تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

المقام بصيغة المفرد وقد يعبّر عنه بصيغة الجمع والظّاهر أنّ مراد من افرده هو اطلاقه الشائع فى باب الادلّة وهو الّذى عرفت ويحتمل بعيدا ارادة جنس المزيّة القائمة باحد الدليلين المتعارضين بعلاقة السببيّة ومن عبّر بلفظ الجمع فالظاهر انّ مراده هو المزايا الجزئيّة لمنافاة صيغة الجمع لارادة جنسها ولارادة اطلاقه الشائع لانّه فعل المستنبط وهو واحد لا تعدّد فيه نعم يمكن اعتبار تعدّده باعتبار تكثّر موارده فانّ كلّ تقديم فى مورد لمزيّة شخصيّة مغاير للتقديم فى مورد آخر لمزيّة اخرى قوله (وغلّب فى الاصطلاح على تنافى الدليلين) وجه التسمية انّ الدليلين المتعارضين كانّ كلّا منهما يظهر نفسه لصاحبه ويبارزه ليدفعه فيكون اطلاقه عليه من باب المجاز بعلاقة المشابهة ولا يخفى ان ليس الغرض الحصر فيهما بل لمّا كان الغالب من التعارض انّما هو فى الدليلين قيّدوه بذلك وسيجيء مفصّلا تعارض الثلاثة وازيد كما انّ الغرض من التنافى بين المدلولين اعمّ من ان يكون بالمدلول المطابقى او التضمّنى او الالتزامى الشرعى او العقلى فاذا دلّ احد الدليلين على وجوب صلاة الظهر فى يوم الجمعة ودلّ الآخر على وجوب صلاة الجمعة وعلمنا بالدّليل الشرعىّ انّ الواجب احدهما وقع التنافى بينهما بالالتزام الشرعىّ واذا دلّ احدهما على وجوب شيء دلّ على وجوب ما يتوقّف عليه بالدلالة الالتزاميّة العقليّة فاذا دلّ الآخر على عدم وجوب ذلك الامر المتوقّف عليه دلّ على عدم وجوب ذاك الشيء وحينئذ وقع التعارض بين الدليلين بالملازمة العقليّة ثمّ إنّ كلمة التنافى يغنى عن قولهم على وجه التناقض او التضادّ اذ التنافى ينحصر فيهما وليس له فرد آخر وذلك واضح قوله (ولذا ذكروا انّ التعارض تنافى مدلولى الدليلين) ما ذكره قدس‌سره احسن ممّا ذكروه لانّ التعارض عندهم وصف للدليلين لا لمدلوليهما نعم منشأ تعارضهما وتنافيهما انّما هو كون مدلوليهما على وجه يمتنع الجمع بينهما فيلزمه تنافى الدليلين الدالّ عليهما وتدافعهما فالتّدافع وصف قائم بالدليلين ناش عن وصف امتناع الاجتماع الحاصل فى مدلوليهما قوله (ومنه يعلم ان لا تعارض بين الاصول وما يحصّله المجتهد) لا يخفى انّ البحث والنزاع فى المقام انّما هو بعد الفراغ عن ثبوت التعارض بين الدليلين ويكون الكلام فى حكم الكبرى الّا انّه قد يقع الاشتباه فى بعض الموارد من حيث دخوله فى تلك الكبرى وعدمه ولم يتعرّضوا لتحقيق حاله فى بحث خاصّ كما تعرّضوا الخصوص مسئلة اجتماع الامر والنهى وكان المقام مناسبا لبيان ما يتوهّم من التدافع بين الاصول العمليّة ومؤدّى الادلّة الاجتهاديّة قوله (وضابط الحكومة ان يكون احد الدليلين الخ) لا يخفى انّه لا يعتبر فى الحكومة ان يكون احد الدليلين شارحا لفظيّا ومفسّرا للآخر كيف وقد تقدّم فى تعارض الاستصحابين من حكومة السّببى على المسبّبى مع انّ دليلهما واحد وسيجيء ايضا ما يظهر من المصنّف من الحكومة فى ما بين الاصول العقلائيّة مع انّ من الواضح خروجها عن عالم

٦٤١

اللفظ وغرض المصنّف ما هو نتيجة التفسير وكذلك لا يعتبر تقدّم دليل المحكوم فى الورود والتشريع على دليل الحاكم كما هو ظاهر العبارة بل الحكومة هى ان يكون مرجع احد الدليلين الى التصرّف فى الآخر تشريعا سواء كان بالتّصرف فى عقد الوضع بادخال ما يكون خارجا او اخراج ما يكون داخلا ام بالتّصرف فى عقد الحمل قوله (لم يكن مورد للادلّة النافية لحكم الشكّ) لا يخفى انّ ادلّة اعتبار الادلّة الاجتهاديّة باسرها حاكمة على ادلّة اعتبار الاصول العمليّة الشرعيّة كما اختاره قدس‌سره مع انّه ليس شيء منها بحيث لو فرض عدم دليل على اعتبار الاصول الشرعيّة العمليّة لكان خاليا عن الفائدة وبلا مورد بل كان لها فائدة اخرى غير بيان كميّة مدلول ادلّة اعتبار الاصول الشرعيّة العمليّة ايضا وهى ورودها على الاصول العقليّة المحكّمة فى المورد قبل الاصول الشرعيّة فلا تتوهّم انّه قدس‌سره زعم انّ الحاكم لا بدّ ان يكون الغرض منه مجرّد التفسير والبيان لدليل آخر فيكون لغوا وبلا مورد لو لاه بل غرضه كما اشرنا اليه انّ مدار الحكومة على كون الحاكم على وجه يصلح لان يكون بيانا ومفسّرا لدليل آخر على تقدير ذلك الدليل ولو لم يكن الغرض منه تفسير ذلك الدليل نعم اتّصافه فعلا بذلك العنوان يتوقّف على وجوده ثمّ إنّ ما ذكره من لغويّة الدليل النافى للحكم الثابت للشكّ فى النافلة او مع كثرة الشكّ او غير ذلك لو لا الادلّة المبيّنة لحكم الشكّ ففيه أنّ بدون تلك الادلّة وان كان حكم الشكّ منفيّا عن النافلة او مع كثرة الشكّ بحكم العقل بالبراءة عنه كنفيه عن غير تلك الموارد من غير احتياج فى نفيه الى ذلك الدليل لكن ليس كلّما لا يحتاج اليه يكون الاتيان به بلا فائدة اذ ربما يكون له فائدة اخرى غير التفسير والبيان فيحسن الاتيان به كتأييد حكم العقل وتعاضده بالنّقل فى المثال [بقى فى المقام شيء] قوله (والفرق بينه وبين المخصّص) سيجيء آنفا انّ الخاصّ اذا كان نصّا فى الدّلالة فامّا ان يكون قطعيّا من حيث الصدور فيكون واردا على العامّ وامّا ان يكون ظنيّا فيكون حاكما عليه وامّا اذا كان ظاهرا بان كان ظنيّا فى الدّلالة فلا ورود ولا حكومة بل من باب تعارض الظاهرين والفرق الّذى يذكره هنا من انّ كون التّخصيص بيانا للعامّ بحكم العقل هو فى الخاصّ الّذى يكون ظنيّا بحسب الدّلالة ويكون من باب تعارض الظاهرين فلا تغفل قوله (فهو تخصيص فى المعنى بعبارة التفسير) اعلم انّ التخصّص هو خروج الشّيء عن موضوع الدليل تكوينا والورود خروج الشيء عن موضوع الدليل المورود حقيقة لكن لا تكوينا بل بعناية التعبّد بالوارد والتخصيص رفع الحكم عن بعض افراد موضوع العامّ والحكومة تصرّف الدليل الحاكم فى موضوع المحكوم رفعا او وضعا او فى محموله امّا ما كان تصرّفا فى المحمول كادلّة نفى الضّرر على تقدير ما افاده المصنّف فى معنى نفى الضرر فواضح انّه تخصيص فى المعنى وامّا ما كان تصرّفا فى الموضوع كقوله ع لا شكّ لكثير الشكّ بالنّسبة الى الادلّة المتكفّلة لاحكام الشكوك وكادلّة نفى الضّرر على ما رجّحناه من المعنى فحيث انّه لا يرفع الموضوع حقيقة ولو بعناية التعبّد يرجع الى نفى الحكم فيكون تخصيصا فى المعنى فاغتنم ولا تغفل قوله (ثمّ الخاصّ

٦٤٢

ان كان قطعيّا تعيّن طرح عموم العامّ) ليس المخصّص المنفصل موجبا لظهور العامّ فى اختصاص حكمه بغير مورد التخصيص بل العامّ معه ظاهر ايضا فى تعميم الحكم بالنسبة الى الفرد الخاصّ وانّما يقدّم الخاصّ لترجيح ظهوره على ظهور العامّ فالعامّ والخاصّ متعارضان الّا انّ الترجيح للخاصّ فيقدّم على الآخر لذلك وهذا بخلاف الحاكم والمحكوم عليه فانّ المحكوم عليه لا ظهور له فى عموم حكمه بالنّسبة الى مورد الحاكم حتّى يتعارضان بل ظاهر فى اختصاصه بغير ذلك وتظهر الثّمرة بين التخصيص والحكومة فى الدليلين الظاهرين فانّ على تقدير كون احدهما حاكما على الآخر يقدّم عليه ولو كان من اضعف الظّنون المعتبرة ولا يقدّم الأخر عليه اصلا الّا اذا عارض الحاكم وزاحمه قرينة اخرى غير المحكوم عليه فاذا زاحمه امر آخر لوحظ احكام التعارض بينه وبين ذلك الامر لا بينه وبين المحكوم عليه وهذا بخلاف الخاصّ فانّه لا يقضى بمجرّده تقديمه على العامّ بل يدور التقديم مدار رجحان ظهوره على ظهور العامّ وربما يكون ظهور العامّ اقوى من ظهوره فينعكس الأمر والحاصل انّ الحاكم من حيث هو مقدّم على المحكوم عليه كذلك دائما بخلاف الخاصّ فانّه لا يقدّم على العامّ من حيث هو بل مدار الرجحان على الظّهور والسرّ فى ذلك ما عرفت من انّ الحاكم مع ظهوره مفسّر للمحكوم عليه وموجب لظهور المحكوم عليه فى اختصاص الحكم بغير مورد الحاكم فيدور تقديمه عليه مدار بقاء ظهوره من دون توقّف على امر آخر بخلاف الخاصّ فانّه بمجرّد ظهوره لا يوجب صرف العامّ بل مع رجحان ظهور الخاصّ ايضا لا يوجب ذلك بمجرّده صرفه وانّما يوجب ذلك تقديم ظهوره على ظهوره قوله (فى صرف الحاكم عن ظاهره بل يحتاج الى قرينة اخرى) مثلا لو ثبت بخبر الواحد النّهى عن العصير فانّ الدّليل المحكوم وهو اصالة الحلّ لا يصرف هذا النّهى عن ظاهره وهو حرمة العصير بل حمله على الكراهة يحتاج الى قرينة اخرى قوله (ثمّ انّ ما ذكرنا من الورود والحكومة جار فى الاصول اللفظيّة) لا اشكال فى انّها من الادلّة الاجتهاديّة بالنّسبة الى مؤدّياتها الّا انّ اعتبارها انّما هو فى صورة عدم القرينة الصارفة فمع القرينة ان كانت قطعيّة فهى بنفسها رافعة لموضوع تلك الاصول فتكون واردة عليها وان كانت ظنّية من حيث الصّدور فمع نصوصيّتها او اظهريّتها من حيث الدّلالة تكون حاكمة عليها اذ بمقتضى ادلّة اعتبار سند القرينة تكون كمقطوع الصّدور من حيث ايجابها لرفع حكم تلك الاصول واعتبارها فى موردها وان لم يرفع موضوعها وهو عدم العلم بالقرينة وبعبارة اخرى انّ الحكم بصدور ما يكون على تقدير صدوره يقينا قرينة صارفة هو عدم الاعتناء باحتمال عدم صدور القرينة بمعنى انّه رفع الحكم المجعول لذلك الاحتمال عن مورد تلك القرينة المظنونة الصّدور فيكون الحكم بالصّدور تفسيرا لدليل اعتبار الاصل ويكون دليل اعتبار الصدور حاكما على دليل اعتبار ذاك الاصل اللّفظى وان شئت قلت انّ نفس تلك القرائن الظنّية تكون حاكمة على الاصول كما صنعه المصنّف ره قوله (وحاكم عليه اذا كان ظنيّا فى الجملة كالخاصّ الظنىّ السّند)

