تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

فظاهرة وأمّا إفادته لحكم صورة عدم السّلامة فبأنّ بناء على السببيّة لمّا راى العقل ثبوت الوجوب العينى لكلّ من المتزاحمين والامرين الّذين تعلّق الوجوب بهما مع عجز المكلّف عن العمل بكليهما معا مع ملاحظة انّ المتكلّم الحكيم لا يكلّف بغير المقدور استفاد انّ غرض الأمر من تعميم الوجوب العينى لتلك الصّورة انّما هو التّنبيه على تماميّة المقتضى له فى كلّ منهما وانّه يجب العمل بقدر الامكان وهو احدهما وهكذا يقال فى سائر الواجبات النفسيّة وبناء على الطريقيّة لمّا راى العقل اطلاق وجوب العمل بالنّسبة الى تلك الصّورة وعلم انّ الغرض انّما هو العمل بهما بعنوان الطريقيّة مع ملاحظة انّه لا يمكن ويستحيل التعبّد بطريق معلوم الكذب بل لا بدّ فيه من احتمال الايصال وانّ التعبّد بكلّ منهما فى مؤدّاه المطابقى عينا يستلزم ذلك المحذور وهو التعبّد بالطّريق المعلوم الكذب وبواحد منهما بالخصوص خلاف الفرض لانّ المفروض مساواتهما فى العنوان المأخوذ فيه وانّ احدهما بلا عنوان يساوى الخبر السّليم عن المعارض من حيث الاشتمال على الجهة المقتضية للحجيّة الّا انّه لعدم تعيينه فى فرد خاصّ لا يمكن التّمسك به فى مؤدّاه المطابقى مع امكان التمسّك به فى مؤدّاه الالتزامى ومع ملاحظة انّه مع وجود المقتضى يترتّب عليه مقتضاه مع عدم المانع استفاد أنّ الغرض هو حجيّة احدهما بلا عنوان فى نفى الثّالث وعدم حجيّة كلّ منهما فى مؤدّاه المطابقى رابعها ان يكون المستعمل فيه الخطاب هو القدر المشترك بين الوجوب التعيينى والتخييرى والعقل يستفيد التعيين والتّخيير بالنّسبة الى صورة التزاحم وعدمه وكذا استفادة انّ التّخييرى على تقديره ليس كالتّخييرى المصطلح وهو ما يسقط عن مورده المطلوبيّة والمحبوبيّة والمصلحة بالاتيان ببدله بل المصلحة موجودة فى المبدل ولو مع الاتيان ببدله امّا استفادة العقل عينيّة الوجوب بالنّسبة الى غير صورة التزاحم فتقريره انّه بعد ما علم انّ الأمر طلب العمل بالخبر الواحد مع فرض عدم جعل بدل له فى مقام الامتثال يحكم بلزوم العمل به عينا فانّ لازم عدم جعل البدل لواجب هو انحصار مورد الامتثال فى ذلك الواجب عقلا كما انّ لازم جعل البدل له عدم انحصار مورده فيه ومنه يظهر تقرير استفادة الوجوب التخييرى بالنّسبة الى صورة التزاحم وبعبارة اخرى انّ الطّلب المفروض تعلّقه بكلّ من المتزاحمين لا يعقل ان يكون تعيينيّا لاستلزامه التّكليف بما لا يطاق فيتعيّن فى التخييرى هذا بناء على السببيّة وامّا بناء على الطريقيّة فتقريره بوجه آخر وهو انّه اريد من الخطاب وجوب التعبّد بكلّ خبر وجعله طريقا من غير ملاحظة التعيين والتخيير فيه وح يلاحظ خصوصيّات الموارد فان كان المورد قابلا للوجوب العينى بان يكون الخبر المفروض تعلّق الوجوب به سليما عن المعارض تعيّن وجوبه فى العينى وان لم يكن قابلا لذلك لاجل معارضته بمثله تعيّن وجوبه تخييرا ولا يرى العقل مانعا فى ذلك مضافا الى لزوم طرح الاخبار الأمرة بالتخيير فى الخبرين المتساويين مع فرض عدم الاستفادة فالتخيير هو الاصل الاوّلى فى المتكافئين بمقتضى ادلّة اعتبارهما نعم وجوب الترجيح حينئذ فيما كان لاحدهما مرجّح يكون اصلا ثانويّا واردا عليه لعدم اقتضاء

٦٦١

ادلّة اعتبار المتعارضين ذلك اذ المفروض اشتمال كلّ منهما على شرائط الحجيّة المأخوذة فى ادلّة اعتبارهما والمزيّة القائمة باحدهما الّتى يدلّ اخبار العلاج على وجوب التّرجيح بها خارجة عن تلك الشرائط فاولويّة الأخذ بها انّما جاءت من قبل تلك الأخبار إذا عرفت هذه الوجوه فلنشر الى ما هو الاوفق منها بادلّة الاعتبار ولا يخفى انّ الوجه الثانى مع منافاته لظواهر تلك الادلّة حيث انّها ظاهرة فى الاطلاق يمنع من المصير اليه الاخبار العلاجيّة المفيدة لحجيّة احد المتعارضين فى الجملة مضافا الى قيام الاجماع عليه فلا يمكن حمل تلك الادلّة عليه والوجه الرابع وان كان مقتضى ظاهر الامر عرفا فانّه بظاهره لا يدلّ الّا على مجرّد الطلب الحتمى والتعيين والتّخيير خارجان عن مدلوله وانّما يلحقانه باعتبار خصوصيّات الموارد المقتضية لاحدهما ولا ينافى خروج التعيين والتخيير عن مدلول الامر حمله فى صورة الشّك على التعيينى بمقتضى الاطلاق الّا انّ الحمل على القدر المشترك بعيد عن ظاهر الاوامر الواردة فى تلك الادلّة اذ لو كانت ظاهرة فيه لما كان لاحد تحيّر فى حكم صورة المعارضة ولم يكن داع لتلك الاسئلة فى الاخبار العلاجيّة ولما ورد كثير منها مع عدم سبق سؤال ايضا فذلك يكشف عن اكتناف تلك الاوامر بما يوجب صرفها عن بيان حكم صورة التّعارض وامّا الوجهان الآخران وان سلما من ذلك كلّه الّا أنّه قد يشكل فى صحّة الوجه الاوّل بانّ ايراد الحكم اذا كان اباحة ورخصة لذات الشّيء من حيث هو فهو امر جائز بل واقع وامّا اذا كان من مقولة الطلب كما هو المفروض فى تلك الادلّة فلا يمكن بقائه اذا اقترن ذلك الشّيء بما يمنع عن امتثاله لكونه لغوا حينئذ فلا يكون ثابتا لذلك الشيء من حيث هو فانّ الثابت له كذلك لا بدّ من ثبوته له فى جميع حالاته فانّ الذات متحقّقة فى جميع حالاته اللّاحقة له والحكم المعلّق على موضوع يدور مدار ذلك الموضوع والإنصاف عدم الفرق بينه وبين الاباحة من تلك الجهة لجريان شبهة اللغويّة فيها ايضا اذ يقال فيها انّها لا يعقل بقائها فيما اذا اقترن الشيء بجهة الحرمة الخ ما ذكر من التقريب والّذي يحسم مادّة الاشكال هو انّ ذلك الحكم لا يمكن فعليّة فى صورة وجود المانع فانّه انّما يمنع من المحقّق فى تلك المرتبة ومن ترتيب آثار تلك المرتبة الّتى هى المؤاخذة على المخالفة اذا كان الزاميّا او عدمها اذا لم يكن وجواز التّناول فعلا اذا كان رخصة من غير فرق بين الطلب وغيره وامّا الوجه الثالث فلا بأس به وقد اختاره المصنّف قدس‌سره فانّه جعل كلّا من المتعارضين مشمولا لدليل الاعتبار الّا انّه قيّد امتثال الامر فى كلّ منهما بصورة عدم العمل بالآخر على تقدير اعتبارهما من باب السببيّة وجعلهما دليلا على نفى الثالث مع تساقطهما فى مؤدّاهما لاجل التّعارض بناء على اعتبارهما من باب الطريقيّة فافهم وتدبّر حتّى لا يذهب عنك الفرق بين مختاره وما اخترناه فى بيان الوجه الثّالث هذا وبقى فى المقام شيء لا بدّ من التنبيه عليه وهو انّ ما تقدّم مرارا من ان حكم الامارات المتعارضة على القول بحجيّتها من باب السببيّة هو حكم المتزاحمات فى وجوب الاخذ باحدها تخييرا ان لم يكن لواحد منها مزيّة فيه اشكال وهو انّ السببيّة تستعمل بمعنيين أحدهما السببيّة على وجه التصويب الّذى

٦٦٢

استقرّ المذهب على بطلانه وهو ان يكون قيام الامارة على وجوب شيء او حرمته سببا لحدوث مصلحة او مفسدة فى المؤدّى غالبة على ما هو عليه تقتضى وجوب المؤدّى او حرمته وثانيهما أن يكون قيام الامارة على وجوب شيء او حرمته لا يقتضى وجوب المؤدّى او حرمته الّا انّ فى سلوك الامارة والعمل على مقتضاها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند عدم الإصابة وعلى السببيّة بالمعنى الاوّل فاندراج الامارات المتعارضة فى باب التزاحم واضح اذا كان التّعارض لاجل تضادّ المتعلّقين كما اذا كان مفاد احد الدليلين وجوب الشيء وكان مفاد الأخر وجوب ضدّه وامّا اذا كان التعارض لاجل اتّحاد المتعلّقين مع اختلاف الامارتين فى السّلب والايجاب كما اذا كان مفاد احد الدّليلين وجوب الشّيء ومفاد الآخر عدم وجوبه او حرمته ففى اندراج التّعارض على هذا الوجه فى مسئلة التزاحم والقول بالتخيير فى الاخذ باحدهما اشكال لانّ اقصى ما تقتضيه الامارة هو ان تكون من العناوين الثانويّة المغيّرة لحسن الشيء وقبحه وتوارد العناوين الثانويّة على متعلّق واحد لا يقتضى التخيير وعلى السببيّة بالمعنى الثّانى تكون المصلحة قائمة بالطّريق وح تكون طريقيّة الطّريق بمنزلة الموضوع للمصلحة السلوكيّة والمفروض سقوط طريقيّة المتعارضين فلا يبقى موضوع للمصلحة السلوكيّة حتّى يقال بوقوع المزاحمة بين استيفاء احدى المصلحتين والجواب أنّ السببيّة المفروضة فى كلماتنا المتقدّمة وفى كلام المصنّف هو المعنى الثّانى منها وقولكم انّ المفروض سقوط طريقيّة المتعارضين غير مسموع بل المفروض وجود مصلحة فى سلوك الامارة اقتضت وجوب العمل على طبقها والاخذ بها ظاهرا نعم هنا شيء يمكن ان يكون فارقا بين المقام وباب التزاحم وان كان مقتضى القاعدة فى الجميع هو التخيير وهو انّ الدّليلين المتعارضين على السببيّة وان كانا كالمتزاحمين فى انّ عدم امكان العمل بهما ليس من جهة محذور فى نفس التكليف او فى المكلّف به الّا انّ محاليّة الجمع فى التزاحم من حيث عدم القدرة عليهما وهنا من جهة امتناع الجمع بين الحكمين المتخالفين ولو فرض محالا القدرة عليهما قوله (فوجوب الاخذ باحدهما نتيجة ادلّة وجوب الامتثال الخ) غرضه ما أوضحناه لك من ان نتيجة اشتراط التكليف وهو وجوب العمل بالخبر بالقدرة واستعمال اللّفظ فى معنى متاصّل واحد بسيط لا تكثير فيه اصلا وهو الوجوب التعيينى التخيير فى صورة التّعارض من دون ان يكون انشاء من الشّارع حتّى يلزم استعمال اللفظ فى معنيين ولا بانشاء من العقل حتّى ينافى عموم انشاء الشّارع قوله (هذا كلّه على تقدير ان يكون العمل بالخبر من باب السببيّة) قد علمت انّ المراد بالسببيّة ليس هو السببيّة بالنّسبة الى الحكم الواقعى حتّى يلزم التّصويب بل السببيّة بالنّسبة الى الحكم الظاهرى وسنزيدك بيانا إن شاء الله الله تعالى وهذا هو المراد من قوله بان يكون قيام الخبر الخ وامّا الطريقيّة فهى بالنّسبة الى الحكم الواقعى والحكم على الاوّل هو التخيير لانّه

