشّك بتلك الملاحظة ولو مع ملاحظة الظهور اللفظى بان كان الظهور بدويّا وجب الاخذ بالقدر المتيقّن وهو الخطاب الواحد ايضا وما ادّعاه المستدلّ انّما يستقيم اذا كان المقام من القسم الثانى وهو ان يكون المقصود من الامر بوجوب الاظهار جعل قول المظهر طريقا ايضا الى الواقع للمكلّفين بالاحكام الواقعيّة وان لم يحصل لهم العلم منه كما فى سائر الامارات المجعولة من قبل الشارع فيكون المقصود من الخطاب مضافا الى وجوب الاظهار جعل الطريق ويلزمه حينئذ وجوب قبول قول المظهرين فيتولّد من وجوب اظهار الحقّ حجيّة قول المخبر ووجوب الأخذ به مط سواء حصل العلم بالواقع ام لا ولكنّك خبير بعدم دلالة الآية الكريمة على هذا لانّا نعلم من الخارج انّ الشارع ليس فى مقام جعل قول المخاطبين والمظهرين طريقا تعبّدا لغيرهم بحيث يجب عليهم الأخذ به ولو لم يفد العلم بل المقصود امر العالمين بالحقّ بالاظهار امرا نفسيّا بمعنى مطلوبيّته فى نفسه من حيث انّه اظهار الحقّ من غير مدخليّة جهة اخرى فيه وان كان قد يترتّب عليه فائدة بملاحظة الغير ايضا فى بعض الاحيان وهو اقتضاء الاظهار علم المظهر اليه اذا اقترن بالقرائن او تراكمت الإظهارات وان شئت قلت انّه لمّا كان الحقّ الواقعى مطلوبا للشّارع وكان العلم طريقا اليه كان الإظهار مطلوبا له من جهة ايصاله الى مطلوبه الواقعى وكان الكتمان ممّا يسدّ طريق الواقع وهو العلم فكان مبغوضا له ومنهيّا عنه فاوجب الاظهار وحرّم الكتمان لا ان يكون فى مقام جعل الطّريق وما ذكرناه من العلم بقرينة خارجيّة هى نزول الآية فى اصول العقائد وعلامات النّبى ص المذكورة فى التوراة والانجيل ومن المعلوم انّ الظّن غير كاف فى ذلك ومن يقول بتناول الآية غيرها فلا بدّ ان يقول به على وجه العلم هذا مضافا الى عدم قرينة على كونه من القسم الثّانى لانّ الغالب فى اخبار علماء اهل الكتاب حصول العلم لجهّالهم فلا يلزم اللغو حتّى يكون قرينة على تعدّد الجعل ومع الغضّ عن ذلك فظاهر الآية ينفى الجعل بلحاظ وجوب القبول ومع الغضّ عنه فاللازم هو الأخذ بالمتيقّن وهو وجوب قبول قول المظهر اذا افاد العلم وثانيا يختصّ وجوب القبول المستفاد من الآية بالامر الّذى يحرم كتمانه ويجب اظهاره وهو ما يكون المظهر عالما به من الامور الواقعيّة من الدين فاذا لم يعرف السامع صدق المظهر وانّه هل يكون الاخبار واقعا بالامور الدينيّة الواقعيّة او بغيرها خطاء او تعمّدا لم يجب القبول فكما انّ الكاتم مكلّف باظهار ما علم انّه حقّ فكذلك غيره مكلّف بقبول ما علم انّه كذلك ومع العلم لا حاجة فى اثبات وجوب القبول الى حجيّة خبر الواحد والتّمسك بالآية الكريمة.

قوله (ومن جملة الآيات الّتى استدلّ بها بعض المعاصرين) هو صاحب الفصول ره

٢٤١

وتوضيح الاستدلال انّه تعالى أمر عند عدم العلم بمسألة اهل الذكر والسؤال كذلك عند عدم العلم كما يقع عن حكم الواقعة كما هو شأن المقلّد فيجاب بذكر الفتوى كذلك قد يقع عمّا صدر عن المعصوم (ع) من قول او فعل او تقرير كما هو شأن المجتهدين فيجاب بحكايته ونقله وهو المعبّر عنه بالخبر والحديث وقضيّة الامر بسؤالهم وجوب قبول ما عندهم فتوى كان او رواية لظهور الامر فى الوجوب ولعدم كونه وجوبا نفسيّا بل مقدّميا لانّه شأن السّؤال والّا لكان لغوا وعلى اىّ حال فالمراد باهل الذكر ليس هو خصوص المجتهدين والعالمين بالاحكام الشرعيّة عن ادلّتها لانّه اصطلاح جديد لا يصحّ تنزيل ما فى التنزيل عليه بل الظاهر أيضا عدم الاختصاص بالائمّة عليهم‌السلام لانّ اهل الذكر والقرآن كما يطلق على العالم بجميع ما فيه كذلك يطلق على من علم بشيء منه بل الظاهر من اهل الذكر لغة وعرفا هو مطلق اهل العلم واذا وجب قبول الجواب عند السّؤال وجب قبول كلّما يصحّ ان يسأل عنه لانّ مضافا الى عدم القول بالفصل كما هو واضح اهل العرف يفهمون من ايجاب السّئوال حجيّة قول المسئول بطريق الانّ لا انّ السّئوال بنفسه صار سببا لوجوب القبول بمعنى انّهم يستكشفون من الامر بالسّئوال انّ اصل قول المسئول حجّة وينتقلون منه اليه انتقالا انيّا من المعلول الى العلّة ولا ينافى ذلك كون السّئوال علّة لاثبات المسئول عنه عند السائل لكون السّئوال طريقا اليه فانّ العلّة امّا علّة فى الثبوت كالتغيّر بالنّسبة الى حدوث العالم او علّة فى الاثبات كالمجموع المركّب من القضايا فى الاشكال الاربعة وربّ شيء يكون علّة فى الاثبات لكشفه عن المطلوب ومعلولا لعلّة الثبوت ولا منافات فى ذلك للفرق الواضح بين الجهتين والسّر فهم العرف وذلك لوضوح انّ السّئوال ليس واجبا نفسيّا بل هو مقدّمة للوصول الى الغير والاهتداء الى الواقع اعنى القول الناطق بالاحكام فاتّصف بالوجوب تبعا وارشاد او يكون الواجب الاصلى هو ذلك الغير وهو المطلوب كيفما اتّفق فان قلت إنّ غاية مدلول الآية كما هو مقتضى الاستدلال وجوب قبول قول الراوى فيما وجب السّئوال عنه وامّا فيما لم يجب السّئوال عنه فلا دلالة للآية على وجوب قبول القول فيه لظهور انّ علّة وجوب القبول كما استكشفه المستدلّ هو وجوب السّئوال فاذا لا يجب السّئوال لا يجب القبول مع انّ المدّعى أعمّ قلت إنّه إن أريد بالسّؤال ما يلازم الفحص بان يجعل السّئوال كناية عن الفحص او عبارة عنه كما هو الظّاهر من عبائر الاصحاب حيث لم يفرّقوا بين السّئوال والفحص فى الاحكام وهذا مفروغ عنه بينهم ولعلّ نظرهم فى ذلك الى انّهما مقدّمتان للوصول الى الواقع والمناط فيهما واحد فاخذوهما شيئا واحدا واجروا على كلّ منهما حكم الآخر فنمنع انّ مفاد الآية اخصّ من المدّعى لانّ المدّعى وما يصحّ ان يجعل محلّا للبحث فى المقام وما فيه النزاع هو قبول قول الراوى فى الاحكام الكليّة الشرعيّة وما يتعلّق بها من الموضوعات المستنبطة الّتى من شأنها ان يبيّنها الشارع وتؤخذ منه

