موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٤

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢

يمر منه قبل الوصول إلى الصفراء والاسم الآخر لوادى يسيرة ، ومياه السيل التى تتكون فى هذا الوادى تجرى من الجهة الغربية من وادى الصفراء.

والقافلة المصرية تنفصل من هنا عند عودتها وتذهب إلى ينبع. وعند انصرافها تتجه ناحية اليمين سالكة الطريق ثم تنزل إلى قرية الصفراء التى ظلت فى الجهة اليسرى ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد عاد من هذا الطريق بعد غزوة بدر ، وهناك مسجد آخر على يسار من يذهبون إلى ينبع البحر مسجد مبارك آخر يزوره زوار سيد الأبرار بنيّة زيارة مسجد ذفران ، ويرى محل آخر مرتفع عن الطريق قليلا فى المحل الذى يطلق عليه الرابية بناء على أن هناك مسجد مأثور ، وبما أن جميع هذه المساجد فى حدود قرية الصفراء فجوانب كل واحد منها مزينة ومعمورة بالبيوت والمحال.

وقبر عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب من جرحى بدر الكبرى فى داخل قرية الصفراء وبجانب المسجد الذى ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وقال بعض المؤرخين إن قبر عبدة ابن الحرث بجانب مسجد ذفران والآخرون فى وادى النازية.

وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى ثنية المبرك أيضا. ويقع هذا المحل المقدس فى الجهة الغربية على يسار طريق الصفراء إلى الجهة اليسرى عندما تتجه من المدينة إلى ينبع البحر والمسافة بين المسجد المبارك ومنزل دعان خمسة أميال وعلى رأى ستة أميال.

٢ ـ مسجد بدر :

ساحة هذا المسجد اللطيف المقدسة موضع العريشة التى صنعت من أجل النبى صلى الله عليه وسلم فى ملحمة بدر الكبرى. واليوم بجانب حديقة النخيل ، وعلى الجهة القبلية من المسجد اللطيف الذى يطلق عليه الأهالى مسجد النصر وكان هنا بئر أيضا ، وقد خربت مبانى مسجد النصر ولم يبق حتى أثر لأساسه ولا يوجد الآن من يعرف ساحة ذلك المسجد أو بئر الماء.

٣٨١

٣ ـ مسجد العشيرة :

مسجد العشيرة فى داخل قرية بطن ينبع ينزل فى هذا المكان حجاج قافلة مصر كان الناس يروون أن بجانب ذلك المسجد عين جارية تسمى بولا ولكن اسمها تغير الآن.

٤ ـ مسجد الفرع :

هذا المسجد فى طريق مكة المكرمة وممر مسافرى المدينة المنورة قد نام النبى صلى الله عليه وسلم فى مكان يطلق عليه أكمة فى موقع الفرع ، وبعد النوم صلى فى مكان تحت أكمة صلاة الظهر وسار مستقبلا المحل الذى يطلق عليه الفرع. وعند ما وصل إلى مضيق الفرع نزل وصلى بجانب وديان برود وذات حماط (١) وكهف أعشار وكذلك فى مخرج ذات حماط الضيّقة (٢) صلوات منفصلة.

__________________

(١) ذات حماط اسم نهير يقع فى طرف وادى العقيق.

(٢) هذا هو الموضع الذى صلى فيه من كانوا فى غزوة بنى المصطلق.

٣٨٢

فى ذكر المساجد التى صلى فيها

النبى صلى الله عليه وسلم فى غزواته

١ ـ مسجد عامرة :

يقع على مرحلة من المدينة من جهة خيبر كان النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان وهو فى طريقه

إلى غزوة خيبر.

٢ ـ مسجد صهباء :

تقع صهباء فى وادى روحه بين المدينة المنورة وخيبر. ومسجد فضيح (١) الذى حدث فى ساحته معجزة رد الشمس فى هذا الوادى.

٣ ـ مسجد منزلة :

هذا المعبد المبارك فى موضع قريب من خيبر يطلق عليه موضع الصخرة كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نام ليلا بجانب هذه الصخرة قدر ساعة وهو ذاهب إلى خيبر وصلى النوافل مدة ما ، ولما ركب ناقته وأراد أن يتقدم ، ترددت الناقة فى التقدم إلى الإمام حينئذ ، قال : اتركوا زمام الناقة فلتذهب حيث أمرت بالذهاب إليه وترك زمام الناقة ، وبناء عليه رجعت الناقة الأصيلة وذهبت إلى جانب الصخرة المذكورة وبركت فسطح ذلك المكان مؤخرا واتخذ مسجدا ، ومازال أهل خيبر يستمرون فى الصلاة فى هذا المكان معظمين متبركين.

وهناك مسجد آخر فى مكان يقال له «عوسنجة» بين الشّقّ ونطاة من قلاع خيبر المشهورة ويروون أن ساحته كانت مصلى للنبى صلى الله عليه وسلم.