٦٦٣

من قبيل المتزاحمين كما عرفت وامّا على الثّانى فليس كذلك لانّه لو فرض امكان الجمع بينهما لم يكن معنى لايجاب العمل بهما بل الحكم هو التوقّف البرزخ بين التّساقط بقول مطلق والتخيير قوله (بل وجود تلك المصلحة فى كلّ منهما بخصوصه مقيّد) لا يخفى عليك انّ وجود مصلحة الايصال فى كلّ منهما بالخصوص مقيّد بعدم وجودها فى الآخر لا بعدم معارضة موردها للآخر قوله (بل بمعنى انّ شيئا منهما ليس طريقا فى مؤدّاه) فان قلت هذا اذا لم يعلم اجمالا بكون احدهما موافقا للواقع وامّا اذا علم اجمالا بذلك فهو من قبيل اشتباه خبر صحيح بين خبرين قلت مجرّد العنوان المذكور لا يفيد بعد استحالة تعلّق الجعل والحجيّة باحدهما المعيّن فى الواقع اذ اللّازم صلاحيّة ما اخذ فى موضوع الحكم او الجعل لتعلّقهما به فقياسه باشتباه الحجّة بغير الحجّة فى غير محلّه فتدبّر وراجع ما قدّمنا من الكلام فى ذلك قوله (فهل الحكم التخيير او العمل بما طابق منهما الاحتياط) لا يخفى انّ ذكر الوجوه الثلاثة على سبيل الاطلاق فى المتعارضين يقتضى جريان كل منها على القول به فى جميع موارد الاصل الاوّلى وهو التّساقط وظاهر جعل كلّ منها مقابلا للاصل السابق يقتضى ايضا ذلك مع انّه لا يستقيم ذلك بالنّسبة الى الوجهين الاخيرين اى العمل بما طابق منهما الاحتياط وبالاحتياط ولو كان مخالفا لهما ضرورة انّ الاصل المذكور يعمّ جميع موارد تعارض الخبرين حتّى ما لا يكون موردا للاحتياط بمعنى عدم كون احدهما موافقا له كما اذا كان مؤدّى احدهما الوجوب ومؤدّى الأخر الحرمة فانّه لا يعقل فيه القول بالاخذ بما طابق منهما الاحتياط او بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما وحقّ العبارة ان يقال والعمل بما طابق منهما الاحتياط ان كان احدهما موافقا له والّا فالتّخيير او الاحتياط ولو كان مخالفا لهما مع امكانه والّا فالتخيير وكانّه قدس‌سره لوضوحه اقتصر على ما ذكر قوله (او بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما كالجمع بين الظهر والجمعة) يشكل فيه تارة بانّ ظاهره هو الأخذ بما خالف كليهما ومن المعلوم انّ عدّ ذلك ح وجها من وجوه المسألة بعد البناء على كون احد الخبرين المتعارضين حجّة تناقض ظاهر فانّ لازم كون احدهما حجّة نفى الاحتمال الثّالث ومع الالتزام به لا يمكن المصير الى وجوب الاحتياط المخالف لهما ويمكن ان يؤجّه بانّ المراد ليس ما كان مخالفا لكليهما بل المراد ما هو المخالف لخصوص كلّ منهما بقرينة تمثيله بالظهر والجمعة وأخرى بأنّه لو فرض كون احد الخبرين حجّة لا محالة فلا يعقل ايجاب الرجوع الى الاحتياط فيما اذا كان احدهما موافقا له لانّ وجه الفرض المذكور كون المرجع فى مقام العمل هو احد الخبرين لا الاحتياط الموافق له ويمكن ان يؤجّه بأنّ المراد هو كون الاحتياط مرجعا فى مؤدّى الخبرين نظرا الى انّ المتيقّن من الاخبار والاجماع هو حجيّة احدهما فى الجملة من غير ثبوت ان يكون ذلك على وجه التّعيين او التخيير فلا يجوز التمسّك بواحد منهما فى خصوص مؤدّية لقيام احتمال كون الحجّة احدهما بالخصوص ولا نعلمه وهذا هو المراد بحجيّة احدهما فمعنى حجيّة احدهما حجيّة احدهما فى نفى الثّالث

٦٦٤

مع عدم حجيّته فى خصوص مؤدّاه فلا ينافى الرجوع الى الاحتياط فى خصوص مؤدّاه وفيه انّ ذلك هو مقتضى الاصل الاوّلى كما مرّ والمراد بالوجه المذكور لا بدّ وان يكون مخالفا له ومن المعلوم أنّ مقتضى الاجماع والاخبار المتواترة انّما هو حجيّة احدهما فى مؤدّاه فعلا وهو مقصود المصنّف ايضا مع انّ المفروض فى مورد الوجوه الثلاثة هو صورة تكافؤ الخبرين وعدم وجود مرجّح لأحدهما شرعا ومعه لا يحتمل كون الحجيّة على تقدير ثبوتها كما هو المفروض مختصّة باحدهما بل يلازم حجيّة كلّ منهما تخييرا قوله وامّا اخبار التوقّف الدّالة على الوجه الثالث) هذا الوجه مركّب من دعويين الاولى وجوب التوقّف فى المتعارضين وعدم الالتفات بشيء منهما والثانية الاحتياط فى العمل والرجوع اليه مطلقا وتقريب الاستدلال على الاولى انّ اخبار التوقّف آمرة بالتوقّف فى مورد الشبهة وكلّ من التوقّف والشبهة عامّ فانّ التوقّف عبارة عن السّكون وعدم المضىّ والشبهة عبارة عن اشتباه الواقع وكلّ منهما يعمّ المقام فانّ عدم المضىّ معناه واحد فى مقام الفتوى والعمل والاختلاف انّما هو فى مصاديقه حيث انّ مصداقه فى مقام الفتوى تركه وفى مقام العمل ترك العمل المخالف للاحتياط وكذلك الاشتباه معناه واحد فى جميع الموارد والاختلاف فى مصاديقه حيث انّه فى الشبهات الحكميّة مسبّب عن فقد النّص او اجماله او تعارض النصّين كما فى المقام وفى الشّبهات الموضوعيّة مسبّب عن الامور الخارجيّة مع تبيّن الحكم بعنوانه الكلّى فيدلّ تلك الاخبار باطلاقها على وجوب التوقّف فى مقام الفتوى فى الشّبهات الحكميّة النّاشئة عن تعارض النصّين المبحوث عنها فى المقام وعلى الثانية أنّه اذا ثبت بمقتضى الاخبار وجوب التوقّف من حيث الفتوى ثبت وجوب الاحتياط من حيث العمل لاستلزام الاوّل الثّانى وذلك لانّ وجوب التوقّف من حيث الفتوى على تقدير ثبوته مطلق يشمل الافتاء الظّاهرى ايضا ووجوبه من حيث الحكم الظاهرى مستلزم للاحتياط من حيث العمل لكنّ الانصاف انّ الاستلزام غير بيّن بل لنا منعه لانتقاضه بالشبهة الحكميّة الّتى يرجع فيها الى البراءة العقليّة اذ من المعلوم انّ معنى الرّجوع هو عدم صحّة المؤاخذة عقلا على التكليف من دون بيان فلا مؤاخذة على ارتكاب محتمل الحرمة او ترك محتمل الوجوب مع فرض عدم قيام الحجّة عليهما ويكون الحاصل نفى العقاب بمقتضى حكم العقل وترك الاحتياط فى مقام العمل لذلك ومن المعلوم انّ نفى العقاب كذلك ليس افتاء بالاباحة شرعا لا ظاهرا ولا واقعا ولا يخالف الاحتياط من حيث الفتوى بل يوافقه فتحقّق هناك الاحتياط فى الفتوى مع عدمه من حيث العمل ولا يتوهّم انّ غاية ما هناك تحقّق الاحتياط فى الفتوى مع الرخصة فى تركه من حيث العمل والمدّعى ثبوت التّلازم بين وجوب الاحتياط فى الفتوى والاحتياط من حيث العمل لا بين تحقّقه من حيث الفتوى وتحقّقه من حيث العمل والوجه فى ذلك انّ القائل بالبراءة الاصليّة يقول بوجوب الاحتياط من حيث الفتوى مع انّه لا يقول بوجوبه من حيث العمل فتامّل والاولى ان يتمسّك باطلاق اخبار التوقّف بتقريب انّها باطلاقها تدلّ على وجوب التوقّف من حيث العمل فى مورد