٢٤٢

وما هذا شأنه نلتزم فيه بوجوب السّئوال عنه بمعنى الفحص ومن اجل هذا يحكم بلزوم الفحص وعدم جواز العمل بالاخبار قبله وامّا ما ليس من شأنه ذلك ولسنا موظّفين باخذه من الشارع فهو خارج عن محلّ البحث كبعض الموضوعات الّتى مدارها على العرف والاخبار الواردة فى غير بيان الاحكام ففى ذلك كلّه كما لا يجب السّئوال عنه نلتزم بعدم وجوب قبول قول الراوى فيه وان اريد به ما هو معناه اللغوى جمودا على ظاهر لفظ السّئوال وانكارا لما استقرّ عليه ديدنهم من تعميم السّئوال بالنّسبة الى الفحص بان يكون الامر لوجوب السّئوال حقيقة واستماع الجواب كذلك ولا يكفى المراجعة الى الكتب المعتبرة المدوّنة فنمنع اوّلا ذلك بان يكون الغرض هو وجوب السّئوال بهذا المعنى وثانيا على فرض تسليمه فكما يصدق السّئوال عن المعصوم على سؤال الراوى عنه كذلك يصدق على السّئوال عن الراوى غاية الامر ان يكون ذلك سؤالا بالواسطة بل يصدق على رجوع المجتهد الى كتب الاخبار المأخوذة من الرواة عند الحاجة الى استنباط الاحكام لوضوح انّه رجوع اليهم (ع) سيّما بناء على ما هو المتعارف من استجازة كلّ عامل بالحديث عمّن سبقه فيسأل كلّ لا حق عن السابق كيفيّة العمل بالاخبار والأخذ بها فهو يتلو عليه بعضا منها ويأذن له فى العمل بها الى ان ينتهى الى الرواة الراوين عن الامام (ع) ويتحقّق ح السؤال واقعا ويدفع اصل الاستدلال انّه ان كان بملاحظة ظاهر الآية بحسب سياقها بالنّظر الى قبلها وبعدها وموردها فهو يقتضى ارادة علماء اهل الكتاب كما عن بعض المفسّرين من انّ المراد باهل الذكر هؤلاء وانّه وجب السّئوال عنهم فى خصوص احوال الانبياء السابقة وانّهم كانوا رجالا لا ملائكة وعلى هذا فالآية خاصّة باعتبار السائل والمسئول والمسئول عنه ولا ربط لها بالمقام وتوهّم أنّ هذا ما يقتضيه المورد وظاهر انّ خصوص المورد لا يخصّص عموم اللفظ وانّ العبرة به واهل الذكر عامّ لانّه اسم جنس مضاف والسّئوال ايضا مطلق مدفوع بانّا لم نقل انّ المورد يخصّص عموم اللفظ بل المقصود انّ سياق الآية بملاحظة صدرها وذيلها يقتضى السؤال عن علماء اليهود فلا يشمل غيره والفرق بين تخصيص العموم بالمورد وتخصّصه بذلك باقتضاء السّياق مما لا يخفى فعلى الاوّل يجب الاخذ بظاهر اللفظ عموما واطلاقا وعلى الثانى يؤخذ بما يقتضيه السّياق وان كان مع قطع النظر عن سياقها ففيه اوّلا انّه ورد فى الاخبار المستفيضة انّ اهل الذكر هم الائمّة (ع) بل ردّ الامام (ع) فى بعضها على من زعم انّهم علماء اليهود والنصارى بما يفيد انّه تعالى كيف يامرنا بمسألتهم مع انّهم لو سئلوا لامروا بالأخذ بشريعتهم وقد عقد فى اصول الكافى بابا لذلك ففيه عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام فى قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال رسول الله (ص) الذكر انا والائمّة اهل الذكر وقوله عزوجل (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) قال ابو جعفر (ع) نحن قومه ونحن المسئولون وعن عبد الرّحمن بن كثير قال قلت لأبي عبد الله (ع) (فَسْئَلُوا

٢٤٣

أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال الذكر محمّد (ص) ونحن اهله المسئولون قال قلت قوله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) قال ايّانا عنى ونحن اهل الذكر ونحن المسئولون وعن الوشّاء قال سالت الرّضا (ع) فقلت له جعلت فداك (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فقال نحن اهل الذكر ونحن المسئولون قلت فانتم المسئولون ونحن السائلون قال نعم قلت حقّا علينا ان نسألكم قال نعم قلت حقّا عليكم ان تجيبونا قال لا ذاك الينا ان شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل اما تسمع قول الله تبارك وتعالى (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) وعن ابى بصير عن أبي عبد الله (ع) فى قول الله عزوجل (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) فرسول الله (ص) الذكر واهل بيته (ع) المسئولون وهم اهل الذكر وعن الفضيل عن أبي عبد الله (ع) فى قول الله تبارك وتعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) قال الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسئولون وعن ابى بكر الحضرمى قال كنت عند أبي جعفر (ع) ودخل عليه الورد اخو الكميت فقال جعلنى الله فداك اخترت لك سبعين مسئلة ما تحضرنى منها مسئلة واحدة قال ولا واحدة يا ورد قال بلى قد حضرنى منها واحدة قال وما هى قال قول الله تبارك وتعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من هم قال نحن قال قلت علينا ان نسألكم قال نعم قلت عليكم ان تجيبونا قال ذاك الينا وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال انّ من عندنا يزعمون انّ قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) انّهم اليهود والنّصارى قال اذا يدعونكم الى دينهم قال قال بيده الى صدره نحن اهل الذكر ونحن المسئولون وعن الوشّاء عن ابى الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول قال علىّ بن الحسين (ع) على الائمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا امرهم الله عزوجل ان يسألونا قال (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فامرهم ان يسألونا وليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا وان شئنا امسكنا وعن احمد بن محمّد بن ابى نصر قال كتبت الى الرضا (ع) كتابا فكان فى بعض ما كتبت قال الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقال الله عزوجل (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فقد فرضت عليهم المسألة ولم يفرض عليكم الجواب قال قال الله تبارك وتعالى (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) فى الوافى ولم يفرض عليكم الجواب استفهام استبعاد كانّه استفهم السّر فيه فاجابه الامام بالآية ولعلّ المراد انّه لو كنّا نجيبكم عن كلّ ما سألتم فربما يكون فى بعض ذلك ما لا تستجيبونا فيه فتكونون من اهل هذه الآية وفى العيون فى باب مجلس الرّضا (ع) مع المأمون فقالت العلماء فاخبرنا هل فسّر الله عزوجل الاصطفاء فى الكتاب فقال الرضا (ع) فسّر الاصطفاء فى الظاهر سوى الباطن فى اثنا عشر موطنا وموضعا فاوّل ذلك قوله عزوجل (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الى ان قال (ع) وامّا التّاسعة

٢٤٤

فنحن اهل الذكر الّذين قال الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فنحن اهل الذكر فاسألونا ان كنتم لا تعلمون فقالت العلماء انّما عنى الله بذلك اليهود والنصارى فقال ابو الحسن (ع) سبحان الله وهل يجوز ذلك اذا يدعونا الى دينهم ويقولون انّه افضل من دين الاسلام فقال المأمون فهل عندك فى ذلك شرح بخلاف ما قالوه يا أبا الحسن فقال ابو الحسن (ع) نعم الذكر رسول الله ونحن اهله وذلك بيّن فى كتاب الله عزوجل حيث يقول فى سورة الطّلاق (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) فالذكر رسول الله (ص) ونحن اهله فهذه التاسعة الى آخر الحديث والحاصل انّه اذا ثبت اختصاص اهل الذكر بهم صلوات الله عليهم فلا يتناول سائر اهل العلم ولا يشمل الروايات والذّهاب إلى عدم الفرق بين قول الروات وقولهم (ع) لانّه حكاية عن قولهم (ع) والسؤال عن الراوى بمنزلة السؤال عن الإمام ضعيف بعدم الدليل على ذلك وظهور الامر فى ايجاب السؤال الحقيقى وهو ما كان بلا واسطة وكذا ما حكاه السيّد فى الضّوابط عن شريف العلماء ره من ردّ هذه الاخبار بضعف السّند بناء على اشتراك بعض الرواة فى بعضها وضعف بعضها فى الباقى مردود بما فى المتن مضافا الى عدم انحصارها فى السّتة كما عرفت وثانيا انّ الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم تحصيل العلم وليس الغرض هو السؤال للعمل بعده مطلقا وهل قضيّة تعليق وجوب السؤال بعدم العلم الّا تحصيل العلم بحيث لو لم يحصل من سؤال واحد فلا بدّ من السؤال ثانيا وثالثا وهكذا الى ان يحصل العلم لما تقرّر فى محلّه انّ الحكم المعلّق على شرط او صفة يتكرّر بتكرّرهما فكما انّه يجب عليه السؤال من اوّل الأمر فكذلك يجب عليه اذا سئل ولم يجب او اجيب ولم يحصل له العلم اذ يصدق فى الجميع عدم العلم الّذى أنيط به السؤال وهذا لا دخل له بحجيّة خبر الواحد بل لا يبعد استظهار دلالة الآية على عكس ما رامه المستدلّ لدلالتها على عدم جواز العمل ما لم يحصل العلم وممّا يؤيّد ذلك انّ الآية واردة فى اصول الدين وعلامات النّبى (ص) الّتى يؤخذ فيها بعلم اليقين ويعاضده ظاهر لفظ بالبيّنات والزبر وثالثا لو سلّم عدم لزوم حصول العلم بعد السؤال نقول انّ المراد من اهل العلم ليس مطلق من علم بشيء والّا لدلّ على حجيّة قول كلّ عالم بشيء ولو من طريق السّمع والبصر مع انّه يصحّ سلب هذا العنوان عن مطلق من احسّ شيئا بسمعه وبصره ألا ترى انّ العالم بوجود سنّور على السور او عصفور فى الجدار لا يعدّ عند العرف من اهل الذكر والعلم فلا دلالة فى الآية على وجوب قبول قول الراوى مط مع وضوح انّ تحمّل الرواية غير ملازم لكون الراوى من اهل العلم نعم لو اغمضنا عن الجواب الاوّل امكن القول بدلالتها على حجيّة قول اهل الخبرة اللهمّ إلّا ان يقال انّ صحّة سلب هذا العنوان عن مطلق من احسّ شيئا بسمعه او بصره لا ينافى صدق اهل العلم على من علم بشيء سمعه عن الامام (ع) لانّ العلم لغة وعرفا هو الجزم فمن علم شيئا بالسّمع فهو من اهل العلم

٢٤٥

بذلك الشيء وتبادر ذى الملكة فى بعض الموارد كالطبيب والفقيه واهل العلم فى عرفنا لا يقتضى بكونه حقيقة فى ذى الملكة لغة وعرفا ولو لم يقبل صدق اهل العلم على من علم بشيء سمعه عن الإمام ع فلا اشكال فى صدقه على كثير من الرواة كزرارة ومحمّد بن مسلم ومثلهما ويصدق على السؤال عنهم انّه سؤال من اهل الذكر ولو كان السائل من اضرابهم لمعلوميّة جواز رجوع محمّد بن مسلم الى زرارة مثلا فى نقل رأى الامام وحكاية قوله من جهة اطّلاعه على رأيه فإذا وجب قبول روايتهم فى مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مط لعدم الفصل جزما بين المبتدا والمسبوق بالسئوال ولا بين اضراب زرارة وغيرهم ممّن لا يكون من اهل الذكر وانّما يروى ما سمعه او راه فللنظر فيما فى المتن اخيرا فى وجه الاندفاع مجال.

