تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

اللوم والذمّ على مخالفته وحسن المدح على موافقته يكشف عن كون مناط الحجيّة هو كون المخبر ثقة يحسن الاعتماد عليه.

قوله (الخامس ما ذكره العلّامة فى النّهاية) وقد يعبّر عن ذلك باجماع اهل المدينة والخلفاء والصّحابة والتابعين واجاب السيّد عن هذا الوجه بما حاصله انّه لم يثبت العمل ممّن يكشف عمله عن رضا الإمام ع ومن يرتدع بردعه وانّما المعلوم هو عمل المتأمّرين التابعين للآراء الباطلة وامساك النكير من الإمام ع عليهم لا يدلّ على الرضا بعملهم لانّ شرط دلالة الامساك على الرضا ان لا يكون له وجه من خوف او تقيّة او نحوهما سوى الرضا مضافا إلى احتمال وقوع الردع وعدم ارتداع العامل وعدم الوصول الينا لا يدلّ على عدم الوقوع والقياس بمسألة الخلافة فى غير محلّه لثبوت الفرق الواضح بينهما قوله (وثانيا انّ ما ذكر من الاتّفاق لا ينفع حتّى فى الخبر الّذى الخ) وكما لا يصحّ الاعتماد على مثل هذا الإجماع الّذى يكون وجه العمل مختلفا لا يمكن الاعتماد على الشهرة الّتى تكون كذلك بطريق اولى وقد يرى في الفقه تمسّك بعض بامثال هذا الإجماع وهذه الشهرة وليس الّا غفلة عمّا افاده ونحن نذكر لك موردين الاوّل ما ادّعاه بعض من انّ التصرّف فى المال فى بيع المعاطات سبب للملك اتّفاقا فانّ القائلين بكونه بيعا لا ينكرون ملكيّته بعد التصرّف ولو باعتبار صيرورته ملكا عند المعاوضة وامّا القائلون بكونه اباحة فقد اتّفقوا على انّ التصرّف يوجب الملك وان لم يوجب مجرّد نقل العوضين الّا الاباحة ومن الواضح عدم الاتّفاق على كون التصرّف موجبا للملك نعم متّفقون على الحكم بالملكيّة فى هذه الحال ولكن لا بالعنوان المذكور بخصوصه الثّانى ما ادّعاه بعض من قيام الشّهرة على طهارة ماء الغسالة حيث نسب القول بها الى المشهور وعدّ من جملتهم ابن ابى عقيل والسّيد وابن ادريس لانّ الاوّل يقول بعدم تنجّس الماء القليل بملاقات النجاسة والاخيرين يفرّقون فيه بين الوارد والمورود وجماعة اخرى يقولون بطهارة ماء الغسالة بالخصوص ومن انضمام هذه الاقوال يحصل قيام الشهرة على طهارة الغسالة ومن الواضح انّ دعوى قيام الشهرة على طهارة ماء الغسالة لا بدّ وان تكون بهذا العنوان مع انّ بعد الاغماض عن القولين الاوّلين لا شهرة فى المسألة بهذا العنوان فاللازم التوجّه الكامل فى المسائل الّتى يدّعى قيام الاجماع او الشهرة فيها على حكم حتّى لا يقع الاشتباه وينبغى التّنبيه على امور الاوّل انّ الّذى ينبغى الاعتماد عليه ويظهر من الادلّة المتقدّمة وسيصرّح به المصنّف ره بعد ذكر الدليل العقلى على حجيّة الخبر بالخصوص هو حجيّة الخبر الموثوق به والمعيار فيه ان يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا بحيث لا يعتنى به العقلاء من دون فرق بين كون راويه عدلا ام لا اماميّا او غيره حتّى الغلاة بل المستفاد من كلام معظم الاصحاب الّا القليل ممن صرّح باشتراط العدالة كاصحاب المسالك والمدارك والمعالم ومجمع الفائدة وملاحظة الاجماعات

٢٦١

المنقولة على نحو العموم والخصوص والسيرة العقلائيّة والشهرة المحقّقة حصول القطع بما ذكرنا وكيف اذا انضمّ اليها الاخبار الّتى كانت فى نفسها كافية فى اثبات المدّعى ويشهد لما ذكرنا من كفاية الوثوق والاطمينان وعدم اعتبار وصف العدالة تعبّدا فى الراوى كما فى الشهادة الشّهرة المحقّقة على حجيّة الخبر الضّعيف المنجبر بالشّهرة بل ادّعى بعض مشايخنا الاجماع عليه وكذا ما ذكره علماء الرّجال فى ترجمة الرواة من القرائن الغير المحصورة الدّالة على كون بناء القدماء فى العمل بالروايات على الاطمينان واعلى ما يذكر فى شأن الرواة لفظ الثقة والمراد به من يوثق به ولا دلالة فيه على اعتبار كون الراوى إماميّا وما قيل من انّ المراد بهذا اللّفظ فى كلام النجاشى هو العدل الامامى الضّابط فهو قول بلا دليل اذ لم نجد اصطلاحهم فى هذا اللفظ على ذلك ولا يكون بين قول النّجاشى مثلا ثقة وقوله عقيبه فطحىّ تدافع وتعارض وكذا كلام الشهيد الثانى فى المسالك والروضة من انّ الثقة فى الشرع ليس الّا العدل الامامى وحمل لفظ الثّقة الوارد فى بعض الاخبار عليه لا وجه له فانّ بعد تسليم ثبوت الدليل الشرعى كحرمة الركون الى الظّالم الّتى دلّت عليها الآية الشريفة ونحوها يكون الغاية انّ قول الفاسق غير معتبر لا انّ لفظ الثقة معناه ذلك واذا قطعنا بمقتضى الادلّة المتقدّمة على عدم ثبوت دليل شرعى على منعه على سبيل الاطلاق فلا مانع من حمل لفظ الثقة فى كلام اهل العصمة ع على معناه اللغوىّ والعرفى الثّانى استدلّ القائلون باعتبار العدالة بامور منها آية النّبإ بحمل التبيّن فيها على التبيّن العلمى كما هو معناه اللّغوى وقد استدلّ به جمع من المتاخّرين على اعتبار العدالة فى الشهادة والرواية ومنها قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) نظر الى انّ الفاسق ظالم وقد استدلّ به على اعتبار العدالة فى جملة من المقامات كالوصيّة ونحوها ومنها الشهرة المحكيّة على اعتبار العدالة وردّ قول الفاسق بل نقل عليه الاجماع ويندرج في العدالة الايمان والاسلام لانّ المراد بالفسق اعمّ من ان يكون بالجوارح او بالاعتقاد وقد حكى عن فخر المحقّقين انّه قال سألت والدى عن أبان بن عثمان فقال الاقرب عندى عدم قبول روايته لقوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) واىّ فسق اعظم من عدم الايمان اشار به الى ما رواه الكشّى من انّ أبان كان من الناووسيّة مضافا الى انّ اعتبار الايمان بنفسه كان مشهورا وكذا الإسلام بل نقل ما ظاهره الاجماع على ذلك وما يتوهّم من عدم الفائدة فى اعتبار الاسلام لعدم وجود الكافر فى رواة الاحكام ليس فى محلّه لوجود الغلاة كما قيل من انّ نصر بن الصباح من مشايخ الكشىّ وهو من الغلاة وكذا النّصاب ويستدلّ على اعتبار الايمان ايضا بامور منها ما عن الشيخ فى الفهرست من انّ الاسكافى تركت رواياته لكونه عاملا بالقياس فهو مع عدالته وكونه من اجلّاء فقهاء الاماميّة تركت رواياته لاجل عمله بالقياس فما ظنّك بمن كان اساس مذهبه القياس.

