تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

المراتب فى الجعل فبعضها مرتّب على الجهل باصل الواقع بحيث يتعيّن ح قيامه بخصوصه مقامه دون غيره كوجوب قبول قول البيّنة عند عدم العلم بالواقع ويقدّم على سائر الامارات الحاكية عنه وبعضها مرتّب على الجهل به وبما يقوم مقامه كوجوب ترتيب آثار الملكيّة على اليد وبعضها مرتّب على الجهل بهما وبما يقوم مقامهما كوجوب العمل بالاستصحاب عند فقد العلم بالواقع وعدم وجود البيّنة وثبوت اليد وبعضها مؤخّر عن الواقع باربع مراتب كالاشتغال لو قلنا به وبعضها مؤخّر عنه بخمس مراتب كاصالة البراءة لو ثبت حجيّة قاعدة الاشتغال والّا فهى فى المرتبة الرّابعة فتسمية ما يستفاد من قول البيّنة بالواقع الثانوى واطلاق اسم الواقع عليه انّما هى بالنّسبة الى ما دونه من المراتب لتقدّمه عليها رتبة كما يقدّم الواقع عليه وتسميته بالحكم الظاهرى انّما هو لاجل اخذ الجهل بالواقع فى موضوعه واقتضائه سبق حكم عليه فى الواقع وهكذا الكلام فى سائر المراتب بالنّسبة الى ما فوقه وما دونه ثمّ إنّ الواقع قد يكون اختياريّا وقد يكون اضطراريّا كما هو واضح ثمّ اعلم أنّ مقصودهم من الدليل الاجتهادى هو ما كان نظره الى الحكم الواقعى ويكون طريقا اليه وحاكيا عنه ومن الدليل الفقاهتى هو ما كان مفاده الحكم الظّاهرى المتعلّق بالمكلّف فى مقام العمل ووجه تسمية الاوّل بالاجتهادى هو انّ الاجتهاد عندهم استفراغ الوسع فى تحصيل العلم بالاحكام الشرعيّة الكليّة او الظّن بها واستنباطها عن ادلّتها التفصيليّة بقدر الامكان واصله السعى والجهد البليغ فى تحصيل الشيء على ما هو عليه فى الواقع فالادلّة الّتى تكون ناظرة الى تلك الاحكام وحاكية عنها وان امكن خطائها فى بعض الاحيان تسمّى بالادلّة الاجتهاديّة والثانى بالفقاهتى هو انّ الفقيه انّما يستعمله فى الفقه فى مقام العمل بعد استفراغ وسعه فى معرفة الحكم الواقعى وعجزه عنه ويلاحظ ما يستفاد منه بعد عجزه عن تحصيل ما هو ثابت فى الواقع علما او ظنّا معتبرا للعمل مع قطع النظر عن الواقع فالادلّة بعضها ممحّضة لحكاية حال الواقع كالقطع الحاصل من الاجماع والتواتر ونحوهما والامارات الظنّية كاخبار الآحاد والاصول اللفظيّة وبعضها ممحّضة لافادة الحكم المتعلّق بالعمل فى مرحلة الظاهر خاصّة كالاصول العمليّة الأربعة فانّ المأخوذ فى موضوعها هو الشّك فى الحكم الواقعى للواقعة وبعضها ذات جهتين كالبيّنة واليد ونحوهما من الأمارات الظنّية لو قلنا باعتبارها من باب التعبّد لا مجرّد افادتها للظنّ فهى من حيث التعبّد بها وكونها احكاما ظاهريّة مترتّبة على عدم العلم بالواقع تكون من الادلّة الفقاهتيّة ومن حيث حكايتها بذاتها غالبا عن الواقع وكون نظرها اليه وافادتها للظنّ نوعا تكون من الادلّة الاجتهاديّة ولمّا كان الحكم الواقعى هو المطلوب الاوّلى بقدر الامكان كان اللازم تقديم الادلّة الحاكية عنه على غيرها ولازمه تقديم الادلّة الاجتهاديّة المحضة على ذوات الجهتين وتقديم ذوات الجهتين على الفقاهتيّة المحضة فالاصول الأربعة متأخّرة طبعا عن جميع ما سواها من الادلّة وهذا هو السّر فى عدم استعمالها

٣٠١

ما دام التّمسك بغيرها ممكنا وان كان لبعضها فى نفسه تقدّم على بعض آخر ايضا كتقديم الاستصحاب على غيرها من الاصول وتقديم الاستصحاب المزيل على المزال وتقديم الاشتغال فى مورده على البراءة وبالجملة يلاحظ فى الادلّة الاجتهاديّة ما هو الاقوى والأقرب الى الواقع فى الكشف عنه فيقدّم على غيره وامّا الاصول فلمّا لم يكن فيها جهة كشف اصلا يلاحظ مداركها فان كان مدركها العقل فهو غير شاكّ ومتحيّر فى حكمه وموضوعه ولا جرم يحكم بتأخّر معقوله عن غيره او تقدّمه عليه وان كان هو الشرع فقد يشكل تعيين المتقدّم والمتاخّر ويجيء الكلام فيه مفصّلا فى مسئلة تعارض الاصول وقد يطلقون الدليل الفقاهتى على عمومات الكتاب والسنّة بالنّسبة الى مخصّصاتها من حيث التفنّن فى العبارة وزوال العموم بورود المخصّص لا من حيث انّها ادلّة فقاهيّة حقيقة ثمّ ليعلم انّ الدليل الاجتهادي لا يلزمه كون مؤدّاه حكما واقعيّا حقيقة فربما يكون الدّليل اجتهاديّا والحكم المستفاد منه ظاهريّا فهذا الدّليل لمّا كان شأنه الحكاية عن الواقع سمّى اجتهاديّا ولمّا لم يلزم موافقته للواقع وتطابق حكايته عنه واحتمل انفكاكه عنه لكونه ظنّيا لم يحكم بكون مؤدّاه حكما واقعيّا وذلك كمدلول خبر الواحد والاصول اللفظيّة ونحوها من الأمارات الظنّية الحاكية عن الواقع المعتبرة من حيث كونها كذلك فان قلت كيف يعدّ الادلّة الظنّية كخبر الواحد من الادلّة الاجتهاديّة ويعدّ الاستصحاب واصل البراءة من الادلّة الفقاهتيّة مع ذهاب جماعة الى اعتبارهما من باب وصف الظّن مع انّ اعتبار وصف افادتهما الظّن يجعلهما ناظرين الى الواقع ويدرجهما فى الادلّة الاجتهاديّة قلت الظّن المستفاد من الأمارات غير الظّن المستفاد من الأصلين ضرورة انّ الظّن الحاصل من الأمارات الظنّية غير مسبوق بالشكّ وليس مسبّبا عنه بمعنى انّ الباعث على حصوله ليس هو الشّك بل الموجب له انّما هو نفس الأمارة وبذاتها واذا حصل الظّن ارتفع به الشّك الثابت فى المسألة بخلاف الظّن الّذى فى الاستصحاب فانّه مسبّب عن الشّك الحاصل فى المسألة ومتولّد منه فانّ المدار فى حصول هذا الظّن ليس الّا الشّك السابق عليه فى المسألة بملاحظة غلبة تطابق حال الزمان اللّاحق للزّمان السّابق بحيث لو فرضنا رفع الشّك عن الحكم فى المسألة لزمه ارتفاع هذا الظّن المتولّد منه بتوسّط الغلبة وكذلك الظّن فى مجرى اصالة البراءة فانّ الملاك فيه هو الشّك السابق عليه فمتى لم يشكّ المكلّف اوّلا فى البيان وعدمه لا ياتيه الظّن بعدمه فلو فرضنا فى الاستصحاب حصول الظّن بالعدم لما كان يحصل الظّن بالبقاء قطعا وكذا لو فرضنا فى البراءة كون الحالة السابقة على الظّن بعدم البيان هى الظّن بالبيان لما حصل الظّن بعدم البيان جزما ولو فى المسائل العامّة البلوى فالسّر فى تاخّر الأصلين عمّا سواهما من الامارات المفيدة للظنّ بالذّات انّما هو انحزام موضوعهما وهو انقلاب الشّك الاوّلى فيهما بالظنّ بملاحظة ما يحكيه الأمارة فلا يصدق ح فى الاستصحاب القول بانّ الشّيء الفلانى كان ولم يظنّ

