تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

كان هناك اثر شرعىّ يترتّب على المستصحب او لا ففيه انّ الحكم الظاهرىّ المجعول فى مورد عدم العلم بالحكم الواقعىّ ان كان الكشف الظنّى ملحوظا فى اعتباره يسمّى دليلا كما يسمّى الكاشف علما به ايضا وقد يطلق على الكاشف الظنّى الامارة ايضا وان لم يكن الكشف الظنّى فيه ملحوظا يسمّى اصلا والفرق انّ الاوّل مجعول لكونه طريقا موصلا الى الحكم الواقعى او منجّزا للواقع عند الاصابة وعذرا عند المخالفة وامّا الاصول فليس لها جهة كشف وحكاية عن الواقع ومفاد دليل الحجيّة فيها ليس الّا وجوب العمل بمضمونها والدّليل اللفظىّ فى اخبار الاستصحاب لا يكون متكفّلا الّا لنفس التنزيل والحكم بالبقاء فى مقام العمل فحكم الشارع بالبقاء فى الاصول الحكميّة هو وجوب العمل على طبق المتيقّن وهذا معنى ما اشتهر من انّ جريانها لا يتوقّف على اثر عملىّ لانّ المؤدّى بنفسه اثر عملىّ وامّا حكمه بوجوب الالتزام ببقاء الموضوع الخارجى فى زمان الشكّ فلمّا لم يكن له معنى التزمنا بدلالة الاقتضاء صونا لكلام الحكيم عن اللغويّة بكون التنزيل فى الموضوعات الخارجيّة انّما هو بلحاظ الاثر الشرعىّ فانّه الممكن فى مقام الجعل ويكون الحكم ببقاء الموضوع بمعنى جعل احكامه الشرعيّة ووجوب العمل على طبقها والّا فالاصول مطلقا سواء كانت موضوعيّة او حكميّة انّما هى بلحاظ العمل ولا تجرى اذا لم يترتّب عليها اثر عملىّ بخلاف الأمارات وعلى هذا فلو وجد اصل حكمىّ لا يترتّب عليه اثر فى مقام العمل لم يكن جاريا والحجيّة كما مرّ وان كانت من الاحكام الوضعيّة القابلة للجعل الّا انّها بوجودها الواقعى لا اثر لها بحسب العمل وتنجّز الواقع عند الاصابة والعذر عند المخالفة انّما هو اثر للعلم بالحجّة لا لنفسها كما انّ حرمة العمل والتعبّد انّما يكون اثر الوصف الشكّ فى الحجيّة ولعدم العلم بها وقد بيّنّا انّ الاستصحاب انّما يجرى فيما اذا كان الاثر مترتّبا على نفس الواقع المشكوك وما يتوهّم من انّ المنع عن جريان استصحاب عدم الحجيّة يقتضى المنع عن جريان استصحاب بقاء الحجيّة عند الشكّ فى نسخها لانّ استحالة التعبّد باحد النقيضين يلازم استحالة التعبّد بالنقيض الأخر لا حاصل له لوضوح منع الملازمة المذكورة والمسلّم انّ القدرة على احد النقيضين يلازم القدرة على النقيض الآخر وما قيل فى الاشكال على ما عرفت من انّه اذا لم يترتّب على عدم الحجيّة اثر الّا ما كان حاصلا بنفس الشكّ وعدم العلم فلا يجوز قيام الامارة المعتبرة على عدم حجيّة امارة فانّ المجعول فى باب الامارات وان لم يكن هو البناء العملى الّا انّه لا بدّ من ان يترتّب على مؤدّى الامارة اثر عملىّ ولو بالف واسطة ليصحّ التعبّد بها والمفروض انّه لا يترتّب على عدم الحجيّة الواقعيّة اثر عملىّ بل الاثر مترتّب على نفس عدم العلم بالحجيّة وهو حاصل قبل قيام الامارة المعتبرة على ذلك يدفعه أنّه نعم لا يجوز ذلك فى الفرض وهو ما لا يعلم حجيّته الّا بنحو الارشاد وانّما يجوز المنع عن الامارة الّتى تتوهّم حجيّتها واريد ترتيب الاثر عليها بالتعبّد بها لو لا دليل المنع فتدبّر وامّا ما قاله ره من انّ حرمة التعبّد بالامارة كما يكون اثرا للشكّ فى حجيّتها كذلك

٦٢١

يكون اثر العدم حجيّتها واقعا ففى ظرف الشكّ يجرى كلّ من الاستصحاب والقاعدة المضروبة ويقدّم الاستصحاب لحكومته عليها ففيه ما اوضحناه من انّ حرمة التعبّد ليست من محمولات عدم الحجيّة الواقعيّة ولا نعيد ذكرها وامّا القياس بقاعدة الطّهارة واستصحابها فهو فى غير محلّه لوضوح انّ الغرض من استصحاب الطّهارة ليس ابقاء ما هو المستفاد من قاعدة الطّهارة وهو الطّهارة الظاهريّة بل الغرض هو الحكم ببقاء الطّهارة الواقعيّة فى زمان الشكّ فالمراد من استصحابها هو اثبات الطّهارة الّتى كانت موجودة سابقا ومترتّبة على الموضوع الواقعى مع قطع النظر عن العلم والجهل لا اثبات الطهارة الّتى ثبتت فى موضوع الشكّ بمقتضى القاعدة وان كان مؤدّى الاستصحاب والمستفاد منه بعد جريانه طهارة ظاهريّة ايضا ومن الواضح أنّ الطهارة الظاهريّة المستفادة من القاعدة معناها ليس الّا ترتيب آثار الطّهارة كجواز الاستعمال وحليّة الاكل وغير ذلك بخلاف الاستصحاب فانّ مفاده بقاء الطهارة الواقعيّة وقد يترتّب على بقاء الطّهارة الواقعيّة آثار أخر غير جواز الاستعمال فما ذكره من انّ حرمة التعبّد كما يكون اثرا للشكّ فى الحجيّة كذلك يكون اثرا لعدم الحجيّة واقعا فيكون الشكّ فى الحجيّة قابلا لكلّ من الاستصحاب والقاعدة المضروبة لحكم هذا الشكّ الّا انّه لا يجرى فعلا الّا الاستصحاب لحكومته عليها ممنوع جدّا نعم ما ذكره من حكومة الاستصحاب على قاعدة الطهارة فيما يجرى فيه الاستصحاب وهو المسبوق بالطّهارة حسن متين فانّ كلّ ما يكون حاكما على غيره فى صورة تنافى مدلوليهما يكون حاكما عليه فى صورة توافق مدلوليهما ولا فرق فيما ذكرنا من صحّة اجتماع الاستصحاب وقاعدة الطّهارة فيما كان مسبوقا بها الّا انّ الجارى فعلا هو الاستصحاب لحكومته عليها بين ما كان الطّهارة من الاحكام الشرعيّة المجعولة او كانت من الاعتبارات المنتزعة من الاحكام التكليفيّة او من الامور الواقعيّة الّتى كشف عنها الشارع امّا على الاوّل فواضح وعلى الثّانى فلانّ المستصحب يكون ح هو المنشأ لانتزاع الطّهارة اى الحكم الواقعى التكليفى وعلى الثالث فالمستصحب هو الامر الواقعى كسائر الموضوعات الخارجيّة ثمّ إنّا جعلنا عنوان المسألة على مسلك المصنّف فى الاحكام الوضعيّة حيث يقول انّها انتزاعيّة من الاحكام التكليفيّة والحجيّة منها فلا جرم تصدّى فى اوّل مبحث الظّن لتأسيس الاصل فى حرمة العمل بالظنّ ولعدم صحّة استصحاب عدم الحجيّة لعنوان حرمة التشريع وإلّا فالصّواب عندنا انّ الحجيّة من الاحكام الوضعيّة الّتى تكون متأصّلة فى الجعل وتقدّم الكلام فى ذلك وعليه فلا حاجة الى جعل العنوان حكما تكليفيّا بل يقال ما شكّ فى حجيّته شرعا او عقلا فمجرّد الشكّ كاف فى عدم الحجيّة وبيّنا انّ الاستصحاب انّما يجرى فيما اذا كان الاثر مترتّبا على نفس الواقع المشكوك الامر السّابع اعلم انّ الامر الصّادر من الشارع كالامر الصّادر عن غيره لا بقاء له ولا استمرار لانّ اللّفظ والانشاء المدلول عليه والقائم به من الامور الغير القارّة بالذّات وليس بمورد للاستصحاب لانّه غير صالح للبقاء ولكن هذا الامر الصّادر عن الشارع او عن غيره له نسبة الى الامر من حيث الصّدور عنه وبهذا اللّحاظ يعبّر عنه بالايجاب ونسبة الى المامور ونسبة الى الفعل

