تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

اللّطف ايضا لجواز ان يكون فى احد العنوانين مصلحة او مفسدة لم تكن فى الآخر والقول بانّ اللّطف يقتضى تبليغ الاحكام الى كلّ واحد من المكلّفين بطريق القطع كما ترى فإنّا نقطع بانّ النّبى ص لم يكن حال حياته يبلّغ الاحكام الى كلّ احد من المسلمين بطريق القطع بل التّكليف كذلك ممتنع مخلّ بالنظام ومن الواضح انّ النّبى ص والأئمّة ع لم يكونوا مكلّفين بالتّبليغ الّا بالأسباب الظاهريّة على النّحو المتعارف واللّطف لا يقتضى ازيد من ذلك قوله (حتى انّه لو لم يتمكّن من الظّن الاجتهادي) اراد من هذا الكلام استظهار عدم اعتبار الفتوى عن الاكثر فى صورة الانفتاح حيث انّهم منعوا من رجوع المجتهد العاجز عن اعمال القوّة من جهة فقد الاسباب وغيره الى فتوى المجتهد المستخرج فعلا وقالوا بوجوب الاحتياط عليه ولازم ذلك اولويّة منع الرجوع الى الفتوى فيما لو تمكّن من تحصيل العلم وفيه ان عدم اعتبار فتوى الغير فى حقّ المجتهد الغير القادر لا يلازم عدم اعتباره فى حقّ العامى كما لا يخفى قوله فالوجه فيه لا يخلو من امور) ويحسن التعبّد بالأمارة على الامر الاوّل والثّالث ولو فى حال الانفتاح بل يجب على الشّارع جعلها على الأمرين سيّما على الثّالث لانّه اذا علم بكون علم المكلّف جهلا مركّبا وانّه لو عمل بمقتضى علمه وقع فى الهلكة وجب عليه ردعه وجعل طريق آخر فى حقّه حتّى يسلم عن الوقوع فيها والّا لزم تفويت مصلحة الواقع على المكلّف والعقل قاطع بقبحه ويحسن التعبّد بها على الامر الثّانى مع تعذّر باب العلم بل يحكم العقل ح بوجوب امضاء الشّارع العمل الواقع على طبق الأمارة لو لم يعتبرها بالخصوص ووجهه ما ذكروه فى حجيّة مطلق الظّن فى حال الانسداد فالقائل باستحالة التعبّد بالامارة الغير العلميّة ان اراد الاستحالة على الوجوه الثّلاثة فهى مردودة بما عرفت بل يحكم العقل بالوجوب فى بعضها وان اراد وجها رابعا وهو جعل الطّريق الغير العلمىّ المتخلّف عن الواقع احيانا فى عرض الطّريق الموصل اليه قطعا واعتباره كاعتبار الأمارة القطعيّة حتّى فى حال الانفتاح فهى حقّ لا محيص عنها لما تقدّم من دليل الامتناع قوله (وهذا تصويب باطل عند اهل الصّواب) اعلم انّ القائلين بالتّصويب لهم مسالك الاوّل انّ الحكم مط فى حقّ غير العالم تابع لتلك الأمارة والجاهل مع قطع النّظر عن قيام الأمارة عنده لا حكم له الثانى انّ الحكم ما يعلم الله انّ الأمارة تؤدّى اليه بمعنى أنّه تعالى قد جعل فى حقّ كلّ مجتهد فى الواقع قبل حصول الظّن له حكما موافقا لما يؤدّى اليه ظنّه والى هذين اشار المصنّف ره فى المقام الثالث أنّ الله تعالى قد جعل فى حقّ كلّ مجتهد حكما فى الواقع وادّى الله تعالى ظنّ كلّ الى ما وضعه فى حقّه قهرا الرّابع مثله الّا انّ المجتهد يناله اتّفاقا لا قهرا الخامس ان يكون

١٢١

الحكم الفعلى تابعا لهذه الأمارة بمعنى انّ لله فى كلّ واقعة حكما يشترك فيه العالم والجاهل لو لا قيام الأمارة على خلافه وهذا هو الوجه الثانى المذكور هنا فى المتن وهو المراد ممّا ذكره سابقا وقال لو سلّم كون هذا تصويبا مجمعا على بطلانه كان الجواب به عن ابن قبة وليعلم انّ اقوالهم مخصوصة بالأمارات القائمة على الاحكام الشرعيّة الفرعيّة الكليّة لاتّفاقهم على التخطئة فى حقّ القاطع بخلاف الحكم الواقعى من غير قيام امارة عنده وثبوت الحكم الواقعى المجعول للعالم به واتّفاقهم على كون المصيب فى العقليّات وفى مداليل الكتاب والسنّة واحدا اذ ليست ممّا يتعلّق بها الجعل ويقبل الاختلاف باختلاف الآراء وقد اتّفقوا على هذا فى الموضوعات ايضا لانّها ليست قابلة للجعل الشّرعى حتّى يقال بتعلّق الجعل بها عند قيام ظنّ المجتهد بها او قبله على طبقه حسبما يعلم الله تعالى انّ الأمارة تؤدّى اليه بسبب حصول الظّن للمجتهدين المختلفين وبطلان التّصويب عند الطائفة اظهر من الشّمس وابين من الأمس ويدلّ عليه أمور الأوّل الآيات المذكورة فى سورة المائدة كقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُون) وغيرها وقد يخدش فيها بانّهم يعتقدون كون آراء المجتهدين هى ممّا انزل الله فمن حكم منهم بما ادّى اليه ظنّه لم يحكم بغير ما انزل الله نعم لو حكم بخلافه متعمّدا فقد حكم بغير ما انزل الله الثاني الأخبار المتواترة الدّالة على وجود الحكم المشترك بين العالم والجاهل ولكنّها من حيث انّها مرويّة عن الائمّة الاطهار عليهم‌السلام بطرقنا قد لا توجب الالزام على المخالفين الّا ما اسند الى امير المؤمنين ع فى نهج البلاغة كقوله ع وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد ودينهم واحد أفأمرهم الله بالاختلاف فاطاعوه ام نهاهم عنه فعصوه ام انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه ام كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى ام انزل الله سبحانه دينا تامّا فقصّر الرّسول ص عن تبليغه وادائه الثّالث اتّفاق اهل الصّلاح على فساده الرابع حكم العقل ويقرّر بوجوه منها أنّ الظّن وان كان موضوعا لا ينفكّ عن كونه طريقا فلا بدّ له من متعلّق سابق عليه كالعلم ضرورة تأخّر كلّ ادراك عن كلّ مدرك واذا ظنّ بحرمة شرب الخمر مثلا فلا جرم من تقدّم حكم الحرمة عنده على ظنّه والّا فلا يعقل تعلّق الظّن بها ولو فرضنا مع ذلك تاخّر ذاك الحكم وهى الحرمة عن الظّن لزم تقدّم الشّيء على نفسه وهذا دور محال كما مرّ فى مبحث القطع ومنها لزوم التّناقض لانّه قد يتعلّق رأى مجتهد بحكم ورأى آخر بحكم آخر مغاير لذلك الحكم فى موضوع واحد كما لو اختلفا فى وجوب صلاة الجمعة وحرمتها مثلا فلو قلنا بالتصويب لزم التناقض لانّ صلاة الجمعة من حيث تعلّق احد الظنّين بوجوبها تصير واجبة بالوجوب الواقعى ومن حيث تعلّق الظّن الآخر بحرمتها تصير حراما واقعيّا وكيف يمكن اجتماع حكمين

١٢٢

متناقضين مع فرض كونهما واقعيّين فى موضوع واحد قال العلّامة ره في كشف الحق ذهبت الإماميّة الى انّ المصيب فى الفروع واحد وانّ لله تعالى فى كلّ مسئلة حكما وله عليه دليل امّا قطعىّ او ظنّى وانّ المقصّر فى اجتهاده على تحصيل ذلك الدليل آثم وخالفت فيه جماعة واضطرب كلام الفقهاء الأربعة الشّافعى وابو حنيفة ومالك واحمد فتارة قالوا بالتّصويب لكلّ مجتهد وتارة قالوا كقولنا انّ الاحكام تابعة للمصالح والوجوه الّتى يقع عليها الأفعال وذلك لا يكون الّا واحدا ولانّه لو كان كلّ مجتهد مصيبا لزم اجتماع النّقيضين لانّ المجتهد اذا غلب على ظنّه انّ الحكم هو الحلّ فلو قطع بانّه مصيب لزم منه القطع بالمظنون والإجماع من الصّحابة على اطلاق لفظ الخطأ فى الاجتهاد إلى ان قال ره والإجماع على شرع المناظرة فلو لم يكن تبيين الصّواب مطلوبا للشارع لم يكن كذلك ولان المجتهد طالب فلا بدّ له من مطلوب ولانّه يلزم اجتماع النّقيضين لانّ الشافعى اذا اجتهد وقال لزوجته الحنفيّة المجتهدة انت بائن ثمّ راجعها فانّها تكون حراما بالنّظر اليها وحلالا بالنّظر الى الزّوج وكذا لو تزوّجها بغير ولىّ ثمّ تزوّجها آخر بولىّ انتهى وبالجملة القول بانّ الحكم الواقعى مختصّ فى الواقع بمن كان عالما به والجاهل مع قطع النّظر عن قيام الأمارة لا حكم له اصلا لانّ الجعل تابع للأمارة بمعنى تاخّره عن وجود الأمارة ولو طبعا او محكوم بما يعلم الله تعالى انّ الأمارة تؤدّى اليه فيكون قيام الأمارة كاشفا عن جعل الحكم على طبقها قبل قيامها ضرورة تقدّم المنكشف على الكاشف بحسب الوجود كلمة شوهاء ليس تحتها طائل ويتنفّر عنها كلّ فهيم وفاضل هذا كلّه مضافا الى انّ فى اختصاص الحكم الاوّلى بالعالم مع تاخّر العلم عن المعلوم دورا واضحا الّا ان يجعل المراد من الحكم المختصّ بالعالم ما يكشف عنه الخطابات اى الإرادة النفسانيّة الّتى هى فى المبدا الا على مجرّد العلم بالمصلحة لا مدلول الخطاب وهذا غير بعيد عمّن يقول بالكلام النّفسى فالخطاب يتعلّق بالمكلّف الملتفت الشّاعر وبعد العلم بمدلول الخطاب الكاشف عن الإرادة يتعلّق الحكم بالعالم فلا دور وأمّا دعوى انّ القائلين بالتّصويب انّما يقولون باختصاص الحكم بالعالم فى حقّ المتاخّرين عن زمن الخطاب لا مطلقا فلا يلزم دور ففساده اوضح من ان يخفى قوله (وشأنىّ فى حقّه بمعنى وجود المقتضى) فى لفظ الفعليّة والشّأنيّة مسامحة هاهنا لأنّ المراد انّ هنا حكمين مختلفين لموضوعين كلّ منهما فى عرض الآخر غاية الامر تقييد احد الموضوعين فى ثبوت الحكم له بعدم الآخر لما فى الأخر من مصلحة غالبة على مصلحته وبالجملة لو فرض كون الحكم الواقعى لصلاة الجمعة هو الوجوب فموضوعه هو نفس الصّلاة مقيّدا بعدم كونها مظنون الحرمة وموضوع حكم الحرمة نفس الظّن بالخلاف قوله (انّ العامل بالأمارة المطابقة حكمه حكم العالم) بخلاف الوجه الاوّل حيث كان الموضوع هو

