تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذى عرّفنا قواعد شريعة سيّد المرسلين وانار لنا مناهج الحقّ ومعارج اليقين وهذا الى معرفة اصول معالم الدّين نحمدك اللهم على عظيم نعمائك وجسيم اياديك وآلائك ولطائف مننك واحسانك ودقايق دلائلك وبراهينك سبحانك سبحانك لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك وفوق ما يقول القائلون والصّلاة والسّلام على سيّد الاوّلين والآخرين المبعوث بكتاب هدى وبشرى للمسلمين نزل به الرّوح الأمين بلسان عربىّ مبين المصطفى من عباد الله تعالى يوم اخذ الميثاق من ذريّة آدم ونوره الّذى قهر سبحانه به بواسق الظلم وجرى بمدحه القلم الّذى قرّب؟؟؟ البعيد وسهّل لدينا العسير الشّديد الرسول الامين والنّبى المكين وآله وعترته الاطياب الأنجاب الّذين هم للدّين مصابيح وحصون وابواب وبهم التمسّك والاشتغال والاستصحاب اولى الحجّة القاطعة الظّاهرة ووسائل النّجاة فى الدّار الآخرة ما تفرّعت الفروع على الاصول وما دامت الشّمس فى الطّلوع والافول وبعد فيقول العبد الفقير الى غفران ربّه البارى عماد الدّين ابو جعفر محمّد بن محمّد على الإماميّ الخوانسارىّ قدّس الله تعالى روحه ونوّر ضريحه انّ علم اصول الفقه بين العلوم الشرعيّة من اجلّها شأنا وارفعها مكانا واسناها قدرا واحلاها ذكرا اذ هو قاعدة الاحكام الشرعيّة واساس المسائل الفرعيّة واحكام الشّرع بمبانيه منوطة واعلام الفقه بمقاصده مربوطة ولذا ترى علمائنا المحقّقين رضوان الله عليهم اجمعين لمّا رأوه لاحكام دين الله قواما ولمعرفة الحلال والحرام عماد او نظاما متكفّلا لتفسير المبانى ودقايق النّكات وتقرير المعانى وفتح المغلقات واستكشاف الدّلائل واستنباط المسائل لم يألو جهدهم فى تحقيق مباحثه ومقاصده وتنقيح دلائله وقواعده فكم من فصول مهذّبة وقوانين محكمة وافية وتمهيدات لقواعد وفوائد وعوائد وفرائد ثمينة شافية وذريعة وعدّة ومعارج وكفاية غالية كافية وممّا صنّف فيه ودوّن لطالبيه كتاب الفرائد تضيف المولى الأجلّ افضل المحقّقين واكمل المدقّقين من عكف على منشوراته ومصنّفاته وتحقيقاته كلّ من نشاء بعده مسترشدا من ضيائها نور الحقّ ورشده من فقهائنا الكرام وعلمائنا الأعلام

١

التعيّنين فى زمانهم والمبرّزين على اقرانهم وصرفوا هممهم اليها وبذلوا مجهودهم فيها وحبسوا افكارهم وانظارهم عليها ورأوا انّ درسها شفاء من اسقام الجهالات وفى كلّ كلمة منها اشارات الى مناهج الدّلالات وهم بعد معترفون بالعجز عن بلوغ مرامه فضلا عن الوصول الى رفيع مقامه قدوة الانام وحيد الايّام علم الهدى والورع والتّقى مولانا الشيخ مرتضى تغمّده الله تعالى برحمته واسكنه بحبوحة جنّته وجزاه عز الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين وقد علّق عليه ممّن جاء بعده الكثير وخرج عنهم الجمّ الغفير رفع الله قدرهم واعلى ذكرهم وانّى كنت قد اقيّد بالكتابة ما استفدته من الأساتيد وما سنح فى خاطرى اثناء البحث ممّا يستحقّ التّقييد من نكت قيّمة ألفيتها جالبة للنّظر فى صناعة الاجتهاد وعوائد ثمينة قادنى اليها الدّليل وقوى عليها الاعتماد حذرا من شرودها عند اختلال البال وذهابها عن ذهنى عند طروّ الحوادث واكراث الاحوال فخالج فكرى تنظيمها على نمط الحاشية والتّعليق وجمع شملها واعادة النّظر فيها على حسب ما ساعدنى التّوفيق شارحا لما اكتفى فى المتن باقصر اشارة ومشيرا عند تراكم الوجوه الى ما هو الرّاجح باتمّ عبارة لا ترى حشوا ولا اطالة ولا سأما ولا ملالة يتضمّن بسط ما تظنّه موجزا وتفصيل ما كان مجملا وحلّ ما تجده ملغزا وتقييد ما كان مرسلا وبالجملة من قصدى إن شاء الله الله تعالى ومنه استمدّ فانّه نعم المولى ان اصنع ما يرفع عن دقايق الرسائل استارها ويدفع عن غير الجلىّ منها غبارها يذلّل صعابها ويحلّ عقد مشكلاتها ويبرز مخدّراتها ويفتح ابواب معضلاتها وانّى بالعجز وقصر الباع معترف ومن بحار فضل الله ومنّه واحسانه مغترف ونحن فى زمان انقطعوا عن مناهل عين اليقين والشّراب المعين واذا رأوا طالبا للحقّ قالوا من هذا الّذى هو مهين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا وقد سلب عنهم نور الهداية فلم يكونوا له اهلا بل ذهب الطالبون عن طرق البراهين والدّلالات وحادوا عن النّظر فى وجوه الاستدلالات وقصرت هممهم عن طلب الحقائق وتناهت افكارهم عن فهم الغوامض والدّقائق وقلّ من اقبل على الطلب بكليّته وكان حريصا على الفضيلة بخلوص نيّته والى الله المشتكى فمنه المبدا واليه المنتهى ومنه العصمة والرّشاد والسّداد وبلوغ المراد وان شئت فسمّه تسديد القواعد فى حاشية الفرائد اللهم اهدنا الصّراط المستقيم واجعل نيّاتنا خالصة لوجهك الكريم وسهّل لنا فمنك العون والتيسير وما ذلك على الله بعسير

قوله (اعلم ان المكلّف اذا التفت الى حكم شرعىّ) اذا كان المراد من المكلّف من تنجّز عليه التّكليف باجتماع شرائطه كان قيد الالتفات مستدركا فانّه كالبلوغ والعقل من شرائط التّكليف ويكون ذكر المكلّف بهذا المعنى مغنيا عن ذكر الالتفات وكونه قيدا توضيحيّا خلاف الاصل فالاولى ان يكون المراد من المكلّف فى العبارة

٢

المكلّف الواقعى اعنى من توجّه عليه التّكليف فى الواقع سواء التفت اليه ام لا ويكون ذكر الالتفات للاحتراز عن الغافل ويرشد إلى هذا انّ الالفاظ موضوعة للمعانى النّفس الأمريّة فيكون المراد من لفظ المكلّف ما ذكرنا مضافا إلى انّ المصنّف ره جعل من اقسام المكلّف الملتفت الشاكّ فى الحكم الشرعى ومن الواضح انّ الشاكّ ليس بمكلّف مطلقا ولم يتنجّز عليه التّكليف كذلك وان كان مكلّفا واقعيّا فلا يكون الشاكّ مطلقا قسما لمن تنجّز عليه التّكليف وكان مكلّفا فعليّا والمكلّف الواقعي ليس تكليفه مشروطا بالالتفات والعلم بل يكفى فيه البلوغ والعقل والقدرة ولو كان مشروطا به لزم الدّور لانّ العلم والالتفات يتوقّفان على المعلوم والملتفت اليه وهو التّكليف ولو كان ذلك مشروطا بالعلم والالتفات لزم توقّف التّكليف على ما يتوقّف عليه فإن قلت كما انّ الاصل والظاهر من القيدان يكون احترازيّا كذلك الظاهر من التّكليف هو الفعلى منه ويتعارض الظّهوران ولا وجه لتقديم احدهما على الآخر قلت نعم ولكن لا بدّ من تقديم الظّهور الاوّل على الثّانى لانّ ظهور القيد فى الاحتراز وضعىّ وظهور لفظ التّكليف فى الفعلى اطلاقىّ والظّهور الوضعى مقدّم على الاطلاقى ثمّ إنّ المراد من الالتفات هو التوجّه الى الحكم لا العلم به وذلك واضح بعد تقسيمه الى الاحوال الثّلاثة كما أنّ المراد من المكلّف فى العبارة هو الاعمّ من المجتهد والمقلّد وان كان المقصود والمهمّ من البحث بعد ذلك ما هو وظيفة المجتهد وبيان من يكون ظنّه حجّة ام لا ويجرى الاصول مع الشّك واجرائها موقوف على معرفة مجاريها وفقدان الأدلّة فيها وايضا المراد من الحكم الشّرعى الاعمّ من الكلّى فى الشّبهات الحكميّة والجزئى فى الشّبهات الموضوعيّة والمصاديق الخارجيّة وان لم يكن بيان الجزئيّات واحكامها من وظيفة الاصولى لانّ الأصول علم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعيّة الفرعيّة والقواعد الممهّدة لا تكون الّا قضايا كليّة تقع فى طريق استنباط احكام كليّة والمراد منه أيضا فى عبارة المتن هو الحكم الواقعى لا الاعمّ منه ومن الظّاهرى لوضوح انّ الاحكام الملتفت اليها لا تكون الّا واقعيّة والالتفات اليها سبب لاثبات الاحكام الظّاهرية الّتى هى مؤدّى الاصول والأمارات وقبل اجرائها لا يكون حكم ظاهرىّ حتّى يكون الالتفات اليه سببا لاجراء الاصول وبعبارة أوضح انّ الالتفات الى الاحكام سبب لجعل الاحكام الظّاهريّة فجعلها يتوقّف على الالتفات والالتفات يتوقّف على الملتفت اليه ولو كان الملتفت اليه هو الاحكام الظاهريّة الّتى تتوقّف على الالتفات لزم الدّور وما ذكرنا من كون المراد من الحكم هو الواقعى لا الأعمّ هو الظّاهر من كلمات غير المصنّف ايضا عند ذكر ما يتعلّق بالقطع والظنّ والشكّ من الاحكام بل الأخبار الدالّة على البراءة والاحتياط ظاهرة الورود فيما كان الحكم الواقعى محجوبا وغير معلوم وان كان الحكم الظّاهرى المستفاد من الدّليل او الأصل ايضا يمكن ان يتعلّق به الاحوال الثّلاثة كما هو واضح. ثمّ انّه لا وجه لتقييد الحكم الشرعى الملتفت اليه بالفعلى الّا على ما اختاره صاحب الكفاية من انّ الحكم الشّرعى بعد