__________________

(١) اسم آخر لمسجد صهباء.

٣٨٣

٤ ـ مسجد شمران :

اسم مكان فى ناحية شمران سهم بنى البراز فمسجد شمران يقع على قمة جبل من الجبال الخيبرية.

٥ ـ مساجد تبوك :

يختلف المؤرخون فى تعيين عدد مساجد تبوك ، يقول البعض إنها ستة عشر والبعض الآخر يقول أنها عشرون والآخرون أكثر من هذا عددا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحددوا أماكنها تماما ، والآن فى طريق تبوك عشرون مسجدا وأول هذه المساجد تبوك نفسها والعشرون مسجد ذى خشب.

وقد قرر متفقا أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى جميع هذه المساجد فى أثناء وقعة تبوك ، والمساجد التى عددها المؤرخون أن يبينوا مواقعها فمساجد تبوك هى المساجد الآتية التى سنذكر أسماءها.

مساجد تبوك :

١ ـ مسجد تبوك (١)

٢ ـ مسجد ثنية مدران (٢)

٣ ـ مسجد ذات الزراب (٣)

٤ ـ المسجد الأخضر (٤)

٥ ـ مسجد ذات الخطمى (٥)

٦ ـ مسجد بالى (٦)

٧ ـ مسجد تبرا (٧)

__________________

(١) الذى شيد هذا المسجد هو عمر بن عبد العزيز.

(٢) أمام تبوك.

(٣) بعيد عن تبوك مسافة مرحلتين.

(٤) أربع مراحل لتبوك.

(٥) خمس مراحل لتبوك.

(٦) يقال له مسجد بولا أيضا على خمس مراحل من تبوك

(٧) فى منتهى المكان الذى يعرف بكواكب وفى جانبه منزل (تبر).

٣٨٤

٨ ـ مسجد شق تارا (١)

٩ ـ مسجد ذو الحليفة (٢)

١٠ ـ مسجد ذى الحليفة الآخر (٣)

١١ ـ مسجد شوشق

١٢ ـ مسجد الحوض (٤)

١٣ ـ مسجد حجر (٥)

١٤ ـ مسجد صعيد (٦)

١٥ ـ مسجد وادى القرى (٧)

١٦ ـ مسجد بنى عذرة (٨)

١٧ ـ مسجد الرقعة (٩)

١٨ ـ مسجد ذى المروة (١٠)

١٩ ـ مسجد فيفاء (١١)

٢٠ ـ مسجد ذى خشب. (١٢)

__________________

(١) فى منزل جويرة.

(٢) ليس هذا المكان ذى الحليفة حيث الميقات فهو ذو الحليفة أخرى إلا أن الجغرافيين لم يعطوا عنه معلومات كافية.

(٣) يقرأ البعض هذا المنزل بكسر خاء المعجمة والآخرون بفتحها وأتى بعضهم بدلا من الخاء المعجمة جيما مكسورة كما أتى بعضهم بحاء مفتوحة.

(٤) فى وسط محل يقال له حوض أو فى نهايته.

(٥) يعرف ابن زبالة هذا المسجد باسم علاء ولكن سواء أكان منزل حجر أو علاء فإنه فى داخل وادى القرى.

(٦) فى محل يقال له صغير قزح يقال له فى زماننا مسجد وادى القرى.

(٧) فى وادى القرى.

(٨) فى قرية بنى عذرة.

(٩) هذا المسجد فى مكان يسمى رقعة الثوب يروى أنه فى منزل رقمه بجوار قرية بنى عذرة أو سقيا.

(١٠) على مسافة ثمانية بريد من المدينة المنورة.

(١١) فى وادى يطلق عليه فيفاء محلتين وهو على بعد مسافة يوم من المدينة المنورة فى أسفله صخرة.

(١٢) على بعد مرحلة من المدينة وفى منزل يسمى بدومة.

٣٨٥

وقد أدى النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات فى غير هذه الأماكن مثل : فى وسط حديقة فى مزارع بنى أشجع وفى بطن نخلة من الحدود النجدية وقريب من هذه النخلة فى مكان يطلق عليه كديد (١) وفوق جبل من بلاد بنى أشجع.

٦ ـ مسجد الحديبية :

هذا المسجد فى القرب من قرية جدة بين جدة ومكة المكرمة فى مكان يطلق عليه حديبية وداخل الوادى القريب من منزل بلدح : والمسجد المذكور بالقرب من البئر المشهور باسم بئر شمس وبناء على ما نقل من أسانيد جيدة أن المصالحة التى عقدت بين المسلمين ومشركى قريش قد وقعت بجانب هذا المسجد كما أن بيعة الرضوان حدثت فى ساحة مسجد حديبية.

٧ ـ مسجد ذات عرق :

هذا المسجد على بعد ميلين ونصف ميل من مكان يسمى ذات عرق ساحته المقدسة محل إحرام وميقات لمكة المكرمة.