١٢٣

الامارة من دون ثبوت حكم واقعىّ لنفس الصّلاة ولا اشكال فى بطلان الوجه الثانى كالاوّل الّا انّ الظّاهر من كلام الشيخ والعلّامة فى العبارة المتقدّمة انكار كون الثانى تصويبا وقد ورد الأخبار المتظافرة باستواء حكم الاوّلين والآخرين وعدم الفرق بين العالم والجاهل ومشاركة جميع النّاس فى الاحكام كلّها ونعلم جزما بانّ الشارع لم يبذل العنوان بواسطة الجهل كسائر العناوين المختلفة وما قاله العلّامة ره في تعريف الفقه من انّ ظنّية الطريق لا ينافى قطعيّة الحكم إن اراد به هذا المعنى وانّ الظّن بنفسه عنوان محسّن ومقبّح ذو حكم واقعى برأسه كسائر العناوين واقع فى عرض العلم بالواقع بحيث يصحّ العمل به فى حال الانفتاح ومع التمكّن من العلم لوجود مصلحة غالبة فيه متداركة لمصلحة الواقع وانّ مع الظّن بالخلاف لا حكم فى الواقع اصلا فهو باطل وايراد صاحب المعالم عليه فى محلّه وان اراد من عدم منافاة قطعيّة الحكم لظنيّة الطريق حجيّة الظّن فى حال الانسداد بحكم العقل وثبوت الحكم الواقعى فى الواقع واراد بالحكم المقطوع به الحكم الظاهرىّ الّذى يحكم العقل بعد انسداد باب العلم بحجيّته وامضاء الشّارع له فى حقّ المكلّف الجاهل بالواقع فهو حسن ولا يرد عليه شيء قوله ان لا يكون للأمارة القائمة على الواقعة تاثير فى الفعل) فالحكم الواقعى ثابت على اطلاقه سواء كان المكلّف عالما به او جاهلا وسواء حصل له الظّن به او بالخلاف فالفعل فى ترتّب الحكم الواقعى عليه لم يقيّد بعدم حصول الظّن بالخلاف كما فى الوجه الثانى ولكن لمّا كان فى العمل على طبق الأمارة الّتى تحكى عن الواقع كخبر العدل مصلحة اوجبه من دون ان تكون للأمارة القائمة تاثير فى الفعل الّذى تضمّنت حكمه فان حصل الظّن بالواقع ترتّب عليه حكمه واجتمع المصلحتان وان حصل الظّن بالخلاف ولم ينكشف ذلك ترتّب عليه ايضا احكام الواقع فى الظّاهر ولو انكشف الخلاف فلا يصحّ حينئذ ترتيب احكام الواقع عليه بل يجب متابعة الحكم الواقعى ثمّ إنّ معنى ايجاب العمل على طبق الأمارة وجوب تطبيق العمل عليها لا وجوب ايجاد عمل على طبقها اذ قد لا تتضمّن الأمارة الزاما على المكلّف فاذا تضمّنت استحباب شيء او وجوبه او إباحته وجب عليه اذا اراد الفعل ان يوقعه على وجه الاستحباب او الوجوب او الاباحة بمعنى حرمة قصد غيرها فى مقام الاتيان بالفعل كما فى حال القطع وليس المراد بايجاب العمل على طبق الامارة وحجيّتها فى حقّ المكلّف مجرّد الالتزام بالاعتقاد الصّرف ولا الالزام باتيان الفعل الّذى تضمّنت الامارة حكمه بل المراد الالزام باتيان الفعل على الوجه الّذى دلّ عليه الأمارة ان واجبا فواجبا وان مباحا فمباحا وهكذا ثمّ إنّ تلك المصلحة لا بدّ ان يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع لو كان الامر بالعمل بالأمارة مع التمكّن من العلم كما هو المفروض والّا كان

١٢٤

تفويتا لمصلحة الواقع فالأمارة على هذا الوجه واقعة فى طول الواقع لا فى عرضه كما فى الوجه السّابق ولا تصويب فى هذا اصلا قوله (الّذى مرجعه الى المصلحة فى الامر بالعمل) صريح هذه العبارة هو ثبوت المصلحة فى الامر بالأمارة لا فى العمل بها وكذلك العبارة المتقدّمة آنفا حيث يقول الثالث ان لا يكون للأمارة القائمة على الواقعة تأثير فى الفعل الّذى تضمّنت الامارة حكمه ولا تحدث فيه مصلحة الّا انّ الامر بالعمل الخ ولكن سيصرّح فى آخر الكلام بثبوتها فى نفس العمل بالامارة حيث يقول وحاصل الكلام ثبوت الفرق الواضح الخ ولا يخفى انّ هذا الاختلاف ليس بضائر فيما هو محطّ نظره وما هو بصدره فانّ غرضه انكار كون قيام الأمارة موجبا لحدوث المصلحة فيما قام عليه سواء كانت المصلحة فى سلوكها او الأمر بها ولقد بيّنا فى رسالتنا الّتى وضعناها فى الجمع بين الحكم الظاهرى والواقعى انّ الأرجح هو اختيار ثبوت المصلحة فى الامر بالعمل بالأمارة لا فى سلوكها ويعجبنى نقل الرسالة بعد تمام البحث قوله (كان الامر بالعمل بتلك الأمارة قبيحا لكونه مفوّتا للواجب) هذا مضافا الى انّ الجعل لا يصحّ الّا مع وجود مصلحة وجهة حسن فى الامر بالعمل بها قوله (ثمّ ان قلنا انّ القضاء فرع صدق الفوت) وهذا التفصيل مبنىّ على القول بكون القضاء بالامر الجديد وامّا على القول بكونه بالامر الاوّل فاللّازم هو الاتيان بالظّهر كصورة الاعادة وان علم بالمخالفة بعد خروج الوقت ولم ينبّه عليه المصنّف لانّه خلاف التّحقيق قوله ولا ينافى ذلك صدق الفوت فافهم) لمّا أفاد رحمه‌الله عدم وجوب القضاء المتفرّع على صدق الفوت المتوقّف على فوات الواجب من حيث انّ فيه مصلحة من جهة انّ المصلحة الفائتة متداركة ناقش فى ذلك بانّ هذا يتمّ لو كان المصلحة فى سلوك الأمارة غير تسهيل الامر على المكلّفين وامّا لو قلنا بانّه يكفى فى جواز امر الشّارع بسلوك الامارة الظنّية مجرّد تسهيل الامر لانّ تحصيل العلم بالواقع موجب للحرج الشّديد والعسر الاكيد حتّى فى عصر النّبى ص والأئمّة ع لوضوح انّ اكثر المكلّفين سيّما اهل البلاد النائية يتعذّر عليهم اخذ الاحكام منهم ع بلا واسطة فيضع الشارع الأمارة الظنّية مط حتّى فى حقّ من تمكّن من تحصيل العلم ويكون الحرج والضيق النوعى حكمة لتشريعه الأمارة فيمكن ان يقال انّ هذه المصلحة النوعيّة الّتى لاحظها الشارع فى تشريع الأمارة لا تمنع من صدق فوت مصلحة شخص الواجب اذا ادّت الأمارة الى خلاف الواقع فيجب القضاء على التّقدير الاوّل كما يجب على تقدير كون القضاء متفرّعا على مجرّد ترك الواجب إلّا أنّه يمكن منع المناقشة رأسا لانّ مجرّد تسهيل الامر لا يرفع قبح تفويت الواقع المترتّب على العمل بالامارة ممّن تمكّن من تحصيل العلم بالواقع لانّ تجويز الشّارع العمل بها لمصلحة التّخفيف يئول الى عدم

١٢٥

لزوم مصلحة متداركة فى موارد الفوت وكفاية ادراك مصالح سائر الاحكام.