٣

ما لم يكن شيئا يكون له مراتب من الثّبوت الأولى ثبوته بمجرّد مقتضيه من دون انشائه وتشريعه الثانية ان يكون له وجود انشاء من دون ان يكون له بعث او زجر او ترخيص فعلا وذلك لقصور فى الاجراء والإنفاذ الثّالثة ان يكون له وجود كذلك مع فعليّة البعث او الزّجر من دون قيام حجّة عليه فلا يكون على مخالفته استحقاق ذمّ من العقلاء ولا عقوبة من المولى الرّابعة ان يكون له وجود كذلك مع قيام الحجّة عليه فيستحقّ على مخالفته الذمّ والعقوبة فإنّ على هذا المسلك ما لم يصل الحكم الى المرتبة الثّالثة لا يكون مقتض لوجوب الاطاعة والموافقة لكونه فى تلك المرتبتين فاقدا لما به قوام الحكم وحقيقته ويكون فيهما داخلا فيما سكت الله تعالى عنه رحمة للعباد والّذي يتعلّق به العلم او الظنّ او الشكّ ليس الحكم باحدى المرتبتين خصوصا الأولى بالقطع واليقين ولم يؤمر السّفراء بتبليغهما وليس الحكم باحد المعنيين مدلول الخطابات الواقعيّة الصّادرة من الشّارع وأمّا على مسلك الشّيخ قدس‌سره من نفى الحكم الانشائى ومجرّد ثبوت المقتضى فى مقابل الحكم الفعلى وانّه ليس فى الواقع حكم باحد المعنيين بل الّذى يكون هو انشاء الحكم وتشريعه على موضوعه بجميع ما اعتبر فيه من القيود والشّرائط وعند تحقّق ذلك الموضوع يكون الحكم فعليّا ومع عدم تحقّقه لا يكون فى الواقع حكم اصلا فليس متعلّق القطع واخويه الّا الحكم الفعلى وتمام الكلام فى محلّه والحاصل انّ المكلّف امّا ان لا يلتفت الى حكم شرعىّ اصلا او يلتفت اليه باحد قسميه من الحكم الكلّى او الجزئىّ والاوّل لا يقبل التّقسيم لانّ المفروض عدم التفاته ويستحيل حصول الاحوال الثّلاثة له والثّانى اى الملتفت الى انّ له حكما فى الواقعة فامّا ان يحصل له القطع او الظنّ او الشكّ والوهم يدخل فى الظنّ لانّه ان تعلّق بالوجود فهو ظنّ بالعدم وان كان بالعكس فبالعكس مضافا الى انّه لا معنى للبحث عنه لعدم ترتّب اثر عليه من حيث انّه وهم أصلا والكلام في الاوّل اى الغافل الغير الملتفت يبحث عنه فى باب الاجتهاد والتّقليد والمراد من القطع هو مطلق الاعتقاد الجازم الاعمّ من المطابق للواقع والمخالف له فيشمل الجهل المركب ايضا وان كان داخلا من وجه فى الغافل اى غير الملتفت والاعتقاد الجازم على قسمين الاوّل ما يكون ثابتا اى لا يزول بتشكيك المشكّك لكونه حاصلا من الادلّة القطعيّة ويسمّى باليقين والعلم الاجتهادي الثّانى ما لا يكون ثابتا لعدم استناده الى دليل قطعىّ ويسمّى بالعلم التّقليدى لكونه ناشيا عنه والمراد من الظنّ هو الاعتقاد الرّاجح الغير المانع من النّقيض وله مراتب شتّى لا يضبطها مرتبة معيّنة والمراد من الشكّ هو تساوى الاحتمالين قوله (فان حصل له الشكّ فالمرجع فيه هى القواعد الشرعيّة الخ) اعلم انّ ما يقع فى طريق استنباط الاحكام امّا ان يكون ناظرا الى الواقع ام لا وكلّ منهما امّا ان يكون فى الاحكام الكليّة

٤

ام فى الجزئيّة والاوّل وهو ما يكون ناظرا الى الواقع والمناط فيه هو الكشف والطريقيّة الى الواقع ويكون فى الكليّات يسمّى بالدّليل والثّانى وهو ما يكون ناظرا اليه ويكون فى الجزئيّات يسمّى بالأمارة والثّالث وهو ما لا يكون ناظرا الى الواقع ويكون فى الجزئيّات يسمّى بالاصول الموضوعيّة والرّابع وهو ما لا يكون ناظرا اليه ويكون فى الكليّات يسمّى بالاصول العمليّة امّا تسميتها بالاصول فلانّها قواعد كليّة والاصول مأخوذة من الاصل بمعنى القاعدة وأمّا تسميتها بالعمليّة فلأنّ ما يستفاد منها حكم متعلّق بعمل المكلّف حسب من دون ان يكون كاشفا عن الواقع وناظرا إليه فالمراد من القواعد الشرعيّة فى عبارة المتن هى الاحكام الشرعيّة المتعلّقة بالموضوعات العامّة الكليّة سواء كان الدّليل على ثبوتها حكم العقل والشّرع فيعمّ الاصول الشرعيّة والعقليّة. قوله (وتسمّى بالاصول العمليّة وهى منحصرة فى اربعة) قد يتخيّل من ظاهر العبارة انّ غرض المصنّف ره حصر الاصول فى الاربعة عقلا فانّ الامر الدّائر بين النّفى والأثبات لا يكون الّا حصرا عقليّا اذ ليس بينهما واسطة مع انّه لا يمتنع عقلا ان يكون بين البراءة والاستصحاب اصل آخر غيرهما وكذلك بين التّخيير والاحتياط وحصر الاصول فى الأربعة استقرائى لا عقلىّ فانّا بالتّصفّح لم نجد اصلا غيرها فغرضه ره حصر مجارى الأصول اى الشكّ مطلقا فى الأربعة لا حصر الاصول بنفسها ولا اشكال فى ذلك لانّ المجرى امّا ان يلاحظ فيه الحالة السّابقة ام لا وعلى الثّانى فامّا ان يكون شكّا فى التّكليف ام لا وعلى الثّانى امّا ان يمكن الاحتياط ام لا وعلى كلّ تقدير لا يكون بين النّفى والأثبات واسطة عقلا وقد صرّح ره في ذيل الكلام بانّ المراد من الاصول مجاريها ومواردها وقال ايضا فى بحث اصل البراءة ثمّ انّ انحصار موارد الاشتباه فى الأصول الأربعة عقلىّ ولا يخفى انّ انكار الحصر العقلى فى الاصول الأربعة انّما هو فى الشرعيّة منها وامّا حصر الاصول العقليّة بالنّسبة الى الشكّ فى الثّلاثة وهى البراءة والتّخيير والاحتياط فهو عقلىّ بلا اشكال لأنّ مع الشك امّا ان يراعى جهة الامتثال ام لا وهو منحصر فى البراءة وعلى الاوّل فامّا ان يراعى من كلّ وجه وهو الاحتياط ام فى الجملة وهو التّخيير وبالجملة حصر الأصول الشرعيّة فى الاربعة استقرائىّ وحصر مجاريها فيها عقلىّ ويبقى الأشكال فى الحصر الاستقرائيّ للأصول فى الاربعة لأنّ هناك غير الاربعة اصولا كثيرة مسلّمة عندهم كاصالة الاباحة واصالة الحلّ واصالة الحظر والإباحة فى الاشياء قبل الشّرع واصالة الاشتغال واصالة الطّهارة واصالة عدم التّذكية واصالة العدم واصالة عدم الدّليل دليل العدم واصالة الصّحة واصالة اللّزوم واصالة الحقيقة واصالة عدم السّهو والخطأ والنّسيان واصالة العمل بالقرعة فى كلّ امر مشتبه واصالة العمل باليد فى الملك واصالة العمل بسوق المسلم فى الطّهارة وغيرها واصالة نفى الاكثر عند دوران الامر بينه وبين الاقلّ واصالة اولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة واصالة الحرّية فى الانسان واصالة النّسب فى الفراش الى غير ذلك