٣٠٢

عدمه وكلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء لحصول الظّن بالعدم ابتداء بملاحظة الأمارة وكذا الكلام فى البراءة فافهم قوله (وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهانى) نقل عن فوائده الجديدة المجتهد والفقيه والمفتى والقاضى وحاكم الشرع المنصوب عبارة الآن عن شخص واحد لانّه بالقياس الى الاحكام الشرعيّة الواقعيّة يسمّى مجتهدا لما عرفت من انسداد باب العلم وبالقياس الى الاحكام الظاهريّة يسمّى فقيها لما عرفت من كونه عالما بها على سبيل اليقين انتهى وقد سبقه فى هذا الاصطلاح المولى صالح المازندرانى ره في شرح الزبدة وبما ذكره فى تسمية الفقيه من كونه عالما بالاحكام الظاهريّة على سبيل اليقين اجابوا عن الإيراد فى اخذ العلم فى تعريف الفقه مع انّ اكثر مباديه ظنّية فانّ المراد من الحكم الماخوذ فى التعريف هو الاعمّ من الواقعى والظاهرىّ قوله (ثمّ انّ الظّن الغير المعتبر حكمه حكم الشّك) فانّ الماخوذ فى موضوعات الاصول العقليّة والشرعيّة ليس هو الشّك بمعنى تساوى الطرفين وستعرف الموضوع فى كلّ منها تفصيلا نعم الملحوظ فى موضوع اصالة التخيير هو الشّك بمعنى التساوى قوله (ومن هنا كان اطلاق التقديم والترجيح فى المقام تسامحا) قد عبّر صاحب الرياض كثيرا بهذه العبائر والظّاهر منه انّه أراد منها الإطلاق على وجه الحقيقة قوله فى الحكم الفرعى الكلّى وان تضمّن الخ) هذا تقييد لقوله فى صدر المبحث المكلّف الملتفت الى الحكم الشرعى العملى ويكون المقسم هو المكلّف الملتفت الى الحكم الشرعى الفرعى الكلّى لا الاعمّ منه ومن الملتفت الى الموضوع الخارجى ثمّ انّ الاصول كثيرة منها ما كان المناط فيه الكشف والطريقيّة الى الواقع كالاصول اللفظيّة ومنها ما كان الموضوع فيه الواقع من حيث هو لا بما هو مشكوك كاصالة حرمة العمل بالظنّ واصالتى الحظر والإباحة فى الأشياء مع قطع النظر عن كلام الشّارع بناء على كون النزاع فى الواقعيّين منهما ومنها ما كان الموضوع فيه المشكوك بوصف الشّك لكن من حيث الموضوع لا من حيث الحكم الكلّى ويسمّى بالشّبهة الموضوعيّة كاصالة الصحّة فى فعل الغير وفى فعل النّفس واصالة الوقوع فيما شكّ فيه بعد تجاوز المحلّ وهذه الاصول كلّها خارجة عن المقام ومنها الاصول المتضمّنة لحكم الشّك فى الحكم الفرعى الكلّى ويسمّى بالشّبهة الحكميّة وحصروها فى أربعة وقد تقدّم منّا فى صدر الكتاب انّ حصر الاصول فى الأربعة استقرائىّ وحصر مجاريها فيها عقلىّ فراجع قوله (ثمّ انّ تمام الكلام فى الأصول الأربعة يحصل باشباعه فى مقامين) وينبغى التنبيه على امور الاوّل انّهم عرّفوا الدليل العقلى بانّه ما يتوصّل به او يمكن ان يتوصّل به الى حكم شرعىّ وقسّموه الى انّ الحكم المستفاد منه امّا واقعىّ وهو ايضا امّا بتوسّط خطاب الشرع ام لا وامّا ظاهرىّ وعدّوا منه الاصول الأربعة ويرد عليه أنّ التعريف المذكور لا يشملها وذلك لوضوح انّ البراءة العقليّة ليس مفاده الّا مجرّد نفى العقاب ولو تنزّلنا فليس الّا نفى الحكم فى مرحلة الظاهر واين هو من

٣٠٣

اثبات الحكم الشرعى وما يتخيّل من انّه اذا علمنا اجمالا بكون الحكم فى الواقع امّا الوجوب او الاستحباب واذا نفى احدهما لزمه ثبوت الآخر ففيه أوّلا انّ هذا ليس اثباتا للحكم الشرعى بنفس الدليل العقلى بل بواسطة مقدّمة خارجيّة اتفاقيّة وثانيا أنّ الاصول لا يثبت بها الّا صرف الاحكام المتعلّقة بنفس مجاريها وامّا اللوازم العقليّة والعاديّة فلا يثبت بها وثالثا لو سلّم حجيّة الاصول المثبتة فانّما هى بالنّسبة الى لوازمها الذاتيّة الغير المتخلّفة عنها وامّا لوازمها العارضة لها من باب الاتّفاق بتوسيط مقدّمة خارجيّة كالعلم الاجمالى فى المثال فلم يلتزم بها أحد ورابعا لنا ان نفرض الكلام فيما اذا اتّسع دائرة العلم الإجمالي بحيث دار الإجمال بين الاربعة كما اذا شككنا فى كون حكم الواقعة هو الوجوب او الاستحباب او الكراهة او الإباحة فبعد نفى الوجوب والالزام بالبراءة لا يتعيّن بالاستلزام الّا القدر المشترك بين الثّلاثة ومن الواضح انّه ليس حكما شرعيّا والاحتياط ليس وجوبه الّا ارشاديّا محضا من باب المقدّمة العلميّة فانّ العقل اذا لاحظ الأمر بالصّلاة متوجّها بها الى القبلة واشتبه عليه القبلة يحكم بوجوب الصّلاة الى اربع جهات او ازيد لو لا الإجماع على كفايتها لكن لا على نحو الالزام بتلك الصلوات بخصوصها بل على طريقة الارشاد والهداية الى عدم القطع ببراءة الذّمة الّا بفعل المجموع نظير أوامر الاطبّاء للمرضى فانّه ليس فى امرهم الزام سوى احراز مصلحة الصحّة ويدلّك على ما ذكرنا ما قالوا فى معنى الوجوب الارشادى بانّه اخبار عن الاثر الوضعى المترتّب على الشيء قهرا من دون ان ينشأ الامر حكما اصلا بل ليس مقصوده سوى بيان حال الواقع وبالجملة ليس الاحتياط الّا من كيفيّات الاطاعة والاطاعة غير قابلة للاتّصاف بالوجوب والالزام بحيث لو تركها المكلّف استحقّ العقاب على نفس عدم الاطاعة كما يستحقّ بتركها العقاب المكتوب لمتعلّقها وأمّا وجه عدم صلوحها لتعلّق الحكم الشرعى بها فامران الاوّل انّ الاطاعة بمعنى موافقة الامر وهى امر انتزاعىّ غير متأصّل ولا صالح للوجود الخارجى ابدا وليس كسائر الواجبات الّتى هى افعال خارجيّة متأصّلة فى الوجود فانّها من لوازم الماهيّات المامور بها ومن غاياتها المترتّبة عليها وليس جعلها الّا جعل متعلّقاتها الثّانى لزوم الدور او التسلسل وهو واضح وقد علم ممّا ذكرنا الفرق بين المقدّمة العلميّة وغيرها من مقدّمة الوجود او الوجوب او الصحّة فانّ فى القول بوجوبها الالزامى لا يلزم محال بخلاف المقدّمة العلميّة كما أنّ الفرق بين الضرر العقابى والضرر المالى الدنيوىّ واضح حيث انّ الاحتياط من جهة الخوف فى الوقوع فى الاوّل لا يتّصف بالوجوب الالزامى بخلاف الثّانى فانّهم يحكمون بوجوب الاحتياط وحرمة تركه فيه حرمة ذاتيّة موجبة لاستحقاق العقاب ويحكمون بوجوب الصّوم فى السفر الّذى يحتمل فيه الضّرر وسرّه أنّ الضرر الدنيوى متاصّل من حيث الوجود الخارجى وقابل لان يلاحظه الشارع ويحكم عليه بوجوب الاحتراز عنه الزاما وتكليفا و

٣٠٤

يكون حفظ النفس والمال فى نظر الشارع من حيث تاصّله فى عالم اللّحاظ وعدم انتزاعه من شيء آخر مثل الصّلاة فيلاحظه ويحكم عليه بالالزام مولويّا بخلاف الاحتراز عن الضرر العقابى فانّه لم يكتب الّا على نفس التكاليف وامّا اطاعاتها فهى امور انتزاعيّة مترتّبة عليها بعد إيجادها مضافا الى انّ فى عدم الفرار عن الضّرر الدنيوى لا بأس بالحكم بترتّب العقاب المغاير له فى الجنس عليه وامّا عدم الفرار عن الضّرر العقابى الاخروى فيستحيل ان يوجب عقابا آخرا كما انّ عدم الفرار عن الضّرر الدنيوى لا يوجب ضررا دنيويّا غيره وبالجملة الحكم الشرعى ما يوجب الثواب او العقاب على الفعل او التّرك والعقل فى مورد الاشتغال غير قاض بمثل هذا والاستصحاب كما يذكره المصنّف فى اوّل الاستصحاب بناء على كونه من احكام العقل يكون من الدّليل الظنّى الاجتهادي نظير القياس والاستقراء على القول بهما وليس من الاصول العمليّة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم هذا مضافا الى انّه من العقليّات الغير المستقلّة والتخيير ليس الّا كقاعدة الاحتياط من شئون الاطاعة فانّ الاطاعة لازمة بقدر الامكان فان امكن الموافقة العلميّة التفصيليّة او الاجماليّة او الظنّية فهى والّا فالموافقة الاحتماليّة مقدّمة لا محالة على المخالفة القطعيّة فهو ايضا كالاحتياط فى عدم قابليّته لتعلّق حكم شرعىّ به ولكن هذا اذا كان مسبّبا عن اشتباه الحكم الواقعى والّا فلا مانع من كون حكم الواقعة فى الاصل التخيير كما فى موارد بعض الكفّارات وكما فى التخيير بين القصر والاتمام فى المواطن الاربعة وهو غير التخيير المبحوث عنه فى الأصول الّا ان يقال انّ ذلك كلّه من باب التّسامح أمّا البراءة فلاشتراكها مع الاباحة الشرعيّة فى الثمرة المقصودة وهى عدم المنع من ارتكاب الفعل المشتبه حكما فكما انّ الاباحة الشرعيّة تثمر عدم العقاب فكذلك البراءة العقليّة وقد اطلق الحكم عليه باعتبار غايته تسامحا وأمّا الاحتياط فمضافا الى ذهاب بعض الى كونه واجبا نفسيّا وبتعدّد العقاب بتعدّد الارتكاب فى الشبهة المحصورة يعدّونه حكما بالنّظر الى الالزام العرضىّ الموجود فيه وامّا التخيير فأخذه حكما امّا من جهة اخذه اباحة شرعيّة ما دام الجهل بالواقع المردّد بين المحذورين وامّا من جهة ما ذكرناه فى اصل البراءة وبالجملة ليس الاطلاق على الاصول الاربعة العقليّة الّا من باب المسامحة الامر الثّانى انّ اصل البراءة هل يختصّ بالالزاميّات او يعمّها وغيرها من المندوبات والمكروهات يظهر من الفاضل القمىّ الاوّل وقيل بالثّانى نظرا الى انّها يتمسّك بها فى نفى التكليف وهو يعمّ الالزامى وغيره وانّ المناط فى لزوم القبح المنفىّ انّما هو الطّلب من غير بيان لا مجرّد الالزام خاصّة والوجه هو الاوّل لاختصاص الادلّة من حكم العقل بنفى العقاب وقول الله سبحانه وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا بالالزاميّات ويشهد بذلك عناوين الاصحاب وكلماتهم فى الفقه والاصول حيث انّا لم نجد من تمسّك باصل البراءة فى نفى الاستحباب مثلا الّا ما يظهر من الشّهيد ره في مقام واحد من الذّكرى حيث تمسّك به فى نفى الاستحباب وبالجملة فالتّتبّع فى كلماتهم وادلّتهم

