تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

باب القيد والمقيّد ولو سلّم فقد تعلّق الامر فى الاخبار بكلّ من المطلق وبما يصلح لان يعتبر قيدا على وجه الاستقلال لانّ فى بعض الاخبار بعد الامر بالغسل بالماء وليكن فى الماء شيء من السّدر وفى بعض آخر وليكن الغسل بماء وسدر فالسّدر فى هذه الاخبار لم يؤخذ قيدا للماء والظّاهر من العطف بالواو انّ تعلّق الامر بكلّ من الماء والسّدر انّما يكون بامر مستقلّ فالمعنى انّه كما يجب ان يكون الغسل بالماء فكذا يجب ايضا ان يكون بالسّدر وهذا غير مستلزم للتّقييد نعم لو كان فى الاخبار الامر بالغسل بماء السّدر بنحو الاضافة لكان دالّا على التّقييد وكان اللّازم انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ووجه الضّعف أوّلا أنّه لا فرق بين العبارتين فانّه ان جعلنا ماء السّدر من القيد والمقيّد كان قوله وليكن فيه شيء من السّدر كذلك وان كان من اضافة الشّيء الى بعض اجزائه كان الحكم فيهما واحدا وثانيا أنّ احتمال الاستقلال فى العطف بالواو او ظهوره فيه انّما هو فيما لم يدلّ قرينة قاطعة على خلافه والارتباط وعدم الاستقلال هنا من الواضحات اذ السّدر متمايزا عن الماء لا معنى لان يغسل به وانّما المغسول به لا بدّ ان يكون هو الماء الخليط به سواء القى الكلام بالعطف او بغيره وعلى هذا فلا فرق بين ماء السّدر وماء وسدر اذ المراد بماء السّدر ايضا هذا المعنى لوضوح ان ليس المراد بماء السّدر ما يراد من ماء الرّمان باخذ من المقدّرة فيه نشويّة اى ماء متّخذا من السّدر او الرّمان بل المقصود من ماء السّدر ايضا الماء الخليط به وثالثا أنّ الامر هنا للارشاد والدّلالة على الغسل الواجب المطلوب فى حقّ الميّت والواو ح لا يوجب الاستقلال وستعرف آنفا وجه الارشاد وان ليس الامر الزاميّا نفسيّا قوله (اذ التّكليف المتصوّر هنا هو التّكليف المقدّمى) فالمكلّف به هو الغسل بماء السّدر والامر بادخال السّدر فى الماء تكليف مقدّمى لتحقّق الغسل بماء السّدر فتقييد الامر المقدّمى بالتمكّن ناش من تقييد وجوب ذى المقدّمة بالتمكّن فلا معنى ح لاطلاق ذى المقدّمة وتقييد مقدّمتها بالتمكّن كما لا وجه للعكس ثمّ انّ بعض المحشّين ناقش فى المقام بانّ ما افاده قدس‌سره هنا ينافى ما ذكره قبيل هذا من كون دليل الشّرط اذا لم يكن فيه اطلاق عامّ لصورة التعذّر وكان لدليل المشروط اطلاق فاللّازم الاقتصار فى التّقييد على صورة التمكّن من الشّرط انتهى وما افاده هنا من انّ التّقييد بحال التمكّن ناش من تقييد وجوب ذيها فلا معنى لاطلاق احدهما وتقييد الأخر انّما يتمّ فى الامر بذى المقدّمة المشروط بالشّرط المتعذّر كما هو كذلك فى الامر بالمركّب من الجزء المتعذّر ولكنّ الكلام فى الامر النّفسى بقول مطلق المتعلّق بالمركّب الخالى عن الجزء المتعذّر او ذات المشروط بدون شرطه المتعذّر وقد عرفت تصريحه بأنّ التقييد حينئذ مختصّ بحال التمكّن قلت إنّ مقصوده قدس‌سره هو انتفاء الامر النّفسى المتعلّق بذات المشروط بدون شرطه المتعذّر وهذا واضح والمناقشة

٤٦١

فى غير محلّه قوله (ويمكن ان يستدلّ على عدم سقوط المشروط بتعذّر شرطه) لا يخفى انّ هذه الرّواية كانّها اظهر فى الدّلالة من جميع الرّوايات المتقدّمة الّا انّ المحذور هو ما تقرّر فى محلّه من انّ ادلّة نفى الحرج والضّرر انّما هى لمجرّد النّفى من دون ان تكون مثبتة للحكم فلا بدّ من ان يحمل الرّواية على انّ الامام عليه‌السلام انّما احال معرفة سقوط المسح على البشرة الى الآية وامّا المسح على المرارة فانّما هو بانشائه ع فى خصوص الوضوء من غير ارادة فهمه من الكتاب ولذا اكتفى بآية نفى الحرج وهذا هو الوجه فى تعبير المصنّف بالامكان الّا ان يقال انّ الظّاهر انّ مراد الامام ع من قوله يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل احالة كليّة فهم المسائل الى الكتاب فانّ للسّائل هنا مطلبين الاوّل تردّده بين ترك المباشرة فى المسح ووجوبها عليه كما كانت واجبة قبل ان يعثر الثاني تردّده بين ترك المسح رأسا اذا تعذّر شرطه الّذى هى المباشرة او انّه لا يسقط الّا ما هو المتعذّر وهو الشّرط خاصّة وغرض الإمام ع احالة فهم مجموع المطلبين الى الكتاب امّا عدم وجوب المباشرة فلأية نفى الحرج وامّا عدم سقوط اصل المسح فلقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) بانضمام قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ويكون ذكر ما جعل عليكم فى الدّين من حرج اشارة الى مجموع تلك الخطابات بذكر احدها تنبيها على الباقى ويكون قوله ع امسح عليه حاصل ما ينبغى ان يفهمه العارف بكتاب الله عزوجل فتأمّل قوله (باتيان جميع الاجزاء او بعضها بغير شرط) فى تقديم ترك الشّرط على ترك الجزء او العكس او التّخيير وجوه أمّا الاوّل فيقال فى توجيهه انّ فوات الوصف اولى من فوات الموصوف فانّ ترك الجزء يستلزم ترك ذات المأمور به بخلاف ترك الشّرط فانّه ترك وصف من أوصافه والى ذلك اشار الشّهيد الثّانى ره في الرّوضة فى البحث عن طهارة لباس المصلّى بعد تصريح المتن بانّه لو كان نجسا تخيّر بين الصّلاة فيه والصّلاة عاريا فيومي للرّكوع والسّجود حيث يقول والافضل الصّلاة فيه مراعاة للتّماميّة وتقديما لفوات الوصف على فوات اصل السّتر هذا مضافا الى انّ الشّرط متأخّر رتبة عن الجزء فى مقام الجعل والانشاء فانّ الامر يتصوّر اوّلا عدّة اجزاء مطلوبة له بالذّات فيطلبها ثمّ يتصوّر اشتراط تلك الاجزاء بامور خارجة عنها مطلوبة بالعرض فيطلبها لاستكمال موضوع الامر الاوّل ولمّا كان التّقييد بقيد الامكان ممّا لا مناص عنه فى احد المطلوبين وكان موضوع المطلوب اوّلا وبالذّات قابلا للاطلاق لامكان ارتكاب هذا التّقييد فى موضوع المطلوب المتأخّر رتبة فلا حاجة الى ارتكابه فى الاوّل وامّا المطلوب الثّانوى فحيث لا مناص عن التّقييد فلا بدّ من ارتكابه فيه والحكم بتقييده بحال التمكّن وعلى هذا فلو دار الامر بين الصّلاة فى الثّوب المتنجّس والصّلاة عاريا والايماء للرّكوع والسّجود قدّم الاولى لانّ ترك الشّرط وهو طهارة السّاتر اولى من ترك