قوله (وبالجملة فحال الامر بالعمل بالأمارة القائمة على حكم شرعى الخ) لا اشكال عند اهل التخطئة والتّصويب فى الامارات القائمة على الاحكام فى التخطئة فى الأمارات القائمة على الموضوعات من جهة انّها ليست قابلة للجعل الشرعى وقد اشرنا الى هذا فيما سبق والأمارات القائمة على الاحكام عند اهل الصّواب من التخطئة يكون حالها حال الامارة القائمة على الموضوع من دون فرق بينهما إلّا أنّ مورد الأمارة فى الموضوع امر خارجى يمتنع تعلّق الجعل الشرعى به وموردها فى الحكم حكم شرعىّ يمتنع وجوده بدون الجعل كذلك.

ثمّ انّ لنا فى المسألة المبحوث عنها وهو الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرىّ رسالتين نافعتين قد حرّرتهما فى سالف الايّام واحبّ درجهما فى هذا المقام صونا لهما عن الضياع ولعلّهما تقعان فى موضع الانتفاع ومنه الهداية واليه المصير نعم المولى ونعم النّصير الاولى بسم الله الرّحمن الرّحيم اعلم أنّ المشهور بين اصحابنا ومخالفينا على ما نقل عنهم جواز التعبّد بالظّن والمنقول عن بعض اصحابنا عدمه ومال اليه جملة من مخالفينا والمشهور حكاية هذا القول فى اصحابنا عن ابن قبة ومقالتهم فى عنوان لبحث وان اختصّت بخبر الواحد الّا انّ الاحتجاج المنقول عنهم فى دعواهم صريح فى عدم جواز التعبّد بالظّن مط فلا بدّ من تنزيل المذكور فى العنوان على المثال والحقّ ما ذهب اليه المشهور وقبل الشّروع فى المقال لا بأس بذكر أمور الأوّل فى بيان المراد من الحكم الواقعى بقول مطلق والظاهرىّ فنقول امّا الحكم الواقعي فهو الحكم المجعول للموضوعات بالجعل الأوّلي الابتدائىّ وبعبارة اخرى ما كان مجعولا للموضوعات الواقعيّة من حيث واقعيّتها من غير مدخليّة للعلم والجهل فيها فيتعلّق به العلم والجهل ويحكى عنه الأمارات وامّا الحكم الظاهرى فهو الحكم المجعول للشّيء بالجعل الثانوىّ اى من حيث الجهل بحكمه الاوّلى والحكم الظّاهري على قسمين الاوّل ما اخذ فيه عدم العلم بالحكم الواقعى وهذا يسمّى اصلا عمليّا والثانى ما اخذ فيه الظّن من حيث كونه حاكيا عن الواقع وكاشفا عنه وهذا يسمّى طريقا وامارة لانّه جعل من حيث طريقيّته الى الواقع بخلاف الاوّل فانّ الحاصل منه مجرّد القطع بالحكم الظاهرىّ فى مقام العمل بعد العجز عن تحصيل الظّن المعتبر بالحكم الواقعىّ فكلّ من الاصل ومفاد دليل اعتبار الأمارة وان كان حكما ظاهريّا الّا انّ المأخوذ فى احدهما الظّن بالواقع ولو نوعا والآخر الشّك الّذى هو عبارة عن خلاف اليقين فللحكم الظاهرىّ اطلاقان احدهما ما كان مجعولا فى حقّ غير العالم سواء كان شاكّا فى الحكم او الموضوع او ظانّا باحدهما او بخلافهما بظنّ غير معتبرثا نيهما ما كان مجعولا فى حقّ الظانّ باحدهما شخصيّا او نوعيّا

١٢٦

مطلقا او مقيّدا بعدم قيام الظّن الشخصىّ على الخلاف فيرجع هذا الى اعتبار الظّن المذكور من غير فرق بين ما دلّ على اعتباره من العقل والنّقل من الكتاب والسنّة والاجماع ومنه يظهر انّ اطلاق الحكم الظاهرى على مؤدّى الأمارة انّما هو بملاحظة دليل اعتبارها والّا فقد يقال انّه ليس حكما اصلا كما انّه يظهر ان لا واقعيّة للحكم الظاهرىّ الّا بتحقّق الظّن او الشّك بالنّسبة الى الحكم الواقعى ثمّ انّ المراد من عدم العلم بالحكم عدم العلم بذاته ومن عدم العلم بالموضوع عدم العلم بعنوانه اى عدم العلم بكونه من مصاديق الحلال او الحرام من حيث كونه مردّدا بينهما والّا فذاته معلومة الامر الثّانى لا ريب فى انّ الأمارة الغير العلميّة ليس كالقطع فى كون الحجيّة من لوازمها ومقتضياتها بنحو العليّة بل مطلقا لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجيّة من دون جعل ودليل فانّ الظّن لمّا لم يكن كشفه عن الواقع تامّا لم يكن الحجيّة من لوازم ذاته كالزوجيّة للأربعة ويظهر ذلك بملاحظة الوجدان وعدم ذمّ العقلاء بعد ثبوت الظّن للشّخص بشيء انّه مطلوب للمولى وخالفه ما لم يقم عليه الحجّة من المولى والمكلّف لو كان ظانّا ان كان بحكم لا يكاد ينقدح فى نفسه بمجرّد حصول الظّن محرّك وباعث نحو ما ظنّ به لو كان المظنون هو الوجوب ومانع وزاجر عمّا ظنّ به لو كان المظنون هو الحرمة فالعقل والوجدان حاكمان فى المقام والسّر في ذلك ما عرفت انّ غير العلم لا يكون من لوازمه الحجيّة والإراءة عن الواقع تمام الإراءة وانّما يحتاج فى ذلك الى جعل وتعبّد شرعا او ثبوت مقدّمات وطروّ حالات موجبة لاقتضائه الحجيّة عقلا فما لم يتحقّق فيه جعل من الشارع او بناء من العقلاء لا يكون مقتضيا بنحو العليّة لاثبات التّكليف كما هو الشأن فى القطع بل لا يكون مسقطا للتّكليف المعلوم ايضا لما عرفت من شهادة الوجدان فانّ الباعث والمحرّك العقلى نحو ما قطع بوجوبه والزاجر والمانع نحو ما قطع بحرمته لا يكاد ينقطع الّا بالامتثال القطعى ومع الامتثال الظنّى يكون الباعث العقلىّ باقيا كحاله قبل ذلك نعم يظهر من المحقّق الخوانسارى الاكتفاء بالظنّ بالفراغ فى مقام الامتثال ولكنّه غير وجيه والدليل الّذى حكى عنه فى هذا المورد هو عدم لزوم دفع الضرر المحتمل حيث انّه بعد الامتثال الظنّى لا يكون قاطعا باستحقاق العقوبة على المخالفة بل يحتمل ان يكون الاستحقاق باقيا والعقلاء يقدمون على ما فيه ضرر محتمل وبعد بنائهم على ذلك لا وجه لعدم كفايته وغير خفىّ انّ هذا الدّليل غير واف بتمام مراده فانّ المقصود هو الخروج عن عهدة التّكليف وتبعته بالامتثال الظنّى بحيث لا يبقى معه مجال للعقوبة ومن المعلوم انّ عدم لزوم دفع الضّرر المحتمل لا يكاد يقتضى الّا عدم اللوم والتّوبيخ فى صورة الاقتحام والاقدام على ما فيه احتمال الضّرر لا عدم الوقوع فى الضّرر وعدم استحقاق العقوبة فانّ من الواضح انّ سالك الطّريق الّذى يحتمل وجود بئر فى طريقه ووقوعه فيه يقع

١٢٧

فيه مع وجود البرء واصابة الاحتمال فمع فرض بناء العقلاء على عدم لزوم دفع الضرر المحتمل لا يلزم منه عدم الوقوع فقس عليه الضّرر الناشى من تنجّز التّكليف فى صورة المخالفة ولزوم الخروج من عهدته فلو سلّمنا جريان طريقة العقلاء على ما ذكر من عدم لزوم الخروج من تبعة العقوبة المحتملة لم يكن ذلك بموجب لدفعها واقعا فلو لم يؤثّر الامتثال الظنّى فى رفع العقاب واقعا وخالف المظنون للواقع وقع فى العقاب ودخل فى تبعة مخالفة الواقع غايته انّه لا يلام عند العقلاء فى وقوعه فى ذلك والحاصل انّ مجرّد كون ديدنهم على عدم لزوم دفع الضّرر المحتمل لا يوجب عدم بقاء شيء من تبعة التّكليف بواسطة الامتثال الظنّى اللهم إلّا ان يقال انّ الغفل الحاكم فى باب الاطاعة والعصيان يحكم بكفاية الخروج عن عهدة التّكليف المعلوم بالامتثال الظنّى ولكنّك عرفت انّ العقل لا يحكم بذلك أبدا فظهر أنّ غير العلم لا يكون مقتضيا مطلقا لا فى مقام اثبات التّكليف ولا فى مقام اسقاطه الأمر الثالث فى معنى الامكان الّذى هو محلّ النّزاع اعلم انّ الامكان يطلق على معان أحدها الإمكان الذّاتى والمراد به ما لا ينافى الوجود والعدم بحسب الذّات ويقابله الامتناع بهذا المعنى كاجتماع النّقيضين والضّدين ولا اشكال فى عدم كون الامكان بهذا المعنى قابلا للمنع والنّزاع اذ لا يتوهّم احد من العقلاء انّ التعبّد بالظنّ يابى عن الوجود بالذّات كاجتماع النّقيضين وعلى هذا فلا مجال لتوهّم انّ الظّن علّة تامّة لعدم الحجيّة بحيث لا يمكن جعل الحجيّة له ويكون امره مع القطع بالتعاكس حيث انّ القطع لا يمكن سلب الحجيّة عنه لانّ حجيّته ذاتيّة بل جعل الحجيّة له بهذا المعنى بمكان من الامكان الثّانى الامكان الوقوعى والمراد به ما لا يلزم من فرض وجوده محذور عقلىّ ويقابله الامتناع بهذا المعنى وهذا هو مورد النّزاع والاشكال اذ بعد ثبوت الامكان الذّاتى يمكن ان ينازع فى امكان وقوعه وامتناعه من جهة التوالى الفاسدة الثالث الاحتمال وهذا ليس موردا للنزاع فانّ الامكان بمعنى الاحتمال ليس من الجهات الواقعيّة للقضيّة بل هو من الامور الوجدانيّة الّتى لا موطن لها الّا الوجدان فهو المرجع فيه وليس محلّ اقامة للبيّنة او البرهان ومن الواضح انّ التّرديد والشّك فى تحقّق شيء حاصل لبعض وغير حاصل للآخر قال الشيخ الرّئيس فى الاشارات نصيحة ايّاك ان يكون تكيّسك وتبرّؤك عن العامّة هو ان تبرّأ منكر الكلّ شيء فذلك طيش وعجز وليس الخرق فى تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليّته دون الخرق فى تصديقك به ما لم تقم بين يديك بنيّة بل عليك الاعتصام بحبل التّوفيق وان ازعجك استنكار ما يوعاه سمعك ما لم تتبرهن استحالته لك فالصواب ان يسرح امثال ذلك الى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان الامر الرّابع لا بدّ من تأسيس اصل يكون عليه