٦٢٢

المامور به وبهذا اللّحاظ وهو حيثيّة قيامه بالفعل المتعلّق يعبّر عنه بالوجوب واللّفظ والانشاء وان كانا غير قابلين للبقاء الّا انّ المنكشف من حيث انّه صفة قائمة بنفس الأمر وكونه مريدا وطالبا للفعل قابل للبقاء وعند الشكّ فى ذلك يستصحب بقاء الامر ومن حيث توجّهه الى المطلوب منه يتمسّك باستصحاب الشغل وبقاعدة الشغل واستصحاب الاشتغال لو قيل به راجع الى هذه الجهة ومن حيث تعلّقه بالفعل المطلوب يتمسّك باستصحاب كونه مطلوبا وكذلك النّهى وعدم التكليف اللّازم من عدم الامر والنّهى فانّ هذا الامر العدمى ايضا لا يخلو من النسب الثّلاث إذا عرفت هذا فاعلم انّه لا بدّ قبل بيان المقصود من البحث فى جهات ثلاث الاولى هل يتّحد استصحاب البراءة مع قاعدة البراءة وقاعدة الشغل مع استصحابه مفهوما ام لا الثانية انّ مع الاختلاف مفهوما هل يمكن اجتماعهما فى مورد واحد ام لا الثالثة هل يختلفان فى الحكم ام لا امّا الجهة الأولى فمن الواضح الّذى لا ريب فيه هو انّ الاستصحاب يخالف اصالة البراءة وقاعدة الشغل من حيث المفهوم وبيان ذلك امّا اجمالا فبانّ الاستصحاب يلزمه ملاحظة الحالة السّابقة والاعتماد على اليقين بها بخلاف القاعدتين فانّ المدار فيهما على مجرّد علم العلم بالتكليف فى قاعدة البراءة وبالمكلّف به فى قاعدة الشغل وامّا تفصيلا فاصالة البراءة يخالف استصحابها من وجهين الاوّل انّه يكفى فى حكم العقل بالبراءة مجرّد الشكّ فى التكليف مع قطع النّظر عن ثبوتها فى السّابق وامّا استصحاب البراءة فقد عرفت لزوم ملاحظة ثبوتها سابقا الثاني انّ اصل البراءة ليس الّا حكم العقل بعدم وجوب الاتيان بالتكليف المحتمل واستصحاب البراءة هو ابقاء البراءة السّابقة وقاعدة الشغل وان شارك استصحابه فى عدم جريانهما الّا مع تحقّق يقين وشكّ الّا انّه ايضا يفترق عن الاستصحاب من وجهين الاوّل ما عرفت من انّ استصحاب الشّغل لا بدّ فيه من ملاحظة وجود المتيقّن فى السّابق وامّا القاعدة فنفس اليقين فى السابق وطروّ الشكّ فى الامتثال علّة تامّة لحكم العقل بتحصيل اليقين بالبراءة الثانى انّ مؤدّى القاعدة وجوب تحصيل اليقين بما تحصل به البراءة عن الشغل الثابت وامّا الاستصحاب فهو انّما يدلّ على بقاء الشغل فى زمان الشكّ وامّا وجوب الاتيان بما يحصل به البراءة فانّما هو بحكم العقل بعد اثبات الاشتغال بالاستصحاب وامّا الجهة الثانية فبالنّسبة الى اصل البراءة قد يقال بعدم الانفكاك بينهما اذ فى كلّ مورد شكّ فى ثبوت اصل التكليف وعدمه فكما يصحّ الاستناد فيه الى قاعدة البراءة كذلك يصحّ الاعتماد على استصحاب البراءة الاصليّة وهو وهم بل النّسبة بينهما هى العموم من وجه بناء على صحّة اجراء الاستصحاب فى مورد البراءة أمّا مادّة الاجتماع ومورد تصادقهما فهى جميع موارد الشبهات البدويّة وأمّا مادة افتراق البراءة عن استصحابها ففيما دار الامر فيه بين التعيين والتخيير شرعيّين كانا او عقليّين كما اذا تعلّق الامر بعتق رقبة وشكّ بين وجوب

٦٢٣

عتق الرقبة مطلقا وخصوص المؤمنة لانقطاع البراءة السابقة بثبوت التكليف يقينا فى الجملة ومن الواضح انّ الكلّى من حيث هو كلّى غير قابل لتعلّق الامر به والافراد كلّها متباينة لا يجرى فيها الاستصحاب لكن قاعدة البراءة تقتضى عدم التعيين لما فى التخيير من التوسعة والنّاس فى سعة ما لا يعلمون ولو اراد عتق خصوص المؤمنة لكان عليه البيان ومثّل له بعض الفحول بمن علم بوقوع جنابة وغسل عمّا فى الذمّة منه وشكّ فى المتاخّر منهما فانّ اصل البراءة يقتضى عدم تحريم جواز المسجدين واللّبث فى المساجد وقراءة الغرائم عليه لكونه شكّا فى التكليف ولا يجرى الاستصحاب للعلم بانقطاع البراءة السّابقة من حيث العلم بوقوع الجنابة ولا يجوز استصحابها لمعارضته بالعلم بوقوع الطّهارة ايضا وأمّا مادّة افتراق الاستصحاب ففى مثل ما لو دار الامر فى شيء بين كونه احد فردى الواجب التخييرى وكونه مباحا مسقطا عن الواجب كما اذا ثبت الامر بالعتق وتردّد الامر بين كون المكلّف مخيّرا بين المؤمنة والكافرة وكون عتق الكافرة مباحا مسقطا عنه فانّه لا يمكن نفى وجوب الكافرة باصالة البراءة لانّها لنفى العقاب والضيق لا التكليف من الوجوب او الحرمة والعقاب والضيق مرتفع فى الواجب التخييرى لانّه على تقدير الوجوب التخييرى يجوز تركه ويسعه الاخذ بغيره ولا مانع من استصحاب البراءة السابقة عن وجوب عتق خصوص الكافرة وامّا قاعدة الاشتغال واستصحابه فالظاهر كون النّسبة بينهما ايضا عموما من وجه أمّا مادّة الاجتماع ففى الشبهة التحريميّة مثل الإناءين المشتبهين وفى الشّبهة الوجوبيّة مثل الظهر والجمعة فكما يحكم عقلا بوجوب الاجتناب عنهما والاتيان بهما معا بمقتضى قاعدة الشّغل كذلك يمكن استصحاب بقاء النهى والامر ومنها مسئلة اشتباه القبلة والشكّ فى الاتيان باحدى الصلوات اليوميّة قبل خروج وقتها ايضا وأمّا مادّة افتراق القاعدة عن الاستصحاب فكدوران الامر بين كونه للفور او التراخى فانّ قاعدة الشغل ح يحكم بوجوب المبادرة لئلّا يوجب فوت المطلوب استحقاق العقاب وليس فيه محلّ للاستصحاب لعدم مضىّ زمان ينطبق عليه يقين سابق وأمّا مادّة افتراق الاستصحاب فكالمثال المذكور بعد مضىّ زمان الفور وعدم الامتثال بالمأمور به فيه فانّ قاعدة الشغل وان اقتضت وجوب المبادرة بالاتيان فى الزمان الاوّل الّا انّ بعد الاخلال به يتعيّن الرّجوع فى الزمان الثّانى الى استصحاب بقاء الوجوب او الاشتغال ولا مجال للقاعدة اذ لا يحصل القطع بالامتثال بالاتيان بالفعل فى الزّمان الثّانى ومن الواضح أنّ القول بعدم جريان القاعدة فى هذا الفرض انّما هو من حيث اقتضائها لليقين بالبراءة كما هو المتعارف فى اطلاق القاعدة والّا فيمكن التّمسك بها فى الزّمان الثّانى فانّه وان لم يحصل بالاتيان فى الزمان الثانى القطع بالبراءة لاحتمال الفوريّة واختصاص التكليف بالزّمان الاوّل الّا انّ العقل قاض بعد ثبوت التكليف فى الجملة وعدم التمكّن من تحصيل البراءة اليقينيّة بوجوب الاتيان بما يحتمل معه البراءة والموافقة الاحتماليّة اولى من

٦٢٤

المخالفة القطعيّة وامّا الجهة الثالثة فتظهر الفائدة فى تعدّد الدليل بناء على الاختلاف وجريانهما وفى استحقاق الثواب والعقاب من حيث تطبيق العمل على استصحاب الشغل او على قاعدته وذلك لانّ الثواب والعقاب فى مورد جريان القاعدة يدور مدار موافقة الواقع ومخالفته لا موافقة القاعدة ومخالفتها فلو ترك الفعل مع عدم وجوبه فى الواقع فلا عقاب الّا على القول بحرمة التجرّى ولو أتى به فلا ثواب الّا على الانقياد بخلاف استصحاب الشغل لانّ مقتضاه كون الحكم المتيقّن فى السابق مجعولا فى حال الشكّ فالثّابت بالاستصحاب حكم شرعىّ ظاهرىّ منزّل منزلة الواقع ويكون المدار فى الثواب والعقاب على موافقة مؤدّاه ومخالفته وامّا حكم العقل فى مورد القاعدة بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة فهو ارشادىّ محض لرعاية الواقع واحرازه والتحرّز عن مخالفته وليس معها حكم مولوىّ بوجوب الاطاعة عقلا او شرعا وإذا عرفت الكلام فى الجهات الثلاث فلنشرع فيما هو المقصود فى المقام فنقول انّ التحقيق عدم جريان استصحاب الشغل او البراءة فى حكم العقل بالاشتغال او البراءة أمّا عدم استصحاب الشغل مع حكم العقل به فلأنّ عنوان حكم العقل وموضوعه فى قاعدة الاشتغال هو الشكّ اذ هو الباعث على حكم العقل بوجوب الاحتياط وحكمه به انّما هو بعد احراز المقتضى للتكليف ولرفع العقاب الّذى حصل العلم بسببه لفرض علم المكلّف باصل التكليف وتنجّزه عليه وهذا بخلاف الاستصحاب لما علم فيما مرّ انّه ينظر الى الواقع ويعمل لابقاء الحكم او الموضوع النّفس الامرىّ ولا يلاحظ الشكّ فيه موضوعا او جزء موضوع فلا يجرى الّا فى الاحكام المترتّبة على الواقع الغير المقيّد باحد الوصفين وبالجملة القاعدة والاستصحاب وان اشتركا فى الحاجة الى يقين سابق وشكّ لا حق الّا انّ هذا الشكّ فى القاعدة موضوع للحكم وسبب له بعد العلم بثبوت مقتضى العقاب ويترتّب الحكم بوجوب الاحتياط على نفسه وفى الاستصحاب ليس له دخل الّا فى الحكم ببقاء المتيقّن وهو الواقع المشكوك واذا ظهر أنّ موضوع حكم العقل بوجوب الاحتياط هو الشكّ يتّضح سرّ عدم جريان الاستصحاب فى هذا الحكم وهو انّ العقل لا حيرة له فى حكمه وانشائه فكما انّ إنشاءات العقل فى المستقلّات العقليّة غير قابلة للشكّ فكذلك فيما يرشد اليه من الاحكام من باب المقدّمة لدفع ضرر او جلب منفعة وهذا لا يختصّ بالحكم العقلىّ بل كلّ حاكم لا يعقل تردّده وتحيّره فى حكمه شرعا كان او عقلا او غيرهما والجهل انّما هو وظيفة المأمور لا الأمر بل حكم العقل بلزوم التخلّص عن العقاب حكم واقعىّ غير مأخوذ فيه الشكّ غاية الامر انّه قد يوجد فى حال الشكّ من جهة وجود مناطه فى هذه الحالة لا من جهة كون الشكّ مأخوذا فى موضوعه حقيقة وليس هناك حكم واقعىّ آخر حتّى يجرى فيه الاستصحاب فاذا استقل العقل بوجوب الاحتياط عند الشكّ فى المامور به فكيف يصحّ معه التّمسك باستصحاب ذلك الحكم العقلىّ مع انّه لا يتمسّك به الّا فى مورد اشتباه الحكم والعقل