٢٦٢

ومنها ما تقدّم من السؤال عن العسكرى ع من كتب بنى فضّال فانّ سؤالهم يدلّ على كون شعارهم الاجتناب عن العمل برواية المخالف وجوب الإمام ع بجواز العمل برواياتهم لعلّه لخصوصيّة موجودة فيها كعلمه عليه‌السلام بكونها محفوفة بالقرائن القطعيّة ونحوه ومثله الكلام فى كلام الشيخ ابى القاسم فى جواب السؤال عن كتب الشلمغانى ومنها ما ورد عن سعد بن عبد الله فى ابراهيم بن عبد الحميد من انّه ترك الرواية عنه لانّه ادرك الرضاع ولم ينقل عنه فترك روايته لتوهّم كونه واقفيّا فكيف حال سعد وامثاله بالنّسبة الى من علم كونه واقفيّا او غير ذلك من الفرق ومنها ما عن ابى الحسن الرضاع من قوله لا تاخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا ومنها ما هو المروىّ فى الاحتجاج وتفسير الإمام ع وامّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلّدوه ومنها ما رواه الكشىّ عن ابى الحسن الثالث ع فيما كتبه جوابا عن السؤال عمّن نعتمد عليه فى الدّين قال ع اعتمدا فى دينكما على كلّ مسنّ فى حبّنا كثير القدم فى امرنا فانّهم كافوكما إن شاء الله الله تعالى ولكنّ الجميع لا يقاوم تلك الادلّة المشار اليها امّا دعوى ظهور التبيّن فى آية النّبإ فى التبيّن العلمى فهى ممنوعة لقيام القرينة القطعيّة على انّ المراد به مطلق تحصيل الوثوق لانّه امّا ان يعتبر المفهوم للآية كما التزم به الخصم فاخذها دليلا على اعتبار خبر العدل ام لا فعلى الاوّل يكون المعنى فى جانب المنطوق على تقدير التبيّن العلمى ان جاءكم فاسق بنبإ فيجب تحصيل اليقين بصدقه لعلّة خوف الاصابة بالجهل ويكون المراد بالجهل لمقابلته باليقين هو ما دون العلم وان بلغ اقصى مراتب الظّن وفوق مرتبة الوثوق ويكون حاصل المعنى انّ العلّة فى وجوب التبيّن بهذا المعنى هو مبغوضيّة ما دونه من مراتب الظّن والوقوع فى النّدم بواسطة الجهالة وهذا المعنى يناقض اعتبار المفهوم والحكم بوجوب قبول خبر العدل مط ولو لم يفد العلم الوجدانى فانّ العلّة المنصوصة فى المنطوق هى بعينها جارية فى طرف المفهوم غالبا لانّ الغالب فى خبر العدل ايضا عدم افادته العلم وان كان الغالب فيه افادته الوثوق بالصدور فبمقتضى العلّة المنصوصة يجب الحكم بردّ خبر العدل ايضا ما لم يفد العلم وعلى هذا فلا مناص من صرف التبيّن عن ظاهره وحمله على تحصيل الوثوق حتّى يرتفع هذا التنافى ولا مانع من جريان العلّة حينئذ فى جانب المفهوم مع الحكم بوجوب قبول قول العدل مط فانّ العلّة حينئذ فى المنطوق هو عدم الوقوع فى الندم بواسطة الجهل الّذى يقابل الوثوق والاطمينان والعلّة وان كانت مقتضية لتحصيل الاطمينان فى طرف المفهوم ايضا الّا انّ الغالب فيه لمّا كان افادته للوثوق بخلاف خبر الفاسق اطلق الحكم فى غير الفاسق بوجوب القبول وعلى الثانى فبعد ملاحظة الادلّة المتقدّمة الدّالة على حجيّة الخبر الموثوق به وملاحظة التنافى بينها وبين العلّة المنصوصة فى الآية على

٢٦٣

تقدير حمل التبيّن على ظاهره وهو العلمىّ منه لا مناص من حمل التبيّن على ما يعمّ القطع اعنى العلم العرفى المساوق للاطمينان والوثوق ونحن وان اوردنا فيما سبق جملة من المناقشات فى حمل التبيّن على الوثوق ولكن لا مناص من مخالفة الظاهر لمكان الادلّة المشار اليها وامّا الاستدلال بآية الركون فالظاهر من الظّالم والمتبادر منه عرفا هو الظالم للغير خاصّة فلا يعمّ مطلق الفاسق مضافا الى انّ الركون هو الميل القلبى لا مطلق المراجعة اليهم فى الامور فلا ينافى ترك الركون اليهم اخذ الرواية عنهم عند احتفافها بالقرائن وحصول الاطمينان بالصّدور ولا يبعد ان يكون المعنى ولا تركنوا الى الّذين ظلموا من حيث كونهم ظالمين اى لا تصاحبوهم ولا تعاونوهم فى الفعل الّذى به يظلمون الناس كما يشعر به التعليق مساوقا لقوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) ويجرى ما ذكرنا فى قوله ع لا تاخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا فانّه لا يدلّ الّا على حرمة اخذ المعالم من غير الشيعة من حيث انّهم كذلك بدلالة التعليق فانّه غيرهم يدلّسون ويلقون عليك ما ليس من دينك ولا اطمينان بهم غالبا امّا لو فرض الوثوق بهم والاطمينان بتحرّزهم عن الكذب مع عدم المعارض فلا يمنع هذا الحديث عن القبول كما يدلّ على ذلك صراحة الخبران المتقدّمان ويجري أيضا فى المروىّ عن الاحتجاج وتفسير الإمام ع وما ورد فى بنى فضّال والشلمغانى فانّ استيحاشهم حين توقّف بنى فضّال وغلوّ الشلمغانى لم يكن لاعتبار العدالة عندهم بل لزوال وثوقهم بهم حين رجوعهم عن الحق وكذا ترك الرواية عن ابراهيم بن عبد الحميد من سعد بن عبد الله لم يكن لنقض عدالته بل لعدم بقاء الوثوق بقوله ولو سلّم دلالة هذه الروايات على حرمة الاخذ من غير الشيعة ومن غير العادل الصائن لنفسه فهى معارضة بالاخبار المتظافرة المتقدّمة الدّالة على وجوب قبول الخبر الموثوق به مطلقا وامّا ترك روايتهم عن الاسكافى لعمله بالقياس فهو ايضا لعلّة عدم وثوقهم به فانّ من المقرّر عندهم انّ مضمون الخبر اذا كان مقطوعا به يتلقّى بالقبول ولعلّ الاسكافى اذا كان عاملا بالقياس يرى بذلك مضمون الحديث قطعيّا وان كان ضعيفا فى نفسه فيرويه وامّا الشهرة المدّعاة على اشتراط العدالة فى الرّاوى فان كان المراد بها العدالة الشرعيّة الاصطلاحيّة نظير العدالة المعتبرة فى الشّهادة فهى ممنوعة لانّ الشّهرة بهذا المعنى غير محقّقة بل المعلوم خلافها لما عرفت من انّ المشهور سيّما عند القدماء هو الاكتفاء بمجرّد الوثوق وان كان المراد بها كونها من احدى القرائن المعتبرة فى صحّة العمل بالرواية عند القدماء فهى مسلّمة ويؤيّد ما اخترناه فانّ القدماء لمّا كان بنائهم فى قبول الرّواية على الوثوق ولم يكن تحصيله الّا بواسطة بعض القرائن المفيدة له خارجيّة كالإجماع والشهرة فى التدوين ونحوهما او داخليّة ومن جملتها غالبا هو وصف العدالة اشترطوا

٢٦٤

فى قبول الرّواية لتحصيل الوثوق احتفافها باحدى القرائن الّتى من جملتها عدالة الراوى وهذا هو السرّ ايضا فى اشتراط جملة من المتاخّرين للعدالة فاعتبارها من حيث كونها من احدى القرائن ودعوى قيام الشهرة على اعتبارها بالمعنى الاوّل ناش عن الاشتباه والغفلة عن حقيقة مرادهم وأمّا دعوى الإجماع فيرد عليه مضافا الى ما قلنا فى الشّهرة انّ مراد ناقل الإجماع وهو الشيخ ره من العدالة ليس الّا التحرّز عن الكذب كما صرّح به فى طىّ كلماته ويؤيّد ما قلناه فى معنى العدالة المدّعاة عليها الشهرة والإجماع ما ذكره الفاضل القمىّ ره من انّ الصّحيح عند المتاخّرين هو فرد من افراد الصّحيح المصطلح عند القدماء فيكون اخصّ منه وما علّقه الوحيد البهبهانى ره في بعض حواشيه على كتاب الرجال من انّ مراد الشيخ من العدل هو المتحرّز عن الكذب الثّالث انّ الطريق الى تحصيل الوثوق بصدور الخبر امّا القرائن الخاصّة او العامّة امّا الاولى فهى تابعة لخصوصيّات الموارد بملاحظة حال اشخاص الرواة والروايات والأوصاف الحاصلة فيهما الموجبة للوثوق الفعلى او الشأنى على تامّل فى الأخير كما ستطّلع عليه ويختلف ذلك باختلاف الاشخاص الناظرين الى الأخبار فربما يحصل الوثوق برواية لفقيه ولا يحصل ذلك لغيره وبالعكس فالمعتمد فى هذا القسم هو القرائن الجزئيّة الحاصلة فى خصوصيّات الأبواب والمسائل الفقهيّة وامّا الثانية فهى عند قدماء الاصحاب كانت قواعد كليّة مطّردة لافادتها الوثوق الفعلى ولكن لم يبق لنا منها الّا ثلاثة إحداها الشهرة الفتوائيّة المحقّقة فانّها تفيد الوثوق الفعلى بالخبر بشرط تمسّك جميعهم به فى فتواهم لا ان يكون الفتاوى مطابقة لمضمونه مع تمسّكهم بدليل آخر الثانية كثرة الاخبار المتقاربة المضمون وان كانت ضعافا اذا كان راويها متعدّدا كاخبار الاستصحاب فانّا بعد ملاحظة تعدّدها وتعدّد ناقليها يحصل لنا الوثوق بصدور بعضها ولو لا على وجه التعيين ان لم ندّع العلم الإجمالي بذلك كما ادّعاه بعض وفى حكمها الخبر الواحد اذا كان راويه متعدّدا فانّ المدار فى الحقيقة على كثرة الراوى كان الخبر واحدا او متعدّدا الثالثة تصريح علماء الرجال بوثاقة الراوى ومدحهم ايّاه بحيث يمنع عن احتمال الكذب فى حقّه وان لم يثبت عدالته مثل قولهم فلان عين من عيون اصحابنا او وجه من وجوههم او فلان يعتمد عليه او فلان ممّن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه الى غير ذلك وامّا وثاقة علماء الرّجال فهى من الواضحات لمن راجع الى احوالهم فى التراجم الرّابع هل يشترط فى الوثوق المصحّح للعمل بالخبر والاعتماد عليه اجتماع الوصفين من وثاقة الرّاوى والوثوق بنفس الرواية او يجوز الاكتفاء بالثّانى خاصّة وان كان الرّاوى غير موثوق به وحصل الوثوق بروايته من الخارج او يصحّ مع ذلك الاكتفاء بالاوّل خاصّة ايضا وان لم يحصل الوثوق بشخص