١٢٨

المعوّل عند عدم الدّليل على وقوع التعبّد بغير العلم فنقول انّ التعبّد بالظنّ الّذى لم يدلّ دليل على وقوع التعبّد به حرام بالأدلّة الأربعة ويكفى من الكتاب قوله تعالى قل (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) دلّ على انّ ما ليس باذن الله من استناد الحكم الى الشّارع فهو افتراء ومن السنّة ما روى عن مولانا الصّادق ع من انّه قال القضاة اربعة ثلاثة فى النّار وواحدة فى الجنّة رجل قضى بجور وهو يعلم به فهو فى النّار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم انّه قضى بجور فهو فى النّار ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو فى النّار ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو فى الجنّة ومن الإجماع ما ادّعاه الفريد البهبهانى فى بعض رسائله من كون عدم الجواز بديهيّا عند العوام فضلا عن العلماء ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلّف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى ولو كان عن جهل مع التّقصير وقد استدلّوا أيضا بالآيات النّاهية عن العمل بالظنّ فحرمة التعبّد والالتزام والتديّن بمؤدّى غير العلم من ضروريّات العقل فضلا عن تطابق الادلّة الثلاثة النقليّة عليه هذا كلّه مع انّ ما لم يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولم يحرز التعبّد به واقعا عدم حجيّته عند العقل جزما بمعنى عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة عليه قطعا فانّها لا تكاد تترتّب الّا على ما اتّصف بالحجيّة فعلا ولا يكاد يكون الاتّصاف بها الّا اذا احرز التعبّد به وجعله طريقا متّبعا ضرورة انّه بدونه لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التّكليف بمجرّد اصابته ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجرّيا ولا موافقته بما هى موافقة انقيادا وان كانت بما هى محتملة لموافقة الواقع كذلك اذا وقعت برجاء اصابته فمع الشّك فى التعبّد به يقطع بعدم حجيّته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه للقطع بانتفاء الموضوع معه فمجرّد عدم العلم بالحجيّة كاف فى الحكم بعدمها والحاصل انّ التعبّد بشيء مع الشّك فى رضاء الشارع بالعمل به فى الشريعة تعبّد بالشّك وهو باطل عقلا ونقلا وما خرج أو قيل بخروجه عن هذا الاصل من الأمور الغير العلميّة الّتى اقيم الدّليل على اعتبارها يطلب من الكتب المدوّنة فى اصول الفقه الامر الخامس نسب الى بعض العامّة كالعقال وابن شريح وابى الحسين البصرى ايجاب التعبّد بخبر الواحد او بمطلق الامارة على الله تعالى بمعنى قبح تركه منه فى مقابل ما نسب الى ابن قبة ومستندهم على ما حكى وجهان احدهما انّ ترك العمل بخبر الواحد مظنّة للضّرر ودفع الضّرر المظنون واجب عقلا ثانيهما أنّه لو لم يجب العمل بخبر الواحد للزم خلوّ اكثر الوقائع عن الحكم واللّازم قبيح فكذا المقدّم والقبيح محال على الحكيم تعالى هذا والعنوان فى كلامهم وان كان مخصوصا بخبر الواحد الّا انّ قضيّة دليلهم التّعميم كما لا يخفى ويرد على الاوّل إنّه إن أريد إثبات ذلك حيث يعلم بقاء التّكليف وانسداد باب العلم وغيرهما من مقدّمات دليل الانسداد فهو حسن على ما عليه المشهور من انتاجها حجيّة الظّن

١٢٩

بحكم العقل الّا انّه خروج عن محلّ البحث فانّ الكلام انّما هو فى صورة الانفتاح مضافا الى انّ قضيّته ليس وجوب الجعل على الشارع كما ستعرفه آنفا وان أريد إثبات ذلك مطلقا ففساده غنىّ عن البيان ويرد على الثّانى انّه ان اريد به وجوب امضاء حكم العقل بالعمل به عند عدم التمكّن من العلم وبقاء التّكليف فهو حسن بناء على تماميّة مقدّمات دليل الانسداد ولكنّ الشأن فى تماميّة تلك المقدّمات كما هو غير خفىّ على من راجع بحث دليل الانسداد وان أريد به وجوب الجعل بالخصوص فى حال الانسداد فممنوع اذ جعل الطريق بعد انسداد باب العلم انّما يجب عليه اذا لم يكن هناك طريق عقلىّ وهو الظّن الّا ان يكون لبعض الظّنون فى نظره خصوصيّة وان أريد حكم صورة الانفتاح فان اريد وجوب التعبّد العينى فهو غلط لجواز تحصيل العلم معه قطعا وان اريد وجوب التعبّد به تخييرا فهو ممّا لا يدركه العقل اذ لا يعلم العقل بوجود مصلحة فى الأمارة يتدارك بها مصلحة الواقع الّتى تفوت بالعمل بالأمارة الأمر السّادس لا اشكال فى امكان التعبّد بالأمارة الغير العلميّة فانّ بناء العقلاء فيما دار امره بين الامكان والامتناع قد استقرّ على الحكم بالامكان بعد الرّجوع الى عقولهم وعدم وجدانهم وجها للاستحالة حتّى يظهر الامتناع لا سيّما فيما هو المقصود بالبحث وهو الامكان الوقوعى قال شيخنا المرتضى ره انّا لا نجد فى عقولنا بعد التأمّل ما يوجب الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان هو هذا الدّليل ان لم يثبت الامكان الّذى هو جهة القضيّة فى الواقع لأنّ القطع بالامكان الوقوعىّ وعدم لزوم المحال فى الواقع موقوف على احاطة العقل بجميع الجهات المحسّنة والمقبّحة وعلمه بانتفائهما وهو غير حاصل فيما نحن فيه فلا اشكال فى اثباته الحكم بالامكان الظاهرىّ كما يظهر من مراجعة الوجدان وملاحظة الاقيسة والبراهين فى المسائل المعضلة من الفلسفة وغيرها ثمّ انّ هذا مع قطع النّظر عن الوقوع وامّا بعد ملاحظة وقوع التعبّد من الشّارع يقطع بعدم وجه للاستحالة فى ظرف الواقع بحسب الانّ من حيث استحالة صدور القبيح عن الحكيم تعالى ومنه يعلم إجمالا بفساد دليل القائل بالامتناع الأمر السّابع الظّاهر انّ القائل بالامتناع انّما يريد ذلك فى حال الانفتاح وذلك لانّ السّيد مع تاخّر زمانه عن ابن قبة ادّعى الانفتاح وجماعة من متقدّمى اصحابنا كالشّيخ فى اوائل عمره انّما كانوا يرون وجوب اللّطف على الامام عليه‌السلام حتّى انّ كلّ ما يصل اليه دليل علمىّ كانوا يحكمون فيه بالتخيير الواقعى فكيف بمن تقدّم عليه سيّما بمدّة طويلة فانّ تلك الازمنة لم يكن ازمنة الانسداد هذا مضافا الى انّ جلالة شأن القائل على ما يستظهر من ترجمته المذكورة فى كتب الرّجال فانّه كان شيخ الإماميّة فى زمانه يمنع صدور مثل هذه المقالة منه ومن هنا يعلم عدم ورود

