موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٢

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

١
٢

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

تقرب بتجديد هذا البيت العتيق إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ خادم الحرمين المحترمين وسائق الحجاج من البرين والبحرين السلطان بن السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان خلد الله ـ سبحانه وتعالى ـ ملكه وأيد سلطنته فى أواخر شهر رمضان المبارك المنتظم فى سلك سنة أربعين بعد الألف من الهجرة النبوية ـ على صاحبها أفضل التحية سنة ١٠٤٠.

وفى يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شوال أنهى البناءون أعمالهم.

وفى السبت الخامس من ذى القعدة صنعوا مئذنة باب الزيارة وبنوا الجدار الذى يواجه صفة باب إبراهيم وأتموا صبغ حجارة الشادروان وداخل مبانى بئر زمزم وكذلك صبغوا بالكلس مئذنة السلطان قايتباى المصرى والدار التى ولدت فيها فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ وأتم البنّاءون صبغ دار ولادة فاطمة رضى الله عنها مهبط الوحى الإلهى ومعبد سيد المرسلين.

وفى يوم الجمعة الثانى عشر من ذى القعدة أتموا صنع حجر التاريخ ووضعوه فى دار ناظر الحرم.

وفى يوم السبت الثالث عشر من ذى القعدة طلوا ذلك الحجر بقشرة وزخرفوه بالذهب. وبعد ذلك سدوا الحفر التى حفرت من أجل الكلس.

وفى يوم الاثنين الخامس عشر من ذى القعدة أصلحوا قبة العباس والأبنية التى بجانبها ، وفى يوم الثلاثاء السادس عشر من ذى القعدة أصلحوا قبة الفراشين وبيت زمزم وكمر بابه.

وفى يوم الأربعاء السابع عشر من ذى القعدة اجتمع رضوان أغا ومعه الشريف عبد الله وقاضى مكة وشيخ الحرم وأعيان البلد أمامهم جميعا لحمل

٣

القناديل التى وضعت فى بيته لحفظها ، وكان عشرون منها من ذهب وكان أحدها مرصعا باللآلئ وكان ثلاثون منها من فضة ، وسلموها جميعا إلى حامل مفاتيح البيت محمد شيبى أفندى ، وقد تأكد مرافقو رضوان أغا أمام جميع الناس من صحة ما قيد فى الدفاتر من القناديل ، ثم استقدموا رئيس الوقادين ليعلقها فى أماكن مناسبة.

وبعد ذلك بيومين فى التاسع عشر من ذى القعدة وضعوا لوحة التاريخ المذهبة السابقة الذكر فى مكان مقابل الباب الشرقى وثبتوا أطرافها.

وفى يوم السبت العشرين من ذى القعدة فتحوا باب بيت الله وغسلوه بزمزم ومسحوه بالإسفنج وبخروه بأنواع الطيب وذبحوا القرابين ووزعوا لحمها لفقراء مكة.

وفى يوم الاثنين الحادى والعشرين من ذى القعدة تم جلى الأحجار ، وفى يوم الخميس الخامس والعشرين من ذى القعدة أنزلوا ستارة بيت الله ونظفوا الجدار الذى فيه باب الكعبة وجميع جدران الناحية الجنوبية.

وفى غرّة ذى الحجة أصلحوا ما حول الحجر الأسود وغطوا الشقوق وطلوا أطراف الحجر الأسود باللون الأسود وهكذا أتموا عمليات أبنية المسجد الحرام.

دعا رضوان أغا الأكابر والأشراف والأعاظم والسادات والعلماء والفقهاء من مكة المكرمة فى اليوم الذى انتهى فيه من تجديد البيت ، وعرض عليهم العمارة الجيدة لكعبة الله وجعلهم يعجبون برصانة ما تم عمله فى البيت الحرام وسطحه والمسجد الحرام فى داخله وخارجه مما أدخل الفرح والابتهاج فى قلوب الناس فانشرحت صدورهم فدعوا للسلطان بطول العمر له ولدولته.

بعد ما شاهد المدعوون بيت الله أخذوا يتلون القرآن الكريم وختموه عارضين شكرهم. لله كما دعوا لقاضى الحاجات بدوام القوة والعزة للدولة.

كما ألبس الشريف عبد الله خلعا غالية لرؤساء العمال الذين عملوا فى البناء وذلك ليظهر مدى ابتهاجه بما تم عمله ولم ينس رضوان أغا إذ ألبسه خلعة مفخمة تليق بمكانته.

٤

قال سلطان الشعراء العثمانيين مولانا عبد الباقى وهو يبين كيف تم تجديد بناء كعبة الله على يد الحجاج الظالم فى السنة الرابعة والسبعين الهجرية : (لم يعط مسوغ لتجديد كعبة الله بعد الحجاج حتى لا تكون كعبة الله ملعبة فى يد الملوك. إلا أنه كان يجب تطهير الكعبة التى هى قبلة المسلمين والمطاف الذى يجب طوافه على القادرين من المسلمين ـ وكان يلزم إضافة تجديد كعبة الله إلى هذا السفاك غير المنصف. وخاصة أن تجديد بناء الكعبة لم يعد بيد ابن الزبير وإن خدمة هدمها وتجديدها سيكون من نصيب أحد الملوك العظام من المسلمين.

وإننى أرجو من الله أن يفوز بهذه الخدمة أحد سلاطين الدولة العثمانية).