٣٠٥

يقضى باختصاصه بالالزاميّات وعلى تقدير العموم يعلم حكم غير الإلزاميّات من التكلّم فيها فالاولى تخصيص العنوان بها وذكر الادلّة على طبقها الامر الثالث قد يتوهّم انّ البحث عن مسئلة كون الاصل فى الاشياء الحظر او الإباحة يغنى عن البحث عن مسئلة البراءة والاشتغال بل البحث عن احدى المسألتين عين البحث عن الأخرى والصّواب أنّ البحث فى كلّ منهما يغاير الاخرى والكلام فى الأولى انّما هو فى ان الاصل الاوّلى فى الاشياء مع قطع النّظر عن الادلّة الشرعيّة وبيان الشارع من الكتاب والسنّة هل هو الجواز والاباحة او الاحتياط والحظر سواء كانت الشّبهة وجوبيّة ام تحريميّة حكميّة او موضوعيّة قيل بالثانى لقاعدة الضرر فانّ العقل يستقلّ بوجوب دفعه وقد استقرّ عليه بناء العقلاء من غير فرق بين اقسام الضّرر حتّى ما كان موهوما اذا لم يكن احتمال الضّرر معارضا بما هو اقوى منه ألا ترى انّه لو اخبرنا طفل او مجنون بوقوع السمّ فى احد الإناءين ولم يحصل لنا من قوله سوى الوهم وكان الإناء الأخر مأمونا عليه لجزم العقل بالاجتناب عمّا توهّم وقوع السمّ فيه ويحترز العقلاء عنه ولو اقدم على الموهوم بدون عذر فاصابه ضرر يذمّونه ويلومونه عليه معلّلين بانّه اقدم على اضرار نفسه ولا ريب انّ الضرر الاخروى اعظم من الدنيوي والمحكىّ عن شريف العلماء طاب ثراه انّ مقتضى حكم العقل وان كان هو الاجتناب لكن فى خصوص الضّرر الاخروى بل مطلق التكاليف الّتى تحتاج الى البيان حتّى العرفيّة منها كان بناء العقلاء من لدن آدم عليه‌السلام الى عصرنا هذا على عدم الاحتراز عن الضّرر المحتمل ترتّبه على عدم امتثال الأوامر والنواهى الغير المعلومة وقد كان المؤمنون فى عصر النّبى ص والأئمة ع لا يأتون بما يحتملون وجوبه ولا يتركون ما يحتملون حرمته بمجرّد الاحتمال ولم نعثر على منع عن المعصوم ع عن سلوك هذه الطريقة وكان هذا سيرة اهل الاديان والمسلمين جميعا وكذلك الاوامر العرفيّة فانّهم لا يلتزمون بالامتثال بمجرّد الاحتمال فاين بناء العقلاء على الاجتناب عن كلّ ضرر محتمل بل يستكشف من السيرة وبناء العقلاء فى الاوامر العرفيّة انّ العقل لا يحكم بالحظر فى امثال هذه المقامات والحقّ هو البراءة مطلقا فانّ حكم العقل بلزوم الاجتناب عن الضرر الموهوم ممنوع وبناء العقلاء ايضا مستقرّ على عدمه بالتقريب الّذى ذكرناه سواء كان الضّرر دنيويّا ام اخرويّا وسواء كان من مقولة العقاب او المصالح والمفاسد الكامنة فى الأشياء فإنّه إن كان الضرر عقابا فعدم وجوب الاحتراز ما لم يكن مقطوعا واضح لان العقاب تابع للعلم وما يقوم مقامه وما لم يحصل الجزم بالتكليف لم يصحّ توجّه العقاب فلم يتحقّق موضوع الضرر سواء كان التكليف مظنونا او مشكوكا او موهوما ضرورة قبح العقاب مع عدم البيان بحكم العقل والعقلاء وقد مرّ عليك ما ينفعك فى المقام فإن قلت إنّ قاعدة لزوم دفع الضرر بيان فمع

٣٠٦

احتماله لا يصحّ البناء على البراءة قلت هذا يستقيم عند ثبوت موضوع الضّرر وحيث قلنا بانّ عدم العلم بالبيان يوجب رفع الموضوع فلم يبق احتمال الضرر عند الشّك فى البيان حتّى يجب الاجتناب فقاعدة البراءة على هذا واردة على قاعدة الضّرر لاقتضائها انتفاء موضوعها وان قلنا بتقدّمها على كلّ دليل سواها شرعيّا كان او عقليّا مع تحقّق موضوعها وان كان الضّرر دنيويّا ومن الخواصّ المترتّبة على ذوات الاشياء كالقسوة والغفلة والبخل وعدم الغيرة المسبّبة عن اكل لحم الخنزير مثلا فكذلك نمنع حكم العقل بلزوم الاجتناب بمجرّد الاحتمال والوهم وكثيرا ما نرى العقلاء يقدمون مثلا على السّفر من الطريق المحتمل الضرر ولا يعبئون بمجرّد الاحتمال فان قلت كيف يمكن انكار حكم العقل وبناء العقلاء على لزوم ترك الاناء الموهوم وقوع السمّ فيه واخذ المأمون منه او لزوم ترك السّفر من الطريق المخوف مع التمكّن من سلوك الطريق المامون الى غير ذلك قلت الفرق بين ما نحن فيه والمثال واضح ولا كلام فى وجوب دفع الضّرر ولو موهوما بحكم العقل والعقلاء اذا كان الطرف المقابل للشبهة مامونا يقينا وهذا اجنبىّ عن مفروض المسألة فانّ الكلام فيه انّما هو فيما كان باب العلم بالواقع منسدّا ولا سبيل الى تحصيل العلم بما هو المامون يقينا وحكم العقل وبناء العقلاء على لزوم الاجتناب بمجرّد احتمال الضّرر فى الاقدام على فعل بنفسه ممنوع جدّا والسّر في ذلك انّ البناء على الاحتياط والاحتراز عن كلّ موهوم الضرر مستلزم لاختلال النظام وهذا امر ارتكازىّ اجمالىّ عند العقل والعقلاء ثمّ انّ الفرق بين مسئلة الحظر والإباحة ومسئلة البراءة والاشتغال هو ما اشرنا اليه من انّ البحث فى الاولى انّما هو بلحاظ ما يستقلّ به العقل فى حكم الاشياء مع قطع النظر عن ورود دليل من الشارع فى حكمها والبحث فى الثانية انّما يكون بعد لحاظ ما ورد من الشارع فى حكم الاشياء وقد اخذ فى موضوعهما الشّك فى الحكم الواقعى المتعلّق بالاشياء بعناوينها الأوليّة الأمر الرابع انّ تشخيص مسائل العلم قد يحصل بمعرفة خواصّ تلك المسائل وخاصّة مسائل علم الاصول عدم افادتها الّا للمجتهد وخاصّة مسائل علم الفقه ان يكون المجتهد والمقلّد فيها سواء بعد تنقيحها واخراجها من الادلّة فاصالة البراءة ان كان مجريها من الاحكام الكليّة فهى من المسائل الاصوليّة لانّ العمل بالبراءة مشروط بالفحص وليس الفحص فى الكتاب والسنّة ونحوهما وظيفة المقلّد وان كان مجريها من الموضوعات الصّرفة فهى من المسائل الفقهيّة لجواز استعمالها فيها للمقلّد كقاعدة اليد واصالة حمل فعل المسلم على الصّحة والاستصحاب والاشتغال ونحوها فانّه يجوز للمقلّد استعمالها فى موضوعاتها والمسألة الفقهيّة ما يكون المبحوث عنه محمولا اوّليّا لفعل المكلّف من دون توسيط شيء آخر والبراءة فى الموضوعات متعلّقة بالعمل كذلك المساوى فيه المجتهد والمقلّد الأمر الخامس قسّم المصنّف الشّك فى التكليف على اقسام وعدل صاحب الكفاية الى انّ محلّ الكلام فى المقام هو انّه لو شكّ فى وجوب شيء او حرمته ولم تقم عليه حجّة معتبرة فهل يذمّ على ترك

٣٠٧

الاوّل واتيان الثانى ويستحقّ بذلك العقوبة لو اتّفق عدم الموافقة مع الواقع ام لا مدّعيا عدم الحاجة الى ذكر الشبهة الوجوبيّة على حدة فى قبال الشبهة التحريميّة فانّ الجامع بينهما هو الشّك فى التكليف واذا بنينا على الرجوع الى البراءة فيه فلا يكاد يفرق بين كون التكليف ايجابيّا ام تحريميّا وتوهّم الفرق من جهة اختصاص بعض الادلّة بالشبهة التحريميّة كقوله ص وقفوا عند الشبهة وقوله ع كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهى او كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه مدفوع بانّ الاختصاص غير معلوم فيها فانّ التعميم ممكن بدعوى انّ ترك الواجب ايضا مطلق حتّى يرد فيه نهى او حلال حتّى تعرف الحرام بعينه ضرورة صدق كلّ شيء على ترك الواجب ايضا مع انّه قد ورد فى بعض الاخبار كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه امر او نهى فيكون حاله بالنّسبة الى كلا المشتبهين على حدّ سواء هذا مضافا الى انّ اختصاص بعض الادلّة ببعض الصّور لا يوجب الاختلاف بينها بحيث يعدّ كلّ واحد من الصورتين غير الاخرى مع فرض وجود جامع بينهما وبالجملة لو كان اختلاف فى حكمهما مع اشتراكهما فى جامع واحد كان اللازم بعد عنوان الجامع الاشارة الى الخلاف لو كان معتدّا به والتنبيه على جهة خطائه لا جعل الكلام فى مسألتين كما انّ فقدان النّص او اجماله او تعارضه لا يوجب ان يجعل محلّ الكلام فى مسائل متعدّدة فانّ المنشأ لو كان هو التعارض فالمشهور على التخيير ولا يكون موردا للبراءة الّا على قول نادر ولو كان الاوّلان فالجامع بينهما هو عدم الظفر بالدليل الاجتهادي الدالّ على الحكم ومن الواضح كون المرجع ح هو البراءة فلا وجه لانفراد اجمال النّص عن فقدان النّص والصواب ما اختاره المصنّف ره فإنّه مضافا الى ما ستطّلع عليه من اختلاف الاصولى والاخبارى فى خصوص الشبهات التحريميّة الحكميّة قد يكون لبعض الاقسام المذكورة خصوصيّة يقتضى افراد البحث عنه تشريحا للذهن وتوسعة فى الفكر.