٦٤٣

لا اشكال فى المراد من العبارة وهو انّه اذا كان نصّا فى الدلالة وكان ظنّيا فى الجملة من جهة اخرى امّا من حيث السّند وامّا من حيث جهة الصّدور ونحوهما وتوهّم أنّ المراد منها هو انّ القرينة حاكمة اذا كانت ظنّية دلالة او سندا او من حيث كليهما معا وانّ قوله كالخاصّ الظنّى السّند يكون من باب المثال فى غير محلّه لانّ القرينة اذا فرضت ظنّية من حيث الدلالة مع القطع بصدورها فلا ريب انّ منشأ الظّن الحاصل انّما يكون ايضا اصلا لفظيّا فيقع التعارض بين اصلين لفظيّين وح أن لم يكن ظهورها اقوى لا يصلح لكونها قرينة صارفة اصلا وان كان اقوى فتقديمه على الظهور الأخر انّما هو لاجل ترجيحه على الآخر بسبب قوّته وقد مرّ فى الفرق بين الحكومة والتخصيص انّ التقديم لاجل الترجيح خارج عن باب الحكومة فانّ الترجيح فرع التعارض وكون كلّ من الدليلين حجّة فى نفسه وتقديم الحاكم على المحكوم عليه لاجل كونه مفسّرا ومبيّنا ولا تعارض بينه اوّلا وبالذّات وبين المحكوم وصدر العبارة فى المقام حيث قال فثبت انّ النّص وارد على اصالة الحقيقة الخ صريح فى المراد قوله (فحالها حال الاصول العقليّة فتامّل) فانّ هذا الاحتمال خلاف التحقيق والحقّ انّ العرف يعملون بالظّاهر عند عدم القرينة الصّارفة لكن احراز عدمها على سبيل القطع لمّا كان مخلّا بامور معاشهم وموجبا للتّعطيل فيها فيكتفون فى احراز عدمها بالتعبّد ويجعلونه طريقا الى عدمها قوله (وان فرض كونه اضعف الظّنون المعتبرة) اى من حيث الصّدور ويدلّ عليه قوله فيما بعد نعم لو فرض الخاصّ ظاهرا ايضا ومن هنا يتّضح ايضا ما مرّ فى دفع ما ربما يوهمه ظاهر العبارة فلا تغفل قوله (فلو كان حجيّة ظهور العامّ غير معلّق) يعنى انّ حجيّة ظهور العامّ مثلا لو لم يكن معلّقة على عدم مخصّص ظنّى الصّدور وبالظنّ المعتبر لكان دليل حجيّة ظهوره مقتضيا لحجيّته ولو مع وجود ذلك المخصّص الظنّى الصّدور وح وقع التّعارض بينه وبين دليل اعتبار ذلك المخصّص وكان كلّ واحد من الظنّين اى الظّن بالمراد الحاصل من العامّ والظّن بالصّدور حجّة تامّة فى نفسه لو لا التّعارض وكان اللّازم فى الأخذ باحدهما من وجود مرجّح له وهو كونه اقوى من الآخر فيؤخذ به ويطرح الآخر ومع عدمه يتكافئان ويتساقطان ومن المعلوم انّه ليس الظّن بالصّدور فى جميع الموارد اقوى من الظّن بارادة العموم من العامّ بل قد يكون الاخير اقوى من الاوّل وقد يكونان متساويين ولازم ذلك هو الأخذ بالعامّ فى مورد يكون الظّن بارادة العموم اقوى وطرح الخاصّ الظنّى الصّدور والتوقّف فى المتساويين مع انّا لم نسمع موردا قدّم فيه ظهور العامّ على صدور الخاصّ حتّى فى صورة اقوائيّة ارادة العموم من الظّن الحاصل بصدور الخاصّ بل يقدّمون الخاصّ الظنّى الصّدور على العامّ الظنّى من حيث الدّلالة مطلقا نعم إذا كان الخاصّ ظنّى الدّلالة ايضا وقع التعارض وكان ذلك بين الدلالتين لا بين دلالة العامّ وسند الخاصّ فانّ العامّ ح لا يزاحم سنده وانّما يزاحم دلالته وح أن كان ظهور العامّ اقوى من ظهور الخاصّ قدّم عليه لترجيح

٦٤٤

ظهوره على ظهوره لا لترجيح ظهوره على سنده ويكشف عن ذلك ايضا انّه على تقدير تقديم العامّ لا يطرح الخاصّ رأسا بحيث يكون وجوده كعدمه بل يصرف عن ظاهره ويحمل على ما هو اقرب المجازات لو امكن ويكون حجّة فى ذلك وواردا على الاصل النّافى له لو كان مخالفا للاصل ومعارضا لما دلّ على نفيه من الادلّة الاجتهاديّة لو كان هناك دليل كذلك قوله (امّا ان يكون لاحدهما مرجّح على الآخر) المراد بالمرجّح المزيّة المعتبرة القائمة باحدهما على ما ستطّلع عليه إن شاء الله الله تعالى لا مطلق المزيّة قوله (وهى انّ الجمع بين الدّليلين مهما امكن اولى من الطّرح) لا بدّ من التنبيه على أمور الأوّل انّ على تقدير صحّة القاعدة يرتفع التّعارض من حيث الصّدور بين الخبرين الظّاهرين ويخرج الخبران عن موضوع مسئلة التّعادل والترجيح ويختصّ مورد المسألة بالنّصين من الخبرين المتعارضين حيث انّ شيئا منهما ليس بقابل للتاويل فى دلالته فقاعدة الجمع لا يكون الّا صغرويّا الثانى انّ الغرض من الجمع بين الخبرين انّما هو الجمع بالبناء على صدور كليهما وفرضهما كمقطوعى الصّدور ومن الطّرح هو البناء على عدم صدور احدهما والأخذ بسند الأخر ودلالته امّا لمرجّح او من باب التخيير الثالث انّ محلّ الكلام فى هذه القاعدة انّما هو فى الخبرين الظاهرين من حيث الدّلالة وامّا اذا كان احدهما نصّا او اظهر او كان كلاهما نصّين فالمتعيّن فى الصّورتين هو الجمع والتصرّف فى دلالة الظّاهر وفى الصّورة الاخيرة هو طرح احدهما المعيّن ان كان للآخر مرجّح وقلنا بوجوب الأخذ به والّا فيؤخذ باحدهما تخييرا الرابع انّ الغرض من الاولويّة هنا انّما هو التعيين لا الرّجحان المطلق قوله (تارة بانّ الاصل فى الدليلين الاعمال) استدلّ به الشهيد الثّانى فى تمهيد القواعد والاخرى للعلّامة فى النّهاية قوله (ولا ريب انّ التعبّد بصدور احدهما المعيّن) بيان ذلك انّ مقتضى الاصل كما ستعرفه بناء على اعتبار الاخبار من باب الطريقيّة وان كان هو سقوط المتعارضين منها عن الحجيّة وعدم كون شيء منها حجّة فعلا فى مؤدّاه الّا انّه لمّا قام الاجماع ودلّ اخبار العلاج على عدم سقوط المتعارضين كليهما عن الحجيّة فى مؤدّاهما فلا مناص عن الأخذ باحد الخبرين المتعارضين ومن المعلوم انّ الّذى وجب الاخذ به منهما لا يعقل ان يزاحم سنده سند الآخر بل التّزاحم انّما يقع بين ظاهر ذلك المتيقّن الأخذ به وسند الأخر لدوران الامر بين التصرّف فى ظاهره والأخذ بسند الآخر ودلالته او طرح سند الآخر وظاهر الآخر لا يزاحم ظاهره لعدم صلاحيّته لذلك فانّ ادلّة اعتبار الظواهر انّما يقتضى ذلك بعد الفراغ عن سندها والمفروض فى المقام عدم احرازه بعد فلا يكون طرحه مع الشكّ فى صدور متنه مخالفا لذلك الدليل حتّى يقع التّعارض والتزاحم بينه وبين ظهور ذلك المتيقّن الاخذ به وبالجملة ذلك الدليل انّما يشمل ظهور ذلك الواحد المتيقّن الاخذ به دون ظهور الآخر فيقع التّعارض حقيقة بين ذلك الدليل ودليل اعتبار سند