٦٦٥

الشبهة ايضا والمفروض فى المقام هو الشبهة فى حكم الواقعة لاجل تعارض النصّين فلا بدّ من التوقّف من حيث العمل ايضا قوله (بتوهّم انّه لو لا ذلك لا وجب التوقّف) فانّه لو كان اعتبار الاخبار على وجه الطريقيّة لكان مقتضى القاعدة ان يحكم الشارع فى الخبرين المتكافئين بالتساقط فى مؤدّيهما لانّ القاعدة الاوليّة فيهما ذلك كما مرّ وحكم التخيير انّما يناسب اعتبارها على وجه السببيّة ووجه الدفع انّ اعتبارها على وجه الطريقيّة انّما ينافى ثبوت التخيير اذا كان التخيير على نحو ثبوته فى المتزاحمين من الواجبات النفسيّة بان يكون كلّ واحد منهما مطلوبا نفسيّا بالتخيير الواقعى وامّا ثبوته فيهما بعنوان كونه حكما ظاهريّا فى مقام العمل كما مرّت الاشارة اليه فلا واخبار التخيير ليست ظاهرة فيه على الوجه الاوّل بل هى ساكتة من هذه الجهة وغاية ما يستفاد منها هو التخيير بين الخبرين المتعارضين وهو اعمّ منه ثمّ انّ الوجه فى قوّة احتمال كونه على الوجه الثانى أمور الأوّل ظهور ادلّة حجيّة الاخبار فى اعتبارها على وجه الطريقيّة مع عدم ظهور اخبار التخيير على خلافها الثانى دلالة الاخبار الأمرة بالأخذ بالمرجحات اذ لا ريب انّها من المزايا الّتى توجب اقربيّة ذيها الى الصّدور ومن المعلوم انّ المعتبر فى المتزاحمين فى مقام الترجيح كون الرّاجح مشتملا على مزيّة موجبة لتأكّد مطلوبيّته او اهميّته بالنّسبة الى صاحبه ومجرّد اقربيّة احتمال صدوره او ابعديّة احتمال عدم صدوره بالنّسبة الى صاحبه لا يصلح لجعله أهمّ سيّما مع اشتمال صاحبه على جميع الشرائط المعتبرة فى المطلوبيّة الماخوذة فى ادلّة اعتبارها الثالث ما عرفت سابقا من انّه لا يتحقّق التزاحم بين الخبرين اذا كان اعتبارهما من باب السببيّة الّا فيما اذا كان مؤدّى احدهما مطلوبيّة الفعل ومؤدّى الآخر مطلوبيّة الترك وعلى تقدير اعتبارهما على ذلك الوجه لا بدّ من تخصيص حكمى التخيير والترجيح بتلك الصّورة لعدم الدوران بينهما فى غير تلك الصّورة فلا داعى الى ترك العمل باحدهما وطرحه مع انّ مؤدّى الاخبار عامّ من دون شبهة الرابع ما اشار اليه المصنّف من انّه امر واضح وهو انّ الظاهر ورود ادلّة اعتبار الاخبار على طبق اعتبارها ببناء العقلاء ومن الواضح انّ بنائهم على اعتبارها من باب الطريقيّة قوله ومراد من جعلها من باب الاسباب عدم اناطتها بالظنّ الشخصىّ) اشارة الى انّ من قال باعتبار الاخبار من باب الاسباب ليس مراده السببيّة المحضة بل الظّاهر انّ غرضه اعتبارها من باب الظّن النّوعى وعدم اشتراط الظّن الفعلىّ فى خصوصيّات الموارد فى قبال من حكم بكون اعتبارها من باب الظّن الشّخصى كما يظهر من صاحب المعالم فى دليل الانسداد وتوهّم انّ التعليلات الواردة بمنزلة الحكم دون العلل الحقيقيّة فلا ينافى القول بحجيّة الاخبار من باب السببيّة المحضة مع وجود هذه التعليلات شطط من الكلام كما لا يخفى على المنصف المتامّل قوله ويحتمل ان يكون التخيير للمفتى فيفتى بما اختار) لا يقال كون التخيير حكما للمتحيّر مسلّم لكنّ المتحيّر ليس هو المجتهد فقط بل المقلّد يتحيّر ايضا فانّ تحيّره فى نفس الحكم الشرعى

٦٦٦

وفى ادلّته وشرائطها ومؤدّياتها لا ينافى تحيّره فى الخبرين المتعارضين ويكون تحيّره من هذه الجهة زائدا على تحيّره من الجهات الأخر المذكورة فهو متحيّر من جميع جهات تحيّر المجتهد الّتى منها تحيّره فى حكم الخبرين المتعارضين الّذى حكمه التخيير بينهما الّا انّه عاجز عن استعلام ذلك الحكم واستنباطه واذا استنبطه يكون حكما مشتركا بينه وبين المقلّد فإنّه يقال مطلق الجاهل بشيء لا يقال انّه متحيّر فى ذلك الشيء ولا يصدق عليه ذلك وانّما يصدق عليه اذا كان مبتلى به وليس له بدّ من العمل به وهذا ينحصر فى المجتهد اذ المقلّد لمكان عجزه لا يلزمه التصدّى لتعيين الطّريق الفعلىّ من المتعارضين قوله (فلو فرضنا انّ راوى احد الخبرين عند المقلّد أعدل) لا يخفى انّ عدم العبرة بنظر المقلّد فى الموارد المذكورة فى غاية الاشكال وانّما المسلّم من جواز تقليده هو اذا لم يكن معتقدا بخلاف ما اعتقده المجتهد فى الطّريق قوله (لما عن النّهاية من انّه ليس فى العقل ما يدلّ) لا يقال عدم المانع من العقل وامكان الوقوع فى المقام نظرا الى الوقوع فيما لو تغيّر الاجتهاد مع انّه ليس من قبيل المقام لا يجدى فى اثبات الجواز مع انّ الاصل عدم الحجيّة عند الشكّ فيها وهذا ليس مختصّا بما اذا كان الشكّ فى اصل الحجيّة ابتداء بل يشمل الشكّ فى الحجيّة الفعليّة مع احراز الشأنيّة لأنّا نقول هذا الدليل مبنىّ على مقدّمتين مطويّتين مسلّمتين الاولى وجود المقتضى للتخيير بعد الاخذ باحدهما ولو كان هو الاطلاق او الاستصحاب الثانية عدم التخصيص فى حكم العقل وحيث وقع جواز العدول ولو فى غير المقام فلا مانع منه فيه ولا بدّ فى ردّ هذا الدّليل من منع احدى المقدّمتين قوله (كما روى ان النبىّ ص قال لأبى بكر) لا يتوهّم انّ الظاهر من الشيء الواحد هى القضيّة الشخصيّة ولا دلالة فى الرّواية على الالتزام بما اختاره اوّلا كما هو مقصوده فانّ من الواضح انّ اطلاق الحكم يشمل الواقعة والواقعتين قوله (فالظاهر انّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر فى ابتداء الامر) توضيحه انّ الجاهل بطريق مقصده لا يكون متحيّرا فيه الّا مع قصده الذّهاب الى ذلك المقصد ومن المعلوم انّ مقصد كلّ مكلّف فى مورد اجمال التكاليف الشرعيّة انّما هو ما يبرأ ذمّته عن استحقاق العقاب عليها فغرضه ذلك ومقصده تحصيله والوصول اليه وهو لا ينحصر فى الاتيان بالواقع على ما هو عليه بل يعمّ ما يؤدّى اليه طريق معتبر غير علمىّ فعلا من قبل الشّارع والشاكّ فى اعتبار احد الخبرين المتعارضين انّما يكون متحيّرا قبل ثبوت اعتبارهما فى تلك الحال شرعا وامّا بعد ثبوت اعتبارهما تخييرا بمقتضى اخبار التخيير فالتحيّر مرتفع وبايّهما اخذ يؤدّيه الى مقصده وهو مؤمّن له من العقاب فله الاخذ بكلّ منهما فى الواقعة الاولى وامّا الوقائع الأخر فلو كان شاكّا فى اعتبار غير ما اختاره فى الاولى لم يصدق عليه انّه متحيّر لانّ له طريقا فعليّا الى مقصده وهو ما اختاره فى الاولى فانّ اعتباره لا شكّ فيه والمفروض انّ اخبار التخيير مسوقة لبيان حكم المتحيّر لا حكم مطلق الشاكّ فلا يشمل الوقائع الأخر ولا بدّ فى اثبات حكم التخيير من دليل آخر ولو فرض الشكّ فلا بدّ

٦٦٧

من استصحاب حكم المختار لا حكم التخيير وان كان الشك فى صيرورة المختار حكما بقول مطلق حتّى لا يجوز العدول عنه مسبّبا عن الشكّ فى بقاء حكم التخيير وذلك لوضوح انّ مع جريان الاستصحاب فى الشكّ السّببى لا مجرى للاصل فى المسبّب وامّا مع عدمه فلا محذور وفى المقام لا يصحّ استصحاب حكم التخيير لتبدّل موضوعه فانّ الحكم السابق كان ثابتا لمن لم يختر قوله (فانّ احتمال تعيين ما التزمه قائم بخلاف التخيير الواقعىّ فتامّل) وجهه منع الفرق بين التخيير العقلى فى باب المتزاحمين والتخيير الشرعى بناء على الطريقيّة فى المقام فانّه كما يحتمل تعيين ما التزمه عند الشارع بناء على التخيير الشرعى كذلك يحتمل تعيينه فى باب التزاحم عنده ولاجله يتوقّف العقل عن حكمه السابق قبل الالتزام والمرجع ح هو اصالة عدم الحجيّة ويحتمل ضعيفا ان يكون وجهه منع احتمال التعيين بناء على التخيير الشرعى بمنع عدم الاطلاق فى اخبار التخيير قوله (وبعض المعاصرين ره استجود هنا كلام العلّامة ره) الظّاهر فى وجه التّفصيل ان يقال انّ الخبرين المتعارضين قد وصل كلاهما من الشارع بطريق صحيح وكلّ خبرين كذلك يجوز الاخذ بكلّ منهما تعبّدا من باب التسليم بمقتضى اخبار التسليم الّتى منها ما ورد من قوله ع حين سئل عن الخبرين المتعارضين بايّهما اخذت من باب التسليم وسعك فيجوز الاخذ بكلّ منهما مطلقا لانّ مصلحة التسليم لا يرتفع ولا ينتفى عنوانه بمجرّد الاخذ باحدهما ومصلحة التسليم وصدق عنوانه باقيان على ما كانا عليه بالنّسبة الى الوقائع المتاخّرة مع انّ اخبار التّسليم واردة فى خصوص الخبرين المتعارضين ولا حاجة الى اثبات كليّة الكبرى ولو فى غيرهما وهذا بخلاف الامارة وفتوى المجتهد فانّ شيئا منهما لم يصل من الشارع شيء فى حقّهما نعم الدليل على اعتبارهما قد وصل منه وليس الكلام فى ذلك وكأنّ الامر بالتدبّر اشارة الى ما ذكرنا قوله (او الجذع من الشاة فى الاضحيّة) هو بفتحتين وعن حياة الحيوان الجذع من الضّأن ما له سنة تامّة وهذا هو الصّحيح عند اصحابنا وهو الأشهر عند اهل اللغة وغيرهم وقيل ما له ستّة اشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية وقيل ابن عشر حكاه القاضى عياض وهو قريب والانثى جذعة كقصبة سمّيت بذلك لانّها تجذع مقدّم اسنانها اى تسقط والجمع جذعات كقصبات قوله (بقى هنا ما يجب التنبيه عليه خاتمه للتخيير) امّا كونه خاتمة للتخيير فلانّه لا عبرة بالتكافؤ البدوى فكان من اللازم التنبيه على انّه ثابت للمتكافئين الّذين لا يرجى الاطّلاع على مزيّة لاحدهما وامّا كونه مقدّمة للتّرجيح فواضح قوله (واجراء اصالة العدم لا تعتبر فيما له دخل فى الاحكام الشرعيّة) فيه انّه لا فرق بين الاصول العمليّة والطرق الغير العلميّة المعتبرة فى هذا المقام اصلا فانّ حكم العقل ان كان على وجه يستكشف منه حكم الشارع بالتخيير فى صورة عدم المزيّة لاحد المتعارضين فيكون الحال كما فى تخيير الشارع بلسانه فى تلك الصورة من حيث جواز الاعتماد فى عدم المزيّة على استصحاب عدمها