وقد أصاب دعاء مولانا المشار إليه هدفه واستجيب دعاؤه وقد نال هذا الشرف العظيم السلطان مراد خان الرابع بينما كان باقى أفندى يتمنى رؤية تجديد البيت الشمالى فقط. قد وفق ذلك السلطان العظيم فى تجديد جدران كعبة الله الأربعة.

الخاتمة :

إن ما قام به رضوان أغا من أجل تجديد الأبنية المفخمة للبيت الشريف من خدمات وما بذله من سعى مخلص ومن جهد جهيد وحسن معاملته أهل كعبة الله المحترمين ومجاملتهم ومداراة عيوبهم كل هذا يدل على استحقاقه الثناء والشكر وأن يذكرونه دائما بالخير.

يقول سهيل أفندى صاحب المضبطة الذى كان يقوم بمراقبة الشئون المالية فى نفس الوقت الذى كان رضوان أغا قائما بتجديد أبنية كعبة الله : «إذا كان المسئول المكلف بتجديد الكعبة غير رضوان أغا لكان أشراف مكة وطائفة النجارين كسبوا مقدار مائتى ألف قطعة ذهبية من عمليات بناء وتجديد الكعبة الشريفة وعين عرفات ـ هذا ما اعترفوا به لصاحب المضبطة ـ إلا أن رضوان أغا استطاع بكياسته أن يسكت الذين فتحوا أفواههم بالكلام بإعطائهم شيئا قليلا ، كما أخجل الأشراف بحسن معاملتهم ، وهكذا جعلهم كلهم يشاركونه فى رأيه ويعينونه فى إنهاء الأمور الصعبة ، وكان يقول لهم : سوف أحصل لكم فى نهاية هذا العمل

٥

العظيم وما قدمتموه من الخدمات الجليلة على مكافآت من قبل السلطان فى صورة المناصب التى ترضيكم. كما كان يرضى الآخرين بوعود قد لا تتحقق وهكذا أتم هذا العمل العظيم فى صورة هينة سهلة. جزاه الله تعالى خيرا كثيرا.

فيا لها من سعادة سرمدية ويالها من دولة وعزة أن يتم هذا كله فى عهد السلطان مراد بن السلطان أحمد خان بن محمد خان الغازى السابع عشر من سلاطين آل عثمان خلد الله ـ تعالى ـ ملكه وجعل بساط البسيطة ملكه ونور الله تعالى مراقد أسلافهم وحفهم بالرحمة والرضوان.

إن إتمام تجديد كعبة الله وبنائها لدليل عظيم على سعده وحسن طالعه ، قد مضى ألف سنة وتوالى السلاطين ومع ذلك لم يقدر لأى واحد منهم أن ينال شرف بناء بيت الله ألا يقوم هذا برهانا قاطعا وأمارة واضحة على أنه سينال السعادة الأبدية والنصرة السرمدية؟. ونسأل الله أن يجعل عرشه فى سماء العز واليمن والبركات وألا يخلو من سرير الخلافة جلوسه. آمين بجاه سيد المرسلين.

وبعد عودة رضوان أغا إلى مصر بعام واحد اقتضت حكمة الله أن يهطل المطر فى مكة وأن يفسد ما فرش على سطح بيت الله من رخام ، فأصبحت حالة سطح بيت الله حالة سيئة ، وخلع ألواح الفضة من على الباب فظهر منها الخشب وقد أصاب العطب الخشب إلى حد عدم تماسك المسمار فيه. وكان مصراعاه قد بليا إلى درجة سيئة لقد خشّبتهما حتى أصبحا غير قابلين للتعمير والترميم ، ومع ذلك لم يسمح بتجديد الباب ولم يستسغ شرعا من قبل ، ولما كان مقام إبراهيم فى نفس الحالة من السوء اقتضى الأمر تجديدهما معا.

وقد كتبت إمارة مكة الجليلة الهاشمية إلى صاحب القرار السلطان مراد ـ جعل الله سلطنته باقية فيه وفى عقبه إلى يوم التناد ـ تحيطه علما بالحالة ، فما كان من السلطان إلا أن أمر والى مصر أحمد باشا بأن يبعث إلى مكة المفخمة برضوان أغا الذى كان فى أمانة كعبة الله أو شخصا آخر متدينا مخلصا مصاحبا معه مهندسا معماريا ذا دين وخلق.

٦

استدعى أحمد باشا رضوان أغا ورئيس المهندسين عبد الرحمن أفندى الذى كان قد اشترك فى تعمير البيت من قبل وأطلعهما على الإرادة السلطانية السنية الخاصة بإصلاح سقف بيت الله وتجديد باب المعلا للكعبة الشريفة وترميم وتعمير مقام إبراهيم. وأن يرسل باب الكعبة القديم إلى دار السعادة ليحفظ فى الخزانة السلطانية للتبرك به. وأمرهما أن يتجها رأسا إلى مكة المكرمة للقيام بالمهمة وسلم الوالى رضوان أغا الخطاب السنى الذى وجه إلى الشريف زيد بن محسن من قبل السلطان وكذلك الرسائل التى كتبت من قبل الولاة المصرية بخصوص هذا الأمر والمبلغ الكافى من النقود.

ولما اطلع رضوان أغا على الأمر السلطانى تحرك بأمر الوالى بالموكب المصرى مغادرا القاهرة ومتجها إلى والى الحجاز ووصل إلى مكة المكرمة فى أوائل ذى الحجة سنة ألف وأربع وأربعين الهجرية وسلم إلى الشريف زايد بن محسن ـ أمام من يقتضى وجوده من العظماء ـ الأمر السلطانى وخطاب الوالى. وبعد ما قرأ الشريف الأمر السلطانى قالى إنه سيحرص على العمل بما جاء فى الفرمان السلطانى.