٦٢٥

انّما حكم بوجوب الاحتياط ابتداء لعلّة موجودة بعينها فى الزّمان اللّاحق وهى دفع ضرر العقاب المقطوع فليس للعقل شكّ فى الحكم بوجوب الاحتياط حتّى يكون موردا للاستصحاب ولو قطعنا النّظر عمّا ذكرنا من استحالة استصحاب الاشتغال العقلىّ فهنا محذور آخر وهو انّ استصحاب بقاء الاشتغال عند اشتباه القبلة مثلا لا يترتّب عليه اثر شرعىّ ووجوب الاطاعة وحرمة المخالفة المستلزم لتكرير الصّلاة ليس من لوازم بقاء الاشتغال شرعا وعقلا وعادة وهذا القسم من المثبت لم نعثر على قائل باعتباره فان قيل انّ وجوب الاطاعة وان لم يكن من اللوازم الشرعيّة لكنّه لازم عقلىّ قيل نعم لكن استلزامه لوجوب تكرير الصّلاة ليس الّا من اللوازم الاتّفاقيّة وكذا كلّ مورد جرت فيه قاعدة البراءة لا يجرى فيه استصحابها لما عرفت فانّ الشكّ فى التكليف بنفسه علّة تامّة للحكم بنفى العقاب نظرا الى قبح التكليف من غير بيان وإعلام والعلم والجهل وان لم يكن لهما دخل فى تبديل الاحكام الواقعيّة بناء على مذهب اهل الصواب من التخطئة الّا انّهما موضوعان لحكم العقل فى باب استحقاق العقاب وتنجّز التكليف وعدمه فاذا أنيطت قاعدة البراءة بعدم العلم بالتكليف وحصل القطع منه بعدم استحقاق العقاب فما الفائدة فى استصحاب البراءة وكيف يجرى مع فرض القطع بوجود المستصحب فى الزمان اللّاحق وهو عدم استحقاق العقاب والاستصحاب لا يكون الّا عند الاشتباه والشكّ ولا شكّ هاهنا للقطع بعدم العقاب من نفس الشكّ نعم قد أشرنا فى الامر السابق بجريان الاستصحاب اذا كان ما يثبته غير ما يثبته القاعدة كما فى قاعدة الطّهارة والحلّ واستصحابهما فانّ القاعدة لا تثبت الطّهارة والحليّة الواقعيّة بخلاف الاستصحاب فانّ مفاده بقاء الطّهارة والحليّة الواقعيّة والحاصل انّه يعتبر فى الاستصحاب ان يكون الاثر الّذى يراد اثباته به مترتّبا على نفس الواقع المشكوك لا على الشكّ اذ لو كان الحكم مترتّبا على نفس الشكّ فبنفس الشكّ يترتّب الاثر ولا حاجة الى احراز المتيقّن بالاستصحاب فانّ الاستصحاب انّما شرّع للتعبّد ببقاء المتيقّن وتنزيل المشكوك فيه منزلته فاذا فرض انّ الاثر مرتّب على نفس الشكّ فلا معنى للتعبّد ببقاء المتيقّن فانّه يلزم التعبّد بما هو محرز بالوجدان وهذا أسوأ حالا من الامر بتحصيل الحاصل لانّه انّما هو فيما اذا كان المحصّل للحاصل من سنخ الحاصل كاحراز المحرز بالوجدان بالوجدان او المحرز بالتعبّد بالتعبّد واين هذا من احراز المحرز بالوجدان بالاصل والتعبّد بل قد عرفت ان ليس وراء هذا الحكم من العقل حكم واقعىّ كما فى قاعدة الطّهارة والحلّ حتّى يكون موردا للاستصحاب فإن قيل انّ هذا كلّه فيما لو اريد استصحاب حكم العقل وامّا اذا اريد استصحاب اشتغال الذّمة وبراءتها من التكليف المتيقّنة حال الصغر وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه الّذى يعبّر عنه بالبراءة الاصليّة فلا مانع من استصحابهما لوجودهما بحسب الواقع مع قطع النظر عن العلم والجهل قيل انّ الاستصحاب المذكور بناء على القول به من باب التعبّد بالاخبار غير جار لانّ المقصود من هذا الاستصحاب اثبات المؤاخذة واستحقاق العقاب او نفيه فى الزّمان اللّاحق ولا يمكن ترتّبه لعدم كون استحقاق العقاب و

٦٢٦

عدمه من الاحكام الشرعيّة القابلة للجعل والتشريع وقد عرفت فيما مرّ انّ الاستصحاب بناء على اخذه من الاخبار لا يترتّب عليه الّا ما كان من الاحكام والمحمولات الشرعيّة الاوليّة للمستصحب ولا يترتّب عليه اللّوازم العقليّة او العاديّة او العرفيّة او ما كان من الاحكام الشرعيّة الغير المحمولة على المستصحب بالحمل الاوّلى بل بواسطة لازم غير شرعى ولا يصحّ جعل المستصحب نفس استحقاق العقاب وعدمه لان استحقاق العقاب ليس حكما شرعيّا ولا موضوعا ذا اثر شرعىّ حتّى يحكم ببقاء ذاك الأثر مضافا إلى انّ استصحاب البراءة الاصليّة غير جار مطلقا سواء كان حجيّة الاستصحاب من باب التعبّد او الظّن وذلك لتغيّر موضوع المستصحب وعدم بقائه فى الزمان اللّاحق وذلك لانّ البراءة المذكورة كانت ثابتة فى حقّ الصغير وبوصف عدم البلوغ ودعوى أنّ العرف يرى بقاء الموضوع فى استصحاب الامر الثابت حال الصّغر ولو مسامحة خصوصا بناء على حجيّة الاستصحاب من باب التعبّد بالاخبار لصدق النقض بعد حكم العرف ببقاء الموضوع غير مسموعة فان قلت نستصحب الاذن والترخيص الثابت حال الصّغر ومع ثبوت الاذن فى الحال بالاستصحاب يقطع العقل بعدم استحقاق العقاب من دون نظر الى كونه لازما عقليّا ونفس الاذن واقعيّا كان ام ظاهريّا كاف فى القطع بعدم استحقاق العقاب قلت مضافا الى ما عرفت من تغيّر موضوع المستصحب وعدم بقائه فى الزمان اللّاحق انّه من اين علم ثبوت الاذن والترخيص فى حال الصّغر مع احتمال كون الفعل حراما غاية الامر رفع قلم التكليف عن الصغير لا ثبوت الاذن والحكم بالاباحة فى المحرّمات ثمّ انّ هذا كلّه فى الاحكام المترتّبة على وصفى العلم والشكّ وامّا الاحكام المحمولة على الوجوب الواقعى وعدمه فيجرى الاستصحاب فى نفس التكليف وعدمه بلا كلام وكذا لا مانع من الاستصحاب فى مسئلة جواز التطوّع بالنافلة قبل دخول وقت الفريضة وعدمه بعده فانّ من شكّ فى دخول وقت الفريضة واراد النافلة يجوز له استصحاب عدم دخول الوقت وعدم توجّه تكليف الفريضة اليه لاثبات جواز فعل النافلة مع صحّة اجراء اصالة البراءة عن وجوب الفريضة او حرمة النافلة فى حقّه ايضا وكذا من علم بتعلّق التكليف وشكّ فى الامتثال يستصحب بقائه لانّ بقائه ليس محرزا بالوجدان وبالاستصحاب يحرز بقاؤه وكذا الكلام في استصحاب عدم التكليف فما يقتضيه الاستصحاب لا يقتضيه قاعدة الشغل والبراءة لما عرفت من انّ قاعدة الشغل لا تثبت التكليف ولا تحرز بقائه وقاعدة البراءة العقليّة لا ترفع التكليف ولا تحرز عدمه وبما ذكرناي متاز مورد القاعدتين عن مورد الاستصحاب ويظهر عدم اجتماعهما فانّ مورد القاعدتين هو ما اذا كان الاثر الّذى يراد اثباته مترتّبا على نفس الشكّ من دون مدخليّة للواقع المشكوك ومورد الاستصحاب هو ما اذا كان الاثر مترتّبا على نفس الواقع الامر الثامن الفرق بين الاستصحاب وقاعدة المقتضى والمانع هو انّ فى القاعدة لا بدّ من اختلاف اليقين والشكّ بحسب متعلّقهما