٦٦٨

وعلى الطريق الظنّى الكاشف من عدمها وان لم يكن حكمه على هذا الوجه فلا مجال لشيء منهما فى احراز عدمها اذ كلّ من الطريق الظنّى والاصل العملى مجعول من قبل الشارع ومعنى جعل الطريق الظنّى ايجابه ترتيب الآثار الشرعيّة المترتّبة على مؤدّاه على تقدير صدقه عليه مع كونه محتملا للخلاف بمعنى جعله طريقا الى ما يفيده من الاحكام الشرعيّة ومعنى جعل الاستصحاب مثلا الحكم فى مورده على طبق الحالة السابقة وترتيب الاحكام الشرعيّة المترتّبة على المتيقّن على مورده ومن الظّاهر أنّه ان استكشف من حكم العقل تخيير الشّارع فى صورة عدم المزيّة لاحد المتعارضين كان التّخيير حكما شرعيّا ثابتا لتلك الصّورة واقعا فيجرى فى اثبات موضوع التّخيير كلّ منهما والّا فلا مجرى لشيء منهما لعدم افادة شيء منهما حينئذ علما ولا عملا امّا عدم افادته العمل فواضح وامّا عدم افادته العلم بالنّسبة الى الاصل فكذلك وامّا عدم افادته بالنّسبة الى الظّن فلانّ استقلال العقل فى الموارد الشخصيّة بحكم منوط بجزمه بكون المورد من مصاديق الكلّى الّذى حكم عليه بذلك الحكم ومن المعلوم انّ الظّن وان بلغ فى القوّة الى ما بلغ يكون محتملا للخلاف والّا لما كان ظنّا فلا يحرز موضوع ذلك الحكم فى المورد ليستقلّ بالحكم عليه قوله (المتمّمة فيما لم يذكر فيها من المرجّحات المعتبرة) لا يخفى انّ الافتقار الى تتميم الدلالة بضميمة الاجماع المركّب انّما هو على القول بالتعدّى والّا فلا معنى له ومن الواضح انّ المتعدّى لا يفرّق فى وجوب الفحص قوله (هذا مضافا الى لزوم الهرج والمرج) لا اشكال فى ذلك عند القائلين بوجوب الترجيح فانّ ترك الفحص حينئذ عن المرجّحات يوجب العلم الاجمالى بطرح ما هو راجح والاخذ بالمرجوح وامّا على القول بعدمه فلا وجه للزوم الهرج والمرج الّا ان يقال انّ من سبر الفقه سبرا اجماليّا يجد الاخبار المتعارضة فوق حدّ الاحصاء ويرى فى عمدة ابوابه الاخبار الموافقة للعامّة والمخالفة لهم ومع الافتاء على طبق الاخبار الموافقة لهم والعمل بها يلزم احداث فقه جديد مباين لفقه الاماميّة.

قوله (وحكى عن جماعة منهم الباقلانى والجبائيان عدم الاعتبار بالمزيّة) ومنهم السيّد صدر الدّين شارح الوافية الّا انّه قال باستحباب الترجيح كما سيجيء فى المتن ويستدلّ له بوجوه الاوّل الاقتصار فى بعض اخبار الترجيح على بعض المرجّحات الثاني اختلاف الترتيب فى ذكر المرجّحات فى الاخبار المشتملة عليها وتقريب الاستدلال بالوجهين انّهما لا يناسبان وجوب الترجيح بل يناسبان استحبابه فانّ الواجبات لا يمكن تسامح المعصوم ع فى بيانها وبيان كيفيّتها مع عدم الموجب له المقطوع به فى المقام الثالث أنّ من المرجّحات المنصوصة موافقة الكتاب والمراد امّا موافقة نصوصه او موافقة ظواهره ولا سبيل الى الاولى اذ مع وجود نصّ من الكتاب فى المسألة لا يعقل التحيّر فى حكمها الّذى هو مورد تلك الاخبار ولا داعى للسؤال فيها فتعيّن الثانية وهى لا تصلح لايجاب الاخذ بها فى مقام التّرجيح اذ الظواهر ممّا يختلف باختلاف الانظار فليس الامر بالأخذ بها الّا استحبابيّا واذا كان الحال فى موافقة

٦٦٩

الكتاب ذلك فهو الحال فى سائر المرجّحات لانّها باسرها على نسق واحد مضافا الى عدم القول بالفصل بل الاتّفاق على عدمه الرابع انّ من تلك المرجّحات اعدليّة راوى احدى الروايتين وقد قدّمت على الشّهرة فى مقبولة عمر بن حنظلة الّتى هى من عمدة ادلّة وجوب الترجيح مع انّ الترجيح على القول بوجوبه يكون لقوّة الظّن فى احدى الرّوايتين ومن الواضح انّ الشهرة اقوى منها من حيث افادة الظّن بصدق موردها وحاصل الوجه هو تسليم ظهور الاخبار العلاجيّة فى وجوب الاخذ بالمرجّحات الّا انّ هناك قرائن توجب الصّرف الى الاستحباب ويجاب عن الاوّلين بانّهما على تقدير تماميّتهما انّما يقدحان فى القول بوجوب الاخذ بتلك المرجّحات من باب التعبّد ولا يقدحان فى وجوبه من حيث الظّن باقربيّة احدى الروايتين الى الواقع وابعديّتها عن الباطل فانّ مراعات الترتيب بينها والعمل بخصوص كلّ منها يلزم على ذلك القول الاوّل وامّا على القول بوجوب الترجيح على الوجه الثانى فلا يجب ملاحظة التّرتيب بينها على النّحو المذكور فى الاخبار ولا وجه للاقتصار على ما ذكر فيها من المرجّحات بل المناط ح هو ما مرّ من اشتمال احدى الروايتين على مزيّة مفقودة فى الاخرى موجبة لاقربيّة ذيها الى الواقع او ابعديّته عن الباطل والتّرجيح بتلك المزيّة وان كان ايضا تعبّدا من الشّارع الّا انّه ليس تعبّدا صرفا غير منوط بامر جامع بينها كما هو مقتضى القول الاوّل والحاصل انّ اصحاب القول الاوّل انّما يتعبّدون بخصوصيّات تلك المرجّحات المنصوصة ولا يتعدّون الى غيرها وبتقديم بعضها على التّرتيب المذكور فيها وامّا اصحاب القول الثانى فلا يتعبّدون بشيء منها وانّما يتعبّدون بالمزيّة الموجودة فى احدى الروايتين الموجبة لاقربيّة ذيها الى الواقع من اىّ سبب حصلت ويحملون ذكر المنصوصة منها فى الاخبار على ذكر بعض الافراد من باب التمثيل ويقولون انّ المناط فى الترجيح هى المزيّة المذكورة والواجب على الشّارع التنبيه عليها اذ لو لاه لزم تسامحه فى بيان الواجب وهو حاصل كما يقضى به التامّل فى تلك الاخبار ولا يلزم عليه التنبيه على خصوصيّاتها لعدم اناطة التّرجيح بخصوص شيء منها حتّى يلزم من عدم التنبيه عليها التّسامح فى بيان الواجب وكذلك لا يقدح اختلاف الترتيب فى ذكر المنصوصة منها بل الاختلاف ممّا يؤيّد ويشير الى ما هو مناط التّرجيح وقد اعترف المستدلّ فى الوجه الرابع بانّ الترجيح على القول به منوط بقوّة الظّن فى احدى الرّوايتين وهو ما اختاره اصحاب القول الثانى وبناء على هذا القول اذا تحقّقت جملة من المزايا فى إحداهما وجملة أخرى مخالفة لها فى الأخرى كان الاعتبار بما يكون محصّلا للظّن الاقوى وان كانت الاخرى المفيدة للظّن الاضعف متقدّمة فى الذكر فى الاخبار فانّها ح غير مندرجة فى المزيّة الّتى انيط بها التّرجيح نعم هى مندرجة فيها اذا كانت سليمة عن معارضة الاقوى ظنّا وقد اتّضح لك انّ الشّارع اذا اناط الترجيح بكون احدى الرّوايتين مشتملة على مزيّة موجبة لأقربيّتها الى الواقع او ابعديّتها عن الباطل وتعبّدنا بهذه الخصوصيّة فلا يعقل تعبّده ايّانا بمصداقيّة شيء لها فانّها كسائر المفاهيم يكون صدقها على ما ينطبق عليها قهريّا وعلى ما لا ينطبق عليها ممتنعا فعلى تقدير عدم اختلاف الاخبار فى ترتيب المزايا لا حجّة فيها لاثبات وجوب التّرتيب بينها