إن تكليف رضوان أغا بهذه المهمة كان عاملا لإثارة النزاع بين المعترضين للمرة الثانية. وإن كثيرا من العقلاء من أهالى مكة أرادوا أن يقضوا على النزاع قائلين قد صدر الأمر السلطانى بهذا الخصوص فلا يجوز النزاع بعد ذلك. إلا أن بعض الفضلاء قالوا معترضين : إن تعمير البيت لا يجوز شرعا وهم فى هذه الحالة مخالفين بذلك حتى وصية الشريف ولم يكون غرضهم من الاعتراض إلا إحداث الفتنة والفساد إلا أنه كان بين المخالفين بعض المنصفين الذين وافقوا على الأمر السلطانى ، واتحدوا مع العلماء فى الرأى على تجديد الباب الشريف وإصلاح رخام السقف المنيف لكعبة الله.

وأيقظوا عامة الناس ونبهوهم إلى أن الكعبة المعظمة قد جددت من قبل مرات

٧

عديدة وذلك بتأييد من العلماء والفقهاء والفتاوى التى صدرت من قبل مفتىّ المذاهب الأربعة.

وقد استمع الشريف زيد بن محسن لقراءة الفرمان السلطانى وهو واقف على رجليه وبعد القراءة مسح بالصفحة التى تحوى الأمر السلطانى وجهه وعينيه ثم استمع إلى ادعاء المعارضين ودفاع الفقهاء العظام ثم خاطب الناس قائلا : بناء على حكم الفتاوى التى أصدرها مفتيّو المذاهب الأربعة يجب تنفيذ الأمر السلطانى الذى لا يخالف فتوى المفتين بخصوص ترميم وإصلاح السقف الشريف وتجديد باب كعبة الله وتعمير وترميم مقام إبراهيم وبناء على هذا أمر رضوان أغا بأن يسرع فى مباشرة مهمته.

وقد بادر رضوان أغا فى العمل وأنهى تعمير سطح كعبة الله فى أواسط ذى الحجة من عام ألف وأربعة وأربعين. وقد قيل من قبل شعراء عصره فى تاريخ انتهاء الترميم كثيرا من الأبيات إلا أن أحسن ما قيل فى هذا الموضوع هذا البيت :

المجدد لسطح بيت الله هو مولانا مراد (١)

وبعد ترميم السطح ابتاع رضوان أغا من أحد سكان مكة مقدارا من خشب الساج لاستخدامه فى تجديد باب بيت الله وتثبيته ولم يبخل فى سبيل ذلك بإنفاق المال اللازم وقبل أن يبدأ فى صنع الباب الجديد خلع الباب العتيق ووضع مكانه بابا مؤقتا وغطاه بستارة قطنية بيضاء وبعد أن صنع الباب الجديد وضعه فى مكانه ، وقد تم صنعه على الوجه المرغوب وكان على باب الكعبة العتيق ثلاثون ألف وثمانمائة درهم من الفضة فصنع منها لوحتين فضيتين وفق طول وعرض كل من مصراعى الباب الجديد. ثم أمر بتسمير كل واحدة من اللوحتين على أحد مصراعى الباب وزخرف اللوحتين بنقوش ذهبية (٢) وأنفق فى صنع عتبته وحلقاته سبعة وثلاثين ألف درهم وخمسة وتسعين درهما من الفضة.

__________________

(١) هذا البيت من حيث التقدير الحسابى يبدو أنه زيد عليه وقد أسقطت هذه الزيادة تعمية فى البيت الذى يحتوى على مخلص الشاعر

(٢) يقال إن زخرفة كل مصراع من المصراعين قد تكلفت عشرين قطعة ذهبية من الذهب البندقى.

٨

وبعد ما تم وضع مصراعى باب الكعبة العالى كتب على اللوحة الفضية المثبتة على المصراعين بسم الله الرحمن الرحيم : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (الإسراء : ٨٠) وكتب تحت الآية الجليلة : (تشرف بتجديد هذا الباب من سبقت له العناية من رب الهداية مولانا السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان ابن السلطان سليمان خان ابن عثمان عز نصره فى سنة خمس وأربعين وألف ١٠٤٥ كما نظم أحد الفضلاء التاريخ الآتى :

لذ بذا الباب كلما

خفت ضيق المناهج

فهو باب مجرب

لقضاء الحوائج

كان رضوان أغا قد عرض لوالى مصر ما تم عمله فى مكة المكرمة بمكاتبات خاصة قبل أن يصل إلى القاهرة ، وقد أنهى مهمته الثانية فى مكة المكرمة وعزم على العودة إلى القاهرة حاملا معه مصراعى باب الكعبة العتيق.

وكان فى استقبال ذلك الباب السعيد الوزير حسين باشا وكبار الموظفين والعلماء المميزون وقد دخل إلى القاهرة فى تعظيم وتوقير.

ثم أمر الباشا أن يوضع الباب فى مكان مرتفع ليتبرك به الناس وأحاط السلطان علما بأن رضوان أغا عاد إلى القاهرة وقد أنهى مهمته فى مكة المكرمة وأن أهل مكة قد سروا جميعا مما تم عمله ودعوا للسلطان تكرارا ومرارا وقد علم بذلك من الرسائل التى ترد من مكة المعظمة.

وبعد فترة سلم مصراعى الباب العتيق لرضوان أغا لحملهما إلى دار السعادة ليحفظا فى الخزانة السلطانية ويعرضا للناس.