قوله (فى قوله تعالى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بين التشديد والتخفيف) بناء على عدم تواتر القراءات.

قوله (قيل دلالتها واضحة وفيه انّها غير ظاهرة) القائل هو صاحب الفصول قالها من دون بيان ثمّ إنّ محصّل تقريب الاستدلال بالآية أنّ الإيتاء إمّا بمعنى الاعلام بقرينة التكليف وبقرينة قوله ع انّ الله يحتجّ على العباد بما اتاهم وعرّفهم حيث انّ قوله ع وعرّفهم بيان لما قبله وبقرينة قوله ع على الله البيان لا يكلّف الله نفسا الّا ما آتيها فى رواية عبد الاعلى الآتية اذ الجواب بذلك عن سؤال تكليف الناس بالمعرفة قرينة على انّ المراد بالايتاء الأعلام فيكون المراد بالموصول هو الحكم فيكون المعنى لا يكلّف الله نفسا الّا حكما او تكليفا اعلمها ايّاه او بمعنى الاعطاء وهو المعنى الحقيقى للفظ الايتاء والمراد بالموصول الفعل الشامل للفعل والتّرك بقرينة التكليف لا خصوص المال وبذله وان كان موردها لانّ استشهاد الإمام ع بها فى رواية عبد الاعلى ينافى ذلك ولا الحكم والتكليف فقط لعدم ملائمته مع المورد ويكون الإعطاء حينئذ كناية عن الاقدار فتدلّ الآية على نفى التكليف من غير المقدور وإثبات المدّعى بها حينئذ مبنىّ على ان يقال انّ التكليف

٣٠٨

بفعل ايجادا او تركا مع عدم الطريق للمكلّف الى العلم بحكمه تكليف بغير مقدور كما يأتى فى الدليل العقلى وهو كما اشار اليه المصنّف كما ترى اذ الجهل بالحكم لا يجعل الفعل غير مقدور قيل انّ الفعل وان لم يكن غير مقدور عقلا عند الجهل بالتكليف لكنّه غير مقدور عرفا اذ العرف يعدّ التكليف بما لا طريق الى العلم به تكليفا بغير المقدور فتدلّ الآية على المقصود هذا على التقريب الثّانى وامّا التقريب الأوّل ففيه انّ الايتاء بمعنى الاعلام مجاز لا يصار اليه من غير قرينة مع انّه على التقدير المذكور يجب ان يكون المراد من الموصول الحكم وهو ينافى مورد الآية ولا يلائمه لفظ التكليف لانّه انّما يتعلّق بالفعل لا بالحكم ومجرّد استعماله فى الخبر الاوّل فى الاعلام لا يستلزم استعماله فى الآية مع احتمال ان يكون فى الخبر بمعنى الاعطاء ايضا كما فى الخبر الثانى جسما بيّنه المصنّف ره قوله (وارادة الاعمّ منه ومن المورد يستلزم استعمال الموصول الخ) هذا تقريب ثالث للاستدلال بالآية ويمكن ان يكون المراد هو ارادة الاعمّ من الموصول نفسه والاشكال بلزوم الاستعمال فى معنيين يكون ح باعتبار عدم الجامع بين الفعل والحكم فانّ غاية ما يمكن ان يكون جامعا بينهما هو الشّيء مع انّ الجامع لا بدّ وان يكون جامعا بينهما بحيث لا يشمل غيرهما والشّيء ليس كذلك لشموله غيرهما وعلى هذا يكون قوله فافهم اشارة الى الدقّة ويمكن ان يكون المراد إرادة الاعمّ من الموصول باعتبار الصلة بان يراد من الموصول الشّيء ومن الايتاء باعتبار نسبته الى الفعل الاقدار وباعتبار نسبته الى الحكم الأعلام ويكون قوله فافهم اشارة الى امكان ما يعمّهما وهو الايتاء بمعنى الاعطاء فانّ اختلاف متعلّق الاعطاء لا يستلزم استعمال الاعطاء فى معنيين ومن الواضح انّ اعطاء كلّ شيء بحسبه قوله (ثمّ انّه ربما يوهم التناقض على من جمع الخ) المورد هو المحقّق القمىّ ره ذكر ذلك فى القوانين على كلام الفاضل التونى حيث جمع بين الامرين والظّاهر انّ ما ذكره المصنّف فى الدّفع لا وجه له لانّ الخصم فى الحرام البيّن لا يدّعى الفعليّة فكيف فى المشتبه ولا بدّ ان يكون مراده من الوقوع فى الهلكة الوقوع فيما يكون مهلكا شأنا ويوجب استحقاق العقوبة قوله (كما يظهر من بعض ما فرّعوا على تلك المسألة) ذكروا من الثمرات ترتّب الثواب والعقاب على حكم العقل وعدمه وزوال العدالة بمجرّد المخالفة او الاصرار عليها وعدمه ولا يخفى انّ المحرّم الشرعى ما يوجب فعله العقاب لانّه معصية وتركه الثواب لكونه طاعة فاذا اخبر الله تعالى بنفى التعذيب فى فعله ثبت اباحته وعدم تحقّق طاعة ولا معصية قوله (ومنها قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)) اعلم انّ الاضلال بمعنى الايقاع فى الضلالة غير مراد قطعا لاستلزامه الجبر فلا بدّ من الحمل على ما هو الظّاهر منه فى المقام وهو الخذلان بمعنى سلب التوفيق عنهم وناقش المصنّف فى الاستدلال بها بما قاله فى الآية السابقة من انّ مساق الآية بملاحظة ما قبلها وما بعدها شاهد على انّ المراد منها حكاية ما وقع فى الامم الماضية من العذاب الدنيوي مضافا إلى شهادة نفس الآية بعدم دلالتها على العذاب الاخروى لوضوح انّ الاضلال كناية عن سلب التوفيق ولا

٣٠٩

دخل له بالعذاب الأخروي ولكن لا يخفى انّ استحقاق عذاب الدّنيا بعد استحقاق عذاب الآخرة فلو كان المراد بالاضلال الخذلان فى الدنيا لكان مسبوقا بالخذلان فى الاخرى فانّ الخذلان فى الاولى انّما يكون بهتك العصم او نزول النقم او تغيّر النعم وحبس الدعاء ونزول البلاء وقطع الرّجاء والابتلاء بالقسوة والغفلة ومتابعة الهوى ونحو ذلك والذّنوب الموجبة لها موجبة للعذاب الاليم والنّار الحريق بالاتّفاق الّا مع سبق التوبة ويشهد بهذا الآيات والرّوايات فلا وجه للقول بان توقّف الاضلال بمعنى الخذلان على البيان لا يستلزم توقّف العقوبة الأخرويّة عليه هذا مضافا الى التّمسك بالفحوى بان يقال انّ العقاب الدنيوى وهو الخذلان الّذى هو اخفّ بمراتب من العذاب فى الآخرة اذا كان موقوفا على البيان كان عدم العقاب الاخروى فى صورة عدم البيان بالاولويّة ثمّ انّ وجه الأضعفيّة غير معلوم لانّ العذاب والاضلال ان كانا بالنّسبة الى الآخرة فلا فرق بينهما فى الدّلالة على المقصود وان كانا بالنّسبة الى الدّنيا فلا تفاوت بينهما من حيث عدم الاستلزام للمطلب بالتقريب الّذى قرّره المصنّف الّا ان يقال انّ الظاهر من الإضلال فى خصوص المقام هو الخذلان وهو العقاب الدّنيوى والظّاهر من العذاب فى الآية السّابقة هو الأخروي والإنصاف أنّ التّمسك بالفحوى ومفهوم الموافقة فى المقام فى محلّه.

قوله (ومنها قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ)) يستدلّ بها بانّ الله سبحانه علّل ما قضاه من الهلاك او النجاة بالبيّنة ولا بيّنة على الحكم المجهول حتّى يكون العقاب عليه عن بيّنة والانصاف عدم دلالتها فانّ اللام لو كانت للتعليل لكان لدعوى الدّلالة وجه لكونها حينئذ تكون كالعلّة المنصوصة مفيدة للعموم ولكنّها فى الآية للغاية كما يظهر من سياق ما قبلها وما بعدها فانّ الله سبحانه يبيّن قلّة جنود نبيّه ص وكثرة جنود الكفّار مع تقويته لجنود الاسلام على قلّتهم وتغليبهم على جنود الكفر بكثرتهم ويذكر الغاية المترتّبة ومن الواضح ان لا وجه لتعميم الغاية المترتّبة على فعل فى مورد خاصّ وتسريتها الى غيره من الموارد نعم فى الآية اشعار بالعليّة وانّى هو من الدلالة قوله (ويرد على الكلّ انّ غاية مدلولها الخ) قد يتوهّم انّه اذا علم بالادلّة السمعيّة والعقليّة عدم تعلّق الحرمة بالمشكوك تحريمه واقعا ورفع المؤاخذة والعقاب عنه لو كان حراما واقعا فكيف يمكن ان يكون قابلا لوجوب الاحتياط وثبوت المؤاخذة عليه ولا يكون هذا الّا

منافيا لذاك لا نسبة الاصل والدّليل ويندفع بانّ كلامه قدس‌سره مبنىّ على انّ مؤدّى ادلّة البراءة هو رفع المؤاخذة عن الحكم المجهول بجميع مراتبه حتّى فى مرحلة الظاهر فلو علم بالحرمة فى الظاهر بمقتضى ادلّة الاحتياط على تقدير تماميّتها ارتفع موضوع ادلّة البراءة لانّ مؤدّى تلك الادلّة هو رفع المؤاخذة عن الحكم الواقع المجهول وسيوضح قدس‌سره كلامه هذا بقوله والأنصاف ما ذكرنا من انّ الآيات المذكورة الخ.