٦٤٥

الآخر ولا ترجيح للثانى فيكون اختياره ترجيحا بلا مرجّح هذا ولكن فى المقام اشكال ذكره المصنّف واجاب عنه وهو انّ مقتضى القاعدة لزوم الاخذ بالسندين والتصرّف فى ظاهر احدهما او كليهما لانّ الشكّ فى جواز التّاويل والتصرّف كذلك ناش عن الشكّ فى صدور كليهما ومسبّب عنه وعليه يكون دليل اعتبار سند ما عدا المتيقّن الاخذ به حاكما على دليل اعتبار ظهور المتيقّن الأخذ به فيكونان كمقطوعى الصّدور ولا بدّ من التصرّف دون الطرح وانتظر لتمام الكلام قوله (وفيما نحن فيه يكون وجوب التعبّد بالظّاهر مزاحما لوجوب التعبّد بالسّند) فانّ دليل حجيّته والتعبّد بصدوره لا يجعله كمقطوع الصّدور بعنوان انّه مقطوع بل يجعله كمقطوع الصّدور فى ترتّب الآثار الشرعيّة وفى المقيس عليه عدم المزاحمة بين السّند والظّهور انّما هو بحكم العقل حيث لاحظ عنوان انّه معلوم ودليل التعبّد بالسّند فى المقام حيث نزّل المشكوك منزلة المقطوع لا يمكن ان يكون تنزيله شاملا لما يترتّب عقلا على عنوان القطع فيكون دليل التعبّد بظاهر الآخر مزاحما قوله (والممكن من هذه الامور الاربعة اثنان) والاربعة احدها الأخذ بالسّندين وطرح الظّاهرين ثانيها طرح السندين معا ثالثها الأخذ بالسندين وابقاء الظاهرين رابعها الأخذ بسند وظاهر وطرح سند والممكن منها هو الاوّل والأخر قوله (لانّ الشكّ فيهما مسبّب عن ثالث فيتعارضان) توضيح ذلك انّ الشكّ فيهما مسبّب عن العلم الاجمالى بعدم صدور المتنافيين واقعا عن الشّارع ولنا فيما اجاب به من الاشكال من الفرق وفساد القياس نظر بل منع ولا بأس بتقرير جوابه ببيان او فى ثمّ التعرّض لما يخطر بالبال فى هذا المجال فنقول انّه قدس‌سره منع من كون الشكّ فى التاويل مسبّبا عن الشكّ فى الصّدور وابدى الفرق بين المقيس والمقيس عليه بانّ فى المقيس يدور الامر بين امور اربعة والشكّ فى كلّ من تلك الامور غير مسبّب عن شيء من البواقى حتّى يكون النافى للشكّ فيه والمزيل له نافيا لهذا الشكّ ايضا بل لو قام دليل على نفى واحد منها انحصر الاحتمال والشكّ فى البواقى وكذلك حتّى لو قام على نفى ثلاث تعيّن الأخذ بالواحد الباقى لانّ انتفاء احد طرفى المنفصلة المانعة الخلوّ مستلزم لثبوت الطرف الأخر ولمّا كان الامر الثانى غير ممكن شرعا لقيام الاجماع والاخبار المتواترة العلاجيّة بحجيّة احدهما والامر الثالث غير ممكن عقلا والّا لم يكونا متعارضين فيبقى الامرين الآخرين ولا ترجيح لاحدهما على الآخر كما ان فى المقيس عليه ايضا يدور الأمر بين هذه الأمور الاربعة والثّانى والثّالث غير ممكنين كما انّ الرّابع ايضا فيه غير ممكن ولذلك ينحصر الأمر فيه فى الأمر الاوّل فالّذى الجأنا فى المقيس عليه الى ارتكاب التاويل هو انحصار الأمر فيه وهذا بخلاف المقيس فالملازمة ثابتة بين التاويل والقطع بالسندين لانحصار الامر فيه ولا ملازمة بين واقع السّندين والتّاويل حتّى يكون دليل اعتبار السّندين فى المقيس منزّلا للمؤدّى منزلة الواقع فى لزوم التّاويل وبعبارة اخرى مجرّد صدور الخبرين المتعارضين فى الواقع مع قطع النظر عن العلم به غير مستلزم للالتزام بالتاويل وانّما المستلزم لهذا هو القطع بصدورهما وامّا بيان النّظر

٦٤٦

فهو انّ الظّاهر عدم الملازمة بين نفس القطع والتاويل بل الملازمة انّما هى بين صدور الخبرين واقعا ولزوم التصرّف والتّاويل وعدم انفكاك القطع عنه من جهة انّه طريق الى الملزوم وكاشف عنه فمع انكشاف الملزوم باىّ طريق كان يترتّب عليه اللّازم سواء كان ذلك الطّريق عقليّا كالقطع او شرعيّا كادلّة اعتبار السّند ويكشف عن ذلك انّه لو فرضنا القضيّة لوجدنا الملازمة بين نفس الصدورين والتّاويل فى الدّلالة ولذا ترى انّ قول القائل الخبر ان الصّادر ان يجب التّاويل فيهما صادق من غير حاجة الى توسيط صفة القطع ومن دون مسامحة وارتكاب تجوّز نعم ترتيب هذا اللازم عليه فى الظّاهر يتوقّف على احراز ملزومه باحد الطّرق فيكون الشكّ فى التاويل مسبّبا عن الشكّ فى صدور كليهما واقعا وبعد اثبات اعتبار صدورهما يرتفع الشكّ فى لزوم التّاويل ويتعيّن الأخذ به كصورة القطع بصدورهما ويدلّ على ما ذكرنا عدم الفرق فى الخبر الّذى يجب الأخذ به والبناء على صدوره بين ما كان واحدا معيّنا كما اذا تعارض آية او رواية متواترة مع خبر واحد ظنّى السّند بظنّ معتبر وما كان واحدا مخيّرا كما فى المقام من حيث دوران الامر فى الاوّل ايضا بين الأخذ بظاهر ذلك الّذى لا بدّ من الالتزام بصدوره والأخذ بسند الأخر والتّاويل فيهما او فى ذلك الّذى يجب الالتزام بصدوره فان لم يكن الشكّ فى التّاويل مسبّبا عن الشكّ فى صدور الأخر صحّ عدم التّاويل فى المقامين وان كان مسبّبا عنه فلا بدّ منه فى كليهما مع انّه لم يتوقّف احد فيما اعلم فى اختيار التاويل على الطرح فى القسم الاوّل حتّى المصنّف فانّ جواز تخصيص الكتاب والخبر المتواتر بالخبر الواحد ممّا لم نقف فيه على مخالف فلا مناص عنه فى القسم الثانى ايضا الّذى هو محلّ الكلام فإن قيل الكلام فى المقام انّما هو فى الظاهرين وتخصيص الكتاب او السنّة المتواترة باخبار الآحاد انّما هو فيما اذا كان الخبر المخالف لهما نصّا او أظهر قيل المناط فى المقامين واحد فانّ الشكّ فى التاويل فى ظاهر الكتاب والسنّة المتواترة ان لم يكن مسبّبا عن الشكّ فى صدور المخصّص فلا وجه للأخذ به واختيار التّاويل وان كان مسبّبا عنه وكان هو الوجه لاختيار التاويل على طرح المخصّص فلا فرق بين المقامين نعم بينهما فرق وهو انّ التّاويل على تقديره ثمّة انّما هو بالنّسبة الى واحد معيّن وهو الكتاب او السنّة المتواترة وفيما نحن فيه فى الواحد الغير المعيّن او فى كليهما ومن هنا ظهر ايضا ضعف ابطاله قدس‌سره لقياس ما نحن فيه بالنّص الظنّى السّند مع الظاهر ومثاله الخبر الواحد النّص مع عموم الكتاب او السنّة المتواترة والعجب أنّه صرّح فى بيان حكومة الادلّة على الاصول الظنّية اللفظيّة بانّ الظّاهر انّ دليل حجيّة الظّن الحاصل بارادة الحقيقة مقيّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر على خلافه ومع ذلك انكر فيما نحن فيه كون الشكّ فى التاويل مسبّبا عن الشكّ فى صدور ما عدا الواحد المتيقّن الأخذ به وكون دليل اعتبار الصّدور مزيلا للشكّ فيه فانّ مراده بالظنّ المعتبر على خلاف الظّن بارادة الحقيقة كما عرفت سابقا هو الظّن بالصّدور ومن المعلوم انّ ذلك على تقدير ثبوته جار فى جميع الظّواهر وبالنّسبة الى كافة الأسناد

٦٤٧

والحاصل انّه لو لا لزوم الهرج فى الفقه على تقدير اهمال الرّجحان فى المتعارضين ولو لا قيام النّص والاجماع لكان القول بتقديم الجمع على الطّرح على مقتضى القاعدة إلّا أنّ تلك الادلّة اخرج الظاهرين عن هذه القاعدة واختصّ العمل بها بما اذا كان ظاهر قطعى الصّدور مع نصّ ظنّى الصّدور او اظهر كذلك نعم ربما يوهن كون الجمع على طبق القاعدة تحيّر الصّحابة فى الخبرين المتعارضين من حيث كيفيّة العمل بهما الدّاعى لهم الى السّئوال فانّه لو كان الجمع مقتضى القاعدة لكانت القاعدة مركوزة فى اذهانهم ايضا فانّها على تقدير اعتبارها متّخذة من بناء العرف والعقلاء وقد كانوا منهم ولم يكن لهم تحيّر حينئذ لكونها رافعة له على تقدير اعتبارها الّا ان يدّعى انّ تحيّرهم وسؤالهم انّما هو فيما اذا كان المتعارضان نصّين فى مؤدّيهما بان يقال انّ مرادهم من قولهم يجيئنا خبران احدهما يأمرنا والآخر ينهانا انّما هو الخبران النّصان فى الامر والنّهى لا مطلق ما يدلّ عليهما لكنّه بعيد فانّ الامر والنّهى وان كانا موضوعين لطلب الفعل حتما واقعا او طلب تركه كذلك الّا انّ الظواهر اللفظيّة مبيّنة لهما ويقال لما يكون ظاهرا فى طلب الفعل حتما انّه امر ولما يكون ظاهرا فى طلب تركه انّه نهى فت وأبعد من ذلك كون التصرّف فى ظاهر الخطاب المقطوع الصّدور بالنّص الظنّى الصدور او بالاظهر كذلك الّذى لا اشكال عندهم فى جوازه على خلاف القاعدة وانّه لدليل خاصّ مخرج له عن كليّة عدم جواز تقديم الصدور على ظاهر المتيقّن الأخذ به اذ قد عرفت انّه مع ما نحن فيه من باب واحد مع انّا نقطع انّه بمقتضى القاعدة الاوليّة لا انّ مقتضاها عدم جواز تقديم الصدور والجواز هناك لدليل خاصّ قائم على خلافها فحينئذ لا بدّ من الالتزام بكون مورد التحيّر فى الاسئلة الواردة فى الاخبار العلاجيّة هو النصّان او يدّعى انّ تحيّرهم لم يكن لاجل عدم ثبوت قاعدة اولويّة الجمع عندهم وارتكازها فى اذهانهم بل لاجل انّهم كانوا يحتملون عدم امضاء الشارع لتلك القاعدة كما لم يمض كثيرا من القواعد المقرّرة عندهم قبل الشرع الا ترى أنّ مقتضى القاعدة الثانية عند العرف هو التوقّف فى تعارض النصّين مع ظنّية صدورهما او قطعيّته مع انّ الشارع جعل فى هذا المورد قاعدة اخرى وهى التخيير اذا لم يكن لاحدهما مرجّح وترجيح احدهما اذا كان له مرجّح فحينئذ لا مانع من تعميم السّئوال فى تلك الاخبار بالنّسبة الى الظاهرين من الخبرين المتعارضين ولكنّ الانصاف انّ العرف يتوقّفون فى تعارض الظاهرين بالنّسبة الى مؤدّى كلّ منهما بالخصوص ويعملون فيه بمقتضى الاصول المقرّرة لصورة عدم الدليل وذلك من غير فرق عندهم بين ما يتوقّف الجمع بين الظاهرين على التّاويل فى احدهما الغير المعيّن بان لم يكن احدهما اظهر وما يتوقّف الجمع بينهما على التاويل فى كليهما فما ذكره المصنّف ره من منع القاعدة فى نفسها هو الصّواب الّذى لا محيص عنه لكنّ النظر انّما هو فى التعليل السّابق قوله (لأنّ من آثار التعبّد به رفع اليد عن ذلك) وذلك من جهة صلاحيّة نصوصيّة النّص وكذلك اظهريّة الأظهر لصارفيّة الظاهر عن ظهوره وقابليّته للقرينيّة فى نفسه وامّا فى المقام فسند