صورة للأمر السلطانى المرسل إلى شريف مكة مسعود أفندى بخصوص تجديد بيت الله

إن وزيرى محمد باشا ـ أدام الله إجلاله ـ الدستور المكرم ، والمشير المفخم ،

٩

ونظام العالم الكائن فى محافظة مصر ، وقد أرسل إلى سدتى السعيدة وعتبتى العالية وسماء اقتدارى رسالة مضمونها أن مهبط جبريل الأمين ومحل الوحى وتنزيل رب العالمين والذى نال شريف الذكر فى النص الشريف (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أن هذا البيت العتيق قد مال بعض أطرافه إلى الركوع مع مرور الأيام وكر الدهور والأعوام وأن قده وقامته مالا للسجود وقد قدر لملوك الأزمنة الماضية وسلاطينها شرف ترميمه وتعميره على قدر إمكاناتهم وفى زمن والدنا الماجد الساكن جنة الفردوس المرحوم والمفغور له ـ السلطان أحمد خان ، أسكنه الله فى أعلى غرف الجنان ـ زاد ميل جدرانه للركوع ورئى جواز تعميره والترخيص له.

وحينما أراد أن ينال شرف القيام بهذا العمل الجليل القدر ويباشر تجديد بناء البيت وإذا بالشريعة الغراء ـ التى يجب تعظيمها وإطاعتها ـ لا تجيز تجديده وتسوغ ترميم جدرانها السعيدة وأركانها الركينة فقام به بعد هذا العمل مبعث فخره ومباهاته.

بينما كانت الحالة على هذه الصورة ساق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الفعال لما يريد ـ فى هذا العام العميم الميمنة ـ أمطارا غزيرة على مكة المكرمة وأطرافها فتكونت السيول واقتحمت حرم بيت الله وحينئذ قد حان لنا أن نفتخر بخطاب الله الجليل (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) (البقرة : ١٢٥) ، والقيام بخدمة التجديد مما يبعثنا على الفخر (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) (البقرة : ١٢٧) وقد أحسن الله ـ سبحانه ـ وتعالى إلينا ـ إذ شرفنا بهذه الخدمة الجليلة والشرف العظيم اللذين لم ينل أحد من آبائى الكرام العظام من قبل مثلهما.

(هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) (النمل : ٤٠) (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ). (البقرة : ٢٠٧)

والآن ـ بعد الشكر على هذه النعمة ـ قد صدر أمرنا إلى وزيرنا المشار إليه فى محافظة مصر بأن مقدارا كافيا من أموال خراج أقباط مصر المحروسة والمال الحلال يكفى جدران البيت وتثبيت أساسه وأن يختار رجلا مستقيم السيرة

١٠

والسلوك ديّنا ويعّينه أمينا لبناء البيت ، وأن يرسله إلى مكة حيث يجتمع مع علمائها الأجلاء وأشرفها وفضلائها الآخرين من أرباب الرأى الرزين وأصحاب الفكر المتين بعد الاستشارة والاستخارة ، ويعمل بناء على ما تم عليه القرار واستقر عليه الرأى ، ويقدم على إتمام هذه الخدمة ويسعى على إنهائها على خير وجه.

وبما أننا نثق فيك ويشتد حسن ظننا بك نرسل بهذه الرسالة التى تحتوى على أمرنا.

عند وصول رسالتنا هذه عليك أن تعمل بمقتضى ما جبلت عليه من صدق ونجابة وما أودع فيك من رشد وأصالة. وبعد ما يصل من قبل وزيرنا المشار إليه المال الحلال الكافى لبناء البيت وأمين البناء ومراقبه أن تبتدر ببناء البيت المعظم وتعميره وذلك بعد ما تستشير العلماء الأجلاء حسب مدلول القول ما «خاب من استخار وما ندم من استشار» وتأخذ موافقتهم الشرعية فى كل ما تقدم عليه.

وإذا لم يكف مخلفات البيت القديم من الطين العطر والحجارة السعيدة لتجديد البناء فعليك ان تجلب ما يلزم من الحجارة من مواقعها القديمة التى استجلب منها القدماء عند تعمير البيت وتجديده ، أتمم بناء البيت حسبما تجيزه الشريعة الغراء.

وإننا نتجه بالدعاء إلى رب العزة ـ تعالى شأنه وعم إحسانه ـ راجين خاشعين مظهرين عجزنا وقصورنا لله ـ تعالى ـ أن يرضى عنا بخصوص بناء هذا المقام المبارك وفى سائر أعمالنا وأقوالنا وأن يوفقنا فى إتمام بناء البيت المقدس وييسر لنا إكماله آمين بحرمة سيد المرسلين سنة ١٠٣٩ ألف وتسع وثلاثين.

صورة البراءة المقدمة من قبل السلطان لرضوان أغا مقابل خدماته :

هو العزيز الغنى المغنى الفتاح وعنده مفاتيح الفلاح والنجاح تقدست أسماؤه تتابعت نعماؤه.

١١

صورة الخط السلطانى المقرونة بالسعادة

تقديما لمقابل الخدمة المؤادة لمكة المكرمة يعمل بموجب هذه الصورة للخط الهمايونى وليس بعد ذلك لأحد أن يتدخل فى أى شىء ومن يتدخل ممن ذكروا فليحرم عليهم طعامى وخبزى.

صورة البراءة العالية :

هذا هو حكم السلطان سامى المكانة فاتح الدنيا زينة ملوك العالم حفظه الله بالعون الربانى والصون الصمدانى.