قوله (فاذا كان التصديق حسنا يكون واجبا) وحيث انّا نعلم انّ ذلك ليس من خواصّه ص ويعمّ الأمّة بتنقيح المناط القطعى فيدلّ الآية على مطلوبيّته لغيره ص ايضا من المؤمنين بل لا اشكال فى اولويّة الأمّة منه ص في ذلك لانّ تصديقه ص إذا كان ممدوحا مع اطّلاعه بعلم النّبوة بما فى النفوس من السرائر ومكنونات الضمائر كان فى حقّنا احقّ واحرى ولمّا كان التّصديق فى حقّه ص ليس بمعنى مجرّد القبول بل بمعنى التصديق المقرون بمطابقة العمل على طبق الخبر فلا جرم كان التصديق فى حقّنا ايضا كذلك وهذا هو معنى حجيّة خبر الواحد وما قد يتوهّم من انّ غاية ما يستفاد من الآية هو حسن التصديق وكونه ممدوحا فلا تدلّ على ازيد من جواز العمل وظاهر انّ الجواز غير الوجوب والمدّعى هو الثانى فجوابه أنّه لمّا كان تصديق المؤمنين مقرونا بالتصديق بالله تعالى ومطلوبيّته بالنّسبة الى الله تعالى لا تكون الّا على وجه الوجوب كان تصديق المؤمنين ايضا على ذلك الوجه فإن قلت إنّ الآية واردة فى الموضوعات ومحلّ البحث هو حجيّة خبر الواحد فى الاحكام الكليّة وعدم حجيّته فيها للنبىّ ص معلوم بالضرورة فانّها مأخوذة منه وهى توحى اليه من الله تعالى قلت إذا ثبت حجّيته فى الموضوعات ثبت فى الاحكام بالاجماع المركّب فانّ كلّ من قال بحجّيته فى الموضوعات قال بها فى الاحكام ولا عكس فانّ بعضهم قال بحجّيته فى الاحكام ولم يقل بها فى الموضوعات هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال.

قوله (ويرد عليه اوّلا انّ المراد بالأذن سريع التّصديق) عن الكشّاف انّ الاذن الرجل الّذى يصدّق كلّ ما يسمع ويقبل قول كلّ احد سمّى بالجارحة الّتى هى آلة السّماع نظير قولهم للربيئة عين ولا يخفى انّ مبنى الاستدلال ليس على قوله تعالى اذن خير حتّى يقابل بهذا الجواب اللهم إلّا ان يقال انّ وجه الاستدلال لمّا كان وجوب التصديق بعد كونه حسنا لانّه مدحه الله تعالى بتصديقه ذكر المورد بانّه تعالى مدحه بانّه اذن خير وسريع التّصديق بكلّ ما يسمع ثمّ انّ هذا الجواب مبنىّ على ظاهر الآية مع قطع النظر عن عدم صحّة هذا المعنى فى حقّ النبىّ ص

٢٤٦

لوجهين الاوّل أنّه ص لو كان كذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس كما بيّنه المصنّف ره والثانى ايجاب هذا المعنى كثرة الخطأ عليه ص وهو محال وبالنظر اليه ص يكون معنى الأذن والتصديق ما هو المذكور فى الجواب الثانى وعلى كلا الجوابين لا يكون للآية ربط بمسألة حجيّة خبر الواحد امّا على الاوّل فواضح لانّه حينئذ يعتقد بما يسمع لا انّه يعمل تعبّدا بما يسمع مع عدم حصول الاعتقاد وامّا على الثانى فلانّ الكلام فى مسئلة حجيّة الخبر انّما هو فى ترتيب آثار الواقع عليه مع عدم العلم وامّا التصديق بمعنى اظهار صدق المخبر فى اخباره مع العمل فى نفسه بما يقتضيه علمه او الاحتياط التامّ فهو اجنبىّ عن هذا والحاصل انّ الكلام فى حجيّة الخبر انّما هو فى التصديق الخبرى والآية لا تدلّ الّا على التصديق المخبرى ويؤيّد هذا المعنى امور الاوّل ما عن القمىّ ره في سبب نزول الآية اذ من الواضح انّه لا يمكن حمل تصديقه للمنافق على التّصديق الواقعىّ وترتيب آثار الصّدق على قوله مط ضرورة انّ الله سبحانه اخبره بنميمة المنافق وتصديق الله سبحانه فى اخباره لا يجتمع مع تصديق المنافق بترتيب آثار الصّدق على قوله الثانى انّ المؤمنين جمع محلّى بلام الاستغراق فيشمل جميع المؤمنين سواء آمنوا بقلوبهم او بافواههم فيشمل المنافقين ايضا غاية الامر كون الايمان لهم على حسب ايمانهم ودخول المنافقين فى عموم المؤمنين المطلوب تصديقهم لا يجامع كون المراد بالايمان هو التصديق الواقعى الثالث انّه لو كان المراد جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه لم يكن ص أذن خير لجميع الناس الرابع ما عن تفسير العيّاشى الخامس تعدية الايمان فى الاوّل بالباء وفى الثانى باللّام مضافا الى تكرار لفظ الايمان ويوهن كون المعنى هو التصديق الخبرى وجعل المخبر به واقعا ايضا امور الاوّل لزوم تخصيص الاكثر ان لم نقل بعدم جوازه لما عرفت من انّ المؤمنين يفيد الاستغراق ويشمل جميع المسلمين واطلاق التصديق يعمّ بالنّسبة الى متعلّقه الاحكام والموضوعات وظاهر انّ التصديق الواقعى غير جائز فى حقّ المنافقين والفسّاق ولا يعقل حجيّة خبر الواحد فى الاحكام فى حقّ النّبى ص ولا يجوز حجيّة قوله فى جملة من الموضوعات فهذه امور يمتنع من اجلها حمل التصديق على جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه الثانى استشهاد الإمام ع بالآية فى حكاية اسماعيل فانّ قوله لابيه سمعت الناس يقولون يشمل جميع فرق المسلمين من الفسّاق والمنافقين وكذا قوله ع فى جوابه فاذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم لظهور انّ التصديق الواقعى لا يجب للفسّاق والمنافقين فاذا امر الإمام ع بوجوب التصديق علمنا انّ المراد به هو التّصديق الصورى لا ترتيب آثار الواقع ضرورة عدم ثبوت شرب الخمر بشهادة الفسّاق والمنافقين وليس مقصود الامام ع امر ابنه اسماعيل بعدّ الرجل القريشى شاربا للخمر واقعا بل المقصود من الامر بالتصديق هو الاحتياط التامّ من المخبر عنه والاحتزاز عنه لا يقال لعلّ شربه ثبت عند اسماعيل بالاستفاضة من قول المسلمين ولذلك امره الإمام ع بالتصديق من باب الشّهادة فانّه يقال مضافا الى

٢٤٧

انّه خلاف ظاهر سوق الحديث والى أنّه ح يكون خارجا عن محلّ الكلام لانّ الكلام فى حجيّة خبر الواحد انّ شرب الخمر ممّا لا يثبت الّا بشهادة العدلين ولا يكفى فيه مجرّد الاستفاضة فانّها تعتبر فى الشرع فى سبعة مواضع فحسب وليس المقام منها فإن قلت لعلّ المخبرين بشربه كانوا عدولا قلت ينافيه عموم قول اسماعيل وامر الإمام ع الثالث ورود اخبار كثيرة تمنع من حمل التصديق فيها على التصديق الواقعى مثل قول الصّادق ع لابى بصير يا أبا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن اخيك الخ ويشهد بذلك ادلّة حمل فعل المسلم على الصّحيح والاخبار الواردة فى انّ من حقّ المؤمن على المؤمن ان يصدّقه ولا يتّهمه فإن قلت إن كان ادلّة حمل فعل المسلم على الصّحيح منحصرة فى الروايات فلما ذكرته تبعا للمتن من الحمل على التّصديق المخبرى لا ترتيب آثار الواقع وجه ولكنّ الظاهر قيام الاجماع على ترتيب آثار الواقع عليه وان اختلفوا فى الحمل على الصحّة عند الفاعل او الصحّة الواقعيّة عند الحامل والمشهور على الاوّل قلت نعم ولكن فرق بين فعل المسلم وقوله وان كان هو ايضا داخلا فى فعله بالمعنى العامّ ويفترق الادلّة بالنّسبة الى القسمين فالروايات عامّة فى دلالتها على وجوب حمل كلّ من الفعل والقول على الصحّة ولكنّها لا تدلّ على ازيد من المعنى الّذى ذكرنا وامّا الاجماع فمختلف بالنّسبة الى المقامين ففى فعل المسلم قام على وجوب حمله على الصّحيح الواقعى وترتيب آثار الواقع عليه على الخلاف الّذى اشرنا اليه ولكنّه غير نافع فى المقام وامّا فى قول المسلم فالاجماع قائم على عدم ترتيب آثار الواقع عليه ألا ترى انّه لو تكلّم متكلّم بشيء واشتبه عليك انّه سلّم عليك او شتمك فاحسن المحامل هو الاوّل ومع هذا لم يحكم احد بوجوب ردّ السلام عليه ولذا اتّفقوا على عدم جواز العمل بخبر المسلم الفاسق مع اتّفاقهم على وجوب تصديقه فى نفسه وعدم جواز تكذيبه مخبريّا وان جاز تكذيبه خبريّا وتفصيل الكلام فى ذلك موكول الى محلّه إن شاء الله الله تعالى.