١٣٠

النقض عليه بالفتوى لانّ مشروعيّتها انّما هى فى حال الانسداد الأمر الثّامن المنقول عن دليل ابن قبة هو لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال وانّ بطلان اللّازم كالملازمة ظاهر ونحن نوضح هذه الجملة ببيان يسع اطراف المقال حتّى تكون على بصيرة من حلّ الاشكال فنقول انّ غاية ما يمكن ان يقال فى بيان ما يلزم التعبّد بغير العلم من المحال او الباطل ولو لم يكن بمحال امور أحدها اجتماع المثلين من ايجابين او تحريمين مثلا فيما اصاب او ضدّين من ايجاب وتحريم ومن ارادة وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار فى البين فيما أخطأ او التصويب وان لا يكون غير مؤدّيات الأمارات احكام ثانيها طلب الضدّين فيما اذا أخطأ وادّى الى وجوب ضدّ الواجب ثالثها تفويت المصلحة او الالقاء فى المفسدة فيما ادّى الى عدم وجوب ما هو واجب او عدم حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الأحكام إذا عرفت هذا كلّه فاعلم انّ ما قيل او يمكن ان يقال فى الجمع بين الحكمين وانّ ما ادّعى لزومه امّا غير لازم او غير باطل وجوه الاوّل انّ الحكمين احدهما طريقىّ والآخر واقعىّ فالاوّل وهو مؤدّى الأمارة لا يكون حكما الّا من باب مجرّد الكشف عن الواقع ولا يلاحظ فى التعبّد بها الّا الإيصال اليه فلا مصلحة فى سلوك هذا الطريق وراء مصلحة الواقع فليس هناك مصلحة او مفسدة فى المتعلّق بل انّما كانت فى نفس انشاء الامر به طريقيّا والوجه فيه لا يخلو من احد أمور الأوّل كون الشّارع العالم بالغيب عالما بدوام موافقة هذه الامارات للواقع وان لم يعلم بذلك المكلّف الثانى كونها فى نظر الشّارع غالب المطابقة الثالث كونها فى نظره اغلب مطابقة من العلوم الحاصلة للمكلّف بالواقع لكون اكثرها فى نظر الشارع جهلا مركّبا الرابع ان يكون الأمارة مساوية للعلوم الحاصلة للمكلّف من حيث المطابقة للواقع وظاهر انّ الثانى لا يصحّ الّا مع تعذّر باب العلم لانّ تفويت الواقع على المكلّف ولو فى النادر من دون تداركه بشيء قبيح بخلاف الوجوه الأخر فانّها توجب الأمر بسلوك الأمارة ولو مع تمكّن المكلّف من الاسباب المفيدة للقطع نعم يحتاج الجعل على التقدير الرابع الى مرجّح وان لم يترتّب عليه نقض الغرض ويستقلّ العقل بجواز امر الشّارع بسلوك الأمارة على هذا التقدير ومن باب مجرّد الطريقيّة لعدم جريان دليل القبح وهو كون امره بسلوك الأمارة فى معرض تفويت الواقع ونقض الغرض الّا انّ ما نبّهنا عليه من الاحتياج الى مرجّح هو امر آخر غير تفويت الواقع المترتّب على جعل الأمارة على تقدير المخالفة وعلى اىّ حال فالامر بالعمل بالامارة ليس الّا للارشاد كما لو امر المولى عبده عند تحيّره فى طريق بغداد بسؤال الاعراب عن الطّريق غير ملاحظ فى ذلك الّا كون قول الأعراب موصلا الى الواقع دائما او غالبا والثانى يكون حكما واقعيّا حقيقيّا مشتملا على مصلحة او مفسدة فى متعلّقه موجبة لكراهته او ارادته فى نفس

١٣١

النبىّ او الولىّ حيث انّه مع المصلحة او المفسدة الملزمتين فى فعل وان لم يحصل بسببها ارادة او كراهة فى المبدا الاعلى اذ ليس هناك الّا العلم بالمصلحة او المفسدة الّا انّه اذا اوحى بالحكم الشّأنى من قبل تلك المصلحة او المفسدة الى النبىّ ص أو الهم به الوصىّ ع فلا محالة ينقدح فى نفسه الشّريفة بسببها الإرادة او الكراهة الموجبة للانشاء بعثا او زجرا وحاصل هذا الوجه انّ الامر الطريقىّ يكون المصلحة فى نفس الامر لا فى متعلّقه ويكون المصلحة او المفسدة فى المتعلّق تابعا لاصابة الواقع وعدم اصابته فلا يؤثّر الّا تنجيز الواقع فى صورة الإصابة والعذر فى صورة المخالفة من غير تأثير فى كون متعلّقه مرادا او مكروها ولا اقتضاء لهذا الجعل فى ان يكون المتعلّق ذا مصلحة مط فى مقابل الواقع والمصلحة الطريقيّة جابرة فيما اذا خالف فلا ارادة ولا كراهة فى المتعلّق اصلا فالحكمان وان اجتمعا فى مورد واحد الّا انّ احدهما طريقىّ والأخر واقعىّ والمصلحة او المفسدة والإرادة او الكراهة فى الاوّل انّما يكون فى نفس الامر والجعل وفى الثّانى يكون فى المتعلّق فلا يلزم اجتماع ارادتين ولا كراهتين ولا ارادة ولا كراهة فى مورد واحد ولا مضادّة ولا مماثلة بين الحكمين اذا كان احدهما طريقيّا والآخر واقعيّا وامّا تفويت المصلحة والالقاء فى المفسدة فليس بلازم بعد ما كانت المصلحة فى الطّريق اقوى بالنّظر الى احد الوجوه المتقدّمة توضيح ذلك انّ هذا المحذور يتوقّف على أمور الأوّل الالتزام بتبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد فى المتعلّقات وانّ تلك المصالح تجرى فى عالم التشريع مجرى العلل التكوينيّة من استتباعها للاحكام وكونها لازمة الاستيفاء فى عالم التشريع لا انّها من المرجّحات والمحسّنات لتشريع الاحكام من دون ان تكون لازمة الاستيفاء فانّها لو كانت كذلك لا يلزم من تفويتها محذور الثّانى الالتزام بانّ المجعول فى باب الامارات نفس الطريقيّة المحضة ولم نقل بالمصلحة السلوكيّة كما هو مقتضى الوجه الرّابع الآتى ذكره من القول بالسببيّة والموضوعيّة والّا لم يلزم تفويت الملاك من التعبّد بالظنّ الثالث اختصاص المحذور بصورة انفتاح باب العلم وامكان الوصول الى الاحكام الواقعيّة وامّا فى صورة الانسداد فلا يلزم محذور التّفويت بل لا بدّ من التعبّد به فانّ المكلّف لا يتمكّن من استيفاء المصالح فى حال انسداد باب العلم الّا بالاحتياط التامّ وليس مبنى الشّريعة الاسلاميّة على الاحتياط فى جميع الاحكام فالمقدار الّذى تصيب الأمارة للواقع يكون خيرا جاء من قبل التعبّد بالامارة ولو كان مورد الاصابة اقلّ قليل فانّ ذلك القليل ايضا كان يفوت لو لا التعبّد بها فلا يلزم من التّعبد الّا الخير فظهر أنّ محذور التّفويت انّما يلزم فى صورة الانفتاح بناء على الطريقيّة المحضة على القول بتبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد مع كونها لازمة الاستيفاء والمراد من انفتاح باب العلم هو امكان الوصول الى الواقع بالسّئوال عن شخص الامام عليه‌السلام لا فعليّة الوصول

١٣٢

فانّ انفتاح باب العلم بهذا المعنى ممّا لا يمكن دعواه واذا كان المراد هو امكان الوصول فقد يكون الشخص متمكّنا من الوصول الى الواقع ولكن لم يصل اليه لاعتماده على الطرق المفيدة للعلم مع خطأ علمه وكونه من الجهل المركّب فلا ملازمة بين الانفتاح وعدم الوقوع فى خلاف الواقع وعلى هذا يمكن ان تكون الأمارات الظنّية فى نظر الشارع العالم بالغيب على احد الوجوه الّتى قدّمنا وعليه فلا يلزم محذور من التعبّد بالأمارات الغير العلميّة لعدم تفويت الشارع من التعبّد مصلحة على العباد وان لم تكن الامارات فى نظر الشارع على الوجه الاوّل فلا اقلّ من كونها فى نظره على الوجه الثالث ام الرّابع نعم قد اشرنا سابقا الى انّ على الوجه الرّابع يحتاج الجعل الى مرجّح ويكفى فى التّرجيح تسهيل الامر على العباد بل إذا تدبّرت بعين الحقيقة علمت انّ الطّرق المبحوث عنها فى المقام كلّها طرق عقلائيّة عرفيّة عليها يدور رحى معاشهم ومقاصدهم ومعاشراتهم وليس فيما بايدينا من الطّرق ما يكون اختراعيّة شرعيّة ليس معمولا عند العرف بل جميعها من الطرق العقلائيّة وتلك الطرق من حيث الاتقان والاستحكام عند العقلاء كالعلم اى حالها عندهم حال العلم من حيث الاصابة والخطأ والشّارع قرّر العقلاء على الاخذ بها فى احكامه والوصول الى مقاصده ولم يردع عنها لعدم ما يقتضى الردع عنها كما ردع عن القياس مع انّه من الطّرق العقلائيّة ويعتمدون عليه فى مقاصدهم الدنيويّة والشارع ردع عنه فى الاحكام الدينيّة لانّه مبنىّ على استخراج المناط وذلك لا يخلو عن نظر واجتهاد وهو فى الموضوعات الخارجيّة قليل الخطأ لانّ غالب الأمور الخارجيّة المتشابهة تحت جامع واحد وكانت مناطاتها بايدى العقلاء فاعمال النّظر وتخريج المناط لا يضرّ بمقاصدهم وهذا بخلاف الاحكام الشرعيّة فانّ مناطاتها ليست ممّا تنالها الافهام فانّ مبنى الشرع على تفريق المجتمعات وجمع المتفرّقات فكان القياس كثير الخطأ فى الشرعيّات ولذلك نهى الشارع عنه فى احكامه واين ذلك من سائر الطّرق العقلائيّة فانّ الخطأ فيها ليس باكثر من خطأ العلم عند العقلاء ولذا يعتمدون عليها فيما يعتمدون فيه على العلم والشارع قرّرهم على ذلك واكتفى بها فى اثبات احكامه ولا يمكن ان يتفاوت الحال فى الأمارة من حيث قلّة الخطأ والاصابة بين الموضوعات الخارجيّة والاحكام الشرعيّة فانّ خبر الثّقة لو كان قليل الخطأ فى الاخبار عن الموضوعات الخارجيّة فهو كذلك ايضا فى الاخبار عن الاحكام الشرعيّة ومن جميع ذلك ظهر انّه لا سبيل الى دعوى العلم بكون الأمارة اكثر خطأ من العلم ولا أقرب ولو سلّم انّ الأمارة اقرب الى ذلك منه وسلّم انّ مجرّد الاقربيّة يقتضى المنع عنها فذلك اذا لم يكن ما يلزم رعايته وهو مصلحة التّسهيل ولا اشكال فى انّ امضاء ما بايديهم من الطرق وعدم ردعهم عن العمل بها توسعة عليهم وتسهيل لهم وهذه مصلحة نوعيّة يصحّ للشارع مراعاتها وان كانت توجب تفويت بعض المصالح الشّخصيّة وكمر من مصلحة نوعيّة قدّمت على مصلحة شخصيّة وليس ذلك بعزيز الوجود فى الشرعيّات والتّكوينيات والعرفيّات وليعلم ان ليس المراد من مصلحة