٨ ـ مسجد جعرانة :

معبد جعرانة اللطيف بجانب وادى جعرانة وفى مكان مرتفع ، بناه أحد أهل الخير من قريش وأنبتت بجانبه أشجار النخيل.

٩ ـ مسجد ليّهّ :

هذا المسجد الممتاز فى وادى ليه البعيد عن الطائف ثمانية أميال وبجانبه حجر وعلى الحجر بعض الخطوط أو ما يشبهها ويعتقد أهل الطائف أن هذه الخطوط آثار حوافر ناقة النبى الأصيلة ، ووقف النبى صلى الله عليه وسلم بجانب شجرة الذرة القريبة من المسجد وفى ناحية القرن الأسود واستقبل المحل الذى يقال له نخب ووقف جميع الذين كانوا بجانب النبى واستراحوا قليلا هذا مما يروى.

__________________

(١) ليس كديد الذى فى المحل الذى يسمى عفان.

٣٨٦

١٠ ـ مسجد الطائف :

هذا المسجد هو المسجد الكبير الذى بنى على ساحة خيمتى السيدة عائشة (١) وأم سلمة رضى الله عنهما ـ اللتين نصبتا عند محاصرة بلدة الطائف وظل مكان الخيمتين المذكورتين فى مؤخرة المسجد ورفع فوقهما قبتان صغيرتان ودفن فى ركنه القبلى أعلم الناس عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنه.

تزييل

إن الشريف عبد الله الذى خدم إمارة مكة الجليلة ما يقرب من عشرين عاما بجانب قبر ابن عباس بن عبد المطلب وهو من السلالة الطاهرة الزيدية وابن من أثبت جدارته ثلاث مرات فى منصب الإمارة وهو الشريف محمد بن عوف. وأحرز رتبة الوزارة السامية فى سنة ١٢٤٧ ه‍ وأسند إلى عهدته إمارة مكة المكرمة وأنعم عليه بالوسام المرصع المجيدى العثمانى ، وتوفى فى سنة ١٢٩٤ ه‍ يوم الأحد اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة وهو فى منزله الصيفى فى الطائف ، ووجه منصب الإمارة إلى أخيه الشريف حسين باشا وأحيل إليه. وقد خدم عبد الله باشا المشار إليه السلطنة السنية بإخلاص ولا سيما فى أثناء المسألة الروسية بذل جهودا عظيمة لجمع الإعانات الحربية واستطاع أن يدبر مبالغ كبيرة من النقود. وأن يوصلها إلى أصحاب الشأن ، واستطاع أن يكسب طوال مدة توليه للإمارة رضا سكان الحجاز ورعى بكل مودة الحجاج الواردين وحفظهم وكان شخصا أصيلا نجيبا من السلالة الهاشمية وذات عقيدة سليمة ، رحمه الله رحمة واسعة. وساحة مسجد الطائف هى ساحة مصلى النبى القديمة وهى الساحة التى أم فيها المجاهدين من غزاة الدين ، وهذه الساحة هى ما بين خيمتى السيدة أم سلمة والسيدة عائشة (٢) ـ رضى الله عنهما ـ ثم رفع بين ساحتى

__________________

(١) قال الواقدى : الأخرى زينب بنت جحش. يقصد أنه من كان مع النبى صلى الله عليه وسلم من نسائه : أم سلمة ، وزينب بنت جحش رضى الله عنها. الطبرى ٣ / ٨٣.

(٢) والسيدة زينب بنت جحش على ما فى الطبرى ٣ / ٨٣.

٣٨٧

الخيمتين قبتين صغيرتين أبو أمية بن عمرو وبن وهب بن معتب بن مالك وهذا إشارة إلى أن ما بين القبتين كان المصلى النبوى. وبعد ما بين الإمام الواقدى موقع مسجد الطائف وشكله أضاف أن فى ذلك المسجد عمود لا يرى نور الشمس إلا ويسمع بجانب هذا العمود صوت التسبيح الهاتفى. وبناء على تعريف المطرى أن المسجد اللطيف الذى بناه عمرو بن أمية هو الآن الجامع الكبير ، وقد صنع فى عهد الناصر أحمد بن المستضئ منبر مرتفع عبد الله بن عباس مدفون فى الركن الأيمن من هذا المنبر. وبناء على قول تقى الفاسى أن فى خارج جداره القبلى حجر وكتبت عليه عبارة : أمرت أم جعفر بنت أبى الفضل أمام ولاة عهد المسلمين بعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف وذلك سنة اثنتين وسبعين ومائة والمظنون أن الجامع المذكور وضريح ابن عباس بنيا فى عهد المستعين العباسى.

