تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

ولا سبيل الى انتزاعهما من الافعال الذهنيّة وان تعلّق الطلب من الامر بالطبائع حال وجودها فى الذّهن فانّ المطلوب ليس تلك الماهيّات المتصوّرة والّا لما توقّف الامتثال على ايجاد تلك الطبائع فى الخارج ولا ريب انّ الطبيعتين متحدّتان وجودا وان اختلفتا مفهوما وبعبارة أخرى أنّ جهة اختلافهما وهى جهة ملاحظتهما فى الذّهن على وجه التّغاير لا مدخل لها فى اتّصافهما بالضدّين لانّ الضدّين على ما هو المفروض من الاوصاف الخارجيّة للماهيّة وجهة اتّحادهما وهى مقارنتهما فى الوجود الخارجىّ واتّحادهما فيه كما يكشف عنه حمل إحداهما على الاخرى يوجب المحذور المحال والحاصل انّ موارد انتزاع الوجوب والحرمة انّما هى الافعال الخارجيّة وبعد اتّحاد الموردين فى الوجود الخارجىّ يلزم وجود الضدّين فى ذلك الموجود الواحد وان كان بواسطة اجتماع الطّبيعتين وهو محال والّا لزم اتّصاف جسم واحد كزيد مثلا بالسّواد والبياض بواسطة اجتماع عنوانين موجودين فيه ككونه بغداديّا وكونه من بنى اسد مثلا لو فرضنا اقتضاء كلّ واحد منهما لاحد الوصفين قلت إنّي ارى انّ معنى وجود الطبيعى فى الخارج وانّه ليس الّا الفرد يحتاج الى بسط فى الكلام وان كان خارجا عن اصل المرام ولكنّ الّذى يهوّن الامر هو انّ البحث عن الحقيقة يدعو الى الخروج عن المقصود والامر سهل إن شاء الله الله تعالى وبعد ذلك نذكر ما عندنا من الجواب كى يستبين لك الحقّ والصّواب فنقول اعلم انّ المراد بالكلّى الطبيعىّ هو طبيعة الشّيء كطبيعة الضّرب فى قولك اضرب من غير اعتبار عنوان الكليّة فيه وهو معروض الكلّى المنطقىّ المعبّر عنه بالكليّة وما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين ومجموع العارض والمعروض يسمّى كليّا عقليّا وقد اختلفوا في وجود الكلّى الطبيعىّ فى الخارج فقيل بعدم قبوله الوجود كذلك وقيل بوجوده فى ضمن الفرد وقيل بوجوده بعين وجود الفرد وهذا هو المحكىّ عن المحقّقين بل عن جمهور الحكماء ومعنى عدم قبوله الوجود الخارجىّ هو انّ الموجود فى الخارج نفس الفرد من دون وجود الكلّى رأسا وهذا هو مراد التفتازانى بقوله والحقّ انّ وجود الطبيعىّ بمعنى وجود افراده ومعنى وجوده فى ضمن الفرد هو تركّب الفرد الخارجىّ من امرين الكلّى والعوارض الطارية عليه الموجبة للفرديّة فالفرد عند هذا القائل موجود بوجودين نظير السكنجبين وغيره من المركّبات الخارجيّة لا بوجود واحد من غير فرق على هذا القول بين كون الموجود فى ضمن كلّ فرد حصّة من حصص الكلّى او تمام الكلّى بان كان للكلّى بتمامه فى ضمن كلّ فرد وجود غير وجوده فى ضمن الآخر ومعنى وجوده بعين وجود الفرد هو انّ الكلّى بطروّ لباس الوجود الخارجى عليه يصير فردا فالفرد هو الكلّى الموجود فى الخارج والكليّة من عوارض وجوده الذّهنى والفرديّة من عوارض وجوده الخارجى ولا ينافى ذلك ما قدّمنا من انّ الطّبيعى معروض المنطقى نظر الى انّ الفرد جزئىّ حقيقىّ فيمتنع فرض صدقه على كثيرين فكيف يكون كليّا وذلك لانّ المراد بالطبيعىّ على ما عرفت هو طبيعة الشّيء كالضّرب والحيوان مع قطع النّظر عن الكليّة اذ الحيوان الكلّى هو الكلّى العقلىّ دون الطبيعىّ فاطلاق الكلّى عليه وكونه

١٦١

معروضا له انّما هو باعتبار بعض حالاته وشئونه وذلك لانّ عارض الشّىء كما قد يكون عارضا له فى الوجود الذهنىّ والخارجىّ كالزوجيّة للاربع كذلك قد يكون عارضا لوجوده الخارجىّ فقط كالحرارة للنّار وقد يكون عارضا لوجوده الذهنىّ فقط كالجنسيّة للحيوان والنوعيّة للإنسان ومن هذا القبيل الكليّة كما انّ من القسم الثّانى الفرديّة فانّها من عوارض الطبيعىّ فى الخارج والحاصل انّ معنى وجود الطبيعىّ بعين وجود الفرد هو انّ للطبيعىّ تعيّنا فى الذّهن ومن عوارض هذا التعيّن الكليّة وتعيّنا فى الخارج ومن عوارضه الفرديّة فالفرد هو الكلّى المتعيّن بالوجود الخارجىّ اذا عرفت هذه فاعلم انّ القول الاخير هو الحقّ الحقيق بالقبول والتّصديق والدّليل عليه وجوه نذكرها على وجه الاختصار الاوّل انّ لفظ الكلّى كالإنسان مثلا موضوع لطبيعته بالفرض وضرورة اللغة حاكمة بانّ اللّفظ الموضوع لشيء يصحّ اطلاقه عليه من دون علاقة وقرينة ولا يصحّ سلبه عنه وانّ اللّفظ الغير الموضوع لذلك الشّىء يصحّ سلبه عنه ولا يصحّ اطلاقه عليه بلا علاقة وقرينة ومن المعلوم صحّة اطلاق لفظ الإنسان المذكور على كلّ واحد من افراده كزيد مثلا بلا علاقة وقرينة وعدم صحّة سلبه عنه بان يقال زيد ليس بانسان وان صحّ ان يقال ليس بانسان كلّى لكنّه خارج عن محلّ الكلام كما عرفت فلو لا وجود طبيعة الانسان فى زيد وغيره من افراده لما صحّ اطلاق لفظه عليه ولصحّ سلبه عنه مع انّه لو اطلق اللّفظ على الطّبيعة باعتبار كليّتها كان مجازا اذ المفروض انّ اللّفظ لم يوضع الّا للماهيّة لا بشرط شيء الثّانى انّ المشاهد بالحسّ والعيان تميّز افراد كلّ نوع كالإنسان من افراد نوع آخر كالحمار والبقر بحيث لا يشتبه فرد من افراد احدها بفرد من افراد آخر مع اشتراك الجميع فيما تميّزت به عن مثل الشّجر او الحجر اذ ليس ذلك الجامع الّا الطبيعة ولا ذلك المميّز الّا التعيّنات النوعيّة ولا ثالث لهما فالفرد الّذى هو الوجود الخارجىّ جامع للجهتين فى هذا التعيّن الخارجى ولو لا وجود الطبيعىّ فى الخارج لم يعقل ذلك الجامع والمائز فالكلّى الطبيعىّ موجود فى الخارج بوجود الاعيان ومشاهد محسوس بالعيان من غير حاجة الى اقامة برهان الثّالث أنّ الوجود الخارجىّ تعيّن من تعيّنات الكلّى وشأن من شئونه وتعيّن الكلّى لا يوجب انعدامه فالوجود الخارجىّ لا يوجب انعدام الكلّى وهو المطلوب أمّا الصّغرى فلانّ جنس الاجناس وهو الجوهر كما قد يتعيّن فى عالم تنزّلاته بالمجرّد وبالجسم المطلق وبالجسم النّامى وبالحيوان وبالإنسان الموجود فى الذّهن كذلك يتعيّن بالوجود الخارجىّ بالإنسان الموجود فى الخارج لانّ ذلك نوع تعيّن منه فكما يقصر صدقه فى التّعين الأوّل بالنّسبة الى المجرّدات وفى الثانى بالنّسبة الى الجمادات وفى الثالث بالنّسبة الى النّباتات وفى الرّابع بالنّسبة الى سائر الحيوانات بل بالنّسبة الى الانسان الغير المأخوذ باعتبار وجوده الذّهنى كذلك يقصر فى الأخير بالنّسبة الى الجزئيّات الحقيقيّة الأخر المشاركة لهذا الفرد الموجود فى الخارج فى الحقيقة النوعيّة وأمّا الكبرى فلضروريّة عدم انعدام