١٣٣

التسهيل ما يلزم من عدم رعايتها العسر والحرج حتّى يرجع ذلك الى انسداد باب العلم وعدم امكان الوصول الى الواقعيّات فانّ المراد من انفتاح باب العلم هو انفتاحه بلا عسر ولا حرج رافع للتّكليف بل المراد التّسهيل الّذى يناسب الملّة السّمحة والشّريعة السّهلة والحاصل انّك بعد الاحاطة بما ذكر تجد انّ امضاء الشّارع وجعله لتلك الطّرق على بعض الوجوه المتقدّمة لا يحتاج الى مصلحة سوى مصلحة الايصال الى الواقع وعلى فرض تسليم بعضها الأخر فيكفى فى المصلحة الزائدة على مصلحة الايصال مجرّد رعاية الشارع التّسهيل النّوعى على العباد وان استلزم ذلك فوات بعض المصالح الشخصيّة خصوصا اذا قلنا انّ الحكمة البالغة تقتضى تدارك ما يفوت من بعض الأشخاص من مصالح الاحكام الواقعيّة ولو لم نعلم المتدارك والإنصاف عدم وصول البحث الى هذه المرتبة من الكلام وكفاية امكان علم الشارع باحد الوجوه الأخر فلا يلزم من التعبّد بالأمارات فى حال الانفتاح محذور تفويت المصلحة فضلا عن حال الانسداد وهذا الجواب أقرب الوجوه لعدم اقتضاء دليل حجيّة الامارة ازيد من ذلك وعلى مدّعى الزائد اثباته والزائد عليه وان كان بمكان من الامكان الّا انّه بمجرّده لا يذهب اليه بل لا بدّ من قيام دليل عليه واذ ليس فليس الثّانى ما قيل انّ الخطابات الظاهريّة لا يجب ان يكون مضامينها مقصودة فى نفس الأمر والتّرخيص الظاهرىّ للمكلّف الشّاك فى حكم الواقعة الخاصّة فيما اذا كان حكمها فى الواقع الحرمة او الوجوب ليس ملزوما للرضا النّفسانىّ بارتكاب المكلّف الفعل او تركه فى تلك الواقعة وكذا النّهى الظّاهرى فيما اذا كان حكم الواقعة الوجوب او الامر الظاهرىّ فيما اذا كان حكمها الواقعىّ الحرمة وليس شيء منهما ملزوما للحبّ والإرادة او البغض والكراهة فى نفس الامر والناهى بالنّسبة الى هذا الشّىء المشكوك حكمه وإنّما تلك الخطابات احكام صوريّة خالية عن جميع ذلك والمصلحة الخارجيّة اوجبت توجيهها كذلك نحو المكلّف والحبّ والبغض والارادة والكراهة ثابتات فى نفس الامر بالنّسبة الى المصلحة والمفسدة الواقعيّتين فى تلك الوقائع وليس فى نفسه شيء من ذلك غير الّتى تكون بالنّسبة الى الاحكام الواقعيّة نعم الارادة والكراهة الواقعيّتان ليستا بحيث توجبان استحقاق العقاب على تقدير مخالفة الامر والنّهى الواقعيّين النّاشئين من المصلحة والمفسدة وانّما توجبان له اذا علم المكلّف بالامر والنّهى او قام عنده طريق ظنّى معتبر عليهما وبالجملة المتحقّق فى نفس المكلّف بالكسر فى تلك الوقائع غير ما هو الواقع ليس الّا مجرّد ارادة توجبه تلك الخطابات الظّاهريّة دون مضامينها وهذا نظير ما نجده فى الخطابات العرفيّة وذلك كما اذا ورد احد تبغضه على مائدتك فيأخذك الحياء من ان لا تؤذنه فى الاكل منها فيدعوك ذلك الى ترخيصه فى الاكل مع انّك فى نفسك مكره

١٣٤

ومبغض ذلك بل قد يدعو الحياء الى الزامك ايّاه فى الاكل فهل تجد فى نفسك هناك من ارادة وكراهة او حبّ وبغض ام لا تجد الّا الكراهة وحدها والبغض وحده ويبعّد هذا الوجه لو لم يقطع بعدمه اوّلا انّ الظّاهر من الطلب الخارجىّ المنشإ استلزامه للطّلب النّفسى الّذى هو عين الارادة وكشفه عنه فيكون التّنافى بحسب ظاهر الدّليل وثانيا أنّ هذا النّحو من التّكليف يستلزم نقض الغرض حيث انّ الواقع مراد فعلا ومع وجوده كذلك كيف يرخّص فى تركه ومستلزم لتفويت الواقع على المكلّف بالفتح وجعله طريقا الى الواقع وبلحاظه وان كان غير مستلزم لما ذكرنا الّا انّه عدول الى الجواب المتقدّم الثالث ما ذهب اليه المحقّق صاحب الكفاية تبعا لجماعة من اصحابنا ونحن نقرّره لك باجود ما يمكن من البيان وهو انّ مفاد دليل التعبّد بالأمارة ليس انشاء حكم على طبق مؤدّياتها بل مفاده هو جعل الحجيّة لها بعد ما لم تكن حجّة ويظهر ذلك ممّا تراه فى جعل الطّرق من الموالى العرفيّة فاذا جعل المولى العرفىّ لعبده طريقا للوصول الى احكامه هل يرى العقل فى ذلك الّا جعل الحجيّة بحيث لا يكون الملحوظ الّا الوصول الى مقاصده وجعل الحجّة له عليه فاذا اصاب مقصوده ووافق حكمه تنجّز عليه واذا أخطأ صحّ للعبد الاعتذار به فيكون كالقطع فى كونه طريقا محضا الى متعلّقه ويكون له تمام آثار ما هو الحجّة واذا كان الامر كذلك فى الموالى العرفيّة فقس عليه حال الشارع فى التعبّد بالأمارات فلا يكون غرضه من التعبّد بها الّا صرف جعل الحجيّة لها من غير فرق فى ذلك بين ما لو كان دليل التعبّد بلسان الامر والنّهى كقوله صدّق العادل ولا تنقض اليقين ام بلسان انّ الخبر حجّة وكاشف عن الواقع ويظهر ذلك ايضا من ملاحظة ما ورد فى التّوقيع الشّريف بمضمون انّ الفقيه حجّتى عليكم وانا حجّة الله فكما انّ جعل الحجيّة لقول الفقيه ليس الّا كونه كاشفا عن الواقع فكذلك الامر بالعمل بقول الفقيه ويظهر أيضا ممّا ورد فى الاخبار من انّ يونس بن عبد الرّحمن ثقة اخذ عنه معالم دينى فانّ سرق السّئوال يدلّ على انّ الأخذ بقول الثّقة والاعتماد عليه فى معالم الدّين كان مفروغا عنه وقصد السّائل تطبيق هذا المورد مع الكبرى المفروغ عنها وقرّره على ذلك المعصوم عليه‌السلام واذا كان التعبّد بغير العلم موجبا لانشاء حكم مماثل لما كان معنى لهذا السّئوال والتّقرير وبملاحظة ما ذكرنا يمكن ان يدّعى القطع بكون مفاد دليل التعبّد هو جعل الحجيّة لغير العلم من دون انشاء حكم فى مؤدّاه كالحجّة المنجعلة من القطع والظّن فى صورة الانسداد على تقدير الحكومة وقضيّة الحجّة ان يكون عذرا فيما أخطأ وموجبا للتّنجّز واستحقاق العقوبة فيما اصاب وان يكون موافقتها انقيادا ومخالفتها تجرّيا وبناء على هذا الجواب لا يلزم من جعل الأمارة اجتماع حكمين مثلين او ضدّين ولا طلب الضدّين ولا اجتماع المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة فانّه