قوله (ثمّ انّ هذه الآيات على تقدير تسليم دلالة كلّ واحد منها فانّها ح تدلّ على حجيّة الخبر مط سواء كان المخبر عادلا ام فاسقا وآية النبإ بمنطوقها تدلّ على عدم حجيّة خبر الفاسق فيقيّد اطلاق هذه الروايات بخبر العدل ويخرج عنه خبر الفاسق فى الجملة ثمّ إن جعلنا التبيّن بمعنى التثبّت العلمى كما هو الظّاهر يخرج منها خبر الفاسق مط ما لم يفد العلم ويبقى الاطلاق مقيّدا بخبر العدل ثمّ إن قلنا بانصراف خبر العدل الى ما يفيد الاطمينان كما هو الظاهر لكونه غالب الافراد فيختصّ الحجيّة به وان لم نقل به يكون حجّة مطلقا وان جعلناه أعمّ من التثبّت العلمى والاطميناني بمعنى تحصيل مطلق الوثوق يبقى تحت هذه الآيات خبر الفاسق المفيد للاطمئنان وخبر العادل المفيد للاطمينان ان ثبت الانصراف او مطلقا ان لم يثبت.

قوله (ما ورد فى الخبرين المتعارضين من الاخذ بالاعدل الخ) اعلم انّ الاخبار العلاجيّة على اصناف اربعة :

الاوّل ما دلّ على وجوب تقديم ما وافق الكتاب او السنّة القطعيّة والتّقديم بهذا راجع

٢٤٨

الى جهة المضمون والمدلول ولا دلالة فيه ولا اشعار على حجيّة خبر الواحد اصلا فانّ الكلام انّما هو فى حجيّة خبر الواحد العارى عن القرائن المفيدة للعلم بصدق نفسه وبصدق مضمونه وامّا الخبر الّذى كان سنده او مضمونه قطعيّا باعتبار موافقته لدليل قطعى فهو خارج عن محلّ النزاع وهذا القسم لو دلّ على شيء لدلّ على حجيّة الخبر الّذى كان مضمونه مطابقا لمضمون الكتاب بعد القطع بمضمونهما ولا ريب انّ المضمون الحاصل من الكتاب بالقطع حجّة قطعيّة بنفسها ولا يمكن الحكم بخلافه على انّ الامر بالاخذ بالموافق لا يدلّ على حجّيته اصلا لاحتمال ان يكون ذلك من اجل مطابقته للدليل القطعى وبالجملة هذا الصنف لا يدلّ على شيء ينفع فى المقام امّا لأجل خروج هذا القسم من خبر الواحد عن محلّ النّزاع وامّا لأجل عدم دلالة الامر باخذ ما يوافق الدّليل القطعى على حجيّة ما امر باخذه بنفسه.

الثّانى ما دلّ على وجوب تقديم ما خالف العامّة وطرح ما وافقهم وهذا ايضا لا دلالة فيه لانّه راجع الى جهة الصّدور والكلام فى المقام انّما هو من جهة صدق اصل الصّدور وعدمه لا فى وجه الصدور وانّ مضمونه صادر لبيان حكم الله الواقعى ام لا وظاهر انّ احتمال كون الصّدور من باب التقيّة جار فى الخبر المتواتر ايضا فخبر الواحد والمتواتر مشتركان فى ذلك وبعد ما عرفت عدم مدخليّة هذا الصنف وسابقه فى جهة السّند تعلم انّ ردّ الاخباريّين المدّعين لقطعيّة سند الاخبار وعدم جواز العمل بالاخبار الظنّية السند بهذين الصنفين نظر الى دلالتهما على جواز العمل بالخبر الظنّى كما هو ظاهر كلام المحقّق القمىّ ره حيث اطلق الردّ عليهم بالاخبار العلاجيّة ضعيف جدّا.

الثالث ما دلّ على وجوب الاخذ بما يرويه اعدلهما وافقههما واصدقهما واورعهما وما دلّ على وجوب الاخذ بالمشهور منهما.

الرابع الاخبار الحاكمة بالتخيير ابتداء من دون تعرّض لوجوه العلاج وهذان الصنفان يدلّان على ما هو المقصود بالبحث.

قوله ع (وبالترفرف بالبرّ والاحسان) كناية عن اللطف والاحسان من رفرف الطّير جناحه وفى بعض النّسخ وبالتوفير بالبرّ والإحسان.

قوله (وادّعى فى الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة) الظّاهر عدم الاشكال فى ثبوت التواتر الإجمالي وبه يندفع ما يقال انّ هذه الاخبار آحاد وكيف يستدلّ بها على حجيّة اخبار الآحاد فانّ هذه الطوائف على كثرتها توجب القطع بعدم كون كلّها كاذبة وبعضها صادر عن المعصوم قطعا والموجبة الجزئيّة تكفى فى نفى السلب الكلّى وليس شرط التواتر ان يكون الاخبار متواترة لفظا او معنى بان تكون متّفقة اللّفظ او على لفظين او متّفقة على معنى وحدانى مع اختلاف الفاظها كى يصحّ الاعتماد بها على حجيّة اخبار الآحاد بل يكفى التواتر الإجمالي وقضيّة التواتر الاجمالى هى حجيّة ما توافق عليه الكلّ او ما كان منها اخصّ مضمونا ويتعدّى منهما الى الغير ومن الظاهر عدم ثبوت اتّفاقها لفظا او معنى لانّ مفاد بعضها هو حجيّة خبر العدل الامامى

٢٤٩

الضّابط كما فى قوله ع فى مرفوعة زرارة خذ بما يقول اعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك ويستفاد منه كون المراد هو العدالة والوثوق فى الرّاوى ولهذا يقول زرارة فقلت انّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان ومفاد بعضها حجيّة خبر الثقة الامامى كما فى قوله ع عليك بزكريّا بن آدم المأمون على الدنيا والدّين وكذا فى قوله ع فى حقّ العمرى وابنه فانّهما الثّقتان المأمونان والوثوق غير العدالة والنّسبة بينهما عموم من وجه فانّ الاوّل من يوثّق بخبره ويؤمن منه الكذب عادة والعادل قد يكون كثير السهو فلا يكون ضابطا فلا يكون مأمونا ومفاد بعضها حجيّة خبر الثّقة مط ولو لم يكن مرضيّا كما فى قول الشيخ ابى القاسم حسين بن روح حيث سأله اصحابه عن كتب الشلمغانى ومفاد بعضها حجيّة خبر العدل الامامى ولو لم يكن بضابط كمقبولة عمر بن حنظلة فانّها وردت فى الخبرين المتعارضين ويستفاد منها حجيّة رواية العادل ومفاد بعضها حجيّة خبر الامامى الصّادق كما فى قوله ع حديث واحد فى حلال وحرام تاخذه من صادق خير لك من الدّنيا وما فيها ومفاد بعضها حجيّة خبر الامامى كما فى قوله ع لا تأخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا ومفاد بعضها حجيّة خبر غير الامامى كما فى قوله ع اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنّا فانظروا فيما رووه عن علىّ ع فانّه يدلّ على الاخذ بروايات العامّة مع عدم وجود المعارض من رواية الخاصّة وهذه الأخبار على كثرتها ليس فيها لفظ واحد ولا قدر مشترك متّفق عليه يعلم بصدوره عن الإمام ع نعم لا اشكال كما عرفت فى ثبوت التّواتر الإجمالي وح فإن كان فيها ما هو اخصّ من الجميع بحسب المضمون كما اذا دلّت طائفة على حجيّة الخبر المشتمل على القيود كلّها فيؤخذ به ويتعدّى منه الى حجيّة غيره وطريق التعدّى على وجهين الاوّل بدلالة ما هو مشتمل على القيود كلّها على حجيّة الاعمّ حيث انّ الاخصّ مقطوع حجّيته بالفرض وقد دلّ على حجيّة ما هو اعمّ منه فيكون حجّيته ايضا بدليل قطعىّ وهكذا لا يقال مقتضى حمل المطلق على المقيّد هو تعيّن الاخذ بالاخصّ من دون تعدّ الى غيره ولو كان مضمون الاخصّ تجويز الاخذ بالاعمّ فإنّه يقال لو كان حجيّة الخبرين العامّ والخاصّ ثابتة كان مقتضى الجمع الدلالى هو حجيّة الاخصّ وحمل الاعمّ عليه والكلام فى المقام لاثبات الحجيّة وليس الأخذ بالأخصّ من حيث الدّلالة بل من حيث العلم الاجمالى وح فلا محذور فى الأخذ بمضمونه واثبات الحجيّة لما هو اعمّ منه مضمونا به الثانى بالافراز بان يفرز من هذه الطوائف ما هو اخصّ مضمونا ويؤخذ به فيحكم بحجيّة كلّ خبر كان كذلك وبعد افراز هذه الطّائفة ان كان العلم الاجمالى باقيا فى البقيّة يفرز منها ايضا ما هو الاخصّ منها قضيّة بقاء العلم الاجمالى بعد افراز الاخصّ المطلق ويحكم ايضا بحجيّة كلّ خبر كان مدلولا لهذا الاخصّ وبعد اخراج الاخصّ الاضافى ان كان العلم الإجمالي باقيا

٢٥٠

يفرز منها ايضا ما هو الاخصّ فيها ويؤخذ بمضمونه وهكذا الى ان ينتهى الى الشّك البدوي وان لم يكن فيها ما هو اخصّ مضمونا فلا بدّ ان يؤخذ بما توافق عليه الكلّ ويحكم بحجيّة كلّ خبر كان كذلك ويتعدّى عنه ايضا بوجهين الاوّل بدلالة ما توافق عليه الكلّ على حجيّة بعض آخر وهكذا الثانى بلحاظ استفادة حجيّة طائفة اخرى بعد بقاء العلم الاجمالى فى البقيّة فيحكم بحجيّة تلك الطّائفة ايضا وهكذا الى ان ينتهى الى الشّك البدوى فيخرج من بين اطراف العلم ثلث خبر يتوافق على كلّ واحد منها اطراف علم اجمالى فيؤخذ بكلّ منها ويحكم بمدلوله فانّ الطوائف المذكورة ليست من المتباينات بل كلّها اعمّ واخصّ من وجه او مط هذا كلّه بحسب الكبرى وتعيين الصّغرى سهل واضح فتدبّر.