٦٢٧

فمتعلّق اليقين هو وجود المقتضى ومتعلّق الشكّ هو وجود المانع وفى باب الاستصحاب يتعلّق الشكّ بعين ما تعلّق به اليقين كما هو الحال فيما سيأتى من قاعدة اليقين المسمّاة بالشكّ السّاري ويعتبر فى الاولى اجتماع الشكّ واليقين وكذا المتيقّن والمشكوك فى الزّمان لانّ فى زمان اليقين بوجود المقتضى يشكّ فى وجود المانع وأمّا الاستصحاب فقد عرفت انّه يعتبر فيه اختلاف زمان المتيقّن والمشكوك كما ان الشكّ السارى يعتبر فيه اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك واختلاف زمان اليقين والشكّ وما استدلّ به من الاخبار على عدم نقض اليقين بالشكّ كما لا يمكن ان يكون ناظرا الى الاستصحاب والى قاعدة اليقين كذلك لا يمكن ان يكون ناظرا الى احدهما والى قاعدة المقتضى والمانع ثمّ لا يخفى انّه لا دليل ظاهرا على اعتبار قاعدة المقتضى والمانع لانّه امّا ان يراد من المقتضى ما يقتضى وجود الاثر التكوينى كاقتضاء النار للاحراق ومن المانع ما يمنع عن تأثير المقتضى كالماء المانع عن تأثير النار وامّا ان يراد بهما ما يقتضى الاثر وما يمنع عن تأثيره تشريعا فيكون كلّ منهما شرعيّا كالقول بانّ الشارع جعل ملاقات الماء للنّجاسة مقتضية للتنجيس وكرّية الماء مانعة عنه فيجب البناء على طبق المقتضى وتأثير الملاقاة فى نجاسة الماء الى ان يثبت المانع وهو الكرّية وإمّا أن يراد من المقتضى الملاك المقتضى لتشريع الحكم ومن المانع ما يمنع عن تشريعه كما يقال انّ العلم يقتضى ملاكا وجوب الاكرام والفسق مانع عنه كذلك فيجب البناء على وجوب اكرام عالم يشكّ فى فسقه وعلى كلّ من هذه الفروض لا دليل على اعتباره امّا الاخبار فهى ناظرة الى الاستصحاب ودعوى حصول الظّن ممنوعة من حيث الصغرى اوّلا ومن حيث الحجيّة ثانيا كما هو واضح وقد استدلّ بعض من قال باعتبار القاعدة الى بناء العقلاء على الاخذ بالحالة السابقة عند احراز المقتضى ولكنّه وهم فانّ بناء العقلاء على ذلك انّما هو بعد العلم بتأثير المقتضى وحصول الاثر ومورد القاعدة كما عرفت انّما هو فيما علم بوجود المقتضى ولم يعلم بتأثيره ثمّ لا يخفى ايضا انّ ما تقدّم من المصنّف من عدم حجيّة الاستصحاب عند الشكّ فى المقتضى لا يريد به ما هو المراد من المقتضى فى قاعدة المقتضى والمانع سواء اريد منه المقتضى التكوينى او الشرعى او الملاكى بل مراده انّما هو مقدار قابليّة المستصحب للبقاء بحسب الزّمان فلا تغفل الامر التّاسع لا اشكال فى جريان الاستصحاب المصطلح فيما كان المستصحب محرزا باليقين الوجدانى والصّواب كما هو المعروف بين الاصحاب عدم الفرق بين ما كان المستصحب كذلك وما كان محرزا بغيره مط من الطرق والأمارات والاصول المحرزة وغيرها فانّ المراد من اليقين فى اخبار الاستصحاب ليس هو اليقين الوجدانى فقط بل كلّ ما يكون محرزا للمستصحب باحد وجوه الاحراز من اليقين الوجداني او ما هو بمنزلته او غيرهما وذلك لانّ الظاهر من اليقين فى قوله ع لا تنقض اليقين بالشكّ انّه لم يلاحظ من حيث كونه صفة قائمة بالنّفس بل لوحظ امّا من حيث كونه طريقا وكاشفا عن المتيقّن فتقوم الامارات والاصول المحرزة مقامه وامّا من حيث كونه موجبا لتنجّز الاحكام عند المصادفة والمعذوريّة عند المخالفة فتقوم

٦٢٨

الامارات والاصول مط المحرزة وغيرها مقامه ومن الظاهران الثانى موقوف على اخذ اليقين فى اخبار الاستصحاب موضوعا من حيث اقتضائه التنجيز والمعذوريّة ولا اشكال فيه فلو قام طريق او امارة على ثبوت حكم او موضوع ذى حكم ثمّ شكّ فى بقاء ذاك الحكم او الموضوع الّذى ادّت اليه الامارة والطريق كان استصحاب بقاء المؤدّى فى محلّه لانّ المستصحب قد احرز بقيام الامارة عليه وكذا الكلام فيما احرز بالاصل وبالجملة الظّاهر انّ المراد من اليقين فى اخبار الباب هو الحجّة المعتبرة ودخل اليقين فى جريان الاستصحاب لا شبهة فيه الّا انّه ليس على وجه يكون مختصّا باليقين الطريقى بل يشمل كلّ ما تيقّن ثبوته ولو بامارة او اصل ويشهد بذلك قوله ع ينقضه بيقين آخر فانّه لا شبهة فى كونه اعمّ فليكن قوله ع لا ينقض اليقين ابدا بالشكّ كذلك فلا فرق فى مجرى الاستصحاب بين اليقين وما قامت عليه الحجّة فكما يصحّ ان يقال لا تنقض اليقين بالشّيء بالشكّ فيه فكذلك يصحّ ان يقال لا تنقض ما قامت الحجّة المعتبرة عليه عند الشكّ فى بقائه وكما يكون المقصود فى الاوّل ترتيب آثار المتيقّن فكذا يكون المراد فى الثانى ترتيب آثار الحجّة المعلومة عند الشكّ فى بقاء ما قامت عليه بمعنى انّه يجب فى مقام العمل ان يكون الشاكّ كمن قامت الحجّة لديه ويبنى على الحالة الّتى كانت الحجّة قائمة وان كانت الحجّة قاصرة عن الدلالة على الثبوت فى الحالة الثانية فاذا كانت الحجّة قائمة على الوجوب او الاباحة فى الزمان الاوّل يجب فى الزّمان الثانى البناء على وجود الحجّة والالتزام بآثارها وقد استشكل بعض الاعلام فى جريان الاستصحاب فى مؤدّى الأمارات وتقريره انّ الاحكام الّتى قامت الامارة على ثبوتها ولم يكن لها اطلاق او عموم يدلّ على بقاء الحكم فى الزّمان الثانى كان الحكم الظاهرى متيقّن الثبوت فى الزمان الاوّل ومتيقّن الارتفاع فى الزمان الثّانى سواء قلنا بكون الحجّة الشرعيّة كالحجّة العقليّة من القطع او الظّن فى حال الانسداد على تقرير الحكومة او قلنا بكونها موجبة لانشاء حكم فعلىّ فى مورده فعلى القول بالاوّل يكون من الواضح القطع بعدم الحكم الفعلى فى الزّمان الثانى فانّ عليه ليست قضيّة جعل الامارة على اختلاف لسان ادلّة جعلها الّا تنجّز الواقع بها فى صورة الموافقة وصحّة الاعتذار بها فى صورة المخالفة كما انّ ذلك هو قضيّة حجيّة الظّن فى حال الانسداد على تقرير الحكومة فانّ مظنون الوجوب لو كان موافقا للواقع كان ممّا يجب اتّباعه وتحرم مخالفته ولو كان مخالفا للواقع صحّ الاعتذار به ويكون للعبد حجّة على المولى واذا كان هذا قضيّة الجعل فلا حكم للعقل بوجوب الاتّباع فى الزّمان الثانى لانّ الحجّة قامت على الوجوب فى الزمان الاوّل ولم يكن لها حسب الفرض اطلاق يدلّ على وجوب الشيء فى الزمان الثّانى ويقطع بانتفاء الحكم الفعلى فى الزّمان الثانى ويكون حدوثه فى الزّمان الاوّل مشكوكا فلا يقين بالحكم فى كلا الزمانين وينحصر مجرى الاستصحاب بما اذا قام الاجماع المحقّق على حكم فعلىّ او كان الحكم مستكشفا باليقين وفى غير هذين الموردين ممّا كان المثبت للحكم هو الطريق المجعول فلا مجال للاستصحاب حيث انّ مع قيام الامارة على وجوب

٦٢٩

قراءة السّورة او وجوب الصّوم فى يوم الخميس مثلا لا يقين بالحكم الواقعى ولا بحكم آخر فعلىّ ويكون انتفاء الحكم فى الزّمان الثانى مقطوعا به وعلى القول الثّانى فلانّ الاحكام الفعليّة الّتى تؤدّى الامارة اليها وتحدث من قبلها لا يمكن ان تكون ازيد من مدلول الأمارة والمفروض انّه لا دلالة لها على ثبوت مؤدّيها فى الزمان الثانى فالحكم الفعلىّ الّذى ادّت الامارة اليه لا يكون ثابتا الّا فى الزمان الاوّل والحكم الواقعىّ لم يعلم ثبوته من اوّل الامر وهو مشكوك الحدوث فالحكم فى الزمان الثانى مقطوع الارتفاع لاستحالة ان يكون الحكم الفعلىّ ازيد من مقدار دلالة الدّليل فان قيل انّ القطع بالانتفاء لا يحصل الّا بدلالة الامارة عليه فى الزمان الثّانى ومن المعلوم عدم الدّلالة لها كذلك فكيف يدّعى القطع بالانتفاء قيل قد قلنا انّ على هذا القول يحدث حكما فى مورد الامارة بالمقدار الّذى يصلح ان يكون دليلا عليه ففى صورة الموافقة مع الواقع يكون الثابت فعلا هو الحكم الواقعى ولا يكون هذا ثابتا فى ازيد ممّا دلّ عليه الدليل بل المرجع فى الزّائد عن مقدار دلالته هو حديث الرّفع وفى صورة المخالفة يفيد الامارة حكما فعليّا ظاهريّا بمقدار دلالتها ولا حكم قطعا فى الزّائد عن ذلك فالحكم الفعليّ المدلول عليه بالامارة لا يكون فى الزّائد عن مقدار دلالتها سواء كان الحكم المذكور ظاهريّا كما فى صورة المخالفة او واقعيّا كما فى صورة الموافقة فإن قيل لا يكون حال الامارة المعتبرة الّا كحال القطع فكما يستصحب الحكم المقطوع به فى الزّمان الاوّل عند الشكّ فكذلك يستصحب الحكم الّذى قامت الامارة عليه قيل ليس القياس فى محلّه فان متعلّق القطع هو الواقع ويكون الواقع ببركته حكما فعليّا ومتيقّنا فى الزّمان الاوّل ومشكوكا فى الزمان الثّانى وهذا بخلاف الحكم الّذى يحدث من قبل الامارة فانّه وان كان حكما فعليّا الّا انّا نقطع بانتفائه فى الزّمان الثانى ولا يكون حكم فعلىّ آخر يحتمل بقاؤه والحاصل انّ مقتضى ما ذكر عدم صحّة استصحاب الحكم الّذى قامت الامارة على ثبوته من غير فرق بين القول بكونها كالحجّة العقليّة والقول بانّ مفادها حكم انشائىّ ظاهرىّ وقد رام التفصّى عن الاشكال المزبور فى الكفاية بما هذا لفظه هل يكفى فى صحّة الاستصحاب الشكّ فى بقاء شيء على تقدير ثبوته وان لم يحرز ثبوت فيما رتّب عليه اثر شرعا او عقلا اشكال من عدم احراز الثبوت فلا يقين ولا بدّ منه ولا شكّ فانّه على تقدير لم يثبت ومن انّ اعتبار اليقين انّما هو لاجل انّ التعبّد والتنزيل شرعا انّما هو فى البقاء لا فى الحدوث فيكفى الشكّ فيه على تقدير الثّبوت فيتعبّد به على هذا التقدير فيترتّب عليه الاثر فعلا فيما كان هناك أثر وهذا هو الأظهر وبه يمكن ان يذبّ عمّا فى استصحاب الاحكام الّتى قامت الامارات المعتبرة على مجرّد ثبوتها وقد شكّ فى بقائها على تقدير ثبوتها من الاشكال بانّه لا يقين بالحكم الواقعىّ ولا يكون هناك حكم آخر فعلىّ الى ان قال ووجه الذبّ بذلك انّ الحكم الواقعىّ الّذى هو مؤدّى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون الحجّة على ثبوته حجّة على بقائه تعبّدا للملازمة بينه وبين ثبوته واقعا إن قلت كيف وقد اخذ اليقين بالشّيء فى