قوله (فلعلّ نفى جميع الآثار مختصّ بها فتامّل) اختصاص نفى جميع الآثار

٣١٠

بالثلاثة دون البقيّة يلزمه التفكيك بين الفقرات وهو فى غاية البعد قوله (وكذا المؤاخذة على ما لا يعلمون مع امكان الاحتياط) لا يخفى انّ كلامه هذا ينافى ظاهرا ما سيذكره فى الدليل العقلى على البراءة فانّ حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف انّما هو فى مورد امكان الاحتياط قوله (واضعف منه وهن ارادة العموم بلزوم كثرة الاضمار) يعنى لزوم كثرة التخصيص فى عموم الادلّة المثبتة للآثار المترتّبة على التسعة وهو كما ترى فانّ لزوم ذلك لا يعيّن كون المرتفع هو المؤاخذة فلعلّه شيء آخر كالأثر المناسب قوله (بالنّسبة الى التخصيص المشكوك فيه مبيّنا لاجماله فتامّل) الظاهر فى وجهه انّ اجمال المخصّص المنفصل لا يسرى فى ظهور العام وامّا رفع اجماله بظهور العامّ بان يكون مبيّنا له فغير معلوم ولعلّ الوجه انّ عموم الادلّة احوالىّ فلا يكون مبيّنا لانّ ظهور المطلق فى الاطلاق ليس كظهور العامّ فى العموم او انّ النبوىّ المذكور حاكم على تلك الادلّة والمحكوم لا يكون مبيّنا للحاكم ثمّ اعلم أنّ حقّ المقام ما ذكره اوّلا من انّ الحمل على خصوص المؤاخذة يوجب عدم التخصيص فى عموم الادلّة فالامر دائر فى الرّواية بين الحمل على ما لا يوجب التخصيص والحمل على ما يوجبه لا ما ذكره اخيرا من التردّد بين ما يوجب كثرة الخارج وما يوجب قلّته قوله (فلم يفعل ولم يوجب تحصيل العلم ولو بالاحتياط) هذا بيان لما ذكره من توجيه التكليف بشرب الخمر على وجه يشمل صورة الشّك فيه قوله (فنقول معنى رفع اثر التحريم فيما لا يعلمون) حاصله بعد كون المراد من الرفع ما يشمل الدّفع انّ المرفوع ما كان له مقتضى الثبوت لا الثابت فعلا وهو ايجاب الاحتياط عند الشّك فى الحكم الالزامى وان شئت قلت انّ المدفوع هو الحكم الواقعىّ بحسب مرتبة التّنجّز والسّر فى انّ هذا دفع لا رفع هو انّ الحكم الواقعى الثابت ولو اخذ لا بشرط لا يدلّ على ثبوته فى حال الشّك وان كانت الارادة الواقعيّة على فرض ثبوته ثابتة وذاك الثبوت النفس الامرى للإرادة على فرض وجود الحكم واقعا يقتضى ايجاب الشارع امتثاله وحديث الرفع يرفع المقتضى بالفتح وهو ايجاب الاحتياط عند احتمال وجوده ولا يخفى انّ هذا كلّه فرع امكان ايجاب الاحتياط مقدّمة للتحرّز عن العقاب الواقعى حتّى يكون مرفوعا عن هذه الامّة امتنانا وهو مع انّه ينافى لما يأتى من المصنّف فى ادلّة الاحتياط بعد ذكر الاخبار من قوله قلت ايجاب الاحتياط الخ لا يتمّ بعد تسليم القاعدة العقليّة وهى قبح التكليف من غير بيان اذ مع تجويز وجوب الاحتياط فى محتمل الحرمة لا يقطع العقل بقبح التكليف فحكمه بقبحه مستلزم لحكمه بقبح ايجاب الاحتياط مقدّمة فلا يختصّ رفع المؤاخذة عمّا لا يعلمون بهذه الامّة حتّى يكون امتنانا لا يقال ايجاب الاحتياط فى مورد الشّبهة على وجه يكون حكما ظاهريّا نفسيّا بحيث يترتّب العقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع ممكن فيكون اثر الرفع والامتنان بالنّسبة إليه لأنّ الرّفع بالنّسبة

٣١١

اليه صحيح لكنّه لا يختصّ بهذه الامّة اذ التكليف به من غير بيان قبيح عقلا فلا امتنان ولعلّه الى ما ذكرنا اشار بقوله وح فإذا فرضنا انّه لا يقبح فى العقل فتدبّر قوله (وكذلك الكلام فى الجزء المنسىّ فتامّل) نقل عن المصنّف فى وجهه انّ الشرطيّة والجزئيّة من الاحكام الوضعيّة الّتى ليست مجعولة عنده وفاقا لجمع من المحقّقين قوله (وكذلك رفع اثر الاكراه عن المكره) فكما لا يجوز الاضرار بالغير دفعا عن النّفس كذلك لا يجب تحمّل الضرر لدفع الضّرر عن الغير قوله وامّا رفع اثرها لانّ الطير كان يصدّهم الخ) لا يخفى انّه قدس‌سره افاد عدم تعلّق الرفع بالامر الغير الشرعى بلا واسطة وامّا ما ذكره من رفع المؤاخذة فيمكن ان يريد به رفع الحرمة الموجبة لها والّا فالاشكال جار فيه ايضا.

قوله (وفيه انّ الظاهر ممّا حجب الله علمه ما لم يبيّنه) تقريب الاستدلال انّ حرمة شرب التتن مثلا محجوبة عن العباد فهى موضوعة عنهم بناء على اخذ الموصول عبارة عن الحكم او كون هذا المائع خمرا بناء على اخذه عبارة عن الموضوع الخارجى او كلاهما لو جعل اعمّ منهما ولو جعل عبارة عن الحكم نفسه فلا اضمار وامّا لو كان بمعنى الفعل اى الموضوع فيقدّر المؤاخذة او الحكم او الآثار لعدم صحّة نسبة الموضوع الى ذات الموجود الخارجى ويكون المعنى ح الموضوع الّذى حجب الله تعالى علمه عن العباد فالمؤاخذة عليه او حكمه التكليفى او جميع آثاره موضوع عنهم واجاب عنه المصنّف ره بأنّ هذا الحديث الشريف مساوق للاخبار الناهية عن الخوض فيما لم يرد الله تعالى الخوض والتكلّف فيه ولا دلالة فيه على وضع الاحكام الّتى بعث الله الرسل لأجل تبليغها وبيّنوه للعباد واختفت علينا بسبب ظلم الظالمين وبالجملة اذا كان الرسول مأمورا بالتبليغ وبلّغ كما امر على النحو المتعارف فلا يقال اذا لم يصل الى بعض الاشخاص انه ممّا حجب الله علمه نعم يصحّ ان يقال انّ اختفائه ممّا امضاه الله تعالى تكوينا وهذا بخلاف ما اذا كانت الحكمة مقتضية لعدم التبليغ كما هو الشأن فيما هو مودع عند صاحب الزمان ارواحنا فداه فانّه يقال انّه ممّا حجب الله علمه عن العباد والقول بانّ الظاهر منه كونه فى مقام المنّة على العباد ولا منّة عليهم فى هذا المعنى مدفوع بانّه لو تمّ كونه فى مقام الامتنان فالمنّة فى رفع ايجاب الاحتياط عند احتمال العبد ثبوت حكم كذلك وعلم انّه ممّا لم يؤمر الرسول بتبليغه ثمّ انّ المصنّف كما عرفت استظهر عدم دلالة الحديث على البراءة فى المقام وقد استدلّ به على البراءة ونفى الوجوب فى الشّك فى الاجزاء والشرائط ويمكن ان يقال انّ الاستدلال به فى تلك المسألة فى قبال القائلين بالاشتغال من الاصوليّين المستدلّين بالخبر هنا وهنا فى قبال الأخباريّين الّذين لا يقولون بالاحتياط الّا بعد البيان من الرّسول ص والاختفاء.

قوله (وفيه ما تقدّم فى الآيات من انّ الاخباريّين لا ينكرون الخ) يعنى انّه لا يعارض ادلّة الاحتياط على تقدير تماميّتها بل يكون النّسبة كنسبة الاصل الى الدليل قلت لا يظهر فرق بينه وبين ما اعترف

٣١٢

ره بانّه معارض لها وهو قوله ع كلّ شيء مطلق الخ بل الظاهر انّ السعة بالنّسبة الى الحكم المجهول كالاطلاق ينافى وجوب الاحتياط اللهمّ الّا ان يقال انّ متعلّق الاطلاق الفعل المجهول حكمه فينافى اطلاقه وجوب الاحتياط فيه ومتعلّق السّعة الحكم المجهول فلا ينافى السعة فيه وجوب الاحتياط فى الفعل المجهول حكمه اذا كان وجوبا نفسيّا لكن هذا مع انّه مبنىّ على ان يكون كلمة ما موصولة وعبارة عن الحكم المجهول وكلّ منهما فى محلّ المنع انّما يتمّ إذا قلنا رفع الحكم الواقعى المجهول ووضعه والسعة فيه لا ينافى وجوب الاحتياط نفسيّا فى مورده وهو كما ترى اذ هذا الاحتياط على تقدير لزومه انّما يكون ذلك من جهة احتمال ذلك الحكم المجهول فيكون ذلك ضيقا من قبله فينافى السعة عنه.