٥

ويجاب عن هذا الاشكال بانّ هذه الأصول منها ما يكون من الاصول الموضوعيّة ويكون مختصّا بالشّبهة فى موضوع الحكم وقد عرفت انّه خارج عن الاصول العمليّة وما هو محلّ البحث ومنها ما يكون المناط فيه الكشف والطريقيّة ويكون ناظرا الى الواقع فيدخل فى الادلّة والأمارات ومنها ما يكون الموضوع فيه هو الواقع لا الواقع المشكوك فيخرج عن الحكم الظاهرى ومنها ما يكون راجعا الى احد الاصول الأربعة وبيانه امّا اصالة الإباحة فهى راجعة الى اصالة البراءة لانّ معنى الإباحة هو الأمن من العقاب فى فعله او تركه وهذا معنى اصالة البراءة المبحوث عنها فى المقام فانّ المقصود من البراءة ايضا هو الأمن من العقاب فى فعل مشكوك الحرمة او ترك مشكوك الوجوب وقد يقال ان اصالة الإباحة تطلق فى الشّبهة التحريميّة واصالة البراءة فى الشّبهة الوجوبيّة وامّا أصالة الحلّ فان كان المراد منها ما هو مفاد الادلّة الاجتهاديّة كقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ* وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ونحو ذلك فهى خارجة عن الاصول المبحوث عنها فانّها ح يكون حكما للموضوع لا بوصف الشكّ وإن كان المراد الحلّية الظاهريّة فهى من الاحكام الوضعيّة لا التّكليفيّة العمليّة وبناء على مسلك المصنّف من انّ الاحكام الوضعيّة منتزعة من الاحكام التّكليفيّة ترجع الى اصالة البراءة اذ لا معنى للحليّة حينئذ الّا جواز الفعل والتّرك وعدم العقاب على استعمال الشّيء وقد يقال انّ اصالة الحلّ تطلق فى مقام حكم الشّبهة التّحريميّة الموضوعيّة وأمّا أصالة الحظر والإباحة قبل الشرع فبناء على كون النّزاع فى الواقعيّين منهما كما هو مقتضى بعض ادلّتهم فهما خارجان عن الاصول العمليّة ويكونان من الاحكام المجعولة للموضوعات لا بوصف الشكّ وبناء على كون النّزاع فى الظّاهريّين منهما يرجعان الى الاحتياط والبراءة حيث يقول القائل بالاوّل انّ الاحتياط يقتضى فيما لم يثبت الاذن فى ارتكابه الحظر منه والقائل بالثّانى بعدمه وأمّا أصالة الاشتغال فترجع ايضا الى الاحتياط لانّ الاحتياط يقتضى فيما ثبت اشتغال ذمّة المكلّف به الاتيان به حتّى يتيقّن بالبراءة ورفع الشّغل وقد يقال انّ اصالة الاشتغال ترجع الى استصحاب الاشتغال وليس بشيء كما ستطّلع عليه فى محلّه إن شاء الله الله تعالى وأمّا أصالة الطّهارة فبناء على ما ذهب اليه بعض من اختصاصها بالشّبهة فى الموضوع فهى من الاصول الموضوعيّة وخارجة عن الاصول العمليّة وبناء على المشهور من جريانها فى الشّبهة الحكميّة والموضوعيّة معا فهى من الاحكام الوضعيّة المجعولة وبناء على عدم جعلها فهى راجعة الى اصالة البراءة وان كان مدركها اخبارا خاصّة غير مدارك الاصول الاربعة كقوله ع كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر والمراد منها ليس الّا اصالة اباحة التّصرّفات واصالة البراءة عن وجوب الاجتناب ولك ان تقول بانّ البناء على كون اصالتى الحلّ والطّهارة من الاحكام الوضعيّة لا يرفع الاشكال فانّهما ح ايضا حكمان مجعولان من الشّارع للشّاك فى مقام العمل ويكونان ممّا ينتهى اليه الفقيه بعد الفحص واليأس عن الظّفر بالدّليل الاجتهادى وان لم يكونا من الاحكام الخمسة التّكليفيّة إلّا أن يقال بانّ هذين

٦

الاصلين لمّا لم يكونا مسلّمين عند الكلّ بحيث يكونان قاعدتين مقرّرتين فى جميع ابواب الفقه لم يذكرا فى المقام بخلاف الاصول الاربعة فانّها مسلّمة عند الكلّ وغير مختصّة بباب مضافا الى انّ تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل او النّقل فيها يحتاج الى مزيد بحث وبيان ومئونة حجّة وبرهان فاختصّوا البحث بهذه الأربعة وأمّا أصالة عدم التّذكية فهى من الاستصحاب العدمى كما هو واضح وأمّا أصالة العدم فهى من باب الاستصحاب العدمى ايضا وقد يقال انّها من باب الكشف الظنّ النّوعى والظّهور من حيث بناء العرف والعقلاء عليها وأمّا عدم الدّليل دليل العدم فهى ايضا قد يكون من الاستصحاب العدمى فانّ الدّليل امر حادث وكلّ حادث مسبوق بالعدم وكان عدمه متيقّنا فى السّابق ومع الشّك فى حدوثه فهو محكوم بالعدم وقد يكون مستندها حصول القطع منها وقد يكون حصول الظنّ بناء على حجّية مطلق الظنّ وقد يقال باعتبارها من باب التعبّد والكشف النّوعى من حيث بناء العرف والعقلاء وأمّا أصالة الصّحة فى فعل النّفس والغير فهى تختصّ بالشّبهة الموضوعيّة وأمّا اصالة اللّزوم فهى من باب الاستصحاب فانّ البيع الواقع مثلا جامعا لشرائطه المعتبرة يكون لزومه متيقّنا واذا حدث عيب وشكّ فى ارتفاع اللّزوم يحكم ببقائه بالاستصحاب وأمّا أصالة الحقيقة واصالة عدم السّهو والخطأ والنّسيان فهى اصول لفظيّة جارية فى مداليل الالفاظ وتعيين المراد منها فاذا قال احد افعل يحمل على الوجوب لانّه حقيقة فيه واحتمال ارادة المعنى المجازى منفىّ بالاصل وكذلك احتمال السّهو والنّسيان والخطأ منفيّة بالاصول المذكورة فهى ليست من الاصول العمليّة وأمّا أصالة القرعة واصالة اليد والسّوق واصالة الحرّية واصالة النّسب فهى باجمعها من الأصول الموضوعيّة المختصّة بالشّبهة فى موضوع الحكم وأمّا أصالة نفى الاكثر فمدركه امّا الاستصحاب وامّا اصالة البراءة والّا فليس بشيء وأمّا أصالة اولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة فهى نوع من الاحتياط قوله (وما ذكرناه هو المختار فى مجارى الأصول) اذا كان المراد من المجرى ما يمكن ان يكون مجرى لاحد الاصول المذكورة وان لم يجر فيه فعلا لمانع لزم ان يكون المشتبه بالشّبهات البدويّة مجرى للاحتياط لامكان جريان الاحتياط فيه مع انّه خلاف اجماع الاصوليّين واذا كان المراد منه ما يكون كذلك فعلا لزم ان لا يكون المجرى مجرى للاصل اذا منعه مانع كوجود معارض للاستصحاب او البراءة مثلا مع انّه مجرى له سواء جرى فعلا ام لا ويدلّ على ذلك تعبيرهم عند ذلك بوجود المعارض للاصل والمانع عنه لا التّعبير بعدم وجود المقتضى لجريان الاصل الّذى هو اقوى فى المنع عن الجريان فالاولى ان يكون المراد من المجرى ما قام الدّليل على كونه كذلك سواء جرى فعلا او لم يجر لمانع مثل ما قام الدّليل على انّه اذا كان للشّيء حالة سابقة معلومة وشكّ فى زوالها كان مجرى للاستصحاب وهذا اعمّ من جريانه فعلا لعدم

٧

المانع عنه ومن عدمه لوجود المانع ولا بأس بذكر امور الأوّل انّ المجارى المذكورة للأصول الأربعة هو مختار المصنّف قدس‌سره وجماعة من الأصوليّين ومن الأخباريّين من صرّح بعدم جريان البراءة فى الشّبهات الحكميّة التّحريميّة وعمل فيها بالاحتياط ومنهم من انكر الاستصحاب فى الاحكام التّكليفيّة ومن الاصوليّين من أنكره مطلقا ومنهم من انكره فى الشّك فى المقتضى ومن هذه الجهة قيّد فى المتن مجرى الاستصحاب بلحاظ الحالة السّابقة فانّ المنكرين على اختلاف اقوالهم لا ينكرون وجود الحالة السّابقة وانّما ينكرون لحاظها ومنهم من انكروا وجوب الاحتياط فى جملة من مسائل الشكّ فى المكلّف به وستطّلع على تفاصيل ذلك فى محلّه إن شاء الله الله تعالى الثّانى انّ الحكم الظّاهرى عندهم ما يكون مستفادا من الادلّة المقرّرة للمكلّف من حيث جهله بالحكم الواقعى سواء كان ناظرا الى الواقع ام كان اصلا عمليّا وتخصيصه بالثّانى كما عن بعض الاجلّة لا وجه له والوجه فى ذلك واضح الثّالث انّ الايراد على الرّجوع الى البراءة وكلّ اصل عملىّ غير الاحتياط باشتراط الفحص عن الدّليل المزيل للشك فى الشّبهة الحكميّة مع انّ مقتضى عبارة المتن فى المقام هو جواز الرّجوع الى الاصل مطلقا فى غير محلّه وكذلك الايراد على خصوص اصل البراءة تارة بانّهم اوجبوا النّظر الى المعجزة مع انّ التّمسك بالأصل يقتضى البراءة وتكذيب مدّعى النّبوة وأخرى بأنّهم صرّحوا بعدم جواز ضرب شبح من بعيد لاحتمال ان يكون محقون الدّم وهذا خلاف جواز التّمسّك بالبراءة امّا الاوّل فلانّ المراد من الشكّ فى المقام هو الشّك الثابت المحقّق ومن الواضح انّه لا يثبت الّا بعد الفحص عن الحكم الشّرعى فى مظانّه ويرشد الى هذا حكم الاصحاب فى الشكّ فى عدد الرّكعات بالبناء على الاقلّ او الاكثر بعد التروّى ومعلوم انّ التّقييد بالتروّى لاحراز ثبوت الشكّ فانّ الشكّ البدوى لا يعتدّ به وهو فى معرض الزّوال وامّا الثّانى فلأنّ المراد من الحكم المبحوث عنه هو الحكم الّذى من شأنه ان يؤخذ من الشّارع والنّظر فى المعجزة ليس كذلك فانّه لو كان من شأنه ان يؤخذ من الشّارع لزم الدّور لتوقّف الشّارعيّة على النظر فى المعجزة ولو توقّف النّظر على حكم الشّارع لزم ذلك وتلك المسألة ليست موردا للرّجوع الى البراءة اصلا ولو بعد النّظر والفحص لحصول العلم حينئذ بصدق المدّعى عند اظهار المعجزة وكذبه مع غيره وامّا الثّالث فلأنّ الكلام كما مرّ الاشارة اليه انّما هو فى الشّبهات الحكميّة وهذه شبهة فى الموضوع مضافا الى ملاحظة شدّة اهتمام الشّارع بما يتعلّق بالنّفوس والفروج ويدلّ عليه قولهم بانّ الحدود تدرأ بالشّبهات الرّابع قد مرّ انّ المراد من الحكم الملتفت اليه فى عبارة المتن هو الحكم الواقعى لا الاعمّ منه ومن الظّاهرى وقد عدل صاحب الكفاية قدس‌سره الى جعله اعمّ وعدل عن التّقسيم الثّلاثى الى الثّنائى وقال ما هذا لفظه انّ البالغ الّذى وضع عليه القلم اذا التفت الى حكم فعلىّ واقعىّ او ظاهرىّ تعلّق به