١٦٢

الجوهر فى شيء من التعيّنات المذكورة والتنزّلات الحاصلة له من عالم جنس الأجناس الى عالم نوع الأنواع والّا لم يكن النّوع مركّبا من الجنس والفصل فكذلك التّعين الخارجىّ لا يوجب انعدامه لانّه ايضا كالسّابق ليس الّا شأنا من شئونه وطورا من اطواره وليس معنى حصول التّركيب له فى التّنزلات المذكورة التركّب الخارجىّ نظير التركّب الحاصل فى السكنجبين بان تكون الحقيقة النوعيّة كالإنسان مثلا مركّبة من جزءين احدهما الحيوان والأخر النّاطق اذ ذلك باطل ضرورة عدم كون الإنسان الّا حيوانا خاصّا لا حيوانا ونطقا او ناطقا والّا لما صدق عليه الحيوان فقط او الناطق كذلك ضرورة عدم صدق الخلّ او العسل فقط على السكنجبين بل هو من باب التركّب العقلىّ الحاصل فى المقيّدات باعتبار القيود لانّ التّقييد من الأجزاء العقليّة والفصل مقيّد الجنس فيحصل منه النّوع بمعنى انّ الجنس يتعيّن به فيسمّى نوعا فالنوعيّة من عوارض هذا التعيّن وكذلك التّركيب الحاصل له بالتعيّن الخارجىّ من هذا القبيل اذ بطروّ الوجود الخارجى يتعيّن وبهذا التعيّن يصير فردا فليس للفرد جهة زائدة على الكلّى الّا الوجود الخارجى وهذا هو المراد من قول الحكماء كلّ ممكن زوج تركيبيّ فانّهم يريدون انّ كلّ فرد موجود فى صقع الامكان لا بدّ فيه من طبيعة معروضة للوجود ومن عارض له فبتحقّق هذا المعروض والعارض بطروّ الثانى على الاوّل يتحقّق الممكن فالممكن مركّب منهما لا بمعنى المركّب الخارجىّ بل المركّب الخارجىّ زوجان تركيبيّان وموجودان بوجودين انتزعا فى الخارج ولو لا وجود الطبيعىّ فى الخارج لما تعقّل فى الممكن المقابل للواجب والممتنع تركّب من امرين بالمعنى الّذى عرفته واذا اتّضح لك معنى الكلّى الطبيعىّ وايقنت بوجوده فى الخارج وانّه عين الفرد فلنذكر لك امرين بهما يندفع الاشكال بتوفيق الله الملك المتعال الاوّل انّ الحقّ تعلّق الحكم بالكلّى دون الفرد ويدلّ عليه زائدا على ما تقدّم انّ صرف الخطابات عن ظواهرها لا دليل عليه وذلك لانّه لا خلاف ولا اشكال فى انّ الألفاظ والموادّ لم توضع الّا للماهيّات المرسلة المعبّر عنها بالماهيّة المطلقة لا بشرط شيء بمعنى عدم اعتبار جهة زائدة فى وضعها حتّى جهة الكليّة والكلام في انّ المراد بها فى ضمن هيئة الطّلب هل هو معناها الموضوعة لها ام لا بدّ من صرفها الى الافراد لقيام دليل على ذلك وحيث لا دليل عليه فلا وجه لصرف الخطابات عن ظواهرها ومعانى موادّها بل الدّليل على العدم وذلك لأنّ مدلول هيئة الأمر هو طلب ايجاد المادّة كما انّ مدلول هيئة النّهى هو طلب تركها ومن المعلوم انّ طلب الايجاد لا تعلّق له الّا بالماهيّة دون الفرد لانّ الماهيّة بالايجاد تصير فردا والفرد ليس الّا الماهيّة الموجودة فاذا تعلّق به مدلول الهيئة لزم تكرار الوجود وكان المعنى طلب ايجاد الموجود وهو تحصيل للحاصل ان اريد بالموجود الموجود بهذا الإيجاد واعادة المعدوم ان اريد به الموجود بايجاد آخر لانّ المأمور به من باب الأفعال والفعل من الأمور الغير القارّة ويعدم بمجرّد وجوده ولا يبقى منه الّا الآثار فمتعلّق الاحكام بمعنى الإنشاءات هى الكليّات لا الأفراد وكذلك

١٦٣

آثار الإنشاءات اذ لا يتعلّق الأثر الّا بما يتعلّق به المؤثّر فمتعلّق الوجوب هو متعلّق الإيجاب وكذلك متعلّق نفس الخطابات لانّها لا تتعلّق الّا بما تعلّق به مداليلها فلا فرق فيما ذكرناه بين اقسام الحكم بحسب الإطلاقات وكذلك الحكم الوضعيّ بناء على القول برجوعه الى الحكم التّكليفى وإلّا فالظّاهر تعلّقه بالفرد وان كان ظاهر القضيّة مثل قولك الدّم نجس او الماء طاهر هو الكلّى لظهور الجنس المعرّف فيه ولكن لا لامتناع وجود الكلّى كما هو عمدة ادلّة القائل بالتعلّق بالافراد لما عرفت بما لا مزيد عليه من وجوده بل لانّ النّجاسة والطّهارة والسببيّة والمانعيّة ونحو ذلك من الامور الوضعيّة من اللّوازم الخارجيّة فقط نظير الحرارة للنّار دون الذهنيّة فقط او الذهنيّة والخارجيّة اذ لا معنى لنجاسة الدّم او مانعيّة الحيض او الحدث او شرطيّة الوضوء او الطّهارة ونحو ذلك الّا باعتبار الوجود الخارجى فمعنى الدّم نجس انشاء جعل النّجاسة للدّم الموجود عند من يرى استقلال الجعل فى الاحكام الوضعيّة الثّانى انّ الإيجاب والوجوب كالإيجاد والوجود امران متباينان بحسب المفهوم حقيقة قضيّة كون الأوّل من مقولة الفعل القائم بذات الفاعل والثّانى من مقولة الانفعال المتقوّم بالفعل والمقولات العشرة باسرها متباينة ولكنّهما متّحدان بالذّات ويئولان الى امر واحد موسوم باسمين باعتبارين وذلك للقطع بانّه ليس هناك الّا امر واحد غير انّه من جهة صدوره من الموجب عبّر عنه بالايجاب ومن حيث قيامه بالفعل بالوجوب كما هو الحال فى التّاثيرات وآثارها ومن قال إنّهما متّحدان اراد الاتّحاد بحسب منشأ انتزاع الامرين الملحوظ فى كلّ منهما بالقياس الى صاحبه ومن اجل انّهما متباينان مفهوما اشكل على المستدلّين لانّ صيغة افعل للوجوب بالتّبادر بانّ الوجوب من اوصاف الفعل ولوازم الايجاب فكيف يدّعى كونه معنى مطابقيّا للصّيغة كما هو قضيّة التّمسك بالتّبادر فى اثباته اذ مقتضى ما ذكر كونه مدلولا التزاميّا لا مطابقيّا ويجاب عنهم بأنّ الوجوب وان كان غير الايجاب الّا انّ المراد به فى مقام اثبات مدلول الصّيغة هو الايجاب توسّعا والغرض من التّمسك بالتبادر اثبات كون معنى الامر هو المقيّد بالوجوب لا اثبات القيد وهو الوجوب حتّى يلزم التّمسك بالتّبادر فى اثبات المداليل الالتزاميّة وذلك نظير التّمسك بالتّبادر فى باب المفاهيم اذ لم يقصدوا من دعوى تبادر المفهوم فى الجملة الشرطيّة مثلا الّا انّ معناها امر مقيّد يلزمه القيد كما فى معنى العمى بالنّسبة الى البصر ولا بأس به ايضا والّا فلا اشكال فى انّ الايجاب هو النّسبة الطلبيّة والوجوب هو نتيجة تلك النّسبة ولو كانا متّحدين لجاز قيام الوجوب بالموجب والايجاب بالفعل الواجب مع انّه محال اذ بعد قيام الاوّل بالثّانى والثّانى بالاوّل لو انعكس الامر لزم قيام العرض الواحد بمحلّين لو بقى الاتّصاف الاوّل بحاله وبقاء العرض حال الطفرة متقوّما بنفسه على تقدير زواله وهما محالان كما برهن عليه فى المعقول وممّا يوضح تغايرهما انّه لا يصحّ ان يقال اوجبته فاوجبته لاستحالة ترتّب الشّيء على نفسه وحدوثه بعد حصوله ويصحّ ان يقال ضرورة اوجبت عليك الفعل الكذائىّ فوجب كما يصحّ كسرته فانكسر

١٦٤

فقد ظهر لك انّ التّباين بين الايجاب والوجوب انّما هو بحسب المفهوم فانّ الثّانى اثر للاوّل وهما متّحدان بالذّات وتعدّدهما بالاعتبار والمفهوم فالانشاء الصّادر من الأمر ايجاب بلحاظ صدوره منه ووجوب باعتبار تعلّقه بالمأمور به نظير الايجاد والموجود بالفعل فبلحاظ الموجد وهو الفاعل ايجاد وتأثير وبلحاظ الموجود وجود واثر من غير تعدّد وتكثّر فى الحقيقة أصلا والحاصل انّ الوجوب اثر الإيجاب ومن المعلوم انّ الايجاب المتّحد مع الوجوب اقتضاء وجودىّ نعبّر عنه بالإرادة المظهرة وتوضيح ذلك يحتاج الى بسط فى المقال ومحلّه مبحث اتّحاد الطّلب والإرادة ولو اردنا الولوج فى هذا المبحث لادّى الكلام فى المقام الى تطويل مملّ وتلك الإرادة المظهرة حاصلة بنفس الانشاء حصول المسبّبات بالاسباب ومدلول لهيئة الأمر فالقول بانّ الوجوب والحرمة وغيرها من الاحكام الشرعيّة المدلولة عليها بالخطابات الشرعيّة مثل الأمر والنّهى وغيرهما من الاوصاف المنتزعة من الأفعال باعتبار وجودها فى الخارج ومن الاعراض الخارجيّة لموضوعاتها كالبياض والسّواد والحركة والسّكون للجسم والحرارة للنّار ومن المعلوم لزوم اتّحاد الدالّ والمدلول فى المتعلّق فليس متعلّق الخطابات الشرعيّة الّا الموضوعات الخارجيّة اى الأفراد شطط من الكلام ولا محصّل له عند اهل التّحقيق من ذوى الأفهام إذ قد عرفت أنّ متعلّق الهيئة ليس الّا الماهيّة والّا لزم طلب تحصيل الحاصل او اعادة المعدوم وتنظير وجوب الصّلاة بحرارة النّار مثلا من باب التّنظير بالضّد لأنّ الحرارة من عوارض وجود النّار كالفرديّة والوجوب وهو طلب الايجاد من عوارض الماهيّة كالكلّية ولا مشابهة بينهما بوجه فتعلّق الوجوب الرّاجع الى الإيجاب المدلول للخطاب بالماهيّة يوجب تعلّق الخطاب الدّال عليه بها ايضا لا بالفرد وبعد ذلك كلّه تقدر أنت على دفع ما تمسّكوا به لاثبات انّ الوجوب من عوارض الذّات والفرد فانّهم استدلّوا على ذلك بوجوه أحدها عدم صحّة اطلاق الواجب والحرام على الماهيّات الذهنيّة ثانيها أنّ قولك صلّ او صم انّما ينحلّ الى قولك الصّلاة واجبة والصّوم واجب وهكذا وامثال هذه من القضايا المركّبة من الموضوعات والمحمولات الشرعيّة من باب الحمل المتعارف ومن المقرّر فى علم الميزان انّ المراد بالموضوع فى الحمل المتعارف هو الذّات وبالمحمول الماهيّة فليس المراد بالصّلاة مثلا وهو المتعلّق فى قولك صلّ الّا الذّات وهو المطلوب لانّ الذّات هو الفرد ثالثها انّ موضوع الفقه المبحوث فيه عن عوارضه هو فعل المكلّف وليس العارض لأفعال المكلّفين الّا احكامها ولا الافعال الّا الموجودات الخارجيّة وهى الأفراد ويقال فى الدّفع عنها أمّا الاوّل فقد ظهر ما فيه لمنع عدم صحّة اطلاق الواجب مثلا على الماهيّة بل هى الواجبة ليس إلّا وامّا الثّانى فبانّ الحمل المتعارف فى عرفهم هو انّ المحمول فيه اعمّ من الموضوع من غير فرق بين كون الموضوع فردا كما فى زيد انسان او كلّيا كما فى قولك الإنسان حيوان وكون الموضوع فيه ذاتا بتصريح المنطقىّ لا يستلزم كونه فردا لانّ المراد بالذّات ما يقابل الصّفة والعرض فالمراد انّ الموضوع فى الحمل المتعارف لا بدّ ان يكون