٦٣٠

التعبّد ببقائه فى الاخبار ولا يقين فى فرض تقدير الثّبوت قلت نعم ولكنّ الظاهر انّه اخذ كشفا عنه ومرآتا لثبوته ليكون التعبّد فى بقائه والتعبّد مع فرض ثبوته انّما يكون فى بقائه فافهم انتهى وتوضيحه أنّه ليس لليقين بالحدوث دخل فى هذا الحكم التعبّدى بل المعتبر فى الاستصحاب هو الشكّ فى البقاء على تقدير الثبوت فيقال انّه لو كان المستصحب ثابتا فى الزمان السابق فهو محكوم بالبقاء فى الزّمان اللّاحق ضرورة عدم توقّف صدق القضيّة على صدق طرفيها ويكون ذكر اليقين لمجرّد صحّة استناد الانتقاض اليه والاشارة الى انّ موضوع الاستصحاب التعبّد بالبقاء لا الحدوث وبعبارة اخرى ليس التعبّد بالبقاء فى خصوص ما احرز الثبوت باليقين بل التعبّد بالحكم انّما هو على تقدير الثبوت وان لم يكن محرزا فالشّارع اوقع الملازمة بين هذا الحكم التعبّدى والثبوت فى الواقع فيكون ثبوته ملازما لبقائه تعبّدا فعلى القول بكون الحجّة الشرعيّة كالحجّة العقليّة او انّها موجبة لانشاء حكم فعلىّ طريقىّ فى مورده وان لم يكن يقين بالحكم الواقعى فى الزّمان السّابق بالبيان المتقدّم الّا انّه لا يعتبر فى الاستصحاب الّا الشكّ فى البقاء على تقدير الثبوت وهذا موجود فيما قامت الامارة على ثبوته فانّه يشكّ فى بقاء هذا الحكم على تقدير ثبوته ويكفى فى بقائه مجرّد ثبوته ويكون الدليل على الثبوت دليلا على البقاء بالاستصحاب وان شئت قلت انّ الحكم الواقعىّ الّذى هو مؤدّى الطريق يحكم ببقائه فى الزّمان اللّاحق وان لم يعلم بثبوته فى الزّمان السّابق والطريق كما دلّ على ثبوته فى الزمان السّابق يدلّ على بقائه فى الزّمان اللّاحق لما ثبت من التلازم بينه وبين البقاء فيكون الحكم فعليّا فى الزّمان الاوّل بواسطة الامارة وفعليّا فى الزّمان الثانى بواسطة الملازمة وهذا الجواب في غاية الضّعف فانّه تصرّف وتاويل فى اخبار الباب من دون قرينة والظّاهر منها هو خصوص اليقين الفعلى كما هو الحال فى الشكّ مضافا الى انّ الاستصحاب وان كان هو التعبّد بالبقاء فى حال الشكّ الّا انّه ليس الّا تعبّدا فى تلك الحال ببقاء ما ثبت ولا معنى للتعبّد بالبقاء على تقدير الثبوت فانّ الملازمة كالسببيّة غير قابلة للجعل الشرعىّ وما يقبله هو التعبّد بوجود شيء على تقدير آخر فينتزع منه السببيّة والملازمة والتحقيق ما عرفت بما لا مزيد عليه من انّ الظاهر كون المراد من اليقين فى اخبار الباب هو الحجّة المعتبرة فلا اشكال اصلا حتّى يحتاج الى حلّه والذبّ عنه ومن العجب قول المستشكل انّ الحكم الّذى قامت الامارة على ثبوته متيقّن الارتفاع فى الزّمان اللّاحق لانّ المفروض عدم دلالتها على ثبوت مؤدّيها الّا فى الزّمان السّابق وكذا على القول بانّ قضيّة جعل الامارة ليست الّا تنجّز الواقع بها فانّ المفروض قيام الحجّة فى الزّمان الاوّل فانّ ما تيقّن ثبوته بالامارة او بالاصل واحرز بهما فى زمان نشكّ فى بقائه فى الزّمان الثانى من حيث هو لا من حيث انّه مؤدّى الامارة كما هو الحال فى المحرز باليقين الوجدانى فانّ المستصحب هو ذات المتيقّن لا من حيث تعلّق اليقين به والّا فهو

٦٣١

مقطوع الارتفاع بهذا الوصف فى الزّمان الثانى ثمّ على تقدير تسليم الاشكال يمكن التفصّى عنه بناء على انّ مفاد الامارة هو احداث حكم فعلىّ من دون ان نلتزم بانّ الاستصحاب هو التعبّد بالبقاء لا فى الحدوث ويكفى فيه الشكّ على تقدير الثّبوت بان يقال انّ جنس الحكم الّذى كان مؤدّى الأمارة يحتمل بقائه وتردّد الجنس بين متيقّن الارتفاع ومشكوك الحدوث غير ضائر فى استصحابه لكونه من القسم الثانى من استصحاب الكلّى الّذى قد عرفت جريان الاستصحاب فيه فالحكم الواقعى وان لم يتعلّق به اليقين ولم يكن متيقّنا الّا انّ الامارة تحتمل ان تكون مصيبة وان تكون مخطئة فهناك فرد ان من الحكم احدهما متيقّن الارتفاع والآخر مشكوك الحدوث ويستصحب الكلّى المشترك بينهما لانّه متيقّن الحدوث فى الزمان الاوّل ويشكّ فى بقائه غاية الامر انّه لا يترتّب عليه ما هو من آثار الفردين اى الحكم الواقعى والحكم الفعلىّ الّذى ادّت اليه الامارة ويكون الحكم فعليّا فى الزّمانين فى الزّمان الاوّل من جهة الامارة وفى الزّمان الثّانى من جهة الاستصحاب بقي شيء لا بدّ من التنبيه عليه وهو ثبوت الاشكال بل المنع فى جريان الاستصحاب فيما كان محرزا بالاستصحاب اذا شكّ فى بقاء المستصحب كما اذا كان الشيء مستصحب الطّهارة ثمّ طرأ ما يوجب الشكّ فى بقائها وجه الاشكال هو انّ العلم بالخلاف ماخوذ غاية فى مطلق الاصول المحرزة وغيرها فالمجعول حال الشكّ الاوّل هو بنفسه باق ومستمرّ الى ان ينكشف خلافه ويحصل اليقين به واذا شكّ فى بقاء المستصحب لاحتمال طروّ رافعه كان الحكم هو المستصحب الاوّلى ولا معنى لاستصحابه فلا يتوهّم انّ هنا يقين وشكّ غير اليقين والشكّ السابقين فانّه وان كان الامر كذلك الّا انّ المجعول بالاستصحاب فى الشكّ الاوّل باق الى ان يعلم بالخلاف والمفروض عدمه ويتاكّد هذا الاشكال فى استصحاب مؤدّى الاصول الغير المحرزة كما اذا كانت طهارة الشّيء او حليّته مؤدّى اصالة الطّهارة او الحليّة ثمّ شكّ فى بقاء الطهارة او الحليّة لاحتمال طروّ النجاسة او الحرمة فانّ عند طروّ الشكّ الثانى تجرى نفس القاعدة من اصالة الطهارة او الحليّة فانّ الموضوع فيهما نفس الشكّ ولا معنى لاستصحاب الحكم المترتّب على نفس الشكّ فانّه يكون ح من احراز ما هو محرز بالوجدان بالاصل وقد مرّ الكلام فى ذلك مفصّلا إلّا انّ المنع عن جريان الاستصحاب فى مؤدّى الاصول من هذه الجهة لا ربط له بالاشكال السابق وهو المنع عن الاستصحاب من حيث عدم اليقين بثبوت المستصحب فى السابق فلا تغفل وبالجملة لا اشكال فى جريان الاستصحاب فى مؤدّيات الطرق والأمارات ثمّ لا يخفى انّ قوله ع ولا ينقض اليقين ابدا بالشكّ ولكن ينقضه بيقين آخر فيه احتمالات الأوّل ان يراد من اليقين اليقين الوجدانى خاصّة فى المقامين ومن الشكّ تساوى الاحتمالين خاصّة الثّانى ان يراد من اليقين الاوّل ما يعمّ الوجدانى ومن الشكّ مطلق غير اليقين حتّى يعمّ الظّن الغير المعتبر ومن اليقين الثانى خصوص الوجدانى الثالث أن يراد من اليقين فى المقامين ما يعمّ غير الوجدانى ومن الشكّ مطلق غير اليقين وفى بادى النظر وان كان الظّاهر هو الاحتمال الاوّل الّا انّ المعروف بل المقطوع به بين الاصحاب هو الثالث ولا ريب فى انّه المراد من اليقين والشكّ الواردين فى اخبار الباب و