٨

او بمقلّديه فامّا ان يحصل له القطع به أو لا وعلى الثّانى لا بدّ من انتهائه الى ما استقلّ به العقل من اتّباع الظنّ لو حصل له وقد تمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومة والّا فالرّجوع الى الأصول العقليّة من البراءة والاشتغال والتّخيير انتهى وما دعاه الى العدول امران الأوّل انّ ما يبحث عنه فى مقصد القطع من لزوم العمل على طبقه والمؤاخذة على تقدير التّرك وغير ذلك حتّى عدم الاجزاء فى صورة انكشاف الخلاف ليس مختصّا بالقطع بالحكم الواقعى بل يجرى فى القطع بالحكم الظّاهرى ايضا كالظنّ بالواقع الحاصل من الادلّة الشّرعيّة الثّابتة حجيّتها حتّى الظنّ فى حال الانسداد على طريق الكشف اذ هو حينئذ طريق شرعىّ ومفاده حكم كذلك وان كان ثابتا من العقل والاصول الّتى تكون كذلك كالاستصحاب والبراءة الشرعيّين الثّانى انّ التّقسيم الثّلاثى يوجب تداخل الظنّ والشكّ فى الاحكام فانّ الظنّ الّذى لم يساعد على اعتباره دليل ملحق بالشّك بماله من الحكم من الرّجوع الى الاصول العمليّة وكذا الشّكّ فى الحكم الواقعى القائم فى مورده دليل معتبر من دون حصول ظنّ منه اصلا ملحق بالظنّ ولا مجال معه للرّجوع الى الأصول فالقطع بالحكم الظاهرىّ الحاصل من الادلّة حتّى الظنّ فى حال الانسداد على طريق الكشف والاصول الشرعيّة جميعا داخل فى مسائل القطع بالحكم ومع عدم حصول القطع كذلك وحصول الظنّ وتمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومة كان ذلك جاريا مجرى القطع بالحكم فى الآثار الثّابتة له وليس قطعا بالحكم الشّرعى لأنّ المقطوع ح هو لزوم الاتّباع وعدم المؤاخذة على طبقه لا كون مفاد الظنّ حكما شرعيّا ولا يخفى استقامة التّقسيم الثّلاثى وقد تقدّم انّ الملتفت اليه اوّلا هو الحكم الواقعى ولا يمكن ان يكون غيره والغرض من البحث عن احكام الظنّ ليس الّا تمييز ما هو المعتبر منه الملحق بالعلم عن غيره الملحق بالشّك فاللّازم اوّلا تثليث الاقسام ثمّ البحث عن حكم الظنّ من حيث الاعتبار وعدمه. قوله (لا اشكال فى وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا) قد عرفت فيما مرّ معنى القطع ولا اشكال فى انّه اذا حصل القطع بالحكم سيّما اذا كان موافقا للواقع فلا يبقى بعده للمكلّف من امر ينتظره من قبل المولى او غيره وليس وراء القطع مرتبة أخرى يتصوّر لتنجّز الحكم فيجب العمل على وفق القطع بحكم العقل ويلزم الحركة على طبقه بالجزم ويترتّب عليه ايضا ما للواقع من الآثار لو كان مطابقا فانّ بعض الآثار يختصّ بالواقع كادراك المصالح وعدم الوقوع فى المفاسد فتلك الآثار الثّابتة للمقطوع يترتّب على القطع فى صورة الموافقة وكانت مقطوعا بها لامتناع تعلّق القطع بشيء دون اثره وبعض الآثار يختصّ بالقطع ككونه موجبا للتّنجّز ومورثا لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع بالفعل

٩

او التّرك على حسب اختلاف متعلّقه من الايجاب والتّحريم فى صورة الاصابة وكونه مؤمّنا من ذمّ المولى واستحقاق العقوبة فى صورة الخطإ فالقطع تمام الموضوع لحكم العقل بترتيب جميع تلك الآثار والسّبب التامّ له عند القاطع وهذا الحكم من لوازمه وآثاره عقلا فانّ القطع بنفسه مرآة تحكى عن الواقعيّات اذا تعلّق بها ويكشف عنها تمام الانكشاف بحيث يراها القاطع من دون ستر وحجاب ولا يحتاج تنجّز الاحكام الواقعيّة وترتيب آثارها عليها بعد القطع بها الى توسيط القطع وجعله واسطة فى ترتّبها وثبوتها على متعلّقه كما هو شأن الأمارات الظنّية فانّ قولنا الظنّ حجّة او البيّنة حجّة او فتوى المفتى حجّة يراد به كون هذه الامور اوساطا لاثبات احكام متعلّقاتها وهذا بعد جعلها الشّارع او العقل حجّة والقطع بنفسه علّة تامّة لذلك فلو قطعنا بانّ هذا خمر نقول هذا خمر وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه ولا حاجة الى درج القطع فى القياس بان يقال هذا مقطوع الخمريّة وكلّ مقطوع الخمريّة الخ وانتظر لتمام الكلام فى معنى الوسط وبما ذكرنا يشهد صريح الوجدان ويحكم فانّ الانسان اذا قطع بحكم المولى من الإيجاب او التّحريم انقدح فى نفسه ملزم ومحرّك عقلى نحو فعل ما قطع بوجوبه وترك ما قطع بحرمته بحيث يرى نفسه مذموما على ترك الاوّل وفعل الثّانى ومستحقّا للمثوبة على فعل الاوّل وللعقاب على الثّانى وينقدح فى نفسه ما يؤمّنه من الذّم والعقوبة واستحقاق المولى للذّم على مؤاخذته مع القطع بموافقة امره ونهيه ومن اجل ذلك اجمعوا فى مسئلة الاجزاء على عدمه ووجوب الاعادة فى صورة القطع بالواقع وانكشاف الخلاف واختلفوا فيما لو كان العمل على طبق ظنّ من الظّنون المعتبرة والسرّ فيه انّ الظنّ ح لمّا كان مجعولا من الشارع كان المكلّف مامورا ومكلّفا بالعمل على طبقه فيأتى فيه انّ الامر يقتضى الاجزاء وامّا العلم فحيث لم يكن مجعولا لا يكون معه امر حتّى يقتضى ذلك ولا فرق فيما ذكرنا من انّ القطع يكشف عن الواقع تمام الانكشاف بين ان يكون لمتعلّقه اثر ام لا وان يكون من الاحكام ام لا وان يكون ممّا تعلّق به احد الاحكام ام لا نعم كونه تمام الموضوع لحكم العقل بالاطاعة واستحقاق العقوبة فى المخالفة والمعذوريّة وكونه علّة تامّة لذلك انّما هو فيما اذا تعلّق بالواقع الّذى يكون بنفسه من احد الاحكام او يكون ممّا تعلّق به الحكم ولأجل ما أوضحناه تعلم انّ الآيات والأخبار الكثيرة الظّاهرة فى ابتداء النّظر فى وجوب العمل بالعلم شرعا وحرمة العمل بالمظنّة وانّ الشّارع اوجب العمل على طبق العلم حتّى قال بعض الأخباريّين انّ الآيات فى ذلك تبلغ مأتين والاخبار خمسمائة ويقال انّه كيف يمكن انكار كونه مجعولا لا بدّ من حملها على ارشاد الشّارع الى حكم العقل والّا كان مستلزما لتحصيل الحاصل وان ليس المقصود منها الّا بيان انّ العمل بالظنّ يوجب الوقوع فى الهلكة لبعده عن الواقع المطلوب بخلاف العلم فانّه مرآة ذاتيّة وكاشف عن الواقع وانّ العمل به موجب للنّجاة والحاصل يدلّ على