١٦٥

معروضا لمحموله معروضيّة الفرد ولو كان جزئيّا اضافيّا كليّا بخلافه فى الحمل الذّاتى لانّ الموضوع فيه عين المحمول فهو هو كما فى قولك الإنسان حيوان ناطق مع انّ انحلال قولك صلّ الى قولك الصّلاة واجبة مرجعه الى تعلّق الوجوب الرّاجع الى الإيجاب الّذى عبّرنا عنه بطلب الايجاد بالصّلاة وقد عرفت انّ متعلّق طلب الإيجاد ليس الّا الماهيّة فلا بدّ ان يراد من الموضوع فى هذه القضيّة الجنس حتّى يصحّ حمل الوجوب عليه لانّ الموضوع لا بدّ وان يكون قابلا لطروّ الوجوب عليه وليس غير الماهيّة وامّا الثالث فبأنّ معنى كون موضوع الفقه هو فعل المكلّف هو انّ البحث فى الفقه فى انّ صلاة الظّهر مثلا وهى من افعال المكلّف يعنى من شأنها ان يصدر منه بل هى مطلوبة الفعل حتّى توجدا ومطلوبة التّرك حتى تترك نظير قول الصّرفى والنّحوى انّ الكلمة موضوع علم الصّرف او النّحو اذ معناه انّ الكلام فى الصّرف فى انّ الامر الحاضر من المضاعف وهو قسم من الكلمة هل يجب فيه الادغام حتّى يبنى على زنة مدّ او جاز بفكّ الادغام حتّى يبنى على وزن امدد لا انّ مدّ او امدد بعد وجوده هل يدغم او يفكّ وانّ خبر ما ولا المشبّهتين بليس بعد التّلفظ به هل ينصب او يرفع اذ ذلك غير معقول بعد استحالة وجود الكلمة بدون المادّة والصّورة فالمراد بفعل المكلّف هو الفعل الشّأنى دون الفعلىّ الموجود لانّ الموجود يخرج بوجوده عن موضوع المكلّف به والكلام فى الفعل المكلّف به القابل لتعلّق التّكليف وطلب الايجاد او التّرك وكان انزال الكتب وارسال الرّسل لاجل بيان حكمه فإن قلت إنّ الامر وهو مدلول الهيئة اى طلب الايجاد وان لم يتعلّق الّا بالطّبيعة لانّ فرديّة الطبيعة لا تكون الّا بانضمام الوجود اليها اذ الطّبائع باسرها كليّات ولا يحصل من انضمام كلّى الى كلّى الّا كلّى ثالث فتعلّق الأمر بالفرد فى الحقيقة تؤدّى الى طلب تحصيل الحاصل وهو محال إلّا أنّ فى عالم اللّب والحقيقة الطّلب يتعلّق بالفرد وهو الايجاد الخارجىّ الّذى هو عين الوجود الخارجىّ بحسب الذّات وان غايره بحسب الاعتبار وهو فرد من افراد الوجود المطلق لا بمفهوم الكون المصدرىّ وليس المطلوب هذا المفهوم اذ ليس تحصيل الطّبيعة به ولا قدرا مشتركا بين آحاد الوجود لانّها متباينة الحقائق فالأمر يجعل مفهوم الوجود او الايجاد آلة لملاحظة افراده الخارجيّة فالطّبيعة ملحوظة على وجه يسرى الحكم منها الى افرادها وهى مصاديقها فيكون المحكوم به فى الاخبار هو الأفراد المندرجة تحتها كما هو كذلك فى القضايا المسوّرة ويكون الطّلب فى الإنشاءات متعلّقا بمصاديق الطّبيعة من حيث كون الطّبيعة عنوانا لها وليس المفهوم من القضايا المتعارفة الّا ذلك فكون الطّلب متعلّقا بالطّبيعة لا ينافى تعلّقه بالمصداق نظرا الى كون الطّبيعة عنوانا له قلت قد عرّفناك انّ المطلوب وهو متعلّق الطلب ليس الّا فعل المكلّف ومعنى طلبه ارادة اخراجه من العدم الى عالم الوجود ومن المعلوم انّ الشّيء كما انّه ما لم يتشخّص لا يوجد كذلك ما لم يوجد لم يكن شخصا اى جزئيّا فالشّيء قبل طروّ لباس الوجود عليه كلّى ولا

١٦٦

يصير جزئيّا الّا بدخوله فى هذا اللباس فالايجاد الّذى تعلّق به الطلب لا بدّ ان يفرض فعلا للمكلّف ولذا قلنا انّ الموضوع هو الفعل الشّأنىّ فما لم ينقلب عن عرصة العدم وان كان مطلوبا الّا انّه كلّى لا جزئىّ ولا فرد لأنّ فرديّته ليس الّا بلباس التقلّب والتشخّص وبانقلابه عن تلك العرصة وان صار جزئيّا وفردا الّا انّه يخرج بمجرّد ذلك عن تحت الطّلب لاستحالة تعلّقه بالحاصل وكون انضمام الايجاد الكلّى الى الطّبيعة ممّا لا يحصل به الّا كلّى ثالث غير قادح بل واجب والّا لا يعقل تعلّق الطّلب به كما عرفت وعدم تحصّل الطّبيعة بمفهوم الكون المصدرىّ اى كلّى الكون بوصف كونه كلّيا وان كان مسلّما لما ذكره من انّ انضمام كلّى الى آخر لا يحصل منه الّا كلّى ثالث لا فرد موجود الّا انّ عدمه لا بشرط كونه كلّيا وهو الكلّى الطبيعىّ الموجود فى الخارج المتفرّد بنفس الوجود ممنوع كيف ولا بدّ ان يكون كذلك كما عرفت فوجوب كون الإيجاد والوجود المتّحدين ذاتا المتغايرين اعتبارا جزئيّا وفعلا خارجيّا باطل رأسا ولعلّ منشأ هذا التوهّم ونحوه اخذ جهة الكليّة فى الكلّى وهو اشتباه لصيرورة الطّبيعة بذلك كلّيا عقليّا فيمتنع وجوده وكيف يتعلّق به الإيجاد ثمّ انّ اعتبار الايجاد كلّيا كان او جزئيّا فى متعلّق الطلب قد يمنع ويجعل مدلول هيئة الأمر نفس الطّلب ويقال انّ معنى اضرب مثلا طلب الضّرب لا طلب ايجاد الضرب اذ لا حاجة الى اعتبار الايجاد بعد انّ حقيقة الضّرب وهو فعل المكلّف شأنا لا يتحقّق الّا بالإيجاد فالتّعبير بالايجاد تعبير تحليلىّ لا تحقيقىّ والّا لاحتيج الى اعتبار ايجاد آخر فيدور او يتسلسل ويجعل المائز بين الامر والنّهى اطلاق الطلب فى مدلول هيئة الاوّل وتقييده بالتّرك فى مدلول هيئة الثّانى اذ ذلك كاف فى الفرق من غير حاجة الى اعتبار زائد فى الاوّل ايضا ولا يذهب عنك انّ هذا الطّلب انّما يتعلّق بالشّيء قبل وجوده فلا يمكن ان يقال انّ المطلوب فى الحقيقة المصداق واخذ طبيعة المأمور به عنوانا له لأنّه تحصيل للحاصل وهنا نقطع الكلام فى بيان اختلاف موضوعى الحكم الواقعىّ والظّاهرىّ تتميم لا بأس بتوضيح ما اشرنا اليه من ذهاب المشهور الى صحّة الصّلاة فى الدّار المغصوبة مع الجهل او النّسيان بالموضوع او الحكم مع ذهابهم الى امتناع اجتماع الأمر والنّهى فى شيء واحد فنقول انّ فى صورة العلم بالغصبيّة لمّا كان الفعل الصّادر من المكلّف اختيارا لا يؤثّر فيه الّا ما يلتفت اليه من الجهات والمفروض انّه ملتفت الى مفسدته بتوسّط النّهى لا يكون فى الفعل الّا جهة القبح والمبغوضيّة ومع ذلك كيف يسقط به الأمر وكيف يحصل به الغرض والتقرّب من المولى مع انّه مبعّد وقبيح فلو لم يكن المكلّف معذورا من قبل العقل او الشّرع وكان ملتفتا بجهة القبح والمؤثّر الفعلىّ كيف يتأتّى منه وقوع الفعل قربيّا وان قصد به التقرّب فانّ المعتبر فى العبادة أمران الاوّل كون الفعل صالحا لان يتقرّب به والثّانى اتيانه بقصد التقرّب والمكلّف الملتفت او غير الملتفت المقصّر وان أتى منه قصد التقرّب الّا انّ فعله غير صالح للتقرّب