٦٤٨

احدهما مع ظهور الآخر فى مرتبة واحدة هذا مراده طاب ثراه وقد علمت ما فيه قوله (بل الظاهر هو الطرح) الظّاهر انّه مرتبط باوّل الكلام فانّه ابطل اوّلا دليل الجمع بالدوران الّذى عرفته ثمّ شرع فى ابطال المقايسة بما ذكر ورجع الى اصل الكلام بقوله بخلاف ما نحن فيه فانّا اذا طرحنا الخ ثمّ اجاب ثانيا عن دليل الجمع بقوله بل الظاهر هو الطّرح لانّ المرجع الخ وبعبارة اخرى كان الاوّل بيانا لعدم الدليل على اولويّة الجمع والثانى دليل على اولويّة الطرح على الجمع والاوّل انّما هو بالنّظر الى دليل السّند والظهور والثانى بالنّظر الى الدليل الخارجى قوله (ويؤيّده قوله اخيرا فاذا لم تتمكّن من ذلك) فانّ مورد عدم التمكّن الفعلى فى غاية الندرة ومنحصر فى النّصين ومن المعلوم انّ تعارض النصوص فى اخبار اهل بيت العصمة سلام الله عليهم فى غاية الندرة والشّذوذ ولا يمكن حمل الاخبار العلاجيّة عليه مع انّ اهتمام الصحابة فى السؤال يأبى عن ذلك اذ لا معنى لكثرة الاهتمام بهذه المرتبة فى السؤال والاستعلام عن حكم مورد نادر غاية الندرة فلا بدّ من حملها على مورد عدم التمكّن العرفىّ فانّه كثير يقتضى كثرة السؤال فارجاع صاحب الغوالى صورة عدم التمكّن من التاويل الى الاخبار العلاجيّة يشعر بانّ مراده ممّا ادّعى عليه الاجماع هو التمكّن العرفى ومن عدم التمكّن مورد تلك الاخبار وهو عدمه عرفا قوله (ولو خصّ المثال بالصّورة الثّانية لم يرد عليه ما ذكره المحقّق القمّى) قال فى القوانين بعد نقل التفريع المذكور عن الشهيد يمكن العلاج فى ذلك التفريع لامكان استناد التنصيف الى ترجيح بيّنة الداخل فيعطى كلّ منهما ما فى يده بترجيح او بيّنة الخارج فيعطى كلّ منهما ما فى يد الأخر اذ دخول اليد وخروجها اعمّ من الحقيقى والاعتباري ويمكن استناده الى التعارض والتّساقط والتحالف فينصف بعد التحالف فيجرى مجرى ما لو ثبت يداهما عليها ولم يكن هناك بيّنة كما هو المشهور انتهى ولا يخفى انّ كلامه صريح فى انّ اشكاله على تفريع الشّهيد انّما هو فى الصورة الاولى وهى محطّ نظره فى امكان احد العلاجين امّا الاوّل فواضح وامّا الثانى فلشهادة قوله فيجرى مجرى ما لو ثبت يداهما عليها ولم يكن هناك بيّنة وأمّا مناقشة المصنّف فى الصورة الثانية فهو امكان كون التنصيف فيها من جهة تساقط البيّنتين وعدم المناص عن التنصيف لا من جهة الجمع بين البيّنتين قوله (وفى مثل تعارض البيّنات لمّا لم يمكن ذلك) اعلم انّ الفرق بين المقام وادلّة الاحكام بالنّظر الى العمل بقاعدة الجمع على تقدير اعتبارها انّ وجه العمل بها فى البيّنات منحصر فى التبعيض فيما قامت عليه من الحقوق اذا كانت تلك الحقوق ممّا يمكن فيه التبعيض كالدار ونحوها وامّا اذا كانت ممّا لا يمكن فيه ذلك كالنّسب ونحوه فلا بدّ حينئذ من الأخذ بالراجحة من البيّنتين والعمل على طبقها وطرح الاخرى اذا كان لاحدهما مرجّح والّا فالتساقط بالنّسبة الى خصوص مؤدّى كلّ منهما والرّجوع الى القواعد الأخر غير التخيير لاختصاصه بالتّعارض بين الخبرين وهذا بخلاف الاخبار فانّ وجه العمل

٦٤٩

بها فيها منحصر فى التصرّف فى دلالة المتعارضين منها مع التصديق والتعبّد بصدور كليهما اذا امكن التصرّف فى دلالتهما كما اذا كانا ظاهرين ومع عدم الامكان يرجع ح إلى قاعدة التعادل والتراجيح المستفادة من الاخبار العلاجيّة فان كان لاحدهما مرجّح معتبر يؤخذ به ويطرح الآخر والّا فيتخيّر بينهما وكيفيّة التصرّف فى الدلالة هى انّ المدلول المستفاد ممّا يراد التصرّف فيه ان كان مطلبا وحدانيّا غير قابل للتبعيض اصلا فلا بدّ من طرحه رأسا وحمل الخطاب على غير ذلك المدلول وان كان مطالب عديدة فالتصرّف فيه ح هو طرحه بالنّسبة الى بعض تلك المطالب وقصر الخطاب على الباقى وذلك كما اذا كان الخطاب من العمومات فانّ العامّ ينحلّ الى احكام متعدّدة مستقلّة وكذا المطلقات وهذا النحو من التصرّف يشبه النقص فى متعلّق البيّنات والسرّ فى هذا الفرق انّ البيّنتين المتعارضتين انّما تكونان كالنّصين المتعارضين غير قابلتين للتاويل فى دلالتهما والّا لم تكونا متعارضتين فالمتعيّن هو عدم العمل بشيء منهما اذا لم تكن إحداهما راجحة والرّجوع الى القواعد المقرّرة لصورة تداعى الشخصين مع عدم بيّنة لاحدهما فينحصر الجمع بينهما فى التّبعيض فى تصديق كلّ منهما فيصدّق كلّ فى بعض ما قامت عليه وأمّا الخبر ان المتعارضان فالعمل فيهما بقاعدة الجمع على تقدير اعتبارها ممّا يمكن فى مقام الدّلالة كما اذا كانا ظاهرين فى مؤدّيهما فانّ التاويل فى الظاهر امر ممكن بل ينحصر وجه الجمع فى ذلك اذ لا يعقل التّبعيض فى تصديق كلّ من الخبرين بالنّسبة الى الصّدور اذ لا يعقل تعبّد الشارع لنا بالبناء على صدور نصف الكلام الّذى يحكيه النّاقل عن المعصوم ع وهل هذا الّا سفه وعبث لعدم ترتّب فائدة على نصف الكلام الواحد فانّه لا يفيد حكما ومعنى التعبّد بصدور ما يشكّ فى صدوره هو ايجاب البناء على صدوره وترتيب مؤدّاه عليه والتديّن به فى مرحلة الظاهر فاذا لم يكن له مؤدّى لغى التعبّد بصدوره قوله (فى انّ قيمة كلّ نصف منه منضمّا الى نصفه الأخر نصف القيمة) اى من الصّحيح والمعيب وكذا نصدّق الأخر فى النصف الأخر من الصحيح والمعيب والغرض من قوله منضمّا هو الاشارة الى اخذ النّصف مقيّدا بالانضمام لا مطلقا لتفاوت قيمة النّصف بحسب اختلاف الحالتين كاحد مصراعى الباب فاذا قال احدهما بانّها عشرة صحيحا ومعيبا ثمانية وقال الأخر بانّها اثنى عشر صحيحا وعشرة معيبا وصدّق كلّ منهما فى نصف القيمة صحيحا ومعيبا تكون قيمته صحيحا احد عشر ومعيبا تسعة وبتلك النّسبة يؤخذ التفاوت من الثّمن وهو المسمّى بالأرش قوله (سواء كانا نصّين بحيث لا يمكن التجوّز فى احدهما) فيه ما مرّ من انّ اعتبار تلك القاعدة على القول به مختصّ بصورة امكان التاويل هذا مع انّ ما ذكره فى وجه المنع من التبعيض فى ترتيب الآثار فى تلك الصورة من لزوم المخالفة القطعيّة لا يستقيم لاختصاصه بما اذا كان كلّ من النصّين متضمّنا لحكم الزامىّ وكان احدهما مقطوع الصّدور وكان صدوره من جهة بيان الحكم الواقعى وظاهر انّ مجرّد كونهما نصّين اعمّ من ذلك نعم يتمّ ما ذكره قدس‌سره بناء على كون حجيّة الاخبار من باب السّببية اذ عليه يجب

٦٥٠

يجب العمل باحد الخبرين المتعارضين مع قطع النظر عن الواقع وعليه اى على كون حجيّتها على السببيّة لا يتمّ الوجه ايضا على الاطلاق فانّ السببيّة يقتضى ما ذكر اذا كان احد المتعارضين متضمّنا لحكم تكليفىّ كما لا يخفى ومن المعلوم انّ المصنّف لا يقول بحجيّتها على وجه السببيّة.