٤٦٢

الجزء وهو الرّكوع والسّجود وان جعلت المقام من باب ترك احد الشّرطين وهما اصل السّتر ووصف السّاتر فكذلك وترك الثّانى اولى من الاوّل كما لا يخفى وامّا الثّانى وهو تقديم ترك الجزء فيقال فى توجيهه انّ الشّرط مرتبط بكلّ واحد من الاجزاء ومؤثّر فى جميعها وبدونه لا اثر للاجزاء اصلا مع فرض اشتراطها به وبتركه يحصل النّقص فى الكلّ بخلاف الجزء فانّه غير مؤثّر فى سائر الاجزاء وبتركه لا يحصل النّقص فى الباقى وامّا التّخيير وهو الاقرب فى النّظر فيقال فى توجيهه بانّ ما ذكر لتقديم ترك الشّرط وهو انّ فوات الوصف اولى لا يخلو عن مصادرة فانّ تقديم ترك وصف المأمور به على ترك بعض اجزاء ذاته يطالب بالدّليل وامّا انّ الشّرط متاخّر رتبة فى مقام الجعل فهو كذلك الّا انّ ترك الجزء لا يوجب خلوّ الوصف عن الموصوف وما ذكر من انّ موضوع المطلوب اوّلا قابل للاطلاق ولا بدّ من ارتكاب التّقييد فى المطلوب الثّانوى لا حاصل له لانّ البحث راجع الى مقام الامتثال ولزوم التقييد بالامكان انّما يرجع الى المطلوب الواقعىّ المركّب من الامرين فى مقام الامتثال وليس المطلوب الواقعى قائما بطلبين مستقلّين مترتّبين وليس للحاظ التأخّر فى مقام الجعل والانشاء دخل فى ذلك لوضوح انّ تقدّم الجزء على الشّرط طبعا فى ذاك المقام لا يقتضى تقدّمه عليه ايضا فى مقام الامتثال فتقديم احدهما لا بدّ وان يكون بدليل يقتضى ذلك وحيث لم يكن ودار الامر بين المحذورين مع عدم التّرجيح ووقوع الشّك فى انّ ايّهما اهمّ عند الشّارع تعالى فالتّخيير وأمّا ما ذكر لتقديم ترك الجزء فضعفه فى غاية الوضوح وذلك لانّ فى فقد الجزء فقد للشّرط ايضا ولا فرق بينهما من هذه الجهة اصلا وفى الحقيقة يئول الامر الى ترك احد الشّرطين وذلك لانّ عدم نقصان الجزء شرط فى تحقّق الماهيّة المأمور بها نعم الجزء شرط فى تحقّق ذات الماهيّة والشّرط من كيفيّاتها الّا انّ هذا لا يوجب الفرق بينهما واقعا فى مقام الطّلب ويتساويان من حيثيّة المطلوبيّة الواقعيّة وبالجملة اللّازم اوّلا ملاحظة مرجّحات باب التّزاحم وتقديم الأهمّ من الجزء او الشّرط فانّ الشّرط قد يكون من الشّروط المهمّة بخلاف الجزء وقد يكون بالعكس والحكم بتقديم ترك احدهما كلّيا لا وجه له واذا تساويا فى وجوه التّرجيح فالتّخيير قوله (لو جعل الشّارع للكلّ بدلا اضطراريّا الخ) وبعبارة اخرى لو دار الامر بين المبدل منه النّاقص والبدل التامّ ففى تقديمه على النّاقص او العكس وجهان والأقوى الثاني وتوضيح ذلك بالنّسبة الى آية الوضوء وقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) انّ مقتضى الآية الثّانية اشتراط وجوب الوضوء على المكلّف بوجدان الماء وتمكّنه من استعماله فى مجموع افعال الوضوء واجزائه لانّ ذلك مقتضى الامر بالوضوء فى آية الوضوء فاذا صدق على المكلّف انّه واجد للماء بالنّسبة الى مجموع افعاله لا يجوز له العدول الى غيره واذا لم يصدق عليه انّه واجد للماء ومتمكّن منه فى جميع افعال الوضوء

٤٦٣

بان تعذّر مسح الرّأس او الرّجل او غسل بعض الاعضاء الواجب غسلها كان مشمولا لقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) ويكون مكلّفا بالتيمّم والاستفادة المذكورة معارضة بالاخبار المتقدّمة الأمرة باتيان الميسور عند تعذّر البعض ولكنّ التّعارض صورىّ لحكومة الاخبار المذكورة على آية التيمّم لكونها بيانا وتفسيرا لها ويصير معنى قوله سبحانه (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الخ بملاحظة هذه الاخبار انّ الوضوء الواجب يختلف بحسب اختلاف حال المكلّف من حيث التمكّن من استعمال الماء فى جميع افعال الوضوء وتعسّره ويكون الواجب على المتمكّن الوضوء التامّ وعلى غيره الوضوء النّاقص بمقدار تعذّره وبالجملة الانتقال الى البدل موقوف على عدم التمكّن من المبدل منه الّذى هو الواجب بالاصالة وقاعدة الميسور تعيّن الواجب فى الباقى المتمكّن منه اذا لم يكن فاقدا للاركان ويفيد انّه بمنزلة الواجب الاصلىّ ومن الواضح انّ مع توسعة الشّارع فى موضوع المبدل منه لا وجه للحكم بالبدل.

قوله (الامر الثالث لو دار الامر بين الشرطيّة والجزئيّة) توضيح هذا الامر يتمّ ببيان جهات الأولى الجزء ما كان داخلا فى الماهيّة واعتبر فى عرض سائر الاجزاء والشّرط ما اعتبر تلبّس المشروط به ووجود الاجزاء متلبّسة به كالطّهارة والقبلة والسّتر فى الصّلاة فانّ الشرط هو الطّهارة الحاصلة من الغسل فى تطهير البدن واللّباس والطّهارة الحاصلة من افعال الوضوء والغسل فى الطّهارة عن الحدث ومواجهة المصلّى فى القبلة الحاصلة من الاستقبال وتستّر العورة فى السّاتر الحاصل من السّتر ومن هنا يعلم انّ الجزء من مقولة الفعل والكمّ والشّرط من مقولة الكيف ولا بدّ عند الشّك والدّوران من ان يكون للامر الّذى علم باعتباره جهتان جهة فعل وجهة حالة حاصلة من ذلك الفعل يشكّ فى انّ المعتبر فى المأمور به هو الفعل المبدا لتلك الحالة او نفس الحالة المتحصّلة منه واكثر الشّروط يمكن اعتبارها بكلّ من الجهتين ويتعيّن الاعتبار بملاحظة الدّليل فان استفيد منه كونه من مقولة الفعل ودخيلا فى الماهيّة فهو جزء وان استفيد كونه من الكيفيّات ومن مقولة الوصف فهو شرط واذا حصل الشّك فالمرجع هو الاصل الثّانية لا اشكال فى انّه اذا علم اعتبار شيء فى المأمور به وشكّ فى كونه باىّ الوجهين فاصالة البراءة متعارضة من الجانبين وليس فى المقام اصل كلّى يقتضى كونه جزء او شرطا حتّى يرجع إليه نعم فى الآثار المترتّبة على كلّ واحد منهما لا بدّ من الرّجوع الى الاصول فيها نفيا واثباتا فاذا شكّ فى شيء انّه جزء او شرط وقلنا انّ الرّياء فى الجزء مبطل للعمل دون الشّرط كان مقتضى الاصل عدم ابطالها له ودعوى أنّ مع العلم باعتبار الشّيء يجب تحصيل العلم بالبراءة اليقينيّة واليقين بتفريغ الذّمة وان شكّ فى كيفيّة اعتباره كما ترى لا يقال انّ الاصل عند الدّوران يقتضى كون المشكوك فيه شرطا لافتقار الجزء الى اعتبار زائد وهو ملاحظة

٤٦٤

الهيئة الاتّصاليّة معه بخلاف الشّرط فانّه يقال الهيئة الاتّصاليّة انّما تعتبر فى مجموع الاجزاء باعتبار واحد سواء قلّت او كثرت فالشكّ فى الجزء من حيث اصل الجعل ومن حيث الهيئة الاتّصاليّة شكّ فى الحادث لا فى الحدوث حتّى يتعيّن بالاصل ومفهوم الكليّة والجزئيّة ليستا من الامور الشرعيّة حتّى ينفى بالاصل عند الشّك فكما انّ التّركيب والكليّة امر اعتبارىّ منتزع من الامر بامور مترتّبة فكذلك الجزئيّة امر اعتبارىّ منتزع من الامر بها الثالثة عدّوا لوجود الشّك وظهور الثّمرة موارد منها انّه لو صار اجيرا على العمل الّذى يشكّ فى جزئيّة بعض ما يعتبر فيه او شرطيّته وترك الاجير ما شكّ فيه بناء على عدم بطلان العمل ح مطلقا وقلنا بكون الأجرة موزّعة على الاجزاء خاصّة لزوم توزيع الأجرة على ما سوى المتروك ونقصها بقدره ان كان من الاجزاء وعدمه ان كان شرطا وذلك مثل ما لو صار اجيرا على عمل ذى اجزاء فى وقت معيّن ففعله فى غير ذلك الوقت فلو كان الزّمان الخاصّ جزء للعمل المستاجر عليه وزّع الاجرة او الجعالة بخلاف ما لو كان شرطا نعم يمكن اختلاف الأجرة زيادة ونقصانا حسب الاتيان بالشّرط وعدمه ومنها أنّه على القول بجريان قاعدة الميسور فى الاجزاء دون الشّروط وجب الاتيان بالميسور عند تعذّر المشكوك فيه بناء على جزئيّته بخلاف ما لو كان شرطا ومنها أنّه لو نذر الاتيان بالفعل فى وقت لا يسع جميع ما يعتبر فيه بل كان بقدر ما عدا المشكوك فيه من الاجزاء المعلومة فعلى تقدير جزئيّته لا ينعقد النّذر لتعلّقه بغير المقدور وعلى تقدير الشرطيّة يجب الاتيان بالفعل فى الوقت واتيان المشكوك فيه فى خارجه لان متعلّق النّذر هو نفس الافعال المقيّدة بشروطها وامّا هى فلا يجب ايقاعها فى الوقت وكذا لو نذران يعطى الآتي بعشرة اجزاء واجبة كذا فأتى بالمشكوك فيه وبتسعة من الاجزاء المعلومة فعلى الجزئيّة يجب الوفاء بخلاف ما لو كان شرطا فانّه لم يتحقّق ح موضوع النّذر حتّى يلزمه الوفاء ومنها إنّ النيّة ان قلنا انّها بمعنى الدّاعى فلا اشكال فى انّها شرط وان قلنا انّها بمعنى الاخطار ففيه اشكال ويختلف حكمها على تقدير كونها جزء او شرطا فى مسائل الاولى عدم حاجة الشّرط الى تلبّسه بالشّروط المعتبرة فى اصل العمل المشروط بخلاف الجزء فلا تحتاج النيّة الى الشّروط المجعولة للصّلاة كالطّهارة والاستقبال والقيام والسّتر ونحوها على تقدير كونها شرطا واحتياجها اليها على تقدير الجزئيّة الثّانية حرمة القطع بعدها ان كانت جزء وعدمها ان كانت شرطا الثالثة وجوب المقارنة بين النيّة وتكبيرة الاحرام على الشرطيّة بخلاف الجزئيّة.