إن رعاية الأمراء وإكرامهم وحمايتهم واحترام علية القوم العظام ، من جملة الواجبات والمهمات السلطانية ولا سيما هؤلاء الذين يخدمون الدولة بنية صادقة وعقيدة راسخة ليلا ونهارا إنهم يسرون بنيل رحمتى ومكارمى السلطانية ، بسهولة كما يفرحون بالوصول إلى آمالهم بألطافى الملكية. ولا سيما الذين كانوا مثالا فى أيام خلافتى لقول الله تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (الانسان : ٢٢) بما قدموا من جليل الخدمات.

وبناء على هذا ، قد استحق رضوان أغا المختص بعناية الملك العلام ، إذ كان من أمراء مصر وقد قام ببناء الكعبة المكرمة والبيت المعظم عرش مكة المعظمة زادها الله شرفا وتعظيما ، وأحسن إليه بإحالته إلى المعاش بإيراد ولايته التى كان يتصرف فيها.

وإنه كان قدوة للأمراء الكرام من ذوى الأقدار والاحترام وقد نشأ ونما فى حرمى السلطانى ، وكان قد بعث ببعض المهمات والخلع إلى بلاد اليمن والحبشة قد بذل فى ذلك جهده وسعيه ولذا قد استحق رعايتى بتكليفه بخدمات أخرى فى المستقبل.

وقد هطلت الأمطار بمشيئة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وحكمته على منزل الوحى المبين ومهبط جبريل الأمين وبلد الله الحرام وأطرافه ، واقتحم السيل العظيم الحرم الشريف ، فأصاب الخلل جدران بيت الله الحرام ومطاف الأنبياء العظام ومعتكف الملائكة الكرام ، وانهار بعض جدرانه مما أثار الحزن والهم فى قلوب

١٢

عامة المؤمنين وهذا ما دعا إلى تجديد بنائه وتعميره وفق طرز بنائه القديم وقد أفتى العلماء والفقهاء ذوى الاحترام متفقين بجواز تجديد بنائه. ومن هنا أصبح بناء البيت من جديد حسب طرز بنائه القديم واجبا فرضا على ذمتى وعلى همتى العظيمة. إن آبائى الكرام ـ جعل الله الفردوس مرقدهم ـ وأجدادى العظام ـ أسكنهم الله فسيح جناته ـ قد أشاع كل واحد منهم الخير وأنفقوا كلهم الأموال فى الأعمال الخيرية وبذلوا الأموال فى إنشاء الجوامع والمساجد وبناء الصوامع والمعابد وتشييد الحصون والعمائر وتجديد الجسور والقناطر فهذا معلوم لدى الصغير والكبير عند الشباب والعجائز ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم ييسر لأى واحد منهم شرف القيام ببناء الكعبة وتجديدها ، الكعبة التى تتجه نحوها جميع مساجد المسلمين وتتخذها أمة سيد الأنام قبلة لها ، بل شرفنى بأن يكون هذا العمل من نصيبى ؛ لذا فشكرى لا حد له تجاه الملك المنان (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) (النمل : ٤٠) (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة : ١٠٥) وقد عرفت أن هذا فضل عظيم خصنى الله به ، لذا اخترت من طرفى ـ قرين العز والشرف ـ رجلا مستقيما دينا تقيا وعينته أمينا لتجديد أبنية الكعبة الشريفة وأوصيته ببذل السعى والجهد لإتمام البناء وكان هذا الرجل رضوان أغا بما يتصف به من الأمانة والتدين والصدق والاستقامة التى ترشحه بالأحقية فى القيام بهذه الخدمة العظيمة ولياقته لهذا الأمر.

وعرضت الأمر على وزيرى محمود باشا الذى كان واليا على مصر فى ذلك الوقت والذى نال الآن شرف العمل بين وزارتى فنفذ رغبتى بأن عين المشار إليه أمينا على بناء الكعبة الشريفة بمرتب سنوى قدره مائة ألف أقجة فى خمس مرات وهكذا نال اهتمامى إذ أحيلت إليه كل خدمات تجديد بيت الله وترك لعهدته وهمته. فما كان من رضوان أغا إلا أن شمر عن ساعد الجد لإتمام الأمور واستعجل فى إنهاء أعمال البناء بعد أن أخذ من العلماء الكرام والفقهاء العظام جواز تجديد بيت الله شرعا وهكذا جدد أبنية كعبة الله من أساسها ثم بدأ فى تعمير الجدران التى تحتاج للترميم فى الحرم الشريف مع القبب ومجارى السيول والبرك ، وخاصة قلعة جدة بندر الحجاج والزوار ومعبر المسافرين والتجار ، وكثيرا

١٣

من المواضع المباركة والمقامات المتبركة ، طهرها ونظفها ، كما أنه أنفق نقودا من جيبه الخاص ثم أحضر لنا بذاته كسوة الكعبة الشريفة القديمة لتحفظ فى خزانتى العامرة ، ونال بذلك شرف المثول بين يدى ، وقد كان قرينا لحسن التفانى فى عمله وعرض على ما قام به من السعى وما بذله من الجهد فى تجديد كعبة الله بالتفصيل.

وقد كتب لى أيضا وزيرى خليل باشا والى مصر الحالى وأشراف بلد الله الحرام وأعيانه بما أنجزه رضوان أغا من أعمال بكل صدق وإخلاص ، وبكل هذا نال رضاى واستحق شكرى ورعايتى السنية وبما أنه قد خدم السلطنة منذ بلوغه سن التمييز والرشد فى داخل القصر وخارجه وكلف بأداء الخدمات السلطانية فى الأطراف والجوانب حتى أصاب أعضاءه وجوارحه الضعف بعد القوة.