قوله (قد يقال بل قيل انّ الاصل فى المتعارضين) المراد بهما هو المتكافئان لا مطلق المتعارضين قوله (بل هو عنوان منتزع منها غير محكوم عليه) الوجه فى عدم كونه محكوما عليه بحكم نفس المشخّصات انّه فى الحقيقة راجع الى ما ينتزع منه وهو احد تلك المشخّصات فهو فى الحقيقة واحد منها وليس فردا آخر ورائها والمفروض الحكم بكلّ من المشخّصات بالوجوب العينى فلو حكم عليه ايضا بالوجوب العينى لزم اجتماع حكمين متماثلين فى مورد واحد وهو احد تلك المشخّصات ولا بأس بتوضيح الحال فى هذا المجال فنقول انّ منشأ التعارض بين الخبرين بل كلّ دليلين وامارتين بناء على اعتبار الاخبار او مطلق الادلّة والامارات من باب السببيّة منحصر فى عجز المكلّف من الجمع بين الخبرين او الدّليلين بحيث لو فرض محالا جمعه بينهما فى مقام العمل لكان ذلك مطلوبا فان سلوك الطريق بمعنى ايقاع العمل على طبقه على هذا التقدير يكون واجبا نفسيّا وان لم يكن فى الواقع وجوب اصلا فيكون حاله حال سائر الواجبات النفسيّة من حيث توقّف تحقّق التزاحم بين اثنين منها او ازيد على عدم امكان امتثالهما فيتوقّف التعارض بين الطريقين ح على عجز المكلّف عن ايقاع العمل على طبق كليهما معاو لا ريب انّ عجزه عن ذلك مختصّ بما اذا كان مؤدّى احدهما الوجوب العينى ومؤدّى الأخر الحرمة كذلك وامّا فى غير هذه الصّورة فلا وذلك لانّه اذا كان مؤدّى كليهما احد الاحكام الخمسة بان يكون مؤدّى كلّ منهما هو الوجوب او الحرمة او غيرهما كان كلّ منهما مؤكّدا للآخر غير مقتض لخلاف ما يقتضيه الآخر من السلوك مع أنّه إذا كان الحكم المدلول عليه بهما غير الوجوب والحرمة فلا يلزم الامتثال لانّه اذا كان هو الاستحباب او الكراهة فانّهما وان كانا مقتضيين للامتثال لكنّهما غير مقتضيين لتحتّمه اذ السّلوك المأمور به على التقدير المذكور انّما هو السّلوك على طبق الطريق على الوجه الّذى يستفاد منه لا وجوب ايقاع العمل على طبقه مطلقا ومن المعلوم انّ الاستحباب والكراهة لا يقتضيان ذلك واذا كان هو الاباحة فعدم الامتثال واضح فانّها غير مقتضية لاصل ايجاد العمل فكيف بتحتّم الامتثال واذا كان مؤدّى كلّ منهما حكما مغايرا لمؤدّى الأخر مع عدم كون احد الحكمين الوجوب العينى والأخر الحرمة كذلك فلأنّ احدهما لا محالة لا يقتضى تحتّم الامتثال والمتحتّم عليه فيما اذا كان احدهما مقتضيا لتحتّم الامتثال كما اذا كان مؤدّى احدهما فقط هو الوجوب العينى ليس الّا امتثال أحدهما فظهر أنّ التعارض بين الخبرين بناء على اعتبار الاخبار من باب السببيّة انّما يتحقّق فى صورة واحدة وهو كون مؤدّى احدهما الوجوب العينى ومؤدّى الأخر الحرمة كذلك وهذا بناء على القول بكونها اسبابا لوجوب تطبيق العمل عليها مطلقا وامّا على القول بكونها اسبابا لوجوب العمل

٦٥١

عليها على وجه التديّن بها بان يكون الاستناد فى العمل اليها كما هو حقيقة السّلوك على طبقها فالتّعارض متحقّق بينهما فى جميع صور مخالفة مؤدّى احدهما لمؤدّى الآخر لعدم امكان الاستناد فى فعل واحد الى كلّ واحد منهما كما لا يخفى وأمّا منشأ التّعارض بينهما كغيرهما من مطلق الدّليلين او الامارتين بناء على اعتبار الاخبار والادلّة من باب الطريقيّة المحضة كما هو ظاهر ادلّة اعتبار مطلق الطّرق انّما هو التكاذب بينهما لعدم امكان صدقهما بحسب الواقع فعلى هذا التقدير يتحقّق التعارض بينهما بمخالفة مؤدّى احدهما لمؤدّى الآخر باىّ نحو كانت ولو مع تمكّن المكلّف من الجمع بينهما فى العمل فمورد التّعارض على التّقدير الثّانى اعمّ منه على التّقدير الاوّل اذا عرفت ذلك فاعلم انّ ادلّة حجيّة الاخبار لا تشمل صورة التّعارض والسرّ فيه انّ مفاد تلك الادلّة انّما هو اعتبار كلّ واحد من خصوصيّات الاخبار عينا وهذا غير معقول بالنّسبة الى صورة تعارضها امّا على السببيّة فواضح لاستلزامه التكليف بما لا يطاق كما لا يخفى وامّا على الطريقيّة فلانّ معنى جعل الطّرق الغير العلميّة هو ايجاب التديّن بها واستناد العمل اليها فى مرحلة الظاهر ومفاد ادلّة اعتبار الاخبار على هذا التّقدير انّما هو ذلك ويعتبر فى الطّرق المجعولة عدم العلم بكذبها لا محالة فما علم كذبه ولو اجمالا لم يرد الشّارع التديّن به بل لا اشكال فى حرمته وكلّ واحد من الطّريقين المتعارضين وان كان جامعا لشرائط الحجيّة والاعتبار بالفرض والّا لم يكونا متعارضين لكن ايجاب العمل بهما فى مورد التّعارض يوجب الرخصة فى التديّن بما علم كذبه فيما بينهما مع انّ التديّن به حرام بل الرّخصة فى العمل بهما معا مستلزمة لما ذكر فلو كان معنى حجيّة الطّرق هو مجرّد الرخصة فى العمل بها لا ايجابه لزم ذلك المحذور ايضا فيمتنع حجيّة كلّ واحد من المتعارضين فعلا وايجاب العمل باحدهما تعيينا او تخييرا وان كان أمرا جائزا لكونه غير مستلزم لما عرفت الّا انّ نفس ادلّة اعتبار الطرق لا تصلح لافادة ذلك اذا المفروض انّ مفادها اعتبار كلّ منهما عينا نعم يمكن ذلك بدليل آخر لكنّه خارج عن محلّ الكلام والحاصل انّ صورة التّعارض غير قابلة للدّخول فى مدلول تلك الادلّة على التّقدير الثّانى مع فرض ارادة وجوب العمل بكلّ من خصوصيّات الاخبار على التعيين من تلك الأدلّة نعم سيأتى بيان امكان استفادة حكمها من نفس تلك الادلّة على التّقدير الاوّل ثمّ انّه كما لا يمكن شمول ادلّة اعتبار الاخبار بل مطلق الطّرق والامارات على وجه التّعيين لصورة التّعارض كما عرفت كذلك لا يعقل تقييد أدلّة الاعتبار بغير تلك الصورة على كلّ من الوجهين المتقدّمين فى كيفيّة اعتبارها وذلك لوجهين أحدهما لزوم السّفه على تقديره اذ فائدته اخراج تلك الصّورة عن تلك الادلّة والمفروض عدم شمولها لها بنفسها فيكون تحصيلا للحاصل وثانيهما امتناعه فى نفسه مع قطع النظر عن كونه سفها فانّ التّعارض بين الطّريقين ليس بالنّسبة الى ذاتيهما ضرورة امكان اجتماع ذاتيهما بالنّسبة الى وجوب العمل باحدهما وذات الأخر لدخولهما حينئذ فى المانع والممنوع بل التعارض انّما هو بالنّسبة الى وجوبيهما بمعنى انّ التّدافع حقيقة بين وجوب العمل بكلّ واحد منهما معتبر فى تحقّق معارضته للآخر فانّ غير واجب العمل منهما لا يزاحم ما وجب العمل به منهما وح يلزم من اعتبار تقييد وجوب العمل بكلّ منهما بالنّسبة الى صورة التّعارض

٦٥٢

اخذ وجوب العمل موضوعا لنفسه بالنّسبة الى كلّ منهما لما عرفت من انّ عنوان التّعارض لا يتحقّق بواحد منهما الّا مع فرض وجوب العمل به وهذا دور ظاهر ولا فرق فى ذلك بين ما كان الدّليل على وجوب العمل بكلّ منهما واحدا او متعدّدا بان يكون دليل وجوب العمل باحدهما غير دليل وجوب العمل بالآخر اذ على الثانى ايضا يلزم اخذ الحكم المستفاد من كلّ دليل موضوعا لنفسه ومن هنا ظهر امتناع هذا التقييد ولو فى ضمن خطابين فانّ غاية ما يترتّب على تعدّد الخطاب هو كون احدهما قرينة على انّ الشّارع لاحظ هذا التقييد فى حكمه والمفروض امتناع ذلك فالقرينة عليه لا يصيّره ممكنا وبذلك يفرّق بين هذا التّقييد والتّقييد بقصد القربة حيث انّه يمكن مع تعدّد الخطاب وان كان فيه محذور آخر وتوضيح الفرق انّ الموضوع للخطاب الثّانى هناك انّما هو الخطاب الاوّل بخلاف المقام فانّ الخطاب الثّانى على تقديره ليس الّا على وجه القرينيّة والكشف عن تقييد الاوّل فى نفسه وليس مقيّدا لحكم آخر معلّق على الخطاب الاوّل ثمّ إنّ هذا الاشكال لا يختصّ بالخبرين بل يجرى فى المتزاحمين من الواجبات النفسيّة فانّ التّدافع بينهما ايضا انّما هو بين وجوب كلّ منهما عينا ووجوب الآخر كذلك ولا فرق ايضا بين ان يكون المتزاحمان مندرجين فى عنوان واحد بمعنى كونهما فردين من عنوان واجب كانقاذ غريقين او فى عنوانين كانقاذ غريق واطفاء حريق لعين ما مرّ فى الخبرين ثمّ إنّ حكم الطريقين المتعارضين لو كان مجرّد جواز العمل لا يمكن ثبوته لهما فى صورة التّعارض ايضا فلا يعقل اطلاقه بالنّسبة الى هذه الصّورة كما قد اشرنا اليه وكذلك لا يعقل التّقييد بصورة التّعارض لعين ما مرّ قوله (لكن ما ذكره من الفرق بين الاجماع والدّليل اللفظىّ لا محصّل له) غرضه قدس‌سره ما اشرنا اليه فيما سبق من انّ التعارض لا يتحقّق بين الدّليلين الّا اذا كان كلّ واحد منهما حجّة فى نفسه وجامعا لشرائط الحجيّة كذلك بحيث لا مانع من وجوب العمل بكلّ واحد منهما على سبيل التّعيين الّا وجوب الأخر كذلك اذ لو لم يكن شيء منهما حجّة فى نفسه لم يزاحم شيء منهما الأخر اصلا اذ لا يزيد شيء منهما حينئذ على نفسه بالنّسبة الى غير صورة التّعارض وعلى هذا فيمتنع تخصيص الحجيّة بغير صورة التّعارض واذا قيّد الدليل حجيّة احد الدليلين ووجوب العمل به بعدم وجود الدليل الأخر كانا حينئذ من باب المانع والممنوع لا من باب التّعارض وكان الحكم حينئذ العمل بالمانع اذا كان حجّة والّا فالغاء كليهما وهذا لا فرق فيه بين الاجماع وغيره اذ على تقدير كون الدّليل على اعتبار الاخبار هو الاجماع لا يتحقّق التّعارض بين دليلين الّا بقياس كلّ منهما على حجيّته فى حدّ نفسه وبالجملة بعد فرض كون الخبرين متعارضين لا معنى لذلك التفصيل بوجه وعدم التّعارض ليس من شرائط الحجيّة بل من شرائط العمل مط وهذا هو الوجه فى انّه لم يعدّه احد من شرائط الحجيّة بل عدّوه من شرائط العمل مع انّه لو فرض كونه من شرائط الحجيّة كان كلّ من المتعارضين مانعا من حجيّة الآخر فيكون كلّ منهما مانعا وممنوعا من غير فرق بين ان يكون الدّليل على الحجيّة من الادلّة اللفظيّة او اللبيّة قوله (فنقول انّ الحكم بوجوب الاخذ باحد المتعارضين فى الجملة) لا يخفى انّ للكلام مقامين الاوّل فى تاسيس الاصل