قوله (هو اعتقاد الصّواب والغفلة عن الواقع) وذلك لانّ الباء ظاهرة فى السببيّة ومن الواضح انّ التردّد والشّك بما هو لا يكون سببا للارتكاب قوله (وسياقه يابى عن التخصيص له فتامّل) يحتمل ان يكون اشارة الى انّ الرّواية على تقدير التعميم ظاهرة فى الشاكّ الغير المقصّر فلا تخصيص او اشارة الى انّ التخصيص لا بدّ منه على تقدير الحمل على الغافل ايضا اذا الغافل قد يكون مقصّرا فى المقدّمات فيحتاج الى تخصيص الغافل بغير المقصّر.

قوله (ودلالته على المطلوب اوضح من الكلّ) فان قلت إنّه يدلّ على المطلق والإباحة فيما لم يرد فيه نهى من الشّارع والمدّعى اثبات الإباحة فيما لم نقف على نهى فيه بعد الفحص مع احتمال وروده قلت إذا كان المراد ما ذكرت لدلّ على الإباحة الواقعيّة وهى محال لانّ المباح الواقعى لا يرد فيه نهى فان قلت سلّمنا ذلك ولكن وقوع التعارض مبنىّ على ان يكون المراد من ورود النّهى هو ورود النّهى عن الشّيء من حيث هو وبعنوانه الخاصّ وامّا لو كان المراد هو ورود النّهى فيه ولو من حيث كونه مشتبها مجهول الحكم لما كانت النّسبة بينها وبين ادلّة الاحتياط على تقدير تماميّتها هو التّعارض بل كانت نسبة الاصل الى الدّليل قلت النّهي عن مشتبه الحكم هو نهى عن شيء واحد حقيقة وهو ذاك العنوان العامّ والرواية لمكان قوله ع كلّ شيء ظاهرة فى كون الغاية هو ورود النّهى عن الشّيء بعنوانه الخاصّ فتدبّر قوله (وجب ملاحظة التعارض بينها وبين هذه الرّواية) حقّ العبارة ان يقال يقع التعارض ويجب الرّجوع الى ما يقتضيه قاعدته.

قوله (لزوم التفكيك بين الجهالتين فتدبّر فيه وفى دفعه) امّا الاشكال فهو انّ التفكيك بين الجهالتين الجهالة بالحرمة والجهالة بانّها فى العدّة بعدم القدرة على الاحتياط فى الأولى والقدرة عليها فى الثانية لا وجه له ظاهرا سواء اريد من الجهالة الجهل البسيط بان يكون ملتفتا شاكّا ام الجهل المركّب بان يكون غافلا او معتقدا للجواز ووجهه انّ على الاوّل يمكن الاحتياط فى كلّ من الجهالتين وعلى الثانى لا يمكن فى كلّ منهما وامّا الدّفع فيقال انّ الرواية ليست فى مقام بيان المعذوريّة من حيث الحكم التكليفى وهو جواز العقد فى حال الجهل وترتّب آثاره الّذى هو المقصود

٣١٣

بالبحث فى المقام بل صريحها سؤالا وجوابا صدرا وذيلا كونها فى بيان الحكم الوضعى للعقد الواقع كذلك وهو تاثيره فى التحريم الابدى فالمراد من المعذوريّة عدم حرمتها عليه مؤبّد الا من حيث المؤاخذة ويكون الجهالة الاولى فى الجاهل المركّب والثانية فى الجاهل البسيط ولا محذور فى هذا التفكيك والجهالة مستعملة فى المعنى الاعمّ الجامع وهو عدم العلم بالواقع وخصوصيّة البساطة والتركيب تعلم من التعليل فتدبّر قوله (ولا دخل له فى هذا الحكم اصلا ولا فى تحقّق الموضوع) بل منشأ الاشتباه فيه احد امور ثلاثة مذكورة فى عنوان البحث وهذا بخلاف الشبهة الموضوعيّة فانّ منشأ الشّك فيها هو وجود القسمين من الحكم.

قوله (ويمكن ارجاعه اليهما معا وهو الاولى) امّا فساد الايراد الاوّل فلأنّ كون المحلّ قابلا لتعلّق الحكم الشرعى به لازم الاحتمال الماخوذ فى موضوع الحكم عند المستدلّ وامّا فساد الثانى فلانّ اختلاف اسباب المعرفة لا ينافى وحدة معناها.

قوله (وامّا الاجماع فتقريره على وجهين) وقد ادّعى الاجماع فى كلا القسمين من الشبهة ويمكن المناقشة فى هذا الاجماع بانّه موهون ولو قلنا بحجيّة الإجماع المنقول فانّ المقصود لو كان هو اتّفاق الكلّ فبطلانه ظاهر لانّ الاخبارى يدّعى وجوب الاحتياط فى الشّبهة التحريميّة ولو كان المقصود اتّفاق المجتهدين من الاصوليّين فهو غير ملازم لقول الإمام ع ولا مجال للحدس وان حدس به غافل فلا بدّ من تنبيهه فانّ فى المسألة للعقل سبيل وللنّقل دليل فلو لم يكن قطع بكون المستند عندهم احدهما لكان احتمال الاستناد كافيا فى عدم جواز الحدس بمثل هذا الاجماع لمعلوميّة عدم حجيّته لو كان فى البين ما يصلح لاستناد المجمعين اليه قوله (فالظاهر انّ كلّ من قال بعدم وجوب الاحتياط الخ) يمكن منع الاستظهار بانّ القول بالتخيير فى تعارض النّصّين لعلّه للاخبار الدّالة عليه فى خصوص تعارض النصّين قوله بل فى كلّ شريعة على عدم الالتزام والالزام الخ) هذا الكلام ينافى الامتنان على هذه الامّة على تقدير اختصاص حديث الرفع بالمؤاخذة ولكن مختار المصنّف كان اختصاص الحديث برفع المؤاخذة فى خصوص الشّبهات الموضوعيّة قوله (وانّ طريقة الشّارع كان تبليغ المحرّمات دون المباحات) قلت انّ هذا على فرض تسليمه انّما يفيد الاباحة الواقعيّة ومحلّ البحث هو الإباحة الظاهريّة توضيح ذلك انّه لا كلام للأخباريّين فى ذلك لاتّفاقهم على انّ ما علم عدم النّهى من الشّارع فيه لا يكون حراما على المكلّف لا واقعا ولا ظاهرا كيف وانّهم نفوا التكليف فى المستقلّات العقليّة قبل ورود الشرع وانّما كلامهم فيما يحتمل ورود النّهى واختفى عنّا ولم يصل إلينا مع أنّه لا يلائم لما تقدّم منه ره في الردّ على الاستدلال بالآية قل لا أجد إلى آخره بقوله فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فيما صدر عن الله تعالى من الاحكام يوجب عدم التحريم

٣١٤

لا عدم وجدانه فيما بقى بايدينا من احكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا انتهى قوله (اقول ان كان الغرض ممّا ذكر من عدم التخطئة الخ) غرضه قدس‌سره انّ بناء اهل الشرائع على ذلك انّما يكون من جهة ما ارتكز فى عقولهم مع عدم حكم الشارع بوجوب الاحتياط فهو راجع الى الدليل العقلىّ قلت مضافا الى امكان اختصاص كلام المحقّق بالشبهات الموضوعيّة انّ كلامه ظاهر فى دعوى سيرة جميع اهل الشرائع على البراءة ويكون مراده عين ما قرّره قدس‌سره من الاجماع العملى من دون نظر الى حكم العقل والحاصل انّ كلام المحقّق ناظر الى ما افاده من انّ سيرة المسلمين بل فى كلّ شريعة على عدم الالتزام والإلزام إلخ ويمكن المناقشة فى السيرتين بعدم معلوميّة كونهما من المتديّنين.

قوله (ويشهد له حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده الخ) الاستدلال ببناء العقلاء يرجع ايضا الى حكم العقل والفرق انّما هو بالاجمال والتفصيل فانّ الإنسان اذا قصر عقله عن ادراك شيء او أخطأ بان اعتقد بشيء على خلاف ما هو عليه فى نفس الأمر ثمّ رأى بناء العقلاء كافّة على غير معتقده يعلم اجمالا بخطائه اعتقاده وانّ الحقّ فيما هم عليه فلو توافقا يؤكّد كلّ منهما الآخر ويقدّم بناء العقلاء عند تعارضهما ويتعيّن لو قصر عقله إذا عرفت ذلك فنقول هل للعقل حكم واستقلال بقبح المؤاخذة على الحرمة المجهولة وكذا الوجوب المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يدلّ عليهما فى مظانّه فاذا تفحّص عن التكليف المشكوك بالمقدار المتعارف ولم يظفر بما يدلّ عليه هل يصحّ عند العقل المؤاخذة عليه اذا خالف الواقع اتّفاقا مع احتمال وقوعه فيه بعد الفحص او يكون المؤاخذة عليه عند العقل قبيحا وبعبارة أخرى هل يكون الامر فى الشبهة التحريميّة البدويّة وغيرها من مطلق الشبهات البدويّة بعد الفحص عن الدليل ولو كان اصلا عمليّا واليأس عنها كالأمر فيها قبل الفحص ام يكون الامر على خلافه فكما يرى العقل حسن المؤاخذة من المولى فيها قبله فهل يرى كذلك فيها بعده فانّ من المعلوم كون الاقتحام فى الشبهة قبل الفحص موجبا للذّم واللّوم والمؤاخذة من السيّد حيث انّ العقل لا يكتفى فى الاعتذار بمجرّد الجهل فيها ويرى موضعا للسّؤال بقوله هلّا تعلّمت ومع بقاء المجال لهذا السؤال تكون المؤاخذة مع البيان والعقاب مع البرهان ام لا يرى كذلك بعد الفحص فانّ السؤال عن ذلك ينقطع عند العقل فانّ ما يراه لازما فى ايجاب الذّم والمؤاخذة هو وصول التكليف فاذا احتمله فى مورد وتفحّص عنه ولم يظفر بما يدلّ عليه مع احتماله لثبوته فى الواقع كان ذلك حجّة للعبد على المولى فانّه لا يبقى مجال ح للسؤال المذكور وبالجملة ان راى العقل صحّة العقاب والمؤاخذة فيها بعد الفحص كان ذلك العقاب مع البيان وان لم ير صحّته فيها بعده كان العقاب عقابا بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان وصاحب الذّوق السليم والعقل المستقيم لا بدّ من ان يلاحظ وجدانه ليدرك حكم العقل فى هذه الشّبهة وقد ظهر لك انّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعدم قبحه مع البيان ليست من احدى الكبريات المقرّرة وتذكر فى المقام لتطبيق الصغرى