قوله (وكتدارك الحمد عند الشّك فيه بعد الدّخول فى السّورة) هذا مثال للدّوران بين الجزئيّة والزّيادة المبطلة ومنشؤه الشّك فى جريان قاعدة الشّك بعد التّجاوز عن المحلّ فيه من حيث تردّد الفقيه بين كون القراءة الشّاملة للحمد والسّورة فعلا واحدا كما وقع التعبير عنهما بها فى

٤٦٥

الاخبار فيكون الشّك المفروض شكّا قبل التّجاوز عن المحلّ وقبل الدّخول فى الغير وكون كلّ منهما فعلا مستقلّا فيكون شكّا بعد التّجاوز وفى كونه مثالا للمقام تامّل اذ لا اشكال فى جواز قراءة الحمد والاتيان به حينئذ احتياطا بغير عنوان الجزئيّة فليس من الدّوران بين كونه جزء او زيادة مبطلة قوله (وقد يرجّح الثانى وان قلنا بعدم وجوبه فى الشّك الخ) وهنا وجهان آخران ايضا الاوّل الرّجوع الى البراءة سواء قلنا بها فى الشرطيّة والجزئيّة او قلنا بالاحتياط فيهما ويستدلّ له امّا بناء على اصالة البراءة مع الشّك فى الشرطيّة والجزئيّة فبانّ الشّك فى المقام وان لم يكن من باب الاقلّ والاكثر الّا انّ كلّا من الاحتمالين مورد للبراءة عقلا ونقلا والعلم الاجمالى الحاصل باعتبار واحد من الفعل او التّرك لا يمنع عن البراءة لعدم تاثيره فى وجوب الاحتياط وذلك لأنّ المانع من اجراء البراءة عن اللّزوم الغيرىّ فى كلّ من الفعل والتّرك هو لزوم المخالفة القطعيّة وهى غير قادحة فى المقام لانّها لا تتعلّق بالعمل لعدم خلوّ المكلّف عن احدهما مع العبادة قهرا فلا يقاس بالعلم الاجمالى الحاصل فى المتباينين حيث انّ العمل بالاصل فى كلّ منهما كالظّهر والجمعة مستلزم لطرحهما معا فى مقام العمل والمخالفة الالتزاميّة للحكم الواقعى غير ضائر لانّ الحكم الواقعى المعلوم اجمالا لا اثر له الّا وجوب الموافقة وحرمة المخالفة والمفروض انّه لا يلزم من اعمال البراءة فى كلّ منهما مخالفة عمليّة له حتّى يتحقّق المعصية ووجوب الالتزام بالحكم الواقعى مع قطع النّظر عن العمل غير ثابت على انّ الالتزام بالبراءة فى مرحلة الظّاهر لا ينافى الالتزام باحدهما على ما هو عليه فى الواقع ولا دليل على وجوب الالتزام فى مرحلة الظّاهر بما يحتمل موافقته للواقع ومع عدم الدّليل عليه ليس الّا تشريعا محرّما وبالجملة الشّك فى المقام وان كان من الشّك فى المتباينين الّا انّه من دوران الامر بين المحذورين لعدم التمكّن من المخالفة القطعيّة بالنّسبة الى المشكوك فيه لانّ المأتيّ به يكون واجدا للمشكوك او فاقدا له وعلى اىّ حال لا علم بالمخالفة فلا مانع من جريان البراءة عن الشرطيّة والمانعيّة معا والمخالفة الالتزاميّة غير ضائرة وامّا بناء على القول بالاحتياط فى تلك المسألة فلما ذكره فى المتن دليلا على عدم وجوب الاحتياط وان قلنا به فى تلك المسألة الثّانى تفريع حكم المسألة من حيث البراءة او الاحتياط على المختار فى تلك المسألة او من حيث التّخيير او الاحتياط على المختار فى تلك المسألة كما عليه المصنّف ره ويستدلّ له بانّ اللّازم فى المقام القاء العلم الاجمالى لانّ ايجابه للاحتياط بتكرار العبادة مستلزم لالغاء الجزم بالنيّة مضافا الى عدم لزوم المخالفة القطعيّة فى مقام العمل ومع الغاء العلم الاجمالى وعدم تاثيره للاحتياط لا بأس بملاحظة الشّك فى كلّ من الشرطيّة والمانعيّة على نحو الاستقلال ورجوع كلّ طائفة الى اصله المقرّر فى الشّك فى الشّرطيّة والجزئيّة والمتعيّن من هذه الوجوه الأربعة

٤٦٦

هو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة من غير فرق بين كون الشّك فى الشرطيّة والمانعيّة شكّا فى كون الشّيء شرطا للصّلاة او مانعا او شكّا فى كونه شرطا لجزئها او مانعا او شكّا فى المكلّف به من جهة تردّده بين القصر والاتمام مثلا وذلك لانّ العلم الاجمالى باعتبار واحد من الفعل والتّرك فى ماهيّة المامور به والعلم بانّه مشخّص بقيد وجودىّ او عدمىّ يقتضى عقلا تحصيل البراءة اليقينيّة ولو بالتّكرار فهو من قبيل دوران الامر بين المتباينين مع التمكّن من الموافقة القطعيّة وليس من باب الاقلّ والاكثر حتّى ينفى وجوب الزّائد ولا وجه لتوهّم كون المقام من دوران الامر بين المحذورين من حيث عدم التمكّن من المخالفة القطعيّة للمعلوم اجمالا وذلك لانّ التّخيير هناك انّما هو لاجل عدم التمكّن من الموافقة القطعيّة لعدم خلوّ المكلّف من الفعل او التّرك ولذا يكون التّخيير فيه تكوينيّا لا عقليّا ولا شرعيّا وهذا بخلاف المقام فانّه يتمكّن منها بالتّكرار بفعل العبادة تارة مع الامر المردّد واخرى مع تركه وما ذكر من انّ ايجاب الامر الواقعى المردّد بين الفعل والتّرك مستلزم لالغاء الجزم بالنّية مدفوع بالتزام ذلك ولا ضير فيه لانّ الامتثال التّفصيلى والجزم بالنيّة انّما هو فى صورة تمكّن المكلّف منه لا فى صورة التعذّر منه ومن الواضح انّ القول برعاية الجزم بالنيّة وقصد الوجه الواقعى مع عدم التمكّن منه موجب لعدم مشروعيّة الاحتياط مطلقا وهو كما ترى كما لا وجه لتفريع حكم المسألة على المختار فى تلك المسألة لما ذكرنا من انّ المقام من قبيل دوران الامر بين المتباينين ثمّ المراد من وجوب الفعل او التّرك هو الوجوب الغيرى فيخرج احتمال الحرمة الذاتيّة وبعبارة اخرى الكلام فى دوران الامر بين الوجوب والحرمة التشريعيّة فلا تغفل بقى أمور الأوّل اذا دار الامر بين الوجوب النفسىّ والغيرىّ فهنا صور ثلاث إحداها أن يعلم الوجوب الغيرىّ ويشكّ فى وجوبه النفسىّ لا اشكال ولا خلاف فى الرّجوع الى البراءة لكونه شكّا فى اصل التّكليف الثانية ان يعلم الوجوب النفسىّ ويشكّ فى وجوبه للغير والمرجع فيه ما هو المختار فى الشّك فى الشّروط والاجزاء من البراءة او الاشتغال الثّالثة أن يعلم الوجوب المطلق ويشكّ فى انّه واجب لنفسه او للغير وقضيّة مقدّمات الحكمة هو الوجوب النفسىّ لافتقار الغيرىّ الى مزيد بيان وزيادة تقييد كما يرشدك اليه قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) وحيث ليس فليس وكذا لو دار الامر بين الوجوب العينى والكفائىّ او التّعيينىّ والتّخييرى فانّ الظّاهر انّ قضيّة اطلاق الوجوب بمادّته او بصيغته بمقتضى مقدّمات الحكمة اذا كان المتكلّم فى مقام البيان كون الوجوب عينيّا تعيينيّا ولكن هذا اذا كان الوجوب محكوما به كما اذا قيل هذا واجب او افعله وامّا اذا كان محكوما عليه كما اذا قيل اذا وجب كذا فافعل كذا فقضيّة الاطلاق هى العموم البدلى لا خصوص واحد منها والسّر فى ذلك انّ الوجوب اذا كان من القسم الاوّل فامره دائر بين ارادة هذا الفرد الخاصّ