قوله تتّبع اقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين) ويمكن المناقشة فيه باختلاف الاقوال فيما اخذ فى حجيّة الخبر من الخصوصيّات وكذا الحال فى الاجماعات المنقولة فانّ فى كلّ نقل منها اخذ قيد غير ما اخذ فى النّقل الآخر ومع اختلاف القيود كيف يكشف عن رضاء الإمام ع بالحكم او عن وجود نصّ معتبر اللهم الّا ان يقال انّ تواطئهم على حجّيته ممّا لا اشكال فيه فانّ الكلّ متّفقون على ذلك وانّما الاختلاف فى تعيين ما هو الحجّة ولازم ذلك هو الأخذ بالاخصّ او بما توافق عليه الكلّ على حسب ما قدّمنا فى دلالة الاخبار قوله (وامّا للاطّلاع على انّ ذلك لشبهة حصلت لهم) وسيجيء الكلام عن هذه الشّبهة فى المتن قوله (وقال بعض من تاخّر عنه من الاخباريّين) هو الشيخ المحدّث شهاب الدين العاملى على ما فى شرح الوافية للسيّد صدر الدّين ره قوله (ومجرّد عمل السّيد والشّيخ بخبر خاصّ لدعوى الاوّل الخ) فانّ الخلاف بينهما انّما يثمر فى مادّتى الافتراق لا فى مادّة الاجتماع وذلك نظير العمل من بعض بخبر مفيد للظنّ لاجل ذهابه الى كون ذلك الخبر من الظنون الخاصّة والعمل من بعض آخر لأجل ذهابه الى حجيّة مطلق الظّن حيث توافقا فى العمل به مع اختلاف جهة العمل وخلافهما انّما يثمر فى خبر سنخه لا يفيد الظّن وفى الشهرة الّتى تفيد الظّن قوله استثنى القميّون كثيرا من رجال نوادر الحكمة) هى لابى جعفر محمّد بن احمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الاشعرى القمىّ كان ثقة فى الحديث الّا انّ اصحابنا قالوا كان يروى عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل ولا يبالى عمّن اخذ وما عليه فى نفسه مطعن فى شيء وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثنى من رواياته رجالا كثيرة مذكورة فى محلّها ونوادر الحكمة كتاب حسن كبير يعرّفه القميّون بدبّة شبيب كناية عن انّ فيه كلّما يريده الطالب من الاحكام والاحاديث وشبيب رجل كان بقم له دبّة ذات بيوت يعطى منها ما يطلب منه من دهن فشبّهوا هذا الكتاب بها قوله (واستثنى ابن الوليد من روايات العبيدى) هو محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى مولى اسد بن خزيمة ابو جعفر جليل من اصحابنا ثقة عين كثير الرّواية حسن التّصانيف روى عن ابى

٢٥١

جعفر الثانى عليه‌السلام مكاتبة ومشافهة ذكر ابو جعفر ابن بابويه عن ابن الوليد انّه قال ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ورأيت اصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون من مثل ابى جعفر محمّد بن عيسى سكن بغداد وقال القتيبى كان الفضل بن شاذان يحبّ العبيدى ويثنى عليه ويمدحه ويميل اليه ويقول ليس فى اقرانه مثله قوله (ثمّ انّ ما ذكره) اى ذلك الأخبارى قوله ونصّ فى مقام آخر على انّ معظم الاحكام يعلم بالضرورة) وحكى عنه فى المعالم فى جواب ما اورد على نفسه بقوله فان قيل اذا سددتم طريق العمل باخبار الآحاد فعلى اىّ شيء تعوّلون فى الفقه كلّه واجاب عن هذا بانّ معظم الفقه يعلم بالضرورة الى آخر كلامه قوله (والتجنّن به) من الجنّة اى يتّقى به ويستدفع به الشّر قوله (هو هذا المعنى لا اليقين الّذى لا يقبل الاحتمال) واشار الى ذلك شيخنا الحرّ في الفائدة العاشرة من الفوائد المذكورة فى آخر الوسائل ولا يخفى انّ هذا الجمع راجع الى توافق السيّد والشيخ فى المسألة من دون نظر الى قول الاصحاب وعملهم بخلاف الوجهين الاوّلين المذكورين للجمع بين قول الاصحاب وعملهم فانّ بناء على كلّ واحد منهما يلزم تصديق احد العلمين وتكذيب الآخر بخلاف هذا الجمع فانّ فيه تصديقهما قوله (وتصريح الشيخ قدس‌سره فى كلامه المتقدّم بانكار ذلك) اى التواتر والاحتفاف بالقرائن الاربع فانّ الاحتفاف عند السيّد هو الاحتفاف بما يوجب السّكون ولا منافاة بين ذلك الاحتفاف وعدم الاحتفاف بتلك القرائن الاربع فلا منافاة ولا مخالفة بينهما على هذا الجمع قوله (ويكون ما تقدّم فى كلام الشيخ من المقلّدة) يحتمل ان يكون معطوفا على يكون مثل الصّدوق اى ويمكن ان يكون مراد العلّامة ما تقدّم الخ ويحتمل ان يكون جملة مستأنفة اى ويكون هذا هو ما تقدّم فى كلام الشيخ إلخ وعلى كلا الوجهين جملة ما تقدّم خبر يكون قوله (لاجل شبهة حصلت له فخالف المتّفق عليه بين الاصحاب) يحتمل ان تكون الشبهة فى كلام العلّامة هو شوب ذهن السّيد واتباعه بعلم الكلام ومسائله المطالبة باليقين واستيناسهم بالعلوم العقليّة فصار ذهنهم بعيدا عن العلوم الشرعيّة قوله (قال الفاضل القزوينى فى لسان الخواصّ) هو محمّد بن الحسن القزوينى المشتهر بالآقا رضى من تلامذة المولى خليل وهو من اعلام المحدّثين المحرّمين للعمل بالظنّ ومن اراد الاطلاع على فضله فليراجع كتاب لسان الخواصّ وكتاب ضيافة الاخوان وهديّة الخلّان وعدّه الميرزا محمّد الاخبارى فى كتابه المسمّى بمنية المرتاد فى نفاة الاجتهاد منهم وقال من اراد الاطّلاع على حاله فليطالع كتابه لسان الخواصّ قوله (واحسن منه ما قدّمناه من انّ مراد السيّد الخ) وتحصّل انّ ما ذكروه فى الجمع بين الاجماعين وجوه ثلاثة الاوّل ما افاده المصنّف ره من انّ مراد السيّد من العلم الّذى ادّعاه فى صدق الاخبار هو مجرّد

٢٥٢

الاطمينان الثانى ما قاله المحقّق من عمل الشيخ بهذه الاخبار الّتى رويت عن الائمّة ودوّنها الاصحاب فيحمل ما ادّعاه السيّد على عدم حجيّة غيرها من الاخبار الّتى اعرض عنها الاصحاب او كانت شاذّة الثالث ما قاله الفاضل القزوينى.

قوله (الثانى من وجوه تقرير الاجماع ان يدّعى الاجماع حتّى من السّيد واتباعه) والنّسبة بين هذا الاجماع والاجماع المتقدّم عموم من وجه لاختصاص الاوّل بغير السّيد من المجمعين وعمومه بالاضافة الى الزّمان واختصاص الثانى بزمان الانسداد وعمومه للسيّد وغيره من المجمعين فان قلت هذا الاجماع يثبت حجيّة خبر الواحد على تقدير الانسداد والكلام فى اثبات حجّيته بالخصوص لا فيها من جهة اعتبار مطلق الظّن والسيّد قائل بها فى زمان الانسداد من باب دليل الانسداد وحكم العقل وهذا لا يكون الّا من باب حجيّة مطلق الظّن والفرق بينهما فى غاية الوضوح لانّ من قال باعتبار ظنّ بالخصوص لم يفرّق فيه بين زمان الانسداد والانفتاح كالظنّ الكتابى ونحوه ومن قال باعتبار مطلق الظّن لم يعتبر به الّا فى حال الانسداد ومن قال باعتبار ظنّ بالخصوص يعتبره ولو مع التمكّن من تحصيل العلم ويكون فى عرضه بخلاف الآخر والظّن الخاصّ انّما يثبت اعتباره بدليل خاصّ صدر من الشارع قلت اعتبار الخصوصيّة فى الظّن تارة باعتبار الزمان خاصّة بان يقيّد حجّيته عند المعتبر بزمان خاصّ كان يقول الشّارع جعلت الظّن حجّة حال الانسداد خاصّة من غير فرق بين افراد المكلّفين واسباب الظنون او يحكم العقل بذلك واخرى باعتبار خصوصيّة فى افراد اسبابه كاشتراط حصوله من الخبر مط او من نوع خاصّ منه او من الاجماع المنقول او البيّنة او الظّهور اللفظى مثلا وثالثة باعتبار خصوصيّة فيمن يعتبر فى حقّه كالظنّ فى عدد الرّكعات الّذى اعتبره الشّارع فى حقّ المصلّى من اىّ سبب كان والفارق بين ان يكون الظّن خاصّا او مطلقا هو باعتبار الخصوصيّة فى افراد اسبابه والظّن الخاصّ هو ما اعتبره المعتبر لاجل خصوصيّة فى سببه سواء كان اعتباره فى زمان الانفتاح او الانسداد وسواء كان المثبت له هو الشرع كالكتاب والسنّة او العقل كدليل الانسداد وسواء كان حجّيته فى عرض الواقع ومع التمكّن من تحصيل العلم او فى طوله فلو اعتبر الشارع ظنّا خاصّا كخبر الواحد فى زمان الانسداد لاجل خصوصيّة فيه كان من الظنون الخاصّة سواء كان المثبت له هو التنصيص من الشرع او العقل بدليل الانسداد والظّن المطلق هو ما لم يعتبر فيه خصوصيّة الّا وصف الظّن من دون فرق بين اسبابه وسواء كان معتبرا فى زمان الانفتاح او الانسداد وبالجملة ربما ظنّ خاصّ يعتبر على وجه الترتّب وفى طول العلم ومن غير جانب الشرع كالظنّ المخصوص المدّعى فى كلام صاحب المعالم فانّه يدّعى كون نتيجة دليل الانسداد هو اعتبار اقوى الظنون ويدّعى كونه هو الحاصل من اخبار الآحاد وربما ظنّ مطلق لم يلاحظ فيه الترتّب مع تصريح الشّارع باعتباره كالظنّ الّذى اعتبره فى حقّ المصلّى من دون فرق بين اسبابه فالتمسّك بدليل الانسداد