٦٧٠

لرجوعه الى التعبّد بمصداقيّة المتقدّم ذكره لتلك المزيّة الكليّة المبنيّة مفهوما وهى ليست حكما شرعيّا يتطرّق عليه التعبّد فلا يكون ادلّة الترجيح المشتملة على الترتيب مقتضية للتعبّد به بل لا يمكن ارادته منها وانّما يكون تشخيص المصاديق موكولا الى نظر الفقيه هذا مضافا الى امكان المناقشة فى اصل الوجهين امّا فى الاوّل فبانّه غير مستلزم للتّسامح فى بيان الواجب على تقدير وجوب الأخذ بجميع تلك المرجّحات المنصوصة لانّ التّسامح انّما يكون مع عدم البيان للجميع اصلا والمفروض بيان الجميع فى مجموع تلك الاخبار وان لم يكن كلّ واحد منها مشتملا عليها وامّا فى الثانى فبانّ اكثر الاخبار الآمرة بالترجيح قد اقتصر فى كلّ منها على ذكر بعض المرجّحات ولا منافات بينها من حيث الترتيب حتّى يقدح بالقول الاوّل والمذكور فيه جميع تلك المرجّحات انّما هو اثنان مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة والاختلاف بينهما انّما هو من جهة انّ اوّل ما ذكر منها فى المقبولة هى صفات الرّاوى وفى المرفوعة هى الشهرة وغاية ما يلزم اصحاب ذلك القول انّما هو العلاج بينهما وسيأتى امكانه امّا بحمل تقديم الترجيح بصفات الراوى على الترجيح بالشّهرة على الحكمين كما هو ظاهر صدر المقبولة وامّا بتحكيم المرفوعة على المقبولة على النحو الّذى يأتى بيانه إن شاء الله الله تعالى وعن الثالث أوّلا فبانّ المراد هو موافقة ظواهر الكتاب من عموماته او اطلاقاته وليس كلّ ظاهر ممّا يختلف باختلاف الانظار فانّ اغلب الظواهر قد اتّفقت فيه الانظار لانّ الغالب استناد الظهور الى الوضع او الى احد من القرائن العامّة الّتى هى فى قوّة الوضع وما يقع فيها من اختلاف الانظار فهو راجع امّا الى اختلاف فى الوضع وامّا الى صلاحيّة القرينة لايجابها ذلك وهو بقسميه نادر جدّا فلا محذور فى ايجاب الترجيح بظواهر الكتاب وثانيا فبأنّ الترجيح قد علّق على نوع الظّهور الكتابى دون اشخاصه فهو كسائر الموضوعات العرفيّة المعلّق عليها حكم شرعىّ من حيث اناطة تشخيصه بالرّجوع الى فهم العرف واستعلامه منهم ومع استعلام المستنبط ظهور الآية فيما احتمله من موافقتها لاحدى الروايتين لا يقدح فى حقّه اختلاف انظار سائر المجتهدين اذا اتّفق ذلك وانّما القادح اختلاف انظار العرف فافهم وثالثا فبأنّ اختلاف الظّواهر باختلاف الانظار لو كان قادحا بوجوب الترجيح بموافقة الكتاب لكان قادحا باستحبابه ايضا كما لا يخفى وعن الرابع فبانّ اصحاب القول الاوّل لا عبرة عندهم بقوّة الظّن ولا يكون الترجيح الّا تعبّدا والقول الثانى لا عبرة عندهم بالترتيب الواقع فى الاخبار لما عرفت من انّها عندهم وردت لبيان مرجحيّة كلّ منها فى نفسه نعم لمّا كان الجميع معترفين بلزوم تقديم الشّهرة على صفات الراوى لزم اصحاب القول الاوّل علاج التّعارض بين المقبولة والمرفوعة وقد مرّ الاشارة اليه باحد الوجهين قوله (ويدلّ على المشهور مضافا الى الاجماع المحقّق) لمّا كان الأصحّ هو اعتبار الاخبار على وجه الطريقيّة لا السببيّة وقد عرفت انّ مقتضى الاصل الاوّلى فى المتعارضين منها حينئذ هو تساقطهما فى خصوص مؤدّيهما و

٦٧١

فرضهما كان لم يكونا بالنّسبة اليه فى العمل بما يقتضيه الاصول العمليّة فلو لا قيام الاجماع والسّيرة وتواتر الاخبار على اختيار احدهما فى الجملة وكونه دليلا فى مؤدّاه لكان مقتضى الاصل والقاعدة عدم العبرة باحتمال الترجيح لاحدهما ايضا فانّه بمجرّده من غير قيام دليل على اعتباره فى مقام الترجيح والتعيين لا يصلح لجعل مؤدّاه حجّة حتّى يؤخذ به ولا قدرا متيقّنا من الحجيّة حتّى يؤخذ به لذلك اذ المفروض حجيّة كلّ منهما فى نفسه على نحو حجيّة الآخر كذلك بمعنى اشتمال كلّ منهما على شرائط الحجيّة المأخوذة فى دليل اعتبارهما وعدم حجيّة شيء منهما فعلا لاجل التّعارض وعدم مزيّة لاحدهما على الآخر بالنّظر الى دخوله فى دليل الاعتبار كما انّه لا وجه للتّخيير بينهما على ذلك التّقدير ايضا فانّه يترتّب على حجيّة احدهما فعلا والمفروض العدم لكن لمّا قام الاجماع والسّيرة وتواتر الاخبار على حجيّة احدهما فعلا فى الجملة حيث انّ اخبار التخيير والتّرجيح متّفقة على ذلك صارت حجيّة محتمل الترجيح منهما متعيّنة فانّ الّذى علم بحجيّته منهما امّا ان يكون حجيّته عينا او تخييرا وعلى اىّ تقدير يلزم حجيّة محتمل الترجيح لعدم احتمال حجيّة الآخر تعيينا وحجيّته مشكوكة شكّا بدويّا فتعيّن الأخذ بمحتمل الترجيح للعلم بحجيّته وعدم العلم بالآخر الموجب لدخوله فى ادلّة حرمة العمل والتديّن بما لم يعلم من الشّارع التديّن به ولا مساس لاصالة البراءة عن التّعيين فى محتمله فى المقام اذ لا سبيل لها فى موارد الشكّ فى طريق الامتثال فانّها انّما يرفع التكليف المستتبع للعقاب ومخالفة الطريق من حيث هو لا يصحّ العقاب عليه ولو مع القطع باعتباره فكيف فى صورة احتماله ولا يكون الّا فى مخالفة ذيه وبعد فرض قيام الحجّة عليه لفرض العلم بحجيّة ما قام عليه وانّ الترديد انّما هو فى انحصار الحجّة فيه دون اصلها لا وجه لها رأسا فانّ موردها سواء اخذت من الاخبار او من العقل هى موارد احتمال التّكليف الّتى لم يقم عليها الحجّة والحاصل انّ احتمال الترجيح فى احد الخبرين المتعارضين بعد قيام الدّليل على حجيّة احدهما فى الجملة يوجب حجيّة مؤدّاه والاخذ به وان لم يكن فى نفسه صالحا لاثبات ذلك فمع الإغماض عن الاجماع المحقّق والسيرة القطعيّة والمحكيّة عن الخلف والسلف يكون الاصل الثّانوى المستفاد من الاخبار المتواترة وجوب التّرجيح لا يقال انّ اطلاق اخبار التخيير حجّة على عدم وجوب التّرجيح لأنّا نقول لا بدّ من تقييدها باخبار التخيير بالنّسبة الى المرجّحات المنصوصة عملا بقاعدة المطلق والمقيّد مع انّ بعض اخبار التخيير مقيّد بصورة فقد المرجّحات فلا بدّ من تقييد غيره بها عملا بتلك القاعدة نعم يتّجه الاحتجاج باطلاقها فى نفى وجوب الترجيح بالمرجّحات الغير المنصوصة اذا لم يستظهر من اخبار الترجيح وجوب الاخذ بمطلق المزيّة ولكنّ البحث الآن فى اثبات اصل الترجيح لا فى لزوم التعدّى من المرجّحات المنصوصة وعدمه وبالجملة لا دليل على التخيير مع احتمال وجود المرجّح باىّ لحاظ فى احد الخبرين فانّ مدركه ان كان دليل اعتبار الخبر فهو لا يقتضى حجيّة واحد من المتعارضين فضلا عن اقتضائه لحجيّة غير محتمل الترجيح

٦٧٢

وان كان ما قام على حجيّة احدهما فى الجملة فهو ايضا لا يقتضى حجيّة غير محتمل الترجيح حتّى يثبت التخيير وانّما المتيقّن منه هو حجيّة محتمله وان كان ادلّة التخيير فهى مقيّدة بصورة فقد المرجّحات المنصوصة بل الدّليل على عدمه قوله (ومرجع التوقّف ايضا الى التخيير اذا لم يجعل الاصل من المرجّحات) ظاهر العبارة لا يخلو عن اشكال فانّها تفيد بظاهرها رجوع نفس التوقّف الى التخيير على تقدير الطريقيّة مع انّ التوقّف والتخيير معنيان متباينان لا يعقل صدق احدهما على الآخر اذ الاوّل عبارة عن عدم التّمسك بواحد من الخبرين المتعارضين فى خصوص مؤدّاه والثانى عبارة عن جواز التّمسك بكلّ واحد منهما على البدل فى خصوص مؤدّاه وجعله طريقا اليه والنّسبة بينهما هو التباين الكلّى ولكن من المعلوم انّ غرضه قدس‌سره هو رجوعه اليه بحسب المورد اى اذا كان المورد ممّا كان الاصل الاوّلى فيه التوقّف مع عدم كون الاصل من المرجّحات يكون من صور التكافؤ الّتى هى مورد التخيير الثّابت بالاخبار والتّقييد بعدم كون الاصل من المرجّحات لاجل انّه اذا كان منها يكون قاطعا للاصل الاوّلى الّذى هو التوقّف ومعيّنا للأخذ بموافقه من الخبرين المتعارضين فيكون مخرجا للمورد عن اخبار التخيير لاختصاصها بما لم يكن لاحدهما مرجّح ومعيّن الّذى يعبّر عنه بصورة التّكافؤ قوله بناء على انّ الحكم فى المتعادلين مط التخيير) اى بالنظر الى الاخبار فلا ينافى التخيير مط حتّى فيما كان هناك اصل على طبق احدهما القول بالتوقّف لانّ لازم القول بالتوقّف وان كان الرّجوع الى الاصل الموافق لاحدهما بعد القول بعدم كونه مرجّحا الّا انّ هذا مع قطع النّظر عن الاخبار وبملاحظتها فالتخيير مطلقا قوله (بعد ما اخترنا فى تلك المسألة وجوب الاحتياط هذا ينافى ما ذكره فى اصل البراءة من ميله اليها كما لا يخفى على من راجعه قوله (والاولى منع اندراجها فى تلك المسألة) اذ ليس مرجع الشكّ فيما نحن فيه الى الشكّ فى متعلّق التكليف حتّى يجرى فيه البراءة بناء على جريانها فيه بل الشكّ فى المقام مرجعه الى الشكّ فى الطريق ومن المعلوم استقلال العقل بلزوم الاقتصار على القدر المتيقّن لانّ الشكّ فيه شكّ فى حصول الاطاعة وتحقّقها قوله (بالتخيير بناء على اعتبار الاخبار من باب السببيّة والموضوعيّة) قد علم ممّا مرّ انّه لا دليل على التخيير مع وجود الترجيح لاحد الخبرين بناء على الطريقيّة نعم يتّجه التخيير بناء على السببيّة الّتى لا نقول بها فانّ الكلام فى وجوب التّرجيح بمزيّة لاحدهما موجبة لاقربيّة ذيها الى الواقع وابعديّته عن الباطل بالنّسبة الى فاقدها وذلك لتأكّد جهة الكشف والطريقيّة فى ذيها بالنّسبة الى الآخر ومن الواضح انّ جهة الكشف غير ملحوظة اصلا على ذلك التقدير فى وجوب العمل بالخبر حتّى يتاكّد بقوّتها وجوب العمل بالاقوى من تلك الحيثيّة والمناط فى الترجيح بين المتعارضين على تقدير السببيّة ليس الّا ما هو المناط فى سائر الواجبات المتزاحمة وهو تاكّد وجوب احدهما بالنّسبة