١٦٧

حيث انّ الفعل ليس الّا معصيته للمولى ومخالفا لأمره ومبغوضا عنده وهذا بخلاف ما لو كان المكلّف معذورا بالعذر العقلىّ او الشرعىّ كما اذا كان ناسيا او جاهلا على وجه القصور فانّه يسقط به الأمر ويحصل به الغرض لانّه لا يصدر منه ذلك الفعل الّا بوجهه الحسن لأجل الجهل بحرمته قصورا ويكون حسب الفرض مشتملا على المصلحة الصلاتيّة بما فيها كما فى غيرها فالصّلاة فى الدّار المغصوبة تكون مشتملة على المصلحة كالصّلاة فى غيرها بلا تفاوت وتكون موافقة لغرضه وصالحة لان يتقرّب بها فيصدر الفعل حسنا بحيث يمدح عليه لا قبيحا وان كان حراما واقعا وفيه جهة القبح الّا انّ المعارض لهذه المرتبة ليس مرتبة بعث الامر وفعليّته فانّ الامر فى مقام التنجّز والفعليّة يعارض النّهى فى ذلك المقام والمفروض انّ النّهى لم يبلغ الى آخر المراتب وهو مرتبة الزّجر والتنجّز ورفع تنجّزه ببركة قوله ع رفع ما لا يعلمون وقوله ع ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فلا يقع ذلك الفعل الّا حسنا ومقرّبا فيحصل به الغرض الموجب لسقوط الأمر لا يقال انّ المفروض وقوع الكسر والانكسار بين المقتضيات وغلبة مقتضى النّهى على مقتضى الامر فكيف يكون محصّلا للغرض من الامر مع زوال مقتضيه فانّه يقال انّ المراد بالكسر والانكسار هو انّ اىّ المقتضيين غلب يكون المؤثّر الفعلىّ هو ذلك الغالب لاضمحلال تأثير الأخر فى طرف تأثيره ولا ينافى هذا الاضمحلال والمغلوبيّة فى مقام التّأثير بقائه فاذا كان المناط الغالب غير معلوم عند المكلّف لما كان مانعا عن اقتضاء الآخر حسن الفعل نعم لو كان معنى الغلبة بين الجهات هو انّ الحجّة المغلوبة تزول لكان لما ذكر وجها ولكن من المعلوم بقائها مع عدم التّأثير الفعلىّ فيكون هذا الفعل الّذى غفل عن قبحه الواقعىّ موجّها بوجه حسن مطلوب فيؤتى به ويسقط به الغرض الموجب لسقوط الأمر ومن هذا البيان ينقدح الفرق بين ما اذا كان دليل الوجوب والحرمة متعارضين وقدّم دليل الحرمة ترجيحا او تخييرا وما اذا كان دليلهما من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم الحرمة فانّه على الاوّل لا يكون فى الفعل ملاك المحبوبيّة ولا يكون متعلّقا للغرض من الأمر فلا مجال فيه للصّحة اصلا وهذا بخلاف الثّانى فانّ مناط الامر موجود فيه كمناط النّهى غايته انّه غلب عليه فى التّأثير فاذا كان المكلّف غير ملتفت اليه قصورا يكون المجمع لو أتى به موجبا لسقوط الامر لأنّه قصد به القربة مع كونه صالحا لان يتقرّب به لاشتماله على ما يوافق الغرض من المصلحة مع صدوره منه حسنا لأجل الجهل بحيث يمدح عليه لا قبيحا وان كان حراما واقعيّا وفيه جهة القبح وذلك لحصول الغرض الموجب لسقوط الأمر فكلّ دليلين متضادّين امّا ان يعلم اجمالا بخروج ما تصادقا عليه من تحت اطلاق احدهما او عمومه بحيث علم عدم ارادته من العموم او الإطلاق كى يكون احدهما كاذبا فى ظهوره الموجب للتّنافى بينهما من جهة الدّلالة والكشف وامّا ان يعلم دخول ما تصادقا عليه تحت

١٦٨

اطلاق كلّ واحد منهما او عمومه بحيث يعلم كونه مرادا من كلّ منهما وعلى الاوّل يقع بينهما التّعارض لتحقّق ملاك المتعارضين فيهما وهو العلم بكذب احدهما فيعامل معهما معاملة المتعارضين وهو الرجوع الى التّرجيح دلالة او سندا او التوقّف او التّخيير وعلى الثانى ليس بينهما تعارض ولا يعامل بهما تلك المعاملة اذ ليس بينهما تناف بما هما دليلان حاكيان كما هو الملاك فى تعارض الأدلّة والحاصل انّ فى مسئلة اجتماع الأمر والنّهى لا بدّ ان يكون المتعلّق والمجمع مشتملا على ملاك الحكمين ليحكم على القول بالجواز بكونه محكوما فعلا بحكمين ولا يرجع فيه الى ما يعالج به المتعارضان على القول بالامتناع بل اذا كان احد المناطين اقوى ولو كان الدليل الدالّ على ما هو أثره من الحكم اضعف يؤخذ به ويعمل على طبقه واذا كان نسبتهما متساوية يرجع الى حكم آخر من استحباب او كراهة وامّا اذا لم يكن المتعلّق كذلك فلا يكون من مسئلة الاجتماع ولا يكون مورد اجتماعهما الّا محكوما بحكم احدهما اذا كان فيه مناط التّرجيح والّا فالتوقّف والتخيير فكما انّ فى المتعارضين يرجع الى المرجّحات الدلالىّ والسّندى فكذلك فى مسئلة اجتماع الأمر والنّهى يرجع الى اقوى المقتضيين ولذا ربما يحكم بغير الحكمين اذا لم يكن هناك قوّة غالبة لاحد المقتضيين نعم على القول بالامتناع يرجع الى ما هو الحكم فى باب التّعارض لو كان كلّ من الدليلين فى بيان الحكم الفعلىّ بان يكون كلّ منهما ظاهرا فى فعليّة مؤدّاه حتّى فى حال الاجتماع كما اذا استفيد منهما مطلوبيّة الصّلاة ولو كانت فى ضمن الغصب ومبغوضيّة الغصب حتّى فى ضمن الصّلاة من غير دلالة على تحقّق الملاكين فى مورد الاجتماع فلا بدّ حينئذ من الجمع بينهما دلالة او سندا إذا عرفت ذلك كلّه تعلم انّه كم من الفرق على القول بالامتناع وترجيح جانب النّهى بين ما اذا كان المكلّف ملتفتا الى الحرمة وما اذا لم يكن ملتفتا اليها على وجه يكون معذورا فانّه على الاوّل ليس الفعل الصّادر منه الّا قبيحا ومبغوضا لانّ المفروض اشتماله على المفسدة وغلبتها على المصلحة والمكلّف عالم بها ايضا ولو اجمالا فكيف يصدر منه حسنا وهذا بخلاف الثّانى فانّ المفروض فيه عدم فعليّة النّهى وعدم تنجّزه على المكلّف فيكون فعله حسنا ممدوحا وصالحا للتقرّب ومقرّبا له لمولاه واين هذا من ذاك ففى الفرض الثّانى لا اشكال فى حصول الغرض ويبقى الكلام في انّه هل يكون الفعل مامورا به أم لا والظّاهر انّه مأمور به إذ لو قلنا بأنّ الحكم الواقعىّ تابع لما هو الغالب من الجهات بناء على تزاحم المقتضيات فى مقام تأثيرها للاحكام الواقعيّة كان الحكم هو النّهى ولم يكن هناك امر اصلا فلا يكون الإتيان بالمجمع موافقا لأمر وامتثالا لطلب لانتفائه حسب الفرض وان كان مسقطا للغرض ولكنّ التّحقيق خلافه والحقّ انّ الأمر والنّهى تابعان للجهات والمقتضيات ولا يكون بينهما تزاحم الّا فى مقام فعليّة الاحكام فالاتيان بالمجمع يكون امتثالا للأمر لانّ المفروض عدم

١٦٩

فعليّة النّهى المانع عن فعليّة الامر والمفروض وجود المقتضى للامر بجميع مراتبه حتّى مرتبة الفعليّة فيكون المجمع فعلا مامورا به واذا أتى به كان موافقا للامر والحرمة الفعليّة غير معلومة عند المكلّف والسّر في ذلك انّ المخصّص ان كان لفظا كما فى قولك اكرم العلماء الّا زيدا كان الوجه عدم وجوب اكرام زيد فى جميع الأحوال وامّا ان كان المخصّص عقلا فلا بدّ من الاقتصار على قدر يقتضيه وليس وجه التخصيص بالافراد الغير المحرّمة فى المقام الّا مناقضة الطّلب التحريمىّ والطلب الوجوبىّ وبعد ارتفاع التحريم بواسطة النّسيان لا مانع من القول بالصّحة والأخذ باطلاق الأمر بالصّلاة فيكون ذلك من باب التزاحم كانقاذ الغريقين فانّ عدم تعلّق التّكليف بكلّ واحد منهما على سبيل الاجتماع مع وجود المصلحة فيهما على وجه سواء ليس الّا امتناع الاجتماع واذا فرضنا ارتفاع المانع صحّ الأمر من غير اشكال ويوضح المقال انّ النّهى المتعلّق بعبادة ان كان بواسطة عنوان مجامع للعبادة مع كونه اخصّ منها فالظّاهر انّ ذلك تخصيص للامر بخروج تلك العبادة مطلقا عن المامور به وان كان بواسطة عنوان بينهما عموم من وجه فيحكم بكونها فاسدة حال تعلّق النّهى بها اذ لا قاضى بما يزيد على ذلك من دليل التّخصيص أمّا الاوّل فلانّ مرجعه الى التّخصيص اللفظىّ كما فيما اذا قيل صلّ ولا تصلّ فى الدّار المغصوبة ولعلّ السرّ فى ذلك انّ النّهى المذكور تابع لمفسدة ثابتة فى الفرد الخاصّ فيتعلّق النّهى به لكونه فاسدا وليس الفساد فيه تابعا للنّهى فيجب الأخذ بمقتضى الفساد فى جميع الاحوال ونظيره الأوامر الواردة فى مقام بيان ماهيّة العبادات المركّبة فانّها قاضية بانّ تلك الاجزاء ممّا لا يتخلّف عن مركّباتها عمدا وسهوا واضطرارا وامّا الثّانى فلانّ مرجعه الى المزاحمة بين الطلبين على وجه لا بدّ من الالتزام بانتفاء احدهما مع وجود مقتضى الطلبين وبعد القول بترجيح النّهى فى مورده على الامر لا بدّ من القول بفساد العبادة فالفساد تابع للنّهى وبعد ارتفاع النّهى المانع من تعلّق الطّلب الوجوبىّ مع وجود ما يقضى به يعود ذلك الطّلب فيصحّ العمل لو وقع فى حال السّهو والنّسيان فان قلت إنّ ارتفاع الطلب التحريمىّ لا يكفى فى صحّة المأمور به مع بقاء المفسدة الّتى ينبعث منها التحريم بناء على اصول العدليّة ولا سبيل الى منع المفسدة على تقدير انتفاء الطّلب فانّ ذلك يستلزم اختلاف الفعل بواسطة الذكر والنسيان والجهل والعلم وهو التّصويب كما لا يخفى قلت أوّلا انّ ما ذكر من وجود المفسدة انّما يتمّ فيما اذا كان ذهاب النّهى بواسطة السّهو والجهل ونحوهما ممّا لا يليق اختلاف الاحكام باختلافها وامّا الاضطرار فيصحّ اختلاف الاحكام والمصالح والمفاسد به فلا دليل على وجود المفسدة بعد ارتفاع الطّلب وثانيا سلّمنا وجود المفسدة فى جميع الموارد ولكن لا نسلّم انّ المفسدة تمنع عن تعلّق الطّلب الوجوبىّ فى موردها لانّ المانع امّا مجرّد اجتماع المصلحة والمفسدة كالامر والنّهى والحسن و