٤٦٧

منه والفرد المقابل له وبعد ما علمنا كون المتكلّم فى مقام البيان فالحكمة تستدعى ان يحمل اللّفظ على خصوص الوجوب النفسىّ دون ما يقابله وهكذا لعدم صلاحيّة اللّفظ لا رادته لانّ المفروض كونه فى مقام البيان دون الاهمال والاجمال ولم ينصب قرينة تدلّ على تعيين مراده وليس هناك قدر متيقّن فى مقام التّخاطب وارادة خصوص المقابل للوجوب النفسىّ تحتاج الى مئونة زائدة ضرورة استدعائها التّقييد والتّضييق فى دائرة الوجوب فيحمل الاطلاق على الوجوب النفسىّ وهكذا فى التّخييرى والكفائىّ فانّه يقال فى التّخييرى سواء كان بحكم الشّرع او العقل افعل امّا هذا او ذاك وفى الكفائىّ يجب عليك كفاية وامّا اذا كان من القسم الثّانى فعند الدّوران بين كون المراد منه هو خصوص هذا الفرد او العموم البدلى كان مقتضى الاطلاق مع عدم وجود ما ينصرف اليه اللّفظ هو العموم البدلى لانّه اذا كان المتكلّم فى مقام البيان وكان مراده غير العموم فاللّازم هو التّعبير على وجه التّقييد واذا لم يقيّده نستظهر كون المراد هو انحاء الوجوب على البدليّة لاحتياج ارادة الخصوص الى مزيد بيان هذا كلّه اذا كان الوجوب مستفادا من اللّفظ وكان المتكلّم فى مقام البيان والّا بان كان مستفادا من اللبّ او من الدّليل اللفظىّ الّذى لا يراد به تمام المقصود فالمرجع هو الاصل العملى وهو يختلف باختلاف المقامات لانّه اذا كان التّكليف بما احتمل كون هذا المشكوك فى كونه نفسيّا او غيريّا مقدميّا شرطا له فعليّا منجّز اوجب الاتيان به للعلم الاجمالى بوجوبه امّا نفسيّا وامّا توصّلا به الى واجب نفسىّ فعلىّ وان لم يعلم جهة وجوبه وان لم يكن التكليف المذكور فعليّا فلا يجب الاتيان به لأنّ الشّك ح فى اصل الوجوب والتكليف الفعلىّ والمرجع هو البراءة ثمّ إنّه حكى عن المصنّف ره المنع عن الاستناد الى اطلاق الهيئة لتعيين الواجب النفسىّ وبيانه انّ مفاد الهيئة ليس الّا الاشخاص والافراد الّتى لا يعقل فيها التّقييد فالامر يدور بين ارادة هذا الشّخص او ذاك لا بين المطلق والمقيّد كى يقتضى اطلاقها حملها على المطلق نعم لو كان مفاد الهيئة هو الطبيعىّ الّذى هو مفهوم الطّلب صحّ القول بالاطلاق لكنّه خلاف الواقع اذ لا شكّ فى انّ الفعل المطلوب بالصّيغة انّما يتّصف بالمطلوبيّة بالطّلب المستفاد من الامر ولا يعقل اتّصافه بها بواسطة مفهوم الطّلب ضرورة انّ الفعل انّما يصير مرادا بواسطة تعلّق واقع الارادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها ويرد عليه أنّا نمنع كون مدلول الهيئة هو الافراد والاشخاص فانّ التّحقيق فى وضع الحروف وما يضاهيها هو كون الموضوع له والمستعمل فيه معنى عامّا كالوضع فيها فكما انّ الوضع فى الكلّ عامّ فكذلك الموضوع له والمستعمل فيه فى الكلّ يكون معنى عامّا والخصوصيّة انّما جاءت من قبل الاستعمال فالمعانى الحرفيّة بما هى معان حرفيّة كلّيات وضعت الفاظها لها وتستعمل فيها ولاجل هذا كان

٤٦٨

المختار عندنا فى الواجب المشروط ما ذهب اليه المشهور من كون القيد قيدا للهيئة وبيّنّا فى محلّه انّ تصوّر المعنى الحرفى والمفهوم الآليّ يتوقّف على وجود مفهوم آخر فى الذّهن يرتبط به ولا يوجب ذلك ان يكون المفهوم المتوقّف عليه جزء من المعنى كما انّ تحقّق المعنى الحرفى فى الخارج يتوقّف على محلّ خاصّ به وذلك لا يوجب كون المحلّ جزء منه او من المستعمل فيه والّذي دعاهم الى القول بكون الموضوع له او المستعمل فيه فى الحروف خاصّا هو انّ حقيقة معانيها مأخوذة بكونها آلة لتعرّف متعلّقاتها فهى لا تحصل الّا فى الغير ولا تعقّل لها بدونه وهذا وهم لما عرفت من انّ ذلك لا يوجب ان تكون الخصوصيّة النّاشئة جزء من المعنى كما انّ الخصوصيّة النّاشئة من حيث اللّحاظ فى الذّهن لا يوجب تقييد المعنى بهذا اللّحاظ فصيغة افعل ونحوها ممّا يتضمّن معنى الانشاء ليس مدلول الهيئة فيها هو الافراد والاشخاص وكذا الكلام فى الحروف المتضمّنة لمعنى الانشاء والصّيغة موضوعة لمفهوم الطّلب ومستعملة فيه ايضا بل لا يعقل ان يكون مدلولها ما يكون بالحمل الشّائع طلبا اعنى به فرد الطّلب الحقيقى بداهة انّه من الصّفات الخارجيّة القائمة بالنّفس النّاشئة من الاسباب الخاصّة فلا يصحّ تعلّق الانشاء به نعم ربما يكون هذا الطّلب النّفسى داعيا وسببا لانشائه كما ربما يكون الدّاعى اليه غير ذلك ولا منافاة بين اتّصاف الفعل بالمطلوبيّة الواقعيّة والارادة الحقيقيّة الدّاعية الى ايقاع طلبه وانشاء ارادته بعثا نحو مطلوبه الحقيقىّ واتّصافه بالطّلب الانشائى ايضا لانّ الانشاء لا يحتاج الى زيادة مئونة وانّما هو عبارة عن قصد حصول معنى الشّيء بلفظه فالوجود الانشائىّ للطّلب ليس الّا قصد مفهومه بلفظه سواء كان هناك طلب حقيقىّ ام لا بل كان الانشاء بسبب آخر والظّاهر أنّ هذا التوهّم نشاء من تعارف التّعبير عن مفاد الصّيغة بالطّلب فتوهّم منه انّ مدلولها يكون طلبا حقيقيّا يصدق عليه الطّلب بالحمل الشائع وهذا من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق وقد انقدح بما ذكرنا انّ ما لا يكون قابلا للتّقييد هو الطّلب الحقيقى ومفاد الهيئة ليس ذلك وانّما هو مفهومه وعدم قبول الاوّل للتّقييد لا يقتضى عدم قبول مفاد الهيئة لذلك ولو سلّم كون مفاد الصّيغة هو الفرد والشّخص فهو لا يقبل التّقييد لو انشاء اوّلا غير مقيّد وامّا لو انشاء اوّلا مقيّدا فلا ضير فيه غاية الامر انّه لا بدّ من الدّلالة عليه بدالّين وهذا غير انشائه اوّلا وتقييده ثانيا وعليه ايضا فقضيّة اطلاقها وعدم ذكر دالّ آخر على كون الانشاء مقيّدا هو كون الوجوب نفسيّا الثّاني اذا علم شرطيّة شيء او مانعيّته وشكّ فى تحقّقه فى الخارج وجب عليه الاحتياط باحراز الشّرط وترك ما يحتمل كونه مانعا الّا اذا كان هناك اصل موضوعىّ لانتفاء الشّك ح تعبّدا وذلك مثل ما اذا ثبت وجوب طهارة ماء الوضوء وشكّ فى طهارة ماء او ثبت وجوب السّتر ومانعيّة لبس الحرير ولم يعلم انّ الثّوب الفلانى منه ام لا ونحو ذلك وهذا معنى قولهم انّ الشّك فى الشّرط

٤٦٩

يوجب الشّك فى المشروط ولا خلاف فى وجوب الاحتياط مع عدم اصل موضوعىّ وربما يتوهّم الفرق بين وقوع الشّك فى تحقّق الشّرط فيجب الاحتياط او المانع فلا نظرا الى انّ الاوّل لمّا كان من مقوّمات المقتضى للصحّة فلا تحقّق للمقتضى مع الشّك فى الشّرط حتّى يتمسّك فى ابقائه بالاستصحاب بخلاف الثّانى فانّ المقتضى موجود والشّك فى المانع فيدفع باستصحاب عدم المانع وفيه عدم الفرق بينهما فانّ معنى المانع هو اشتراط المأمور به بعدمه كاشتراطه بوجود الشّرط الوجودىّ الثّالث اذا علم اعتبار شيء فى المأمور به وشكّ فى انّ وجوده شرط او عدمه مانع فلا اشكال فى عدم جريان اصالة البراءة فى كلّ منهما وذلك لعدم ترتّب اثر عليها للقطع بصحّة العبادة وغيرها مع الاتيان به وبطلانها مع الاخلال به من غير فرق بين ان يكون وجوده شرطا او عدمه مانعا الثالث ما دل على مؤاخذة الجهال والفرق بينه وبين سابقه وهى الادلّة الدّالة على وجوب تحصيل العلم انّ الادلّة المذكورة هنا صريحة فى انّ تارك السّئوال معاقب بعقاب الواقعيّات لا بنفس ترك السّئوال بخلاف ما سبق من قبيل آيتى النّفر والسّئوال فانّه كما سيجيء يجرى فيه احتمال استفادة الوجوب النّفسى بالنّسبة الى التّفقه والسّئوال.