٦٧٣

الى الآخر المتوقّف على تاكّد ما يقتضى وجوبه بالاضافة الى ما يقتضى وجوب الآخر فلا بدّ فى ترجيح احد الخبرين المتعارضين ح من مزيّة له غير سنخ المزيّة الّتى تكون على تقدير الطريقيّة وهو تاكّد مطلوبيّة العمل بذيها بالاضافة الى الآخر وهو امر خارج عمّا نحن فيه وفى الحقيقة يخرج المزيّة المتنازع فيها عن صلاحيّة النزاع فى وجوب الترجيح بها وعدمه على ذلك التقدير اذ عليه يكون عدم وجوب الترجيح بها قطعيّا لانّ المناط فيه حينئذ امر آخر قوله (وكذا لو احتمل الاهميّة فى احدهما دون الآخر) لا بدّ من تاسيس الاصل فى الواجبين المتزاحمين الّذين منهما الخبر ان المتعارضان بناء على القول بالسببيّة مقدّمة لبيان حال محتمل الاهميّة من احد المتعارضين وانّه هل يجب تقديم ما يحتمل اشتماله على ما يصلح لتأكّد مطلوبيّته بالاضافة الى الآخر ام لا فاعلم انّ كلّ واجبين متزاحمين امّا يعلم بتساويهما فى نظر الشّارع وامّا يعلم باهميّة احدهما من الآخر على تقدير الدّوران بينهما وهو تقدير تزاحمهما وامّا يشكّ فى الاهميّة والمساواة لا اشكال فى حكمهما فى الصورتين الاوليتين وقد مرّ الاشارة إليهما وعلى الثالث فإمّا ان يكون احتمال الاهميّة فى احدهما بالخصوص وامّا ان يكون فى كلّ منهما امّا بان يعلم اهميّة احدهما اجمالا مع تردّد ذلك المعلوم بينهما وامّا بان يشكّ فى اصل الاهميّة لاحدهما مع احتمال كون الأهمّ على تقديره هذا وذاك لا اشكال فى عدم العبرة باحتمال الاهميّة على الثّانى بكلا قسميه وكون الحكم فى كلّ منهما هو التخيير لانّ حرمة المخالفة لكلّ منهما بالخصوص لاجل اهميّته معارضة بحرمة ارتكابه لاحتمال اهميّة ما يزاحمه من دون فرق بينهما فى كلا القسمين ويدور الامر فى كلّ منهما بين المحذورين والعقل مستقلّ بالتخيير فى كلّ مورد يكون الحال فيه كذلك لكن هذا إنّما يجرى فى جميع فروض الصورتين فى خصوص الخبرين المتعارضين بناء على كون اعتبار الاخبار من باب السببيّة بمعنى عليّتها الوجوب التديّن بمقتضاها والاستناد إليها والظاهر أنّ القائل باعتبارها على وجه السببيّة على تقدير وجوده لا يلتزم به للاجماع على جواز الاحتياط وترك طريق الاجتهاد والتّقليد الكاشف عن بطلان ذلك فتامّل وامّا بناء على اعتبارها على وجه السببيّة بمعنى كونها علّة لاحداث حكم مماثل لمؤدّاها فيختصّ جريانه بما اذا كان مؤدّى احد الخبرين هو الوجوب ومؤدّى الأخر الحرمة اذ اللّازم على هذا التقدير حرمة المخالفة العمليّة للاخبار المختصّة بما اذا كانت متضمّنة لحكم الزامىّ من دون حرمة المخالفة الالتزاميّة وقد يقال بثبوت التخيير مط بناء على الوجه الثانى من السببيّة ايضا تمسّكا باخبار التّخيير وان لم يمكن التّمسك بها المطلق المتزاحمين المحتمل اهميّة كلّ منهما لورودها فى خصوص الخبرين المتعارضين ولكن لا حاجة الى دليل التخيير فى غير الخبرين من الواجبات المتزاحمة لجريان الدّليل من دون اشكال وبيان التّمسك بناء على الوجه الثّانى انّ المأخوذ فى موضوع تلك الاخبار هو المتحيّر فى المراد من الخبرين المتعارضين على تقدير صدورهما بحيث لا يعلم المراد منهما الّا ببيان آخر وهذا حاصل فى كلّ خبرين كذلك ولو كان مؤدّى احدهما او كليهما حكما غير الزامىّ ومن المعلوم انّ اعتبارهما من باب السببيّة لا يرفع هذا التحيّر فيدخل جميع صور احتمال

٦٧٤

الاهميّة لكلّ من الخبرين المتعارضين فى اخبار التخيير على حدّ سواء وهذا التخيير ليس كالتخيير الآتي من قبل العقل على تقديره بل هو تخيير فى الأخذ باىّ من الخبرين وجعله دليلا فى مؤدّاه والغاية انّما هى تقييد اخبار التخيير بغير صورة وجود مزيّة لاحدهما راجعة الى قوّة جهة طريقيّة ذيها مع العلم بموردها وخروج هذه الصّورة فى الحقيقة تخصّص لا تخصيص لعدم صدق موضوع تلك الاخبار عليها بعد اعتبار الشارع لتلك المزيّة فى تعيين المتّبع من المتعارضين اذ معه لا يبقى تحيّر فى مراده فى مرحلة الظّاهر وان كان التحيّر حاصلا مع قطع النّظر عن اعتبار الشّارع لتلك المزيّة لعدم صلاحيّة دليل اعتبارهما لتعيين احدهما لفرض شموله لهما على حدّ سواء والّا لم يكونا متعارضين والاشكال بانّ الكلام فى حكم الخبرين المتعارضين على ذلك التّقدير هو على فرض الغاء المزايا الراجعة الى جهة الطريقيّة وانّما هو بالنّظر الى احتمال الاهميّة ولو كان احدهما مشتملا على شيء من تلك المزايا واخبار التخيير لا تقيد التخيير فى صورة اشتمال احدهما على شيء من تلك المزايا فيكون الدّليل اخصّ من المدّعى مدفوع بانّ الكلام وان كان عامّا لصورة اشتمال احدهما على شيء من تلك المزايا لكنّه مع الغضّ عن الاخبار الآمرة بالاخذ بتلك المزايا ومن المعلوم حصول التحيّر فى تلك الصّورة ايضا مع قطع النّظر عنها الموجب لدخولها فى اخبار التخيير هذه غاية ما يمكن ان يقال فى المقام فى التّمسك باخبار التخيير على ثبوته لغير المتضمّن للحكم الالزامىّ من الخبرين المتعارضين ولكنّ الإنصاف العدم وان كان التّمسك بها عليه تامّا فى نفسه فانّ الكلام فى المقام فى حكم نوع الواجبين المتزاحمين ودخول الخبرين المتعارضين انّما هو بالتّبع ومن باب كونهما احد افراد ذلك النّوع وقد عرفت عدم دخولهما فيه بناء على كون معنى اعتبار الاخبار على وجه السببيّة كون الخبر علّة لاحداث حكم مماثل لمؤدّاه الّا اذا كان الخبر ان متضمّنين لحكم الزامىّ والحاصل انّ الكلام فى المقام فى نوع الواجبين المتزاحمين مع قطع النّظر عن اخبار الترجيح واخبار التخيير المختصّ صدق عنوان الواجبين المتزاحمين على الخبرين المتعارضين بالصّورة المذكورة فكما انّ الكلام انّما هو مع الغضّ عن اخبار الترجيح فكذلك هو مع الغضّ عن اخبار التخيير ومن هنا يظهر خروجهما عن محلّ الكلام فى الصّورة الآتية ايضا وهى صورة احتمال الاهميّة فى احد المتزاحمين بالخصوص وبالجملة فلا اشكال فى الحكم بالتخيير اذا احتمل اهميّة كلّ من الواجبين المتزاحمين وامّا اذا اختصّ احتمالها باحدهما فلا اشكال فى ثبوته لهما فى الجملة وامّا اذا كانا مندرجين فى عنوانين ففى ثبوته فى بعض الصّور اشكال توضيح ذلك انّ الواجبين المتزاحمين المحتمل اهميّة خصوص احدهما قد يكونان مندرجين فى عنوان واحد بمعنى كون الموضوع للحكم هو القدر المشترك بينهما كانقاذ الغريقين وقد يكونان مندرجين فى عنوانين كانقاذ غريق واطفاء حريق حيث انّ موضوع الحكمين فى ظاهر الخطاب متعدّد ومنشأ أهميّة احدهما على تقديرها فى القسم الاوّل منحصر