١٧٠

القبح وامّا اقتضاء اللّطف عدم تعلّق الامر والطّلب بمورد وجد فيه المفسدة أمّا الاوّل فلا نسلّم امتناع اجتماعهما إن لم يكن المراد بهما الحسن والقبح الفعليّان ضرورة صحّة اجتماع المفسدة والمصلحة فى شيء بالنّسبة الى جهات عديدة وذلك نظير اتّصاف شيء واحد باضافات متقابلة كالابوّة والنبوّة والفوقيّة والتحتيّة لكن لا بالنّسبة الى شيء واحد بل بالنّسبة الى اشياء متعدّدة فيصحّ ان يكون السقمونيا مفسدة لاحد الأخلاط الأربعة ومصلحة لآخر منها وذلك امر ظاهر والوجه فى ذلك انتفاء التّقابل بعد ملاحظة الجهات فانّ ابوّة زيد لا تقابل نبوّة عمر ولا انّهما متقابلتان ويكفى فى اجتماعهما واتّصاف المحلّ بهما وجود الجهتين وان اريد من المصلحة والمفسدة الحسن والقبح فالحقّ ارتفاعهما بارتفاع الطّلب وامّا الثّانى فلا نسلّم انّ قضيّة اللّطف عدم تعلّق الطّلب بمورد يكون فيه المفسدة كيف والوقوع فى تلك المفسدة ممّا لا مناص عنه فانّ المفروض انّه ليس من الامور الاختياريّة بل المكلّف يقع فى تلك المفسدة على وجه الاضطرار فلا مانع من ايصال المكلّف الى مصلحة الفعل ولا يلاحظ فيه مساواة المصلحة للمفسدة وزيادتها عليها فانّ المفسدة لازمة لا مناص عنها فيكون المصلحة بمنزلة ما لا معارض لها فانقدح لك ممّا فصّلناه وجه حكم الأصحاب بصحّة الصّلاة فى الدّار المغصوبة فى الموارد المؤمى اليها مع انّ الجلّ لو لا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم حكم الحرمة ويحكمون بالبطلان فى غير تلك الموارد فالحكم الواقعىّ المنشأ من الشّارع بحسب ما هو عليه من الجهات متعدّد على القولين الجواز والامتناع كما انّ حكمه الفعلىّ كذلك على القول بالجواز وواحد على القول بالامتناع ويختلف ايجابا وتحريما فعليّا بحسب المقامات من جهة العلم والجهل والحمد لله ربّ العالمين وامّا الرّسالة الثّانية بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أنّه ربما يتوهّم التّنافى بين الأصول العمليّة ومؤدّى الادلّة الاجتهاديّة وهى الاحكام الواقعيّة ومورد التوهّم انّما هو صورة تخالفهما كان يكون الاصل مقتضيا لوجوب شيء مع كون مقتضى الطريق الاجتهادي ضدّ الوجوب من سائر الاحكام او العكس ووجه التوهّم انّه لا شبهة فى تضادّ الاحكام الخمسة باسرها ويلزمها لزوما بيّنا امتناع اجتماع اثنين منها فى مورد واحد فاذا كان حكم شيء فى الواقع احد تلك الاحكام امتنع ثبوت غيره ايضا لذلك الشّيء حال ثبوت الاوّل له فى الواقع وان سمّى الثّانى بالحكم الظّاهرىّ فانّه مجرّد اصطلاح بملاحظة انّه يحدث فى حقّ المكلّف فى مرحلة الظّاهر مع جهله بالواقع الاوّلىّ الغير الملحوظ فيه شيء من وصفى العلم والجهل فالفرق بينه وبين الحكم الواقعىّ انّه قد اعتبر فى موضوعه وصف الجهل بالحكم الواقعىّ او بموضوعه الموجب للجهل به بخلاف الحكم الواقعىّ فانّه انّما علّق على الموضوع من غير لحاظ شيء فيه من وصف العلم او الجهل بل يمتنع ذلك اذا لوحظ احدهما بالنّسبة الى نفس الحكم لاستلزامه الدّور الواضح لكن مجرّد هذا الفرق لا يصلح لدفع التّنافى مع فرض اتّحاد

١٧١

متعلّقى الحكمين المتضادّين فانّ الجهل الّذى اخذ فى موضوع الحكم الظّاهرىّ اذا ثبت فى مورد لا يصلح لان يصيّر المتعلّق والمورد شيئين يكون احدهما موضوعا للحكم الواقعىّ والآخر موضوعا للحكم الظاهرىّ بل الشّيء الّذى له حكم فى الواقع باق على وحدته مع الجهل به او بذلك الحكم فانّ الخمر المشكوك خمريّته او حرمته مثلا الّذى كان حكمه الإباحة فى مرحلة الظّاهر هو بعينه الخمر الّذى اخذ موضوعا للنّهى الواقعىّ فهو فى جميع الحالات لا يكون الّا هو بعينه من غير ان يعرض شيء يوجب خروجه عن موضوع النّهى والمفروض دوران النّهى الواقعىّ مداره نفيا واثباتا فاذا كان المفروض كون المائع المشكوك كونه خمرا خمرا فى الواقع كان النّهى ثابتا له حال الشّك وهو ينافى ثبوت الرّخصة فى شربه كما هو مقتضى الاصل وبالجملة منشأ التّنافى انّما هو اتّحاد متعلّق الحكمين ولا فرق فى هذا بين كون الحكمين واقعيّين او ظاهريّين او مختلفين ويقول المتوهّم انّ الملتزم بجواز الاجتماع فى المقام لا بدّ ان يلتزم به فى مسئلة اجتماع الأمر والنّهى ايضا والمتشبّث هنا بتعدّد جهتى الحكمين نظرا الى انّ الحكم الواقعىّ ثابت للشّيء المشكوك الحكم بالنّظر الى ذاته من غير ملاحظة صفة الجهل اصلا والحكم الظاهرىّ ثابت له بملاحظة الجهل بحكمه الواقعىّ لا بدّ ان يلتزم بكفايته فى دفع التّنافى هناك ايضا فانّ المفروض ثمّة تعدّد الجهة ايضا وتعدّد الجهة لو كان رافعا لمحذور اجتماع الضدّين فليس له اختصاص بمورد دون آخر نعم الفرق بين المقامين انّ جهتى الحكمين فى مسئلة اجتماع الأمر والنّهى فى عرض واحد كالصّلاة والغصب بخلاف المقام ضرورة انّ جهة الحكم الظّاهرىّ كما عرفت هو الجهل بالحكم الواقعىّ للمورد فلذا لا يعقل بقائه حال فعليّة الحكم الواقعىّ وهو حال العلم به فجهة الحكم الواقعىّ مقدّمة على جهة الحكم الظّاهرىّ طبعا ضرورة انّ ذات الشّيء الّذى هو جهة الحكم الواقعىّ مقدّم كذلك على الجهل بحكمه ضرورة تقدّم الموضوع على الحكم كذلك ولكن مجرّد هذا لا يصلح فارقا فانّ الحكم الظاهرىّ وان لم يتحقّق حال فعليّة الحكم الواقعىّ لكنّ الحكم الواقعىّ متحقّق مع فعليّة الظاهرىّ فيلزم اجتماع الحكمين المتضادّين فى مورد واحد وفى ان واحد ويقبح من الحكيم ايراد حكمين كذلك على المكلّف فالتّعارض واقع بين الخطاب الواقعىّ ودليل اعتبار الاصل ولا بدّ امّا من تخصيص الخطاب الواقعىّ بغير مورد الاصل او طرح الاصل رأسا اذ لا يعقل تخصيص دليل اعتباره بصورة موافقته للواقع ضرورة انّ الأصل حكم مجعول فى مرحلة الظاهر للمكلّف فى مقام العمل حالكونه جاهلا بالواقع ومتحيّرا فى فعله ومن المعلوم انّ على تقدير تقييده بموافقة الواقع لا يجدى فى رفع تحيّره فى مقام العمل اصلا اذ مع جهله بالواقع لا يمكن له العلم بموافقته له فلا يعلم حينئذ كونه مامورا بالعمل بالأصل ولو فرض تمكّنه من الاطّلاع على الموافقة وعدمها فتفحّص واطّلع على الموافقة لم يبق مورد للأصل ح إذ لا يعقل العمل بالاصل مع انكشاف الواقع هذا