١٠

كون العلم بنفسه مرآة لمتعلّقه امور الأوّل ما عرفت من عدم الحاجة الى جعله حجّة اعنى وسطا لمتعلّقه وانّ العقل يحكم بوجوب موافقته والاوامر الشرعيّة بوجوب متابعته انّما هى على وجه الإرشاد الثّانى انّه لا يكون قابلا لجعل الشّارع لأنّ الجعل امّا بسيط او مركّب والاوّل باصطلاح الحكماء هو الايجاد والخلق الّذى هو مفاد كان التّامّة كما قال تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) وبعبارة النّحاة ما يتعدّى الى مفعول واحد والثّانى هو التّصيير اى صيرورة الشّىء شيئا آخر وبعبارة النّحاة ما يتعدّى الى مفعولين فان أريد من مجعوليّة القطع المعنى الاوّل كان صحيحا بناء على اطلاق الشّارع على الله تعالى لانّ القطع من مخلوقاته ولكن لا يثمر فيما نحن فيه لانّ الكلام فى حجيّته لا فى وجوده وإن اريد من الجعل المعنى الثّانى فلا يصحّ لانّ هذا المعنى انّما يصحّ بين الشيء وما يمكن ثبوته له كعوارضه المفارقة وامّا بينه وبين ما كان ضرورىّ الثّبوت له فلا وحجّية القطع وتنجّز الواقع به انّما هو كالزّوجيّة للأربعة فكما لا يكون الزّوجيّة مجعولة لها بهذا الجعل فكذلك حجّية القطع لانّه امّا مرآة للواقع او يكون الواقع لازما لمؤدّى القطع وعلى كلا التّقديرين لا يصحّ الجعل بهذا المعنى لانّ جعل الحجّية حينئذ بمعنى تصيير الشّيء نفسه او لازمه لا شيئا آخر نعم يكون الحجّية مجعولة له بتبع جعله وايجاده كما انّ الزّوجيّة مجعولة كذلك للأربعة بالعرض ومن هذا يظهر انّ سلب صفة الحجّية عن القطع غير ممكن ويمتنع المنع عن تاثيره فانّ نفى الحجّية وتنجّز التّكليف عن القطع بالحكم مستلزم لنفى الملازمة وكما لا يمكن للشّارع نفى ذاتىّ الشّيء عنه لاستلزامه تخلّف الذّاتى كذلك لا يمكن له النّفى عن لازم الشّيء وسلبه والّا لزم الخلف مع انّه يلزم منه التّناقض حقيقة او اعتقادا على اختلاف القطع من جهة كونه مطابقا للواقع وعدمه فانّ حكم الشّارع بوجوب الاجتناب عن البول مناقض للنّهى عن اجتناب مقطوع البول لانّ القاطع يقطع بالبوليّة فيرد عليه وجوب الاجتناب واذا نهاه عنه لزم التّناقض فى مرتبة واحدة وهى مرتبة الحكم الواقعى لانّ الواقع بحاقّه الكشف ببركة القطع من دون توقّف لمرتبة اخرى غير تلك المرتبة فلا يتوهّم انّ الحكم فيها ظاهرىّ لا ينافى ما فى المرتبة الاخرى فانّ القطع كما عرفت يوصل الاحكام الخمسة التّكليفيّة بل الوضعيّة الواقعيّة كالطّهارة والنّجاسة الى مرتبة لا يتصوّر لها مرتبة اخرى ويصير علّة تامّة لموضوع حكم العقل بالتّنجيز وإذا لا يمكن سلب صفة الحجّية عنه تكون حجّية واجبة ولا يمكن اثباتها له لانّ الشّيء ما لم يكن ممكنا لا يكون مقدورا واذا لم يكن مقدورا لا يصحّ اثباته ونفيه لانّ القدرة بالنّسبة الى الوجود والعدم سواء واذا لا يمكن نفى شيء لا يمكن اثباته الثّالث انّ حجّية القطع لو كان بالجعل احتاج الى دليل ومن ذلك الدّليل امّا يحصل القطع او الظنّ فان حصل منه الظنّ فالعمل عليه دون القطع وذلك ترجيح المرجوح على الرّاجح وان حصل منه القطع فهذا القطع ايضا لا بدّ له من دليل يقوم على حجّيته وهكذا فيلزم التّسلسل الرّابع ما ستسمعه فى المتن من انّ الحجّة ما

١١

يوجب القطع بالمطلوب فلا يطلق على نفس القطع الخامس انّ على تقدير الجعل امّا ان يكون هناك جعلان وحكمان احدهما لمتعلّق العلم فى الواقع والآخر له بنفسه باعتبار كونه كاشفا وطريقا كما هو الحال فى الظنّ المجعول والأمارات المعتبرة الّا انّ الحكم الفعلى تابع للأمارة وليس للحكم الواقعى الّا مجرّد الشّأنيّة ولا ضير فيه لاحتمال الخلاف وعدم انكشاف الواقع وامّا ان يكون جعل واحد لمتعلّق العلم فقط ولم يكن العلم الّا طريقا ذاتيّا للواقع الّذى تعلّق به الجعل او لنفس العلم خاصّة دون الواقع بحيث لا يكون له مع قطع النّظر عن العلم حكم اصلا والأوّل باطل لانّه يستلزم ثوابين او عقابين فى حقّ القاطع فى صورة الإطاعة او المعصية لأنّ المفروض فعليّة التّكليفين لاحراز الواقع بواسطة القطع وهذا لا يلتزم به احد بخلاف الأمارات الظنّيّة اذ ليس هناك تكليف فعلىّ سوى التّكليف الظّاهرى ولا يلزم مع تعدّد الجعل الّا ثواب واحد او عقاب كذلك والثّانى عين ما قلناه والثّالث مستلزم للدّور لأنّ العلم الطّريقى لا بدّ له من حكم ومتعلّق سابقين عليه فهو واقع فى المرتبة الثّالثة ففى الفرض وهو ما كان العلم طريقا وكاشفا يكون القطع موقوفا على سبق الحكم والحكم موقوف على وجود القطع لأنّ المفروض وحدة الجعل وانّه تابع للقطع ومترتّب عليه فيلزم تقدّم الشّىء وهو الحكم على نفسه وهو محال ونظير ذلك ما قيل فى مسئلة الحسن والقبح فانّ القائلين بتبعيّة الأوامر والنّواهى للحسن والقبح خلافا للأشاعرة المنكرين لذلك اختلفوا فبعضهم قال بالحسن والقبح الذّاتى مطو بعضهم قال بانّهما بالوجوه والاعتبارات وبعضهم فرّق بين المقامات وانّهما قد يكونان ذاتيّين وقد يكونان بالوجوه وهو الصّواب ثمّ إنّ بعض القائلين بالتّبعيّة بالاعتبار استثنوا من جملة الاعتبارات صفتى العلم والجهل نظرا الى انّ تبعيّة الاحكام لهذين الوصفين مضافا الى التّصويب المجمع على بطلانه مستلزمة للدّور لانّ العلم بالحكم الإيجابي مثلا يقتضى سبق الحكم عليه وثبوت الحكم لموضوعه يقتضى سبق الحسن فالعلم بالحكم متأخّر عن الحسن ولو كان الحسن ناشئا من العلم لزم تقدّم العلم عليه وكذلك فى العلم بالحكم الغير الايجابى فيستحيل ان يكون للعلم مدخل فى الاحكام الكلّية النّفس الأمريّة لانّها تابعة للحسن والقبح ولو بالاعتبار وكيف يصير العلم بالحكم محسّنا او الجهل مقبّحا وبهذا يردّ القول بالتّصويب ايضا ثمّ لا يخفى انّ لزوم الدّور انّما هو لو اخذ القطع بالحكم فى موضوع نفس هذا الحكم وامّا لو اخذ فى مثله او ضدّه لزم اجتماع المثلين او الضّدّين وكلاهما محالان ايضا فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ القطع يستحيل ان يجعل موضوعا للقضيّة او جزء موضوع ولا يكون الّا من جهات القضيّة كالضّرورة مثلا فى القضايا الموجّهة ويمتنع القول بكونه حجّة لأنّ من شأنها ان تكون داخلة فى القضيّة ومكرّرة فى القياس والقطع بملاحظة الاحكام المترتّبة على متعلّقه ليس كذلك فانّه دليل على ثبوت الحكم لمتعلّقه لا على اتيانه له فوجوب متابعة القطع باعتبار كونه طريقا صرفا ومرآة للواقع وحاكيا عنه يرجع الى

١٢

وجوب متابعة المقطوع ولزوم العمل به وطريقيّة القطع ذاتيّة لا تنالها يد الجعل من غير فرق بين القول بصحّة جعل الحجّية والطريقيّة الّتى هى من احكام الوضع والقول بعدمها وانّ المجعول فيها هو منشأ الانتزاع كما عليه المصنّف ره فإنّ هذا الاختلاف انّما هو فى غير القطع ممّا لا يكون حجّيته ذاتيّة وامكن ان تكون داخلة فى القضيّة ومن هنا ترى العلّامة ره يجيب عن دليل القائلين بطهارة المسكرات بأنّ المسكر لا يجب ازالته عن الثّوب والبدن بالإجماع لوقوع الخلاف فيه وكلّ نجس يجب ازالته عن الثّوب والبدن بالإجماع اذ لا خلاف فى وجوب ازالة النّجاسة عنهما عند الصّلاة وينتج انّ المسكر ليس بنجس بأنّ هذا القياس مغالطة لانّ القياس انّما ينتج اذا تكرّر فيه حدّ الوسط وهذا ليس كذلك لانّ الإجماع فى القضيّة الأولى جزء للقضيّة والمقصود انّ كلّ مسكر وجوب ازالته عن الثّوب والبدن مختلف فيه وكلمة اجماعا من اجزاء المنفىّ لا النّفى وفى القضيّة الثّانية من جهات القضيّة فحدّ الوسط ليس مكرّرا حتّى ينتج وبالجملة القطع وكلّ أمارة قطعيّة كالخبر المتواتر والإجماع المحقّق ليس الّا دليلا على ثبوت الحكم لمتعلّقه فى الواقع لا على اثباته له فانّ حجّيتهما امّا من جهة الكشف عن قول المعصوم وامّا من جهة حصول القطع بالحكم وعلى اىّ حال فهما دليلان كما ذكرنا وليسا من الحجّة المجعولة كخبر الواحد والبيّنة واليد وظاهر الكتاب وغير ذلك قوله (ومن هنا يعلم انّ اطلاق الحجّة عليه ليس كاطلاق الحجّة على الأمارات) انّ الحجّة باصطلاح المنطقيّين وجمع من الحكماء والمتكلّمين هى قولان فصاعدا يستلزم لذاتهما قولا آخر او يكون عندهما قول آخر على اختلاف التّعريفين فانّ الاوّل وقع ممّن يقول بأنّ النّتيجة لازمة للمقدّمتين بعد التّرتيب بحيث لا يمكن التّخلّف والثّانى ممّن يقول بان النّتيجة ليست لازمة لهما بل حصولهما من باب جرى العادة بخلق شيء عقيب شيء كما هو مذهب الأشاعرة والدّليل باصطلاح الاصوليّين ما يمكن التوصّل بصحيح النّظر فيه الى مطلوب خبرى او العلم بمطلوب خبرىّ والنّسبة بين الاصطلاحين العموم والخصوص المطلق فانّ الحجّة باصطلاح المنطقيّين اخصّ من الدّليل باصطلاح الأصوليّين اذ ما يمكن التوصّل به اعمّ من ان يكون مفردا او مركّبا بخلاف الاوّل فانّه مختصّ بالمركّب حيث عبّروا بالقولين فصاعدا ومن اجل اطلاق الدّليل على المفرد عند الاصوليّين جعلوا الكتاب والسنّة والاجماع والعقل من اقسام الدّليل والدّليل عندهم مرادف للحجّة واعلم انّ قولهم ما جنس كما هو واضح وقولهم يمكن التوصّل فصل يخرج به ما لا يمكن التوصّل به من القضايا الباطلة وقيد الامكان لادخال الادلّة المغفول عنهما والأدلّة الّتى وقع التّرتيب والنّظر فيها والادلّة المتعدّدة فانّها لا توصل الى النّتيجة فعلا ولكن يمكن التوصّل بصحيح النّظر فيها الى النّتيجة المطلوبة بعد فرض انتفاء الغفلة والتّرتيب والنّظر والتّعدد عنها وبقولهم بصحيح النّظر يخرج الادلّة الفاسدة والادلّة الضّروريّة والنّظر ترتيب امور معقولة للتوصّل الى مجهول او ملاحظة المعقول لتحصيل