٣٨٨

الوجهة التاسعة عشرة

تحتوى على ثلاث صور

تعرف مفصلا الأودية والأحراش وبعض الجبال

والأماكن والأوطان والقرى التى تنسب إلى المدينة المنورة

٣٨٩
٣٩٠

١ ـ وادى العقيق :

والوادى هو المكان المنخفض الذى تجرى فيه الأنهار والسيول ووادى العقيق هو اسم الوادى الذى يمتد من موقع قصر المراجل إلى البقيع ومن زغابة إلى قصر المراجل ووادى العقيق المشهور فى الواقع واديان أحدهما العقيق الأصغر والآخر العقيق الأكبر ، ويمتد العقيق الأكبر من أراضى عروة بن الزبير فى جهة حرة المدينة إلى قصر المراجل ، ومن جهة حماء من قصر عبد العزيز بن عبد الله العثمانى الذى فى جماد إلى قصر المراجل يخرج أحد طرف هذه الحدود إلى نهاية البقيع ونهاية الجهة السفلى العقيق الصغير ونهاية أعلاها وديان عقيق البقيع.

والوادى الذى يطلق عليه عقيق البقيع يبدأ من مكان يطلق عليه برام إلى حضر هذا المكان نهاية حدود البقيع حيث ينتهى ، والوادى المذكور يذهب من هنا إلى رغابة مجمع السيول الذى فى أعلى منزل إضم ، ومنزل إضم بناء على قول المطرى يبدأ من البئر المحترم وينتهى إلى الجهة الغربية وهذا المكان ملاصق بالمدينة المنورة من ساحة بئر عثمان التى سميت بالعقيق ، وينقسم إلى جهتين فى حدود دار العز المدينة يشكل قسم منهما وادى العقيق الأصغر والآخر يشكل وادى العقيق الأكبر ، وبناء على هذا التعريف فإن الصحراء التى يطلق عليها البقيع يلزم أن تكون وسط وادى العقيق حيث انقسم وادى العقيق هنا أيضا إلى قسمين يقال للجهة الملاصقة للمدينة المنورة العقيق الأصغر وللجهة العليا العقيق الأكبر ، وأصغر هذين الواديين الصحراء التى توجد فيها بئر عثمان وأكبره الصحراء التى توجد فيها بئر عروة ، ووادى العقيق الأكبر الذى لا يلاصق المدينة المنورة يتصل بالقرية التى فى بلاد مزينة ، وانقسام وادى المدينة إلى اثنين سيؤدى إلى انقسام السيول بجانب حرة المدينة إلى جهتين وتنقطع.

٣٩١

إن كان لوادى العقيق اسم قديم إلا أن الملك تبّع قال حينما زار المدينة هذا عقيق الأرض وعلى ساحته سليلة وهذا عرضه الأرض. وعلى قول لما كان لون وادى العقيق فى غاية الاحمرار كان سببا فى إطلاق اسم العقيق عليه وانسى اسمه القديم.

ووادى العقيق من أعظم وديان الحجاز ويمتد من حدود الطائف ويمر بالمدينة إلى أن يتصل بالبحر الأحمر ، لقد منح النبى صلى الله عليه وسلم هذا الوادى لبلال بن الحارث المزنى ليستغله بطريق المقاطعة. ولما ترك هذا الوادى إلى عهد عمر بن الخطاب دون إعمار قال عمر الفاروق لبلال «يا بلال! إذ عمرت الوادى الذى أخذته عن النبى بالمقاطعة أتركه لك ؛ وإذا لا تريد إعماره أقطعته للآخرين» ولما أخذ منه جوابا بالنفى ترك جزءا من الوادى فى يد بلال وأقطع الباقى للذين يرغبون وأعطاهم.

وقد قدر فى أوائل الإسلام فضل وادى العقيق ومزيته ومناظره الجميلة التى تسحر النفوس فعمر واستصلح بكل عناية مما أثر فى قرائح الشعراء فأنشدوا قصائد مدح فى حسنه وجماله قصائد لا تعد ولا تحصى. وقد تعود عمر بن الخطاب كلما ظهرت السيول فى وادى العقيق أن يذهب مع أهل المدينة إلى مجراه ويشرب منه الماء. وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقداسة وادى العقيق عندما قال : «جاءنى أحد فى هذه الليلة وقال لى صلّ فى هذا الوادى» وفى يوم آخر قال بعد أن ذهب إلى وادى العقيق ورجع «يا عائشة! وادى العقيق ما أجمله من مكان ، وما أحلى ماءه وما أطرى ترابه؟!!» فوصف وادى العقيق مادحا وعندما قالت له «إذا كان كذلك فلماذا لا نقيم فى وادى العقيق» فأجابها قائلا : «إن الناس قد استقروا هناك وأعدوا لهم منازل خاصة ومن هنا فإن النقل والهجرة إلى وادى العقيق غير ممكن». وبين بهذا أن انتقال أهل المدينة إلى وادى العقيق أمر شاق ، وقال فى يوم آخر لأنس بن مالك ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد زار وادى العقيق فى ذلك اليوم «ملأت هذه المطرة (١) من واد يحبنا ونحن نحبه» وهكذا أظهر حبه لوادى العقيق.