١٧٢

خلاصة الكلام في توضيح ما يتوهّم من وجه امتناع اجتماع الحكم الواقعىّ مع الاصل المخالف له ومثله الكلام فى وجه توهّم امتناع اجتماع الحكم الواقعىّ مع مؤدّيات الطّرق والامارات فانّ مؤدّاها ايضا حكم ظاهرىّ ومنتهى الفرق بينها وبين الأصول انّ الطّرق والأمارات مجعولة بعنوان الطريقيّة والكشف عن الواقع حيث انّ مقتضى ادلّة اعتبار الطّرق هو البناء على كون مؤدّياتها احكاما واقعيّة والتديّن بها على هذا الوجه والعمل عليها على انّها الواقع بخلاف الأصول حيث انّها احكام ظاهريّة لا على ذلك الوجه وحاصل الاشكال هو امتناع اجتماع الحكم الواقعىّ مع الظاهرىّ المخالف له مطلقا سواء كان من الأصول او من مؤدّيات الطّرق والأمارات والجواب ان يقال انّ الحكم الواقعىّ والظاهرىّ ان لوحظا فى حدّ انفسهما مع قطع النّظر عن لوازمهما بمعنى ملاحظة نفس الإنشاءين فمن المعلوم انّه لا تنافى بينهما من هذه الجهة ضرورة امكان اجتماع ذاتى الأمر والنّهى فى مورد ولو كانا واقعيّين وان لوحظا لا بالنّظر الى ذاتيهما بل من جهات اخرى فتلك الجهات لا بدّ ان تكون هذه الأمور المكلّف بالفتح والمكلّف بالكسر والفعل المكلّف به ونحن لا نجد مانعا فى شيء من هذه الأمور لمخالفة الحكم الظّاهرىّ للواقعىّ وتوضيح ذلك يتوقّف على التكلّم فى مقامات ثلاثة الاوّل فى لوازم اجتماعهما بالنّسبة الى المكلّف بالفتح الثّانى بالنّسبة الى المكلّف به الثّالث بالنّسبة الى المكلّف بالكسر امّا المقام الأوّل فلا اشكال فى انّه لا يلزم من توجّه الحكمين الى المكلّف فى آن واحد شيء من المحذورين اى اجتماع الضدّين والقبح على الحكيم امّا الاوّل فلبداهة عدم التّضاد من جهة المكلّف بين حكمين احدهما منجّز والآخر غير منجّز والاحكام الخمسة على تقدير تضادّها فانّما هى مضادّة مع اتّفاق المتضادّين فى الوحدات الثّمانية المعتبرة فى التّناقض وامّا بدونه فلا والا وضح مضادّة بين الاحكام هو الوجوب والحرمة ومن المعلوم انّه لا امتناع فى ثبوتهما فى حقّ المكلّف بالنّسبة الى شيء واحد فى آن واحد مع عدم تنجّز احدهما عليه وليس هذا الّا من جهة كفاية اختلافهما من حيث الشّأنيّة والفعليّة فى رفع التّضادّ عنهما بالنّسبة اليه وهذا هو الفارق بين المقام ومسئلة اجتماع الأمر والنّهى اذا المفروض هناك فعليّة كلّ منهما فى حقّه فينكر وامّا الثانى فلأنّ منشائه بالنّظر الى المكلّف منحصر فى التّكليف بغير المقدور ولو من قبل المكلّف بالكسر وتفويت المصلحة على المكلّف او الالقاء فى المفسدة والاوّل لا يلزم فى المقام اصلا والثّانى وان كان يلزم فى بعض الصّور لكنّه لا يقبح مطلقا توضيح عدم لزوم الاوّل انّه اذا كان الحكم الواقعىّ للفعل هو الوجوب مثلا وكان الظّاهرىّ غير الحرمة او العكس او كان الواقعىّ هى الحرمة والظاهرىّ غير الوجوب او العكس فعدم لزومه بيّن امّا فى الصّورة الأولى فلانّ الوجوب لمّا كان مشكوكا فهو غير منجّز على المكلّف فلم يبلغ حدّ التّكليف اصلا فضلا عن كونه تكليفا بغير مقدور فالمكلّف معذور فى مخالفته وامّا غير الوجوب الّذى هو الحكم الظاهرىّ بالفرض فلانّه

١٧٣

لا يقتضى امتثالا اصلا اذا كان هى الاباحة ولا يقتضى تحتّم الامتثال اذا كان هى الكراهة او الاستحباب مثلا فلا يكون شيء منها مقتضيا لحتميّة الامتثال حتّى يكون تكليفا فضلا عن كونه تكليفا بغير المقدور للمكلّف مع انّ الاستحباب الظّاهرىّ وان لم يكن مؤكّدا للوجوب الواقعىّ فهو لا ينافيه جدّا لا يقال هب انّ النّهى عن الواجب الواقعىّ تنزيهيّا ليس تكليفا بغير المقدور لكنّه طلب لغير المقدور ومن المعلوم انّ طلب غير المقدور ولو مع الرّخصة فى مخالفة ذلك سفه وعبث فيكون قبيحا من هذه الجهة لأنّا نقول انّ الوجوب الواقعىّ قبل اطّلاع المكلّف عليه لا يصلح لجعل الفعل غير مقدور للمكلّف فانّه انّما يؤثّر فى غير مقدوريّة ترك الفعل اذا أثر منع المكلّف فعلا من التّرك وذلك لا يكون الّا بعد الاطّلاع عليه والمفروض عدمه فى محلّ الفرض كما انّ الحرمة الواقعيّة لا يصلح لجعل الفعل غير مقدور الإيجاد الّا بعد الاطّلاع عليها ومن هنا ظهر الحال فى الصّورة الثّالثة ايضا وامّا فى الصّورة الثانية فلانّ غير الوجوب والحرمة المفروض كونه حكما واقعيّا خارج عن مرحلة التّكليف مع الاطّلاع عليه وغير قابل للتّأثير فى نفى مقدوريّة ترك الفعل او ايجاده فى تلك الحال فكيف بما اذا كان مجهولا فلا يكون طلب الفعل حتما فى مرحلة الظّاهر تكليفا بغير المقدور ومن هنا ظهر الحال فى الصّورة الرابعة ايضا وامّا اذا كان احدهما الوجوب والآخر الحرمة فوجه عدم اللّزوم حينئذ ما مرّ من انّ الخطاب الحتمىّ الواقعىّ ما لم يتنجّز على المكلّف لا يصلح لجعل الفعل ممنوع التّرك او الإيجاد فعلا حتّى يكون طلبه او طلب تركه طلبا لغير المقدور للمكلّف وامّا توضيح عدم لزوم الثّانى ثمّ منع قبحه على تقدير لزومه فى المقام فبانّه انّما يلزم اذا كان الحكم الواقعىّ هو الوجوب او الاستحباب مع كون الظاهرىّ هو الاباحة او الحرمة او الكراهة او كان الحكم الواقعىّ هو الحرمة او الكراهة مع كون الظاهرىّ هو الاباحة او الوجوب او الاستحباب او كان الواقعىّ هو الاستحباب مع كون الظاهرىّ غير الوجوب او كان هى الكراهة مع كون الظاهرىّ غير الحرمة امّا فى الصّورة الاولى فلانّ اباحة الفعل كاشف عن عدم المصلحة فيه فكيف بتحريمه او كراهته فيكون كلّ منهما اخفاء لمصلحة الواقع على المكلّف وتفويتا لها عليه ومنه يعلم وجه كون الإباحة او الوجوب او الاستحباب ايقاعا له فى المفسدة كما فى الصّورة الثّانية وامّا فى الصّورة الثالثة فلانّ غير الوجوب كما عرفت مستلزم لاخفاء مصلحة الفعل الداعية الى الأمر الاستحبابيّ الواقعىّ فيكون تفويتا لها على المكلّف ومنه يعلم وجه كون غير الحرمة فى مرحلة الظّاهر مستلزما لاخفاء مفسدة الكراهة على المكلّف وايقاعا له عليها كما فى الصّورة الرّابعة وامّا فى غير تلك الصّور فلا يلزم من الحكم الظّاهرىّ تفويت للمصلحة ولا ايقاع فى المفسدة اصلا فانّ الصّور المتصوّرة وراء تلك الصّور اربع ايضا الأولى ما اذا كان الحكم الواقعىّ هى الإباحة مع كون الحكم الظّاهرىّ هى الحرمة او الكراهة الثانية ما اذا كان هى الإباحة مع كون الحكم الظاهرىّ هو الوجوب او الاستحباب الثالثة ما اذا

١٧٤

كان ذلك هو الاستحباب مع كون الحكم الظاهرىّ هو الوجوب الرّابعة ما اذا كان ذلك هى الكراهة مع كون الحكم الظاهرىّ هى الحرمة ومن الواضح عدم لزوم شيء من محذورى الالقاء فى المفسدة او فوت المصلحة فى شيء منها أمّا فى الاولى والثانية فلأنّه ليس فى الفعل مصلحة حتّى يكون الحكم بحرمته او كراهته تفويتا لها على المكلّف ولا مفسدة حتّى يكون الحكم بوجوبه او استحبابه ايقاعا للمكلّف فيها وامّا فى الثالثة فلأنّ الوجوب مؤكّد لداعى تحصيل مصلحة الاستحباب كما لا يخفى فلا يكون اخفاء لها وتفويتا على المكلّف بل تاكيد لها وامّا فى الصّورة الرابعة فلانّ الحرمة بالنّسبة الى مفسدة الكراهة نظير الوجوب بالنّسبة الى مصلحة الاستحباب من حيث كونها مؤكّدة لداعى التحرّز عنها وبما ذكرنا يظهر انّ المحذور المذكور غير لازم على الإطلاق بالنّسبة الى جميع صور مخالفة الحكم الظاهرىّ للواقعىّ ولا يخفى انّ فى موارد لزومه لا يقبح مطلقا بل انّما يقبح مع عدم تدارك المكلّف بالكسر لمصلحة الواقع او مفسدته وامّا معه فلا قبح والشارع يتدارك ما يستند اليه من فوت المصلحة او الوقوع فى المفسدة فانّ العمل على طبق الأمارة والالتزام به فى مقام العمل على انّه هو الواقع وترتّب الآثار الشرعيّة المترتّب عليه واقعا يشتمل على مصلحة وتلك المصلحة لا بدّ ان يكون ممّا يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع وامّا المقام الثّانى فاعلم انّ اللّازم فى مقام ايراد حكم على شيء ان يكون ذلك الحكم تابعا لما فى ذلك الفعل من المقتضى اذا كان الحكم حقيقيّا لا ابتلائيّا فاذا كان هو الوجوب او الاستحباب فلا بدّ حينئذ من مصلحة فيه ملزمة او غير ملزمة يقتضى وجوبه او ندبه واذا كان هى الحرمة او الكراهة فلا بدّ ان يكون فيه مفسدة ملزمة او غير ملزمة يقتضى تحريمه او كراهته واذا كان هى الاباحة فلا بدّ من خلوّه عمّا يقتضيه غير الإباحة من الاحكام الأربعة المذكورة سواء كان مشتملا على ما يقتضى الإباحة او خاليا عن ذلك ايضا فغاية ما يلزم من ايراد حكمين متخالفين من الأحكام الخمسة على شيء اجتماع المصلحة والمفسدة او المصلحة وعدمها او المفسدة وعدمها فى ذلك الشّيء فى آن واحد ولكنّه لا يمتنع مع تعدّد الجهة كما هو المفروض فى المقام بل واقع فى بعض الأمور الخارجيّة كالأدوية والأغذية والأشربة فانّ المصلحة والمفسدة وان كانتا متضادّتين لكنّهما انّما يمتنع اجتماعهما فى صورة واحدة مع اتّفاقهما فى الوحدات المعتبرة فى التّناقض وكذلك كلّ منهما مع عدم نفسهما وان كانا نقيضين لكنّهما يمتنع اجتماعهما مع اتّفاقهما فى تلك الوحدات وإحدى الجهتين فيما نحن فيه انّما هى الملحوظة فى مقام جعل الحكم الواقعىّ وانشائه وهى جهة ذات الشّيء الغير الملحوظة بشيء من وصفى العلم والجهل والأخرى هى الجهة الملحوظة فى مقام جعل الحكم الظاهرىّ وهى عنوان سلوك الطّريق والأمارة الظّنيّين اذا كان الحكم الظاهرىّ من مؤدّى الطّرق والأمارات او البناء على طبق الحالة السّابقة اذا كان من مقتضى الاستصحاب وامّا اصالة البراءة فهى ليست من الاباحة المصطلحة الّتى هى احد الاحكام الخمسة بل انّما هو مجرّد معذوريّة المكلّف