١٣

المجهول وبقولهم إلى مطلوب خبرىّ يخرج الحدود والرّسوم لانّ المطلوب فيها شيء واحد وهو المحدود والمعرّف واورد على هذا التّعريف بامور الأوّل انّ بقيد الامكان لا يدخل المرتّب لانّه لا يمكن الّا فى ظرف ترتيبه لا فعلا ولأنّ الامكان مناقض للفعليّة والقضايا المرتّبة اذا حصلت بالفعل سلب عنها الإمكان والّا يلزم اجتماع المتناقضين فلا يصحّ دخولها بقيد الامكان الثّانى انّه لا يصحّ ادخال الادلّة المغفول عنها بقيد الامكان لانّها مع قيد الغفلة لا يمكن التوصّل بها وبعد رفع الغفلة تكون كغيرها الثّالث انّه لا يصحّ ادخال الادلّة المنظور فيها والأدلّة المتعدّدة لانّ ما وقع النّظر فيه لا يمكن وقوعه فيه ثانيا الرّابع انّ حصول التوصّل الى مطلوب خبرىّ وهو الحكم الشّرعى غير معلوم لأنّ الادلّة اغلبها ظنّية فيحصل التوصّل ظنّا لا علما والجواب امّا عن الاوّل فبانّ الامكان على قسمين عامّ وخاصّ والخاصّ هو سلب الضّرورة عن الطّرفين اى الوجود والعدم والعامّ هو سلب الضّرورة عن الطّرف المخالف للحكم بمعنى انّه اذا كان الحكم مثبتا يكون لسلب ضرورة السّلب فيكون مقابلا للامتناع فيشمل الواجب والممكن واذا كان منفيّا يكون لسلب ضرورة الايجاب فيكون مقابلا للواجب فيشمل الممتنع والممكن الخاص كليهما والمراد من الامكان فى التّعريف هو الامكان العامّ المثبت وعلمت انّه مقابل للامتناع ويشمل الواجب فيشمل الادلّة المترتّبة حين حصولها وامّا عن الثّانى فبالفرق بين الحكم بشرط الغفلة وفى حال الغفلة والادلّة المغفول عنها اذا كانت بشرط الغفلة فلا يمكن التوصّل بها الى المطلوب وامّا اذا كانت فى حال الغفلة فلا بأس لامكان زوالها وهذا نظير ما قالوا من انّ الكفّار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأصول مع انّ التّكليف بشرط الكفر محال بخلاف التّكليف حال الكفر فانّ زوال الكفر ممكن فيمكن تكليفهم لامكان زوال الكفر وامّا عن الثالث فأوّلا بما عرفت من الفرق بين اشتراط النّظر وحال النّظر ويصحّ على الثّانى دون الأوّل وثانيا بأنّ الباء في بصحيح النّظر سببيّة فالمعنى انّ التوصّل بسبب صحّة النّظر والادلّة المنظور فيها اسباب للتوصّل وان لم يمكن النّظر فيها للنّاظر سابقا وامّا عن الرّابع فقد اجيب بانّ المراد من الحكم المتوصّل اليه الحكم الظّاهرى وهو معلوم وان كانت الادلّة ظنّية كما عن العلّامة انّ ظنّية الطّريق لا ينافى قطعيّة الحكم ويردّ بأنّ الاحكام الظاهريّة ايضا غير مقطوع بها فانّ الفقيه اذا استنبط من الأدلّة حكما يحتمل غيره ايضا نعم يحصل له القطع بعدم العقاب وهذا غير القطع بالحكم فالصّواب ان يقال امّا بناء على عدم اعتبار العلم فى التّعريف كما هو المشهور من انّ التوصّل اعمّ من ان يكون قطعيّا او ظنّيا فيصحّ اطلاق التوصّل على الظنّى منه حقيقة وامّا بناء على اعتباره فى التّعريف كما عن بعض فبأنّ العلم يطلق على المعنى الاعمّ وهو الطّرف الرّاجح سواء كان مانعا عن النّقيض ام لا قوله (لأنّ الحجّة عبارة عن الوسط الّذى به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر) لمّا أفاد رحمه‌الله امتناع تصرّف الشّارع فى العلم اثباتا ونفيا اشار الى

١٤

مسئلة لفظيّة وهى صحّة اطلاق لفظ الحجّة على القطع الطّريقى وعدمها وقد يقال أوّلا انّ اختصاص اطلاق الحجّة بالوسط لا يصحّ على الاصطلاحين امّا على اصطلاح المنطقيّين فلما عرفت انّهم يطلقون الحجّة على القولين فصاعدا فلا يصحّ اطلاقها على الوسط وامّا على اصطلاح الاصوليّين فلما عرفت من انّهم يطلقون الدّليل المرادف للحجّة على الاعمّ من المفرد والمركّب لتعبيرهم بما الّذى هو من الفاظ العموم فلا يختصّ بالوسط الّذى هو المفرد وثانيا أنّ على فرض اختصاص الدّليل بالمفرد لا يطلق على الوسط بل يطلق على الأصغر كما قال المحقّق القمّى ره والعالم عند الأصوليّين دليل على اثبات الصّانع انتهى ومن الواضح انّ العالم يكون أصغر وكذا صرّح به الفاضل الصّالح حيث قال انّ المراد بصحيح النّظر فيه اى فى نفسه او فى احواله فيتناول المقدّمات الّتى بحيث اذا رتّبت ادّت الى المطلوب انتهى والمفرد الّذى يكون من شأنه ان ينظر فى احواله وصفاته انّما هو الأصغر كالعالم لا غير وقال فى الفصول انّ المراد بالنّظر فيه ما يعمّ النّظر فى نفسه وصفاته واحواله فدخل المفرد كالعالم والمركّب وثالثا أنّ على فرض اطلاقه على الوسط لا يصحّ ان يكون هو الوسط لاثبات حكم متعلّقه لانّه يوجب خروج اكثر القضايا مثل العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث لظهور انّ ثبوت حكم الحدوث ليس لمتعلّق الوسط وهو المتغيّر بل لفرد من ذلك وهو العالم ويمكن ان يجاب أمّا عن الاوّل فبعدم الاختلاف بين الاصطلاحين لانّ الدّليل فى اللّغة نصب شيء يدلّ على امر وعنه اخذ التّعريفان فانّهم عرّفوا الدّلالة بكون الشّىء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ويحصل من ذلك انّ الدليل باصطلاح المنطقيّين نصب شيء يفيد العلم به العلم بشيء آخر وهذا ايضا هو المراد من قول الاصوليّين من انّ الدّليل ما يمكن التوصّل بصحيح النّظر فيه الى مطلوب خبرىّ فلا فرق فى المعنى بين الاصطلاحين ويكون الدّليل عندهما نفس الوسط الّذى بسببه يوصل الى المطلوب بجعله موضوعا فى الصّغرى ومحمولا فى الكبرى فى الشّكل الرابع او بالعكس فى الشّكل الاوّل او محمولا فيهما فى الشّكل الثّانى او موضوعا فيهما فى الشّكل الثّالث إلّا أنّ المنطقيّين لما كان نظرهم فى كيفيّة الاستدلال ولا تحصل تلك الكيفيّة الّا من جعل الوسط صغرى وكبرى قالوا انّ الدّليل قولان فصاعدا فاطلاق الحجّة والدّليل على الوسط يصحّ على كلا الاصطلاحين وعن الثّانى بانّ اطلاق الدّليل على الاصغر فى كلمات بعضهم من باب المسامحة فى التّعبير والإطلاق والمراد من النّظر فيه عندهم النّظر فى صفاته واحواله الّتى منها التغيّر والّا فنفس العالم او المتغيّر ليس مؤدّيا الى وجود الصّانع الّا من حيث جعل العالم فردا من افراد المتغيّر وجعل المتغيّر من افراد الحادث واحتياج الحادث الى المؤثّر ولعمرى انّ هذا واضح وعن الثالث بأنّ المراد من الدّليل وان كان هو مطلق الوسط الّا انّ المعنى الشّائع الظّاهر للفظ الحجّة عند الإطلاق كلّما استعمل فى كلمات الاصوليّين هو الوسط لاثبات حكم المتعلّق