٢٦٥

الرواية لا اشكال فى الاوّل لانّه المتيقّن من الادلّة المتقدّمة والسّيرة العقلائيّة وامّا الثانى فالظاهر جواز الاكتفاء به عند حصول القرائن الخاصّة او الاوليين من العامّة ووجّهنا ذلك بالادلّة المتقدّمة ويشهد به ملاحظة كلمات الاصحاب حيث اجمعوا على حجيّة الخبر الضعيف المنجبر بشهرة العمل به وامّا الثالث فلا يبعد ايضا جواز الاكتفاء به لظاهر الاخبار والاجماعات سيّما بملاحظة المعنى الّذى ذكرناه آنفا للتبيّن فى آية النبإ فانّه مستلزم لحجيّة قول العادل مط لكونه مفيدا للوثوق بخبره غالبا بحسب النّوع الّا ان يقال انّ الحكم فى الأخبار وان كان مترتّبا على لفظ الثقة الّا انّه ليس الّا من جهة احراز الواقع والمتبادر بعد ملاحظة هذا المعنى هو الوثوق الفعلى الخامس لا يخفى عليك انّ القائلين باعتبار عدالة الراوى يصعب عليهم الامر من حيث تشخيص انّ قول الراوى هل هو من باب الشهادة فيلزم عند اثباتها من تزكية الراوى بعدلين او من باب الرواية فيكتفى فيها بتزكية العدل الواحد وهذا بخلاف ما ذهبنا اليه من كفاية الوثوق والاطمينان فانّ الأمر حينئذ ليس بتلك الصعوبة السّادس انّ قول العدل الامامى او الثقة على الخلاف كما يعتبر فى الاحكام ويعتمد عليه فهل هو كذلك ايضا فى الموضوعات ام لا ذهب بعض الى حجيّة قول العدل الواحد فيها منهم كاشف الغطاء وصاحب الحدائق ويستدلّ له بامور منها مفهوم آية النبإ فانّها شاملة بموردها للموضوعات ايضا ومنها جملة من الاخبار كالخبر الدّال على ثبوت الوصيّة بقول الثقة وهو ما رواه الشيخ عن اسحاق بن عمّار قال سألته عن رجل كانت له عندى دنانير وكان مريضا فقال ان حدث فىّ حدث فاعط فلانا عشرين دينارا واعط اخى بقيّة الدّنانير فمات ولم اشهد موته فاتانى رجل مسلم صادق فقال لى فقد امرنى ان اقول لك انظر الى الدنانير الّتى امرتك ان تدفعها الى اخى فتصدّق منها عشرة قسّمها بين المسلمين ولم يعلم اخوه انّ عندى شيئا فقال تصدّق منها بعشرة دنانير كما قال والخبر الوارد فى الوكيل وهو ما رواه الصدوق فى الفقيه والشيخ فى التهذيب عن ابن ابى عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع فى حديث قال فيه انّ الوكيل اذا وكلّ ثمّ قام عن المجلس فامره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة او يشافه العزل عن الوكالة والاخبار الدّالة على جواز وطى الامة بغير استبراء اذا كان البائع عدلا قد اخبر بالاستبراء والاخبار الدّالة على الاعتماد على أذان الثقة فى دخول الوقت المشروط فيه العلم إلى غير ذلك من الموارد الّتى ورد النّص فيها بالاكتفاء بقول الثقة فمن العثور على تلك الموارد يحصل الظّن بالاستقراء وعموم الحكم الّا ما اخرجه الدليل من موارد الشهادة ومنها عموم بعض الاجماعات المتقدّمة كالّذى نقله السّيد الجليل رضى الدّين بن طاوس قدس سرّه ومنها عموم التّعليل الواقع فى بعض الاخبار

٢٦٦

المتقدّمة كقوله ع عليك بزكريّا بن آدم المأمون على الدنيا والدّين وقوله ع فى حقّ العمرى وابنه فانّهما الثّقتان المأمونان وظاهر المشهور عدم الحجيّة للاصل وعدم جواز التعدّى من موارد تلك الأخبار المستدلّ بها بنحو الاستقراء والتعليل الواقع فى الاعتماد على زكريّا بن آدم والعمرى وابنه غير صالح للاعتماد عليه مع كون المسئول عنه هو معالم الدّين والإنصاف أنّ المسألة محلّ اشكال هذا كلّه فى الموضوعات الصرفة وامّا المستنبطة فهى راجعة الى الاحكام.

قوله (اوّلها ما اعتمدته سابقا وهو انّه لا شكّ للمتتبّع الخ) يتركّب هذا الدّليل من امور ثلاثة :

الاوّل انّه لا شكّ للمتتبّع فى احوال الرواة وكيفيّة تعاطيهم الاخبار انّ اكثر الاخبار بل جلّها الّا ما شذّ صادرة عن الأئمّة ع.

الثّانى انّ بعد العلم الاجمالى بصدور اكثرها او كثير منها يكون من الشبهة المحصورة ان لم نشترط فيها قلّة اطراف الشّبهة وفى حكمها ان اشترطنا فيها ذلك بل الاهتمام بهذه الشّبهة اكثر من سائر الشّبهات المحصورة لانّها من الاشتباه فى الموضوعات وفى المقام تكون فى الاحكام وفى طريقها ولم يخالف فى وجوب مثل هذا الاحتياط احد من الاصحاب حتّى الفاضل القمىّ ره حيث لم يوجب الاحتياط فى المحصورات الموضوعيّة فيجب بحكم العقل الاحتياط التامّ بالعمل بمجموع تلك الاخبار توصّلا الى تحصيل العلم التفصيلى بامتثال التكاليف المعلومة اجمالا المندرجة فى تلك الأخبار.

الثالث انّ الاحتياط التامّ توصّلا الى العلم التفصيلى بالامتثال غير واجب قطعا امّا للاجماع على عدم وجوب العمل بالجميع حتّى المتعارضات وامّا لعدم امكانه لاستلزامه العسر والحرج الشّديدين المنفيّين فلا مناص من الاحتياط الجزئى ويجب حينئذ الأخذ بما هو اقرب الى العلم وهو الظّن وينتج حجيّة كلّ خبر مظنون الصدور او مظنون المطابقة للواقع من المتعارضين فان قلت كما نعلم اجمالا بصدور اكثر الأخبار عنهم ع كذلك نقطع بوجود اخبار كثيرة مدسوسة فيها من الكذّابة عليهم اللّعنة وكما انّ الاوّل يقتضى وجوب العمل بالجميع فكذلك الثّانى موجب لحرمته فيدور الامر بين الوجوب والحرمة والتّرجيح فى تقديم الثانى قلت قد ظهر انّ ما علم اجمالا من الاخبار الكثيرة من الكذّابين ووضع الاحاديث فهو انّما كان قبل زمان مقابلة الحديث وتدوين علمى الحديث والرّجال بين اصحاب الأئمّة ع وامّا بعد تدوين العلمين كما هو الحال فى الكتب الاربعة وما شابهها من الكتب المعتبرة فلا علم لنا ولو اجمالا بوجود الاخبار المدسوسة فيها ولو احتملنا كان شكّا بدويّا مع انّ العلم الاجمالى بوجود الاخبار المكذوبة ينافى دعوى القطع بصدور الكلّ الّتى ينسب الى بعض الاخباريّين مضافا الى انّ الاخبار المدسوسة على فرض وجودها مستهلكة فى جنب غيرها ولا يعتنى بها ولا يترتّب على القطع بدخولها حكم الشّبهة المحصورة لنهاية قلّتها وهل هو الّا نظير العلم بوجود جبن غير طاهر فى مصر حيث لا يحكم

٢٦٧

ح بوجوب الاجتناب عن جميع الجبنات الموجودة فى البلد والجواب ما افاده اوّلا من انّ وجوب العمل بالاخبار الصّادرة انّما هو لاجل وجوب امتثال احكام الله الواقعيّة والعلم الاجمالى ليس مختصّا بهذه الاخبار وثانيا من انّ هذا الدليل اخصّ من المدّعى لانّ المدّعى هو اثبات حجيّة الخبر المظنون مط سواء افاد حكما تكليفيّا او وضعيّا وسواء كان التكليفى الزاميّا او غيره وسواء كان الوضعى من قبيل المانع والشرط والجزء او غيرها وسواء كان موافقا للأصول اللفظيّة او العمليّة او مخالفا لهما وسواء كان موافقا للكتاب او مخالفا بحيث يكون مقيّدا للكتاب او مخصّصا له وسواء كان موافقا للاحتياط او مخالفا مع انّ الدليل لمّا كان مبنيّا على الاحتياط لا يثبت الّا حجيّة خبر اقتضى الاشتغال فاذا كان الخبر متضمّنا لحكم غير الزامىّ واحتملنا من الخارج كون الحكم الزاميّا او كان دالّا على عدم شرطيّة شيء او جزئيّته او مانعيّته واحتملنا خلافه او اقتضى تقييدا فى الكتاب فمقتضى الاحتياط طرح ذلك الخبر وترك العمل به مع انّ المقصود اثبات الحجيّة مطلقا فان قلت اذا ثبت وجوب العمل بالخبر فى مقام يثبت فى غيره من المقامات بعدم القول بالفصل قلت إنّما يصحّ التّمسك بعدم القول بالفصل فيما اذا ثبت الحكم فى احد الجانبين بالادلّة الاجتهاديّة المثبتة للحكم الواقعى لا فيما اذا كان الداعى هو الاحتياط فانّه لا يثبت حكما وانّما يرشدنا الى طريق الامتثال عند الجهل بالحكم فلا يثبت به حكم او قول حتّى ينضمّ اليه عدم القول بالفصل وبعبارة اخرى لا يقتضى العلم الاجمالى الّا الحكم بالاحتياط فاذا اقتضى الاحتياط خلافه لم يؤثّر العلم الإجمالي وبالجملة اذا كان الدّليل هو الاحتياط وجب الالتزام بكلّ ما اقتضاه ولا معنى للتعدّى الى غيره قوله (والداعى الى شدّة الاهتمام) مبتداء خبره ما تنبّهوا له قوله (ورواية الفيض بن مختار المتقدّمة) حيث قال ع انّ النّاس قد اولعوا بالكذب علينا كانّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره قوله (او دعوى الظّن بصدور جميعها) اى الظّن الشخصىّ الفعلى وامّا النوعىّ الشأنىّ فلا ينافيه العلم بوجود الاخبار المكذوبة قوله (الثّالث ما ذكره بعض المحقّقين من المعاصرين) حاصله دعوى القطع بوجوب الرّجوع الى الكتاب والسنّة فعلا وانّه من الاحكام الثابتة على الامّة الى يوم القيمة فيجب الخروج عن عهدة هذا التكليف الفعلىّ بالرّجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم كما اذا فرضنا القطع بمدلول الكتاب والخبر المتواتر كسندهما ومع عدم التمكّن من ذلك يرجع اليهما على نحو يكون بحكم العلم بالحكم وذلك كما اذا كان السّند مقطوعا وكان احدهما من حيث الدّلالة ظاهرا فى معنى والدليل قائم على حجيّة الظواهر ومع عدم التمكّن من الرّجوع اليهما على وجه العلم او العلمى سواء كان عدم التمكّن كذلك من حيث الدلالة وحدها