١٣٥

لا حكم فى مؤدّى الامارة حتّى يلزم شيء منها وانّما يكون الطّلب متعلّقا بالواقع والارادة متعلّقه به والمصلحة قائمة به وفى مؤدّى الأمارة ليس شيء ابدا حتّى يكون مثله او ضدّه ولاجل ذلك لو ظهر الخلاف لا بدّ من القول بعدم سقوط الإعادة فى الوقت والقضاء فى خارجه نعم مع التمكّن من العلم كما فى زمان الانفتاح يلزم من جعل الأمارة تفويت المصلحة على المكلّف او القائه فى المفسدة فيما اخطأت ولا محذور فيه اذا كان التفويت لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع فانّ حال الشرعيّات من هذه الجهة ليس الّا كحال التّكوينيّات فكما انّ فى التّكوينيّات لا يضرّ الالقاء فى بعض المفاسد لمصلحة النّوع كما يتلف بواسطة مصلحة التّمام بعض النّفوس بسبب البرودة وبعضها بواسطة الحرارة وبعضها بكثرة الامطار فى الفلاة فكذلك فى التشريعيّات لا يضرّ الالقاء فى المفسدة بواسطة مصلحة غالبة على تلك المفسدة فاذا اقتضت المصلحة جعل الأمارة فلا ضير فى ادائها الى ذلك فى صورة الخطإ فظهر أنّ بعد كون مفاد دليل الأمارة هو جعل الحجيّة فلا يلزم شيء من المحاذير المذكورة الّا تفويت مصلحة الواقع على المكلّف او القائه فى مفسدته وقد علم انّ هذا المحذور لا ضير فيه بعد وجود مصلحة ملزمة فى جعل الحجيّة غالبة على مفسدة التفويت او الالقاء مثل ما ذكرنا فى الوجه الاوّل لكن فى المقام إشكال وهو انّ الجعل ينافى المرتبة الفعليّة من الحكم الواقعى فانّ المفروض جعل الحجّة فى زمان الانفتاح والتمكّن من العلم التّفصيلى ولا شبهة فى كون الشارع عالما بكونها غير دائم المطابقة ومع علمه بتخلّف الحجّة عن الواقع وخطأ الامارة ولو احيانا كيف ينقدح فى نفسه الشّريفة الإرادة والكراهة الموجبة للانشاء بعثا او زجرا فيكون جعل الحجّة فيما اخطأت منافيا لبعث المولى او زجره كما اذا ادّت الأمارة الى حرمة صلاة الجمعة مع كونها واجبة فى الواقع واذا كان الوقوع فى مخالفة الواقع بسبب جعل الأمارة كيف يريد الواقع ويبعث نحوه ويمكن ان يجاب بانّ جعل الأمارة إن كان من سنخ التكوينيّات فالحجّة المجعولة ليست الّا كالحجّة المنجعلة فكما يجتمع الحكم الواقعىّ الفعلى مع قطع المكلّف بالخلاف بحيث لا منافات بين بعث المولى وزجره عنه مع كون المكلّف عالما بالخلاف من جهة عدم وجوب تهيّة اسباب التنجّز عليه فكذلك يجتمع مع اداء الأمارة الى الخلاف فكما يصحّ البعث والزّجر مع قطع المكلّف بالخلاف فكذلك يصحّ من المولى البعث والزّجر فى مورد اداء الأمارة الى الخلاف ولكن لا يكاد يتمّ هذا الّا بعد اثبات كون جعل الأمارة من سنخ التكوينيّات فانّ فيها يجتمع الحكم الفعلىّ البعثيّ الحقيقىّ مع جعل ما يوجب التمرّد عنه فى مقام التّكوين فيصحّ ان يجترى العبد على المولى ويظهر منه المخالفة بواسطة التكوينيّات ومع ذلك يكون المولى فى مقام التشريع مناديا بالحكم عليه على وجه البعث بقوله افعل وان كان من سنخ التشريعيّات لكان جعل الحجّة

١٣٦

منافيا لفعليّة الحكم الواقعى بقول مطلق وح يمكن القول بالفعليّة الوسطى ولا مانع من الالتزام بها لانّه يمكن ان يكون الحكم غير داخل فيما سكت الله عنه رحمة للعباد حتّى يكون ممّا لا يجب امتثاله وكان داخلا فى الاحكام الّتى اقتضت الحكمة اجرائها وانفاذها حتّى يكون ممّا يجب امتثاله لو علم به تفصيلا او صادفه الأمارة ومع ذلك كان له قصور عن وصوله الى حدّ البعث والزّجر فى صورة جهل المكلّف بواسطة اداء الأمارة على خلافه فالحكم فعلىّ لو تعلّق به العلم تفصيلا او قامت عليه الامارة واصابت وامّا ان اخطأت فهو ليس بفعلىّ ولا ينافى ذلك كونه فعليّا بمرتبة من الفعليّة ولذا اذا احتاط فى مورد الخطأ وأتى بالجمعة والظّهر رجاء مع اداء الأمارة الى وجوب الجمعة وانكشاف الخلاف كان المأتيّ به مجزيا عن الواقع والّا لما كان معنى للاجزاء ولا يقاس المقام بالقطع فيما اذا أخطأ عن الواقع فيقال هناك ايضا بالفعليّة الوسطى فانّ فى المقام من قبل دليل الاعتبار علمنا عدم وصول الحكم الواقعىّ الى المرتبة الفعليّة بقول مطلق ولذا يصحّ ان ينسب الى الشّارع التفويت وهذا بخلاف القطع اذ لا تناله يد الجعل نفيا واثباتا فالحكم فى مورده ثابت بتمام مراتبه الفعليّة ويصحّ للمولى ان ينادى بقوله افعل على وجه البعث ولا ينسب اليه الالقاء فى المفسدة فإن قلت إنّ فى مورد القطع لو كان الامر كما ذكرت فباىّ جهة لا يرفع المولى جهله ولو كان الحكم فعليّا بتمام مراتبه لزم عليه رفع جهله وخطائه فمنه يستكشف ايضا عدم كونه بتلك المرتبة قلت انّ مع كمال البعث يعصى المكلّف ولا يلزم على الشّارع صرفه عن المعصية وليس اقدامه على المعصية من قبل ارادته تعالى انّما هو من مقتضيات ذاته وخبث طينته وكذلك الأمر فى الجهل المركّب فانّ الجهل والعلم من اوصاف النّفس ولا تنالهما يد الجعل كما عرفت فالوقوع فى الخلاف لا ينسب اليه حتّى يلزم عليه رفعه وممّا قدّمنا من تصوير الفعليّة الوسطى يظهر لك دفع اشكال آخر أمّا الاشكال فهو انّه اذا كانت فى جعل الأمارة مصلحة غالبة على مصلحة الواقع كانت تلك المصلحة مانعة عن وصول الحكم الواقعىّ الى حدّ البعث والزّجر والّا لم تكن متداركة لتفويت المصلحة ومع عدم البعث والزّجر لا معنى لجعل الأمارة لعدم لزوم الاتيان بما قامت عليه الأمارة ضرورة عدم لزوم الإتيان بالاحكام الانشائيّة فانّ الحكم فى تلك المرتبة داخل فيما سكت الله عنه رحمة للعباد وامّا الدّفع فهو انّ من قبل جعل الأمارة نستكشف انّ مصلحة الواقع غير لازم الاستيفاء ولم يكن بتمام المهمّ ولذلك جاز جعل الأمارة المصيبة تارة والمخطئة اخرى ولو كان بتمام المهمّ كان جعل الامارة المخطئة احيانا قبيحا بل كان اللّازم ايجاب الاحتياط ومع كون المصلحة كذلك لا يلزم ان يكون الحكم فعليّا بقول مطلق بل يكفى الفعليّة بالمعنى الّذى ذكرنا وهو انّ الحكم فعلىّ لو تعلّق به العلم تفصيلا او قامت عليه الامارة واصابت وحاصل الكلام انّ جعل الحجّة ان كان

١٣٧

من سنخ القطع فى صورة المخالفة عن الواقع لم يكن مانع عن الالتزام بفعليّة الحكم الواقعى فى مورد خطأ الامارة عن الواقع كما انّ فعليّة الحكم لا يمنع عن القطع بالخلاف وان كان جعلها من سنخ جعل الاباحة والحليّة فى بعض المشتبهات فانّ جعلهما ليس الّا من جهة التشريع فجعل الحجيّة مناف لفعليّة الحكم بقول مطلق وامّا الفعليّة الوسطى فلا مانع من الالتزام بها ولا سبيل لنا الى اثبات احدهما بل يكفينا فى دفع الأشكال بانّ نفس الحجّة بما هى حجّة لا تنافى فعليّة الحكم على وجه البعث والزّجر كما فى القطع وأمّا جعل الحجّة فهو مناف لذلك فيما اذا اخطأت نظرا الى انّ الشّارع مع علمه بكون الحجّة قد تخطى عن الواقع كيف ينقدح فى نفسه الشريفة الإرادة والكراهة الموجبة للانشاء بعثا او زجرا مع جعله الحجّة إمكان احد الامرين على سبيل منع الخلوّ فيمكن ان يكون جعل الحجّة كايجادها بحيث لا يكون ما هو مفاد كان الناقصة هنا الّا ما هو مفاد كان التّامة هناك فاذا اقتضت المصلحة النوعيّة ايجاد الحجّة الّتى يكون الحكم معه فعليّا فلا مانع من ان تكون المصلحة النوعيّة المشتملة على جهة النظام الكلّى مقتضية لجعل الحجّة الّتى تخطئ عن الواقع تارة وتصادف معه اخرى ومع ذلك كان الحكم فعليّا فانّ الإرادة التكوينيّة لا تنافى الارادة التشريعيّة فيصحّ ان يكون الشّارع فى مقام التّشريع مريدا للفعل والترك فى صورة خطأ الأمارة الّتى اقتضت المصلحة النوعيّة جعلها وان أبيت عن كون جعل الحجّة كايجادها فنقول انّ جعلها ينافى الفعليّة بقول مطلق وامّا الفعليّة بالمعنى الّذى ذكرناه فلا مانع من الالتزام بها ولا ينافى جعل الحجّة معها وتوضيحه زايدا على ما قدّمنا يحتاج الى بيان مقدّمة وهى انّ الحكم الشرعى بعد ما لم يكن شيئا يكون له مراتب من الثبوت الاولى ثبوته بمجرّد ثبوت مقتضيه من دون انشائه وتشريعه الثانية أن يكون له وجود انشاء من دون ان يكون له بعث وزجرا وترخيص فعلا وذلك لقصور فى الاجراء والإنفاذ الثالثة ان يكون له وجود كذلك مع فعليّة البعث او الزّجر من دون قيام حجّة عليه فلا يكون على مخالفته استحقاق ذمّ من العقلاء ولا عقوبة من المولى الرابعة أن يكون له وجود كذلك مع قيام الحجّة عليه فيستحقّ على مخالفته الذمّ والعقوبة وثبوت هذه المراتب لوضوح امكان وجود المقتضى من المصلحة لانشائه وجعله مع وجود مانع او فقد شرط كما لا يبعد ان تكون الاحكام الاسلاميّة كذلك قبل بعثة الرّسول الخاتم ص أو وجود العلّة التامّة للحكم لكن مع وجود مانع من ان ينقدح فى نفسه ص البعث او الزّجر لعدم استعداد الانام كذلك كما فى صدر الاسلام بالنّسبة الى غالب الاحكام وكما فى زماننا هذا بالنّسبة الى بعض الاحكام المخزونة عند السّلطان العادل عجّل الله تعالى فرجه إذا عرفت ذلك فالحكم ما لم يصل الى المرتبة الثّالثة لا يكون مقتض لوجوب الاطاعة والموافقة لكونه فى تلك المرتبتين فاقدا لما به قوام الحكم وحقيقته و