__________________

(١) المطرة : القربة.

٣٩٢

كان سلمة بن الأكوع اعتاد أن يقدم للنبى صلى الله عليه وسلم من لوم ما يصطاده.

يروى عنه أنه قال : «سألنى النبى صلى الله عليه وسلم يوما فى أية جهة تصطاد من أجلى؟» فأجبته قائلا : «فى وادى يثب الذى فى ناحية قناة» عندئذ تفضل قائلا : «لو كنت تصطاد فى وادى العقيق ، لكنت أودعك عند الذهاب وأستقبلك عند الإياب».

٢ ـ وادى بطحان :

إن وادى بطحان روضة غالية من فراديس الجنة كما جاء فى الأثر. وهذ الوادى من الوديان التى تقع فى وسط المدينة ويجرى ماؤه من جهة الحرة اليمانية ويجرى نحو موقع جفاف ثم يذهب إلى صحراء بنى خطمة ، ويعود من هنا ويمر من وسط وادى البطحان فيجرى نحو الأراضى المتسعة فى زغابة.

يبدأ هذا الوادى من جلاتين على بعد سبعة أميال من المدينة المنورة ، وينتهى إلى وادى جفاف الذى فى الجهة الشرقية من مسجد قباء ويتحد بنهير رانو بار.

٣ ـ وادى رانوناء :

يقال لهذا الوادى رانون أيضا ، وينزل سيله من جبل مقمن الواقع فى الجهة اليمانية من جبل عير ومن جبل جرش الذى فى الحرة الشرقية ويذهب نحو محل يسمى ب «قرين المضرطة» ومن هناك إلى سد عبد الله بن عمرو بن عثمان المعروف ب «سد عنتر» ومن هنا يمر بمنزل صفاصف وبموقع عصبة ثم يعبر من الجهة اليمنى لقرية قباء إلى «عوسا حوسا» وبعده يجرى إلى مكان يسمى بطن وادى حصب ويتحد هنا بالسيول التى تأتى من جهة ذى حصب وحرة. ويمر من قعر حوض بنى بياضة عن طريق ذى صلب وينقسم إلى قسمين ويجرى قسم منهما إلى بئر جسيم التى فى بلاد بنى بياضة وبهذا الطريق إلى وادى بطحان والقسم الآخر يجرى إلى وادى بطحان رأسا.

٤ ـ وادى قناة :

وكان اسم هذا الوادى القديم شظاة ولكن عندما بات تبع الحميرى فى الربوة

٣٩٣

التى على مجراه قال : «إن هذا المكان قناة الأرض فعرف بين أهل المدينة بوادى قناة ووادى قناة ينفصل من الطائف ويسيل من بين جبال أرخصية ومن هناك إلى قرقرة المكدر ، ومن هناك إلى بئر معاوية وبعده يمر من مكان يسمى قدوم أى من المكان الذى دفن فيه شهداء أحد إلى صحراء زغابة حيث تتحد سيول الأنهار الأخرى ، وإن كان يعد من وديان المغرب فهذا أكبر الأنهار التى تسيل إلى دار العزة المدينة المنورة غير وادى العقيق ويصل إلى سد نار الحرة فى الجهة الشرقية».

وسد نار الحرة ، المحل الذى انطفأت فيه نار الحجاز المنذرة ، وكانت سببا فى انقطاع مياهه مدة مديدة ، وفاض بعد ذلك كأنه بحيرة كما جاء ذكره فى الصورة العاشرة من الوجهة الثالثة تفصيلا ، وقد انشق ذلك السد فى سنة ٦٩٠ ه‍ وقد تكاثرت مياهه ما يقرب من سنة بين الجبلين وأخذت تجرى فى صورة مخيفة وسريعة وأخذت تنقص السنة التى بعدها ثم نقصت بدرجة مخيفة ، ثم تكاثرت المياه مرة أخرى فى خلال سنة سبعمائة وأخذت تجرى على نسق واحد فى خلال سنة كاملة ونقصت فى خلال ثلاث وثلاثين سنة تدريجيا ولكنها فاضت فى سنة ٧٣٤ ه‍ بسبب الأمطار العادية والمتوالية وفتحت لنفسها مجرى جديدا وطغى سيل مثل البحار وجرى مجراه القديم إلى جهات الضريح الذى دفن فيه حضرة حمزة رضى الله عنه ـ وسال مجراه الجديد إلى الجهات القبلية لجبل عيين ، فجعل الضريح المذكور والجبل سالف الذكر فى الوسط ، ولما بقى ضريح حضرة حمزة بين ماءين عظيمين فحرم أهالى المدينة من شرف الزيارة ما يقرب من أربعة أشهر. وقالوا إذ كشفوا السيول التى فاضت متراكمة أمام باب البقيع ، إذا ارتفعت هذه المياه أكثر من هذا بنصف ذراع لا شك أن دار الهجرة ستتعرض للخراب والدمار ، ولكن المياه انسحبت قليلا بلطف من الله وأغرق أهالى المدينة فى بحار البهجة والسرور واستقرت المياه ما يقرب من سنة فى النهيرات التى فى الجهات الشمالية والقبلية.