قوله (فيمن غسّل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات) بالزّاء المعجمة فى المجمع الكزّ داء يتولّد من شدّة البرد وقيل هو نفس البرد ثمّ ذكر الحديث وفى القاموس فى كرّ بالمهملة الكرير كامير صوت فى الصّدر كصوت المنخنق كمّل وقلّ قوله (على صدق دعواه او كذبها فتامّل) الظّاهر انّه اشارة الى انّ التّنظير انّما هو فى انحصار طريق العلم فى المقامين بالفحص وحكم العقل فيهما بوجوب دفع الضّرر المحتمل وان كان وجوب الفحص فى المقام شرعيّا ايضا وفى تلك المسألة عقليّا محضا كما انّها ليست موردا للرّجوع الى البراءة اصلا ولو بعد النّظر والفحص لحصول العلم حينئذ بصدق المدّعى او كذبه وبالجملة لا اشكال فى عدم جريان البراءة العقليّة فى الاحكام الشرعيّة الّا بعد الفحص واليأس عن الظّفر بالحجّة وفقد ما يصلح لاحتجاج المولى او اعتذار العبد به وامّا مع عدم الفحص فلا يرى العقل للعبد صحّة الاعتذار بجهله ويرى للمولى صحّة الاحتجاج على العبد والمراد بالبيان الماخوذ فى حكم العقل بقبح العقاب بدونه هو الحجّة لا البيان الواصل فما لم يتحقّق موضوع حكمه بالبراءة لا يكون الجاهل معذورا عنده قوله (والنّقل الدالّ على البراءة فى الشّبهة الحكميّة) مقتضى اطلاق ادلّة البراءة هو جواز العمل بها من غير فحص فى موردها فانّ ظاهر قوله ع رفع ما لا يعلمون وقوله ع كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام مثلا هو رفع جميع الآثار بمجرّد عدم العلم وحليّة جميع الاشياء الى الغاية المذكورة والمناسب مع مقام الامتنان خصوصا مع كونه ع بصدد بيان الحكم الفعلىّ هو كون ما لا

٤٧٠

يعلم مرفوعا عن القادر على الاستعلام وان تكون الحليّة ثابتة فى مورد الشّبهة ولو مع القدرة على الفحص الّا انّها معارضة بما تقدّم من الاخبار الدّالة على المؤاخذة على ترك التعلّم المقتضية لوجوب الفحص وبما دلّ على وجوب التوقّف ولا اشكال فى اقوائيّة هذه خصوصا ما دلّ على المؤاخذة على ترك التعلّم فيؤخذ بظهورها ويقيّد بها اطلاق حديث الرّفع ونحوه ويحمل على صورة الفحص واليأس ولا يصحّ الجمع بحمل الطّائفة الأولى على مورد العلم الاجمالى فانّ المؤاخذة لو كانت فى مورده لم يكن ح وجه للاحتجاج بقوله هلّا تعلّمت فانّ المفروض كونه عالما وكان المناسب للاحتجاج ان يقال لم ما علمت ولم تركت الاحتياط مع استقلال العقل به فمن ترك ذلك والعدول الى التعبير المذكور يستكشف انّ موردها صورة المخالفة لامر او نهى شكّ فيه ولم يتفحّص عنه قوله (فتامّل وراجع ما ذكرنا فى ردّ استدلال الاخباريّين) قرّر الدّليل أوّلا بحصول العلم الاجمالى بوجود احكام كثيرة فى الشّريعة فلا يجوز الرّجوع الى البراءة قبل الفحص فانّ مع هذا العلم يكون المقام من الشّك فى المكلّف به من شبهة الكثير فى الكثير الملحقة بالشّبهة المحصورة حكما وان خرجت عنها موضوعا واستشكل ثانيا بانّ مع هذا العلم الاجمالى لا مقتضى للبراءة بعد الفحص ايضا بل اللّازم هو الاحتياط فانّه يكون من دوران الامر بين المتباينين واجاب عنه بأنّ المعلوم بالاجمال هو وجود واجبات ومحرّمات فيما بايدينا من الكتب بحيث يمكن الوصول الى مداركها لا وجودها فى الواقع واللّازم حينئذ هو عدم اجراء البراءة قبل الفحص وامّا بعده فيخرج الواقعة عن اطراف العلم وصحّ الرّجوع الى البراءة ثمّ انكر هذا الجواب فيبقى الاشكال بعدم تماميّة هذا الدّليل ثمّ افاد بانّه لو تمّ هذا الدّليل بالجواب المذكور فهو اخصّ من المدّعى فانّ غايته وجوب الفحص عن مقدار من الاحكام يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه وامّا بعد الفحص والاطّلاع على هذا المقدار يرجع الشّك الى غير المقرون بالعلم الاجمالى وينحلّ الى الاقلّ والاكثر ولا يبقى موجب لوجوب الفحص فى العمل بالبراءة والسّر فى الانحلال ما ذكره من الامرين فى ردّ استدلال الاخبارى على وجوب الاحتياط فى الشّبهة التحريميّة فراجع والحاصل انّ الدّليل الخامس لا يفى بلزوم الفحص فى كلّ شبهة ترد على المكلّف لا يقال انّ استعلام جملة من التّكاليف يحتمل انحصار المعلوم اجمالا فيها انّما يوجب انحلال العلم الاجمالى اذا كانت اطراف العلم مردّدة بين الاقلّ والاكثر وامّا اذا كان متعلّق العلم الاجمالى عنوانا كما لو علم شخص باشتغال ذمّته لزيد بما هو مكتوب فى الدّفتر فلا يصير العلم منحلّا بالعلم التّفصيلى بمقدار من الدّفتر يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه وليس له الاخذ بالاقلّ بل لا بدّ من الفحص التامّ عن جميع ما فيه وما نحن فيه من هذا القبيل لانّ المعلوم بالاجمال فى المقام هى الاحكام الموجودة فيما بايدينا من الكتب ولازم ذلك هو الفحص التامّ عن جميع ما فى تلك الكتب فإنّه يقال

٤٧١

لو سلّمنا تعلّق العلم الاجمالى بخصوص عنوان ما فى الكتب فمن الواضح انّ هذا العنوان بنفسه ليس له مدخليّة فى اطراف العلم بل انّما هو علامة للاشارة الى اطراف المعلوم بالاجمال فانّها هى الّتى تعلّق بها العلم الاجمالى فى الحقيقة ولا محالة يكون اطراف العلم مردّدة بين الاقلّ والاكثر وكذا الكلام فى مثال الدفتر فانّ بعد الفحص عمّا فيه وحصول العلم التّفصيلى بمقدار يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيه يكون العلم الاجمالى منحلّا ووجوب الفحص التامّ عن جميع ما فيه ليس من حيث العلم الاجمالى بل انّما هو من حيث حكم العقل بعدم معذوريّة الجاهل القادر على الاستعلام وهو الدّليل الرّابع الّذى يستدلّ به على وجوب الفحص فى المقام ايضا من غير مدخليّة لدليل العلم الاجمالى فلا تغفل قوله (غير مندفع بما يأمن معه من ترتّب الضّرر) كاندفاع احتمال الضّرر بادلّة البراءة فى الشّبهات البدويّة لغير القادر على الفحص وغير العاثر بعد الفحص قوله فلعدم المقتضى للمؤاخذة عدا ما يتخيّل) وهو امران الاوّل ظهور صيغة الامر فى الوجوب النفسىّ لانّه مقتضى اطلاقها بالبيان المتقدّم فيحمل الاوامر الواردة فى الكتاب والسنّة على وجوب التفقّه والسّئوال عليه ولا داعى لصرفها عن ظاهرها الثّانى قبح التجرّى فانّ له مراتب خمس منها ارتكاب الفعل مع عدم الامن من العقاب فانّ الاقدام على ما لا يؤمن من كونه ضررا كالاقدام على ما علم انّه كذلك وان اختلفا فى الشدّة والضّعف كما صرّح به جماعة ويدفع الاوّل بانّ الظّاهر من الاوامر وان كان هو الوجوب النفسىّ اذا كانت مجرّدة عن القرينة الّا انّ القرينة العامّة فى تلك الآيات والاخبار قائمة على ارادة الوجوب الغيرى منها كظهور نوع الأوامر الواردة عقيب الحظر والاوامر الواردة فى مقام بيان الاجزاء والشّرائط فانّ الخطابات الأمرة بالفحص والسّئوال ظاهرة بالنّوع فى الوجوب الارشادى الغيرى وفى انّها منساقة لبيان وجوب العمل بالاحكام وانّه لا يحصل غالبا الّا بالمعرفة والعلم والسّئوال فهى بجوهرها منصرفة الى هذا المعنى مضافا الى تقيّد الوجوب فى كثير منها بغاية العمل مثل قوله ع فى الخبر المتقدّم فى تفسير الحجّة البالغة هلّا تعلّمت حتّى تعمل ومثل قوله ص قتلوه قتلهم الله الّا سألوا الّا تيمّموه وما يقال انّ التّقييد بالغاية لو كان مؤثّرا فى كون الوجوب غيريّا لزم كون جميع الواجبات غيريّة وانحصار الواجب النفسىّ فى المعرفة والشّكر والتقرّب الى ما هو غاية الغايات فيمنع بانّ الغاية قد تطلق على طرف الشّيء كغاية الارض بمعنى سطحها وقد تطلق على المسافة كما يقال حتّى لانتهاء الغاية وقد تطلق على فوائد الشيء والاغراض المقصودة منه كجلوس السّلطان على السّرير فانّه علّة غائيّة لصناعة السّرير مقدّمة عليه فى التصوّر ومؤخّرة عنه فى الوجود ولهذا قالوا اوّل الفكر آخر العمل والغاية بالمعنى الاخير على نوعين نوع يتّحد مع المغيّا

٤٧٢

فى الوجود بمعنى انّه يترتّب عليه بعد فعله قهرا من غير انفصال عنه فى الوجود كالتقرّب والزّلفى واستحقاق الثّواب والعقاب بالنّسبة الى العبادات فانّها غير منفصلة عنها ولا يطلب فعلها بعد فعل مغيّاها فانّها من لوازمه القهريّة ولا يصحّ ان يسند الى العبد بان يكون فاعلا لهذه الغايات فهى من قبيل لوازم الماهيّة كالزّوجيّة للاربعة ونوع منفصل عن المغيّا فى الوجود ومستقلّ فيه متمايز عنه يحتاج حصوله الى عمل آخر وينسب فعله الى الفاعل فيقال انّه فعل كذا وفعل كذا ويصحّ من الأمر ان يطلب الغاية بعد ان طلب المغيّا ويجعل احدهما طريقا للوصول الى الأخر وشتّان ما بين النّوعين لعدم منافات الاوّل لكون الطّلب المتعلّق بالمغيّا نفسيّا لما عرفت من عدم تعدّد الطّلب فيه بخلاف الثّانى لفرض صحّة تعدّد الطلب وكون العمل بالاحكام غاية لوجوب الفحص والمعرفة من النّوع الاخير وما اورد به النّقض من الاوّل ويدفع الثّانى بما تقدّم فى بحث التجرّى.