٦٣٢

يتّضح ذلك بما ذكرنا فى المقام وبما افاده المصنّف ره فى التنبيه الثانى عشر ويبقى الكلام فى انّ الخروج باليقين الثانى عن الاوّل هل هو بالتخصيص والاخراج الحكمى او بالورود والتخصّص والاخراج الموضوعى او يكون لاجل حكومته عليه وستطّلع على ما هو الصّواب من ذلك فى ثالث الامور الّتى نبّه ره عليها فى عنوان الخاتمة الامر العاشر الظاهر من اخبار الاستصحاب هو اجراء حكم اليقين فى مورد الشكّ فلو كان المتيقّن حكما كان اللازم ابقائه فى حال الشكّ ولو كان موضوعا كان اللازم ابقائه كذلك بمعنى اعتبار وجوده وبقائه بترتيب آثاره الشرعيّة فلا يجوز الاستصحاب اذا كان الغرض اثبات آثار وجود المتاخّر المشكوك فى حال اليقين فلو ظهر للمرأة دم ولم تدر انّه يبقى ثلاثة ايّام ام لا لا يجوز استصحاب بقاء الدّم اليها قبل انقضائها والحكم بالحيضيّة وكذا حكم الشكوك فى الصّلاة بناء على وجوب التروّى واعمال حكم الشكّ بعد بقائه فان حدث الشكّ لا يجوز بمجرّد ذلك استصحاب بقائه بعد التروّى والعمل بما يقتضيه حكم الشكّ عند حدوثه وتوهّم صحّة الاستصحاب فى المثالين من حيث وجود ركنيه وهما اليقين والشكّ المتعلّقان بزمانين فاسد من وجوه أحدها ما اشرنا اليه من انّه اثبات لآثار وجود المشكوك فى حال وجود المتيقّن لا آثار المتيقّن فى زمان المشكوك الّذى هو ظاهر الأخبار توضيح ذلك انّ اليقين والشكّ قد يلحظان فرضيّين كما لو كان محدثا ويفرض انّه لو كان متطهّرا يقينا ثمّ خرج منه بلل مشتبه يوجب الشكّ فى نقضه للطهارة وقد يكون اليقين فعليّا والشكّ فرضيّا كما لو كان متيقّنا بالطّهارة وفى حال اليقين بها يشكّ فى بقائها بعد ساعة وفى هذا يكون تعلّق اليقين والشكّ بالطّهارة مقيّدة بالقيدين اى يكون متعلّق اليقين فعليّا والشكّ يكون قبل حصول المشكوك والمقام من هذا القبيل والقسمان خارجان عن مدلول اخبار الاستصحاب ويكون اليقين والشكّ فيهما مجتمعين وقد يكونان فعليّين كما لو كان متيقّنا بالطّهارة وبعد ساعة شكّ فى حدوث الرافع ولا يجتمع اليقين والشكّ الّا مع اختلاف زمان وجود المتعلّقين بان كان زمان متعلّق اليقين قبل زمان وجود المشكوك ويكون حصول الشكّ بعد زمان وجوده وهذا هو مورد الرّوايات ثانيها ان تنزيل شيء منزلة شيء انّما يكون بلحاظ الاثر الثابت لذلك الشيء ولو فى زمان الشكّ والمسألتان ليستا من هذا القبيل فانّ الاثر ليس للشكّ الحادث بمجرّد حدوثه ولمجرّد وجود الدّم بل الاثر للشكّ الباقى بعد التروّى والدّم المستمرّ الى ثلاثة أيّام ثالثها أنّ الحكم بالحيضيّة مترتّب على استمرار الدّم الى ثلاثة ايّام واستصحاب نفس الدّم الى تلك المدّة لترتيب الاثر المذكور من المثبت ومثله التروّى.

قوله (والتّحقيق رجوع الكلّ الى شروط جريان الاستصحاب) الانصاف انّ عدم المعارض ووجوب الفحص من شرائط العمل نعم لو كان المراد عن المعارض ما يكون حاكما على الاستصحاب لا اشكال فى انّه يصير عدم المعارض من شرائط الجريان ولكن اطلاق المعارض عليه فى غير محلّه.

قوله (مثل ان يشكّ فى عدالة

٦٣٣

مجتهده) حيث انّ الشكّ فى العدالة مسبّب عن الشكّ فى ارتكاب المعصية والشكّ فى حياته مسبب عن شيء آخر فهنا شكّان ومشكوكان من غير ان يرتبط احدهما بالآخر قوله (حتّى يترتّب على وجوده الاستصحابى فتامّل) الظاهر انّه اشارة الى دقّة ما ذكره اخيرا من انّ الحاكم ببقاء الموضوع بالقطع فى استصحاب الحكم هو العقل وانّ الاستصحاب من دون القطع ببقاء الموضوع غير معقول وانّ صحّة الاستصحاب اثر عقلىّ لا يترتّب الّا على الموضوع المحقّق فاذا كان الشكّ فى بقاء الموضوع مانعا عن جريان استصحاب الحكم عقلا لم يؤثّر استصحاب الموضوع فى رفع المانع عقلا لاستحالة ارتفاع الشكّ بالاستصحاب وليس صحّة استصحاب الحكم اثرا شرعيّا لبقاء الموضوع وامرا مجعولا مترتّبا عليه كترتّب النجاسة على التغيّر حتّى يفيد استصحابه فى ترتيب هذا الاثر فلا يتوهّم انّ استصحاب الموضوع واحراز بقائه بالاصل كاف فى صحّة استصحاب الحكم لا يقال اذا كان احراز الموضوع لازما فى الاستصحاب بطريق القطع بحكم العقل فلم جوّزتم استصحاب الحكم فى القسم الاوّل محمولا على تقدير بقاء الموضوع مع كون الموضوع فيه مشكوكا فانّه يقال استصحاب الحكم على تقدير بقاء موضوعه هناك لم يكن منافيا لاعتبار بقاء الموضوع باليقين لانّ الشكّ فى الحكم هناك حيث لم يكن مسبّبا عن الشكّ فى الموضوع كان الموضوع محرزا باليقين فى استصحاب الحكم على تقدير موضوعه وبالجملة اجراء الاستصحاب فى المحمول مترتّبا على استصحاب الموضوع مع كون الحاكم بلزوم احرازه هو العقل امر غير معقول قوله (الّا بناء على القول بالاصل المثبت) فانّ استصحاب الموضوع المردّد بين ما هو مرتفع قطعا وما هو باق جزما نظير استصحاب الحيوان المردّد بين الفيل والعصفور لا يثبت الفرد الباقى الّا على القول بالاصل المثبت وعلى هذا القول حكم هذه الصّورة حكم الصورة الاولى من القسم الثانى لانّه بالاصل يعيّن الموضوع ويخرجه عن الاجمال ويثبت كون الباقى موضوعا وهذا كلّه على تقدير تسليم ان يكون هناك كلّى جامع بين الفردين يمكن استصحابه وهو ممنوع لوضوح انّ الدوران لم يكن من الدّوران بين الفردين لكلّى واحد قوله (نعم يجرى فى الموضوعات الخارجيّة) لما عرفت من انّ المعروض فى استصحاب وجود الموضوعات هو الماهيّة قوله (ثمّ ان بعض المتاخّرين) هو المحقّق السبزوارى قوله (قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف او غيره فافهم) اشارة الى عدم الفرق بين هذا المعنى الاخير والمعنى المتقدّم فيما هو المقصود فى المقام من لزوم احراز بقاء الموضوع فى الاستصحاب ومراعات العرف فى تشخيص ذلك فقولهم انّ الاحكام تدور مدار الأسماء يحتمل معنيين الاوّل تبعيّة الحكم لما استفيد انّه موضوعه علما او بقيام الظّن المعتبر سواء كانت الاستفادة من ظاهر الدليل او بقرينة خارجيّة فهذه القضيّة تعمّ ما هو المستفاد من ظاهر اللّفظ الوارد فى الدّليل بالوضع او بالقرينة انّه الموضوع للحكم وما هو المستفاد من الخارج انّه الموضوع الثّانى تبعيّة الحكم لما استفيد من ظاهر اللّفظ الوارد فى خصوص الدّليل انّه الموضوع الّا اذا قام دليل على خلافه من كلام

٦٣٤

الشارع او فهم العرف فهذه القضيّة تكون فى مقام تأسيس الاصل ولا ينافى الخروج عنه اذا قام قرينة على خلافه وحيث إنّا نعلم باجرائهم للاستصحاب فيما علم بقاء الموضوع الّذى استفيد ولو بقرينة خارجيّة انّه موضوع الحكم ولم يقتصروا فى ذلك على بقاء ما علم موضوعيّته من ظاهر الدّليل وعلمنا من ذلك انّ مقصودهم من تبعيّة الحكم للاسم ليس المنع عن الاستصحاب فيما علم ببقاء الموضوع الّذى استفيد من خارج كونه اعمّ من الواقع فى لفظ الدّليل فحينئذ يستقيم ان يراد من قولهم المعنى الثانى كما يستقيم ان يراد المعنى الاوّل وعلى كلّ من المعنيين يصحّ الرّجوع الى الاستصحاب فيما لو علم ببقاء الموضوع المستفاد كونه موضوعا ولو بقرينة خارجيّة ولا يصحّ فيما علم بارتفاعه او شكّ فى ذلك.

قوله (لكنّه لا يتمّ الّا على الاصل المثبت) لا يخفى انّ الاصل المثبت لا يختصّ بالاستصحاب وترتّب البقاء على الحدوث على تقدير ثبوته ليس من احكامه الشرعيّة بل من ملازماته العقليّة قوله (واضعف منه الاستدلال له بما سيجيء) وجه الأضعفيّة عدم مدرك لقاعدة اصالة الصحّة فى الاعتقاد كما سيظهر تفصيلا قوله (هو انّه اذا اعتقد المكلّف قصورا او تقصيرا) وهذا معنى ما اشتهر ان الشكّ السّارى لا اعتبار به.

قوله (تخصيص ادلّة الاستصحاب او من باب التخصّص) لا يخفى انّ التعبير بالتخصّص مسامحة والمناسب هو التعبير بالورود كما عبّر به فى مواضع من الكتاب قوله (وانّما المقابل له قيام دليل معتبر) وهو مفقود بالفرض كالبيّنة القائمة على موته.