وكانت المياه قد فتحت قنوات العين القديمة وخربتها. وإن كان الأمير وردى أصلح ما فسد وخرب من القنوات ومجاريها وجددها ، ولكن الأماكن التى

٣٩٤

أصلحها الأمير وردى اندثرت تماما مع مرور الزمن ولم تظهر مرة أخرى ولم تعمر فانمحت العين المذكورة واندثرت.

٥ ـ وادى مذينب :

ومياه هذا النهير شعبة من سيول وادى بطحان ، لأن مياه بطحان تنقسم فى حديقة بنى أمية ، إلى خمسة عشر جدولا وتسقى أراضى بنى أمية فتتحد جميع الجداول وتدخل فى بطحان ، ومياه هذا النهير كما ذكر آنفا يظهر من الخلاء الذى يسمى صعب وتمر بوادى زغابة ، وتتصل فى ديار بنى خطمة بنهير مهزور وسبب ذلك اجتماع المياه وتراكمها فى حرة واحد.

يطلق على المذكور ماء وادى مذينب أيضا وينفصل فى زماننا من الحرة الشرقية مارا بالجهة القبلية من قرية بنى قريظة فيمر بالجهات الشرقية من قريتى نواعم وعهن وبعد أن يسقى حدائقهما يجتمعان فى المكانين اللذين يطلق عليهما بقيع الزرندى وناصرية. ثم يتجه إلى نهير جفاف الواقع فى الجهة الشرقية من مسجد الفضيح ، وبعد أن ينصب فى الصحراء الكائنة خلف ما جشونية وبعد أن يتحد بشعبة من نهير مهزور فيجرى إلى نهير بطحان الواقع فى الجهة العليا من مسجد المس ، وهنا يختلط بمياه رانوناء ويمر بالناحية الغربية من المصلى النبوية يجرى إلى أراضى مدينة دار السكينة.

٦ ـ وادى مهزور :

تجرى سيول هذا النهير إلى أراضى بنى قريظة الكائنة على ربوة شوران وبعده يجرى إلى حدائق دار العز المدينة المنورة وبناء على قول ابن شبّه أنه يظهر على ربوتى هكر وصمعه الكائنتان فى الحرة الشرقية وينصب إلى أراضى بنى قريظة حيث ينقسم إلى عدة شعب يجرى إلى نهير مذينب من بين منازل قرية بنى أمية بن زيد ويتحد فى صحراء بنى خطمة بسيول بنى قريظة ويصل إلى نهير مهزور وهنا يتخذ شكل نهر كبير ينقسم إلى شعبتين فتسقى شعبة منهما الأراضى التى فى تلك الجهات والشعبة الأخرى تسقى ما عدا حديقة مشربة أم

٣٩٥

إبراهيم وجميع الصدقات النبوية وبعد ذلك يسيل ناحية قصر مروان بن الحكم ومن هناك إلى قصر بنى يوسف الذى فى بطن الوادى إلى المسجد المستقر فى بطن بنى حديلة عن طريق بقيع الغرقد وكرمة أبى الحمراء ويتحد فى النهاية بنهير قناة.

وشعبة من السيول العظيم الذى يتكون من اتحاد النهيرين مهزور ومذينب بعد أن يسقى الصافية وما حولها من الصدقات النبوية يمر عن طريق قصور من أطراف بقيع الغرقد ينصب فى وادى بطحان عن طريق الجدول الذى فتحه شيخ الحرم مرجان الزينى ، وبما أن هذا الفرع من السيل المذكور يسبب خسارة للنخيل الذى حول البقيع الشريف حفر سالف الذكر مرجان الزينى جدولا وأنقذ حدائق النخيل التى حول بقيع الغرقد من طغيان السيول ، وقد فاض نهر مهزور فى عهد سيدنا عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ بشكل مخيف وأحدث سيلا عظيما كالبحر ومخيفا حتى ظنّ أنه سيغرق ويمحو مدينة دار العز. وأراد عثمان بن عفان أن ينقذ الحرم النبوى الشريف والمدينة المنورة من هجوم السيل فأنشأ بجانب بئر مدرى سدا حجريا متينا وحول مجرى نهر مهزور إلى مجرى نهر بطحان ، وبهذا أنقذ المدينة الطاهرة من هجوم السيل إلا أن ذلك السيل فاض مرة أخرى فيضانا مخيفا فى خلال سنة المائة الهجرية وفى عهد خلافة أبى جعفر المنصور فغمرت المياه الصدقات النبوية ثم هجمت على المدينة فملأت قلوب سكان دار السكينة بالهموم والغموم ، وبناء عليه اتفق الأهالى على بناء سد ، وفعلا استطاعوا بناء سد قوى متين فى مكان يسمى برقة وذلك بدلالة امرأة عجوز على عينها ، وحولوا سيول مهزور ، ومع ذلك فاض نهرا مهزور وبطحان ليلة الانتهاء من عمليات السد واقتحمت المياه قريتى بطحان والسّنح وغمرتهما فسببت خسائر عظمية لكثير من الناس ، وخربت ما لا يحصى من المنازل وبعد ظهور السيل تراكمت واتحدت نهيرات العقيق ورانوناء وأذاخر وذى صلب وذى ريش وبطحان ومهزور وقناة فى مكان يقال له زغابة وكونت بحيرة عظيمة.