ففضل التنازل عن اعتلاء المراتب العالية واثر فراغ البال والحياة فى السكينة والهدوء منزويا فى ركن العزلة ؛ ليتفرغ للدعاء بطول عمر الدولة ودوام عزتها.

وبما أنه قدم خدمات جليلة بالإخلاص والعبودية الفائقة فهو يستحق أن ينال مثل أمراء مصر مرتبا سنويا وريع ولاية. وإنى رأيت أن أحسن إليه ـ وقد اشتعلت شمس كرمى تموج ببحر امتنانى ـ ابتداء من اليوم العاشر من شهر شوال سنة إحدى وأربعين بعد الألف ، بمنحه ريع اللواء الذى كان تحت تصرفه على سبيل التقاعد. وبناء على أمرى السلطانى يجب أن يعفى من جميع الخدمات حتى يتفرغ فى بقية عمره للدعاء بدوام قوة الدولة وشوكتها ، وقد أصدرت هذه البراءة لتلقى العناية التامة والعمل بها وأمرت بأن يعطى المشار إليه رضوان أغا دام عزه مائة ألف أقجة فى خمس مرات إحسانا له مقابل خدماته العظيمة ومعه إيرادات اللواء الذى تحت تصرفه ومعه الجراية والمعلف والفدان من الخزينة الخاصة حتى يعيش حياة مترفة بفضل عنايتى ويعفى من جميع الخدمات التى يكلف بها أمراء مصر من خدمة المحافظة وإيفاده إلى اليمن والحبشة ونقل خزنته العامرة فيعيش مدة حياته صافى القلب صحيح القالب ويتفرغ للدعاء ليلا ونهارا بطول أيام السلطنة العادلة والثناء على دولة الخلافة.

١٤

وفى هذا الخصوص لا يقف أحد مانعا دون تتفيذ أمرى هذا ولا يتدخل فى هذا الموضوع ولا يجوز لأحد أن يبدل أو يغير من نص هذا الأمر ، وعلى الكل أن يثق فى أمرى هذا ويعتمد على صحة علامتى وشاراتى الخاصة من ثمرة أغصان شجرة خلافتى وأفنان جسمى الظليلة من الأولاد العظام والأحفاد وأركان دولتى القاهرة وأعيان سلطنتى الباهرة من الوزراء والولاة والحكام من محافظى مصر والأمراء الآخرين ومحاسبى الأموال ومباشرى الأعمال.

تحريرا فى أوائل شهر شوال المكرم سنة إحدى وأربعين وألف من هجرة من له العز والشرف سنة ١٠٤١.

صورة الفتوى التى أصدرها علماء مكة الأعلام عقب احتدام الخلاف بينهم وبين العلماء المعترضين وإصرارهم على مخالفتهم.

صورة السؤال الذى أورده رضوان أغا وهو يستفتى العلماء :

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

سؤال : ماذا يقول السادة العلماء أئمة الدين ـ نفع الله بعلومهم المسلمين وأحيا بوجودهم شعائر الإسلام وثبت بهم قواعد الإيمان وشيد مشاعر الإحلال والإحرام بجاه محمد عليه الصلاة والسلام ـ فى عمارة البيت الشريف ـ زاده الله تعالى تشريفا وتعظيما ـ إذا كانت الحجارة التى سقطت منه تحتاج إلى إصلاح ومساواة ، بحسب ما تحتاجه الصنعة وإلى زيادة أحجار عليها ، بموجب تكسر شىء من بعضها ولا يمكن إعادة البيت الشريف ـ شرفه الله تعالى ـ إلى حالته التى كان عليها ، وجعلها على حكمها إلا بزيادة بعض أحجار من جنس الأولى فى المساواة والنحت والإحكام وما أشبه ذلك ، فهل يجوز فعل ذلك وإصلاح الحجارة والزيادة عليها بما ذكر أم لا؟ وإذا قلتم بجواز فعل ذلك أو بوجوبه. وكان ذلك يحتاج إلى مدة طويلة

١٥

بموجب قلة المعلمين العارفين بذلك فى مكة المشرفة وجدة المعمورة والمدينة المنورة ، بل وفى مصر المحروسة ، وكان فى مكة ـ شرفها الله تعالى ـ من جانب السلطنة ـ أيد الله بها الدين ـ من هو متعين للنظر فى المصالح العامة للمسلمين ، من إصلاح المسجد الحرام والشوارع وغيرها وفيما يحتاج إليه الحال فى أوائل عمارة البيت الشريف من تهيئة المؤن وجمعها وضبط ما يرد لعمارة البيت الشريف من جانب السلطنة ـ أيدها الله ـ فهل يجوز له أن يشرع فى إصلاح الحجارة الأولى وفى تهيئة الحجارة التى يحتاج الحال إلى زيادتها وفى عمل نحو نورة وجبس وما أشبه حتى إذا وصل من يريد مباشرة العمارة يجد ذلك حاضرا مجموعا ومهيئا لتكون العمارة فى مدة يسيرة بدلا من تطويل المدة بعمل ذلك إذا ورد من يريد مباشرة ، أم لا؟ أفتونا مأجورين ـ أثابكم الله الجنة ـ وبينوا ذلك بيانا شافيا لازلتم عمدة المسلمين ومرجعا فى إحياء مشاعر الدين وتقبل الله منكم صالح الأعمال بجاه محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله ربّ العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