قوله (وهذه الاخبار على تماميّتها) فانّ جماعة ذهبوا الى طرحها لاجل ضعفها وعملوا بعموم اخبار الاستصحاب والّا فعلى تقدير التماميّة وعدم ضعفها تكون اخصّ مطلقا من اخبار الاستصحاب فانّها تثبت حكما ظاهريّا فى بعض موارد عموم اخبار الاستصحاب فهى ايضا كالاستصحاب من الاصول واللّازم تقديم الخاصّ فتكون مخصّصة دالّة على وجوب البناء على موت المفقود بعد الفحص غير دالّة على موته حتّى تكون فى مقابل الاستصحاب قوله (مع انّه قد يقال انّها ح صارت مدعية لا تنفعها اليد) لا يخفى انّ الظاهر من هذه الرواية صدرا وذيلا انّ فاطمة عليها‌السلام باعتبار اليد كانت مدّعى عليها والمدّعى فى هذه الواقعة هم المسلمون امّا صدرها فانّ عليّا عليه‌السلام قال يا ابن ابى قحافة فما بال فاطمة سلام الله عليها سألتها البيّنة على ما فى يدها وقد ملكتها فى حيوة رسول الله ص وبعده ولم تسأل المسلمين البيّنة وامّا ذيلها فقوله ع رددت قول رسول الله ص البيّنة على المدّعى واليمين على من ادّعى عليه وحينئذ فدعواها على القاعدة وهو تلقّى الملك من رسول الله ص وهذا لا يقدح فى تشبّثها باليد ولم تعترف بتلقّى الملك من المسلمين حتّى يبطل بذلك اليد وتصير مدّعية نعم صدر الرواية قبل محاجّة علىّ ع ربما يوهم انّها مدّعية حيث انّها ع قالت لابى بكر لم تمنعنى ميراثى من ابى رسول الله ص وقد جعلها لى رسول

٦٣٥

الله ص بأمر الله فقال هاتى على ذلك الشهود إلخ فكان هذا منشأ توهّم من توهّم أنّها ع مدّعية لا تنفعها اليد الخ ولا يخفى عليك انّك قد عرفت انّ الرّواية صدرا وذيلا تدلّ على أنّها ع مدّعى عليها صريحا ووجه عدم محاجّتها علمها عليها‌السلام بانّ ابن ابى قحافة لا يمشى على طبق القاعدة واتيانها بالشّهود من دون محاجّة كان من باب المماشاة نعم لو ضمّ الى دعواها ع تلقّى الملك من رسول الله ص الدعوى الباطلة من ابى بكر وهى انّ الفدك لو لا انّه نحلة لفاطمة ع لكان ملكا للمسلمين بان تكون هذه المقدّمة مسلّمة امكن ان يقال إنّها ع حينئذ صارت مدّعية قوله (مقدّمة على الغلبة وحال اليد مع الغلبة) الظّاهر انّه غلط من الكاتب والصّحيح مع البيّنة وهذا واضح قوله (حال اصالة الحقيقة فى الاستعمال) فان اصالة الحقيقة وحمل اللّفظ عليها مقيّدة بعدم القرينة الصّارفة بل اصالة الظّهور والعمل بالظاهر مطلقا مقيّدة بعدم قيام القرينة الصّارفة وستطّلع على تحقيق ذلك إن شاء الله الله تعالى فى التّعادل والتراجيح.

قوله ومحلّ الراء من اكبر قيل الخ) يريد به صورة الوقف والّا فالرّاء المضمومة لا يوجب الفصل فيها الابتداء بالسّاكن قوله (ما يستفاد من الرواية ايضا مشكل فتامّل) الظّاهر انّه اشارة الى امكان منع ما ذكره من الالتفات الى الشكّ وعدم شمول الاخبار للمحل المعتاد فانّه بعد تسليم انّ التجاوز عن المحلّ ليس له حقيقة شرعيّة فهو كسائر الالفاظ الواردة فى الشّرع يرجع فيها الى فهم العرف فى استفادة المراد ومع استفادة التعميم بحكم اللّغة والعرف وظهور جملة وهو حين يتوضّأ اذكر فى انّ هذه القاعدة من باب تقديم الظّاهر على الاصل لا وجه لاحتمال انصراف الاخبار عن القسم الثّالث.

قوله (فانّ حالة عدم الاشتغال بهما يعدّ مغايرة لحالهما) فيه انّ هذا الكلام جار فى جميع الموارد لانّ على هذا حال الاشتغال مغاير لحال عدمه مضافا الى انّ الظّاهر من الغير غير هذا.

قوله (الموضع الخامس ذكر بعض الاساطين) هو كاشف الغطاء ره قوله (وما ابعد ما بينه وبين ما ذكره بعض الاصحاب) هو صاحب المدارك وكاشف اللثام فى مسئلة الشكّ فى الطهارة بعد الفراغ عن الطّواف الواجب قوله (بناء على انّ مورد السؤال الكون على الوضوء) وذلك امّا بظهور نفس الرواية سؤالا وجوابا فى ذلك وامّا بحملها عليه اذ لو كان مورد السؤال هو الكون على الوضوء واقعا ثمّ شكّ فى ذلك بسبب الشكّ فى عروض رافع كان الحكم هو الاستصحاب مطلقا سواء كان فى الاثناء او بعد الفراغ بالاجماع والتفصيل فى الجواب مناف للحكم المجمع عليه.

قوله (ومحلّ الكلام ما لا يرجع فيه الشكّ الى الشكّ) لا يخفى انّ الشكّ فى الصحّة وان كان دائما مسبّبا عن الشكّ فى الاتيان ببعض ما يعتبر شرطا او شطرا فى صحّة العمل الّا انّ ما اعتبر فى الصحّة قد يكون فعلا برأسه ويكون وجوده فى الخارج غير وجود المشروط وهذا القسم خارج عن محلّ الكلام اذ لا اشكال فى شمول القاعدة لنفس المشكوك وهو ما اعتبر فى الصحّة وبعد اجرائها فيه يرتفع الشكّ فى الصحّة بالنّسبة

٦٣٦

الى المشروط لانّ الشكّ فى صحّة المشروط مسبّب عن الشكّ فى اتيان الامر المشكوك وقد يكون متّحدا فى الوجود مع المشروط بحيث لا يعدّ ما اعتبر فى الصّحة فعلا مستقلّا برأسه كالمثال المذكور فى المتن وكذا الطمأنينة ونحوها وهذا هو محلّ الكلام.

قوله (والاستدلال به يظهر من المحقّق الثّانى) لا يخفى انّ الضمير يرجع الى الوجه المذكور ولا يصحّ ان يرجع الى الآية الثانية كما هو الظاهر فلا تغفل قوله (ولكن لا يخفى ما فيه من الضّعف) وذلك لانّ مورد التّمسك بالعمومات هو الشّبهات الحكميّة لا الشّبهات الموضوعيّة واصالة الصحّة فى فعل الغير وكذا فى فعل النفس الّتى تقدّم انّما هى فى الشّبهات الموضوعيّة قوله (واضعف منه دعوى الآيتين الاوليتين) فانّ المستفاد منهما حرمة ظنّ السّوء والنهى عن حمل فعل الغير المردّد بين كونه مباحا او معصية على المعصية وهو خارج عن محلّ الكلام للاجماع بل الضّرورة على عدم جوازه والمسألة المبحوث عنها هو حمل فعل المسلم على الصحّة بمعنى وجوب البناء على ترتّب الاثر المقصود من ذلك الفعل.

قوله (انماث الايمان فى قلبه) ماث فى الماء اى ذاب فيه واموثه موثا وموثانا فانمأث انمياثا قوله (ولكنّ الانصاف عدم دلالة هذه الاخبار) لانّها مسوقة لبيان ترك ظنّ السّوء بالمؤمن وكيفيّة المعاشرة مع الاخوان بحيث يوجب صفاء الباطن وخلوص المحبّة ولا دخل لها باصالة الصحّة المبحوث عنها وهو الحكم بكون الفعل ممّا يترتّب الأثر المقصود عليه ولا يتوهّم ظهور الرواية الاولى فى المقصود ببيان انّ ترتّب الاثر على الامر الصادر احسن من عدمه فيترتّب الاثر عليه من وضعه على احسنه فانّ من الواضح كون الجملة الاخيرة وهى قوله عليه‌السلام ولا تظنّن بكلمة خرجت من اخيك سوء تفسيرا للجملة الاولى وهذا هو الظهور السّياقى قوله (فانّ صرعة الاسترسال لا تستقال) الصرعة بفتح الصاد الوقوع وصرعته الدّابة اى طرحته والاسترسال الاستيناس والطمأنينة الى الانسان والثقة به فيما يحدّثه وحاصل المعنى انّ الوقوع على وجه الاسترسال لا يرجع وكانّه عثرة لا اقالة فيه قوله (فاذا حسدت فلا تبغ) البغى عبارة عن استعمال الحسد.

قوله (الرابع العقل المستقلّ الحاكم) والاشكال عليه بانّ لزوم الاختلال فى موارد خاصّة لا يستلزم حجيّة القاعدة فى جميع الموارد كما ترى اذ ليس المدار على لزوم الاختلال الشّخصى بل المدّعى انّ العقل يحكم بوجوب ما فى تركه الاختلال ولو نوعا وهذا هو الظّاهر من استدلال الامام عليه‌السلام فى رواية حفص لاثبات حجيّة اليد قوله (ويظهر ذلك من بعض من عاصرناه) هو المحقّق القمّى ره.

قوله حيث تمسّك فى الاصل بالغلبة) فانّ الغالب انّ الفاعل المسلم يفعل على وفق اعتقاده فمن الغلبة يظنّ فى مورد الشكّ انّه فعل على وفق اعتقاده وصرّح المحقّق القمّى فى مباحث الاجتهاد والتقليد وفى مسئلة الصحيح والاعمّ بانّ قاعدة الصحّة لا تثبت الصحّة الواقعيّة اذ

٦٣٧

غاية ما تفيده هو الصحّة عند الفاعل قوله (الى كلّ من استند فى هذا الاصل الى ظاهر حال المسلم) فانّ ظاهر حاله انّه لا يأتى الّا بما اعتقده صحيحا واتيانه لما هو خلاف ذلك خلاف الظّاهر وهذا لا يقتضى الحمل على الصحّة الواقعيّة.

قوله (لكن لم يعلم الفرق بين دعوى) هذا ايراد على المحقّق والعلّامة قوله (وان اختلفا بين من عارضها باصالة عدم البلوغ) فانّ العلّامة فى القواعد عارضها باصالة عدم البلوغ وضعّفها المحقّق الثانى فى جامع المقاصد بانّه قد انقطع اصالة عدم البلوغ وبقاء الصبوة بعد الاعتراف بصدور البيع المحمول على الصحيح فلا معنى للمعارضة قوله (نعم مسئلة الضمان يمكن ان يكون من الاوّل) وهو ما لم يكن له طرف آخر ولكنّ العلّامة والمحقّق قائلان باشتراط القبول فى الضمان مطلقا بل نسب الاوّل فى التذكرة الاشتراط الى اكثر علمائنا وقال الثانى فى جامع المقاصد الأصحّ اشتراطه لانّ الضمان عقد اجماعا فلا بدّ من القبول وحينئذ ينتفى الفرق بين البيع والضّمان.