٦٥٣

فى حكم المتعارضين وانّ مقتضى القاعدة الاوليّة العقليّة ما هو والثّانى فى انّ الخطاب والدّليل اللفظىّ الدالّ على اعتبار كلّ منهما فى حدّ ذاته اىّ شيء يقتضى وما هو المستعمل فيه امّا المقام الأوّل فنقول انّه على تقدير اعتبار الاخبار من باب السببيّة بمعنى افادة ادلّة اعتبارها عليّتها الوجوب ايقاع العمل على مقتضاها وان لم يكن فى موردها تكليف فى الواقع اصلا فيكون حال الخبرين المتعارضين حال الغريقين الّذين لا يتمكّن المكلّف من انقاذهما معا وانّما المقدور له انقاذ احدهما فلا اشكال ح فى كونهما من الواجبين النفسيّين المتزاحمين ولهما حكمهما والشأن اذا فى تأسيس الاصل فى مطلق الواجبين المتزاحمين والطّريقين المتنافيين والاصل فى كلّ متزاحمين سواء كانا مندرجين فى عنوان واحد او فى عنوانين مختلفين يكون كلّ منهما مامورا به بامر مستقلّ انّما هو لزوم امتثال احدهما تخييرا اذا كانا متساويين بمعنى عدم كون احدهما أهمّ من الأخر كما هو المفروض فى المقام بحيث يستحقّ العقاب على مخالفة كليهما معا وهذا الوجوب التخييرى وان لم يدلّ عليه الخطاب لفرض كون مؤدّاه وجوب كلّ منهما تعيينا مع امتناع ثبوته لهما حينئذ لاستلزامه التكليف بغير المقدور كما مرّ كامتناع ارادة الوجوب التخييرى من ذلك الخطاب بالنّسبة الى صورة التزاحم لاستلزامها استعماله فى معنيين لكنّا انّما نستفيده بتنقيح المناط وهو انّه لا شبهة فى تضمّن كلّ من المتزاحمين حال التزاحم لما تضمّنه فى غير تلك الحال من المصلحة التامّة فى حدّ نفسها بحيث يساوى من حيثها فى تلك الحال غير تلك الحال من غير قصور فيها وهى تقتضى مطلوبيّة ذيها حتما على وجه التعيين لو لا المانع عن المطلوبيّة كذلك بمعنى انّ المانع على تقديره انّما يمنع عن فعليّة التأثير لا عن اصل الاقتضاء والمانع ان كان منافيا لاصل الطلب فالمصلحة لا تؤثّر فى اصل الطّلب فعلا فكيف بتأثيرها فى عينيّته وان كان منافيا لعينيّة الطلب دون اصله فهو انّما يمنع من فعليّة تأثيرها فى عينيّة الطّلب دون أصله ومن المعلوم أنّ غاية ما عرضها فى صورة التزاحم انّما هو عجز المكلّف عن امتثال كلا الواجبين معا بحيث لو فرض محالا امكان اتيانه بهما معا فى تلك الحال لكان مطلوبا منه ذلك ولا ريب انّ الّذى ينافيه العجز انّما هو عينيّة الوجوب لا اصله ضرورة عدم منافاته له تخييرا فلا مانع من اقتضاء المصلحة المفروضة ح للوجوب التخييرى ومن الواضح انّ المقتضى مع عدم المانع منه علّة تامّة لثبوت مقتضاه فهى فى تلك الحال علّة تامّة لوجوب كلّ من المتزاحمين تخييرا ويستكشف منه بطريق اللّم كون كلّ واحد منهما واجبا كذلك ولا يمكن ان يمنع المانع من وجوب احدهما خاصّة ايضا بان يزاحم احدى المصلحتين خاصّة ويكون المصلحة الاخرى علّة تامّة للتّأثير الفعلى فى وجوب ذيها عينا لانّ المفروض مساواة كلّ من المصلحتين للأخرى فى حدّ نفسها بمعنى عدم كون احدهما اهمّ من الاخرى فى نظر الشارع فيكون تأثير احد الوجوبين فيما يقتضيه بالذات من الوجوب العينى دون الأخر ترجيحا بلا مرجّح وذلك لتساوى نسبة المانع المفروض الى كلّ منهما وعدم مانع غيره بالفرض عن الاخرى نعم اذا كان احد الواجبين أهمّ كان اهمّيته مانعة من تاثير المصلحة الموجودة فى الأخر فى اثبات الوجوب التخييرى ايضا ثمّ إنّ الوجوب التخييرى الثابت فى

٦٥٤

المقام يغاير الوجوب التخييرى المصطلح فانّ المصلحة الموجودة فى كلّ من فردى الواجب التخييرى المصطلح لا يقتضى اوّلا وبالذّات ازيد من مطلوبيّة ذيها الّا الى بدل والمصلحة الموجودة فى كلّ من المتزاحمين يقتضى اوّلا وبالذّات مطلوبيّة ذيها على الاطلاق بحيث لا يسقط بعد الاتيان بمزاحمه هذا كلّه فى مقتضى الاصل الاوّلى فى حكم المتزاحمين وأمّا مقتضى الاصل فى الطّريقين المتعارضين فهو تساقطهما وفرضهما كان لم يكونا فى خصوص مؤدّى كلّ منهما والرجوع الى الاصل الموافق لاحدهما دون المخالف لكليهما وذلك لانّ المفروض اشتمال كلّ منهما على شرائط الحجيّة الموجودة فى دليل اعتبارهما بحيث لو لا العلم بكذب احدهما الناشى من تنافى مدلوليهما لكان كلّ منهما حجّة فعليّة فى خصوص مؤدّاه لكنّ العلم بكذب احدهما الغير المعيّن يمنع عن حجيّة كليهما معا لاستلزامه العمل بالطريق المعلوم الكذب والشّارع لم يرد العمل به كما اشرنا اليه سابقا ولا يعقل التعبّد بطريقيّة ما علم بمخالفته للواقع وذلك مستلزم للتناقض فى نظر المكلّف لفرض ارادة الواقع منه المخالف المؤدّى ذلك الطّريق والفرض انّ التعبّد به ليس الّا لغرض الوصول الى الواقع فالطّريقان المتعارضان لاجل ما ذكر ليسا على وجه لو فرض تمكّن المكلّف من العمل بكليهما معا كان ذلك منه مطلوبا والتعبّد بواحد منهما عينا وان كان امرا جائزا لفرض الشكّ فى مخالفة كلّ منهما بالخصوص فى حدّ نفسه للواقع وامكان التوصّل به اليه لكن لمّا كان المفروض اشتمال كلّ منهما على شرائط الحجيّة المعتبرة فى دليل اعتبارهما على نحو اشتمال الآخر عليها ودخول كلّ منهما فى مصاديق العنوان المحكوم بحجيّته فى ذلك الدليل وهو خبر العادل مثلا فلا يقتضى ذلك الدليل اعتبار احدهما بالخصوص دون الآخر والتعبّد بكلّ منهما تخييرا وان كان امرا جائزا ايضا لعدم استلزامه المحذور المتقدّم الّا انّه لا يقتضيه دليل الاعتبار لفرض كون مؤدّاه اعتبار كلّ منهما على التعيين والمفروض عدم دليل آخر يدلّ على حجيّة احدهما تعيينا او تخييرا فانّ المفروض فى المقام هو الكلام فى مقتضى الاصل مع قطع النّظر عن ورود دليل آخر واللازم من ذلك كلّه عدم حجيّة شيء منهما فعلا فى اثبات مؤدّاه ونفى مؤدّى الآخر فيحرم التديّن بمؤدّى كلّ منهما لعدم ثبوت التديّن به مع ما عرفت لكن لا يلزم من ذلك عدم حجيّة واحد منهما فى نفى الاحتمال المخالف لكليهما اذ المفروض اشتمال كلّ منهما على مقتضى الحجيّة فى جميع مدلوله وهو كونه خبر العادل الضّابط الغير المعلوم كذبه مثلا الّا انّ وقوعه طرفا للعلم الاجمالى المذكور يمنع ممّا يقتضيه المقتضى بالنّسبة الى خصوص اثبات مؤدّاه ونفى مؤدّى الآخر دون غيرهما من مداليله ومن المعلوم أنّ مع احراز المقتضى ووجوده لا بدّ من الاقتصار فى ترك العمل بمقتضاه على مقدار مانعيّة المانع والأخذ بما يبقى منه فانّ المقتضى مع عدم المانع علّة تامّة لترتّب المقتضى بالفتح وهو التعبّد بالخبر وترتّب مدلوله عليه فى المقام بالنسبة الى صورة انتفاء المانع فيكون كلّ منهما حجّة فعلا فى نفى الاحتمال المخالف لكليهما ومن هذا الباب حجيّة العمومات المعلومة التخصيص بالنّسبة الى بعض الافراد فى اثبات الحكم للافراد الأخر ومن المعلوم