قوله (وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه) قال المقدّس الاردبيلى فى شرح الارشاد واعلم ايضا انّ سبب بطلان الصّلاة فى الدّار المغصوبة مثلا هو النّهى عن الصّلاة فيها المستفاد من عدم جواز التصرّف فى مال الغير وانّ النّهى مفسد للعبادة فلا تبطل صلاة المضطرّ ولا النّاسى ولا الجاهل لعدم النّهى حين الفعل ولانّ النّاس فى سعة ما لا يعلمون وان كان فى الواقع مقصّرا ومعاقبا بالتّقصير ولعلّ قول المصنّف ره وان جهل الخ المراد به عدم علمه بالبطلان لا التحريم وان كان ظاهر كلامه غير ذلك وفهم من غير هذا المحلّ انتهى وهذا الكلام صريح فى كون الجاهل المقصّر معاقبا من جهة ترك الفحص والسّئوال وقال سيّد المدارك فى شرح قول المحقّق واذا اخلّ المصلّى بازالة النجاسة عن بدنه او ثوبه اعاد فى الوقت وخارجه اذا اخلّ المصلّى بازالة النّجاسة الّتى تجب ازالتها فى الصّلاة عن ثوبه وبدنه فامّا ان يكون عالما بالنّجاسة ذاكرا لها حالة الصّلاة او ناسيا او جاهلا فهنا لمسائل ثلاث الاولى ان يسبق علمه بالنّجاسة ويصلّى ذاكرا لها ويجب عليه الاعادة فى الوقت والقضاء فى خارجه قال فى المعتبر وهو اجماع من جعل طهارة البدن والثّوب شرطا واطلاق كلام الاصحاب يقتضى انّه لا فرق فى العالم بالنّجاسة بين ان يكون عالما بالحكم الشّرعى او جاهلا بل صرّح العلّامة وغيره بانّ جاهل الحكم عامد لانّ العلم ليس شرطا فى التّكليف وهو مشكل لقبح تكليف الغافل والحاصل انّهم ان ارادوا بكون الجاهل كالعامد انّه مثله فى وجوب الاعادة فى الوقت فهو حقّ لعدم حصول الامتثال المقتضى لبقاء المكلّف تحت العهدة وان ارادوا انّه كالعامد فى وجوب القضاء فهو على اطلاقه مشكل لانّ القضاء فرض مستأنف فيتوقّف على الدّليل فان ثبت مطلقا او فى بعض الصّور ثبت الوجوب والّا فلا وان ارادوا انّه كالعامد فى استحقاق العقاب فمشكل لانّ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق نعم هو مكلّف بالبحث والنّظر اذا علم وجوبهما بالعقل او الشّرع فيأثم

٤٧٣

بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح انتهى وقال المحقّق السّبزوارى فى شرح عبارة الارشاد ولو صلّى مع نجاسة ثوبه او بدنه اعاد فى الوقت وخارجه فى الذّخيرة نقل الفاضلان الاجماع عليه ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال ان رأيت المنى قبل او بعد ما تدخل فى الصّلاة فعليك اعادة الصّلاة وان نظرت فى ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا اعادة عليك وكذلك البول وصحيحة محمّد بن اسماعيل الجعفى وحسنة محمّد بن مسلم وقد مضى فى حكم الدّم الّذى هو اقلّ من الدّرهم وحسنة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل اصاب ثوبه جنابة قبل ان يصلّى ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه ان يعيد ما صلّى وان كان يرى انّه اصابه شيء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء الى غير ذلك من الأخبار إلى ان قال واطلاق الاصحاب يقتضى عدم الفرق بين ان يكون عالما بالحكم الشّرعى او جاهلا بل صرّح المصنّف وغيره بانّ جاهل الحكم عامد لانّ العلم ليس شرطا للتّكليف واستشكله بعضهم وهو صاحب المدارك بقبح تكليف الغافل ثمّ قال اى صاحب المدارك والحاصل انّهم ان ارادوا الى آخر ما عرفته ثمّ قال بعد نقل كلام صاحب المدارك وبالجملة الظّاهر انّ التّكليف متعلّق بمقدّمات الفعل كالنّظر والسّعى والتعلّم والّا لزم تكليف الغافل او التكليف بما لا يطاق والعقاب يترتّب على ترك النّظر لكن لا يبعد ان يكون متضمّنا لعقاب التّارك مع العلم ولا يخفى انّه يلزم على هذا ان لا يكون الكفّار مخاطبين بالاحكام وانّما يكون مخاطبين بمقدّمات الاحكام وهذا خلاف ما قرّره الاصحاب وتحقيق هذا المقام من المشكلات والغرض الفقهىّ متعلّق بحال الاعادة والقضاء وهما ثابتان فى المسألة المذكورة بعموم الاخبار السّابقة انتهى وغرضه من عبارته المذكورة انّ التكليف بالفعل ان كان جائزا قبل خروج الوقت لزم تكليف الغافل وان كان بعده لزم التكليف بما لا يطاق قوله (وفهم منه بعض المدقّقين) هو المحقّق الخوانسارى فى حاشية الرّوضة فى باب الصّوم وقد اورد على صاحب الذّخيرة فى بحث مقدّمة الواجب بانّ الالتزام بكون العقاب على ترك المقدّمات خلاف الاجماع وحكم العقل وسيرة العرف والعقلاء وبانّ مقتضاه الالتزام بترتّب الثّواب عليها ايضا دون ذيها قوله (ويمكن توجيه كلامه) ويجرى هذا التّوجيه فى كلام الاردبيلى وصاحب الذّخيرة ايضا ويتأكّد هذا التّوجيه فى كلام الاخير حيث حكى عنه انّه صرّح فى رسالته الّتى افردها فى مقدّمة الواجب باستحقاق العقاب على ذى المقدّمة حين ترك المقدّمة قوله (ولكن بعض كلماتهم ظاهرة فى الوجه الاوّل) كلمات المشهور وان كانت محتملة لكلّ من الوجوه الثّلاثة الّا انّ الظّاهر من كلام اكثرهم هو الوجه الاوّل ويشهد بذلك أمور الأوّل انّهم يحكمون بفساد الصّلاة فى المغصوب جاهلا بالحكم معلّلا بانّ

٤٧٤

الجاهل كالعامد الثاني استدلالهم بانّ الجاهل المقصّر يعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة فى الشّريعة فلا يكون معذورا وقد صرّح العلّامة فيما عرفته من نقل صاحب المدارك بنفى كون العلم التّفصيلى شرطا فى التكليف الثالث انّهم لم يفرّقوا فى كون الجاهل المقصّر مكلّفا بالواقع ومعاقبا على تركه بين الواجبات المطلقة المحقّقة شرائطها والواجبات الموقّتة بالبيان المذكور فى المتن قوله (وممّا ذكرنا من عدم التّرخيص يظهر الفرق الخ) فانّ الجاهل بالموضوع لا يجب عليه الفحص فى احراز الموضوع والكراهة الواقعيّة لا تضرّ مع التّرخيص الظّاهرى فالصحّة وعدم العقاب مستندان الى التّرخيص الظّاهرى كما أنّ الصحّة وعدم العقاب بالنّسبة الى الغافل عن الموضوع مستند ان الى قبح التّكليف الفعلىّ بالاحتراز لاجل الغفلة مع التّرخيص الظّاهرى وكذا الكلام بالنّسبة الى ناسى الغصبيّة من حيث عدم النّهى الفعلى وان لم يكن فيه التّرخيص وتامّل بعضهم كالعلّامة وبعض من تاخّر فى الصحّة من حيث انّهم جعلوا التّرخيص الظاهرى والاذن شرطا فى صحّة الصّلاة لا وجه له نعم لو كان النّاسى مقصّرا فى الحفظ لا يبعد القول بعصيانه للتّقصير كما انّه كذلك فى ناسى الحكم المستند نسيانه الى التّقصير وامّا ناسى الحكم اذا كان قاصرا فلا اشكال فى صحّة عبادته لعدم النّهى الفعلى ووجود التّرخيص الظّاهرى قوله (مدفوع مضافا الى عدم صحّته فى نفسه) لانّه ان اريد اجتماع الصّلاة المامور بها مع ما هو مبغوض بالمبغوضيّة الفعليّة المستلزمة لاستحقاق العقاب فهى فى حال الغفلة ممنوعة لوضوح عدم الفرق بين النّهى الفعلى والمبغوضيّة الفعليّة وكما يقبح الاوّل يقبح الثّانى ايضا وان اريد اجتماعها مع المبغوضيّة الشّأنيّة فكونها منافيا للامر اوّل الكلام ويحكمون بصحّة الصّلاة مع الجهل بالموضوع والحال انّ المبغوضيّة الشأنيّة غير مرتفعة قوله (لعدم النّهى عنه وان كان آثما بالخروج) قد يقال انّ حكم المشهور فيمن توسّط ارضا مغصوبة هو صحّة الصّلاة فى حال الخروج لكونه مأمورا به من دون نهى ومعصية وكلامهم هذا صريح فى عدم كون الخروج مبغوضا وعدم كونه آثما به قوله (دون الأخير انّه يلزم ح عدم العقاب) اى على الوجه الاخير مع انّهم يلتزمون باستحقاق العقاب فى التّكاليف الموقّتة وهو مؤيّد لارادة المشهور الوجه الاوّل وهر توجّه النّهى الى الغافل حين غفلته قوله (ومن هنا قد يلتجئ الى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك) اى من جهة قبح توجّه الخطاب الى الغافل والتزامهم بالاستحقاق مع عدم موجب له فى المفروض قوله (على ترك التّكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة فتامّل) اشارة الى انّ الالتزام بتنجّز الوجوب بالنّسبة الى المقدّمة فى حكم العقل مع عدم تحقّق شرط وجوب ذيها مناف لقضيّة تبعيّة وجوب المقدّمة لوجوب ذيها على ما حقّق فى