١٧٥

ورفع العقاب عنه على تقدير مخالفة الواقع فى موردها سواء كانت مأخوذة من العقل او من النقل فانّ الاخبار الدّالة عليها لا تفيد ازيد من ذلك وامّا الاحتياط فهو من الاحكام العقليّة ومقتضاه عدم معذوريّة المكلّف فى موارد خلاف اصالة البراءة ومن المعلوم انّ عدم المعذوريّة ليس حكما شرعيّا وامّا اصالة التخيير فهو ايضا نظير اصالة البراءة ليست الّا عذرا فى اختيار المكلّف فى مقام التخيير بما شاء من الاحتمالين ثمّ إنّ المراد بالجهة فى المقام انّما هو التقييديّة لا التّعليليّة والفرق بينهما انّه على الثّانى يلزم ثبوت المصلحة والمفسدة لذات الفعل الّذى هو مورد اجتماع الجهتين اوّلا وبالذّات فيما اذا كان الحكم الواقعىّ والظّاهرىّ مختلفين باعتبار كون احدهما طلبا لترك الفعل والآخر طلبا لايجاده اذ كلّ وصف او حكم انّما يقوم بموضوعه لا بعلّته وانّما تكون العلّة واسطة فى ثبوته لموضوعه وهذا بخلاف الاوّل اذ عليه يثبت كلّ منهما ابتداء لنفس الجهة ويكون ثبوتهما لمورد اجتماع الجهتين من باب العرض بتوسّط الجهتين فتكونان واسطتين فى العروض كما انّهما كانتا واسطتين فى الثّبوت على التقدير الثّانى نعم المصلحة والمفسدة يجوز اجتماعهما فى مورد مع تعدّد الجهة التّعليليّة ايضا والثّمرة بين التقييديّة والتعليليّة يظهر بالنّسبة الى لوازم المصلحة والمفسدة كما سيأتى وكيف كان فبعد تعدّد موضوعى المصلحة والمفسدة وموردهما لم يبق محذور من جهة اجتماع الامر الظاهرىّ والنّهى الواقعىّ او العكس بالنّظر الى المكلّف به فإن قيل انّه لا مصلحة ولا مفسدة فى المفاهيم بل انّما هما على تقديرهما ثابتان للافراد والاشخاص الخارجيّة كما نشاهده بالعيان والوجدان فلا يصحّ جعل الجهات واسطة فى العروض بالنّظر الى ثبوتهما للاشخاص الّتى فيها اجتماع تلك الجهات بل هى فى مقام اتّصاف الاشخاص واشتمالها على المصلحة والمفسدة واسطة فى الثّبوت دائما قلنا سلّمنا انّه لا مصلحة ولا مفسدة فى المفاهيم ولكن نقول انّ هذا انّما هو فى عالم كلّيتها وعالم وجودها الذّهنى وامّا فى وجودها الخارجىّ فلا وظهور المصلحة والمفسدة فى الاشخاص ليس لأجل كون موضوعهما هى الاشخاص من حيث هى بل انّما هى لأجل انّ الاشخاص ليست الّا وجودات تلك المفاهيم فى الخارج فهى عالم وجودها الخارجىّ فالمصلحة والمفسدة فى هذا العالم ثابتتان لنفس الطّبائع من حيث وجودها الخارجىّ بحيث تكون تلك الحيثيّة محقّقة لفعليّة الاتّصاف ومحصّلة لها والحاصل انّهما ثابتتان لنفس الطّبائع من الحيثيّة الّتى بها تكون منشأ للآثار وهى حيثيّة وجودها الخارجىّ هذا مضافا الى انّ مورد اجتماع الجهات فى المقام ايضا قد يكون من المفاهيم كما فى موارد الشّبهة فى الحكم الكلّى الواقعىّ للشّيء فلا بدّ للسّائل من صرف المصلحة والمفسدة ح الى اشخاصه فافهم وامّا المقام الثالث فغاية ما يقال فيه انّ الحكيم اذا حكم على شيء بحكم فلا بدّ

١٧٦

ان يتصوّر اوّلا ذلك الشّيء ويعلم بما فيه من الجهة المقتضية للحكم من المصلحة او المفسدة او خلوّه عنهما او استوائهما فيه الّذين يقتضيان الإباحة ثمّ يحكم عليه بما يقتضيه تلك الجهة من الاحكام الخمسة فاذا فرض حكمه على شيئين بحكمين فاللّازم منه بالنّسبة اليه انّما هو تقدّم التصوّر على حسب تعدّد الجهة المقتضية لهما وتعدّد العلم ومن المعلوم انّه لا تنافى بين التصوّرين ولا بين العلمين بوجه فلا يلزم من اجتماع اثنين من تلك الاحكام الخمسة بالنّسبة اليه محذور أصلا فإن قيل انّ فى مقام الحكم واسطة اخرى بين الحكم والعلم بالجهة المقتضية له وهى الإرادة او الكراهة النّفسانيّتان او الرضا بطرفى الفعل والترك على حدّ سواء فانّ الحاكم اذا تصوّر الفعل وتصوّر ما فيه من الجهة فان كانت تلك الجهة هى المصلحة الملزمة فينشأ منها فى نفسه ارادة حتميّة للفعل من المحكوم ثمّ ينشأ من تلك الإرادة الحكم عليه بالوجوب وان كانت هى المصلحة الغير الملزمة فينشأ منها فى نفسه ارادة غير بالغة الى مرتبة الحتم بحيث يجتمع مع الرّضا بالتّرك ثم ينشأ من تلك الارادة الحكم عليه بالاستحباب وان كانت هى المفسدة الملزمة فينشأ منها فى نفسه كراهة حتميّة للفعل ثمّ ينشأ من تلك الكراهة الحكم عليه بالحرمة وان كانت هى المفسدة الغير الملزمة فينشأ منها فى نفسه كراهة للفعل غير بالغة حدّ الحتم ثمّ ينشأ منها الحكم بالكراهة والنّهى عنها تنزيها وان كانت هى خلوّه عن المصلحة والمفسدة رأسا واستوائهما فيه فينشأ منها فى نفسه الرّضا بطرفى الفعل والتّرك على حدّ سواء فينشأ منه الحكم عليه بالإباحة ومن الواضح أيضا ثبوت التّضاد بين الإرادة والكراهة وكذا بين كلّ منهما وبين الرّضا بطرفى الفعل والتّرك على حدّ سواء وكذا بين كلّ مرتبة من كلّ منهما وبين المرتبة الاخرى منه فيلزم من ايراد الحاكم حكمين من تلك الاحكام على شيء واحد اجتماع الضدّين فى نفسه قلنا إنّ توسّط الإرادة او الكراهة او الرّضا مسلّم فيما اذا كان الحاكم غير الله سبحانه وامّا اذا كان هو سبحانه فغير معلوم بل ذهب جمع من محقّقى المتكلّمين الى انّ معنى كونه تعالى مريدا انّما هو علمه بالأصلح بحال العباد والغرض انّما هو رفع التّنافى بين احكامه تعالى وعلى تسليم توسّطها فى حقّه تعالى ايضا نقول انّها وان كانت مضادّة لكنّها كسائر الامور المتضادّة انّما يمتنع اجتماع اثنين منها اذا كان موردهما متّحدا وامّا مع تعدّده وتغايره فلا ومواردها فى محلّ الكلام متعدّدة ومتغايرة فانّ متعلّق كلّ منهما انّما هو العنوان المتضمّن له فمتعلّق الإرادة والكراهة بعينه هو متعلّق المصلحة والمفسدة كما انّ متعلّق كلّ من الحكمين انّما هو العنوان المتضمّن للجهة الدّاعية اليه فانّ كلّا من المصلحة والمفسدة انّما يدعو الى ارادة ما تضمّنها او كراهته والى طلبه او طلب تركه ونحن لمّا فرغنا عن تعدّد مورد المصلحة والمفسدة فى المقام السّابق فلا يرد علينا محذور من جهة اجتماع الارادة والكراهة بالنّسبة الى المكلّف بالكسر فى هذا المقام والحاصل