٦٥٥

المحقّق فى محلّه جواز التّمسك بالعامّ اذا كان مخصّصا بمخصّص مبيّن فى اثبات الحكم لغير مورد التخصيص وفيما اذا كان مخصّصا بمخصّص مجمل فى الجملة فى اثباته لغير مورد الاجمال وفيما اذا كان مخصّصا بمخصّص مجمل من جميع الجهات فى نفى الاحتمال المخالف لهما ومن هنا يظهر الفرق بين تعارض الطريقين المعتبرين فى انفسهما واشتباه طريق معتبر فى نفسه بغيره الغير المعتبر كما اذا اشتبه خبر صحيح بضعيف غير منجبر فانّ المقامين وان اشتركا فى الحكم بنفى الثالث الّا انّ النافى له فى المقام كلّ واحد من المتعارضين وثمّة انّما هو المعلوم الاجمالى المردّد وهو الخبر الصّحيح فانّ الطريق الغير المعتبر عند اشتباهه بالمعتبر لا يزيد على ما كان عليه عند امتيازه عنه فانّ اشتباهه بذلك لا يجعله حجّة فيكون الحجّة حينئذ هو المعتبر المشتبه به لا غير فهو النّافى للثالث لا غير وقد يشكل الفرق بانّ المفروض فى صورة تعارض الطريقين هو العلم الاجمالى بكذب احدهما وقد تقدّم انّه لا يعقل حجيّة الطريق المعلوم الكذب فلا يكون كلاهما حجّة بل احدهما فالنّافى للثالث هو احدهما لا كلّ منهما ولا وجه للفرق ويمكن دفعه بانّ غاية ما فى المقام انّما هو العلم الاجمالى بكذب احدهما فى مدلوله المطابقى وامّا بالنّسبة الى نفى الثالث الّذى هو مدلوله الالتزامى فلا ولمّا كان المفروض وجود مقتضى الحجيّة فى كلّ منهما وقد مرّ انّه لا بدّ بعد احرازه من ترتيب مقتضاه عليه الّا ان يمنع مانع وانّه على تقدير وجود مانع لا بدّ من الاقتصار فى رفع اليد عن مقتضاه بمقدار مانعيّة ذلك المانع منهما بالنّسبة الى مدلوليهما المطابقى كالطريق المعتبر والغير المعتبر المشتبهين وامّا بالنّسبة الى ذلك المدلول الالتزامى فلا بل كلّ منهما حجّة عليه وصحّ الفرق وقد يشكل بانّ القدر المعلوم وان كان كذب احدهما فى مدلوله المطابقى دون مدلوله الالتزامى الّذى هو عدم الثالث لكن مجرّد الشكّ فى كذب مدلوله الالتزامى لا يصلح لكونه سببا لحجيّته فيه بل لا بدّ معه من حجيّته فى مدلوله المطابقى ايضا لكونه ايضا مشكوكا فانّ المدلول الالتزامى من توابع المطابقى واذا حكم بعدم ارادة المطابقى يحكم ايضا بعدم ارادة الالتزامى فاحدهما الّذى علم كذبه لا يكون حجّة فى نفى الثالث ايضا فلا فرق ويمكن دفعه بأنّ المدلول الالتزامى لا يدور ارادته مدار ارادة المطابقى نفيا واثباتا بل اثباتا فقط بمعنى انّه لا يمكن انفكاك ارادة الالتزامى من ارادة المطابقى وامّا العكس فهو ممكن كما فى المدلول التضمّنى فتامّل والّذي يقتضيه دقيق النّظر هو ثبوت الفرق بين المقامين بوجه آخر وهو انّ احد الطريقين فى المقام وان لم يكن حجّة فى مدلوله مط لما ذكر فى تقرير الاشكالين المتقدّمين الّا انّه ليس احدهما المعيّن فى الواقع المجهول عندنا كما هو الحال فى ذلك المقام حيث انّ غير الحجّة هناك انّما هو معيّن فى الواقع وهو الخبر الضّعيف مثلا مجهول فى الظاهر لاشتباهه بالصّحيح بل فى المقام ما ليس حجّة هو احدهما الغير المعنون بعنوان معيّن فى الواقع الّذى هو فى قوّة احدهما على البدل لانّ غاية ما فى المقام هو العلم بكذب احدهما مع قيام احتمال كذب الأخر ايضا فلا يعقل ان يكون عنوان معلوم الكذب معيّنا فى الواقع فى احدهما بخصوصه وتعيينه فيه فيما اذا علم بصدق الأخر انّما هو من لوازم العلم بصدق الأخر لا من

٦٥٦

لوازم العلم بكذب احدهما حتّى يجرى فى صورة الشكّ فى صدق الأخر ايضا وبعبارة أخرى أوضح انّه لا يعقل اعتبار مصادفة الواقع والصّدق فى نصب الطرق الغير العلميّة بان يكون المجعول حجّة هو المصادف للواقع لانّ ذلك العنوان ان حصل العلم به خرج الطّريق المجعول عن كونه طريقا مجعولا غير علمىّ فلا يكون حجّة بمقتضى دليل اعتبار الطريق بل يكون حجيّته حينئذ من باب كونه علما ويقينا وهو حجّة بنفسه لا بجعل جاعل وان لم يحصل العلم به فلا ينفع نصبه طريقا للمكلّف فى شيء فاعتبار الطريق الغير العلمىّ من حيث كونه غير علمىّ يناقضه تقييده بصورة مصادفته للواقع كما انّه لا يعقل تقييده بصورة العلم بكذبه تفصيلا فانّه ح يخرج عن قابليّة الطريقيّة وعدم شمول الحكم له حينئذ يكون من باب التقيّد والتخصّص لا التّقييد والتّخصيص نعم يمكن تخصيصه بصورة عدم كونه من اطراف معلوم الكذب اجمالا لعدم استلزامه شيئا من المحاذير الّا انّه غير واقع الّا فيما اذا كان الطّرف الأخر مساويا له فى جميع شرائط الحجيّة الّتى تحقّقت فيه اذ لا شبهة فى حجيّة الخبر الصّحيح الّذى علم اجمالا بكذب الطريق المردّد بينه وبين القياس مثلا فى الظاهر فما يصحّ اعتباره فى اعتبار الطريق الغير العلمىّ لا بدّ وان يكون شيئا غير مصادفة الواقع كعدالة الرّاوى وضبطه وتعدّده ونحوها والمفروض فى تعارض الطريقين اشتمال كلّ منهما على الاوصاف المعتبرة فى الاعتبار على نحو اشتمال الأخر عليها وكون كلّ منهما مندرجا فى العنوان الّذى دلّ الدليل على اعتباره بشرائطه وقد علمنا من جهة تنافى مدلوليهما كذب واحد منهما حيث انّه يمتنع صدق المتنافيين لكنّه ليس واحدا معيّنا فى الواقع مجهولا فى الظّاهر بل هو احدهما بلا عنوان معيّن له لانّ معيّنة الواقعى امّا وصف الكذب وامّا العلم بالكذب وامّا غيرهما ولا سبيل الى شيء منها أمّا الاوّل فلفرض احتمال الكذب فى كلّ منهما اذ من المعلوم انّه على تقدير كذبهما جميعا لا يعقل ان يكون الكذب معيّنا لاحدهما لفرض عدم اختصاصه بواحد منهما وامّا الثانى فلانّه لا يعقل اعتباره فى متعلّقه لانّه من جعل الشيء موضوعا لنفسه وامّا الثالث فالمفروض كون المتعارضين سواء فى ذلك واقعا من غير اختصاص له باحدهما حتّى يصلح لكونه معيّنا فإذا كان الّذى علم كذبه احدهما بلا عنوان معيّن فغير الحجّة منهما انّما هو احدهما بلا عنوان كما انّ الحجّة منهما انّما هو احدهما كذلك هذا مع انّ الكذب لا يعقل اخذه واعتباره غاية لعدم الحجيّة لاستلزامه لاخذ وصف المصادفة شرطا فى الحجيّة والحاصل انّ الّذى علم من ملاحظة تنافى مدلوليهما انّما هو كذب احدهما بلا عنوان فاحدهما بلا عنوان غير حجّة فى مدلوله مط واحدهما كذلك حجّة فى مدلوله مط لفرض بقاء احتمال صدقه مع اشتماله على شرائط الحجيّة الّا انّه لمّا لم يكن له عنوان آخر غير ما مرّ فيكون تعيينه فى خصوص احدهما تعيينا بلا معيّن ولاجل ذلك فلا يعمل بشيء منهما فى مؤدّاه المطابقى وانّما ينفى الثالث باحدهما المحتمل الصدق الّذى هو حجّة والغير المعنون بعنوان وهذا بخلاف ما اذا اشتبه طريق معتبر بغيره فانّ المعتبر له عنوان واقعىّ غير عنوان ما هو غير معتبر فالنّافى للثالث هناك انّما هو معيّن واقعىّ مجهول فى الظّاهر فالمقامان