٢٦٨

كما فى الكتاب العزيز والخبر المتواتر او المحفوف بالقرائن من حيث الصدور او فيها وفى السّند كما فى السنّة المحكيّة بخبر الواحد يجب الرّجوع اليهما على نحو يحصل منهما الظّن بالحكم والسّر فى هذا التنزّل من القطع والظّن الخاصّ الى مطلق الظّن ما سيأتى من المقدّمة العقليّة باستقلال العقل عند بقاء التكليف وعدم جواز الرّجوع الى الاصول بوجوب الخروج عن عهدة التكليف المعلوم على نحو يحصل الظّن بالحكم واذا كان الضّرورة والاجماع قائمة على انّ المرجع هو الكتاب والسنّة وكان باب العلم والعلمىّ اليهما منسدّا فلا بدّ من اعمال دليل الانسداد لاجل الوصول اليهما لا الى الواقع وبه يثبت وجوب الرجوع الى الاخبار على نحو يحصل الظّن بالحكم وكذلك فى الرجوع الى الكتاب وحاصل ما افاده الشيخ ره في الجواب انّ المراد بالسنّة ان كان هى السنّة المصطلحة فان اراد حجيّتها بطريق الموضوعيّة فهو واضح البطلان والاصولىّ والاخبارى كلاهما متّفقان على خلافه ولا يمكن دعوى الاجماع والضرورة عليه وان أرادها على وجه الطريقيّة بمعنى انّ اعتبارهما انّما هو بملاحظة كونهما طريقا الى الواقع ولا حجيّة لهما لذاتهما فبعد تسليم الانحصار نقول انّ الغالب فى الشهرة والاجماعات المنقولة والاستقراءات التّامة فى الاحكام الفرعيّة كونها كواشف عن سنّة اجماليّة صادرة عنهم ع فانّ مع قيام الشهرة على حكم مع عدم مستند ظاهر لهم وعدم امكان افتائهم بغير دليل وعدم كون المسألة من المسائل العقليّة الّتى تقبل الخلاف وعدم رجوع المسألة الى اصل من الاصول سيّما اذا كانت على خلافها يحصل الظّن بانّ هذا الحكم مدلول للكتاب او لقول الحجّة او فعله او تقريره ولم يبق فرق بين هذا المسلك وما سلكه القائلون بالظنّ المطلق فى الاعتبار بسائر الامارات ايضا غاية الامر انّ القائلين بمطلق الظّن انّما يعتبرون مجموع الامارات الظنّية من الاخبار وغيرها من حيث كشفها عن الاحكام الواقعيّة وهذا القائل يعتبرها من حيث كشفها عن الكتاب والسنّة نعم يحصل الفرق فيما اذا ظنّ بحكم الله من أمارة لا يظنّ كونها مدلولا لاحد الثلاثة ولكن هذا نادر جدّا بل لو لاحظنا المقدّمة الخارجيّة من تواتر الاخبار على بيانهم لمجموع الاحكام علمنا بانّ هذه المسائل العامّة البلوى قد صدر حكمها فى الكتاب او ببيان الحجّة قولا او فعلا او تقريرا ويرتفع الثمرة بين القولين رأسا ويصير هذا القول عبارة اخرى عن دليل الانسداد المعروف وان كان المراد من السنّة فى كلامه هى السنّة بمعنى الحديث اى ما يحكى عن السنّة الاصليّة من الاخبار كما هو الظّاهر من عبارته حيث انّه لو اراد السنّة المصطلحة لم يحتج الى الأطناب فى اثبات حجيّتها فانّها معلوم بالضّرورة ويكون تكذيبها تكذيبا للحجّة بل هو صريح آخر كلامه فنقول انّ الاخبار القطعيّة حجيّتها مسلّمة لكنّها غير كافية فى استعلام الاحكام الشرعيّة والاخبار الظنّية الّتى لا قطع بصدورها عن الحجّة فلم يثبت حجيّتها بالإجماع و

٢٦٩

بالضرورة من الدين الّتى ادعاها المستدلّ فانّ غاية الامر دعوى اجماع الاماميّة عليها فى الجملة كما ادّعاه الشّيخ والعلّامة قدس‌سرهما لا مطلقا كيف والسيّد واتباعه مخالفون صريحا مدّعين للاجماع والضرورة على خلافها وكيف يصحّ دعوى الضرورة من الدين عليها نعم لو ادّعى الضرورة على وجوب الرّجوع الى تلك الحكايات الغير العلميّة لاجل لزوم الخروج عن الدين لو طرحت بالكليّة يرد عليه ما افاده فى المتن وعلى اىّ حال قد اعترض بعض الأفاضل فى المقام على المصنّف من دون تأمّل بما هذا لفظه وامّا الايراد عليه برجوعه امّا الى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالى بتكاليف واقعيّة وامّا الى الدليل الاوّل لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور اخبار كثيرة بين ما بايدينا من الأخبار ففيه أنّ ملاكه انّما هو دعوى العلم بالتّكليف بالرجوع الى الروايات فى الجملة الى يوم القيمة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه انتهى يريد المعترض انّه لا وجه لما ذكره المصنّف فانّ مرجع الوجه الاوّل هو دعوى العلم الاجمالى بصدور اخبار كثيرة فى الكتب الموجودة بالمقدار الّذى يفى بمعظم الفقه ومرجع دليل الانسداد الى دعوى العلم ببقاء التكليف فعلا وثبوته الى يوم القيمة ومرجع هذا الوجه الى دعوى العلم بثبوت التكليف بالرّجوع الى الروايات كسائر التكاليف فيجب الخروج عن عهدة هذا التّكليف الثابت ودفعه فى غاية الوضوح لبداهة انّ المصنّف ره لم يرد ان تقرير الدليل بالوجه المذكور عين احد الوجهين الآخرين بل المقصود انّ هذا الوجه لا يتمّ ولا يثمر الّا برجوعه الى احدهما ولا يصحّ جعله دليلا مستقلّا وهذا ظاهر ويمكن ان يجاب عن الدليل المذكور بجواب آخر وهو انّه لا يتمّ الّا بامور ثلاثة الاوّل العلم بوجوب الرّجوع الى الكتاب والسنّة الثّاني عدم وجود القدر المتيقّن فى الرّوايات الثّالث عدم امكان الاحتياط بالأخذ بالمثبت من الاخبار فانّ بعد تماميّة هذه الامور يتنزّل العقل من القطع والقطعىّ الى الظّن ولكنّ الكلام فى تماميّتها فانّا نمنع من كون التكليف الفعلىّ هو الرجوع اليهما ما لم يحرز اوّلا اصل الموضوع وهو كون الكلام كتابا او سنّة وما لم يحرز ثانيا دلالته والمسلّم هو وجوب الرّجوع الى مدلول الكتاب وقول المعصوم وفعله وتقريره بعد احراز انّه احدهما ولا معنى للرجوع قبل الاحراز كما انّه لا معنى لذلك لو لم تكن لهما دلالة بالنصوصيّة او الظهور فاذا علمنا بالكتاب او بقول المعصوم ولم يحرز دلالتهما على احد الوجهين لا معنى لوجوب الرجوع اليهما نعم يجب احترامهما ونحو ذلك ولكن لا مساس له بمحلّ البحث وبالجملة لا معنى لوجوب الرجوع الى الكتاب والسنّة الّا الرجوع الى مدلولهما وهو لا يكاد يكون الّا بعد العلم او الظّن المعتبر بذلك هذا ان كان المراد بالسنّة ما ذكرنا وان كان المراد بها الاخبار والروايات كما صرّح المستدلّ به فى آخر كلامه فمجال المنع عن وجوب الرجوع اليها اوسع فانّ مع الشّك فى