إن السيول التى تشبه البحار التى يطلق عليها أهالى المدينة السيول العوالى

٣٩٦

تحدث من اتصال تلك السيول بعضها ببعض وانصبابها فى بعض فتتجمع فى موقع زغابة وفى الأراضى المنسوبة لسعد بن أبى وقاص ، ومحل اجتماع السيل العظيم الذى يتكون من اتصال تلك النهيرات مع بعض فى الجهة العليا من وادى زغابة ، ولما كانت مياه مدينة دار الهجرة كلها فى هذا المكان سمى هذا المكان ب «إضم».

وكان ما نطلق عليه فى زماننا الضيّقة هو ذلك المكان ، وبعد أن تنضم مياه تلك السيول بعضها ببعض تكون بحرا صغيرا يمر بنهاية الصحراء الفسيحة التى يقال لها زغابة ومن هناك النهاية السفلى ل عين أبى زياد وهى نهرا نعمى ونعمان وبعده إلى ذى خشب نهيرات ملل وأظلم وجنينة ثم يمر بالمردبان التى فى الجهة الغربية حرار ولواط والوديان التى فى الجهة الشرقية ذو آدان وإثمة وما فى الجهة الشامية من واد رمة وما فى الجهة القبلية من وادى ترعة وفى النهاية إلى وادى عيص ثم إلى وادى حجر وجزل فى داخل ذى المروة الكائن فى وادى سقيا ورحبة من هناك ينزل إلى وادى سفان المكان الذى ينصرف فيه السيل إلى البحر أسفل ذى المروة ومن هنا يمر إلى الأماكن التى يقال لها يعبوب ، بنيجة ، حقيب التى فى سفح جبال أراك.

وبناء على قول المطرى يمر بالمحل الذى يسمى اكرى فى طريق مصر وينصب فى البحر الأحمر وهذه المواقع الثلاثة تبعد عن البحر ثلاثة أميال.

٣٩٧

فى ذكر أحراش المدينة المنورة

١ ـ حمى النقيع :

معنى «حمى» المكان المحفوظ لرعى الدواب والنّقيع المكان كثير الماء. والحمى المعروف بالنقيع يبعد عن المدينة ثمانية وأربعين ميلا ، وعلى قول ستين ميلا ، وهو فى جهة اليمن وماؤه غزير وجهاته الأربعة محفوظة ، وهذه الأحراش طولها ميل وعرضها كذلك.

أحراش حمى النقيع :

تقع فى صحراء ساحرة وفضاء فرح ويحيط ماء وادى العقيق بالجهات الأربعة لهذه الصحراء وتجرى بجزيرة مسموع ، وينبت فيها البرسيم والنباتات التى تنمو تلقائيا كما تنبت أشواك الغرقد وستنجان التى يأكلها الجمال وسلم وعضاة من جيش أمّ غيلان وأشجار أخرى. والنخيل الذى ينمو فى موسمه والأعشاب تطول حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يرى من يسير بينها من الفرسان راكبى الخيول ، من الخارج وحصر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك المكان لرعى خيول المسلمين فحفظه من جهاته الأربعة واستمروا على حمايتها مدة عمره كما حفظ حضرة أبو بكر وفيما بعد عمر بن الخطاب هذا المكان وجعلاه مكان رعى لدواب المسلمين.

وكانت هذه المراعى إلى عصر عمر الفاروق يحدها من الجهة الشرقية حرة بنى سليم ومن الغرب تحدها مواقع رام شقراء ، وبرة ، ذات الصخور ، بطن نقيع ، ولما ضاقت مراعى المدينة عن استيعاب دواب المسلمين وسع عمر الفاروق مرعى النقيع ، وقد تكاثرت خيول المسلمين وجمالهم حتى كان يساق إلى الشام والعراق أربعين ألف رأس جمل كل سنة للتجارة ، وكان يربى أربعين ألف بعير لإعطائها للمشاة الذين لا يملكون الجمال فى أثناء الحرب.

٣٩٨

٢ ـ مرعى حمى الربذة :

ربذة اسم قرية من أعمال المدينة فى نجد وعلى بعد أربعة أيام من المدينة المنورة وهى القرية التى دفن فيها أبو ذر الغفارى ـ رضى الله عنه ـ وكانت ربذة فى الأصل قرية مشهورة ، وقد استولى عليها القرامطة فى سنة ٣١٩ ه‍ وخربوها وأجبروا أهاليها على الهجرة.