٢٥٣

لحجيّة خبر الواحد لا يجعله من الظّن المطلق والظاهر أنّ منشأ اشتباه المعترض هو صحابة الظّن المطلق لدليل الانسداد الّذى يلزمه الترتّب من باب القضيّة الاتّفاقيّة حيث لم يرد فيه حكم من الشرع وصحابة الظّن الخاصّ اتّفاقا للسان الشرع على وجه نزّله الشارع منزلة العلم كما هو مفاد الادلّة القائمة عليه فمن هذا حسب انّ لازم القول بالظنّ الخاصّ هو اعتباره من جانب الشرع وعدم ملاحظة الترتيب ولازم القول بالظنّ المطلق هو اعتباره من العقل على وجه الترتّب وقد عرفت خلافه فانّ صاحب المعالم ره مع انّه من القائلين بالظنّ الخاصّ تمسّك بدليل الانسداد لاثبات مرتبة من الخبر كما اشرنا إليه فإن قلت كلام السيّد بحجيّة خبر الواحد عند الانسداد كما يحتمل ان يكون من اجل اعتباره ظنّا خاصّا يحتمل ان يكون من اجل كونه من افراد مطلق الظّن فيكون عنده كالشهرة مثلا وانّما لم يصرّح باعتبار سائر الامارات الظنّية لعدم تداولها فى السنتهم يومئذ كتداول خبر الواحد فالاجماع المذكور لا يجدى فى اثبات حجيّة خبر الواحد من باب الظّن الخاصّ قلت أوّلا انّ المعروف فى تقرير دليل الانسداد هو انّ التّكليف بالاحكام الواقعيّة ثابت وباب العلم بها منسدّ فيجب العمل بالظنّ لانّ لزوم الاحتياط يوجب العسر والحرج ولكن ستعلم فيما بعد انّ شرذمة من المتاخّرين انكروا بقاء التّكليف بالواقع من حيث هو واقع وقالوا انّ الّذى ثبت من تكليفنا ووجوب الالتزام به انّما هو مفاد الكتاب والسنّة فنحن مكلّفون بالاحكام المبيّنة بالكتاب والمستفادة من المعصومين ع لا بالاحكام الواقعيّة فان امكننا تحصيل العلم بالكتاب والسنّة فهو والّا فيجب تحصيل الامارات الظنّية الحاكية عنهما لا عن الواقع بما هو كذلك بحيث تكون فى الحكاية فى عرض الكتاب والسنّة وعلى هذا التقرير يخرج عن مدلول دليل الانسداد كلّ امارة ناظرة الى الواقع كالشهرة والقياس ونحوهما ويبقى الامارات الناظرة الى الكتاب والسنّة الحاكية عنهما وبالجملة الواجب تحصيل طرق الكتاب والسنّة لا غير فالواجب فى زمان الانفتاح تحصيل العلم امّا بالسّماع عن المعصوم ع او بالتواتر او بالقرائن القطعيّة او بالاجماع وفى زمان الانسداد تحصيل الامارات الظنّية الحاكية عنهما كخبر الواحد والاجماع المنقول ونحوهما دون سائر الأمارات ولا يبعد أنّ السّيد ره ايضا قائل بهذه المقالة كما يشهد به عبارته المنقولة حيث يقول انّ معظم الفقه يعلم بالضرورة والاجماع والاخبار العلميّة فعدّ فى هذا المقام وفيما بعده طرق السنّة ولم يدّع بقاء التكليف بالاحكام الواقعيّة ويفهم من كلامه الاعراض عن الامارات الظنّية الناظرة الى الواقع والحاكية عنه بلا وساطة السنّة كالشهرة ونحوها بخلاف الخبر الظنّى والإجماع الحاكيين عن السنّة او عن الواقع بوساطتها وثانيا انّ الفرق بين حجيّة ظنّ بالخصوص وحجّيته من حيث الظّن المطلق انّما يثمر فى موضعين الاوّل انّه لو ثبت اعتبار ظنّ بالخصوص وقام فى مورد فلو عارضه

٢٥٤

ظنّ آخر لم يقم دليل خاصّ على اعتباره قدّم عليه بخلاف الظّن المطلق فانّ المعارض ان اوجب رفع فعليّة الظّن السّابق قدّم عليه والسّر في ذلك انّ معنى اعتبار الظّن الخاصّ هو ثبوت اعتبار امارته الّتى من شأنها افادة الظّن لو لم يعارضها امارة اخرى بسبب قيام دليل معتبر عليها بالخصوص فالمدار فيه على نوع الظّن لا على شخصه اى على مؤدّى الامارة المعتبرة بالخصوص سواء حصل الظّن بخلافه من امارة اخرى لم يثبت اعتبارها بالخصوص او لم يحصل بخلاف الظّن المطلق فانّ المعتبر فيه تحقّق شخص الظّن فعلا ولا اعتماد فيه على الامارات بنفسها فلا معنى لتعارض الظنّين على هذا لعدم تحقّق الظّن الفعلى الّا بمؤدّى الامارة الملحوظة اخيرا وذلك لانّ العقل لمّا فقد العلم الحاكى عن الواقع نزّل وصف الظّن من حيث انّه ظنّ بمنزلة العلم لانّه الحاكى عن الواقع غالبا فيصحّ اخذه مرآتا دون امارته الثانى انّ الظّن الخاصّ ان كان كافيا لمعرفة اغلب ابواب الفقه يجب الاقتصار عليه ولا يجوز التعدّى منه الى سائر الظنون لاصالة حرمة العمل بالظنّ ولذا يكون من جملة مقدّمات دليل الانسداد لزوم اثبات عدم وجود ظنون خاصّة يمكن الاكتفاء بها فى معرفة الأحكام فإن علم اختيار السيّد حجيّة الظّن الحاصل من خبر الواحد من حيث انّه ظنّ خاصّ خبرى او علم خلافه فلا اشكال ومع الشّك فاللّازم عدم ترتيب الثمرة الاولى بمعنى انّه ان عارض الظّن الخبرى اعنى مفاد الخبر ظنّ آخر لزم التوقّف وعدم الحكم بتقديمه عليه وامّا الثمرة الثانية وهى عدم التعدّى منه الى الغير على تقدير الكفاية فيؤخذ بها فانّ الاحتمال ايضا يكفى فى عدم جواز التعدّى لاصالة حرمة العمل بالظنّ الّا ما ثبت بالادلّة القطعيّة وهذه الثّمرة هى المهمّ من البحث لانّ المقصود اثبات حجيّة خبر الواحد على وجه يجب الاقتصار عليه ولا يتعدّى منه الى غيره والاجماع المذكور يفيد هذا المعنى ثمّ لا يخفى انّ هذا الاجماع على تقدير تحقّقه وتسليم كون عمل المجمعين بخبر الواحد فى زمان الانسداد يكون من باب الظّن الخاصّ لا ينفع فى الفقه الّا فى قليل من الاحكام ولا يجدى الّا بالنّسبة الى بعض الأخبار لانّ اجماعهم لم يقم على طائفة معيّنة منها بل على عنوان خبر الواحد فى الجملة فيجب الاقتصار عليه بما هو المتيقّن والمتحقّق اعتباره عند الجميع وكذلك الاجماع المتقدّم فانّه لم يقم الّا على اصل العنوان مع اختلافهم فى الخصوصيّات فانّ جماعة يكتفون بمطلق خبر الثّقة واخرى بما كان راويه عدلا اماميّا واخرى زاد عليه بتزكيته بعدلين كصاحب المعالم والمدارك واخرى مع زيادة كون الخبر موجودا فى الكتب المعروفة ومعمولا به ومقبولا عند الاصحاب كالمحقّق فانّه مع اعترافه بالحجيّة طعن شديدا على الشيخ وامثاله واخرى مع زيادة استماعه من الراوى شفاها ولم يكتف بالكتب فالّذى يمكن دعوى القطع بكونه مجمعا عليه هو خبر العدل الامامى المعدّل بتزكية العدلين المدوّن فى الكتب المعروفة المعمول به

٢٥٥

عند الاصحاب المفيد للوثوق الفعلى المسموع من راويه شفاها وهذا كما ترى فى غاية الندرة ولا يقصر قلّة عن المتواترات والقطعيّات اللهمّ الّا ان يقال انّ المقصود فى المقام هو اثبات حجيّة الخبر موجبة جزئيّة فى مقابل السلب الكلّى او يقال بما قدّمنا فى دلالة الاخبار من الاخذ بالاخصّ او بما توافق عليه الكلّ ويتعدّى منه الى غيره فتدبّر.