٢٧٠

صدور خبر كيف يدّعى القطع بوجوب الرجوع اليه وثبوت التكليف به وبالجملة وجوب الرجوع الى الروايات الحاكية عن السنّة هو اصل الدعوى وكيف يجعل امرا مفروغا عنه ثمّ أنّه لو سلّم وجوب الرجوع اليهما ولو لم يحرز كون الكلام كتابا او سنّة ولم يحرز دلالتهما بان فرضنا وجوب الرجوع الى ما ظنّ بصدوره والى ما ظنّ بمدلوله فنقول انّ الأخبار الموجودة امّا ان تكون متساوية من حيث الصدور او مختلفة فان كانت مختلفة فلا بدّ من الرجوع الى ما هو يقينىّ الاعتبار كالأخذ بخبر العدل فان كان وافيا بمعظم الفقه وبما نعلم اجمالا من الاحكام الفعليّة فهو والّا اضيف اليه ما هو المتيقّن بالنّسبة كخبر الثقة وهكذا الى ان يكون المتيقّن وافيا بما ذكرنا والرجوع الى القدر المتيقّن ليس من حيث الرجوع الى الروايات على نحو يحصل منها الظّن بالحكم بل يكون من باب الرجوع اليها على نحو الظّن الخاصّ بالحكم فانّ الطوائف الماخوذ بها يكون يقينىّ الصّدور عن المعصوم ح ولا يصل النوبة الى الظّن حتّى يحكم العقل به وان كانت متساوية فالعقل يحكم بالاحتياط بالاخذ بالمثبت من الروايات وذلك لعدم استقلال العقل بالرجوع الى الظّن مع التمكّن ممّا يقتضيه العلم الاجمالى فى الجملة والاحتياط بهذا النحو لا يستلزم العسر والحرج ونرى الأخباريّين يلتزمون بالعمل بالروايات كلّها مثبتها ونافيها وبالجملة لو سلّم وجوب الرجوع الى الاخبار كسائر التكاليف الفعليّة فمع وجود القدر المتيقّن او مع التمكّن من الاحتياط لا تصل النوبة الى الظّن وكيف يحكم العقل بذلك.

قوله (والسيّد فى الغنية وجوب دفع الضرر المحتمل) بعد تسليم كون بناء العقلاء فى الضّرر المشكوك على الاحتراز فبنائهم عليه فى الضرر المحتمل اذا كان موهوما محلّ منع كما نشاهد ذلك فى امور معاشهم ثمّ انّ التّمسك بالآية لوجوب دفع الضرر المحتمل سيّما اذا كان موهوما من غرائب الكلام اذ لا بدّ من احراز موضوع التهلكة حتّى يكون الالقاء فيها منهيّا عنه فانّ الحكم الثابت للموضوع الواقعى كيف يتمسّك به فى مقام احتمال ثبوت الموضوع فت قوله (بناء على انّ المراد العذاب والفتنة) وفى بعض النسخ المصحّحة هكذا بناء على انّ المراد ليس خصوص العذاب الأخروىّ والفتنة الدنيويّة هو ذلك لانّه كما انّ ظاهر العذاب هو خصوص العذاب الأخروىّ كذلك الفتنة بظاهر اللفظ والتفسير مختصّة بالفتنة الدنيويّة ولكن لا يخفى انّ المدّعى اعمّ من الضرر الدنيوى والاخروى والاستدلال يتمّ من دون احتياج الى الحاق بناء اصلا حملا لكلّ من لفظى الفتنة والعذاب على ظاهرهما كما عرفت ويحتمل ان يقال ان المراد من الدنيويّين فى العبارة الدنيويّة والاخرويّة تغليبا وعليه لا يحتاج الى التصحيح وزيادة لفظ ليس خصوص ولكنّه كما ترى وعلى اىّ حال فقد ردّ المصنّف جواب الحاجبى بوجهين الاوّل

٢٧١

انّ الدليل لا ينحصر فى حكم العقل بل تحريم تعريض النّفس للمهالك والمضارّ ممّا دلّ عليه الكتاب والسنّة الثاني انّ ما ذكره من ابتناء الامر على التّحسين والتقبيح غير ظاهر لانّه لو اغمضنا عن حكم العقل بالذاتى منهما فلا ريب فى حكمه بوجوب دفع الضرر المظنون بل المحتمل فانّه حكم الزامىّ اطبق العقلاء على الالتزام به ولا مدخليّة لاحد الحكمين فى ثبوت الآخر وبالجملة الظاهر انّ لزوم دفع الضّرر لا ربط له بمسألة التحسين والتقبيح وان استقلّ العقل فى كلّ منهما بالحكم والإدراك توضيحه أنّ حكم العقل يتصوّر على وجهين الاوّل ان يدرك الحسن والقبح فى ذات الشّيء ويحكم بعد ذلك حكما انشائيّا بنحو الالزام والفعليّة بوجوب الاجتناب عنه او وجوب الاشتغال به مثل تكليف الشارع وانشائه كادراك العقل حسن ردّ الوديعة ومطلق الاحسان وحفظ النّفس المحترمة وقبح الظلم وقتل النفس بغير حقّ الثّانى ان يحكم بوجوب الفعل او التّرك ارشادا وتبعا لاجل ادراك مصلحة الغير او عدم الوقوع فى المهلكة المترتّبة على الغير بمعنى انّه لا يدرك حسنا ولا قبحا فى الاشتغال بنفس الفعل ولا حكم ولا انشاء له فى حقّه اصلا وانّما يرشد العاقل الى الثمرة المترتّبة على الفعل والتّرك ويهديه الى غاياتهما وهذا ليس حكما انشائيّا بل ليس حكما اصلا فانّ الحكم عبارة عن الانشاء والالزام وليس هنا انشاء ولا الزام بل هو مجرّد الارشاد والهداية الى سبيل المطلوب الواقعى او الاجتناب عن المبغوض الواقعى كحكم العقل بشرب الدواء الّذى امر به الطّبيب فانّه لا يحكم بذلك حكما فعليّا مترتّبا على ادراك الحسن الثابت فى نفس هذا الفعل بل ربما كان الفعل بملاحظة نفسه مبغوضا ومنفورا كبعض الادوية وانّما يرشد العقل الى انّ غايته الوصول الى الشفاء والصحّة وكحكمه بوجوب مقدّمة الواجب وبحرمة مقدّمة الحرام وبوجوب ترك ضدّ المأمور به وبوجوب الاحتياط عند ثبوت التكليف وامكان الاحتياط وبوجوب الاطاعة وحرمة المعصية وكلامهم فى مسئلة الحسن والقبح فى الاوّل وفى المقام فى الثانى وهو محلّ وفاق غير قابل للانكار ولذا ترى المنكرين للحسن والقبح لا ينكرون وجوب المقدّمة والاحتياط والاطاعة فانّ وجوب الاطاعة من المستقلّات العقليّة وليس حكما نفسيّا وكذا استدلّ المتكلّمون بلزوم دفع الضّرر فى وجوب شكر المنعم وبالجملة حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون ليس الّا كحكمه فى الضّرر المقطوع وكحكمه بوجوب اتّباع القطع فكما انّ الحاجبى وامثاله لا ينكرون وجوب متابعة القطع عقلا وانّه بنفسه طريق الى الواقع وليس قابلا للجعل فكذلك ليس لهم انكار حكم العقل بوجوب دفع الضّرر فليس للحاجبى على تقدير الالتزام بمذهبه الفاسد من انكار التّحسين والتقبيح العقليّين انكار حكم العقل من الجهة الثّانية قوله

٢٧٢

(ثالثها النقض بالأمارات الّتى قام الدّليل القطعىّ على عدم اعتبارها) ذكره المحقّق فى المعتبر والغرض من النقض انّه يكشف عن بطلان الدليل امّا من جهة الصغرى او الكبرى ولكنّ الا نسب بمسلك المحقّق ره ان يكون غرضه من النقض ابطال الصغرى لانّ الكبرى لا يمكن انكارها عند الاماميّة قوله (على تقدير ثبوته فى الواقع فتامّل اشارة الى ما سيجيء من الاشكال فى هذا الوجه عند الكلام فى حرمة العمل بالقياس قوله جهلا بسيطا او مركّبا) اى اذا كانا مع القصور لا مع التّقصير وهذا يكفى فى عدم الملازمة بين الحرمة الواقعيّة وثبوت العقاب والنّسبة بين الظّن بالوجوب والظّن بالعقاب عموم من وجه لافتراق الظّن بالوجوب عن الظّن بالعقاب فى الظّن بالوجوب الحاصل من امارة غير معتبرة خصوصا فى حال الانفتاح والتمكّن من العلم وافتراق العقاب عن الظّن بالوجوب فيما اذا تعبّدنا الشّارع بامارة غير علميّة ولم يحصل منها الظّن بالوجوب لمعارضتها بامارة اخرى غير معتبرة مفيدة للظنّ فلا ظنّ بالوجوب مع القطع بالعقاب على ترك العمل بمؤدّى الأمارة المعتبرة وتصادقهما فى الامارات الظنّية الثابتة حجيّتها بدليل الانسداد لحصول الظّن منها بالوجوب مع ضرر العقاب على ترك الفعل قوله (اللّتين لا يتحقّقان الّا بعد العلم بالوجوب) لا يخفى انّ المراد هو الحصر بالنّسبة الى الظّن الغير المعتبر فانّ الكلام مسوق لاجل بيان حكمه فالغرض انّ مع الظّن الغير المعتبر الّذى هو كالشكّ وعدم ثبوت مقتض آخر لاستحقاق العقوبة او المثوبة لا حكم للعقل بثبوتهما ولا يخفى انّ الدّاعى لحمل الحصر فى العبارة على الاضافى هو منع حصر استحقاق الثواب والعقاب فى العلم بالوجوب والحرمة والظّن المعتبر بهما كاستحقاق العقاب على مخالفة الحكم الواقعى مع الجهل عن تقصير سواء كان بسيطا ام مركّبا قوله (بل هو بعد ملاحظة انّ من الظنون) نقل بعض أساتيدنا انّ المصنّف قدس‌سره امر باسقاط هذه الجملة الى كلمة منها وسرّ كونها غلطا واضح لانّ حكم الشارع بالغاء ظنّ وعدم اعتباره لا يخرجه عن حقيقته حتّى يكون شكّا قوله (فاذا لم يثبت ذلك بشرع ولا عقل) وكيف يمكن اثبات ذلك حتّى انّ تسمية الحكم الواقعى بالحكم قبل التّنجّز وقيام الحجّة عليه من قبيل اطلاق الواجب على الواجب المشروط قبل تحقّق شرطه يكون مجازا قوله (ومنه يعلم فساد ما ربما يتوهّم) اى ومن عدم ثبوت الصغرى وجه الفساد انّ هذه القاعدة موقوفة على ثبوت الظّن بالعقاب ولو كانت القاعدة دليلا عليه لزم الدّور قوله (وان اريد من الضرر المظنون المفسدة المظنونة) قد ينسبق الى الذهن انّ الظّن بالحرمة وان كان مستلزما للظنّ بالمفسدة على مذهب