٣١٥

عليها وعدم تطبيقها بل هى عبارة عن مجرّد استقلال العقل بصحّة العقوبة وعدم استقلاله ولا يتوهّم أنّ المراد بالبيان فى المقام هو اظهار الدليل الدالّ على التكليف وقيامه عليه كما هو المراد منه فى قولنا تاخير البيان عن وقت الحاجة بل المراد بالبيان فى المقام غير ما هو المراد به فى ذاك المقام والحاصل معنى قبح العقاب بلا بيان وعدمه انّ العقل كما يحكم بصحّة المؤاخذة فى الاقتحام فى الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي اذا كان فى اطراف محصورة وفى الشبهة البدويّة قبل الفحص فهل يحكم بصحّتها اذا اتّفق الوقوع على خلاف الواقع فى الشبهة البدويّة بعد الفحص واليأس عن الدّليل فانّ حكم العقل بالصحّة وراى فى الجميع ملاكا واحدا فهو وان رأى فى الاخير ملاكا آخر غير ما كان يرى فى الاوّلين كان العقاب بلا بيان وقد اشرنا الى انّ المراد من البيان ليس هو الأعلام ويشهد بذلك انّ فى الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى وفى هذه الشبهة قبل الفحص ليس فى البين اعلام واظهار للتكليف ومع ذلك يكون العقاب مع البيان ثمّ الظاهر أنّ العقل فى التكليف المجهول بعد فقدان ما يدلّ عليه من امارة او اصل وبعد الفحص عنهما على النحو المتعارف لا يحكم بلزوم الاحتياط ومراعاة الواقع ويرى العقوبة على فرض مخالفته عقابا بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان وهما قبيحان بشهادة الوجدان وقد يتوهّم أنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل بيان عقلىّ فتكون المؤاخذة على التكليف المجهول مع البيان ويلزم الاحتياط فى الشبهة البدويّة بعد الفحص مطلقا من جهة لزوم دفع الضّرر المحتمل والمتامّل المنصف يشهد بانّه لا يمكن ولا يعقل اثبات لزوم الاحتياط بهذه القاعدة على فرض تسليمها فانّها لا تنطبق الّا على ما كان الضّرر فيه محتملا من الخارج فالقاعدة كبرى لا تجرى فى مورد الّا بعد وجود الصغرى والمفروض انتفاؤها ولا تصلح القاعدة لايجاد الصغرى فانّ الحكم لا يحقّق موضوعه بل لا بدّ من وجود موضوعه وفرضه مقدّما عليه طبعا فلا بدّ من ان يكون الصغرى محرزا من غير نفس القاعدة كما اذا احتمل وجود بئر فى الطريق واحتمل فى سلوكه الوقوع فى البئر فيحكم بعدم سلوكه لقاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل ونفس القاعدة لا تثبت احتمال الضّرر وفى المقام لمّا دلّنا العقل على قبح المؤاخذة على التكليف المجهول فلا نحتمل ضررا حتّى يكون موردا للقاعدة ويحكم بلزوم الاحتياط وبالجملة لو اريد من احتمال الضرر فى المقام العقاب الأخروى فليس للقاعدة صغرى لانّا نقطع من قبل العقل بعدم العقوبة وان لم يحكم العقل بقبح العقاب فلا نحتاج فى لزوم الاحتياط الى هذه القاعدة فانّ الرجوع الى البراءة ليس الّا من جهة تحصيل المؤمّن من العقاب والمفروض عدم حصول المؤمّن فلو لم يكن دفع الضّرر المحتمل بواجب كان اللّازم هو الاحتياط فاذا لم يستقلّ العقل بقبح العقاب لم يكن مجرى للبراءة سواء كان دفع الضّرر المحتمل لازما ام لا فانّ على التقدير الثانى يجب الاحتياط ايضا لعدم كون المكلّف مأمونا من العقوبة هذا كلّه على تقدير كون المراد من الضّرر هو العقوبة واذا كان المراد ضررا غيرها

٣١٦

فهو محتمل على القول بتبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد الكامنتين فى الأفعال فانّه اذا احتملنا الحرمة او الوجوب فى شيء فيكون المحتمل هى الحرمة بعللها والوجوب بعلله فيكون احتمال الوقوع فى مفسدة فعل الحرام او ترك الواجب كاحتمال نفس الحرمة والوجوب ومع هذا الاحتمال يقرّر الدليل بانّ الصغرى للكبرى الكلّى محقّق فيجب بحكم العقل الاحتياط ويجاب أوّلا بمنع تبعيّة الاحكام لخصوص المصالح والمفاسد الكامنتين فى الاشياء بل يمكن تبعيّتها لمصالح فى الامر بها او النّهى عنها فلا ملازمة بين احتمال الحرمة واحتمال المفسدة فى المنهىّ عنه مثلا ولا يلزم احتمال ضرر فى ارتكاب الفعل المشتبه حتّى يكون صغرى لهذه القاعدة وثانيا لو سلّمنا كون الأحكام تابعة لخصوص المصالح والمفاسد الكامنتين فى نفس الأشياء فنمنع من ارجاع المصالح والمفاسد الى الضّرر فانّ المفسدة وعدم ادراك المصلحة لا يكون من الضّرر لوضوح انّ المشتمل على المصلحة هو نفس الفعل فهى علّة لإنشاء الوجوب ولا يلزم ان يكون فى تركها ضرر وامّا المفسدة فهى ايضا ليست من المضارّ بوجه بل هى عبارة عن خصوصيّة فى الفعل موجبة للنّهى عنه ويوضح كون المفسدة فى النواهى غير الضّرر انّك عند التفات القوّة العاقلة الى خصوصيّة فى الشّيء ربما تنهى عن الشيء مع انّ تلك الخصوصيّة لا يعدّ ضررا فكما انّ سائر القوى كالباصرة والسّامعة ربما يحسن شيئا ممّا ابصره وسمعه ويعجبه وربما ينكر شيئا ويستكرهه فكذلك العاقلة ربما تدرك من بعض الافعال خصوصيّة فيعجبها وتأمر به لذلك وربما تدرك من بعض آخر خصوصيّة فتنكرها فتنهى عنه ومن المعلوم عدم كون تلك الخصوصيّات المدركة من باب الضّرر فكون المفسدة ضررا ممنوع فى غالب المناهى كمال المنع والّا لزم ان يكون ارتكاب المناهى جائزا عند عدم الضّرر وثالثا لو سلّمنا كون المفاسد وفوت المصالح ضررا فلا يلزم ان يكون الضرر على هذا الشخص لانّ المدار فى النواهى على الضرر النوعى وفى الأوامر على المصلحة النوعيّة واكثر الأوامر فى باب المعاملات وبعض ابواب العبادات كالجهاد والخمس والزكاة من جهة المصلحة النوعيّة نعم ربما يكون فى بعض الموارد مناط الحكم النفع والضّرر الشخصى وهو قليل جدّا ورابعا أنّ الشبهة من هذه الجهة اى ثبوت مضرّة غير العقاب تكون موضوعيّة ولا يجب الاحتياط فيها باعتراف الأخباريّين وقد يقال انّ هاهنا قاعدة اخرى من العقل تكون بيانا لوجوب الاحتياط وهى قاعدة قبح الاقدام على ما لا يؤمن من مفسدته فكما انّ مع العلم بالمفسدة فى مورد يكون الأقدام عليه والاقتحام فيه قبيحا عند العقل فكذلك فيما لا يؤمن منها ومع جريان هذه القاعدة يكون العقاب مع البيان فيجب الاحتياط اذ لا مؤمّن ح ومع عدم المؤمّن من العقل والنقل بل مع دلالة العقل على قبح الاقدام لا مجال للبراءة ولكن من الواضح عدم استقلال العقل بذلك ونحن متى راجعنا وجداننا وديدن العقلاء لا نرى للعقل حكما بذلك ونريهم ايضا لا يعبئون بما يحتمل فيه المفسدة ولا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته ويدلّ على هذا انّ