٦٧٥

فى اتّحاده مع عنوان آخر واجب يتاكّد وجوبه بالاضافة الى الآخر كما اذا دار الامر بين اعطاء الزكاة لاحد الفقيرين مع كون احدهما فى مخمصة بحيث يخاف عليه من هلاكه فانّ وجوب اعطاء الزكاة يتاكّد باتّحاده مع عنوان آخر وهو وجوب حفظ نفس المسلم ووجه انحصار سبب الاهميّة فى هذا القسم فى ذلك هو انّ المفروض كون الواجبين مندرجين فى عنوان واحد وكون وجوب كلّ منهما من جهة دخوله فى ذلك العنوان وشموله لها من دون تفاوت بينهما وبعبارة اخرى وجوب كلّ منهما من جهة تحقّق ذلك العنوان فى ضمنه وهو متحقّق فى ضمن كلّ منهما على نحو تحقّقه فى ضمن الآخر فيكون المقتضى للوجوب فى كلّ منهما مساويا له فى الآخر ولا يعقل اقوائيّة احد الوجوبين وآكديّته من الآخر من الحيثيّة المذكورة بل لا بدّ فى ذلك من اتّحاده فى احدهما مع عنوان آخر واجب وتوهّم أنّ الطبيعة قد تكون كلّيا مشكّكا ويكون تحقّقها فى ضمن بعض افرادها اشدّ واقوى فيكون وجوب ذلك الفرد اكد من وجوب غيره لا وجه له فانّها مع كونها مشككة امّا ان يكون الطلب الوجوبى فى الخطاب متعلّقا بنفسها من حيث هى مع قطع النظر عن شدّة تحقّقها فى الخارج وامّا ان يكون متعلّقا بشدّة تحقّقها فيه فيكون الموضوع مرتبة من وجود تلك الطّبيعة وهى وجودها فى الخارج على نحو الشّدة دون نفسها من حيث هى وعلى الاوّل لا محيص عمّا ذكرنا من توقّف تاكّده فى بعض الافراد على اتّحاده مع عنوان آخر واجب اذ المفروض كون المناط هو نفس الطّبيعة لا شدّة وجودها ونفس الطّبيعة حاصلة فى جميع الافراد فكلّ من الفردين من حيث وجود المقتضى للطلب فيه مساو للآخر لو لا اتّحاده مع عنوان واجب آخر وعلى الثانى يخرج عن الفرض اذ الكلام فى الواجبين المتزاحمين ولا بدّ فيهما من كون كلّ واحد منهما فى حدّ نفسه واجبا بحيث لا مانع من تعلّق التكليف به فعلا والمؤاخذة عليه الّا مزاحمة الآخر له لعجز المكلّف عن امتثالهما والجمع بينهما ومن المعلوم انّ الفرد الّذى يضعف فيه تحقّق الطبيعة لا وجوب له فى نفسه اصلا وانّما يختصّ الوجوب بالفرد الآخر وامّا منشأ الاهميّة فى القسم الثّانى فلا ينحصر فى ذلك بل قد يكون هو عظم احد الواجبين فى نظر الشارع بالاضافة الى الآخر من غير اتّحاده مع عنوان آخر بل قد يكون فى نظره اهمّ من الآخر المتّحد مع عنوان واجب آخر كما فى حفظ بيضة الاسلام بالاضافة الى غيره من الواجبات وبعده حفظ النفس المحترمة بالاضافة الى غير الاوّل وكما فى حقوق النّاس الصرفة بالاضافة الى حقوق الله تعالى شأنه ويظهر الثمرة بين الاهميّتين عند ايجاب الاهميّة لتنجّز التكليف بذيها فى تعدّد العقاب واتّحاده فانّ مع عصيان الأهمّ وكون المنشإ هى الاهميّة من الجهة الاولى يتعدّد عقابه فانّه معصية لواجبين ومع عصيانه وكون المنشإ الجهة الثّانية يتّحد عقابه فإن قلت اتّحاد الاهمّ فى القسم الاوّل مع عنوان واجب آخر لا يعقل ان يكون سببا لتعدد الطلب فانّ الشيء الواحد لا يعقل ان يجتمع فيه طلبان ولو كانا مثلين لامتناع اجتماع المثلين فى محلّ واحد بل الطلب حينئذ لا يكون الّا واحدا ومعه لا وجه لتعدّد العقاب اذ هو يدور مدار تعدّد العصيان الموقوف على تعدّد الأمر قلت بعد تسليم انّ الطلب من الكيفيّات الّتى تتداخل فيها اسبابها عند توارد اثنين او ازيد منها فى محلّ واحد دفعة إنّه ليس معنى تداخل اسبابه انّها عند الاجتماع لا يؤثّر الّا واحد منها بل معناه أنّه ح لا اثر لكلّ واحد يكون ممتازا عن اثر الأخر فى الخارج من حيث الذّات

٦٧٦

ويؤثّر كلّ واحد اثره الّذى يؤثّر فى حال الانفراد وانّما منع وحدة المورد من امتياز الاثرين فى الخارج فهناك طلبات متعدّدة من حيث الذات ويلزم كلّ منها ما هو لازم له حال الامتياز من العقاب على العصيان لتعدّد العصيان ح فى الحقيقة نعم لا يتعدّد الامتثال اذ بعد فرض اتّحاد المتعلّق يسقط الغرض من الكلّ بامتثال واحد لصدق المطلوب من كلّ منهما عليه وبالجملة اذا اختصّ احتمال الاهميّة باحد الواجبين المتزاحمين ففى الحكم بالتخيير مط كصورة القطع بانتفاء اهميّة احدهما او تعيين الاخذ بمحتملها مط او التفصيل بين ما اذا كان منشأ الاهميّة هى الجهة الاولى وما اذا كان المنشأ هى الجهة الثانية باختيار الاوّل فى الاوّل والثانى فى الثانى وجوه امّا الاوّل فستعرفها بعد بيان الوجهين الاخيرين وامّا الثانى فبأن يقال قد علم المكلّف باشتغال ذمّته بتكليف مردّد بين تعلّقه بخصوص محتمل الاهميّة وتعلّقه بكلّ منهما تخييرا لعدم جواز مخالفته لكليهما بالضّرورة وهو يقتضى القطع بحصول الامتثال المتوقّف على الاتيان بمحتمل الأهميّة وامّا الثالث فبأن يقال انّ ما ذكر من قاعدة الاشتغال سليمة عمّا يحكم عليها اذا كان منشأ احتمال الاهميّة هى الجهة الثانية لعدم جريان اصالة البراءة عن التعيين ح لأنّ مجريها هو الشكّ البدوى ومن المعلوم انّ التكليف بمحتمل الاهميّة فى الجملة ثابت قطعا ولا يمكن رفعه بالبراءة رأسا وانّما الشكّ فى تعيينه وهو ليس تكليفا آخر حتّى يمكن نفيه بها بل هو على تقديره من كيفيّات ذلك التكليف المعلوم تعلّقه به النّاشئة من جهة قوّة ذلك التكليف بالنّسبة الى جهة التكليف الأخر فجهة الاهميّة انّما هى عين جهة اصل الوجوب بمعنى انّ جهة وجوبه لمّا كانت اقوى من جهة الوجوب فى غيره كان الطلب فى موردها اقوى من الطلب فى مورد الجهة الاخرى فهى على تقديرها لا يوجب تكليفا وطلبا آخر حتّى يرجع الى البراءة وقاعدة الاشتغال سليمة عمّا يحكم عليها وهذا بخلاف ما اذا كان المنشأ الجهة الاولى فانّ التكليف بمحتمل الاهميّة وان كان معلوما فى الجملة الّا انّ تعيينه على تقديره ناش عن تكليف آخر مستقلّ متعلّق بالعنوان الّذى اتّحد معه هذا العنوان ويكون الشكّ فى الحقيقة شكّا فى التكليف بذلك العنوان ويكون مجرى للبراءة فإن قلت حكومة اصالة البراءة على قاعدة الاشتغال مسلّمة فيما كان الامر ان ثبت وجوب كلّ منهما فى الجملة ويشكّ فى انّ وجوب كلّ منهما هل هو على سبيل التعيين حتّى يلزم الاتيان بكليهما معا او التخيير حتّى يجوز الاكتفاء بواحد منهما وبعبارة اخرى هى مسلّمة فيما لم يكن منشأ تعيين الوجوب هى الاهميّة وامّا اذا كانت هى المنشأ فلا لانّ المفروض فى الثانى الّذى هو محلّ البحث العلم بثبوت الطلب للمحتمل التعيين فى الجملة فعلا والشكّ فى وجوب الآخر رأسا فانّه على تقدير تعيين وجوب الاوّل لا وجوب للآخر اصلا فانّه على تقديره تخييرىّ واحتمال تعيين وجوب الاوّل مستلزم للشكّ فى وجوبه التخييرى ووجوبه العينى معلوم العدم واصالة البراءة ليس من شأنها اثبات التكليف ولا تعيين متعلّقه واثبات مصداقيّة شيء للواجب فانّها سواء اخذت من باب التعبّد او من باب حكم العقل حكم ظاهرىّ وهو رفع المنع عن ارتكاب محتمل التحريم او ترك محتمل الوجوب بدوا فى مرحلة الظّاهر لا طريق حتّى يلزم من طريقيّته الى الملزوم وهو عدم تعيين وجوب الاوّل طريقيّته الى اللّازم وهو وجوب الآخر تخييرا حتّى يكون الاتيان به

٦٧٧

مسقطا عن التكليف المعلوم تعلّقه بمحتمل التعيين فغاية ما يترتّب عليها رفع المنع عن ترك ذلك العنوان المتّحد مع محتمل التعيين فى حدّ نفسه وعدم العقاب عليه كذلك وامّا رفعه من ترك نفس ذلك المحتمل التعيين وعدم المؤاخذة عليه فلا للعلم بتعلّق الطلب به فلا بدّ من العلم بامتثاله المتوقّف على الاتيان به نفسه قلت لو كانت حكومة اصالة البراءة المدّعاة فى المقام بنفسها لكان الاشكال فى محلّه ولكنّها بضميمة امر آخر وهو انّ المفروض فى المقام وجود المقتضى للطّلب لغير محتمل التعيين فى حدّ نفسه عينا ولا مانع من وجوبه فعلا عينا الّا وجود المقتضى له فى الآخر كذلك وكذا لا مانع من اصل وجوبه فى الجملة فعلا المتحقّق فى ضمن التخييرى الّا اختصاص المقتضى فى الآخر فعلا بتمام مقتضاه وهو الوجوب العينى من جهة احتمال تاكّده باتّحاده مع عنوان آخر وكيف كان فالمقتضى للوجوب فى الجملة المتحقّق فى ضمن التخييرى منه محرز فيه فعلا قطعا والشكّ فى ترتّب مقتضاه عليه كذلك ناش عن الشكّ فى التكليف بذلك العنوان الّذى اتّحد معه صاحبه حيث انّه على تقديره يرجّح صاحبه عليه ويختصّ ما فيه من المقتضى للوجوب العينى بمقتضاه فعلا ومن المعلوم انّه لا مانع من جريان اصالة البراءة بالنّسبة الى التكليف المشكوك المتعلّق بذلك العنوان على تقديره واقعا فاذا جرت فى نفسه ينتفى المانع من وجوب غير محتمل التّعيين تخييرا فيترتّب عليه لانّ وجود المقتضى مع عدم المانع علّة تامّة لترتّب المقتضى فعلا فاذا ثبت وجوبه كذلك يكون الاتيان به مسقطا عن ذلك الطلب المعلوم تعلّقه بمحتمل التعيين وليس المراد نفى الطلب عن ذلك العنوان باصالة البراءة حتّى يرد انّه ليس من شأنها ذلك بل المراد نفى فعليّته على تقديره واثبات المعذوريّة فى مخالفته ولا محذور فى التكليف باحد طرفى النقيض فعلا مع كون المكلّف معذورا فى الطلب المتعلّق بالطرف الآخر ولا مانع منه وكذا الحال فى التكليف باحد الضدّين المتزاحمين مع كونه معذورا فى الآخر بمعنى انّ المانع ليس نفس الطّلب بالتنصيص او التقييد وانّما هو فعليّته وما نحن فيه من قبيل الثانى فاذا ثبت معذوريّة المكلّف فى ذلك العنوان المتّحد معه محتمل التعيين من الواجبين المتزاحمين يجوز التكليف بما يزاحمه وهو غير محتملة منهما تعيينا فكيف به تخييرا ولمّا كان المفروض العلم بتعلّق طلب فعلا بمحتمله اجمالا فهو مانع من المصير الى وجوب غير محتملة عينا فحسب فاذا جاز ذلك عقلا مع فرض قيام المقتضى له وعدم المانع بواسطة اصالة البراءة من ترتيب الوجوب التخييرى عليه فعلا فيترتّب عليه ذلك كذلك والحاصل انّ الاشكال وارد فيما علم وجوب شيء وتردّد بين كونه تعيينيّا او تخييريّا بينه وبين شيء آخر لم يحرز فيه الوجوب فى نفسه اصلا بخلاف المقام لانّ المقتضى فيه للوجوب التخييرى فى غير محتمل التعيين معلوم ولا مانع من ترتّبه عليه الّا تنجّز الطلب المعلوم تعلّقه بمحتمله على وجه لا يجوز مخالفته الى بدل واصل ذلك الطلب وان كان معلوما الّا انّ كونه على وجه التعيين المستلزم لعدم جواز المصير الى بدل غير معلوم ولم يقم عليه حجّة ومقتضى اصالة البراءة كون المكلّف معذورا فى مخالفته الى بدل فاذا ثبت بها عدم ذلك المانع يترتّب على ذلك مقتضاه وهو الوجوب التخييرى المستلزم لكون مورده مسقطا عن ذلك الطلب المعلوم وقد يقال انّ الحكم هو التخيير مط لجريان اصالة البراءة فى القسمين من دون فرق بينهما سواء كان مدركها العقل او التعبّد اذ على الاوّل المناط عند العقل فى استقلاله بعدم المنع والاباحة ظاهرا انّما هو قبح