قوله (اللّتين تمسّك بهما بعض المعاصرين غرضه من ذلك صاحب الجواهر ولكنّ المتامّل فى كلامه يعلم ان ليس غرضه اصالة صحّة الاذن نعم كلامه صريح فى اجراء اصالة صحّة الرّجوع حيث عارض اصالة صحّة البيع بذلك فراجع قوله (والحقّ فى المسألة ما هو المشهور) ولا يخفى انّه على فرض تسليم جريان اصالة الصحّة نقول انّ اصالة الصحّة فى الرّجوع حاكمة عليها فى البيع او الاذن كما هو ظاهر ثمّ إنّه على فرض التعارض وعدم الحكومة فالمرجع استصحاب بقاء الملك على مالكه وبقاء الرهن بحاله لانّ الاذن فى البيع غير مزيل له بل المزيل هو البيع المأذون فيه ووجوده غير معلوم.

قوله (الرابع انّ مقتضى الاصل ترتيب الشاكّ) يمكن ان يقال انّ مقتضى الترتيب الطبعى تقديم التفريق فى آثار الصحّة بالنّسبة الى السقوط عن غير الفاعل وغيره من الآثار على بيان انّ الصحّة فى كلّ شيء بحسبه وانّ المراد من صحّة الفعل ترتّب الاثر المقصود منه لانّ الاوّل كانّه من فروع انّ الحمل على الصحّة هل هى الصحّة عند الفاعل ام الصحّة الواقعيّة فالاولى تقديم ما فى هذا الامر على ما فى الامر الثّالث خصوصا بالنّسبة الى ما ذكره المصنّف فى ابتداء الامر من خروج الفعل الّذى لا يكون له صحيح وفاسد كالغسل من دون قصد التطهير عن مجرى القاعدة فانّ من الواضح تقدّم اشتراط وجود الصّحيح والفاسد لفعل المسلم فى حمله على الصّحيح على كون الصّحيح فى كلّ فعل انّما هو بحسبه فتامّل قوله (لا ان علم بمجرّد غسله) اى من دون احراز عنوان التّطهير وقصده قوله (من حيث انّه مخبر عادل او من حيثيّة اخرى) وذلك كمجرّد اخباره وان لم يكن عادلا اذ لا دليل على اعتبار العدالة فيما لا يعلم غالبا الّا من قبله.

قوله (الخامس انّ الثابت من القاعدة المذكورة الحكم بوقوع الفعل) عدم ترتيب اللوازم الغير الشرعيّة بناء على كون حجيّة القاعدة من باب التعبّد واضح وامّا بناء على اعتبارها من باب

٦٣٨

الظّن النوعى وهو ظهور حال المسلم فهو مشكل اذ مقتضى القاعدة اعتبارها مطلقا من غير فرق بين المثبت وغيره كما فى الاستصحاب اللهمّ الّا ان يقال انّ الدليل الدالّ على اعتبار هذه القاعدة ليس الّا من حيث كشفها عن صدور الفعل الصحيح بما هو هو وامّا كشفها عن لوازمه الغير الشرعيّة فلا وما ذكرنا فى الاستصحاب من عدم الفرق بين اللوازم على القول بحجيّته من باب الظّن انّ الدليل على اعتباره بلحاظ طريقيّته المطلقة وامّا فيما نحن فيه قام الدليل على اعتبار كشفها ببعض الاعتبارات فلا وجه للتعدّى عن مورد وجود الدليل مع انّ الاصل فى الظّن عدم الاعتبار ولكن اثبات الفرق بالدّليل مشكل جدّا قوله بل سنة بدينار ففى تقديم قول المستاجر نظر) امّا ما يقال فى وجه تقديم قول المستاجر هو انّه مدّع للصحّة وهى موافقة للاصل فيكون هو المنكر ويرد عليه انّ المستاجر وان كان مدّعيا للصحّة الّا انّه مع ذلك مدّع امرا زائدا وهو استيجار سنة بدينار والمالك ينكره قوله (وكذا الاشكال فى تقديم قول المستاجر لو ادّعى اجرة مدّة معلومة) هذا الفرع هو اختلافهما فى تعيين الاجرة كدينار مثلا او العوض كثوب معيّن بان يدّعى المستاجر ذلك وانكره المالك بحيث لزم الغرر والجهالة مع اتّفاقهما فى تعيين المدّة ومنشأ الاشكال انّ المستاجر يدّعى استحقاق منفعة فى ملك الغير والمالك منكر وانّ وقوع عقد الاجارة فى مدّة معلومة متّفق عليه وانّما الاختلاف فى الصحّة فيقدّم قول مدّعيها ومحلّ استشهاد المصنّف هو هذا الفرع حيث قال العلّامة والاقوى التّقديم اى تقديم مدّعى الصحّة وهو المستاجر فيما لا يتضمّن دعوى كأن يكون الاجرة المدّعاة تعيينها اقلّ من اجرة المثل.

قوله (السّادس فى بيان ورود هذا الاصل على الاستصحاب) لا يخفى انّه اراد فى المقام من الورود الحكومة مسامحة قوله (الّا فى موارد خاصّة مثل الفتوى او شبهها) كقول اهل الخبرة مثل الطّبيب والمقوّم ونحوهما وذلك ايضا لا يخلو عن اشكال.

قوله (اعمّ من جميع ادلّة الاستصحاب فلا بدّ من تخصيصها بها) وذلك لاختصاص ادلّة الاستصحاب بالمجهول الّذى علم له حالة سابقة وادلّة القرعة عامّة له ولغيره ولكنّ هذا بناء على شمول اخبار القرعة لغير الشبهة الموضوعيّة كما هو الظاهر منها وانّما اختصّ بالشبهة الموضوعيّة لتخصيص عموم ادلّتها بغيرها وأمّا بناء على اختصاصها بالشبهة الموضوعيّة فظاهر انّ النّسبة تكون عموما من وجه وعليه وان قدّم الاستصحاب ايضا فى مورد التعارض الّا انّه ليس من جهة التخصيص بل امّا من جهة الحكومة كما قيل وامّا من جهة التّرجيح لوجهين وهن عموم القرعة وورود اكثر اخبار الاستصحاب فى الشبهة الموضوعيّة.

قوله (فقد يقال انّ مورد الاستصحاب خارج عنه) حاصله انّ المنساق من ادلّة البراءة هو الشّكوك الابتدائيّة الّتى لم يرد فيها امر او نهى من اصل الشريعة امّا ما ورد فيه احدهما وان كان بعد

٦٣٩

ذلك ايضا مشكوكا فلا يشمله هذه الاخبار لدخوله تحت الغاية قوله (فيختصّ الاستصحاب بما لا يجرى فيه اصالة البراءة فتامّل) اشارة الى منع امكان العكس فانّ ثبوت الرخصة بمقتضى اخبار البراءة مقيّد بعدم ورود النّهى وثبوت النّهى بمقتضى اخبار الاستصحاب ليس مقيّدا بعدم ثبوت الرّخصة بل جعل الشارع غاية الاستصحاب هو العلم بالخلاف فمن الممكن ان يقال انّه مرخّص فيه باصالة الاباحة فيخرج عن مجرى الاستصحاب فحقّ الجواب هو ما ذكره فى وجه الضّعف قبل امكان العكس قوله (نعم هنا اشكال فى بعض اخبار اصالة البراءة) الظّاهر انّ الامثلة المذكورة فى الرواية من باب ذكر النظير لا المثال لاصالة الاباحة بمعنى انّ الحلّ المستند الى اليد والى اصالة عدم تحقّق النسب والرضاع والى اصالة صحّة العقد كما لا يضرّ فيه احتمال الحرمة فكذلك الحلّ المستند الى اصالة الاباحة لا انّ الحلّ فى هذه الامثلة يستند الى اصالة الاباحة حتّى تكون الرواية دليلا على حكومة البراءة على الاستصحابات الموضوعيّة قوله (غير تابع لشكّ آخر يوجب الظّن فافهم فانّه لا يخلو عن دقّة) فانّ المقصود هو انّ الظّن بالسّبب لمّا كان سببا للظنّ بالمسبّب لانّ الشكّ فيه مسبّب عنه لا من جهة اخرى امتنع ان لا يكون حال الذّهن فى الثانى تابعا لحاله فى الاوّل فلا يكون فى الحقيقة فى الفرض ظنّان وليس المقصود هو مجرّد تبعيّة احد الظنّين للآخر حتّى يستشكل فيه بانّ المشهور عند القائلين بحجيّة الاستصحاب من باب الظّن هو حجيّة الظّن النّوعى لا الشخصى فاذا كانت الحالة السّابقة للازم على خلاف ما يقتضيه الحالة السّابقة للملزوم يحصل بالنّظر الى الحالتين السّابقتين ظنّ بالملزوم نوعا وظنّ بعدم اللازم كذلك.

قوله (وعن تنظير وجوب الفطرة عنه) قال فى المعتبر بعد كلام له وقولهم يصحّ العتق عنه فى الكفّارة عنه جوابان أحدهما المنع ولا يلتفت الى من يقول الاجماع على جواز عتقه فانّ الاجماع لا يتحقّق من رواية واحدة وفتوى اثنين او ثلاثة والجواب الآخر الفرق بين الكفّارة ووجوب الزكاة لانّ العتق اسقاط ما فى الذّمة من حقّ الله وحقوق الله مبنيّة على التخفيف والفطرة ايجاب مال على مكلّف لم يثبت سبب وجوبه عليه ه.

قوله (فان تساويا خرج فى المسألة وجهان غالبا) اى التّساقط والتخيير والتقييد بالغالب اشارة الى انّه قد يعمل بكليهما ولا يخفى انّ كلامه مبنىّ على اعتبار الاصول من باب الظّن قوله (سابقة معلومة فانّ مقتضى الاحتياط فيهما تركيب العبارة يقتضى ان يكون قوله فيهما خبر انّ ومقتضى الاحتياط اسمها وفيما تقدّم خبر مقدّم والرّجوع الى قاعدة الطهارة مبتدأ مؤخّر ويحتمل ان يكون فى العبارة سقط بان تكون هكذا فانّ مقتضى القاعدة الاحتياط فيهما.

قوله خاتمة فى التّعادل والتراجيح التّعادل فى الاصل تساوى طرفى العدل ونحوه والمراد به فى باب الادلّة انّما هو تساوى الدليلين المتعارضين وعدم مزيّة لاحدهما على الأخر والترجيح فى الاصل احداث الرجحان او المزيّة فى احد شيئين متقابلين والمراد به فى باب الادلّة تقديم المستنبط احد الدليلين المتعارضين على الآخر ثمّ إنّه قد يعبّر عنه فى

٦٤٠