٣١٧

الشارع قد رخّص الاقدام والاقتحام فى الشبهة بقوله ع كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه ولو كان الاقتحام فى الشبهة بعد الفحص واليأس قبيحا عند العقل فكيف سوّغ الشارع الاقتحام فى القبيح العقلى فترخيصه يكشف عن عدم كونه قبيحا عند العقل والقول بكون ذلك قبيحا مع عدم التدارك وترخيص الشارع يكون مشتملا على التدارك مدفوع بانّ القبيح العقلى الّذى يذمّ على فعله فاعله لو لم يطرأ عليه عنوان حسن يغلب على عنوان قبحه على وجه يستحقّ فاعله المدح لا يمكن ان يصير ماذونا فيه من قبل الشارع ولا يكفى فى ذلك مجرّد طروّ الحسن فى الواقع فانّ فى مقام تاثير العناوين لا بدّ ان يكون العنوان الّذى يوجب مدح الفاعل او ذمّه ملتفتا اليه فلو ضرب اليتيم ولم يكن التاديب حينه ملتفتا اليه وقع الضرب قبيحا وظلما والفعل المشتبه كشرب التتن بعنوان انّه مجهول الحكم اذا كان الاقدام عليه قبيحا ولم يوجد بعد عنوان آخر يلتفت اليه حتّى يصير بذلك العنوان حسنا ويغلب حسنه على قبحه كيف يصحّ اذن الشارع فى الاقدام عليه فيكشف الاذن والترخيص عمّا ذكرناه من منع كبرى هذه القاعدة وعدم استقلال العقل بذلك ولو سلّمنا هذه القاعدة نمنع من انطباقها على المقام فانّ الشارع بعنايته ولطفه اذن لنا فى الاقدام واذنه وترخيصه فى شرب التتن مثلا حال الجهل بحكمه يكشف عن وجود عنوان يغلب على عنوان قبحه فلا يكون ممّا لا يؤمن مفسدته حتّى يكون الاقدام عليه قبيحا فإن قلت إنّ الدليل ح يخرج من العقل ويكون من النقل وهو خلف حيث انّ الحكم بعدم القبح حينئذ يكون من جهة الاخبار الدّالة على الترخيص قلت لا يوجب ذلك كون الحكم حينئذ من جهة النقل بل العقل يستقلّ ح بعدم قبح الاقدام من جهة هذه الاخبار فيكون العقاب على مخالفته عقابا بلا بيان وبالجملة الإقدام على ما لم يعلم حرمته لا يكون قبيحا عند العقل بواسطة ترخيص الشارع هذا مضافا الى عدم كفاية هذه القاعدة فى جميع موارد الشبهة البدويّة فانّ الشبهة الوجوبيّة ليست ممّا لا تؤمن مفسدته حتّى تنطبق عليها فانّ الواجب مشتمل على المصلحة وترك ما فيه المصلحة ليس اقداما على المفسدة ولا مجال فيها للتمسّك بعدم القول بالفصل فانّ الفصل موجود والملاك فى الشبهة التحريميّة معلوم وهو كونه ممّا يحتمل فيه الوقوع فى المفسدة فانّ العقل لا يستقلّ بقبح الاقدام الّا على ما لا يؤمن مفسدته وفى الشبهة الوجوبيّة ليست مفسدة فضلا عن ان تكون غير مأمونة قوله مدفوعة بانّ الحكم المذكور على تقدير ثبوته الخ) لقائل ان يقول انّ الضرر المحتمل على تقدير ثبوته لا يكون اقوى من الضرر المحتمل فى اطراف الشبهة المحصورة والعقاب فيها كما يكون على مخالفة الواقع كذلك فيما نحن فيه بل الظّاهر اطّراد ما ذكرنا فى جميع موارد حكم العقل بدفع الضرر المظنون او المحتمل لانّ هذا الحكم من العقل ارشادىّ لا يترتّب

٣١٨

على نفسه عقاب على انّه لو تمّت قاعدة دفع الضرر المحتمل هنا ثبت العقاب على مخالفة الواقع على تقدير ثبوته ولو قلنا بانّها قاعدة ظاهريّة وذلك لتنجّز الخطاب بالنّسبة الى الواقع المحتمل فتفريع عدم صلاحيّة القاعدة لورودها على قاعدة القبح على انّها من الاحكام الظاهريّة لا وجه له ظاهرا نعم ما ذكره من ورود قاعدة القبح على قاعدة دفع الضرر المحتمل تمام لا محيص عنه قوله (وامّا من دعوى ترخيص الشّارع واذنه الخ) اعلم انّ حكم العقل بلزوم دفع الضرر مط ولو كان معلوما مقيّد بعدم تداركه فموضوعه الضرر الغير المتدارك ولمّا كان الضرر غير العقاب الاخروى قابلا للتدارك نعلم من ترخيص الشارع واذنه وحكمه باباحة محتمل الحرمة ثبوت التدارك بالنّسبة الى المفسدة الكامنة فى فعل محتمل الحرمة على تقدير حرمته واقعا وح يرتفع موضوع حكم العقل قوله (والظّاهر انّ المراد به ما لا يطاق الامتثال به) لا وجه لتخصيص كلامهم بالتعبّديّات مع انّ الحرام التعبّدى لم يجدوا له مثالا كما انّ الوجهين المذكورين فى المناقشة لا وجه لهما ايضا امّا الاوّل فلاختصاصه بما تردّد التكليف المحتمل بين كونه توصّليا او تعبّديا وهذا فرد نادر مضافا إلى انّ فى صورة الدوران بينهما لو كان فى الواقع تعبّديا لا يخرجه الحمل على التوصّلى عن كونه ممّا لا يطاق وامّا الثانى فبما ذكره المصنّف من انّ نفس التكليف المشكوك لا ينفع فى تحصيل الغرض المذكور وهو الإتيان رجاء وباحتمال كونه مطلوبا وحاصل كلام المصنّف فى توجيه كلامهم انّ الاتيان بالفعل بداعى الأمر الثابت فى الواقع او الترك بداعى النّهى الثابت فى الواقع بحيث يكون الاتيان بالفعل او تركه بقصد الطاعة وامتثال ذاك الامر او النّهى يكون مما لا يطاق والتكليف المحتمل على فرض ثبوته واقعا لا يدلّ على الإتيان او الترك بداعى احتمال المطلوبيّة ووجهه واضح فانّ امتثال الحكم الشرعى واطاعته متفرّع على ثبوت الحكم فكيف يدلّ الحكم عليه ولكنّك عرفت انّه لا وجه لتخصيص كلامهم بالتعبديّات والاحسن هو حمل كلام السيّد على نفى التكليف عن الغافل.

قوله (لانّ عدم استحقاق العقاب فى الآخرة ليس من اللوازم) فان قلت انّ عدم استحقاق العقوبة يكون عين المستصحب فى استصحاب عدم استحقاق العقاب ولا يلزم حينئذ أن يكون من اللوازم المجعولة الشرعيّة قلت إنّ الاستصحاب من الاحكام ومن مقولة الانشاء ولا بدّ ان يكون المستصحب امّا حكما شرعيّا حتّى يحكم ببقائه بالاستصحاب او موضوعا ذا اثر شرعى حتّى يحكم ببقاء ذاك الأثر وعدم استحقاق العقاب لا يكون واحدا منهما فإن قلت نستصحب الاذن والترخيص الثابت حال الصغر ومع ثبوت الاذن فى الحال بالاستصحاب يقطع العقل بعدم استحقاق العقاب من دون نظر الى كونه لازما عقليّا فانّ نفس الاذن واقعيّا كان ام ظاهريّا كاف فى القطع بعدم استحقاق العقاب قلت نعم ولكن من اين علم

٣١٩

ثبوت الاذن والترخيص فى الزّمان السّابق مع احتمال كون الفعل حراما وغاية الامر هو رفع قلم التكليف عن الصغير لا ثبوت الأذن والحكم بالاباحة فى المحرّمات فإن قلت ما ذكره المصنّف هنا من عدم صحّة استصحاب البراءة حال الصّغر ينافى مع ما ذكره فى اوّل الاستصحاب فى الامر السّادس فى مقام تقسيم الدليل المثبت للمستصحب من انّ العدم اذا لم يكن مستندا الى القضيّة العقليّة بل كان لعدم المقتضى وان كان القضيّة العقليّة موجودة ايضا فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضيّة العقليّة ومن هذا الباب استصحاب حال العقل المراد به فى اصطلاحهم استصحاب البراءة والنفى وكذلك ما ذكره فى التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب قلت لا تنافى بينهما فانّ ما ذكره فى الاستصحاب هو فى مقام توجيه كلمات الأصحاب من انّ المستصحب عندهم هو عدم التكليف لا الحكم العقلى ولا الشرعى المستند الى الحكم العقلى ولا ينافى ذلك عدم صحّة الاستصحاب من جهة اخرى وهى المقصودة فى المقام من انّه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب التعبّد وقلنا بانّه لا يترتّب عليه ح إلّا اللوازم المجعولة الشرعيّة لا يصحّ الاستصحابات المذكورة قوله (اشبه بالقياس من الاستصحاب فتامّل) الظاهر انّه اشارة الى انّ مع اعتبار الاستصحاب من باب التعبّد والرّجوع الى العرف فى احراز الموضوع وبقائه يمكن القول بانّ العرف يرى بقاء الموضوع فى استصحاب الامر الثابت حال الصّغر ولو مسامحة فتامّل قوله (كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة وفيه ما لا يخفى) لانّ الكلام فيما امكن فيه الاحتياط والمفروض دوران الامر بين الحرمة وغير الوجوب.

قوله (فمن الكتاب طائفتان) استدلال الاخبارى بالكتاب امّا لورود التفسير فى الآيات المذكورة وهو كما ترى مضافا الى انّه استدلال بالخبر وامّا لدعوى نصوصيّتها على ما يظهر من بعضهم من التفصيل بين نصّ الكتاب وظاهره وهى ممنوعة وامّا لالزام الخصم وهذا هو الظاهر ثمّ ان شئت جعلت الكتاب على طوائف الاولى ما دلّ على النّهى عن القول بغير علم الثانية ما دلّ على مطلوبيّة الجهاد كقوله تعالى (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) الثالثة الآيات الأمرة بالتقوى كقوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وغيرهما الرابعة الآية النّاهية عن القاء النّفس فى التّهلكة الخامسة الآية الآمرة بردّ ما تنازعوا فيه الى الله.

قوله (ولا يرد ذلك على اهل الاحتياط) ليس دعواهم مجرّد الترك لاحتمال الحرمة بل انّما يحكمون بوجوب الاحتياط فاذا كان هذا الحكم قولا بعلم من جهة ادلّة الاحتياط كان الحكم بالبراءة ايضا قولا بعلم من جهة ادلّة البراءة وهل هذا الّا مثل قول الاخبارى بالبراءة فى الشبهة الوجوبيّة والموضوعيّة.

٣٢٠