١٣٨

وروحه ويكون فيهما داخلا فيما سكت الله تعالى عنه رحمة للعباد كما روى عن امير المؤمنين صلوات الله عليه انّ الله حدّد حدودا فلا تتعدّوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلّفوها رحمة من الله عليكم ثمّ المرتبة الثالثة وهى ما كان مقتضى للنفوذ والاجراء مع تماميّة البعث والزجر لها أقسام فتارة يكون من تمام المهمّ والغرض عند المولى فلا يكاد يرضى بعدم وجوده وبمخالفته فيهيّئ اسباب تنجّزه بايجاب الاحتياط كما يمكن ان يستكشف من قوله (ع) قف عند الشّبهة حيث انّ الامر بالوقوف عندها يدلّ على انّ الحكم فيها يكون من تمام المهمّ وأخرى لا يكون من تمام المهمّ مع كونه من الاحكام الاجرائيّة ومع ذلك امّا ان يجعل فى مورده ما يصحّ الاعتذار به وامّا ان يكتفى فيه بمجرّد حكم العقل وما كان من قبيل الوسط كان داخلا فى الاحكام الفعليّة بمعنى انّه على نحو وصفة لا يكون له مانع الّا الجهل به ومع ارتفاعه يصير فعليّا بقول مطلق ويبلغ مرتبة التّنجّز فالزّجر والبعث الّذى يحتاج اليه فى المرتبة الثّالثة من الحكم وهى الفعليّة اعمّ من ان يكون تحقّقه قبل العلم او قيام الطّريق بان يكون العلم متعلّقا بما معه البعث او الزّجر او يتحقّق ذلك مع العلم بان لم يكن بدون العلم بعث وزجر وبتحقّقه يتحقّق البعث والزجر فللعلم وقيام الطريق دخل فى تحقّقه واذا تعلّق العلم به يتحقّق شرط البعث ولا منافاة بين موضوعيّة العلم وطريقيّته لانّ العلم انّما هو انكشاف الشّيء فالشّيء المنكشف يكون فعليّا بلحاظ اتّصافه بالشّرط وبلحاظ كونه منكشفا يكون منجّزا وان شئت توضيح الامر فقس حال الاحكام الشرعيّة بحال مهمّاتك بالنّسبة الى خدمك وحال اهل العرف بالنّسبة اليهم فعندهم من المهمّات ما يكون على نحو لا يرضون بتركه اصلا ويحكمون فى مورده بالاحتياط ومنها ما لا يكون كذلك ولكن يجعلون فى مورده الحجّة للعبد والخادم على وجه يصحّ له الاعتذار بها ومنها ما يكتفون فيه بمجرّد العذر العقلى ولا يعبئون به كثيرا واذا كان ذلك واضحا من سيرتهم فى مقاصدهم فابن عليه المقاصد الشرعيّة وتفطّن انّ جعل الحجّة لو لم يكن من سنخ التكوينيّات وكان مانعا عن الفعليّة بقول مطلق لم يكن مانعا عن كون الحكم فى مورد خطائها من الاحكام الانفاذيّة بان لا يكون داخلا فى الاحكام الانشائيّة الّتى يكون فيها قصور عن الاجراء والنّفوذ ويكون من الفعلىّ بالمعنى الّذى عرفته وقد عرفت انّ الحكم الفعلى لا يستلزم ان يكون على حدّ البعث والزّجر ويقبل جعل العذر فى مورده فانّ الفعلىّ كما يكون فى بعض الموارد مقتضيا لايجاد اسباب التنجّز واتمام فعليّته بايجاب الاحتياط كذلك قد يكون مقتضيا لاتمام وجه الاعتذار فيه تتميم ما فصّلنا ذكره من انّ المجعول فى الامارات هو الحجيّة جار فى الاصول المحرزة كالاستصحاب وقاعدة التّجاوز وامثالهما وامّا الاصول الغير المحرزة اى الّتى تكون فاقدة للنّظر الى الواقع بقول مطلق كأصالة الاباحة الشرعيّة فالامر فيها اشكل فانّ الأذن فى الاقدام والاقتحام ينافى المنع فى الواقع كما

١٣٩

لو صادف الحرام وان كان الاذن فيه لاجل مصلحة فيه لا لاجل عدم مصلحة او مفسدة ملزمة فى المأذون فيه فلا محيص فى مثله الّا من الالتزام بجعل الحجيّة وثبوت الحكم الواقعى بالمرتبة الفعليّة الوسطى على ما تقدّم هذا غاية الكلام فى توضيح الوجه الثّالث ولكنّه كانّه مخالف لظواهر الخطابات الواردة فى باب الاستصحاب مثل قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشّك حيث انّ الظاهر منها جعل الحكم بلحاظ اليقين وهكذا فى بعض الأوامر المتعلّقة بجعل الطّرق الرّابع ما هو المشهور بل المسلّم بين الاصحاب لم نر فيه مخالفا سوى الوجوه الّتى ابداها المتاخّرون وهو القول بالسّببية والموضوعيّة للأمارة وكون مؤدّاها كالواقع حكما تامّا وشيّد اركانه شيخنا المرتضى الأنصارى قدّس الله تعالى نفسه الزكيّة وهو أنّ قيام الأمارة موجب لحدوث مصلحة راجحة على المصلحة الواقعيّة الّتى تفوت عند مخالفة تلك الأمارة للواقع كان يحدث فى مسئلة صلاة الجمعة بسبب اخبار العادل بوجوبها مصلحة راجحة على المفسدة فى فعلها على تقدير حرمتها واقعا فيجب العمل بالأمارة قال العلّامة فى النّهاية فى هذا المقام تبعا للشّيخ قدس‌سره فى العدّة انّ الفعل الشّرعى انّما يجب لكونه مصلحة ولا يمتنع ان يكون مصلحة اذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة وكوننا ظانّين بصدق الرّاوى صفة من صفاتنا فدخلت فى جملة احوالنا الّتى يجوز كون الفعل عندها مصلحة انتهى وكلامه هذا صريح فى انّ الجهات المقتضية لجعل الاحكام الشرعيّة فى الافعال لا تلزم ان تكون ذاتيّة لها فى جميعها بل يمكن ان يكون باعتبار الوجوه والاعتبارات المفارقة الّتى منها اوصاف المكلّف الّتى منها الظّن فانّ للظنّ كالعلم تعلّق بالظّان وتعلّق بالمظنون فمن الحيثيّة الاولى من الاوصاف ومن الثانيّة من الطّرق والكواشف فلا يمنع اذا ان يكون الفعل حسنا ونحن ظانّين بصدق الراوى مثلا فاذا كان الامر كذلك فلا قبح فى امر الشارع بسلوكه فى زمان التمكّن من تحصيل الواقع لانّ المفروض انّ بواسطة قيام الظّن تحدث مصلحة غالبة على مفسدة فوت الواقع على تقدير مخالفة الامارة فلا يلزم تفويت للمصلحة ونقض للغرض هذا ولكن لا يخفى عليك انّ ظاهر كلام العلّامة هذا هو حدوث المصلحة فى المظنون بواسطة قيام الظنّ مطلقا لا على تقدير المخالفة فالاستشهاد بكلامهما انّما هو لمجرّد عدم امتناع ايجاب الظنّ لحدوث المصلحة فإن قلت إنّ هذا الجواب يوجب التّصويب لانّ المفروض على هذا انّ فى صلاة الجمعة الّتى اخبر بوجوبها مصلحة راجحة على المفسدة الواقعيّة فالمفسدة الواقعيّة سليمة عن المعارض الرّاجح بشرط عدم اخبار العادل بوجوبها وبعد الاخبار يضمحلّ المفسدة لعروض المصلحة الرّاجحة فلو ثبت مع هذا الوصف تحريم ثبت بغير مفسدة توجبه لانّ الشّرط فى ايجاب المفسدة له خلوّها عن معارضة المصلحة الرّاجحة فيكون اطلاق الحرام الواقعى ح بمعنى انّه حرام لو لا الاخبار لا انّه حرام بالفعل ومبغوض واقعا فالموجود بالفعل فى هذه الواقعة عند الشارع ليس الّا المحبوبيّة و

١٤٠