١٥

الّذى هو قسم من الوسط بقول مطلق فالحجّة فى باب الأدلّة باصطلاح الاصولى ما يحمل عليه وجوب ترتيب جميع احكام متعلّقه عند وجوده فى مرحلة الظّاهر ومن اجل انّ هذا المعنى لا يتحقّق فيما كان للعلم دخل فى موضوع الحكم الشرعى يقول ره عند تعرّضه للقطع المأخوذ على وجه الموضوعيّة فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم وان لم يطلق عليه الحجّة اذ المراد بالحجّة فى باب الادلّة ما كان وسطا لثبوت حكم متعلّقه شرعا لا لحكم آخر انتهى اذا عرفت ذلك كلّه فاعلم أنّ اطلاق الحجّة على القطع الطريقى ليس من الحجّة باصطلاح الاصولى وهى الوسط لاثبات حكم متعلّقه لوضوح عدم كون القطع واسطة فى العروض فانّ الحرمة ثابتة للخمر اوّلا وبالذّات لا بواسطة القطع حتّى يكون واسطة فى عروض الحكم له وعدم كونه واسطة فى الثّبوت لانّه ليس علّة لحرمة الخمر فانّ الحرمة ثابتة للخمر سواء قطع بالخمريّة أو لا والعلّة هى الاسكار او المفاسد الاخرى وعدم كونه واسطة فى الاثبات لانّه ليس علّة للعلم بالحرمة وانّما العلّة هى الآيات والاخبار الدّالة على الحرمة لا القطع بالخمريّة فالقطع الطريقى ليس وسطا اصلا ولا يطلق عليه الحجّة حقيقة باىّ معنى كانت وان صحّ اطلاقها عليه بمعنى وجوب العمل على طبقه نعم بالقطع يثبت الموضوع كما انّك عرفت انّ البحث فى هذا الامر ليس بمهمّ فانّه مسئلة لفظيّة جزئيّة وذكرها انّما هو بمناسبة طريقيّة العلم واعتباره ذاتا وانّ لاجل ذلك لا يؤخذ العلم وسطا لترتيب احكام الواقع على المعلوم بل القاطع يرتّب القياس قهرا ويجعل الوسط نفس الواقع لا العلم به وهذا بخلاف غير العلم فانّه لا بدّ من توسيطه لمكان عدم تبيّن الواقع به وبعبارة أوضح ليس فى القطع الطريقى الّا قضيّة واحدة وهو الحكم لذات الشّيء مع قطع النّظر عن تعلّق العلم به ومن غير مدخليّة له فيه فثبوته النّفس الامرى تابع لتحقّق موضوعه فى نفس الامر واذا علم المكلّف بثبوت هذه القضيّة وعلم بتحقّق موضوعها يقطع بترتّب المحمول قهرا من دون توسيط للقطع وأمّا في الظنّ الثابت حجّيته فهناك قضيّتان واقعيّة ثابتة فى نفس الامر مع قطع النّظر عن تعلّق الظنّ به وظاهريّة بملاحظة الظنّ ويكون الظنّ موضوعا لها ويختلف باختلاف المكلّفين فى الظّنون بحسب المؤدّى لا يقال يلزم على ما ذكرتم ان لا يكون الظّن الطّريقى ايضا كالقطع حجّة ووسطا لانّ بالظّن اذا كان طريقا لا يثبت الّا الموضوع وهو انّ مظنون الخمريّة خمر لا انّ مظنون الخمريّة حرام حتّى يكون وسطا لثبوت الحكم فإنّه يقال المجعول فى القضيّة الثّانية فى الظنّ الطريقى هو الطريقيّة التّامة ولازمه عقلا من دون جعل هو الطريقيّة النّاقصة كما انّ اللّازم عقلا للقطع هو الطّريقيّة التّامة والمراد بالتّمام والنّقص احتمال الخلاف وعدمه فى مؤدّى الطّريق فانّ مع احتمال الخلاف يكون الطريقيّة ناقصة ومع عدمه يكون تامّة ولمّا كان القطع طريقا تامّا عقلا امتنع جعله حجّة ووسطا لاثبات حكم متعلّقه او سلبه بخلاف الظنّ فانّه طريق ناقص ويصحّ جعله طريقا تامّا كذلك بايجاب ترتيب جميع آثار الواقع على مؤدّاه لا يقال سلّمنا كون الظنّ وسطا لكن لا يصحّ اطلاق الحجّة عليه لانّ الحكم

١٦

المجعول حينئذ لا يكون لمتعلّقه بل يكون له ولمتعلّقه معا لانّ الظّن له دخل فى ثبوت الحكم فانّ الشّارع رتّب الآثار على المظنون بوصف المظنونيّة فلا يكون الظنّ وسطا لثبوت حكم متعلّقه لأنّا نقول هذا انّما يتمّ بناء على كون الاحكام الظاهريّة مجعولة فى عرض الواقع وامّا بناء على انّها فى طول الأحكام الواقعيّة كما هو الصّواب فلا يكون الظنّ موضوعا بل يكون طريقا محضا لأنّ الظنّ امّا ان يلحظ بالنّسبة الى اصل التّكليف وامّا ان يلحظ بالنّسبة الى تنجّزه وعلى الاوّل يكون طريقا محضا اذ لو توقّف الحكم على الظنّ لزم التّصويب والدّور وكلاهما باطلان وعلى الثّانى يكون الظنّ جزء موضوع لتوقّف التّنجّز على حصول الظنّ وبالاعتبار الاوّل وهو كونه طريقا يطلق عليه الوسط والحجّة وان كان بالاعتبار الثّانى لا يطلق عليه لانّه جزء موضوع ويكون التّنجّز موقوفا على الظنّ وبعبارة اخرى لمّا كان من الواضح المستبين امتناع جعل الحكم الظاهرى والظنّ الطريقى بالقضيّة الاولى كامتناع جعل الحكم الواقعى بالقضيّة الثانية وكان المجعول فى القضيّة الثانية الظاهريّة حكما غير الحكم الواقعى المجعول للموضوع النّفس الأمرى كان معنى كون الظنّ حجّة ووسطا لاثبات احكام متعلّقه ثبوتها فى مرحلة الظّاهر بواسطة الظنّ او الحكم ظاهرا بثبوتها فى نفس الامر الرّاجع الى المعنى الاوّل وبعبارة ثالثة المجعول فى القضيّة الثّانية احكام شرعيّة من سنخ الاحكام الواقعيّة مترتّبة على الظنّ من حيث كشفه عن الاحكام المجعولة فى الواقع كشفا ناقصا والحاصل انّ العلم طريق تامّ بذاته ولا يمكن جعله طريقا بخلاف الظنّ فانّه طريق ناقص ويصحّ للشّارع جعله طريقا تامّا قوله (والحاصل انّ كون القطع حجّة غير معقول) قد يتخيّل فى المقام ورود مناقشات هى فى غاية الضّعف نذكرها تشريحا للذّهن الأولى انّ هذا دليل آخر على عدم اطلاق الحجّة على القطع وليس حاصل ما سبق ومفاده انّ الحجّة واسطة لثبوت حكم متعلّقه وبه يحصل القطع بالمطلوب فلا يصدق على نفس القطع والّا كان السّبب والمسبّب شيئا واحدا وان شئت قلت انّ كلّ ما بالغير لا بدّ وان ينتهى الى ما بالذّات والّا لزم التّسلسل الثّانية أنّ اطلاق الحجّة على القطع وعدمه ليس من الامور العقليّة حتّى يحكم بالامتناع لأنّها مجرّد اصطلاح ومع قطع النّظر عنه فاطلاقها على القطع امر معقول الثّالثة أنّه يمكن بملاحظة علم الشّارع بمخالفة قطع القاطعين للواقع كثيرا ان ينهى المكلّف عن العمل بقطعه ويقول لا تعملوا بعقولكم النّاقصة واعتقاداتكم الفاسدة لكثرة مخالفتها للواقع بل لكم العمل بما يقوله امنائى كما نهى عن العمل بالقياس مع حصول القطع منه احيانا فلا يصحّ ما أفاده رحمه‌الله من أنّ طريقيّة القطع ليست قابلة لجعل الشّارع اثباتا ونفيا الرّابعة إنّه لو امتنع تصرّف الشّارع فى قطع القاطع لزم ان يكون الكفّار غير معاقبين فانّهم قاطعون غالبا بمذاهبهم الفاسدة فلا يمكن للشّارع المنع وليس كذلك قطعا لضرورة خلودهم فى النّار الخامسة أنّه لا اشكال فى علم الانبياء والائمّة عليهم‌السلام