٢٧٣

العدليّة من تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد الكامنتين فى الافعال الّا انّ المفسدة اللازمة لا تلزم ان تكون ضررا فانّ جلّ الاحكام سيّما الواردة فى باب السياسات من اوامرها ونواهيها تابعة للمصالح والمفاسد النوعيّة ولا يلزم وقوع شخص خاصّ فى الضرر بمجرّد اقدامه على ما فيه المفسدة النوعيّة ويوضح ذلك ملاحظة مخالفة ما فيه المصلحة النوعيّة فانّ الحكم فيه ناش من مقدار من المصلحة الكامنة فيه بحسب النوع فاذا خالف احد هذا الحكم فلا مجال لدعوى وقوعه فى المفسدة والقول بانّ ترك ما فيه المصلحة اقدام على المفسدة واضح الفساد قوله (فالاولى ان يقال انّ الضرر وان كان مظنونا) يمكن ان يكون هذا الجواب راجعا الى منع الصّغرى فانّه اذا قطع او ظنّ بالتدارك لا يكون الضرر مظنونا واذن الشارع بالاقتحام يكون رافعا لموضوع حكم العقل وهو الضرر المظنون مثل اذنه فى الضرر الاخروىّ فانّ الأذن رافع للموضوع ويمكن ان يكون راجعا الى منع الكبرى وانّ العقل لا يحكم بدفع الضرر المظنون مطلقا بل انّما يحكم بدفع الضرر المقطوع او المظنون اذا لم يكونا متداركين قوله (خصوصا فى الاحكام الشرعيّة) وذلك لمخالفة بعض فى اعتباره فى الاحكام الشرعيّة ومخالفة بعض آخر فى صورة الظّن بالخلاف قوله (مدفوع بانّ الفرض انّ الشّارع الخ) حاصل الدّفع انّ الادلّة الظنّية رافعة لموضوع حكم العقل فانّ موضوع حكمه بوجوب الدفع هو الضّرر الغير المجبور بالمصلحة ومع قيام الدليل الظنّى على ترك العمل بمقتضى الظّن بالضّرر يستكشف وجود مصلحة فى العمل بالاصل وترك الظّن يتدارك معها الضرر المظنون ومعه لا يحكم العقل بدفعه وانّما يحكم بوجوب الدفع لو لا حكم الشارع بوجوب العمل بالاصل فحكم الشّارع لا ينافى حكم العقل لانّه موافق له قوله (الدّالة على هذا الحكم الغير المنافى لحكم العقل) وله قدس‌سره تعليق هنا قبل كلامه ثمّ انّ مفاد هذا الدّليل الخ ولا بدّ من نقله وهو هذا ومحصّل الكلام انّ الضّرر الدنيوى لمّا جاز حكم الشارع عليه بجواز الارتكاب بخلاف الضّرر الاخروى فيجوز ان يحكم الشارع بجواز الارتكاب مع ظنّه فيكون مظنون الضّرر كمحتمله مرخّصا فيه بادلّة الأصول نعم لو ثبت طريقيّة الظّن وحجيّته كان كمقطوع الضرر فاذا فرضنا انّ الإضرار الواقعى بالنّفس محرّم فان قطع او ظنّ بظنّ معتبر جاء التحريم والّا دخل تحت الشبهة الموضوعيّة المرخّص فيها مع الشّك والظّن الغير المعتبر فوجوب دفع الضرر المظنون موقوف على اثبات طريقيّة الظّن فاثباتها به دور ظاهر فالتحقيق انّ الظّن بالضرر ان استند

٢٧٤

الى الامارات الخارجيّة فى الشّبهات الموضوعيّة كان طريقا وحجّة باجماع العقلاء والعلماء والسرّ فيه انسداد باب العلم بالضّرر فى الامور الخارجيّة فالعمل بالاصول فى مقابل الظّن يوجب الوقوع فى المضارّ الكثيرة بحيث يخلّ بنظام المعاش نظير ترك العمل بظنّ السلامة وان كان مستندا الى الامارات فى الشّبهات الحكميّة فلا دليل على اعتباره بل المرجع الأصول المرخّصة النافية للتّكليف الّا اذا ثبت انسداد باب العلم فيها فيرجع الى دليل الانسداد وكذلك الكلام فى ظنّ السلامة فى مقابل الأصول المثبتة للتكليف فتأمّل والاولى والأسلم الجواب بمنع ترتّب الضرر الدنيوى على مخالفة الواجب والحرام امّا بالوجدان وامّا لاحتمال كون المصالح والمفاسد مترتّبة على المخالفة عصيانا لا مط ولا يلزم من ذلك عدم حسن الاحتياط فى موارد الشّك فافهم انتهى وتوضيح المقام يستدعى رسم امور الأوّل انّ الضّرر الدنيوى على قسمين الاوّل الضّرر الّذى هو فى اقصى مراتبه كهلاك النّفس وما يقرب منه ولا اشكال فى استقلال العقل بوجوب دفع مقطوعه ومظنونه بل محتمله الّا اذا عرض عليه عنوان يوجب حسنه كالجهاد وشبهه واذا استقلّ العقل بالحكم فى هذا القسم كشف للتلازم عن ثبوت حكم شرعىّ مولوىّ يعاقب على مخالفته وان لم يكن فى الواقع ضرر لانّ حكم العقل الاستقلالى لم يكن بعنوان الطريقيّة وسرّه انّ الحكم الطريقى انّما هو فى مورد يكون حكم عارضا لمتعلّقه والفرض انّ الحكم المستقلّ منه يعرض موضوعه من دون ملاحظة ثبوت فى الواقع وعدمه والثانى الضّرر الّذى لا يستقلّ العقل بوجوب دفعه حتّى فى المقطوع منه فهنا لمّا علمنا من الخارج انّ الضّرر الدنيوى لحاظه موضوعا عند الشرع لحكمه اوسع من لحاظه العقل موضوعا لحكمه جاء احتمال التحريم الشرعىّ والظّن به وبالضرر وامكن احرازه بحكم العقل بوجوب الدّفع باجراء دليل الانسداد وشبهه او مع قطع النظر عنه كما هو دعوى المستدلّ وليس الغرض الآن اثبات هذا الحكم وعدمه بل الغرض هو مجرّد الامكان واذا ثبت كان حكمه هذا طريقيّا وغير استقلاليّ الثّانى انّ المصنّف قدس‌سره قسّم الحكم الطريقى من العقل فى المقام وهو الضرر المظنون الدنيوىّ على قسمين الاوّل حكمه فى الظّن المتعلّق ابتداء بموضوع الضرر المستند الى الامارات الخارجيّة والثانى حكمه فى الظّن المتعلّق ابتداء بالحكم الشرعىّ الالزامى وثانيا وبالعرض بالضّرر وذهب الى اعتبار الظّن بالضّرر فى القسم الاوّل لانسداد باب العلم بالضّرر فيه غالبا فيجرى فيه نظير الانسداد المعروف ولذا اجمعوا على اعتبار الظّن فى موارد من الموضوعات الخارجيّة المذكور بعضها فى التّنبيه الرابع من تنبيهات دليل الانسداد وعدم اعتباره فى القسم الثّانى الّا اذا تمّ دليل الانسداد و