وسبب استيلاء القرامطة على ربذة كان بدعوة أهالى قرية ضريّة للقرامطة ، لأن الحروب كانت متوالية ومستمرة بين سكان قريتى ربذة وقرية ضرية وكان النصر دائما بجانب أهل ربذة. ولما رأى سكان ضرية أن الانتصار على أهل ربذة مستحيل ، طلبوا العون من القرامطة وكان القرامطة يريدون أن يستولوا على الحرمين المحترمين ، ولما ساعدوا أهالى قرية ضرية بسوق كتائبهم فاضطر أهل قرية ربذة إلى ترك قراهم وهاجروا إلى أماكن أخرى ولم يعودوا إليها بعد.

وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم برعى إبل الصدقة القادمة من البلاد الإسلامية فى قرية ربذة وعلى رأى آخر أن أبا بكر وعمر الفاروق هما اللذان أرسلا جمال الصدقة إلى قرية ربذة ، وكان طول مرعى ربذة فى ذلك الوقت يصل إلى اثنى عشر ميلا وكذلك عرضه وقد حرص ولاة المدينة على توسيع حدود المرعى حرصا شديدا والولاة الذين تولوا الولاية إلى عصر أبى بكر الزبيرى عنوا عناية شديدة بحماية ذلك المرعى فكانت حيوانات أهل المدينة ترعى فى مرعى ربذة إلى زمان جعفر بن سليمان.

٣ ـ مرعى حمى الشرف :

وإن كان شرف المكان الذى اتخذه عمر بن الخطاب مرعى فالمحل الذى يطلق عليه شرف الروحاء فى مكان آخر ، ومرعى شرف واد واسع كبير فى داخل مكان اسمه كبد نجد ، وقرى قبيلة آكل المرار الكندىّ (١) من بنى حجر تتصل بمرعى شرف ، كما أن مرعى ضرية أيضا بجانب جبال تلك القرية. وعلى جهة تميم من هذا المرعى مراعى ربذة ، وبجانبه قرية شريف يفصل بينهما محل يسمى سرير ،

__________________

(١) قيل : هو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندى ، ويقال كندة. وقيل هو حجر جدّ الحارث بن عمرو من ملوك إمارة كندة. انظر : الدرر ص ٢٥٧ ، وغيرها.

٣٩٩

وتقع على الجهة الشرقية من المرعى المذكور موقع شريف وعلى الجهة الغربية منه يطلق شرف ومراعى ضرية وربذة فى الصحراء الواسعة التى يشكلها المحل الذى يطلق عليه شرف.

٤ ـ مرعى حمى الضريّة (١) :

ضرية على وزن غنية فى طريق حجاج البصرة ، واسم قرية على بعد سبع مراحل من مدينة الرسول من جهة مكة المكرمة ، عرفت باسم ضرية بنت ربيعة بن نزار أم حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وعلى رواية عرفت باسم بئر ضرية ذات ماء عذب خفيف. ومرعى ضرية مرعى خصب ومشهور ويروى أهل البادية أن أول من اتخذها مرعى هو كليب بن وائل ، وحافظ على جهاته الأربعة ، ويؤيدون رأيهم قائلين إن هذا القبر قبر كليب بن وائل.

وقد خص سيدنا عمر الفاروق المرعى المذكور لجمال الصدقة وحفظه من الحيوانات المتوحشة بوضع علامات خاصة فى جهاته الأربعة كل ستة أميال فى المحلات المكشوفة ، فظلت قرية ضرية فى داخل تلك العلامات. وزادت جمال الصدقة تدريجيا فلم يكف المرعى المذكور لاستيعابها. فاشترى سيدنا عثمان الماء الخاص بديار «جنيبة» وأضاف الأراضى التى فيها ذلك الماء إلى أراضى ضرية فوسع المرعى.

الماء الذى ألحقه سيدنا عثمان إلى مرعى ضرية كان معروفا باسم بركة من مياه «بنى جنيبة» ولما كان هذا الماء بجانب القمم المدببة التى تسمى ببكرات وعلى بعد عشرة أميال من مرعى «ضرية» ، فاشترى المشار إليه بعد فترة تلك القمم فألحقها بمرعى «ضرية» فأوصل المرعى إلى حيث يستوعب حيوانات المرعى.

ونافس الولاة فى أوائل عهد الدولة الأموية فى توسيع مرعى «ضرية» والحفاظ عليه إلا أن الولاة الذين أتوا فيما بعد تبدلت أفكارهم واتخذوا ذلك المرعى كلأ لأنفسهم ومزرعة ؛ فوسعوا حدود المرعى وضيقوا على الأهالى فى

__________________

(١) الطبرى ٢ / ٢٦٦.

٤٠٠