٤٧٥

بحث وجوب المقدّمة من انّ الوجوب التبعىّ الغيرىّ الثّابت للمقدّمة لا يعقل انفكاكه عن الخطاب المتعلّق بذيها بعد الحكم بثبوت التّلازم بينهما فوجوب المقدّمة على نحو وجوب ذيها ان مطلقا فمطلقا وان مشروطا فمشروطا فلا معنى لتنجّز وجوب المقدّمة مع عدم تنجّز وجوب ذيها ولكنّ الانصاف عدم الاستبعاد فى ذلك بعد كون الحاكم هو العقل المستكشف ببناء العقلاء وسيجيئك توضيحه ولا بأس بتوضيح الكلام فى هذا المقام فنقول انّ المقصود بالبحث هنا انّما هو الكلام فى معذوريّة الجاهل البسيط فى مخالفة الواقع وعدمه والبحث عن انّ تكليف الغافل والجاهل المركّب قبيح او تكليف بما لا يطاق لا دخل له بما هو المقصود فى المقام لوضوح انّ الكلام فى المقام انّما هو فى اشتراط لزوم الفحص فى اجراء البراءة ولا يتصوّر فى حقّ الغافل الرّجوع اليها وذكره فى المقام انّما هو بمناسبة انّ عقاب الجاهل هل هو لمخالفة الواقع او لكون التعلّم واجبا نفسيّا والبحث عنه فى كلام صاحب المدارك وغيره كما عرفت مضافا الى انّ المقصود فى المقام هو بيان عدم معذوريّة الجاهل البسيط فى مخالفة الواقع قبل الفحص سواء عرض له الغفلة فى زمن العمل بعد شكّه ام لا ثمّ انّ الحقّ هو استحقاق الجاهل العامل قبل الفحص للعقاب على مخالفته للواقع اذا اتّفقت مط سواء كان جهلا بسيطا وملتفتا الى وقت العمل او عرض له الغفلة او كان غافلا رأسا والدّليل على ذلك هو ما اشار اليه المصنّف من وجود المقتضى وهو الخطاب الواقعى الدالّ على وجوب شيء او تحريمه ولا مانع عنه عدا ما يتخيّل من جهل المكلّف به وهو غير قابل للمنع عقلا ولا شرعا وذلك لانّ انشاء الشّارع للاحكام وثبوتها فى الواقع يمتنع ان يكون موقوفا على العلم به وكذلك تنجّزه الّذى هو من مراتبه وشئونه بحسب حكم العقل ليس مشروطا بالعلم به وان شئت قلت انّ الاحكام الواقعيّة لا يحتاج تنجّزها وصحّة العقوبة عليها الى العلم التّفصيلى او الاجمالى بل ثبوت الحكم واقعا كاف فى ذلك الّا اذا كان هناك عذر ومانع عن العقوبة كالجهل الباقى بعد الفحص فاذا التفت المكلّف الى الاحكام الواقعيّة وخالف الواقع بلا فحص عنه صحّت العقوبة عليه لعدم المعذوريّة وليست صحّتها لاجل العلم الاجمالى بثبوت احكام فى الشّريعة بل لو ادرك من الاحكام بمقدار معلومه الاجمالى وشكّ فى حكم آخر واتّفقت المخالفة بلا فحص استحقّ العقاب عليه لما عرفت من ثبوت الحكم فى الواقع وانتفاء العذر امّا عقلا فلانّه لا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب او الفاعل للحرام اذا علم انّ بناء الشّارع على تبليغ الاحكام على نحو المعتاد وكان قادرا على ازالة الجهل عن نفسه وامّا النقل فظاهر لانّ ادلّة البراءة انّما تختصّ بالعاجز وما ذكرنا من عدم معذوريّة الجاهل فى مخالفة الواقع قبل الفحص من حيث عدم اشتراط التكليف فى نفس الامر ولا تنجّزه بالعلم به حقّ لا محيص عنه وان قلنا بكون تحصيل العلم واجبا نفسيّا كما هو واضح ولا فرق فى عدم المعذوريّة بين

٤٧٦

الشاكّ والجاهل المركّب والغافل اذا كان عروض الجهل والغفلة بعد الالتفات والتّقصير لما عرفت من انّ الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار خطابا وعقابا نعم إذا كان جاهلا قاصرا كان عروض الجهل والغفلة للجاهل المركّب والغافل قبل الالتفات او بعده وقبل التّقصير فهو معذور خطابا وعقابا لانّ الامتثال غير ممكن لهما فالتّكليف غير منجّز فى حقّهما وان كان ثابتا فى الواقع ويكونان مثل الشاكّ بعد الفحص واليأس من حيث عدم تنجّز التكليف الثّابت فى الواقع فى حقّه وان افترقا فى حسن الاحتياط فى حقّ الاخير لتمكّنه من الامتثال ثمّ بعد البناء على كون العقاب لاجل مخالفة الواقع اختلفوا فى زمان الاستحقاق وانّه هل هو زمان ترك المقدّمة ام يترقّب حضور زمان المخالفة فيما كان زمان ترك ذى المقدّمة متاخّرا عن زمان المقدّمة ظاهر المتن كما تقدّم هو الاوّل ثمّ انّه قد اشكل عليهم الامر فى الواجب المشروط والموقّت والجواب عنه بوجوه الاوّل بما ذكرنا من انّ العقاب لا يتوقّف على العلم ووجوب العلم ليس وجوبا غيريّا مقدّميّا بالمعنى المعروف للمقدّمة لانّ العلم بالحكم كما لا يكون مقدّمة وجوبيّة كذلك لا يكون مقدّمة وجوديّة لوجود الواجب بحيث يسرى الامر به من الامر بذى المقدّمة حتّى يشكل بانّه ما دام ذو المقدّمة غير واجب كيف يجب مقدّمته وكذلك لا يكون وجوبه مقدّمة علميّة كالصّلاة الى اربع جهات بل الظّاهر انّه من مقدّمات الاطاعة العقليّة ووجوبه كوجوب نفس الاطاعة ارشادىّ محض فوجوبه ليس الّا للارشاد الى التوصّل الى الاحكام وعدم فوتها عن المكلّف فوجوب التعلّم كوجوب الاطاعة يحكم به العقل ارشادا اذ المصلحة المترتّبة عليه ليس سوى ادراك مصلحة المأمور به فهو واجب للغير لا واجب غيرىّ مقدّمى بالمعنى المعروف وان اشترك معه فى كون وجوبه تبعا للامر النفسىّ المتعلّق بالاحكام ومعلولا له ويجوز عند العقل والعقلاء المؤاخذة على ترك المشروط او الموقّت اذا تمكّن منهما فى الجملة ولو بان يفحص ويعلم حين ما التفت الى انّ فى الشّرع احكاما ويظهر ذلك من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم للعبيد على ترك الواجبات المشروطة او الموقّتة بترك استطلاعهم قبل الشّرط او الوقت المؤدّى الى تركهما بعد حصوله او دخوله الثّانى الالتزام بما هو مختار المصنّف ره فى الواجبات المشروطة وكون المشروط او الموقّت معلّقا لكنّه قد اعتبر على نحو لا تتّصف مقدّماته الوجوديّة بالوجوب قبل الشّرط او الوقت غير التعلّم فيكون الايجاب حاليا والواجب استقباليّا الثّالث الالتزام بانّ العلم واجب نفسىّ وان كانت الحكمة فى ايجابه هو التهيّؤ وصيرورة المكلّف قابلا لتوجّه التّكليف اليه وتمكّنه من الاطاعة والامتثال للاحكام الواقعيّة نظير وجوب العلم بالموضوعات المستنبطة كالصّلاة والصّيام والطّهارات الثّلاث وغيرها وثبوت هذه الحكمة فى وجوب العلم بهما لا ينافى كونه واجبا نفسيّا فكما أنّ وجوب التّفقه يكون واجبا

٤٧٧

نفسيّا كفائيّا مع قطع النّظر عن عمل المكلّفين من جهة حفظ الاحكام عن الاندراس بالاتّفاق فكذلك لا بأس فى ان يكون وجوب العلم والمعرفة واجبا نفسيّا عينيّا للتمكّن من امتثال الاحكام الواقعيّة المكلّف بها ولا يخفى انّ هذا خلاف ظاهر ادلّة وجوب طلب العلم لظهورها فى كونه واجبا غيريّا نعم لا بأس بارجاعه الى الوجه الاوّل لقيام احتمال ارادة بعض القائلين به ما قرّرناه من حكم العقل به ارشادا.