قوله (كان ابعد عن الردّ فتامّل) الظاهر انّه اشارة الى انّ ما ذكره على تقدير دعوى المعترض الاجماع يجرى ايضا على تقدير دعوه السيرة وعليه فلا يكون ابعد عن الردّ توضيح ذلك انّ استقرار السيرة على العمل فى الموارد المذكورة على فرض تسليمه لا يقتضى التعدّى الى العمل فى غير تلك الموارد اذا الثّابت حينئذ من العمل بخبر الواحد هو العمل فى تلك الموارد ولا يقاس غيرها بها.

قوله (لقصورها عن افادة اعتبارها) اى لقصور الاخبار عن افادة اعتبار تلك الاصول استقلالا ومولويّا لا انّ المراد قصورها فى الدّلالة مط وذلك لانّ دلالة الاخبار على امضاء حكم العقل فيها ممّا لا يكاد ينكر قوله (لانّ نسبة العقل فى حكمه بالعمل بالاصول المذكورة) يريد بذلك انّ حكم العقل بالعمل بالاصول معلّق بعدم قيام دليل فى مواردها وبعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل بخبر الثّقة يكون دليلا ومعه لا محلّ لاجراء الاصل والمصنّف ره لو كان يعلّل عدم جريان الاستصحاب فى مورد وجود خبر الثقة بهذا التعليل سواء كان مأخوذا من العقل وكانت حجّيته من باب الظّن ام من الاخبار لعلّه كان احسن وما ذكره وجها يمكن المناقشة فيه على كلا التقديرين امّا على التقدير الاوّل فبانّ المعتبر ح هو حصول الظّن النوعى وذلك يجتمع مع الظّن الشخصى بالخلاف فكيف مع الشّك وامّا على التقدير الثانى فبدعوى تواتر تلك الاخبار اجمالا كما هو مختاره قوله (وامّا الأصول اللفظيّة كالاطلاق والعموم) اراد من كلامه فى المقام ما ذكره فى الاصول العقليّة من انّ مع قيام الدّليل لا يجرى الاصل وخبر الثقة دليل ببناء العقلاء وعدم ردع الشّارع نعم بينهما فرق وهو انّ الأصول العقليّة لمّا كان الحاكم بها هو العقل كان الحكم المذكور منه معلّقا على عدم وجود الدليل وامّا الاصول اللفظيّة فلمّا كان اعتبارها ببناء العرف واهل اللّسان وامضاء الشارع له يقال انّ بنائهم ليس على اعتبارها حتّى فى مقام وجود خبر الثقة وبعبارة اخرى اعتبارها عندهم فى مورد عدم دليل آخر يكون اقوى وأظهر وبعبارة ثالثة أنّ اعتبارها عندهم من باب الظهور وحصول الظّن ومع قيام خبر الثقة على خلافها لا يحصل الظّن قوله (حتّى فى مقام وجود الخبر الموثوق به فى مقابلها فتامّل) الظاهر انّه اشارة الى تضعيف تمام ما ذكره فى الجواب عن وقوع الردع وانّ الجواب

٢٥٦

المذكور محلّ تامّل فانّ من الواضح انّ عمل العقلاء بخبر الثقة يكون حجّة اذا امضاه الشارع ولم يردع عنه لا انّ عملهم بنفسه حجّة واذا ورد النّهى عن العمل بما عدا العلم فما المانع عن كونه رادعا وهذا يكفى فى ان يكون العمل بالخبر تشريعا وما ذكره لاثبات الدليليّة كانّه مصادرة فان القول بانّ حرمة التشريع ثابتة عند العقلاء ومع ذلك نرى استقرار سيرتهم على العمل بالخبر فهذا يكشف عن كونه حجّة ولو لامضاء الشّارع فلا يبقى موضوع لحرمة التشريع ليس باولى من القول بانّ من المسلّم عدم كون بناء العقلاء بنفسه حجّة بل لا بدّ من امضاء الشارع بعدم الرّدع والآيات النّاهية عن اتّباع غير العلم يكفى فى الرّدع وهكذا الكلام فى حرمة العمل به مع قيام الاصول على خلافه لانّ فى العمل به طرحا للأصول والقول بانّ اعتبار الاصول انّما هو فى غير مورد وجود الدّليل تمام ولكن اين الدليل وبناء العقلاء وحده مع وجود ما يصلح لكونه رادعا لا يكفى فى ان يكون الخبر دليلا وبعد ذلك كلّه فالانصاف انّ العمدة فى حجيّة خبر الواحد هو هذا الدّليل بحيث لو فرض المناقشة فى سائر الادلّة فلا سبيل اليها فى استقرار طريقة العقلاء طرّا على الرّجوع بخبر الثقة والاتّكال عليه والشّارع ان اكتفى بذلك منهم فى احكامه فهو والّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطّريق فى احكامه ولو ردع عنه لاشتهر وبان لتوفّر الدّواعى على نقله وحيث لم يصل الينا ردع عنه بالخصوص علمنا برضاه بذلك بل لا يبعد ان يكون الاخبار المتقدّمة على كثرتها الدّالة على جواز العمل بخبر الواحد امضاء لما عليه بناء العقلاء وما هو الطريق العرفى الجارى بين الموالى والعبيد لا ان تكون تاسيسا من الشارع فى خصوص معرفة احكامه ويكون العمل بقول الثقة والاعتماد عليه طريقا اختراعيّا من عنده وبالجملة عدم الردع يكشف عن امضاء الشارع وتقريره كما هو الحال فى حجيّة الظهور اللفظى ويكون حال خبر الواحد من حيث السّند كحاله من حيث الدلالة فكما انّ ظهور الخبر فى معنى يكون حجّة من جهة طريقة العقلاء فكذلك صدوره ونقله من الثقة يكون حجّة من تلك الجهة فان قلت يكفى فى الرّدع الآيات المتكاثرة والاخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم قلت اوّلا الظاهر كون الآيات والاخبار النّاهية مخصوصة بالأصول الاعتقاديّة وثانيا انّ العمل بخبر الثّقة عند العقلاء والعرف ليس من العمل بما وراء العلم فانّهم لا يلتفتون الى احتمال الخلاف فى خبر الثّقة ويعدّونه من افراد العمل بالعلم فهو خارج عندهم عن العمل بما وراء العلم موضوعا واذا كان طريقتهم غير ممضاة شرعا فلا بدّ من قيام دليل عليه بالخصوص وتشديد النكير عليهم كما فى القياس وثالثا لو سلّم اطلاقها يكون الظّن المنهىّ عنه منصرفا عن مثل الظّن الحاصل من خبر الثقة كانصرافه عن الظّن الحاصل من ظواهر الفاظ الكتاب والسنّة ورابعا لو سلّم عدم الانصراف نقول انّ فى مقام التخاطب لا يكاد ينصرف الذّهن الى مثل هذا الظّن لوجود

٢٥٧

القدر المتيقّن فى مقام التخاطب ومعه لا مجال لدعوى الاطلاق وخامسا على فرض تسليم الاطلاق من غير دعوى الانصراف او وجود القدر المتيقّن نقول انّ السيرة العقلائيّة قائمة على اعتبار خبر الثقة والمفروض حجيّتها مع عدم ردع الشارع بمعنى انّه يكفى فى حجيّتها عدم ثبوت الردع عنها ولو كان لها الف رادع فى الواقع ولا يصحّ من الشارع المؤاخذة بالعمل بخبر الثقة مع اعترافه بعدم وصول الرّدع ولا شيء يمكن الاعتماد عليه فى الردع الّا العمومات النّاهية وهذه العمومات بعد الغضّ عن دعوى الانصراف ووجود القدر المتيقّن لا بدّ من العلم بعمومها واطلاقها ولو بضميمة اصالة عدم التقييد والتخصيص ولا علم بالعموم ولا يكفى الوضع والاطلاق فى افادته ولا يجرى اصالة عدم التّقييد والتخصيص مع وجود ما يصلح لهما وهو السيرة فمقتضى الحجيّة ثابت والردع عنه غير معلوم وعلى هذا تكون السيرة حجّة ناهضة من الحجج اللبيّة كسائر المخصّصات العقليّة وتكون مانعة عن استقرار الاطلاق والعموم وتكون مقيّدة لها لا محالة ضرورة عدم لزوم تاخير المقيّد او المخصّص عن المطلق والعامّ بل يجوز تقديمهما عليهما فإن قلت حجيّة السيرة تتوقّف على عدم الردع عنها فكيف تكون مقيّدة للاطلاقات الّتى يثبت بها الردع عنها قلت إنّ المدار فى حجيّتها هو عدم وصول الردع عنها كما عرفت ومع عدمه تكون السيرة حجّة لا محالة ولا يمكن ان تكون تلك الآيات رادعة عنها لاستلزام الردع بها الدور الباطل لانّ بعد تسليم الاطلاق تكون حجّيته متوقّفة على عدم ثبوت المقيّد له كما انّ السيرة المتحقّقة ايضا تتوقّف حجيّتها على عدم وصول الردع عنها فتكون السّيرة قابلة للتقييد كما انّ الاطلاق قابل للردع الّا انّ من المعلوم انّ جعل الحجّة الفعليّة هو الاطلاق يستلزم الدور لانّ الردع به يتوقّف على عدم تقييده او تخصيصه بالسيرة المحقّقة وعدم تقييده يتوقّف على الردع به عن السيرة والّا لكانت مقيّدة او مخصّصة له فان قلت لا يكون اعتبار خبر الثقة شرعا بالسّيرة ايضا الّا على وجه دائر فانّ اعتباره بها فعلا يتوقّف على عدم الردع بالاطلاقات والعمومات عنها وهو يتوقّف على تخصيصها بها وهو يتوقّف على عدم الردع بها عنها قلت قد عرفت انّ جعل الحجّة الفعليّة هو الاطلاق يستلزم الدّور وهذا بخلاف ما لو جعلت الحجّة الفعليّة هى السّيرة فانّ حجيّتها لا تتوقّف الّا على عدم وصول الردع عنها ومع وجود مثل تلك الحجّة المعتبرة عند العقلاء فى مقام الاطاعة لا يبقى مجال للتمسّك بمقدّمات الحكمة لاثبات الاطلاق ضرورة عدم صحّة الاحتجاج بالاطلاق او العموم مع وجود ما يصلح للتّقييد او التخصيص لوضوح ان السيرة قابلة لان يتّكل عليها المتكلّم فى مقام البيان فلا مقتضى للرّدع أصلا نعم لو كان حجيّة السّيرة من جهة عدم الردع عنها فى الواقع بحيث يكون احتمال وجود الرادع مضرّا بحجيّتها لا شكل الامر فانّه يشكّ ح فى حجيّتها والاصل عدم الحجيّة ما لم تحرز حجيّتها وصحّ التّمسك بالاطلاق ويكون مقتضاه