١٧٧

انّ الإرادة والكراهة ناشئتان عن المصلحة والمفسدة وتابعتان لهما وكلّ واحد منهما ثابت لعنوان مغاير للعنوان الّذى ثبت له الاخرى والأمر والنّهى ناشئان عن الإرادة والكراهة فيتعلّق كلّ منهما بما نشاء منه ويتّحد موضوعه معه فان قيل انّ الاحكام لا بدّ من تعلّقها بفعل المكلّف الاختيارىّ فانّها تابعة للحسن والقبح ومن المعلوم انّ المتّصف بهما انّما هو فعله الاختيارىّ وفعله ليس الّا ما يصدر منه وهو ليس الّا الافراد والاشخاص دون العناوين والوجوه الصّادقة عليها فلو سلّمنا انّ مورد المصلحة والمفسدة هو تلك العناوين نمنع من تعلّق الاحكام بها والارادة والكراهة ايضا لا بدّ من تعلّقهما بفعله الاختيارىّ اذ لا يعقل ارادة غير فعله منه وكذا كراهته فتكون تلك العناوين واسطة لثبوت تلك الاحكام والإرادة والكراهة لنفس الافراد الّتى منها مورد اجتماعهما فى محلّ الكلام وهو صورة مخالفة الحكم الواقعىّ للظاهرىّ فيلزم اجتماع الإرادة والكراهة فى الواحد الشخصىّ وهو مورد الاجتماع قلنا مراد من قال بتبعيّة الاحكام للحسن والقبح انّما هو تبعيّتها للمصالح والمفاسد الثابتتين للاشياء قبل ايراد حكم عليها واطلاق الحسن والقبح عليهما شايع اذ كثيرا ما يقال للشّيء انّه حسن باعتبار اشتماله على مصلحة وانّه قبيح باعتبار اشتماله على مفسدة وقد يقال للشّيء الواحد انّه حسن وقبيح باعتبار اشتماله على مصلحة من جهة وعلى مفسدة من جهة اخرى وامّا الحسن والقبح بمعنى المدح والذّم كما قد يطلقان عليهما فلا بل لا يعقل تبعيّتهما لهما بهذا المعنى ضرورة انّ المدح والذّم انّما هما من آثار الاطاعة والعصيان وهما لا يتحقّقان الّا بالامر والنّهى فكيف يعقل تبعيّة الامر والنّهى لما لا يتحقّق الّا بهما وبالجملة الحسن والقبح بمعنى المدح والذّم وان كانا قائمين بالاشخاص دون المفاهيم لكن تبعيّة الاحكام وما يلزمها من الارادة والكراهة لهما ممنوعة بل غير معقولة لما عرفت وهما بمعنى المصلحة والمفسدة وان كانا قائمين بالعناوين من حيثيّة الوجوب كما عرفت سابقا لكن تبعيّة الاحكام وما يلزمها لهما غير خفى على المتامّل ولا يوجب محذورا وما ذكر من انّ فعل المكلّف ليس الّا الاشخاص ممنوع بل فعله ليس الّا نفس الطّبيعة والاشخاص ليست الّا وجوداتها وبعبارة أخرى الأشخاص عين صدور الطّبيعة من المكلّف ولو سلّمنا نقول انّه لا يجب ان يكون الاحكام متعلّقة بفعل المكلّف بل يجب تعلّقها بما يكون مقدورا للمكلّف ومن المعلوم ثبوت قدرته على الطّبائع باعتبار تمكّنه ممّا يحصّلها وهى الأفراد والحاصل انّ متعلّق الاحكام انّما هى الطّبائع من الحيثيّة الّتى هى بها تكون منشأ للآثار وهى حيثيّة وجودها الخارجىّ الّذى هى عين الأفراد وذوات الافراد خارجة عن موضوعها وحيثيّتها مأخوذة فيه وذلك لانّ حال الشّارع فى مقام الحكم حال غيره والّذى نجد من انفسنا فى مقام الحكم والطّلب انّا لا نلاحظ الافراد من حيث هى اصلا بل نجد الّذى نطلبه او نطلب تركه او نبيحه امرا وحدانيّا

١٧٨

وهو نفس الطبيعة ولو كان هو الافراد لكنّا نجده متعدّدا فان قيل سلّمنا انّ الأمر والنّهى يتبعان المصلحة والمفسدة دون المدح والذّم وانّ المصلحة والمفسدة قائمتان بالعناوين المتغايرة فى الذّهن لكن مجرّد تعدّد موضوعهما وتغايرهما فى الذّهن لا يجدى فى جواز اجتماع الحكمين فى مورد اجتماعهما اذ بعد فرض تصادقهما فيه يجتمع فيه المصلحة والمفسدة الثّابتتين لذينك العنوانين فح ان كان احدهما اقوى من الأخر فالحكم الفعلىّ يستتبع ذلك الاقوى ولا يؤثّر الآخر فى الحكم الّذى يقتضيه لو لا مزاحمته باقوى منه ويكون الحال فيه مثل صورة اجتماع عنوان الكذب الّذى هو قبيح ذاتا مع عنوان حسن ذاتىّ اهمّ منه كحفظ نفس او عرض ونحوهما فيكون الحكم الفعلىّ الواقعىّ فى مقامنا مستتبعا لا قوى الجهتين ولو كانت هى جهة الحكم الظاهرىّ فينقلب الواقع الاوّلى واقعا الى الظاهرىّ بحيث لا حكم حينئذ للمكلّف سواه كما انّ الكذب المتّحد مع عنوان حفظ النّاس ليس حكمه واقعا الّا الوجوب والّا فلا يقتضى شيء منهما ما كانت يقتضيه من الحكم اصلا بل الحكم الفعلىّ ح إنّما هى الإباحة وذلك لانّ المصلحة والمفسدة كسائر العلل اذا اجتمعا فى مورد واحد يقع الكسر والانكسار بينهما لا محالة لا بمعنى انّ احدهما تنقص الاخرى او تزيلها رأسا بل بمعنى انّهما تتصادقان من حيث التّاثير الفعلىّ فان كانت إحداهما اقوى فهى تغلب الاخرى وتؤثّر أثرها فعلا وتبقى الاخرى بلا أثر فعلىّ والّا فلا اثر لشيء منهما حينئذ بل يكون المورد كالخالى عن المصلحة والمفسدة من حيث كون حكمه هى الاباحة فانّ كلّ واحدة اذا زوحمت بالاخرى تكون كالمعدومة فعلى هذا اذا فرض انّ مقتضى دليل الواقع هو الوجوب مثلا ومقتضى دليل اثبات الحكم الظاهرىّ هى الحرمة فمع فرض كون جهة الوجوب فى مورد الاجتماع اقوى لا بدّ من تخصيص دليل الواقع بغير تلك الصّورة ومع تساويهما لا بدّ من تخصيص كلا الدّليلين قلنا هذا انّما يلزم بناء على تعلّق الاحكام بالاشخاص الّتى منها مورد الاجتماع فى محلّ الكلام دون الطّبائع وقد مرّ عدم المانع من الثّانى بل تعيّنه وعليه فمورد الاجتماع غير داخل فى شيء من الدّليلين اصلا وغير محكوم عليه بحكم احد العنوانين فلا يلزم ما ذكر من المحذور نعم يتّصف بحكم كلّ منهما من باب العرض والمجاز فإن قيل قد سلّمتم ثبوت التّضادّ بين صفتى الإرادة والكراهة النّفسيّين وانّما رفعتم محذور اجتماعهما بتعدّد المتعلّق لكنّه انّما يجدى مع تعدّد متعلّقهما فى الخارج ايضا ومجرّد تعدّدهما فى الذّهن غير مجد مع فرض تصادقهما فى مورد وذلك لانّه كما يمتنع اجتماع الضدّين كذلك يمتنع صيرورة شيء واحد مصداقا لهما فانّه ايضا يئول الى الاوّل كما لا يخفى فاذا فرض انّ احد العنوانين مراد والآخر مكروه فيلزم كون مورد الاجتماع مرادا ومكروها وهو محال فيكون ملزومه ايضا كذلك قلنا سلّمنا انّ المراد والمكروه عنوانان متضادّان لكنّ الطّبيعتين الموصوفتين بهما لا يتصادقان فى

١٧٩

مورد الاجتماع مع ثبوت الاتّصاف بهما فعلا وذلك لانّ معنى الارادة النفسيّة هو الحبّ للشّيء والشّوق المؤكّد اليه ومعنى الكراهة النفسانيّة هو البغض له ومن المعلوم انّه لا يعقل تعلّقهما بالطّبائع من حيث هى بل انّما يتعلّقان بها من حيث وجودها الخارجىّ فانّهما من مقولة الطّلب نظير الأمر والنّهى وانّما الفرق بينهما وبين الامر والنّهى انّهما طلبان من جانب القلب والامر والنّهى طلبان من الشّخص والطّلب انّما يتعلّق بالشّيء من حيث وجوده الخارجىّ ومن المعلوم انّه بمجرّد تحقّق تلك الحيثيّة لا يعقل بقائه لاستلزام بقائه طلب الحاصل فالطبيعة المرادة المحبوبة قبل وجودها محبوبة ومرادة لكنّها غير مجامعة للطّبيعة الاخرى المكروهة وبمجرّد وجودها ولو فى ضمن مورد اجتماعهما يرتفع عنها تلك الصّفة فهى حال اجتماعها مع تلك الطّبيعة غير متّصفة بصفة الإرادة حتّى يلزم اجتماع الضدّين وبالجملة فالأوصاف منها ما لا قيام لها بموصوفها الّا فى عالم الذّهن كالكلّية للمفاهيم ومنها ما لا قيام لها بموصوفها الّا فى عالم الخارج كالالوان والحرارة والبرودة والحلاوة والحموضة ونحوها والطّلب نظير القسم الاوّل او منه فافهم هذا تمام الكلام فى اصل دفع التّنافى بين الاحكام الواقعيّة والظاهريّة تنبيهات الاوّل انّ مجرّد تعدّد موضوعى الحكمين لا يكفى فى دفع التّنافى فانّه انّما ينفع فى دفع محذور اجتماع الضدّين ولا يرفع محذورى التّكليف بغير المقدور وتفويت المصلحة على المكلّف او ايقاعه فى المفسدة المشار اليها فى المقام الاوّل فتامّل ولا تغفل الثّانى يتفرّع على ما ذكرنا فى المقام الاوّل من وجه دفع المحذورين المشار اليهما صحّة البناء على وجود الأمر واقعا فى مسئلة اجتماع الامر والنّهى حال نسيان المكلّف للنّهى وغفلته عنه او عن الغصبيّة لجريان الوجه فيه بعينه فانّه ح معذور فى مخالفة النّهى ويصحّ توجّه الامر إليه وعلى هذا لا حاجة فى تصحيح العمل اذا كان عبادة الى التّجشم بكفاية جهة الامر بل المصحّح حينئذ هو وجود نفس الامر فى نفس الامر فعلا مع فرض كونه هو الدّاعى للمكلّف نحو الفعل فانّ المفروض اعتقاده لشمول الامر بالنّسبة الى مورد الاجتماع الثّالث اعلم انّ دفع محذور اجتماع الضدّين بالنّظر الى المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة كما يمكن ان يكون بالوجه المتقدّم من انّ الدّاعى للأمر بسلوك الطّرق والامارات الغير العلميّة وكذا الاصول مصلحة قائمة بنفس السّلوك المتّحد مع موضوع الاحكام الواقعيّة كذلك يمكن ان يكون بوجه آخر وهو ان يكون المصلحة قائمة بالأمر بالسّلوك على طبقها فانّ الالتزام بالمصلحة فى مقام نصب الطرق والامارات وجعل الأصول انّما هو لاجل دفع محذور لزوم السفه والعبث فى فعل الحكيم اذ لو لاها لزم نقضه لغرضه مع تمكّن المكلّف من تحصيله ويكفى فى دفعه وجود مصلحة فى نفس الطّلب المتعلّق بالسّلوك على طبقها لا فى السّلوك ويكفى كونها مجرّد التوسعة على العباد فيختلف مورد المصلحة والمفسدة ولوازمهما

١٨٠