١٧

بجميع الموجودات الكونيّة وكيفيّاتها على ما هى عليها مع انّهم لم يكونوا عاملين بعلمهم بل كانوا يعملون بما جعله الله تعالى طريقا فهذا يدلّ على انّه يصحّ منع الشّارع عن العمل بالقطع السّادسة أنّ معاشرة النّبى ص مع المنافقين مع علمه بكفرهم وشركهم يدلّ على جواز العمل على خلاف القطع والاعتقاد السّابعة انّه يدلّ ايضا على جواز المنع عن العمل بالقطع عدم جواز عمل القاضى والمفتى بقطعهما الحاصل من غير الطّرق المقرّرة مط او فى حقوق الله تعالى ويمكن دفع الأولى بانّ هذا وان كان دليلا آخر على عدم اطلاق الحجّة على القطع الّا انّ هذا الدّليل يحصل ويستفاد ممّا سبق من انّ الحجّة عبارة عن الوسط الّذى به يتوصّل الى حكم الأصغر ويحصل القطع به ويصير واسطة للقطع بثبوت الحكم له فالحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب بل التامّل الصّادق يشهد بانّ هذا ليس دليلا آخر بل المجموع دليل واحد ويكون الحاصل دفعا لتوهّم كون الحجّة عبارة عن الوسط لا ينافى اطلاقه على القطع والثّانية بأنّه لمّا علم ممّا سبق انّ القطع ليس من افراد الحجّة بالمعنى المعهود عند الاصوليّين والمنطقيّين فلا يصحّ اطلاق الحجّة عليه لا حقيقة ولا مجاز العدم الفرديّة وعدم العلاقة فاطلاق الحجّة عليه وضعا غير معقول والثّالثة بأنّ الشّارع امّا ان يطلب الواقع من المكلّف مط من اىّ طريق حصل او يطلبه من طريق خاصّ وفى الاوّل اذا حصل للمكلّف القطع بالواقع لا يجوز للشّارع المنع عنه للزوم التّناقض ولو فى نظر المكلّف وفى الثّانى يجوز ذلك لانّ المفروض كون القطع موضوعا وما ذكرتم من جواز منع الشّارع اذا علم بالمخالفة انّما يصحّ اذا كان المطلوب هو الواقع مقيّدا بطريق خاصّ وما ذكره المصنّف من عدم الجواز انّما هو فى القطع الطريقى المبحوث عنه والرابعة بانّ الكلام انّما هو فى كون حجّية القطع ذاتيّة دون الظنّ بمعنى انّ انكشاف الواقع ولزوم العمل على طبقه يحصل من نفس القطع بحيث لا يحتاج الى شيء آخر وامّا الظنّ فلا يحصل به المطلوب الّا بدليل شرعىّ او عقلىّ ينزّل الظنّ منزلة القطع وامّا انّ العامل بالقطع هل يكون مأجورا او معاقبا فهو خارج عمّا نحن فيه ومبنىّ على انفتاح باب العلم فى الاصول والاعتقادات وانسداده وعلى الاوّل يكون المعتقد بالخلاف معاقبا لتقصيره وعلى الثّانى فان كان قاصرا لا يكون معاقبا كما هو كذلك بالنّسبة الى كثير منهم وان كان مقصّرا فهو معاقب على ما هو المقرّر فى باب اصول الدّين والخامسة بأنّ دعوى كونهم عليهم‌السلام غير عاملين بعلمهم فى حيّز المنع لا شاهد لها والقول بعدم اجتنابهم مثلا عمّا يعلمون من النّجاسات غير مسموع لانّ للنّجاسات خباثات ذاتيّة وحاشاهم عن عدم الاجتناب بل المعلوم من الاخبار اجتنابهم عليهم‌السلام عن امثال ذلك كما فى خبر ارسال الوجوه الى العسكرى عليه‌السلام وردّ الحجّة عليه‌السلام بعضا منها وغير ذلك ولو سلّم عدم اجتنابهم عمّا يعلمون بخباثته فمن الجائز أن يكون هذا من خواصّهم او لمصالح أخر كعدم نفورهم عن حول النّبى ص وتضعيفهم للدّين والسّادسة بأنّ هذا العلّة كان من خصائصه ص مضافا الى وضوح الفرق بين صدر الاسلام

١٨

وبعده فى الاحكام والظّاهر انّ الاسلام فى الصّدر الاوّل كان هو مجرّد الاقرار بالتّوحيد كما هو المنقول عنه ص قولوا لا إله الّا الله تفلحوا بل لعلّه كان مجرّد التّلفظ بالشّهادتين وان علم عدم الاعتقاد منهم كافيا فى الإسلام والسّابعة بأنّ العلم فى باب القضاء موضوعىّ مثل العلم فى اجراء الحدود واذا كان كذلك جاز للشّارع التصرّف فيه كيف شاء قوله (وامّا بالنّسبة الى حكم آخر فيجوز ان يكون القطع مأخوذا فى موضوعه) قد ظهر انّ القطع اذا تعلّق بحكم من الاحكام الواقعيّة او بموضوع من الموضوعات الّتى لها اثر شرعىّ او عقلىّ فهو كاشف محض عن متعلّقه من دون ان يكون له دخل فى ذلك الحكم او الموضوع ويكون تمام الموضوع لحكم العقل بوجوب الاتّباع وتنجّز التّكليف وترتّب المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة وانّ فى صورة الخطأ يكون عذرا ان كان الخطأ عن قصور ولكن من الواضح انّ القطع فى هذه الصّورة ليس سببا لذلك فانّ الاستحقاق يحتاج الى السّبب وامّا عدم استحقاق العقاب فيكفى فيه عدم وجود سببه وهذا كما فى الغافل فكما يقال انّ الجهل عن قصور فى الغافل يكون منشأ لعدم الاستحقاق فكذلك العلم اذا أخطأ وكان عن قصور فانّه فى الواقع جهل مركّب واذا عرفت ذلك فنقول انّ القطع قد يؤخذ فى الخطاب او فى الموضوع على نحو يكون تمام الموضوع لحكم آخر من الاحكام شرعيّة او عقليّة يخالف حكم متعلّقه لا يماثله ولا يضادّه وممّا ذكرنا يتّضح ان ليس المراد من الجواز فى عبارة المتن هو الجواز الشرعى بل ما يقابل الامتناع وهو الامكان العامّ ولا فرق فى ذلك بين ان يؤخذ المتعلّق حكما من الاحكام او موضوعا فانّ القطع على كلا التّقديرين يمكن ان يكون تمام الموضوع والسّبب التامّ لحدوث حكم آخر كما فى بعض اقسام الشّك كقوله اذا شككت فابن على الاكثر او اسجد سجدتى السّهو او صلّ ركعتين على اختلاف المقامات فكما انّ الشّك فى هذه الاحكام يكون تمام الموضوع لحكم آخر كذلك يمكن ان يكون العلم تمام الموضوع بحيث يدور الحكم مدار العلم وجودا وعدما صادف الواقع او خالف كان يقول النّاذر لله علىّ كذا لو علمت بمجيء زيد من السّفر وكترتّب المدح والذّم على العمل بالقطع وان خالف الواقع كما فى الجهل المركّب فانّ المدح والذّم انّما يترتّبان على نفس الاعتقاد والعمل عليه من دون اعتبار مطابقة الواقع وعدمها وكترتّب الثّواب والعقاب على نفس العلم فى موارد الانقياد والتّجرى بناء على القول بحرمته وانّ من اعتقد وعلم بوجوب شيء يجب عليه الاتيان بالواجب المعتقد انقياد او كذا فيما علم حرمته حرم الاتيان به للتّجرى وعليه يكون العلم موضوعا لترتّب الثّواب والعقاب فى صورة الإتيان بما يعتقد وجوبه والاحتراز عمّا يعلم حرمته او ترك الواجب وفعل الحرام المعلومين وان لم يكن فى الواقع كذلك وكترتّب جواز الافتاء شرعا بالمعلوم ولو بالمعنى الشّامل للظنّ المعلوم حجّية

١٩

بالخصوص كخبر الواحد على القول به فانّه لا يجوز شرعا فيما لا يعلم وقد يؤخذ في الخطاب او الموضوع على نحو الجزئيّة والقيديّة مثل صفة الايمان المأخوذة فى العبد المعتق بان يكون القطع فى صورة الإصابة موجبا لحكم فلا يكون الواقع موجبا له مطلقا ولا القطع كذلك بل القطع بالواقع حقيقة موجب لذلك فالموضوع مركّب من القطع والواقع وينتفى الحكم قهرا بانتفاء احدهما كترتّب الثّواب والعقاب على العمل بمقتضى الاعتقاد وترك العمل بمقتضاه فيما اذا كان مطابقا للواقع بناء على عدم القول بحرمة التّجرى فانّ تحقّق الموافقة والمخالفة اللّتين هما المنشئان للثّواب والعقاب انّما يترتّبان على الاعتقاد لكن لا عليه فقط بل عليه مع انضمام كونه متّصفا بمطابقته للواقع وقد علم انّ القطع قد يكون موضوعا او جزء موضوع للآثار الشرعيّة او العقليّة الخارجة عن متعلّقه فهو بالنّسبة الى متعلّقه طريق وموضوعيّة بملاحظة الآثار المترتّبة عليه شرعا او عقلا وعلى كلّ من التّقديرين ذكر جمع من الاساتيد تبعا لظاهر عبارة المتن انّه قد يؤخذ فى الموضوع بما هو صفة من الصّفات القائمة بنفس القاطع وبما هو كيفيّة نفسانيّة لديه بالغاء جهة كشفه كسائر الكيفيّات النّفسانيّة من الحزن والفرح والخوف فكما يمكن ان يؤخذ واحد منها فى خطاب فكذلك القطع وكما يجوز ان يقال اذا حصل لك الخوف فافعل كذا ويكون الخوف تمام الموضوع لهذا الحكم يجوز ان يقال اذا حصل لك القطع بكذا فافعل كذا ويكون الكيفيّة موجبة لحدوث مصلحة فى هذا الفعل او فى انشاء حكمه وقد يؤخذ في الموضوع بما هو مرآة وحال عن متعلّقه فيكون حصول هذه المرأة موجبا لحدوث هذا الحكم وقد علم فى محلّه انّ القطع له جهتان إحداهما الصّورة الحاصلة من الشّىء عند النّفس وهى الّتى تسمّى بالمعلوم بالذّات والأخرى تطابق هذه الصّورة مع ذيها المسمّى بالمعلوم بالغير وبالعرض فانّه من الصّفات الحقيقيّة ذات الاضافة وهو من الجهة الاولى وهى جهة الحقيقيّة قائم بنفس العالم من حيث قيام الصورة بنفسه ومن الجهة الثّانية وهى جهة الاضافة قائم بذى الصّورة من حيث كونه مظهر او كاشفا له فيمكن ان يصير المعلوم بالذّات سببا لحدوث مصلحة لحكم آخر ولو كان معه المعلوم بالغير الّا انّه لم يلحظ ذلك معه فى حدوث هذا الحكم ويكون لنفس هذه الكيفيّة دخل فى موضوع الحكم على نحو تمام الموضوع او جزئه كما انّ سائر الكيفيّات من الخوف والحزن والفرح ونحوها قد يكون لها دخل فى موضوع حكم مع عدم كونها حاكيات عن الشّىء أصلا فلا اشكال فى انّ القطع بما هو معلوم بالذّات ومن هذه الجهة يجوز ان يكون من سبب خاصّ او شخص خاصّ دخيلا بنحو تمام الموضوع او جزئه فى حدوث حكم وهو المراد من اخذه على نحو الصفتيّة كما انّه يمكن على ما قالوا ان يكون للمعلوم بالغير دخل فى موضوع الحكم على احد الوجهين وهو المراد من اخذه على نحو الطريقيّة وقد علم انّ اقسام القطع خمسة الاوّل ما يكون كاشفا محضا عن متعلّقه من دون ان يكون له دخل فى

٢٠