٢٥٨

الردع عن السّيرة ولا فرق فيما ذكرنا من انّ السيرة القائمة اذا كانت قابلة لان يعتمد عليها المتكلّم فى مقام البيان تكون مانعة عن وجود المقتضى للردع بين ان يكون المقتضى هو العموم او الاطلاق فانّها كما تمنع عن الحكم بالاطلاق فكذلك تمنع عن ظهور اللفظ فى العموم وان كان موضوعا له فانّ المفروض كون السيرة على العمل بخبر الثقة كان حجّة الى زمان صدور الآية ومن المعلوم كونها دليلا لبيّا غير لفظىّ ومع وجود هذه القرينة الّتى هى اقوى من المخصّص المتّصل لا يبقى مجال لانعقاد ظهور فى العموم وبالجملة لا اشكال فى ثبوت السّيرة وبناء العقلاء على الاعتماد بخبر الثقة الّا انّ الاشكال فى اثبات حجّيته شرعا بها فإنّه لو قلنا بلزوم امضائها من الشرع صريحا فلا اعتبار بها لعدم وجود ما يدلّ عليه صريحا وكان المتّبع هو الآيات النّاهية وان قلنا بعدمه الّا انّ حجيّتها شرعا موقوفة على ثبوت عدم الردع عنها فلا اعتبار بها ايضا لعدم دليل على ذلك مع وجود ما يصلح للرّدع وهو الآيات النّاهية ولا يمكن اثبات عدم الرّدع بها الّا بعد فعليّة حجيّة السّيرة وتخصيصها او تقييدها لها وذلك يستلزم الدور وان قلنا بكفاية عدم وصول الرّدع فى حجيّتها ففيها ايضا وجوه لانّه ان قلنا حينئذ بأنّ العمل باصالة العموم لا يحتاج الى ضميمة اصالة عدم التخصيص فلا اعتبار بالسّيرة ايضا لانّ احراز العموم والاطلاق لا يحتاج الى ضميمة اخرى وتكون الآيات بعمومها واطلاقها صالحة للرّدع وان قلنا باحتياجها الى تلك الضّميمة وجريان اصالة عدم التخصيص مع وجود ما يصلح للتخصيص او التقييد فلا اعتبار بالسّيرة ايضا وان قلنا بعدم جريان اصالة عدم التّخصيص مع وجود ما يصلح له كانت السّيرة حجّة فعليّة وتكون مخصّصة ومقيّدة لتلك العمومات وحيث أنّ الصّواب كفاية عدم وصول الردع فى اثبات حجيّة السّيرة شرعا وعدم جريان اصالة عدم التخصيص مع وجود ما يصلح للقرينة كما بيّن فى محلّه فلا محيص عن القول بتماميّة حجيّة هذه السّيرة ثمّ إنّ هذا كلّه مضافا الى امرين آخرين يوجبان بقاء حجيّة السّيرة عند الشّك احدهما انّ فى دوران الامر فى الخاصّ المتقدّم والعامّ المتاخّر بين التخصيص بالخاصّ او النسخ بالعامّ يكون شيوع التخصيص وندرة النسخ موجبا للحمل على الاوّل ثانيهما انّ مع الشّك فى الردع عن السّيرة بالآيات وتقييدها بها لا مانع من اجراء استصحاب حجيّة السّيرة الثابتة قبل نزول الآيات ثمّ إنّه قد يتخيّل لصلوح الآيات للرّدع عن السّيرة بانّ حجيّة السّيرة على قبول خبر الثقة انّما هى من جهة حكم العقل بها ومن المعلوم انّ حكم العقل ليس على وجه التنجيز بل هو على وجه التعليق فيجب البناء على قبول خبر الثقة ما لم يقم دليل على خلافه وبمجرّد قيام الدليل على خلافه لا حكم للعقل بوجوب اتّباعه فتكون الآيات رادعة من دون لزوم الدّور كما هو كذلك فى حكم العقل باتّباع الظّن فى حال الانسداد حيث انّه يحكم به ما لم

٢٥٩

يقم دليل على خلافه يدلّ على حرمة العمل بالظنّ كالنّهى عن القياس فبمجرّد ورود النّهى عنه لا حكم للعقل بوجوب اتّباع الظّن الحاصل منه وبالجملة ليس حال وجوب العمل بخبر الثقة بحكم العقل الّا كحال وجوب العمل بالظنّ وفيه انّه ليس اعتبار السيرة القائمة على العمل بخبر الثقة وحجيّتها من جهة حكم العقل بل المستفاد من مجموع ما ذكرنا انّ اعتبارها ووجوب المضىّ عليها انّما هو من جهة امضاء الشارع من حيث عدم وصول الرّدع وكفايته فى الامضاء فوجوب العمل بخبر الثّقة من جهة حكم الشرع غاية الامر انّه حكم شرعىّ امضائىّ ولا فرق فى الحكم الشرعى من حيث وجوب الاطاعة وحرمة المخالفة بين الابتدائىّ والإمضائيّ كما انّه لا فرق فى الإمضائيّ بين ان يكون الامضاء بالتلفّظ والتصريح او السكوت والتقرير وقد عرفت عدم صلوح الآيات للرّدع الّا على وجه دائر وربما يجاب عن هذا التخيّل بانّ حجّية ظواهر الآيات ايضا ليست الّا من جهة بناء العقلاء المتوقّف حجّيته على عدم الردع فكما انّ اعتبار خبر الثقة يكون بحكم العقل على وجه التعليق فكذلك وجوب اتّباع الظواهر فكيف يكون الآيات صالحة للردع عنها وفيه انّ الكلام فى المقام انّما هو بعد الفراغ عن حجيّة الظواهر وعدم قابليّة الآيات للرّدع عن اتّباعها بقى شيء لا يخلو ذكره عن بصيرة وهو انّ بناء العقلاء فى الاعتماد بقول الثقة هل هو من حيث الوثوق بالمخبر او من حيث الوثوق بالاخبار ولو من جهة القرائن الخارجيّة او من حيث الاعتماد بالوثوق القلبى ولو لم يكن خبر ولا مخبر او من حيث الاعتماد بحصول العلم امّا دعوى انحصار الحجّة لديهم بالعلم فمجازفة بيّنة كدعوى كون الحجّة هو مطلق الوثوق الّذى هو صفة من صفات النفس لما نرى بالعيان من عملهم بما وراء العلم فى موارد كثيرة غير معدودة واحتجاجهم بمجرّد خبر الثقة فى مقام المخاصمة والاحتجاج كما انّ فائدة الحجّة هو ان يحتجّ بها المولى على العبد ويكون عذرا للعبد فى مقام مؤاخذة المولى والأمر القلبى الّذى يكون الطريق اليه منسدّا غالبا كيف يكون حجّة وكيف يمكن جعله كذلك وكيف يصحّ ان يحتجّ به مع انّ للعبد ان يدّعى فى مقام مؤاخذة المولى وفيما كان الفعل الصّادر من العبد ضررا عليه بانّى ما وثقت او بانّى وثقت مع كونه كاذبا فيهما ومن هنا ينقدح ضعف توهّم كون اعتمادهم على الخبر من حيث الوثوق الشخصى فانّ الوثوق الشخصى الحاصل من الاخبار لا يصحّ ان يحتجّ به فى مقام مؤاخذة العبد له او عليه لامكان دعواه بانّى ما وثقت بالخبر والقرائن الخارجيّة غير منضبطة ونوعها غير موجب للوثوق فكيف يجعل مثله حجّة فينحصر الامر فى انّ الحجّة عندهم هو خبر الثّقة من جهة الوثوق بالمخبر فانّ افادة خبر الثقة الوثوق نوعا وانضباطه ممّا لا يخفى وبالجملة صحّة الاعتذار بخبر الثقة والاحتجاج به وحسن

٢٦٠