صورة الفتوى الشريفة

التى كتبها الشيخ عبد العزيز محمد الزمزمى ردا على السؤال الذى طرحه عليه رضوان أغا :

الجواب ـ الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم يجوز إصلاح ومساواة ما سقط من حجارة البيت الشريف ـ زاده الله تشريفا وتعظيما ـ إذا كان لمصلحة ضرورية أو لحاجة ما يحتاج إليه من الحجارة حيث توقف إعادته على أسلوبه السابق عليه أو كان فيه تحسينا للبناء وقد صرح جدى خاتمة المحققين وشيخ الإسلام والمسلمين أحمد شهاب الدين بن حجر ـ تغمده الله برحمته ، وأعاد علينا من بركته ـ بما يقتضى ذلك أخذا له من كلام أئمة المذاهب وبين ذلك فى محله بأحسن بيان واستدل على ما ذكره بقول بعض العلماء الذين يقتدى بهم : لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة لأن كل عصر احتاجت فيه لذلك قد فعل بها ذلك. إلا الحجر الأسود فلا يغير ومن أعظم الدلائل على جواز تغيير

١٦

حجارة البيت الشريف إذا احتيج لذلك فعلا سنّة عبد الله بن الزبير ـ رضى الله عنه ـ فإنه لما هدم البيت الشريف وأراد إعادته عزل من حجارته ما يصلح أن يعاد فيه ونقل إليه من الحجارة ما يحتاجه من الجبل الذى أخذت قريش حجارة البيت منه عند عمارتهم إياه وقد أقر العلماء ـ رضى الله عنهم ـ والملوك ونحوهم على تغيير باب البيت العظيم وعتبته وميزابه المرة بعد المرة مع صلاحية ذلك وعدم الاحتياج إلى التغيير لإظهار أبهته وأنه لا يليق لجلالته بقاء ما خلق أو عتق فيه فلذلك أقدموا على تغيير تلك الأشياء ولم يقع عليهم إنكار من العلماء الذين كانوا فى زمانهم فإذا جوز العلماء ـ رضى الله عنهم ـ ذلك التغيير من غير احتياج إليه فمن باب أولى جواز تغييره من حجارته الساقطة وإصلاحها ومساواتها لتكون على أكمل الوجوه اللائقة بحرمة البيت الشريف ولإظهار أبهته وجلالته ولا مراء أن بناءه بالأحجار المكسرة مع إمكان إصلاح ما يمكن إصلاحه منها وعدم تغيير مالا يمكن إصلاحه فيه إسقاط لهيبته من قلوب كثيرة ؛ لأنهم يرون البيوت المنسوبة إلى أهل الدنيا فى غاية الحسن الصورى وبيت الله بخلاف ذلك ؛ فيؤديهم ذلك إلى غاية الاستحقار بحقه وعدم الاعتناء بشأنه وهذا خرق عظيم يؤدى إلى غاية الوهن فى الدين ؛ فيجب التخلص مما يؤدى إلى ذلك لفعل ما فيه تعظيم بيت الله ـ زاده الله تعظيما وتكريما ـ ومنه السعى فى إصلاح حجارته ومساواتها وتغيير ما لا يصلح بخير منها وفعل كل ما كان فيه تعظيم له وإبقاء لحرمته وأبهته وجلالته ومن قصد لشىء من ذلك وفعله كان مثابا عليه الثواب الجزيل ومقابلا من الله بمزيد التعظيم والتبجيل لما فى ذلك من الاعتناء التام والقيام بإظهار عظمة شعائر الله على أكمل نظام ويجوز للشخص المذكور الشروع فى إصلاح الحجارة وتهيئة المونة المحتاج إليها لعمارة البيت المكرم ، إذا كان المصرف من مال طيب ليس فيه شبهة قوية لوجوب التحرز عن بنائه بحرام أو نحوه وما يفعل الساعى فى الخير كفاعله لا سيما إذا غلب على ظنه عدم ضرر يلحقه أو يلحق بسبب ذلك لما فى فعله من الإشعار بمزيد الاهتمام فى تعظيم بيت

١٧

الله وبذل الجهد فى القيام بحقه وفى ذلك من قوة الإيمان ما لا يحتاج معه إلى برهان جعلنا الله أجمعين ممن يقوم بحقوقه فى كل زمن وأن ينور قلوبنا بالإيمان ويثبتها على طاعته فى السر والإعلان وأن يزيد هذا البيت الشريف تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما وأسبغ نعمه وأفضاله والله سبحانه وتعالى أعلم.

نمقه الفقير الحقير عبد العزيز محمد الزمزمى الشافعى.

صورة الفتوى الشريفة

المعطاة من قبل الشيخ خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله وهو من كبار علماء المالكية ردا على سؤال رضوان أغا :

الجواب :

الحمد لله ، حاصل ما سأل عنه السائل. ثلاثة أمور :

الأول : إن ما احتيج إليه بالضرورة وما احتيج إليه من حجارة البيت وما تكسر منها هل تؤخذ لها حجارة وهل تصلح الحجارة المكسورة وتعاد فيها أم لا؟

الثانى : هل يجوز للناظر المذكور الشروع فى إصلاح ما تكسر من حجارتها وأخذ ما احتيج إلى بنائه أم لا؟

الثالث : لم يصرح السائل فى سؤاله بالمال الذى يصرف على ما احتيج إليه من مقدمات البناء وهو ضرورى لا بد من السؤال عنه.