٦٥٧

يشتركان فى حكم التساقط بالنّسبة الى المدلول المطابقى لكلّ من الطريقين وفى انّ النّافى للثالث فيهما هو احدهما لا كلّ منهما ولا كلاهما معا ويفترقان فى انّ النّافى له فى مقامنا هذا هو احدهما بلا عنوان معيّن وهناك هو احدهما المعيّن وكيف ما كان فحاصل ما يقتضيه دقيق النّظر فى تعارض الطّريقين هو تساقطهما فى مؤدّيهما وعدم كون كلّ واحد منهما حجّة فعليّة فى اثبات مؤدّاه المطابقى فانّه لمّا علم بكذب احدهما فلا يكون احدهما حجّة كذلك والأخر وان لم يعلم كذبه الّا انّه لمّا لم يكن لما علم كذبه مائز ويكون تعيينه فى خصوص واحد منهما ترجيحا بلا مرجّح فلا يكون هو ايضا حجّة فى مؤدّاه المطابقى فعلا لكنّه حجّة فى نفى الثالث لوجود المقتضى فيه فلا بدّ من ترتيب مقتضاه عليه مع عدم المانع وقد علم انّ المانع انّما يمنع منه بالنسبة الى مدلوله المطابقى دون الالتزامى لا يقال قد مرّ انّ المدلول الالتزامى تابع للمطابقىّ فاذا لم يمكن ارادة المطابقى فكيف يمكن الحكم بارادة الالتزامى لانّا نقول انّ مقتضى المانع المذكور انّما هو عدم امكان الحكم بارادة المدلول المطابقى لاحد الطّريقين بالخصوص وامّا المدلول المطابقى لأحدهما لا على التّعيين فالمانع لا يمنع من الحكم بارادته فيحكم بكونه مرادا فيتبعه مدلوله الالتزامىّ وهو نفى الثّالث فانّ البناء على ارادة المدلول المطابقى لاحدهما لا على التّعيين انّما لا ينفع فى الحكم بارادة خصوص واحد من المدلولين المطابقيّين وامّا فى الحكم بنفى الثالث فيجدى جدّا فانّ المفروض انّ كلّ واحد من الطّريقين دالّ على نفى الثّالث التزاما فاحدهما لا على التّعيين المحكوم بارادة مدلوله المطابقى ايّا منهما كان يقتضى نفى الثالث التزاما وامّا المقام الثانى فنقول انّ المتصوّر من ذلك وجوه أحدها أن يكون المستعمل فيه الخطاب الدالّ على اعتبار الخبر هو الوجوب العينى بالنّظر الى ذات الخبر من غير ملاحظة حال التعارض او التزاحم بان يقصد به البعث والتحريك الى العمل به بالنّظر الى ذاته كما هو الحال فى الخطابات الدّالة على حليّة الاشياء وطهارتها كقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) فانّ المراد به انّما هو الرّخصة فى تناولها بالنّظر الى ذاتها الّتى لا تنافى المنع من تناولها فى بعض الحالات لاجل عروض مانع ككونها مغصوبة مثلا نعم المانع عند عروضه مانع عن فعليّتها مع بقاء المقتضى وفائدة الرّخصة او الطّلب كذلك فيما اذا اتّحد متعلّقها مع عنوان محرّم وارتكبه المكلّف هو انّه يستحقّ ح عقابا واحدا وبدونهما بان يكون اصل الفعل فى حدّ ذاته محرّما اذا اتّحد مع عنوان آخر محرّم كالنّجس المغصوب مثلا هو استحقاق تعدّد العقاب على الارتكاب وفائدة الطّلب العينى كذلك بالنّسبة الى ذات الخبرين المتعارضين مع فرض امتناع فعليّته فى كلّ منهما هى الاشارة نحو المقتضى للعمل بكلّ منهما او بواحد منهما على ما قوّيناه اخيرا من انّ المقتضى للعمل هو احدهما بلا عنوان لا كلّ منهما لفرض العلم بكذب احدهما فيقال فى تقرير ثبوت المقتضى لاحدهما بلا عنوان انّه لا شبهة فى مساواته للخبر السّليم عن المعارض من حيث وجود المقتضى فيه وهو كونه خبر عدل غير معلوم الكذب وانّما الفرق بينهما انّ هذا لمّا لم يتعيّن فى خصوص احد المتعارضين فذلك يمنع من التّمسك به وحجيّته فعلا فى اثبات مؤدّاه المطابقى وامّا بالنّسبة الى مؤدّاه الالتزامى الخالى من

٦٥٨

المانع فلا فرق بينهما بوجه فيقتصر فى رفع اليد عنه على مقدار مانعية المانع لما مرّ من انّ بعد ثبوت المقتضى لا بدّ من ترتيب مقتضاه عليه بقدر الامكان وقد مرّ انّه لا مانع من ترتيب بعض ما يقتضيه وهو نفى الثالث بناء على اعتبار الاخبار من باب الطريقيّة والعمل باحدهما مخيّرا بناء على السببيّة وكذلك الحال فى سائر الواجبات النفسيّة المتزاحمة وبالجملة اذا كان الحكم متعلّقا بذات الشّيء من حيث هو فتعلّقه به على هذا الوجه يكشف عن ثبوت المقتضى له مط فى جميع حالات الشيء ولازمه ترتيب ذلك الحكم امرا كان او نهيا اذا لم يزاحمه جهة اخرى خارجة مساوية او غالبة عليه وعلى تقدير التزاحم يقتصر على مقداره ثمّ إنّ ذلك الشّيء اذا عرضه جهة اخرى مؤكّدة لما فيه من مقتضى الحكم بان اتّحد مع عنوان آخر مشتمل على الجهة الّتى اقتضت الحكم فلازمه ثبوت مرتبة متاكّدة من ذلك الحكم له لانّ كلّ علّتين مشتركتين فى الجهة اذ اوردتا على معلول واحد ومورد فارد لا يعقل ان يؤثّر كلّ منهما اثرا ممتازا عن اثر الآخر بل يؤثّر كلّ منهما حينئذ مقدار اثره ويتداخل الأثر ان ويكون الحاصل من كليهما مرتبة بمقدار مجموع المقدارين كما فى صورة ورود السواد والحمرة على مورد دفعة والحاصل انّه يؤثّر كلّ منهما اثره لكن وحدة المورد مانعة عن امتياز الاثرين نظرا الى امتناع اجتماع المثلين كاجتماع الضدّين فى مورد واحد ولاجل تعدّد الاثرين وتأثير كلّ من المؤثّرين مقدارا من الاثر يتعدّد العقاب على الفعل اذا كان الحكم هو الحرمة وعلى الترك اذا كان هو الوجوب ثانيها أن يكون المستعمل فيه اللّفظ هو خصوص الوجوب العينى ايضا لكن مع ملاحظة تقييده بغير صورة التعارض والتزاحم فيكون حاله حال سائر التقييدات اللفظيّة من حيث رجوع التقييد الى تقييد المصلحة المقتضية للحكم وهذا بخلاف الوجه الاوّل فان التقييد بناء عليه انّما هو من جانب العقل وهو راجع الى تقييد فعليّة تاثير تلك المصلحة مع ثبوت اصلها مطلقا لا الى تقييد نفسها ولازمه عدم ثبوت وجوب العمل للطريقين مطلقا لا تخييرا ولا تعيينا على كلّ من وجهى السببيّة والطريقيّة امّا الوجوب العينى فواضح وامّا التخييرى فلانّه لا مقتضى ح حتّى يترتّب مقتضاه عليه بقدر الامكان ويقال بناء على اعتبارهما من باب السببيّة انّ الممتنع انّما هو تأثيره فى عينيّة الوجوب دون اصله باعتبار تحقّقه فى ضمن التخييرى وبناء على اعتبارهما من باب الطريقيّة انّما هو حجيّة احدهما الغير المعلوم كذبه فى مؤدّاه المطابقى كما مرّ مكرّرا وامّا الحجيّة بالنّسبة الى مدلوله الالتزامى وهو نفى الثالث فمن الامكان بمكان فاللّازم في صورة التعارض بناء على الطريقيّة فرض المسألة الّتى هى مورد التعارض كالمسألة الخالية عن النّص رأسا والعمل بمقتضى الاصول العمليّة المقرّرة لتلك الصّورة وبناء على السببيّة فلا يعرض الشكّ فى جواز العمل بواحد منهما لفرض تقييد دليل اعتبارهما بغير تلك الصورة ويرجع فى المسألة الى تلك الاصول المقرّرة لصورة فقدان النّص ثالثها أن يكون المستعمل فيه اللّفظ هو خصوص الوجوب العينى مع ارادة شموله لصورة التزاحم

٦٥٩

والتّعارض لكن من باب التّوطئة لافادة حكم صورة التزاحم والتعارض على وجه ينطبق على غرضه من مطلوبيّة العمل بكلّ من الخبرين حال التّعارض ايضا فى حدّ ذاتيهما وطلبه للعمل بكلّ منهما حينئذ تخييرا بناء على السببيّة ومن حجيّة أحدهما بلا عنوان الّذى يجدى فى نفى الثّالث بناء على الطريقيّة بمعونة العقل جمعا بين الجهتين من افادة الغرض على ما هو عليه فى نفسه والاستراحة عن كلفة ايراد خطاب آخر لبيان حكم خصوص صورة التّعارض او التزاحم بيان ذلك انّ المستعمل فيه اللّفظ امر وحدانىّ لا يختلف حاله بحسب التّعارض وعدمه وهو وجوب العمل عينا مطلقا إلّا أنّ بناء على السببيّة يقال انّه لمّا كان التّكليف بجميع اقسامه مشروطا فى حكم العقل بالقدرة من غير فرق بين الاصولى والفرعى وكان المكلّف قادرا على العمل بكل من المتعارضين مع عدم العمل بالآخر بحكم الوجدان كما انّه غير قادر على العمل به مع العمل بالآخر كان الحاصل وجوب العمل بكلّ واحد مع ترك العمل بالآخر والنّتيجة التّخيير لكن لا من جهة استعمال اللّفظ فيه حتّى يتوجّه عليه محذور استعمال اللّفظ فى معنيين ولا من جهة انشاء العقل له حتّى يكون عقليّا كما فى دوران الامر بين الوجوب والتّحريم ضرورة امتناع اجتماع وجوبى التّخييرى والتّعيينى وان كان احدهما عقليّا والأخر شرعيّا مضافا الى كونه خلاف الواقع وهذا من قبيل حكم العقل بالوجوب التخييرى بين الافراد فيما تعلّق الأمر بايجاد الطّبيعة او بين اجزاء الزمان فى الواجبات الموسّعة فانّ ما يوجد فى الخارج من الحصّة يتّصف بالوجوب التعيينى لا محالة لانّه عين الطّبيعة المطلوبة بالوجوب التعيينى فكيف يتّصف بالوجوب التخييرى فالمراد من التخيير العقلىّ هو مجرّد تسوية الافراد فى وجدان العقل فى انطباق الطّبيعة عليها وبناء على الطريقيّة يقال ان مناط الحجيّة ووجوب العمل مرتفع عن كلا المتعارضين بالضّرورة للعلم بكذب احدهما وامتناع قيامه بهما او باحدهما المعيّن فى الواقع او عندنا او باحدهما المردّد مفهوما لكن ارتفاعه انّما هو بالنّسبة الى ما تعارضا فيه لا بالنّسبة الى غيره فضلا عمّا تعاضدا عليه كنفى الثّالث فالمستفاد من الخطاب هو وجوب العمل بكلّ واحد من الاخبار عينا فى صورة السّلامة عن المعارض مطلقا وتخييرا فى صورة التعارض بناء على السببيّة وعدم وجوب العمل بواحد منهما فى مؤدّاه مع العمل بواحد منهما بلا عنوان فى نفى الثالث فى تلك الصّورة بناء على الطريقيّة وبالجملة من الواضح انّ وجوب العمل بالخبر او الامارة فى صورة التّعارض او التزاحم يخالف وجوبه فى صورة السلامة ولا يمكن افادة الحكمين معا بخطاب واحد لتوقّفه على جواز استعمال اللّفظ فى معينين فلا بدّ اذا امّا من خطابين او خطاب واحد يصلح لافادة الحكم فى الصّورتين ولو بمعونة العقل ومع امكانه لا حاجة الى خطابين ومن المعلوم انّ الخطاب المفيد للوجوب التخييرى لا يكشف عن مقتضى الوجوب التعيينى حتّى يحكم بمقتضاه فى صورة السلامة وامّا الخطاب الدالّ على الوجوب العينى مع تعميم الوجوب بالنّسبة الى صورة التّزاحم والتّعارض فهو كاف فى افادة حكم الصورتين بمعونة العقل فالخطاب الواحد المستعمل فى الوجوب التعيينى يدلّ على وجوب العمل فى جميع الصّور امّا افادته لحكم صورة السّلامة عن المعارض والمزاحم

٦٦٠