٢٧٥

مقدّماته فى الشبهة الحكميّة وعليه يحكم بحجيّة الظّن المتعلّق بالحكم من دون لزوم توسيط حجيّة الظّن المتعلّق بالضّرر وامّا مع قطع النظر عن دليل الانسداد فوجوب الدفع ممنوع لما افاده من انّ بواسطة ترخيص الشارع الثابت بادلّة الاصول نستكشف التدارك وبذلك يرتفع قيد الموضوع فى حكم العقل وبعد ذلك امر بالتامّل ويمكن ان يكون وجهه انّه اذا حصل الظّن بمرتبة من الضرر بواسطة الظّن بالحكم الشرعى كيف يحكم بعدم وجوب الدفع مع انّ نفس تلك المرتبة من الضّرر اذا تعلّق الظّن به ابتداء حكم بوجوب الدّفع مع انّ المناط عند العقل والعقلاء هو الظّن بالضّرر فلا بدّ امّا من حكم العقل بوجوب الدّفع فى القسمين وامّا بعدمه فيهما ولأجل ذلك عدل عن الجواب المذكور وقال والاولى والاسلم الخ والانصاف ان التّفصيل فى حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المظنون الدنيوىّ لا يضرّ بالجواب فانّ حاصل الجواب هو انّ الكبرى وجوب رفع الضرر المظنون الغير المرخّص فيه شرعا وهو الضرر المظنون بظنّ ثبت اعتباره وطريقيّته وامّا لقول بانّ الظّن المستند الى الامارات الخارجيّة فى الشبهات الموضوعيّة ثابت اعتباره فى بعض الموارد لانسداد باب العلم فيها غالبا ومنها الضرر والسّلامة ولاجل ذلك يدخل فى الظنون الخاصّة ولا يشمله الترخيص الشرعى وادلّة الاصول فيشمله حكم الكبرى وهو وجوب الدفع لا ربط له باصل الجواب المذكور الثالث انّ الجواب المعدول اليه هو دعوى العلم بعدم كون الضّرر من اللّوازم لقهريّة للفعل لما نرى من التخلّف بالوجدان ولا ينافى ذلك تبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد لأنّهما من باب الحكمة فى التشريع ولا يلزمها الاطّراد بل يكفى الغلبة أو دعوى احتمال ذلك لاحتمال وجود الضرر والمفسدة فى الفعل باعتبار وقوعه بعنوان المعصية وهذا ايضا يكفى فى الالتزام بتبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد لانّ الحكمة والعلّة الغائيّة للطلب نظير سائر العلل الغائيّة انّما تكون مقدّمة عليه فى التصوّر ومتأخّرة من حيث الوجود فإن قلت كان اللّازم حينئذ عدم حسن الاحتياط فى موارد الشّك فى الحكم الالزامى لانّ ادلّة البراءة تقتضى نفى العصيان وكيف يتصوّر العصيان مع البراءة قلت إنّ ما ذكر كان بوجه الاحتمال لدفع الظّن بالضّرر الدنيوى اذا ظنّ بالحكم الشرعى ويكفى فى حسن الاحتياط احتمال ترتّب الضرر والمفسدة على نفس الفعل قوله (ثمّ انّ مفاد هذا لدليل الخ) لا يخفى انّ معنى حجيّة الظّن كونه مثبتا لمدلوله ودليلا متّبعا فى مخالفة الاصول اللفظيّة العمليّة مطلقا وهذا الدّليل على فرض تماميّته وثبوت الصغرى والكبرى لا يفى باثبات ذلك فانّ مرجعه الى الاحتياط فى خصوص الظّن بالحكم الوجوبى او التحريمى ولا يشمل الظّن بغيرهما من الاباحة والاستحباب والكراهة ما انّ فى مورد العلم الاجمالى والشّك فى المكلّف به اذا كان الاحتياط يقتضى الجمع بين المشتبهين لا يفى هذا الدليل بحجيّة الظّن باحدهما ورفع اليد عن الأخر قوله (للعمل بالظنّ فى الصّورة

٢٧٦

الثانية) وله قدس‌سره هنا كلام قبل كلامه فحاصل ذلك الخ وهو هذا ويمكن ان يردّ ايضا بانّها قاعدة عمليّة لا تنهض دليلا حتّى ينتفع به فى مقابل العمومات الدّالة على الحكم الغير الضّرري وقد يشكل بانّ المعارضة ح تقع بين هذه القاعدة والاصول اللفظيّة فان نهضت للحكومة على هذه القاعدة جرى ذلك ايضا فى البراءة والاستصحاب النّافيين للتّكليف المرخّصين للفعل والتّرك المؤمّنين من الضّرر فتأمّل فحاصل ذلك العمل بالاحتياط كليّة وعدم العمل بالظنّ رأسا انتهى لمّا كان مرجع الدليل المذكور الى الاحتياط فى خصوص الظّن بالحكم الالزامى ولا يفيد حجيّة الظّن من حيث هو توجّه عليه اشكالان الاوّل انّه اذا كان الظّن مخالفا للاحتياط الواجب لا وجه للعمل بالظنّ والثّانى انّ الظّن ح قاعدة عمليّة لا ينتفع به فى مقابل العمومات الدّالة على الحكم الغير الضررى كقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) الدالّ بعمومه على اباحة ما ظنّ تحريمه ومن الواضح انّ الادلّة الاجتهاديّة والأصول اللفظيّة واردة على الأصل العقلى فان قيل انّ هذا ليس اشكالا آخرا على الدّليل المذكور بل هو راجع الى ما ذكره المصنّف فى الجواب عن الدّليل بقوله فالأولى ان يقال انّ الضرر وان كان مظنونا الخ وقد عرفت هناك انّ مع ترخيص الشارع العمل على خلاف الظّن يستكشف تدارك الضرر والعقل لا يحكم بوجوب دفع الضرر المتدارك وهذا الكلام كما يجرى فى البراءة والاستصحاب يجرى فى الاصول اللفظيّة فالترخيص المستفاد من العامّ اللفظىّ يستكشف منه التدارك فلا يحكم العقل بوجوب الدفع وبالجملة كلّما افاد الترخيص الشرعىّ كان واردا على القاعدة اذ به يرتفع قيد الموضوع المأخوذ فيها قيل انّ هذا اشكال آخر يتوجّه مع الاغماض عمّا ذكر هناك لانّ مع تسليم تماميّة القاعدة المذكورة فى الدّليل وقطع النظر عن تقييد موضوعها بما ذكر يتوجّه عليه هذا الاشكال فان المفروض ح تقديم القاعدة على البراءة والاستصحاب وذلك لا يقتضى تقديمها على العمومات والاصول اللفظيّة والسرّ فيه انّ الاصل اللّفظى اعتباره من حيث الطريقيّة ويعمل به عند الشّك فى وجود القرينة الصّارفة عن ظهوره وهذا بخلاف الاصول العمليّة فانّها احكام موضوعة للشاكّ فى مقام العمل فاذا فرض تقديم القاعدة على بعض تلك الاصول لا يلازم ذلك تقديمها على الاصول اللفظيّة والاصل اللّفظى وان كان فى غاية الضعف مقدّم على جميع الاصول العمليّة العقليّة والنقليّة والحاصل انّ الاصل اللفظى لكونه دليلا وكاشفا عن المراد لا يرفع اليد عنه الّا اذا علم القرينة الصارفة عن ظهوره وهذه القاعدة لا تصلح للقرينيّة الصّارفة عن العمومات كما انّ البراءة الشرعيّة او العقليّة لا تصلح للقرينيّة الصارفة عن ظهور العمومات فهذا اشكال آخر والأمر بالتامّل اشارة الى ما ذكرنا من الفرق.

قوله (الثّانى انّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح) ذكره العلّامة فى النهاية والسّيد عميد الدين وغيرهما من الخاصّة والعامّة قوله (وربما يجاب عنه بمنع قبح ترجيح المرجوح) المجيب هو الشيخ المحقّق التّقى فى حاشية المعالم.

٢٧٧

قوله (وفيه انّ المرجوح المطابق للاحتياط) فيه انّه وان لم يكن العمل به حينئذ ترجيحا للمرجوح الّا انّ العمل بالراجح وهو الظّن خلاف الاحتياط قوله (وفيه انّ التوقّف عن ترجيح الراجح ايضا قبيح) لاتّحاد المناط فى المقامين فانّ الوجه فى حكم العقل بقبح الترجيح هو طرح الظّن الّذى هو اقرب الى الواقع وهذا بعينه موجود فى التوقّف قوله كترجيح المرجوح فتأمّل) نقل انّ المصنّف كتب فى الحاشية وجه التامّل انّ مراد المستدلّ من الراجح والمرجوح ما هو الأقرب الى الغرض والأبعد عنه فى النظر ولا شكّ فى وجوب الترجيح بمعنى العمل بالاقرب وقبح تركه مط فلا فرض لعدم وجوب الترجيح يردّ به هذا الدّليل فلا فائدة فى الرّد انتهى وانت خبير بانّ هذا يرجع الى تاييد الاستدلال والأنصاف صحّة الجواب المذكور فانّ الغرض منه هو انّه اذا كان الامر دائرا بينهما لزم الأخذ بالظنّ والّا لزم ترجيح المرجوح او التوقّف وكلاهما قبيحان وامّا اذا قلنا انّ المرجع هو العلم او العلمى ومع فقدهما فالاصول فلا يجب الترجيح لعدم لزوم الأخذ باحدهما وهذا هو الّذى يجيب به المصنّف بالحلّ قوله (فالاولى فى الجواب اوّلا بالنّقض) وكذلك النقض بالأسباب التعبديّة من الشاهد واليد والسّوق واليمين والفتوى ونظائرها فانّها معتبرة ولو مع الظّن بالخلاف.