أما الأول فما احتيج إليه من حجارة البيت الكاملة لا بد من أخذه وأخذه ضرورى والكلام فى المحل الذى تؤخذ منه الحجارة ومحصل كلام العلماء وفاقا وخلافا أنها أخذت حجارتها من اثنى عشر جبلا وهى حراء وثبير وأبو قبيس وأحد ولبنان وطور سينا وطور زيتا والجبل الأحمر والجودى والقدس ورقان ورضوى.

ثم الكلام على تخصيص الأخذ من هذه الجبال يطول إلا أنا نتكلم على ما يمكن الأخذ منه منها (حراء وأخذت منه حجارتها لأن النبى ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أنزلت

١٨

عليه الرسالة وهو فيه يتحدث وتردد عليه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيه وأما أبو قبيس فأخذت منه لأنه أقرب جبال الحرم إلى البيت وأما ثبير ـ واختلف فيه فقيل هو الجبل الذى على يسار الذاهب من منى إلى عرفة وهو قول المحدثين وقال الفقهاء إنه الجبل الذى عن يمين الذاهب من منى إلى عرفة ووجه ما قاله الفقهاء أن النبى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنزلت عليه «والمرسلات» وهو فى غار فى سفحه وهو معروف ، وأما أحد فوجه الأخذ منه قوله «اثبت أحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» (١) وبقية توجيهاتها يطول تتبعه ولا يهمنا لعدم الحاجة إليه الآن لبعده وللاستغناء عنه بغيره.

وقول الشيخ العلامة الرحالة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى إنها تؤخذ من المحل الذى أخذت منه قريش حجارة البيت كما فعل ابن الزبير غير ظاهر إذ لم يبين ما أخذت منه قريش فهو إما أن يكون أحد الجبال الاثنى عشر أو غيرها فإن كان أحدهما فنسبته إلى الخليل ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أولى من نسبته لقريش ، وإن كان من موضع غير الإثنى عشر ففيه مجال للنظر يعلم بالتأمل ، ومعاذ الله أن ابن الزبير يتبع قريشا ويترك الخليل ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

وأما الثانى فيتضمن ما قلناه قبل بيان الحكم فيه وهو أنه يجوز للناظر المذكور الشروع فى أخذ حجارتها وقد بينا ما يؤخذ منه وأما إصلاح ما انكسر منها ورده فيها فى الظاهر أنه غير جائز لأن البيت إن رد المنكسر الناقص إليه لا يتكيف بالكيفية التى كانت بل يتكيف بكيفية ردئية يمجها أرباب الصنعة وهذا غير لائق بقبلة الإسلام ، ثم إن اضطر إلى ذلك رد لكن لا ضرورة تدعو إليه.

وأما الثالث وهو ما يصرف على تلك المقدمات فيجب أن يكون حلالا متيقن الحلية ، ولا يجوز أن يكون مظنونها وهو ما توهم فيه عدم الحلية ، فإن لم يوجد

__________________

(١) أخرجه البخارى فى فضائل الصحابة الحديث رقم ٣٦٧٥ فى فضائل أبى بكر الصديق ، الحديث رقم ٣٦٨٦ فى مناقب عمر والحديث رقم ٣٦٩٩ فى مناقب عثمان رضى الله عنهم جميعا. وأخرجه الترمذى فى المناقب حديث رقم ٣٦٩٧. وأبو داود فى السنة حديث ٤٦٥١ ، والإمام أحمد فى المسند ٥ / ٣٣١ ، ٣٤٦. والبيهقى فى الدلائل ٦ / ٣٥٠.

١٩

صرف عليه مظنون الحلية وبقية السؤال قد تكفل المفتى الشافعى بالجواب عنه والله سبحانه أعلم.

نمقه الحقير خالد بن أحمد ابن محمد بن عبد المالكى.

صورة الفتوى الشريفة

المعطاة من قبل الشيخ أحمد بن شمس الدين الصديقى السهروردى أفندى وهو من علماء الحنفية :

ردا على السؤال الذى وجهه رضوان أغا.

الجواب :

الحمد لله سبحانه ..

«ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا .. وانصرنا على القوم الكافرين».

ما ذكر فى السؤال عما سقط من أحجار البيت الشريف إذا كانت تحتاج إلى الإصلاح والمساواة بحسب ما تحتاجه الصنعة وإلى زيادة عليها بموجب تكسر البعض وتلف البعض وجعلها على حكمها فى المساواة والبحث والإحكام أيجوز أم لا؟ وعلى القول بالجواز إذا كان محتاجا إلى مدة طويلة بموجب ما شرع فى السؤال وكان بمكة المشرفة من هو متعين للنظر فى المصالح العامة المتعلقة بهذه البلدة الشريفة من جانب السلطنة المنيفة ـ دامت ظلال عدالتها الوديعة ـ من إصلاح المسجد وغيره من الشوارع وتنظيفها هل يجوز له الشروع فى إصلاح الحجارة الأولى وتهيئة ما يحتاج إلى زيادتها وفى عمل نحو نورة وجبس وما شابه ذلك ليكون مهيئا عند وصول من سيعيّن من الأبواب الشريفة السلطانية لأداء هذه الخدمة السنية خشية طول المدة؟

فالجواب : عن ذلك ـ والله الموفق للصواب ـ جواز إصلاح الساقط ومساواته والمبادرة إليه وتغيير ما تكسر وعدم الانتفاع به وزيادة ما احتيج إليه من الحجارة مما سهل إحضاره من بعض الجبال التى بنى منها البيت العتيق كما ساقها الشيخ

٢٠