٦٧٨

العقاب من دون بيان وهذا المناط موجود فى كلّ منهما على حدّ سواء اذ فى القسم الثانى وان كان الشكّ راجعا الى كيفيّة من كيفيّات الطلب المعلوم تعلّقه به فى الجملة لا الى طلب آخر مستقلّ لكنّ الكيفيّات ايضا ممّا لا طريق اليها للمكلّف الّا ببيان الشارع لها كنفس التكاليف المستقلّة ومن الواضح انّ قبح العقاب عند العقل فى التكاليف المستقلّة المجعولة ليس لخصوصيّة فى استقلال الجعل بل هو من حيث انّه لا طريق للمكلّف اليه الّا ببيان الشارع وكلّ ما كان كذلك يقبح المؤاخذة على مخالفته مع الجهل به وعلى الثانى المناط هو الجهل الموجود فى كلّ منهما فانّ المستفاد من الاخبار انّما هو معذوريّة الجاهل فى مخالفته للواقع المسبّبة عن جهله به من غير فرق بين ان يكون متعلّقه من الامور المستقلّة او من الكيفيّات والتوابع والاشتغال بمحتمل التعيين فى كلّ من القسمين لم يثبت على الاطلاق وانّما المعلوم ثبوته على وجه لا يجوز مخالفته لا الى بدل اصلا وذلك لا يقتضى تعيين خصوص محتمل التعيين ومن هنا يظهر انّه لا حاجة فى جواز الاكتفاء بغير محتمله الى التوجيه بحكومة اصالة البراءة اذ على تقدير جريان البراءة لا ينافيها قاعدة الاشتغال حتّى يفتقر فى تقديمها عليها الى اثبات حكومتها عليها فافهم بقي امران الاوّل اهميّة احد المتزاحمين من الآخر عند الشارع واقعا من جهة اتّحاده مع عنوان واجب آخر لا يتحقّق الّا اذا انحصر مصداق ذلك العنوان فيه بحيث لا يمكن امتثاله فى فرد آخر والّا فلا يكون احد المتزاحمين أهمّ اذ مجرّد اتّحاده معه لا يقتضى ذلك لكون احدهما أهمّ انّما هو لاجل انّه لو تركه لزم فوت واجبين بخلاف ترك الآخر الغير المتّحد مع عنوان آخر ومن الواضح انّ ترك الواجبين لا يلزم الّا على ذلك التقدير فاحتمال اهميّة احدهما من تلك الجهة لا يكون ايضا الّا فيما انحصر مصداق ذلك العنوان المحتمل وجوبه فى هذا الفرد والّا فلا وجه لاحتمال الاهميّة بمجرّد اتّحاد احدهما مع عنوان آخر ووجود المندوحة الثانى اذا اتّحد احد الواجبين المتزاحمين مع عنوان مندوب فى نفسه بل مع عناوين كذلك لا يوجب ذلك تعيينه ولا يكون الّا افضل فردى الواجب التخييرى وذلك لانّ تعيين احد فردى الواجب التخييرى لا يكون الّا باهميّة احدهما من جهة تاكّد وجوبه بالاضافة الى وجوب الآخر ومن المعلوم انّ كلّ كيفيّة من الكيفيّات لا بدّ ان يكون مؤكّدها كيفيّة من سنخها ونوعها كما ترى ذلك فى مثل الالوان والطّعوم والجهات المقتضية للاستحباب وان اجتمعت غير واحد منها فى مورد لا يعقل تاثيرها فى الوجوب وانّما يؤثّر فى تاكّد الطّلب ندبا والطلب الندبى وان بلغ ما بلغ من القوّة والتاكيد لا يبلغ مرتبة الوجوب فلا يوجب اتّحاده مع احد فردى الواجب التخييرى بالاصل او بالعارض لاجل التّزاحم تعيّن ما اتّحد معه نعم يوجب افضليّته من الآخر قوله انتهى ومرجع الاخير) اى تسليم عدم الترجيح والانصاف انّ مرجعه الى انّه لو لا الاجماع فى ترجيح الادلّة لحكمنا بعدمه كالبيّنتين عكس ما ذكره المصنّف قدس‌سره فالغرض انّ الترجيح فى المقام انّما هو للاجماع وهو الفارق بينه وبين البيّنات قوله (بعد ايراد اشكالات على العمل بظاهر الاخبار) اى الاخبار العلاجيّة سيّما على المرفوعة كما سيجيء قوله (فلو حمل غيره عليه لزم التفكيك فتامّل) لعلّ وجهه انّ ارتكاب التفكيك لا بأس به اذا اقتضت الحاجة وهو رفع التّعارض الواقع

٦٧٩

فى الاخبار العلاجيّة.

قوله (الاوّل ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عمر بن حنظلة) لا يخفى انّ الرواية الشريفة تشمل المنازعة فى الدين والعين الخارجيّة ويعمّ ما اذا كان منشأها فى الموضعين اختلاف المتنازعين فى الحكم الشّرعى وما اذا كان اختلافهما صغرويّا بعد اتّفاقهما على الحكم الشرعى الكلّى كأن يدّعى احدهما تملّكه لدار فى يد الآخر بدعوى انّه قد باعه الدّار وينكر الآخر وقوع البيع الّذى يدّعيه مع اتّفاقهما على انّ البيع على تقدير وقوعه سبب للملك ويشكل الحكم بحرمة اخذ العين الخارجيّة المتنازع فيها اذا كان اختلافهما صغرويّا مع علم الأخذ بانّها ماله بل الظّاهر قيام الاجماع على جواز اخذها حينئذ بل ويشكل حرمة اخذ المتنازع فيها مع كون النزاع كبرويّا ايضا اذا كان الاخذ قاطعا بانّها ماله شرعا كأن ادّعى احدهما ملكيّة ثوب فى يد الآخر مستندا الى شرائه عنه بالبيع بالصّيغة الفارسيّة مثلا وينكرها الآخر لانكاره سببيّة العقد الفارسى للتملّك شرعا مع اعترافه بوقوعه بل لا يظنّ باحد القول بالحرمة فى هذا الفرض والظّاهر جواز اخذها لجريان مناط الجواز فى معقد الاجماع لانّ حكمهم بجواز الاخذ هناك ليس تعبديّا بل هو من باب دليل السّلطنة والمفروض قطع المدّعى بكون العين ملكه وهذا بعينه موجود فى الفرض المذكور من دون مانع عنه بل ويشكل ذلك فيما كان مورد النّزاع دينا سواء كان صغرويّا او كبرويّا مع كون المدّعى قاطعا بالحكم وانحصر طريق استيفاء الدّين فى الصّورتين فى التّحاكم الى حاكم الجور وقد يؤجّه حرمة اخذ الدّين فى الصّورتين بانّ الدّين كلّى لا يتعيّن فى مال الّا باعطاء المديون ايّاه بعنوان الايفاء والاداء والمأخوذ بحكم الجور لم يكن بذلك العنوان فلا يتعيّن الدّين فيه حتّى يكون ملكا للأخذ ويمكن منعه بمنع توقّف التعيين فى مال مخصوص على ما ذكر فيما كان المديون ممتنعا من الاداء كما هو المفروض ولا مانع من التعيين فيه من باب التقاصّ فالاولى قصر الرّواية الشّريفة على ما قام الاجماع على حرمة الاخذ فيه وهو ما كان الاخذ شاكّا فى ملكيّته لما يأخذه ويكون اعتماده فى ذلك على الحكم سواء كان شكّه من جهة الشكّ فى الحكم الشرعىّ الكلّى او من جهة الشكّ فى الصغرى لكن قول السّائل فى الرّواية وكلاهما اختلفا فى حديثكم يابى عن شمولها لصورة النزاع فى الصّغرى فانّ القاطع للنّزاع من حيث الصّغرى هى البيّنة والحلف لا الحديث المتكفّل لبيان الاحكام الكليّة فالظّاهر منه خروج النّزاع من حيث الصغرى عنها سواء كان فى مورد العين او الدين قوله (وهذه الرواية الشريفة وان لم تخل عن اشكال بل الاشكالات) حاصل الاشكال الاوّل انّ المنصوب لرفع الخصومة هو الحاكم الواحد فلا وجه لفرض السّائل تعدّده وتقرير الإمام ع من حيث عدم الرّدع عن ذلك وحاصل الاشكال الثانى انّ الحكمين بعد ان كانا مجتهدين كيف لا يطّلع احدهما على الخبر المشهور مثلا الّذى هو مستند الآخر وبعد الاطّلاع كيف لا ياخذ به ويأخذ بالخبر الشاذّ وحاصل الاشكال الثالث انّ وظيفة المتحاكمين هو الرجوع الى الحاكم والالتزام بحكمه وليس وظيفتهما النظر فى مستنده وان كانا من اهل النّظر والاجتهاد وان كانا عاميين كما هو الغالب فيتعذّر فى حقّهما ترجيح احد الحكمين بوجود هذه المرجّحات وحاصل الرابع انّ الحكمين الواقعين من الحاكمين ان

٦٨٠