قوله (الثالث ما حكاه الأستاد عن استاده) [السيد الطباطبائى قدس‌سرهما] حكاه شريف العلماء عن صاحب الرياض طاب ثراهما وتنقيحه انّه لا ريب فى وجود واجبات ومحرّمات كثيرة زيادة على ما علم تفصيلا علما اجماليّا بين المظنونات والمشكوكات والموهومات فتصير تلك الشّبهات من شبهة الكثير فى الكثير من الشبهة الحكميّة ومقتضى العلم الاجمالى هو الإتيان بكلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوما والاجتناب عن كلّ محتمل الحرمة كذلك فان كانت محتملات الوجوب والحرمة ممتازة عن الاخرى اخذ بها معيّنا وان اختلط الاحتمالان اى الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة قدّم الاقوى منهما على الآخر تحكيما للظنّ وان تساويا قوّة وضعفا فالتخيير امّا ابتداء او استمرارا على الخلاف فى ذلك ولمّا كان الاحتياط كذلك موجبا للعسر الاكيد والحرج الشّديد وهما منفيّان فى الشريعة كان مقتضى القاعدة بترخيص العقل والشرع كما هو كذلك فى كلّ شبهة محصورة اذا تعذّر الاتيان ببعض اطرافها معيّنا او غير معيّن ترك الامتثال فى البعض الغير المقدور وحينئذ فاحتمال عدم وجوب الاتيان بالباقى بتوهّم انّ العقل انّما يحكم بوجوب الامتثال فى مجموع الأطراف عند الامكان مقدّمة لتحصيل القطع باطاعة التكاليف الواقعيّة واحرازها واذا خرج بعض الاطراف بحكم العقل او الشرع فلا يحصل بعد ذلك ما هو المطلوب فى نظر العقل من تحصيل الامتثال لاحتمال وقوع التكاليف المعلومة اجمالا فى جانب المخرج وخلوّ سائر الاطراف عنها ويكون الاتيان بالباقى لغوا فالترخيص فى ترك البعض بقاعدة

٢٧٨

نفى الحرج يوجب رفع اليد عن الواقع لا يلتفت إليه كما ستقف عليه تفصيلا ولا بدّ عند تعذّر العمل بمجموع المشتبهات من الحكم بالتوزيع ويدور الامر بين العمل بالمظنونات او العمل بالمشكوكات والموهومات والعقل يستقلّ بالاوّل وفيه كما فى المتن انّه راجع الى دليل الانسداد وربما يجاب عنه بانّ هذا الدليل اخصّ من المدّعى على تقدير واعمّ منه على آخر لانّ مقصود المستدلّ اثبات حجيّة نوع الظّن ونفى حجيّة غيره من النّوعين واخذه بعد اعمال مجموع المقدّمات بالظّنون ان كان من جهة الفرار عن المخالفة القطعيّة كما عليه المحقّق الخوانسارى والمحقّق القمىّ فى الشّبهة المحصورة فيرد عليه انّ هذا لا يستلزم الأخذ بمجموع اصناف الظّنون لكفاية الأخذ ببعضها فى الفرار عن القطع بالمخالفة ودعوى عدم ارتفاع العلم الإجمالي بالأخذ بالظنون الاطمينانيّة او غيرها ايضا زيادة عليها الّا بالعمل بجميع اصنافها مكابرة محضة فانّا نرى بالعيان عدم بقاء العلم الاجمالى بعد الأخذ بغالب الاصناف من الظّنون القويّة ويكون الاشتباه فى الباقى بدويّا وان كان من جهة وجوب تحصيل الموافقة القطعيّة فلا وجه لاخراج المشكوكات والموهومات رأسا امّا المشكوك فلكونها فى غاية القلّة اذ ما من حكم شكّ فيه الّا ويرجع عند التأمّل الى الظّن او الوهم فاذا لم يلزم العسر فى الاخذ بالظّنون مع كثرتها باعتراف المستدلّ فلا يؤثّر الحاق المشكوكات بها فى لزوم العسر والحرج مع قلّتها فى الغاية ولا وجه لطرحها مع شمول دائرة العلم الاجمالىّ لها وأمّا الأوهام فمن الواضح انّ بعضها يقابل الظّنون الاطمينانيّة بحيث يكاد يبلغ مرتبة العلم العادى بعدم مطابقته للواقع وبعضها يقابل الظّنون الضعيفة والتوزيع بطرح القسم الاوّل منها يكفى فى دفع العسر والحرج المنفيّين وبالجملة اذا تمّ العلم الاجمالى المذكور وشمل بملاحظة المقدّمات الماخوذة لمجموع الأنواع الثلاثة وجب الاحتياط فيها مهما امكن والعسر ينتفى بالتوزيع على الوجه الّذى ذكرنا فإن قلت إذا صحّ طرح بعض الموهومات صحّ طرح مجموعى الشكوك والاوهام بالاجماع المركّب لعدم ثبوت قول بالفصل بين نوعى الشّك والوهم ولا بين اصناف كلّ واحد منهما فاذا جاز اخراج صنف من الموهومات جاز اخراج كلّ من النوعين قلت عدم وجوب الاحتياط فى بعض الموهومات على هذا القول انّما هو من جهة دفع الحرج وعدم وجوبه فى الموهومات والمشكوكات على القول بالظنّ الخاصّ لعدم ثبوت علم اجمالى عندهم بوجود واجبات ومحرّمات بين النّوعين وحرمة العمل عندهم بغير العلم والظّنون الخاصّة ولو حصل شكّ لهم فى ثبوت واجب او حرام كان شكّا بدويّا فالقائلون بالظّن المطلق لمّا كان عملهم بالظّنون مبنيّا على الاحتياط وجب عليهم متابعة هذا العنوان والالتزام به الى مقدار ثبت المانع وهو لزوم العسر وذلك ليس الّا بعض الموهومات فدعوى الاجماع المركّب غير معقول ثمّ لا يخفى انّ هذا الجواب مبنىّ على ثبوت العلم الاجمالى وشموله للانواع الثلاثة المبنىّ على انسداد باب العلم والظّن الخاصّ فى معظم المسائل الفقهيّة

٢٧٩

وستعرف انّ انسداد باب الظّن الخاصّ بالاحكام بعد اثبات حجيّة خبر الواحد باطل رأسا قوله (مع انّ العمل بالاحتياط فى المشكوكات) مضافا الى ما عرفته مرارا انّ مقتضى ذلك على فرض تماميّة وجوب العمل بالمظنونات من حيث الاحتياط فى الأحكام الالزاميّة لا العمل بها مطلقا.

قوله (الى الطرق الشرعيّة المذكورة لعدم الوجوب فى بعضها) هو الاحتياط والبعض الآخر التقليد او الرجوع فى كلّ مسئلة الى الاصل الجارى فيها قوله (يوجب خلوّ اكثر الاحكام عن الدّليل) وذلك يستلزم الرجوع فيها الى نفى الحكم وعدم الالتزام به فى الاكثر وهذا هو المحذور المذكور من طرح اكثر الاحكام قوله (ولم يتفطّن انّ مجراها فى غير ما نحن فيه) فانّ الرجوع فيما نحن فيه الى البراءة مستلزم للمخالفة القطعيّة الكثيرة للعلم الاجمالى بثبوت الاحكام وبقائها قوله (بالنّسبة الى قاعدة الاحتياط من قبيل الدّليل الخ) وذلك لانّ مناط حكم العقل بوجوب الاحتياط هو احتمال العقاب ومع اذن الشارع يرتفع هذا المناط وقد عرفت انّ قاعدة نفى الحرج ثابتة شرعا بالادلّة الثلاثة بل وجوب الاحتياط فى المقام لمّا كان موجبا للحرج الاكيد واختلال نظام امر المكلّف كان العقل المستقلّ حاكما برفعه ايضا قوله (اوّلا منع امكانه لانّا علمنا بادلّة نفى الحرج الخ) استشكل عليه بعض حذّاق المحشّين بانّه لو اريد من العلم بادلّة نفى الحرج انّ الواجبات الشرعيّة فى الواقع ليست بحيث يوجب العسر على المكلّف العلم التفصيلى فهو مناف لصريح كلام المصنّف من انّ قاعدة نفى الحرج قاعدة ظنيّة قابلة للتخصيص فى غير ما يوجب الاختلال ولو اريد منه العلم الاجمالى من حيث العلم بارادة بعض الأفراد من كلّ عامّ ومن هنا حكموا بقبح التخصيص المستغرق ففيه انّه لا يجدى فانّه يكفى فيه عدم عسريّة بعض احكام الشّريعة والجواب أنّ مراد المصنّف قدس‌سره غير هذين المذكورين ومراده كما هو ظاهر العبارة العلم الاجمالى بعدم ثبوت احكام فى الشّريعة موجبة مراعات جميعها للعسر وبعبارة اخرى العلم الاجمالى بعدم ثبوت احكام كثيرة الزاميّة بالغة فى الكثرة الى حدّ يوجب العسر وهذه دعوى صادقة حتّى مع قطع النّظر عن الادلّة الشرعيّة لنفى الحرج وذلك لانّ ثبوت احكام كذلك ينافى اللطف وعليه لا يلزم احد المحذورين المذكورين فى الأشكال قوله (حيث انّا عملنا بالظنّ فرارا عن لزوم العسر) توضيحه انّ العمل بالظنّ كان للفرار عن لزوم العسر فاذا ادّى العمل بالظنّ الى العسر فلا وجه للعمل بالظنّ فانّ العمل به والعمل بالاحتياط مشتركان فى المحذور وهو العسر فلا وجه لترك الاحتياط والاخذ بالظنّ والجواب منع التساوى والاشتراك لانّ العسر اللازم بناء على العمل بالاحتياط وترك الظّن بالغ حدّ الاختلال من جهة مراعات الاحتياط فى المشكوكات والموهومات ايضا بخلاف العسر اللازم على تقدير العمل بالظنّ فانّه غير بالغ حدّ اختلال النظام

٢٨٠