قوله (ولا خلاف ظاهرا فى ذلك ايضا الّا من بعض الخ) هو النّراقى فى المناهج قوله (التفصيل بما مرّ فى مسئلة نقض الفتوى بالمعنى الثّالث) قد ذكر ثمّة لنقض الفتوى معان احدها ابطال الفتوى الاولى من رأس والحكم بعدم كونها حكم الله فيما مضى وانّها لاغية لا خلاف فى عدم جوازه ثانيها أن لا يعمل بالاولى فى الزّمان الثّانى ويبنى اعماله المتجدّدة على الثانية لا خلاف فى جوازه لانّه لازم تغيّر الرّأى ثالثها ابطال الآثار المترتّبة على عمل صادر فى الزّمان الاوّل بفتواه الاولى الّتى لو لا تغيير الرّأى لقطع بترتّب تلك الآثار على ذلك العمل وذكر فى ذلك تفصيل جدّدها فى المقام قوله (واذا تأمّلت فيما ذكرنا عرفت مواقع النّظر) منها إنّ الحقّ كون التّسبيبات الشرعيّة راجعة الى تكاليف شرعيّة واعتبار الجعل الواقعى والظّاهرى فى الاحكام الوضعيّة لا معنى له ومنها إنّ الاحكام الوضعيّة على القول بتأصّلها هى امور واقعيّة مجعولة كالاحكام التكليفيّة فى قبال الامور الخارجيّة الغير المجعولة كحياة زيد وموت عمرو فوجودها الجعلى فى الواقع تابع لجعل الشّارع من غير فرق بين حالات المكلّف من حيث العلم والظّن والشّك فى وجودها ومنها إنّ على القول بتأصّلها كما لا فرق فى وجودها بين حالات المكلّف من حيث العلم واخويه كذلك لا فرق فى قيام الطّريق قبل وجود ذى الاثر او معه او بعده ومقتضى الجعل انّ بعد حصول الطّريق يجب ترتيب الاثر على ذى الاثر من حين حصوله ومنها فساد ما ذكره من الفرق بين ما اختصّ بشخص او اشخاص وما لا يختصّ باحد فانّه اذا كان العقد الصّادر من الجاهل سببا للزّوجيّة ترتّب احكام تلك الزّوجية من غير فرق بين نفس الزّوجين وغيرهما ومنها إنّ ما ذكره من كون الغافل فى حكم المجتهد او المقلّد لانّه يتعبّد باعتقاده كتعبّد المجتهد باجتهاده والمقلّد بتقليده ما دام غافلا واذا تنبّه وخالف اعتقاده قول من يقلّده فهو كالمجتهد المتبدّل رأيه لا وجه له فانّ الغافل وان كان معذورا عند العقل على تقدير الخطاء اذا كان قاصرا الّا انّه لا يتعلّق به امر من الشّرع او العقل اصلا فالغافل لا يكون مكلّفا بالواقع ما دام معتقدا فاذا زال الاعتقاد رجع الامر الى الواقع ومختار المصنّف قدس‌سره فى تبدّل رأى المجتهد وان كان

٤٧٨

هو الكشف عن الحال حين الصّدور فيعمل بمقتضى ما انكشف كما صرّح به فى المقام الّا انّ تلك المسألة ليست كوضوح مسئلة الجاهل الغافل وقد خالف فى تلك المسألة جماعة لوجود الامر الجعلى من الشّارع قوله (كان كاشفا عن حاله حين الصّدور فيعمل بمقتضى ما انكشف) لا يخفى انّ الاخذ بما انكشف اتّفاقى اذا انكشف الواقع الاوّلى انكشافا علميّا كما لو علم الخطاء فى النّظر السّابق وامّا الاخذ بما انكشف انكشافا ظنيّا كما هو المفروض فمضافا الى الخلاف المشار اليه فى المتن خالف فيه جماعة بالنّسبة الى الاعمال السّابقة مط وذهبوا الى الاجزاء امّا من حيث القول بالسّببية والموضوعيّة وامّا من حيث القول بتدارك المصلحة الفائتة لو تخلّف الطّريق عن الواقع ووجود الامر بالطّريق فى السّابق المقتضى للاجزاء وتمام الكلام فى محلّه قوله (وربما يتوهّم الفساد فى معاملة الجاهل الخ) ولعلّ هذا التوهّم مبنى ما فصّله بعض المشايخ فى فصوله فى مقام تجديد رأى المجتهد من انّه ان كانت الواقعة ممّا يتعيّن فى وقوعها شرعا اخذها بمقتضى الفتوى فالظّاهر بقائها على مقتضاها السّابق فيترتّب عليها لوازمها بعد الرّجوع وان كانت ممّا لا يتعيّن اخذها بمقتضى الفتوى فالظّاهر تغيّر الحكم بتغيّر الاجتهاد انتهى والظاهر أنّ غرضه من تعيين اخذها بمقتضى الفتوى عدم وقوعها لو لا الفتوى بملاحظة التردّد المنافى لقصد القربة فى العبادات والمنافى للانشاء فى المعاملات ومن عدم تعيين الاخذ بمقتضى الفتوى وقوعها ولو مع عدم وجود الفتوى كالاعمال الّتى لا يتوقّف وقوعها شرعا على انشاء او قصد قربة كالغسل والذّبح ونحوهما قوله (ثمّ انّ مرآة مطابقة العمل الصّادر للواقع العلم بها او الطّريق الخ) اى الطّريق الفعلى من اجتهاد او تقليد فالغافل والجاهل البسيط العامل قبل الفحص والمجتهد والمقلّد الّذى تبدّل اجتهاده او تقليده يكون المناط فى مطابقة عمله الصّادر سابقا للواقع مع عدم العلم بها هو الطّريق الفعلىّ فلو عمل الجاهل او الغافل عملا ثمّ بنى على الاجتهاد والتّقليد فان وافق عمله رأى من يجب عليه تقليده فعلا او وافق اجتهاده الفعلىّ كان عمله مجزيا ولو كان مخالفا لرأى من كان يجب عليه تقليده حين العمل ومع العكس لم يكن مجزيا وكذا الكلام في المجتهد والمقلّد فانّ اللازم عند المصنّف وينسب الى المشهور اعادة كلّ عمل خالف اجتهاده اللّاحق او تقليد كذلك وذلك لما عرفت من البناء على انّ اعتبار الظّن الاجتهادى والفتوى ليس الّا من حيث الطريقيّة المحضة وانّ الطّريق لا يفيد مع مخالفته للواقع الّا المعذوريّة ما دام قائما إلّا انّ الظّاهر قيام الاجماع على الاجزاء وعدم الاعادة والقضاء فى باب العبادات اذا كان العمل السّابق عن اجتهاد او تقليد فيبقى غيرها على ما اقتضته القاعدة قوله (وتوهّم انّ ظنّ المجتهد

٤٧٩

او فتواه لا يؤثّر الخ) كما تقدّم من النّراقى ويظهر من صاحب الفصول الميل اليه.

قوله وقد استثنى الاصحاب من ذلك القصر والاتمام) من الجلىّ الواضح انّ الاستثناء راجع الى الجاهل المركّب والّا فالجاهل البسيط العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص يكون عمله العبادى باطلا مط وافق الواقع ام خالفه والشاكّ المتردّد لو أتى بالتّمام فى السّفر فهو كما لو أتى بالقصر متردّدا يحكم بالبطلان اتّفاقا وان شئت قلت انّ العامل بما يقتضيه البراءة مع الشّك حين العمل لا يصحّ عبادته وغير معذور فيها لا من حيث التكليف ولا من حيث الوضع وان انكشف مطابقة العمل للواقع ثمّ ما تسالموا عليه فى الخروج عن الملازمة المذكورة واجمعوا فيه على صحّة العمل المأتيّ به حال الجهل بالحكم مع استحقاق الجاهل للعقاب الجهر بالقراءة فى موضع وجوب الاخفات وبالعكس والاتمام فى موضع وجوب القصر من دون عكس الّا عن بعض حيث افتى بصحّة الصّلاة ايضا فى خصوص ما اذا قصّر المقيم جهلا بالحكم وبتخيّل انّ حكمه حكم المسافر متمسّكا برواية دلّت على ذلك والمشهور على بطلان الصّلاة عند القصر فى موضع التّمام مط حتّى فى الصّورة المفروضة ولم يعملوا بتلك الرّواية وظاهر عبارة المتن هو ورود الاشكال فى خصوص الجاهل المقصّر على تقدير القول بعدم معذوريّته بالنّسبة الى المؤاخذة مع انّه لا يتفاوت الحال من حيث الاشكال بين القاصر والمقصّر لانّ الاشكال انّما هو فى انّ بعد البناء على عدم كون الجاهل معذورا بالنّسبة الى الحكم التّكليفى يكون التّكليف بالواقع وهو القصر مثلا بالنّسبة الى المسافر باقيا وما يأتى به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب ضرورة انّ الاسقاط فى العبادات لا يتصوّر الّا بعد الاطاعة وليس كالاسقاط فى التوصليّات حتّى يجامع الحرام فضلا عن غير الواجب وان كان مامورا به فكيف يجتمع الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر ومن اجله يعاقب على تركه فى الجاهل المقصّر وان شئت قلت فى تقرير الاشكال على كلّ من تقديرى الجاهل قاصرا او مقصّرا انّه لا ريب فى كون الواجب فى الواقع فى حقّهما هو القصر مثلا اذ تقييد التّكليف بالعلم بالحكم مجال للزوم الدّور كما هو ظاهر وان لم يكن منجّزا موجبا للمؤاخذة اذا كان قاصرا واذا كان التكليف فى الواقع ثابتا فامّا ان يكون المأتيّ به مأمورا به أو لا وعلى الاوّل فان لم يكن فيه مصلحة ملزمة فكيف يكون مأمورا به وان كان فيه مصلحة كذلك فكيف يعقل الحكم بوجوب القصر تعيينا مع العلم بل اللّازم حينئذ هو الحكم بالتّخيير فان قيل انّ مصلحته مختصّة بصورة الجهل بالواجب الواقعى قلنا إنّه غير معقول لعدم تبعيّة المصلحة الواقعيّة للحكم للعلم والجهل مع انّ المفروض وجود المصلحة الملزمة للقصر تعيينا فى صورة الجهل

٤٨٠